محمد زهير الباشا أحد أشهر الكتّاب السوريين، كان أول من نشر دراسة عن أدب شربل بعيني خارج أستراليا بعنوان "شربل بعيني ملاّح يبحث عن الله"
**
الجائزة
8/4/2016إلى أخي شربل
يا أغنى الأوفياء..
يا ثائراً حراً بعَطائِك وشعرِك وصبرِك وأحلامِك، وقد كرَّسْتَ جُهْدَكَ للشّعرِ والفنِّ بدواوينَ ذاتِ روابط روحيّة، وأنا أتفيَّاُ ظلالَ الأرزِ والسنديانِ والفلّ والريحانِ المرسومةِ كلماتٍ يباركُها قدموسُ بحثاً عن أوروبا، فيجتمعُ بصيدونَ على سفينةٍ إغريقيةٍ مزيّنةٍ بأوراقِ القمرِ على مرأى النجوم، وهي تهلّ مع جائزتِكَ القيّمَةِ، النُّبْلُ في المعاملَة، وبحسٍّ سرمديٍّ يسجِّلُ على صفحاتِ الأيّامِ ألفَ شُكرٍ للأخِ الأوفى على جائزته الغالية.
جائزتُكَ يا شربل، تعلّمُ الفنَّ وأهلَهُ كيفَ يكونُ العطاءُ الخَيِّرُ، والإيثارُ الرائعُ، وكيفَ يكونُ الوفاءُ ميزاناً للعلاقاتِ بينَ القلوبِ النَّيِّرة، وهيَ تخفُقُ حباً وثراءً على أمواج سيدني.
أحيّيكَ أطيبَ تحيّةٍ، وانْعَمْ بِسعادَةِ مَنْ مُنِحُوا جائِزَتِكَ.. فألف مَبْرُوكٍ لَهُمْ، والرحمةُ والغُفْران للغائبِ الحاضِرِ الدكتور عصام حداد، ومع الشكر لمعهدِ الأبجديةِ في مدينة جبيل اللبنانية، ومع الامتنان لمؤسسة الغربة الإعلامية.
أخوكم محمد زهير الباشا ـ فرجينيا.
**
أعلام معاصرون في أدب الهجر:
شربل بعيني
كانت الحقيبة في يده يزعجه ثقلها، وفي يده الأخرى تأبط علبة بيضاء ضمّت حذاء جديداً.. ومرت لحظات امتزج فيها الفرح والخوف والخلاص، دون أن ينسى ذلك الخوري وهو يطرق باب بيته ليلاً، ويهمس في أذن أمه: "سيرمون ابنك شربل في البئر، وعليه أن يغلق فمه، فلا يتفوّه بما يزعج الآخرين".
وعرف شربل انه سوف يدفع ثمن تحركات لسانه، فكيف يخرس؟ فكانت له الغربة ملاذاً وملجأ، ولمعةً في حلم، واستغنى عن مشاريعه دفعة واحدة، وألغى من طموحاته الحصول على شهادة الحقوق، وكان يتمنى أن يرتدي ثوب المحاماة دفاعاً عن الضعفاء، ويبقى له قول الشعر دفاعاً عن المظلومين، فالعدالة في لبنان لم تخففها قبلات امه في وداعه، ولم ينسَ كلمتها: "لا فائدة يا بني.. من سفرك، فأنت ستهاجم زعماء لبنان في مهجرك.. سيرمونك.. ولن يعثر عليك أحد. في لبنان يا بني لا شيء له قيمة، لا شيء له قيمة، سيرمونك في البئر.. فأنت لم تحصل على وظيفة معلم.. فاهرب بجلدك".
وادعى انه ماهر في خياطة الألبسة، وانه على استعداد ليصرف ثروته التي سيحصل عليها في أستراليا. وتخلّى عن حذائه القديم، ولبس بسرعة حذاءه الجديد أمام موظف الهجرة الاسترالي في بيروت، وانتابه الخوف من جديد وهو في الطائرة مدة ثلاثين ساعة بين الجو والارض، هارباً من تهديد المتسلطين على حياة الضعفاء.
وفي أستراليا، لم يشأ أن يؤيد فئة أو يكتب لفئة، فالانسان في عرفه لا تفتته قيمة إلا حين يخسر نفسه وروحه وقد خسر العالم كله.
لكنه على جمرات الغربة صبر ونأى عن التدخل فيما يذهب أيامه هدراً.. فتوالى نتاجه الأدبي وهو يدفع من جيبه حتى يطبع قصائده على الآلة الكاتبة، ثم يصوّرها، إذ لا مطبعة عربية في سيدني، فهو المؤلف والمشرف على الطباعة وهو الموزع والبائع.. حتى ألف العرب المغتربون اسم هذا الشاعر: شربل بعيني.
ولما التقى بالاديبة السورية الدكتورة سمر العطار أعاد اليها الضحك والامل حسب اعترافها في مقدمة ديوانه "كيف اينعت السنابل؟"، وقد تعجبت منه، وأحبت براءته الطفولية إذ كان يثرثر بخفة وطلاقة عن أولئك الذين أطلقوا الرصاص حوله في طرابلس ـ لبنان، وعن أولئك الذين أرسلوا الخوري لأمه، وكان تعليقها: "كنت أرى أشباحهم السوداء، وكأنهم خارجون من توّهم للجحيم، ويراهم الشاعر دمى ملونة في مسرح العرائس، أو خيالات مضحكة.. لكن رؤيتنا للاشياء كانت تختلف اختلافاً جذرياً، كنت أرى العالم جحيماً لا يطاق، بينما كان هو يرى العالم مكاناً مشرقاً يمكن أن يعيش فيه الاطفال. وعندما ودعته وأغلقت الباب، أحسست بأن شربل قد منحني بصيصاً من الأمل".
الغربة عبء ملموس ومشاعر مأساوية.. والكلمة عن الغربة عبء ورسالة يومية تذكر المهاجر بالجوع الذي أمات اللهفة في أعين الصبايا، وكأنها زوابع على أرض المهجر لا يراها سوى ـ المغترب ـ وقد أيقن انها لا تمسح دموع الحزانى، رغم انها تدفعه الى القول، فلا الصمت المعذب يرضيه وهو يقرأ العبرات في النفوس الهائمة عن أرض الوطن، عن قممه وسفوحه، عن قراه وشطآنه.
وتتوغل آلام البعاد وكأنها البحر المتحفّز في مجابهة النفس الشاعرة التواقة الى الصدق، صدق المشاعر في دنيا لا تتوقّف امام القلوب الفارغة، فاكتظت الافئدة بكل اللمعان إلا لمعة الصدق.
شربل بعيني.. قيد الضياع أحاسيسه، وتحمل أعتى وأقسى الظروف دون أن يخشى هدير الطواحين التي تدار بدماء الأبرياء. وقد خسرت بيروت بهذا الهدير البحر والشمس والانسان، ورغيفاً تلاحقه أعين الاطفال، وأمام مدامعه كان رجلاً غضوباً، للحق، للعدالة، للانسانية، وامام صبره كان مسرفاً بحب القيم الانسانية، ومثلها العليا، وأمام هذه الغربة، كان رمزاً لكبرياء الذات، الذات الهائمة بالانطلاق، هذه الذات أوصلته الى وجدان الصدفة التي تمثل الحب والصبر وصوتاً من ايقاع، ففيها نزاهة الموقف، والكشف عن ترهات الحقد والكيد والتزمت، وهو يقرأ ما قاله الشاعر اليوناني بتروس سوناس:
جمعت كل الصبر من صواني الشحاذين،
وربطته في منديلك..
جلست مراراً على عتبة الريح ليالي طويلة،
دون نجم يملأ راحتك
فماذا الذي ترقبه بعد؟
خذ صواني الشحاذين الفارغة واجعلها دفاً صغيراً..
واصنع أغنية للغد .. وكل غد..
ولكل دف غد..
ثم احكم يدك الفارغة.
وتعلم الشاعر شربل بعيني ان الصبر ليس حزناً ولا قهراً.. فمنحته هذه المواقف آفاقاً جديدة، وابعد عن نفسه ضغوطاً من ذكريات أليمة، وتطلع الى الكلمة الشعرية يبني من تفاعلاتها شعراً فصيحاً بلغة سليمة طيعة، ويستلهم من ربى لبنان زجلاً اخضر اشتهر به "ميشال طراد"، "وايليا ابو شديد"، و"غنطوس الراسي"، وسواهم. ففي لبنان أصدر الشاعر ديوانين: الأول منهما كان يمثل فترة العبث والطيش، أسماه "مراهقة" وكان ذلك عام 1968، اتبعه الديوان الثاني "قصائد مبعثرة".
وفي سيدني، تتابعت اصدارات الشاعر منذ عام 1976، فارتبطت بعض دواوينه الكثيرة بهذه العناوين مع تاريخ طباعتها:
1ـ مجانين 1976
2ـ قصائد ريفية 1980
3ـ رباعيات 1983
4ـ الغربة الطويلة 1985
5ـ كيف أينعت السنابل؟ 1987
6ـ الله ونقطة زيت 1988
وبقراءة سريعة بين دفتي ديوانه "كيف اينعت السنابل؟" نسمع صرخات الشاعر وكأنها الجرح الخطير والنزيف في ظلمة الليالي، وهو يخاطب السادة المحققين، فمن قصيدته "اسمعوني جيداً" نتلمس كيف سارت نبضات الشاعر وراء الأمل، وهي الأمل:
اسمعوني جيداً يا سادتي المحققين
بعت أشعاري.. ولكن
صارت الاشعار خبزاً
صارت الاشعار صوتاً
صارت الاشعار ضوءاً
في حياة البائسين
اسمعوني جيداً يا سادتي المحققين
يا من ذبحتم "ابنكم"
من أجل دولار لعين
واعتقلتم دردشات الناس
ضحْكات الصغار الآمنين الطيبين
يا من سحقتم بالنعال راية الحق المبين.
الأمة، العدد 11، 9/1/1989
صدى لبنان، العدد 636، 7/3/1989
**
الرسالة الأولى
دمشق/السبت/26-9-1987
أخي الأعز الشاعر شربل بعيني المحترم
تحية شوق ومودة وبعد
فمن يد كريمة ونفس سمحة، وصلت إليّ مؤلفاتك الخمسة مع مؤلف الأستاذ كلارك بعيني، ويبقى فضل هذا الوصول للأخ الأديب الأستاذ نعمان حرب، بعد أن استفسرت عن وصولها بالبريد، وكان الجواب سلبياً كعادة نبلاء هذا العصر.
أخي الأعز..
البحث عن عبير وردة فواحة مشكلة كل عاشق، والإنغماس ذوباً برؤية بسمة، هي قضية كل شاعر وفنان أصيل، والحب كل الحب صدق يتوهج في كل قلب، والضمير المتيقظ على غروب أمل يشقيه فجر يتوهم قربه.
وإذا ما سارت النفس مع كلماتك في مؤلفاتك، يسعدها أن تلتقي بها لتعرف كيف أن طريق الجلجلة وحده يصنع الأرواح ، ويهندس النفوس.
كم كانت لحظات ممتعة وأنا أتلقى من الأخ نعمان تلك المؤلفات، وكم كانت لحظات ممتعة وأنا غارق في ـ اللوحة الدمشقية ـ الخصبة التي رسمتها بإمعان وإخلاص للحرف أنامل الدكتورة سمر العطار.
وكم كنت أتمنى أن أعرف ألوان ومشاهد تلك اللوحة التي ظلت في درج الاختفاء لا يعرفها إلا المقربون والعارفون، لكن ليس لي نسخة سوى النسخة التي تفضّل بها وأعارني إياها الأخ نعمان. ليتك تتوسط لي مع الأديبة فترسل لي نسخة من روايتها، التي زخمت وجمعت ونوعت، إذ يحلو لي العودة إلى روايتها لأستقي منها دراسات جديدة، لعل الأمر يتوفر لك، فأكون لك من الشاكرين.
كما يسعدني أن أجعل من دراستي المتواضعة عن مؤلفاتك كتاباً خاصاً بنتاجك الشعري، فما هو رأيك؟.. إذ الدراسة الموجزة، نقداً أو شرحاً أو تعليقاً، أو تحليلاً، تبقى مغامرة قلم في لحظة توهّج، أما الدراسة الموضوعية الشاملة التي تظهر في كتاب تكون أجدى على الأدب العربي (في المهجر الأسترالي). بانتظار موافقتك، أتمنى أن أقرأ لك المزيد المزيد من هذا العطاء الغني، وأنا اليوم أعيش أسعد الأيام مع مؤلفات شعرية لأديب مهجري في البرازيل، ليكون اليوم الآتي كتاباً متكاملاً عنه.
مع أطيب تحية وأعمق مودة لكم وللأخ كلارك، وللأديبة الروائية الدكتورة سمر العطار، وبانتظار رسالة من يدك التي تزرع الأمل في القلوب.
وإلى لقاء قريب.
محمد زهير الباشا
دمشق
**
صحة وعافية
دمشق/1 كانون الثاني 1988
أخي الأعز الشاعر شربل بعيني
تحية طيبة وبعد
فأرجو أن تكون والاخوة الأدباء في أتم صحة وعافية.. فآلة العيش صحة وشباب، كما قال أستاذ الشعراء المتنبي، وكيف يمتلك الأديب صحته وهو يقدم دفء حياته من أجل من يعشق وما يعشق، وقلبه شباب دائم لا يعترف بالمشيب؟!
أعيش هذه الأمسيات مع مؤلفاتك عيشة الزاهد بكل صفحاتك، أقرأ تصويرك المجنح، وأتلمس عذاب الضمير، هذا الضمير الذي رفّ سلاماً وبركة وحضارة في كل عصر، حين التقت الأرزة والنخلة في مضمار عطاء حضاري نبيل.. ويطول الحديث عن الاستعمار وذيله اسرائيل، فقد نام الضمير العالمي، استغفى واستعفى، استجلبوا ضمائر قدّت من نار السامري، ولم يتذكروا حساب فرعون على ميزان العدالة بريشة طاووس. واستلبوا من الانسان نور عينيه، منذ وصول رسالتك إليّ، وأنا أعترف لك بأنك منحتني ثقتك الغالية اعترافاً، أود من خلالها أن تستمر مواسم الخير والجنى بيننا، ليكون التعامل مثمراً، وقد تعودنا على الوضوح، لهذا كثر العزال والحساد واللائمون ووو..
فكرة تأليف كتاب لاقت منك الثقة والتأييد، هذا جيّد، ويمكن الارتياح لهذه الفكرة، لكن الصعوبة يا أخي تكمن فيما يلي:
1ـ موافقة من الجهات الرسمية تحتاج إلى أشهر.. فالجهات الرسمية عديدة، ومن الضروري أخذ موافقتها.
2ـ تأمين الورق الجيّد للطباعة يكلف كثيراً كثيراً، إن من السوق السوداء الخاصة، أو من غيرها.
3ـ تأمين الكرتون.
4ـ أجرة الطباعة في هذه الأوقات غيرها قبل عام أو عامين أو ثلاثة.. وأنتم تدرون بالأسعار وبالتكاليف من أجل أن يكون الغلاف جيداً، فهي باهظة.
لهذا فإني أقترح ما يلي..
استمر بتأليف الكتاب عن نتاجك الأدبي، وأرسله إليك مطبوعاً على الآلة الكاتبة، وفي سيدني تتكرم أنت فتشرف على طباعته ونشره، فالطباعة لديكم أسهل من غيرها في بلاد أخرى.. (وأن توافيني بتفاصيل عن حياتك بترجمة تبين فيها صعوبة الحياة في الوطن، في المهجر، الأعمال الكاملة التي قمت وتقوم بها). ويمكن أن يكون الكتاب يحمل عنوان: شربل بعيني بأقلامهم 3، أو أي عنوان آخر يتفّق عليه.
بانتظار ما يمكن أن نتفاهم عليه، أتمنى لك دوام العنفوان والغضب، وأن يبقى صدرك بحراً زاخراً يقذف الطحالب من براثنهم.. لكن لي عتاباً على الدكتورة سمر العطار، كنت بانتظار رأيها حول ما كتبت بكل صراحة وقوة، إذا بي أفاجأ بكلمة شكر ترد في رسالتها للأخ نعمان، مع العلم أني أتلقى رسائل حول ما أنشر عمن يكتب ويبدع، إلا صاحبة اليراع المتمرد، فأنا لا أكتفي بما ورد.
وللأخ كامل المر أطيب تحياتي، فقد وصلتني تحيته برسالة للأخ نعمان.. فشكراً له.
تحياتي الصادقة إلى الأخ كلارك، وليبارك الله لكم غزارة الرؤى والمزيد المزيد من الغضب على لصوص الدم والثروات، والجاحدين، والذين لا يعملون ويسيئهم أن يعمل الآخرون.
مع هذه الرسالة صورة عن مقالة حوارية: حوار في ضباب، أرجو أن ترى النور في إحدى مجلاتكم، وأن توافيني بنسخة عنها.. (الجورية والقذيفة)، فمتى يعود العطر إلى شمس بلادي؟
المخلص
محمد زهير الباشا
**
لمن أكتب.. ولماذا أكتب؟!
دمشق/9 آذار/1988
الأخ الأعز والشاعر المرهف الاستاذ شربل بعيني المحترم
تحية صدق ووفاء ونحن على درب العطاء
وأنت تبني في قصيدتك الواحة الغناء
لكن الطحالب أكبر وأشد افتراساً من شوك الصحراء.. عجبي..
رسالتك تثلج قلبي، واشعر بدفء كلماتها، فإذا كان البريد يعمل على الفحم الحجري فهذا إطراء، لأن فيه دفئاً إنسانياً، بعد أن أصبح الأدب ينمو في حلوق المتاجرين بالانسانية.
لدي، على اختصار، من المخطوطات ما أن أنظر إليها وأراها خبيئة الدروج المظلمة والأرفف المغبرة، حتى ألوم نفسي كيف كتبت؟ ولماذا؟
هل أنفقت من عمري زهرة السويعات وأمضيتها لأكتب؟ ولمن أكتب؟ للجاحدين.. للسارقين من عيون الأطفال فرحة عمرهم؟!
وما الجاحدون والسارقون إلا أولئك المتطفلون على الأدب والفن والكلمة!..
لدي مخطوطة عن الإنسان الذي خدع بالأسلحة الفاسدة عام 1948م.. وهي رؤية. ومجموعة قصصية عن الواقع الاجتماعي والنفسي المرير. ومجموعة قصصية للأطفال، ودراسات في النقد، وآراء حول الأدب والشعر. ولم أتمكن من نشر سوى:
مجموعة قصصية بعنوان: خيوط من رماد. ومسرحية انتقادية عنوانها: من تحت لتحت. وموازنة شعرية حول شعر حسان بن ثابت في الجاهلية والاسلام. وهناك في المصنفات دراسات أخرى عن أبي تمام، وجرير، والنواسي وابن خفاجة.
لهذا كله اشعر وكأني في القطب عند جزر الفولكلاند، كما تسميها بريطانيا العجوز، أرقب تيارات الرياح، وأصطدم بثلوج يسيّرها زعانف الحيتان.. وطلب مني أخيراً أن أؤلف بعض الأغنيات، وبدأت فعلاً بتأليف أغنية متواضعة، صغت مطلعها: حبيتك مليون مرّه.. وشرع الملحن والمطرب بالتمرين عليها.
لم أكن أتصور يوماً أن الظروف تجبرني على أن أتنازل عن أجواء الدراسة والبحث والتنقيب إلى جو أحبه، وهو جو الغناء والموسيقا. اما أن أؤلف أغنية، ويطلب مني الأغنية الراقصة والنشيد الوطني، فهذه اسطورة من قدر يتلاعب بأعصابي، إذ لا بد من التنازل في عصر العمالقة بأسلوب (حك لي لحك لك)، فالحك بالتبادل يؤدي الى الامن الدولي.
في الاسبوع الماضي، تكرّم عليّ الأديب نعمان بزيارة، وجرى الحديث حول تأليف كتاب شامل عن إبداعك، وشعرك، فتفضل الاخ نعمان ووضع النفقات بالليرة السورية، وفق ما يلي بصورة أقرب إلى الصواب، وهو المتمكن من معرفة النفقات:
240 صفحة× 15 ملزمة× 1500 ورقة
النفقات:
45000 ل س ثمن ورق + 15000 ل س تنضيد وبلاك + 5000 ل س ثمن غلاف + 4500 ل س اجرة طباعة + 4500 ل س اجرة تجليد. المجموع74000 ل س، بما يعادل 2500 دولار أمريكي/ لألف نسخة فقط. ترسل إليك 500 نسخة، والباقي 500 نسخة توزع بسورية، ويكون ثمن النسخة 74 ل س، الكلفة بما يعادل دولاران ونصف. وهذا الأمر يتم بالاشتراك مع الأخ نعمان إن وافقت على هذا الأمر، أما إذا وجدت الأمر سهلاً لدى طباعته عندكم (وباسمي فقط) على باب التواضع، فأرجو إجابتك لأتمم ما أزمعت به حول تأليف الكتاب عن مؤلفاتك، وسأعلمك بتسمية الكتاب، فأرجو التفضل بإبداء الرأي حول هذا الأمر.
إن المادة، الدولار، يقف كالغول يفترس كل ابداع، ليبقى صوته هو الأعلى، ولو صرخت جميع القبائل بأفريقيا إنها جائعة، لرمى لها بالنتف من الخبز المحمّص، فتركع وهي أم الخيرات في هذا الكون.. تجوع ثانية.. وقرناً.
أشكر لك اهتمامك بما ينشر لي، وكنت أتمنى لو تفضّلت بنشر الأبجدية كاملة عن (وذقت الذي ذقته مرتين)..لعل ذلك يكون أوضح في الحديث عن الأخطل، وما مازجه من لقاءات فنية بشعرك وزجلك.
تحياتي إليك، وآمل اللقاء بنبضات قلبك التي أستمد منها الرؤية لخير البشرية.
أحييك مع سلامي إلى الاستاذ كامل المر، متمنياً للجميع دوام الصحة والسعادة. أما راحة البال.. فكلنا في الهم شرق.. أو قل معي: فكلنا في الهم سيدني.
دمت أخاً كريماً وشاعراً ملهماً..
محمد زهير الباشا
**
شقيق الروح
دمشق في 23 نيسان 1988
الأخ الأعز شربل بعيني الأكرم
تحية صدق في كل كلمة أرسلها اليك، وما اعتاد قلمي إلا الصدق في زمن مغلف بأقواس قزحية تحتار كيف جمعت فكان البياض على معادلتها يوحي بصفاء القلوب.
شكراً لك أيها الأخ الأعز على هذه الثقة الطيبة، وأرجو ألا تكون بأي حيرة تشغلك، أو أرق يبعد عنك وعنا أنغماسك في دنان الشعر، وخوابي الابداع المترفة في شعرك.
فعقب اللقاء مع الأخ نعمان حرب، وهو شقيق الروح كما تعلم، وأنا لا أميّز بين شاعر وأديب، فكلهم في الضمير رفاق الكلمة التي تحارب الطاغوت والاستغلال والتشرذم.. أطلعت الأخ نعمان على رسالتك، وتم الاتفاق وفق رسالته إليك، ووفق ما جرى التعاهد عليه.. تكون الدراسة التي هيّأت مخططها وفهرسها وزواياها حول إبداعك الشعري، وأنا ما زلت غارقاً في أجوائك، تكون الدراسة من الوجهة الفنية والابداعية والتصويرية مهيأة بقلمي المتواضع ، ويقوم الأخ نعمان بالترجمة الذاتية والمقدمة، وتكون محتويات الدراسة واحدة من قبسات الأدب المهجري، عقب موافقتك على هذا الاتفاق.
وقد تفضل الأخ نعمان مشكوراً، فتسلمت منه ديوان (ألله ونقطة زيت)، قل لي بربك.. هل بقي في قنديل فيروز نقطة من زيت لنمسح ضمير المقاولين، وباعة الرقيق وتجميع الذهب في كنوز خبّأها علي بابا ومعه أرقام الخزائن.
قرأت كلمة الدكتورة سمر العطار عن المرأة العربية كيف تنظر إلى نفسها.. إنها أديبة متمردة على جدار مهترىء.. حلو تمردها، تصيب المفصل ولا تدمي.. تدمي العيون تقرحاً ولا تجرح.. بل تجرح المتضرر لترى العيون أين مكامن النفاق. تحياتي لها.. مع أطيب تحية للأستاذ الأديب كامل المر، والأستاذ فؤاد نمور، والاستاذ أكرم برجس المغوّش.. وإلى لقاء برسالة من لمعة أناملك.
واسلم لأخيك
محمد زهير الباشا
**
شاعر يبحث عن الله
دمشق في 16/7/1988
أخي الأعز شربل
أطيب تحية لأغنى قلب
وبعد..
فإني لأشكر لك إرسال رواية الدكتورة سمر العطار عن (البيت في ساحة عرنوس)، ولقد حاولت تصوير رواية لينة، لكن الظروف لم تسنح لي بذلك، فكنت أسجل المقولات عنها اعتماداً على الدراسة الأولى فحسب.
وسلّم الله يديك بنشر هذه الرواية الثانية التي وصلتني اليوم السبت، وسأبحر في ثناياها، فور انتهائي من طباعة الدراسة الأدبية النقدية حول دواوينك الشعرية وفق المنهج الوصفي والمنهج المعياري.
فالدراسة مهيأة، ولله الحمد، واسمح لي زمناً يتناسب مع العودة من جديد إلى دواوينك، وعلاقاتها بالدراسة وفق الأبواب التالية مع عنوان مؤقت: شربل.. شاعر يبحث عن الله.
فمن هو الله؟
ما ذاتيته لدى الشاعر؟
ما هي رؤيته الجمالية على ضوء الأرز والوطن والانسان والله؟
الأبواب مؤقتة قابلة للثبات أو للتغيير:
1ـ مقدمة عامة
2ـ لبنان
3ـ الغربة
4ـ عالمه الداخلي
5ـ المراهقة
6ـ مجانين
7ـ عالمه الفني ورؤاه وصوره
8ـ الله..
واليوم بدأت بطباعة الباب الأول والثاني، ولي عودة عدة مرات إلى دواوينك، مع الله، ومع الدراسة معاً.
أكرر لك أن هذه اللغة كمثيلاتها عاجزة عن التعبير عن أدق ما يود ان يعبّره القلب بقلم متواضع، يحمل كل معاني الحب والسمو والمودة في هذا الزمن ألأغبر. وأرجو أن أقوم بهذه المهمة المسؤولية، فالثقة هي المروءة، هي العدالة، هي النور الذي يجمعنا لخدمة الإنسان، كي يعرف الحقيقة، وما الحقيقة إلا جوهر الإنسان، والانسان ظل الله في أرض. سأرسل الدراسة فور انتهائها بإذن الله.
لك مودتي وتحياتي مع أطيب سلام للدكتورة سمر، وللأديب كامل المر، واسلم لأخيك
محمد زهير الباشا
**
غاية الغايات
دمشق في 27/8/1988
أخي الأحب شربل
تحية غالية وأمنية أغلى
ألف عذر وعفو من قلبك الكبير لاضطراري إلى التأخير بسبب تغيير عنواني المدون في الأسطر الأخيرة من هذه الرسالة، حيث تأكد سفري، وسأتوجه إلى عنواني الجديد بعد ثلاثة أسابيع من تاريخه، لهذا أرجو موافاتي بكل ما يستجد من نتاج أدبي وفني وفكري.. ولن تنقطع الصلة الأخوية بيننا طالما استبشرنا بالخير مع طلوع كل فجر، فسوريا كل يوم تواقة كي يكون الوطن كله بعيداً عن الشرور والآثام.
وقبل وصولي إلى ذلك العالم الجديد.. أحييك، فقد أصبحنا غرباء، وكل غريب للغريب نسيب، والغربة طويلة قاتلة، والسنابل خيّرة في البيادر، وحب الوطن في الدم لا تغيره الأمكنة ولا الأزمنة.
الدراسة بين يديك كما عهدتك أمانة ورسالة، فأنت حر بما تضيف أو تحذف أو أو.. طالما وجدتها أمانة بين ناظريك، فالعمل نحو الأفضل والأكمل هو غاية الغايات.
تحية طيبة للدكتورة سمر، وللأخ كامل، وللاخوة الزملاء.
مع خالص الحب والاحترام.
رجاء إعلامي وصول هذه الدراسة وشكراً سلفاً.
أخوك
زهير
**
الرحيل إلى فرجينيا
22/10/1988
الأخ الأوفى شربل بعيني المحترم
تحية صدق ووفاء وأشواق وبعد
فاليوم وصلت إلي رسالتك المكتوبة بخط يدك الطيبة، وسررت كثيراً لوصول دراستي المتواضعة عنك. فأنت الشاعر الذي أدرك من مفاهيم الكون ما لا يدركه غيرك، ووضعت يدك على اسرار هذا الوجود وضع من يعرف ويناقش ويستوعب، فلا ضبابية ولا انطلاق في مساحات الوهم ومشارف الخيال، بل جندت خيالك وأحلامك وطموحاتك لتكتب حروفك بتوهج فؤادك، فكانت دواوين لهوى الفؤاد، وملاذاً لكل خفقة تألمت من وباء هذا العصر وأمراضه، ولا مجال لأي احصاء عالمي أن يعد هذه الأمراض بدءاً وانتهاء مما هو كائن على البسيطة.. اسمه الإنسان.
وكنت اسجل مقاطع الدراسة في وقت صعب جداً، ولكني تابعت وتابعت رغم الأقاويل.. رغم أن الكثيرين يودون أن يأكلوا لحوم الآخرين، وسررت بأن العمل جارٍ على طباعة تلك الدراسة.
ومع السرور.. ان كتاب الاستاذ كامل المر في مشواره، جاء إلي مع رسالتك، وإن أولى الرسائل خارج حدود العالم الجديد قد وصلتني من يد ابنتي القاطنة في لندن. وكانت رسالتك الأولى من أستراليا، فكان لها الوقع المفرح في قلبي.
الآن توزّعت أسرة الباشا إلى قارات ثلاث: الإبنة في لندن.. شمل الأسرة في أميركا.. بقية جذور الاسرة في الجزائر.. أخت واحدة ووحيدة في دمشق. وليتني أستطيع أن أشرح ما أنا فيه من عذاب لفراق الوطن، وأن أشرح لك ما هي الأسباب التي ادت الى خروجي منه.
كنت في الوطن غريباً، والغربة فتاكة في حضن من تهواه وما تهواه، وقد فقدت كثيراً من العناصر الإنسانية في أرض الوطن، وصبرت، وصبرت، حتى استطعت أن أهيىء لأبنائي الحياة الصعبة في هذا العالم الجديد. وإنها، أيها الأخ الأعز، ليست رحلة إلى هذا العالم المتفجر بالعمل ليلاً نهاراً.. إنها عملية بقاء مع الأسرة في فرجينيا، قريباً من واشنطن دي سي.
أخي الأوفى..
ليس هناك أصعب وأتعس وأقسى من أن يظلم الانسان أخاه، ابن عشيرته، ابن حيّه، وقد تنفّس كل منهما هواء الفصول، وشربا من نبع الحياة، ورغبا باقتطاف كل الثمرات المباحة، او التي تحمل شهامة لا خوف عليها.
وفي دمشق، كنت أعيش بين جدران بيتين:
أولاً، بيتي الذي أبيع أثاثه الذي اقتنيت منذ سنوات وسنوات، ويحز في قلبي اني أبيع ما كانت تصبو إليه نفسي: الكتب يا شربل، مقدسات الفكر، خلاصة المشاعل الحضارية، أبيعها لتاجر يجمع الكتب بأنواعها، والمجلات بألوانها، ليبيعها على الأرصفة بدمشق، وليخبىء بعضها فيتاجر بها.. خناجر من الحزن والألم والشقاء كانت تحز في جوارحي لحظة كنت أقدم كتبي للبيع.. والثمن بخس.. كثمن الانسان في بلدي، عفواً، في بلدنا.
وأنظر.. هذا السرير نمت عليه، والنافذة تلك فتحتها للشمس، وهذه غرفة السفرة، يشتريها تاجر هو موظف بالجمرك.. ووو.. وعملية البيع أخذت مني كل الأوقات، وجلبت عليّ التعاسات، وعرفت أشخاصاً على حقيقتهم، فمنهم، وهم قلة، وقفوا معي بعواطفهم، واستعدادهم للبذل. ولا بد من أن أشرح لك الاسباب التي دفعتني للرحيل.
ومنهم من كانت صداقتي لهم تزيد على عمر بيتي هذا، يستغربون ثمن الأثاث، وثمن الكتب، وأشهروا بوجهي سيف المقاطعة، بل سيف النكران لعهد كان بيننا، وصداقة كنت أظنها وطيدة، لكنها تهافتت.. رغم أنهم لم يشتروا ، ولم يشجعوا، ولم يخففوا عني بكلمة، بل كانوا ينقبّون عني: لماذا تسافر؟ وأين؟ ومتى تعود؟ وهل من الضروري السفر؟ الخ. مما لا يجروء قلمي على ذكره، ويا للأسف. وهم يعلمون أن عليّ أمانات عقب ترحيل زوجتي، ثم ترحيل ابنتي، ثم ترحيلي إلى فرجينيا، والأمر كان في غاية التعقيد، لولا رحمة ربك.
ومهما تحدثت إلى قلبك الكبير، فإن لي به خفقة مودة تخفف عني متاعب تلك المرحلة، ومتاعب هذه المرحلة التي أستعد بها فأعمل في الأكايمية مدرساً للغة العربية وآدابها، وأضع نصب عينيّ تدريس مادة الأدب الحديث والنقد المعاصر في إحدى أقسام الدراسات الشرقية في إحدى الجامعات، لكن هذه الفكرة الأخيرة تحتاج إلى وقت، وإلى صبر، وإلى دراسة للإنكليزية، حيث أني أضعف من ينطق بها الآن، وتحتاج إلى إقامة دائمة، وإلى بحث مستفيض، وإلى نوع من المساعي الطيبة لدى المطلعين على هذا الأمر.
ثانياً: البيت في ساحة عرنوس، كنت أقرأه وقرأته بدمشق، فعشت في بيتين معاً، وخاصة وأن البيت في ساحة عرنوس قريب من بيتي في دمشق، زرته، لا يفرق بيننا سوى شارعين صغيرين، بينهما مخفر الشرطة والشرطة في خدمة الشعب كما يعلنون.
والآن، عدت إلى البيت في عرنوس لقراءة جدرانه، ومعرفة أحوال من كان قبل عشرين سنة من باعة ودكاكين. صحيح إني بعت البيت في دمشق بثمن بخس، لكن بقي معي البيت في عرنوس، أقلب صفحاته، وأتصور أماكن الأحداث، وأرى الأماكن التي بقيت حتى الآن، وما الذي طرأ عليها.
الأخ الأوفى..
اعذرني.. اعذرني، فقد أطلت، ونحن في القارتين غريبان، وكل غريب للغريب نسيب، وأنت لم تكن ولن تكون غريباً عني، فأنت الأخ الأوفى، حماك الله من السوء ومن أهله، ومن دعاة الزيف.
مع تحياتي المخلصة للدكتورة سمر العطار، والأخ كامل المر، وأرجو أن أوفق فأطوف في مشواره معك.
إلى اللقاء، واسلم لأخيك
محمد زهير الباشا
**
جنون وتحدٍ
الثلاثاء في 29/11/1988
خيي شربل..
تحياتي وأمنياتي لك بالتوفيق.. وبعد
فقد ألبستني من الأثواب ما جاءت على مقاييس عديدة، فكيف أرد لك بعضاً من جميلك ومعروفك؟ يكفي منك (خيي زهير) في عصر ماتت فيه أرواح الأشقاء.. وجدت في كلماتك كل معاني الأخوة، فلماذا نتشرذم ونتقاتل على المادة باسم التمدن وانتشار العدالة ـ الممطوطة ـ أفراحي ما زالت تصبو إلى أن أدخلت الفرحة في قلبك، لكن هذه الأفراح جاءت في أعسر الأوقات.
أكتب إليك هذه الأسطر وأنا في مستشفى فيرفاكس، عقب زيارة أم العيال، التي أجرت البارحة عملية في قلبها، الذي تحمّل قساوة هذه المرارة، هذه الحياة.. واستمرت العملية الجراحية من الواحدة والنصف إلى الخامسة، وعدت إلى البيت فوجدت النسخ الثماني عشرة مع الجريدة (صدى لبنان)، صدى الحق والقوة، كم كان سروري بها عظيماً، لكن رؤية أم العيال عقب العملية الجراحية أسكت فيّ منافذ البهجة. سأعود إلى الجريدة، طبعاً، وأشكر كل من تفضّل فشكر لي جهدي المتواضع بكتابة ما أحسست به، وأنا أتصفّح بنبضات قلبي كلماتك، وأقرأ فيها المآسي وأصرخ معك على المجانين، حتى عدّوني واحداً منهم، وعلى الأقل صنّفت مع أهل الغفلة فتصور؟..
وقبلت هذا الجنون والتحدي، وكأن الحياة دراهم وشيكات!.. قالوا: أتكتب هكذا؟.. قلت: أكتب هكذا، وفق خطي أنا لا خطكم.
وقالوا: أتقدم نتاجك إلى أستراليا ولا تدري ما الذي سيكون؟ قلت لهم: إني أعرف ما سيكون، إنها أمانة مرسلة من أخ إلى أخ أعز، عرفته عزيز الجانب، عرفته عزيزاً كريم لمحتد لأني قرأته لا كما قرأتم أنتم أشعاره، وعرفت مواقفه لا كما ادعيتم انكم تعرفون مواقفه وأهدافه.. كما عرفتها.
وكثر الجدل وطال بين مدّ يودون إغراقي بسوطة مميتة، وجزر يثبتون فيه أن الجحود بين البشر هو الأصل.. وتأخرت الدراسة إليك برهة من زمن، حتى أكملت النظرة الواثقة من أني قمت بواجب تجاه أخ عشت بشغاف قصائده، وأحسست بما بها، لا كما أحسوا وأرادوا، وكأن النتاج صفعة على وجههم.
وقلت لهم: سأرسلها.. فاستغربوا: أترسلها بدون عقد وربط؟ وقلت لهم: ستطبع على نفقة قائلها.. فاشتد استغرابهم. واطمأنت نفسي أنها سافرت إليك، قبيل سفري ورحلتي إلى هذا البلد.
فألف شكر لهذه النيات الطيبة التي جمعتنا، وللأهداف التي قوت إيماننا بالكلمة. وألف شكر لهذه الاسرة اللبنانية التي تفضلت بشكري، وقد حملتني مسؤولية البحث عن أسلوب أخوي، أود به أن أرد على شكرهم، وليس لي سوى المزيد من الصلة الأخوية، والمزيد من المودة والوفاء، والمزيد من التخطيط لدراسات مستقبلية قادمة، نرفع بها كل نتاج إلى أفقه، فليقبلوني كلمة متواضعة على شفاههم.
ولصدى لبنان كل الامتنان، فملأت صفحة من جوانحها، وأنا الانسان المتواضع جداً، أبحث عن ظلال الزيتون والارز لأحتمي من لمعة شمس. فمنذ الخامس من الشهر الحادي عشر، ونحن ننتقل من مستشفى إلى مستشفى، فالأولى كانت مستشفى ميل، والثانية مستشفى ألاكسندريا، والثالثة فيفاكس.. الآن، وقبيل إجراء العملية أخذوا التواقيع تلو التواقيع، ليضمنوا التكاليف، إذ ليس هنا تأمين صحي إلا لمن يشترك بمؤسسات تكفل له النفقات، وأنا جئت إلى هنا في 28/9/1988. المهم.. أن امورها الصحية على خير، وقد أجرى لها العملية الجراحية الدكتور ماهر عقل من الحازمية، متخرج من الجامعة اليسوعية، وهات حديث عن لبنان وأحداثه، وأحداثه دماء لم تكن لتشفي غليل قاتل أو قناص مأجور، أو متهور مأفون.
لك أيها الأخ النجي أن تعذرني على تأخر رسائلي، ففي هذه الأيام أصحو الساعة الخامسة والنصف، لأستعد إلى الذهاب إلى الأكاديمية لتدريس اللغة العربية. فأنا موضوع تحت التجربة، أصلح للتدريس أم لا أصلح؟ تلك هي القضية كما قال شكسبير.
الراتب الشهري متواضع، وأكرم بالتواضع، وإذ لا يحق لي فرض أي شرط، ولم ينظروا إلى خبرتي بالتدريس بدءاً من المرحلة الابتدائية، إلى المتوسطة، إلى الثانوية، إلى الجامعة. الابتزاز وصل إلى هذه الدرجة، وأنا أقبل وأعرف، فلديّ ما يثبت التدريس بالمراحل الأولى، لكن تدريسي لطلاب الجامعة كان تدريساً خاصاً، فمنذ منحوني الإقالة من العمل باسم الاستقالة، وأنا أدبر شؤوني الخاصة. اعذرني كيف اشتطّ قلمي إليك بهذه الأمور، وأنا أتمنى أن نلتقي بأستراليا لأقوم بتدريس العربية وسواها من دروس النقد مع الأدب الحديث، لكن لا تقلق، واطمئن، مهما كانت الظروف. ولعلي أجد زاوية في كل أسبوع ارسلها إلى صدى لبنان، فما رأيك؟
لتعذرني الدكتورة سمر فقد تأخرت رسالتي عن كتابها (البيت في ساحة عرنوس)، وكل سطر عنها قد هيأته نفسي. بأقرب فرصة أرسل كلمتي عما خطته أناملها.. فعذراً.
سررت حين أبلغني أخونا نعمان حرب من أن فرع الحزب بالسويداء أقام له حفلة تكريم بمناسبة منحه جائزة جبران، وأن مجلس المدينة قد قرر تكريمه. إنه يستحق كل تشجيع، وكل تقدير، فهو الدؤوب على نشر القبسات. ولا أنسى يوم جاء مع الأخ مدحة لتوديعي، وكانت لفتة كريمة منه ومن الأخ مدحة أن عرضا علي كل مساعدة ممكنة، وأنا الذي بعت غرفة نومي وثيابي وأدوات الطعام والكتب والأثاث حتى لا أمد يدي لأحد بقرض أو مساعدة أو.. أو.. بل كنت أوزّع ما اشتريته بعرق جبيني إلى من أجد عنده فضيلة التعفف.
لعلك لو تفضلت عليّ فأكرمتني بإرسال النتاج الأدبي والفكري الذي تخطّه القلوب المحبة للأدب وللإنسان ولله.
يا خيي شربل..
أنا ما كرهت يوماً أمطار بلدي، إذا عم قطرها كل يد تضرعت بعد جوع. ولا تأففت لحظة من رعودها لتحيي القلوب الصدئة. ولا خفت من زلازلها التي تمحو المستنقعات المنتشرة في غرف شهريار. ولا حبست أنفاسي من فيضان يبحث عن نوح، ومعه زوجان من كل كائن.. لكنني وجدت الانسان مغتالاً من الثقوب السوداء التي حفرت بأبواب الأبنوس، لتقتل، لتصطاد، لتنهب، فبعد أن قتلت الروح احتلت المسكن شبراً ونهباً. والأغرب من هذا أنها ثقوب ترفع راية الثورة الفرنسية، هذه الثورة التي هدمت الباستيل. لكن ثورات عديدة ما قامت إلا على قلاع من الباستيل، الباستيل المتحدث الرسمي باسم الحضارة المتخلفة. واعذرني خيي شربل كم تطول بنا الأحلام وتحلو، وكم يرهف الحس لدى سماع عصفور يعندل في زحمة القطب والصقيع.
وبانتظار أن تفتح لي زاوية متواضعة صدى لبنان، ولأقرأ فيها أبجدية ألاسبوع، أرجو أن يتقبل مني أبناء مجدليا في لبنان وأستراليا، وصحيفة صدى لبنان، ودار راليا للطباعة، ورابطة إحياء التراث العربي، وكل أصدقاء الشاعر شربل، طبعاً هم أصدقائي، كل التقدير والاحترام، وأن يصدر لي عفوهم عن عبارة الأديب الكبير، فحسن ظنهم بي، وثقتهم بي، ومحبتي لهم، عربون وفاء على مدى الأيام..
عدت الآن من المستشفى مساءً الساعة الثامنة، عقب انتهاء عملية زرع الأوردة المغذية للقلب، وكانت الأحوال جيدة ولله الحمد، ولأسمع دعواتك لها بالشفاء وعودة الصحة.
واسلم لأخيك خيي شربل
محمد زهير الباشا
**
كلمات الشكر
11 كانون الثاني 1989
أخي الأحب إلى قلبي شربل
أطيب تحية وأعطر سلام وبعد
فلا أدري كيف أجمع كلمات الشكر لأزجيها إليك، وإلى كل من شكر لي عملي المتواضع، إن في الإذاعة أو الصحافة، صحيح إننا لم نلتقِ وجهاً لوجه، لنتعارف، ولنتبادل الحديث، لكنني عرفتك قبل أن نتعارف. حدثتك بالقلب والعين قبل الحديث باللسان، وحتى الآن، لم أدرِ ما الدافع أو ما الدوافع التي جمعتني بشعرك؟
هل هو الصفاء النفسي الذي لمسته في ثنايا حروفك؟
هل هو العذاب المشترك الذي عانيته في طرابلس، مثلما عانيته على ضفاف بردى؟
هل فقدان من نحب في أرض الفيحاء كفقدانك الأرزة رمزاً للحياة قد جمعنا؟
لم أفكر يوماً في الدوافع، ودوافع التهجير كانت سياطاً تلسع كل خلية في جسمي الذي كابد وصابر على كل أنواع التجبّر حتى تهشيم عظام القلم، فالتجأت إلى الثقافة، مجلة ورجلاً، هو الأخ مدحة عكاش، الذي فتح لي قلبه وصفحات مجلته، وكنت أكتب الأبجدية وأنا الرقيب الأول على معانيها، أو ما يرد، أو ما يمكن أن يفسّر تفسيرات مغلوطة، وأمامي قول لا أنساه لروتشيلو في القرن السابع عشر، حيث قال، ولنعم ما قال: ليكتب كل أديب سطراً على الصدق، وأنا كفيل باتهامه ، وجره إلى المقصلة.
فكنت أكتب على صدق الرؤية والرؤيا، أجنح إلى الخيال، أهرب من سفسطات الكذبة والمرابين، فألقاك في دواوين تحمل هموم البشر، وأنا منهم، وعلى كاهلي ألف ألف حمل من واقع مؤلم، وأنا أعيش الآن على عنوان المنظمة الدولية لحقوق الانسان. سأعثر على العنوان قريباً، وأشرح لها قصة المرارة منذ عشرة أعوام، وقد فقدت ابني، وهو طالب سنة أولى حقوق بالجامعة السورية، وإلى الآن لم أعرف مصيره، وجوده، وكل أجهزة العيون المترصدة بنا، لم تعطِ أي جواب، بل كانت هذه الأجهزة تحقق معنا عن ابننا المفقود، الضائع، المسجون، المغدور، المجهول الاقامة، المنفي عن هذه الدنيا.. لا أدري!
وجئت إلى هذه الديار، بعد أن حاولت الهجرة إلى أستراليا، فلم أفلح، وحاولت الهجرة إلى كندا، لكن السفارة الكندية عقب موافقتها على الهجرة، وجدت أن ثلاثة من أبنائي في أميركا، فطلبت مني الالتحاق بهم.. وطلبت مرة الالتحاق والهجرة الى الارجنتين بمساعدة أحدهم، شاعر ممتاز، لكنه لم يستطع أن يتحمل القضية، فعذرته لأنه شاعر وصادق.
إذا كانت طعنات الأجهزة مدماة، بعد أن أجبروني على الاستقالة بتوقيع سيد الاسياد، ثم ضياع ابني، ثم، ثم، ثم.. ألا يحق لي أن أرحِّل اولادي إلى ديار الغربة؟
والآن، لي ابنة في لندن متأهلة، وقد تخلصت من الجور، ومعي في هذه الدنيا الغريبة أربعة، ولله الحمد الأمور نحو الأحسن.. أما عملي في الأكاديمية، فإني أتقاضى راتباً متواضعاً جداً جداً، إذ لا وساطة لدي تجاه المسؤولين، وقبلت به حتى لا أكون عالة على أحد، ولو أني استيقظ باكراً جداً، وأعود إلى البيت في الساعة الخامسة تقريباً، فهو أفضل من لا عمل.
حاولت النشر في احدى المجلات هنا، لا أدري، نشروا لي أربع مقالات، وأنتظر منهم نتيجة هذا النشر.. وكم أتمنى أن أكون بموافقتك قد نلت الموافقة بنشر الأبجدية الأسبوعية، مثلاً، في إحدى الصحف التي يمكن أن نتعاون معاً على ذلك. فما هو رأيك، كما شرحت ذلك سابقاً؟
اعذرني، إذ يمكن أن تعتبر هذا الرأي لاغياً في حالة عدم استجابة أي صحيفة أو مجلة التعاون معها.. ويبقى بيننا كل الود والمحبة والاحترام، وهي قيم لا يمكن أن تقدر بأي ثمن.
أحاول الآن أن أفتح باباً في مجلة الناقد التي تصدر في لندن عن طريق الأخ نعمان، لكني، وهذا حسن ظني به، لا أدري ما هو موقفه معي عقب نشرك دراستي المتواضعة؟ لا أستطيع أن أحكم إلا بعد أن يوافيني برأيه حول هذه الدراسة، أو أو أو.. والمهم عندي ألا أخسر أي صديق، فالدراسة كانت خدمة لهذا الحب، وهذه المودة، وهذا الاحترام، ليس إلا.. لم أبغِ من ورائها أي نفع مادي، وهذا ما لم يعجب الكثير الكثير ممن تعرف. وكانت ضربة معلم إذ جعلت (كلمة الاعتراف فضيلة) في الصفحة الأولى من الدراسة. إنها إشارة ذكية أصابت كل الأهداف برمية واحدة.. وقيل حتى حتى وألف حتى إلخ.. ولا تهمني أقوالهم، ولا تخرصاتهم، فهم لا يعملون، ويسؤهم أن يعمل الآخرون.
أعجبت كثيراً بالدراسة القيمة التي قدمني بها للقراء الأخ المبدع أنطونيوس بو رزق، وسرني أكثر سماع صوتك في قصيدتك، وقد أعدت سماعها مسجلة وأنا أمني النفس باللقاء بك، لأسمع حديثك، ولأرتوي من أصالة معدنك الطيب. كما أن التقديم بالإذاعة حول الكتاب كان موفقاً جداً، فشكراً وألف شكر لك، ولكل من أحاطني برعايته، بكلمته الحلوة، ببسمته، بنقده الصادق، وبمن لا يعجبهم ألا يعمل الآخرون.
المهم أن نكتب، أن نشقى، أن نتعب، أن لا ننام وملء جفوننا السهد الذي يؤرق، والأرق الذي يتعب فلا نيأس، ننام لا عن شواردها، بل مع شواردها وسلبياتها، ونصحو على آمال هذه النفس.
إنني أبحث الآن عن المنظمة الدولية لحقوق الانسان، فأود معرفة عنوانها، لأوافيها بالوثائق اللازمة، فتبحث لي عن ابني المفقود في أرض الوطن. لم أعثر حتى الآن على العنوان، سأحاول، رغم لغتي الانكليزية الركيكة والضعيفة، وسأحاول دراسة الانكليزية عقب حصولي على إجازة سوق، وحصولي على سيارة، ربما بعد أشهر معدودات، لا أدري.. فهنا بدون سيارة أقف عاجزاً عن الحركة، لأني أحاول إعطاء دروس خاصة، فيشترط الأهل حضوري لعندهم، وهذا يحتاج إلى وسيلة للمواصلات، والوسيلة متوفرة بأثمان بخسة كما تعلم، سأصبر رغم ضياع فرصة التدريس للطلاب، تدريس خاص لكل المراحل التعليمية.
سأوافيك بنسخة عن الرؤية النقدية لرواية د. سمر العطار، وما يستجد من أمور.
لا تؤاخذني إن جعلت أموري واضحة بين يديك. الكل هنا من المدرسين العرب لمادة اللغة العربية قد أعجبوا بشعرك، وبدراستي المتواضعة، وازداد الطلب لحصول أهل الأدب في هذه الأكاديمية على نسخة من هذا الملاح الذي يبحث عن الله، فما تمانعت، ليتك تستطيع لو تفضلت إرسال نسخ إضافية قدر المستطاع، ولك مني كل الشكر سلفاً.
إنني أعود إلى كتاب المذكرات اليومية والسنوية للأديبة د. سمر العطار، وقلت في نفسي ما قلت وقالت:
خذوا بيتكم فغرفه مفتحة..
خذوا وطنكم، فأنا التائه في ضمائره المباعة..
يا من تعيشون على أجنحة الخفافيش
ولا ترتوون من دماء الأبرياء
ولا تشبعون من كنز الذهب والمتع والتخدير، خذوا شوارعكم، فقلبي لم يعد يتهادى في مزارع الابتزاز..
خذوا كلماتكم، وشعاراتكم وجدرانكم وبنادقكم
فدم أخي على التراب أهدر..
ومن أجل ابتسامة لقمره أهدر..
ومن أجل لقمة عيش أهدر دمه
فكيف لي أن أعيش في بيتكم.. إلخ..
أخي الأعز، يمكن لو تفضلت بنشر أسطر تختارها من هذه الرسالة، فأنا ما زلت إلى الآن أبحث عن بيت، فيه بهو للعنادل، وبهو للغناء، وبهو لمنازل الأقمار، فيه قصص شهرزاد تروى على لسان عاشقة، والعشق في الوطن غربة.
أخي شربل..
أكرر لك امتناني لكم جميعاً، وإن قلبي ليشارككم أعراسكم، مع شكري للأساتذة جوزيف بو ملحم، طوني سعد، اكرم المغوّش، مطانيوس مخول، وكامل المر.
وإلى اللقاء..
واسلم لأخيك
محمد زهير الباشا
**
مواطن من دولة الصمود
فرجينيا/12/2/1989
الأعز.. خيي شربل
تحيّاتي الصادقة أبها الأخ الأحب، الأخ الذي أحببته بكل الصدق، وبكل الوفاء والمودة.. ولا تسألني ما السبب؟ وما الدوافع؟
فأم العيال تهديك وتهدي الوالدة الكريمة تحياتها، وإلى الشفاء.. في كل صباح دلائل خير ولله الحمد.. لكنها رغبت بأن تهديها شريطاً تسمع فيه بوحدتها صوتك، وأنت تروي لها غزلك، مواقفك، غضبك، هجرتك، فأكثر أقاربها في لبنان لا تدري ما هو مصيرهم.
خيي.. كيف أستطيع أن أكتب حرفاً واحداً بدون مشاعر وأحاسيس؟ أي جملة أو سطر أتمكن من تسجيله دون أن يختمر ويتفاعل ويضيء لي طريق وجوده، فيرغمني على الكتابة، ونسميه إلهاماً، اما وحياً فهذا للأنبياء والمرسلين!
المعاناة واحدة بين زجلياتك وشعرك ونغماتك العلوية، وبين ما عشت فيه بكل الصدق وبكل الوفاء. وسأزودك بكل ما تنشره الثقافة عن كتابتي المتواضعة جداً، وبهذا وعدني الأخ نعمان.
وللأخ كلارك كل الشكر، وكل الفضل، لما يتكرم به، فيسجل ما ينشر عن خيي شربل في كتاب.. ألله معه.
وكم قرأت في عينيّ أم البنين الدموع والفرح معاً في رسالتك، وأنت تدعوها إلى بيتنا في أستراليا.
ومع الامتنان للشاعر عصام ملكي، وما تكتبه أنت في (ستوب) صدى لبنان، وإن مواقف الأدباء الاشراف تجاه هذه الدراسة يجعلني أنحني لهم بكل التواضع والأدب الجم، شاكراً لهم كل كلمة وكل تعليق وكل رأي.
إنني أحاول الصمود والتجلد، ولا تنسَ خيي شربل أنني مواطن رقم الدرجة تحت المئات.. أي مواطن من دولة الصمود، صمود الكراسي والمزارع والقصور والذهب ووو.. أحاول التجلد في هذه الغربة، خاصة وأن التدريس يلتهم طاقتي، وليس من عادتي أن أضيع دقيقة واحدة على طلابي مهما كان الوقت والواجب.. لهذا فإني أعود إلى البيت لأستريح من العناء والتعب، والوقت الذي أبدأ به من الساعة السادسة وصولاً إلى الساعة الرابعة والنصف والخامسة. على كل الحمد لله والشكر له بأن تهيأت لي فرصة هذا العمل المضني جداً.
أما النشر.. فقد تعجّب أصحاب مجلة (الأمة) الأسبوعية لهذه العناوين التي أرسلتها إليهم شريطة أن يبقى العنوان الدائم كما يلي: أعلام معاصرون في الأدب المهجري.. لكنني أفاجأ بعناوين جديدة.
المشكلة أني لم أستطع حتى الآن أن أقتني سيارة أتمكن بها من التجوال بين فرجينيا وواشنطن دي سي.. فالمسافات واسعة، والسير صعب، ومع الأيام والأشهر القادمة يمكن أن تحل أزمة السيارة. وضمن هذه الرسالة ما تمكنت من نشره في صحيفة الأمة.
وأرى أيها الأخ الأحب أن نتفق على ما يلي وما اختلفنا مرة بالمواقف، وإن كانت هناك آراء جديدة تخدم النقاط التالية فأنا معك:
أـ ضمن هذه الرسالة: قصة نخلة في صحراء لتنشر بموافقتك، وموافقة الاستاذ جوزاف بو ملحم، وإني لأشكره على كلمته الرائعة: بيكتب ع قلوبنا قبل صفحاتنا.. آه يا خيي شربل، من أين آتيه للأخ الأستاذ جوزاف بكلمة طيبة مثل كلمته؟
سأتابع إرسال قصصي إثر بعضها البعض، لتكون هذه القصص خلال فترة قد تجمعت في كتاب يمكن نشره، وهو يحتوي على قصص قصيرة ذات مغزى إنساني. لا أريد أن أشرح المغزى، فأنت أهل لكل مغزى ومعنى.
ب ـ لديّ مجموعة من قصص الأطفال على ألسنة الحيوانات والطيور وو.. فهل تفضل إرسالها دفعة واحدة؟ أم أرسلها قصة إثر قصة؟ لتجمع فيما بعد فتنشر كل قصة مع رسومها وألوانها بالعربية أولاً، ثم تترجم إلى الإنكليزية.. ما هو رأيك؟
ج ـ أنهيت دراسة حول المتنبي برؤية نقدية جمالية: المتنبي يجلو مقلتي نسر. ما رأيك بإرسال هذه الدراسة مع قصائد مختارة للمتنبي.. الدراسة ثلاثون صفحة فقط، يضاف لها عشر صفحات من شعر المتنبي، فتكون دار النشر.. دار خيي شربل قد أخذت طريقها.
هـ ـ في هذه الرسالة نموذج متواضع لأغنية: شارع المواويل.. وأنت الأدرى بالموسيقار الذي يلحنها.. ربما الملحن بسام بادور. وأنت الأدرى بالمطربة التي تغني هذه الأغنية.. ربما ترشّح لها الفنانة عايدة شلهوب أو نجوى كرم أو هند جبران.. أو.. أو.. فإذا وافقت مطربة على كلمات هذه الأغنية ووافق الملحن، فأنت خيي شربل تضمن لي حقوق هذه الأغنية، ولدي طبعاً مجموعة من الزجليات والأغنيات رفضت بإباء أن تقع فريسة لدى الذئاب من أهل الفن والابتزاز.
أتمنى من كل قلبي أن تجد اقتراحاتي هذه مجالاً خصباً ليديك، فتكون هذه الدراسات وهذا النتاج تحت ظلك أيها الأخ..
* مجموعة قصصية
* قصص للأطفال
* رؤية جمالية نقدية.. الخ..
فإني أخشى على كلماتي من أن تبتلعها الظلمة ويجففها غبار الزمن، لذلك أضع بين يديك هذه الاقتراحات.
ثم نعود إلى ما كتبته عن أدب المهجر في كتاب خاص.. واعذرني إن تجرأت وقدمت إليك مجموعة من آراء.. وليت رابطة إحياء التراث العربي تشارك في هذا النشر إن رأيت ذلك سهلاً أو ميسوراً وأظن نفقات النشر تعود بالخير والنفع على الجميع.
خيي شربل..
كلي أمل ورجاء أن تتيسّر هذه الأمور بهمتك وإخلاصك، فنعمل خطوة إثر خطوة لنقدم إلى هذا التاريخ نموذجاً عملياً مخلصاً.. لا تهمنا مظاهر الحضارة الزائفة يكفي أن نغطي الساحة الادبية بالعمل المخلص دون أي خسارة مادية طبعاً..
ثق تماماً أنني لم أنسَ ما كتبه الأخ كامل المر، ولا ما كتبته الأديبة د. عطار، ولكن كما قلت لك التدريس ينهك أعصابي ويتلف ما تبقى لي من صبر. فقد طلبت مني مجلة الأمة دراسات حول الشعر العربي المعاصر.. لكني لم أجد الفسحة المناسبة لقراءة الأدب المعاصر.. خاصة وأن مكتبة الكونجرس تبعد ساعة ونصف الساعة ذهاباً.. والعودة تحتاج إلى ساعتين وأكثر.
سأحاول بذل جهدي لأقوم بالوفاء للأخ كامل وللدكتورة عطار.. وقد أرسل إلي رئيس كتّاب وأدباء الأردن مجموعة من دواوينه، فشكرت له هذا الوفاء، ولكن أين الوقت والراحة؟ إذ يجب عليّ أن أعمل خمسة أيام من أجل أن أعيش على كدّ يميني وعرق جبيني.. فابني تميم ووسيم كل منهما يعمل ويتعب من أجل أسرتيهما.. ألله يوفقهما.
خيي شربل..
بانتظار رسالة منك، وكلها كما عودتني فأنت مشعل خير وبركة.
تحياتي المعطرة بأريج المودة والإخلاص للوالدة الكريمة وللأخ كامل، والاستاذ جوزاف بو ملحم وأنطوان سابيلاّ، وللأب يوسف سعيد، ومطانيوس مخول، وعصام ملكي، وأكرم المغوّش، وطوني سعد، وماري ميسي، وفؤاد نمور، وعصمت الايوبي، ومطانيوس بو رزق، وإلى أسرة دار راليا للطباعة.
خيي شربل.. يا ابن الكرام، ألم تذكر معي قول المتنبي:
ضروب الناس عشاق ضروبا
فأعذرهم أشفّهم حبيبا
إلى اللقاء في رسالة تلبس الأعادي دماؤهم، كما يقول أستاذنا الكبير أبو الطيّب.. متمنياً للجميع ولقلبك الكريم أن يتحمّل أمنيات خيّك زهير.
وحلمي الاول الآن أن نلتقي.. أن نلتقي.. فكاسك خيي شربل..
واسلم لأخيك
محمد زهير الباشا
**
شبر عربي
فرجينيا/25/3/1989
الأخ الأعز الشاعر الذي يغرد في حلكة الأيام
الأستاذ شربل..
تحياتي وأشواقي وبعد
فأرجو لكم وللإخوة جميعاً دوام الصحة والازدهار والمزيد المزيد من المودة والالفة..
تأخرت عني رسائلك التي تشفي النفس، والتي تجعل الدنيا على صدقك ونبلك مرحلة من وجود يمكن أن يستساغ.
أخي الأعز..
أرجو أن تصلني رسائلك وهي تحمل البشرى مع البشرى، فقد صاغنا الكون إخوة وأشقاء في الروح والنفس والعزاء، وأرجو أن تنال اقتراحاتي إليك موضع التقدير والتنفيذ، فلنضع أيدينا مع بعض في عمل يخدم التراث والأجيال.. لنحاول أن نتخذ من البحث عن الله وعن الجمال نبراساً لكل العاملين في دنيا ألأدب.
أغرب ما صادفني في هذه الغربة، المحنة القاسية، أن قوماً من الاصدقاء لم تعجبهم غربتي إلى الأرض الجديدة.
أخي الأعز..
ماذا أعمل وقد جربت أن أهاجر إلى أستراليا ولندن وكندا، ولكن هل في الوطن العربي (شبر) عربي، مثلاً، يتحملني ويتحمل أسرتي؟!
ألم تعتبرني دولة شقيقة مرة أني أجنبي، والأجنبي غير العربي، تمنحه كل التسهيلات والابتسامات؟
فوالله.. لو أني وجدت شبراً في أرض عربية لهجرت دمشق وأنا قلبي يتقطع على مياه بردى.. كيف توزع على أحياء دون أحياء.. وكنت أفكر بالهجرة إلى لبنان، وقد أمضيت سبعة أعوام طفولتي الأولى في بيروت، فأنا أعشق بيروت.. كنت أعيش في شارع المعرض، لكن الأقدار قذفتنا إلى دمشق الشام.
كانت فكرة الهجرة إلى أرض الجزائر، أرض آبائي وأجدادي، لكني صدمت لما وجدت كل عقاراتي ومزارعي وأموالي المتوارثة قد أصبحت في ذمة الله، وأنا الذي خسرت في ثورة الجزائر كل شباب الاسرة، وبقي فيهم من أصيب وهو عاجز عن النطق، من كان لا يراني وهو يعاني سكرات الظلمة في عينيه.
أخي..
هذه هي الحياة.. الحياة بدون مشاكل وأزمات لا تنمو ولا تحبو ولا تزدهر ولا تستلب الخيرات، لتودع في أيدي من لا يستحقون.
في هذه الرسالة دراسة ذات رؤية نقدية موجزة جداً عن كتاب د. سمر العطار: البيت في عرنوس، أرجو أن ترى النور على يديك، فقد بدأت بتسطيرها في عرنوس، وكان بيتي هناك، عشت فيه عشرين عاماً..
بانتظار رسائلك، وهي البلسم لي، وبانتظار رسائل من الأخ كامل المر، فالغريب للغريب نسيب.
مع كل المودة والأشواق.. أتمنى لكم دوام الصحة والازدهار.. وأم تميم تهديكم أطيب تحية، وهي في دور النقاهة على صحو أفضل. لكن، وهي كلمة سموها العرب الاستدراك، لكن هذه تحمل أثقال التاريخ كله.. لكن لم تنته بعد من دموعها حول فقدان ابننا وكان اسمه: ريم.. وأنا أحاول كل جهدي أن نتناسى ذلك، ولكن هيهات لقلب الأم أن ينسى!!
أحييك أفضل تحية وإلى اللقاء
أخوك
محمد زهير الباشا
**
مواجع الصبر
فرجينيا/24/4/1989
خيي شربل
سلاماً وتحية وبعد..
فأين هي كلمتك التي عوّدتني أن أشفى بها من غدرات الزمان؟ أين عطرك الذي أنتظره ليريح على آفاقه أعصابي؟
ما بالك يا أخي ويا شقيق الروح، هل آلمت إحدى كلماتي نبضة من قلبك؟
هل لأني تجرأت ورغبت أن نتعاون بنشر القصص والدراسات؟ وأنت إن رغبت نفّذ الاقتراح على بياض، وإن لم ترغب، ولم توافق، يبقى بيننا ما هو أقوى من الحياة.. ما بيننا يا خيي شربل مودة صافية دائمة مستمرة، وما اعتدت في حياتي أن أسير متطفلاً أو مستغلاً!
فأين هي رسائلك؟ صوتك أنتظره على شريط كامل لأعيش به وبنغماته أسعد أيام الحياة.. وما الحياة إلا لحظات عابقة بالمودة أنت صانعها.
هل كان في إحدى رسائلي ما عكّر صفو العلاقات، لا سمح الله؟
هل اندلق على أسطري زيت الكورة، فتسطح الزيت وغرقنا بشبر ميّة؟ لا أدري..
في كل يوم أنتظر منك رسالة، كلمة، صيحة غضب، نقمة على الأباطيل، فأتفاءل في مشرق غد، وأبحث بين البريد، فلا شيء جديد، ما الذي حدث يا ترى؟
إني أنتظر من دمشق ما كتب حول دراستي المتواضعة، ولم يصلني أي شيء من دمشق، ودمشق باتت مدينة الأعاجيب والغرائب، بعد أن عمت الخرائب نفوس الناس.
أرسلت إليك قصة (نخلة في صحراء النقب) مع (خذوا بيتكم فإني راحلة) عن البيت في ساحة عرنوس، وأحصي الأيام والساعات لعل جريدة من سيدني تفك أسر أحلامي التي قيدها هذا الانقطاع.
أقول خيراً، وأنا الفخور بك وبشعرك، الفخور بهذه المودة والصداقة، ولا أريد أن أسترسل لأنك الذي تعلم ما بي من خلال كتاباتي، ولم يصلني أي كتاب من الأخ كلارك، كما انقطعت عني رسائل الأخ كامل المر، وما زلت أحاول نشر الدراسات عن الأدب المهجري بمجلة الأمة التي تصدر هنا.. لكني أراسلهم، ولا أستطيع الوصول إليهم ومقابلتهم.
فلم أتمكن حتى الآن من الحصول على سيارة مناسبة رغم ضآلة التقسيط أو الدفعة الكاملة لسيارة مستعملة، فأنت الأدرى ما يكلف الدواء لمعالجة أم تميم، ففي كل يوم عليها أن تتناول ثلاث مرات الحبوب الخمس أو الست، ومن واجبي أولاً أن أهيىء لها العلاج والدواء وأقساط المستشفيات الثلاث. أقول هذا للتوضيح فقط، وليس المقصود به أي شيء.
وأردت من خلال نشر القصص ـ قصص الأطفال بالعربية والإنكليزية ـ ونشر الدراسة عن المتنبي أن نتقاسم معاً كل الذي يمكن أن يحصل نتيجة النشر والطباعة. أكرر طرح اقتراحي إليك، فإن وجدته مناسباً فتوكل، وإذا رأيته غير مناسب، فإننا نبقى إخوة متحابين، يجمعنا الشعر والقصيد، وخدمة هذا الفن، وإن وجدت أي حل آخر، فأنا موافق معك على بياض.
واسلم لأخيك الذي يقدر فيك حرصك على هذه الاخوة، وأنا بانتظار رد منك. سامحني إن هفوت مع أحد، وإلى لقاء برسالة توقظ فيّ مواجع هذا الصبر المرير.
أخوك
محمد زهير الباشا
**
قاموس البريد
فرجينيا/8/5/1989
أخي الأحب شربل
سلاماً وأشواقاً وبعد
وصلتني الملصقات في اليوم الأول من عيد الفطر، وسررت بها كثيراً، وأمسكت القلم وسطرت كلمة زغيرة، لعلها تلقى بصوتك، وبنبضات قلبك. وثق أن القلب واحد في خفقاته، وزفراته، وغضبه، وهناءته، وكدت أضع تلك الكلمة بالبريد ـ وحدها ـ لكن مركز البريد لم نعرف موضعه بعد، وعندما عرفناه ما وضعنا الرسالة، إذ أقبل إلينا الزائرون، وجاءتني كلمتك في رسالتك، أبعد الله عنك الهموم، ولا أريد أن أثقل على أحد بأي شيء، فكيف بالأخ الأوفى شربل.
كل ما في الأمر كان اقتراحاً، إن كنت على استعداد الآن لنشر ما لديّ من مخطوطات فليكن، وإلا فالزمن قادم لعله يضيء لنا دروب الخير.
ويا أخي الأحب..
أنا أعمل بهذا القول: لو تكاشفتم لما تباغضتم.. ومعاذ الله أن يكون بين شربل وزهير إلا المحبة الكاملة والصفاء والود والاخلاص..
سننتظر الفرج القادم إلى لبنان.. وحينئذ لكل حادث حديث، وتبقى أنت، والله على ما أقول شهيد، الأخ المفضل، والانسان الذي جرت محبته في دمي وتفكيري، والحديث عن الهموم يطول ويطول.
وصلتني الملصقات، وشكراً بل ألف شكر لك وللاخوة الطيبين من أبناء بلدتي الحبيبة مجدليا، وهي المجد لله، ولا بد أن تصل إليّ الكتب خلال أيام، فاطمئن واشكر للأخ كلارك جهوده.
ولم يصلني إلى الآن أي جهد، أو أي نقد، أو أي دراسة حول دراستي المتواضعة، لا من دمشق ولا من غيرها، لا أدري ما هو السبب؟
تصور في هذه الأرض أن أحدهم طلب مني أن أتحدث في التلفزيون لوجه الله، وكل حديث مدته عشر دقائق، فهيأت له عنواناً أسميته: مشاعل على دروب الحضارة.. وما طلبت منه أي شيء، سوى أن هذا البرنامج يتحدث عن العربية وروادها وعلمائها ومفكريها وأهل البصرة والكوفة، وعلماء النحو والصرف. وما زلت أحاول نشر دراسات متنوعة في مجلة الأمة الأسبوعية، والتسويف وارد..
حماكم الله من أي خسارة مادية، وأتمنى من صميم قلبي لو أن في اليد ما يسعف لما قصرت لحظة، فليبارك لكم الرب فيما تنتجون وتعملون وتعبرون.
أكرر شكري لك ولجهودك ولكل من عمل ويعمل من أجل إعلاء كلمة الحق والعدالة، ولا بد أن يأتي يوم لبنان.. يوم التحرر والتحرير. وأرجو أن تعتبر رسالتي تلك ملغاة من قاموس البريد، واصفح عني فأنت الأخ الأوفى على مدى الدهر.
تحياتي وسلامي إلى أفراد الأسرة، وإلى الأخ كامل، والأخ بو رزق، وأكرم المغوّش، وإلى كل أبناء مجدليا.. أبناء بلدتي الحبيبة.
أم تميم تهديكم عاطر سلامها، وتتمنى أن تقرأ وتسمع قصائدك بصوتك الشاعري، ونحن جميعاً نؤيد هذه الأمنية.
ودمت أخاً وإلى اللقاء
أخوك
محمد زهير الباشا
**
أرق الليالي النابغية
فرجينيا/20/6/1989
الأخ الأحب إلى قلوبنا وإلى كل قلب.. شربل
تحية الصدق، والصدق مع أهله محنة عصر..
وتحية المحبة، والمحبة سجنتها أقفاص الذهب على شرفات الشانزليزيه، ومذابح آمون.
وتحية الاخلاص في زمن يشرئب فيه الضمير ليكون شبحاً، وصمتاً تؤرقه ليالي قيس بن ذريح.
وما أكثر ما يشدني إليك، والى الحديث عنك وعن شعرك، فكلما عرفتك، وعرفت شعرك ازداد قلبي حباً بك، وشغفاً للقاء بك..
عرفتك قبل أن ألقاك.. همت بدواوينك قبل أن أصغي لشعرك المسجل، بل سجل شعرك في أعماقي، وتعلمت منه الزجل والفن وقول الحق..
هذا ليس مديحاً، كما يحلو للبعض أن يفهم، وليته يفهم معنى المحبة. خاف بعضهم أني لم أذكر سوى محاسن شعرك.. وهل قرؤوا ما كتبت؟ فلو فهموا ذلك لعرفوا أني حاولت كل جهدي إنصافك، ولعل بريق المحبة كان طاغياً في كتاباتي، فإذا أحببت كتبت، وإذا تألمت سهرت وأرقت.. وإذا اشتد بي الغضب صمت، وخشيت على نفسي من أرق الليالي النابغية.
لا أضع نفسي موضع الاعتدال بالحب، فليس بالحب دوائر بيضاء وأخرى رمادية، وثالثة سوداء. إما الحب أو لا.. إما العدالة أو لا عدالة.. إما الصفاء أو ذلك البلاء، بلاء الطغاة.
القيم الانسانية لا تتجزأ، ولا توزع ببطاقات التموين والإغاثة كبطاقات شهرية بعدد أفراد الأسرة.. إذ ليس من الضروري أن يشبع أفرادها، والشبع والتخمة وكبرياء المواقف أمور للخاصة، والناس عبيد أرقاء لأوثان هذا العصر، ولكل عصر أوثانه.
ليت أولئك الذين كتبوا عن ملاحنا الشاعر عرفوا عن جدارة كما سطر أديبنا وأخونا أبو رزق، وتحدث به الأخ نمور، والسيدة ماري.. وطوني فقد عرف في مشواره ماذا سطرت يداي وقلبي. ولعلي، مهما شكرت لك ما قدمته بحفلة التكريم أكون مقصراً بالاعتراف بفضلك:
اليد التي تعمل الخير بيضاء
والتي تعترف بالخير خضراء..
أما الناكرة لكل جميل فهي سوداء..
لعنة الفراعنة عليها منذ أن أعلن أخناتون توحيد الإله
في شمس أحرقت الكهنة المنجرين للجنة والثواب..
ثم قتلته على أيديهم..
وبقيت الانسانية تتلو الوصايا العشر
وهي لا تدري أي بشر يدفع ثمن الوصية.
وأنتم ونحن في صلواتنا نصب كل اللعنات عليهم،
لكن تشرذمنا كان أفدح المصائب..
فمتى نعود إلى إنسانيتنا التي تجمع القلوب تحت أفياء أرزة الرب؟
مرة، كتبت قصة: صمت المعذبين.. ثم قصة: من يحرق أغصان الياسمين؟ اعتذرت تلك المجلة المشهورة عن نشر أي منهما.. لماذا؟ لأن في القصتين ما ينافي سياسة تلك المجلة. كنت أتكلم فيهما عن الجراد الذي يستهلك طاقاتنا، يحرق مزروعات الخير في معابدنا، يجعل الياسمين رماداً، وبلفتة إلى سدوم وعمورة، عرفت أن الأيدز وحده كان لعنة على تلك وهذه.. ومن يلتفت إلى الخلف تُذرُّ أعضاؤه ليكون عموداً من ملح. فهل كان الملح وحده مطهراً للأيدز القديم، والملح لم يعثروا عليه ليعالج مدمني اللعنات.
ويا خيي شربل لقد أيدز العصر، رغم تلاقي العملاقين على استثمار خيرات العالم الثالث، وما لف في وثائقهما من وكلاء وعملاء، وبطريقة مهذبة اسمها: سحب الصواريخ والدبابات من ألمانيا المنقسمة على نفسها، المتآخية لغة ومصيراً ومستقبلاً.. والحمد والمجد لكل من ابتهل إلى أن تكون الأرض كرة غير مسحورة.
ثم قصة: النخلة في صحراء النقب.. لها ألف قصة وقصة!.. حوربت، منعت، سحبت، تداولها الاخوة مطبوعة كما وصلت إليك، ثم شذّبت، ولعلها ترى النور في صحيفة من صحف سيدني.
إنها تروي كما عرفتها.. لقد صورتها عقب نسخها في واشنطن، وأسرعت بإرسالها إليك. إنها غالية على قلبي هذه القصة.. سأتابع إرسال مجموعة قصصية علها ترضيك، وما يرضيني أن ترضى عن فن القصة الذي أسطره بكل الموجعات والآمال.
أكرر شكري إليك، فقد وصلت إلي جريدة صدى لبنان، ولا أدري ما هو رأي الدكتورة سمر، لعلها تتكرم فتسجل رأيها برسالة مباشرة.. وقد أسعدتني وأسعدت أم تميم بالشريط الذي ضم صوتك، وصوت الطفلة ريما الياس، وصوت أهل الزجل والفن. وقد أرسلت رسالة لأخينا كلارك بعيني أشكر له جهوده التي يبذلها بمسلسله الوثائقي: شربل بعيني بأقلامهم.
وهنا بالاكاديمية عرضت على بعضهم بطاقة يوم 30 حزيران، فاستعجبوا.. فمنهم من أبدى اعتزازه، ومنهم من أصابته الغصة.. غصة الحقد، ومنهم من تمنى المزيد من عطائنا الأدبي.
وسلمت يداك على الكتب الخمسة التي وصلت إليّ، وللعلم وافق أديب عربي هنا يتقن الأدب الانكليزي على ترجمة قصص الأطفال إلى الانكليزية، ولعلي أجد بارقة أمل في نشر هذه القصص، قصص الأطفال.. وسأخبرك بما يحدث بشأنها.
المجلة التي كنت أنشر بها وهي مجلة (الأمة) توقفت عن الصدور منذ شهر.. ربما تعود إلى الصدور يومياً.
اعذرني إن أطلت، ولك مني ومن أم تميم كل المودة والتقدير، وإلى كل أفراد أسرتك ألف سلام. وإلى الاخوة الادباء الذين شاركوا في يوم الثلاثين من حزيران، والى كل من أيّد واعترض، واشترك بالدبكة وفرح وأطرب وغنى وابتسم.. والى كل الذين ساهموا في حفل التكريم كل التقدير والاحترام. وتأكد لو أن خروجي من هنا يكون على وجه قانوني، لجئت إليك سابحاً، أبحث عن مركب يقوده ملاح يبحث عن الله.
فإقامتي الآن بالطريق نحو الصبغة القانونية، إذ تحتاج إلى أشهر قادمة، والحمد لله أولاً وآخراً.
وإني على استغراب من أن أحداً بدمشق، حتى الآن، لم يبعث إليّ بأي جريدة. نشرت دراسة عن كتابي المتواضع، عفوك، عن كتابك أنت، فليس لي سوى الاسم على الغلاف، أما المضمون فهو أنت مع الارزة والله، مع الفن والحب والجمال..
فلم تعد تصلني أي رسالة من الأخ نعمان، ولا أدري ما السبب؟ لعله الخير!.. رغم أنه وعدني بكتابة نقدية، وبرسائل متلاحقة.
أحييك أطيب تحية
والى اللقاء
أخوك
محمد زهير الباشا
**
المهرجان
فرجينيا/17/7/1989
أخي الأحب شربل
حرسه الرب ورعاه وبعد..
فقد توالى الخير مبشراً بمهرجان يوم لبنان، وفي كل لفتة كريمة منه عبير من أشواقي إليكم، وفي كل كلمة عنجهية كنعان وفينيقيا وأبجدية عمريت.
وكان حراماً على قلوبهم السرور، الذين ظنوا فذاقوا الثكل، فكأسنا واحدة مترعة بخمرة الأبدية، فما تعجبت من لفظهم، نجوع ونحيا بقطرة منه، تظمأ النفس، وصرنا نستقي غمام المتنبي، والوغى في أرض الوطن يستقي المنايا، وحسب المنايا أنها باتت أمانيا..
وصلني الخير، فامتلأت الدنيا حبوراً، فكيف لو وصلني من يدك الطيبة نبأ عزمك الوصول إلى أرض الكولومبس، إلى بيتك.
وصلتني ثلاثة طرود بيومين متتاليين، الأول ليس به تاريخ سوى رقم 1750 على المظروف، وبه تعلن العزم على إقامة المهرجان.. ثم وصل إليّ طردان في أحدهما شريط تسجيل، وفي الثاني قلم الحبر الباركر المذهب، ولا أدري كيف أستطيع رد جميلكم الذي غمرتموني به..
فمن أشكر؟
هل تكتفي كلمة الشكر لأياديك الطيبة؟
هل تكتفي كلمة شكراً لأبناء مجدليا ولمختارها؟
هل يقبل مني كل متحدث بهذا المهرجان، يوم لبنان، كلمة؟
الشكر لك، وأنت الأدرى بأن واحداً من عشرة قد شكر السيد المسيح عقب شفائهم.
المتحدثون بالمهرجان.. الصحفيون.. أهل الفن.. رواد المعرض.. المشاركون.. الطفلة ريما.. الثنائي الفكاهي.. رابطة إحياء التراث العربي التي هزتني مفاجأتها بموافقتها على منحي جائزة جبران في وقتها.
ولما وصلتني كلمتي المتواضعة التي وافقتم على أن تشارك احتفالكم، قرأتها أمام الحاضرين من الأقارب، ولما التفت إلى أم تميم نعمة، وجدتها غارقة بدموعها، وتشاركها بالدموع والفرحة ابنتي لينة، أما أنا فقد استطعت أن أحبس آهاتي ودموعي، وعيب على الرجل أن يبكي، فبكى قلبي على وطني، وعلى عشيرتي، وعلى الأهل في ديار الغربة، وكلنا بالهم شرق وغرب.
ولا أنسى الإهداء الكريم الذي ابتدأه أخونا كلارك بعيني، وأتمنى أن أتلو زجلياتي التي تشكر كل من قدم لي زجلياته إهداء وتأييداً.
وهذه رسالتك وفيها نبضات قلبك باللغة المحكية: مش رح أكتب لك بالفصحى.. والإذاعة تحدثت بالفصحى، مع كل الشكر للمذيعة ماري ميسي.
وتأكد يا أخي شربل أنه ما في لغة باالعالم كله تتسع لكلمة شكر أقدمها لك.. إلى اللقاء.. أرجو أن تتكرم فتشد على أيدي المؤيدين والمشاركين والمهنئين. فللجميع أطيب أمنياتي وعرفاني لهم بالجميل. ولتكن مشيئة الله في الخير لكل الناس، يا أحب الناس، ويا أكرم الاخوة.
أخي شربل..
1ـ عادت المجلة الأسبوعية الأمة للصدور منذ أسبوع، وقد نشرت لي مقالة: الواقعية السحرية في الرواية من ماركيز إلى نجيب محفوظ. وفيها تحدثت عن: شهرزاد، ودستويفسكي، وأحمد سنبل، ود. سمر العطار، ومحفوظ.. ولما أعلمت مدير التحرير بأمر المهرجان ـ يوم لبنان ـ طلب مني إرسال ما طبع عن المهرجان.. أرجو أن أوفق بنشر ما أرسلته عن المهرجان، وسأوافيك بما سيتم، وطلب مني موافاته بالدراسات والمقالات.
2ـ هل بالامكان التعرف على أخ مغترب من لبنان، يمكنني التفاهم معه على الأمور الأدبية أو الثقافية أو غير ذلك، مما يخدم الفكر والعقل والآمال الطيبة، فالغريب للغريب نسيب، لأن الأخ الطيب بالغربة يخفف غلواء الغربة، مجرد رأي أرسله إليك فهو قابل للمناقشة.
أحييك، وأشكر لك جميع مساعيك الطيبة.
وإلى اللقاء
محمد زهير الباشا
**
ألف شكر وشكر
فرجينيا/30/تموز/1989
أخي الأحب شربل
تحية طيبة وأشواقاً وبعد..
فشكراً، بل ألف شكر وشكر عمن قال ووفى، عمن صدق في كلمته، وفي شعره، وفي زجلياته، وفي مواقفه..
سلمت يداك.. فكل الطرود وصلت.. القلم الذهبي والكاسيت والصحف، وسلمت يداك.. والفيديو وصل مع الصحف والكتب.. ووضعنا شريط الفيديو عقب قراءتي رسالتك، لكنه لم يعمل، فهو على النظام الخاص.. خلال أيام سأراه بعد العثور عمن يضمن جهازه عملية التحويل من نظام إلى نظام.
لقد طوقتم عنقي يا أبناء مجدليا، ويا أدباء المهجر في أستراليا. كل كلمة ألقيت في يوم لبنان لا أستطيع أن أفيها حقها من امتناني وعرفاني بالجميل.
ويأتي إهداء الرابطة عملاً يطوّق عنقي إلى الأبد.. فألف شكر.. ولا أجد العبارة التي تعبر عن امتناني لكم جميعاً، وبهذه المواقف الانسانية قطعتم ألسنة الحسّاد والمخرصين.. قطعتم ألسنة الأثرة والنرجسية، ولما اتصل بي مدير التحرير المسؤول لصحيفة الأمة، يرغب إعادتي التعاون معهم عقب توقفهم ثلاثة أشهر تقريباً، أعلمته ما تفعل وفعلت أياديكم البيضاء بيوم لبنان، فطلب إرسال المنشورات إليه، وكان ما نشر في جريدة الأمة.. كما أرسلت إليه مقالة: مات الكرام يا شهرزاد.. فاتصل بي هاتفياً قائلاً: إنه عنوان تشاؤمي، فهل نأخذ العنوان من الحوار الجاري بين شهرزاد والمتنبي؟ فنشر كما تتكرم بقراءتها.
أعلمني الأخ نعمان حرب أنه نشر بالثقافة الأسبوعية كلمة عن كتابنا: شربل بعيني ملاح يبحث عن الله، لم تصلني الكلمة بعد.. مع العلم أني أرسلت إليه بعضاً من نماذج المنشورات حول يوم لبنان. كما أنه زار د. سمر العطار في بيتها في عرنوس.. ولمعلوماتك، وأنت الأخ الأعز الحريص على كل دقة من نبضات قلبي.. إذ بالأكاديمية تتصل بي لأشارك بتطوير مناهج الغة العربية للحضانة والابتدائي والاعدادي والثانوي، فقد جاءهم الصواب، لأنهم يتعاونون مع أساتذة الأكاديمية الذين عملوا معهم منذ أربعة أعوام، وحضرت لأجد الانحراف باللغة والأخطاء التربوية والآراء المتعفنة، فوضعت في موقف حرج، إذ اتفقت الأكاديمية مع خبير تربوي، وعرضت عليّ دراساته، وهات يا أخطاء في اللغة، وفي التحليل، وفي وفي.. ثم أرسلت إلي الادارة ألا أرشده وألا أصلح له أخطاءه، فاستغربت، وطبعاً توقفت المناقشة بيني وبينه.
وغداً الاثنين.. تصل ابنتي وفاء من لندن، وسيلحقها زوجها بعد شهر فلم أره منذ خمسة أعوام، وعلى كل.. الحمد لله.. إن أم تميم تزداد نظرتها تفاؤلاً، وهي تقرأ كتاباتك، وتسمع ما هو وارد في شرائط التسجيل، وتدعو لكم بالخير والبركة.
وأتمنى، بل تتمنى أسرة الباشا، أن تتكرموا بزيارتنا في أرض الغربة، وكل غريب للغريب نسيب، ونتمنى كلنا أن تكون الأيام القادمة وقد تعافى لبنان، وعادت إليه صحته ونشاطه ومكانته، وقد محا عنه الصفحات السوداء من تاريخه.
كما أرجو أن تخبرني إذا كان الأمر متيسراً بأن تكون لديك أسماء لأشخاص يمكن أن أتفاهم معهم في حقل الثقافة والأدب والصحافة في أرض كولومبس.. هذه مجرد فكرة.. كنت كتبتها برسالة سابقة، فإقامة علاقات اجتماعية مع أناس طيبين يخفف الكثير من عناء الغربة وعذابها.. ولي أمل كبير بأن تسعى جهدك فأسمع: شارع المواويل.. وقد شدت بها إحدى الحناجر..
وهذا المهرجان العظيم، لم يكن عظيماً لولا وقوفك الجبار، وشعرك المبدع، وأبناء (المجد لله) والطيبون من الادباء.. فالجميع كانوا وما زالوا وسيبقون يداً تعمل وتكتب وتبدع، وقلباً واحداً يزيل الضغائن من النفوس.
أخي الحبيب..
أحييك أطيب تحية.. ولكل الاخوة من أدباء وفنانين وصحفيين وإعلاميين أطيب تحية وسلام.
وإلى اللقاء..
فليعذرني كل صاحب قلم وأنامل فنية، فلا أدري كيف أرد صنائعكم؟
أخوك
محمد زهير الباشا
**
أرض الأحرار
فرجينيا/24/9/1989
أغلى الأحبة شربل
أحييك أطيب تحية وأصفاها وبعد..
فألف ألف شكر لما قمت وما زلت تقوم به أنت والاخوة من أهل الأدب والفكر من ذوي الخبرة بهذه الحياة، بمباهجها وآلامها، بأتعابها وأمنياتها، والحمد لله أني التقيت بصهري مع أسرته، فلو كنت في أرض الوطن لاستمر الغياب عذاباً وألماً..
وأشكر لك أياديك البيضاء التي غمرتني بالكتاب التذكاري وبسواه، اعذرني فلقد أتعبتك، لكنك والله تستحق كل خير، كل بركة، كل محبة من القلوب المتعطشة لكلمة صدق تقرؤها في شعرك، في موقفك، في المبدأ الذي لن تحيد عنه: مبدأ الحرية، حرية التعبير، لا حرية التدمير، حرية القول لكل الناس، لا للغول الذي يفترس الضياء من عيون الأرامل، من أنات المبعدين، في زنازين الطغاة والجلادين..
ويوم الجمعة الماضي، زرت لأول مرة مكتبة صحيفة الأمة، واطلع المسؤولون هناك على صوت المغترب، فكانت لفتة طيبة منك ومن الجريدة التي نشرت: محرر الأمة ويوم محمد.. كما قمت بإهداء ذلك الكتاب إليهم وإلى المسؤولين في الأكاديمية، الذين لا يضحكون إلا ضمن أصول التربية والتعليم!!..
فألف شكر يا أخي شربل، وثق تماماً أن كل كلمة ألقيت قد اطلعت عليها وقرأتها بنبضات قلبي، وقدرت موقفك بأن تعطى الحرية لكل متحدث كما يريد دون أي توجيه أو إرشاد، فأستراليا أرض الأحرار، في يوم يجمع المبدعين والطيبين وكافة أبناء الجالية، في يوم الوحدة الوطنية، وكفى ما جرى في لبنان..
أرجو لو تكرمت بنشر الحوار الذي دار بين شهرزاد والمتنبي في أي صحيفة تجد من المناسب نشره، فهي ذات وذات وذات، واترك لك حق الخيار.. وذلك في العدد الذي ضم كلمة: من محرر الأمة إلى محمد..
وأما الاخوة الاساتذة الذين شاركوا، فلهم الفضل الكبير في هذا المهرجان الذي جمع القلوب على الكلمة، والكلمة إن لم تكن صدقاً اهترأت مضامينها.
أخباري، كما تعلم، التدريس يضني الأعصاب، لكن لقمة العيش بحاجة إلى كدّ ومتابعة، فالحياة لا ترحم المتقاعسين.
أرسلت للأخ حسن قياسي رسالتين، الأولى منذ وصلت إلى هذه الأرض الجديدة، والثانية قبيل فترة، ولم أتلق منه أي رد، رغم أني أقدر فيه موهبة الرواية، التي تحتاج إلى ممارسة ودربة، أنت أدرى به، وإن ارتضى بموقفه هذا فلنا الرب وحده.. وهو حر بموقفه؟
الأخ نعمان حرب ما زال يراسلني، وما زال على وفائه وتمسكه بالاخوة، وهو الأفضل بين الذين يراسلونني من دمشق. دمشق هذه علمت أصحاب الأقلام الجحود ونكران الجميل والأنانية المشبعة بالبغضاء، إذ كان كثير منهم على وداد وأنا معهم بدمشق، فما إن سافرت حتى غربوا عني، ولله في خلقه شؤون.
وأرجو الله أن يجمعنا في هذه البلاد، وإن كانت أعمالك لا تسمح لك وقت التدريس، فلننتظر الفرصة المناسبة لوصولك إلى بيتك هنا، إلى من يتلهف للقاء بك وأنت الأخ الأوفى.
أخي الاعز..
هل في واشنطن أو فرجينيا أخ من اسرة بعيني، فأتشرف بالتعرف إليه.. هل في واشنطن من هو من أبناء مجدليا، فأتمنى اللقاء والتحدث معه.. الغربة كربة يا أخي الأعز.
على كل الأحوال أصبحنا وأمسينا ولا أحد يزعجنا ليلاً، ويبلغني وجوب الحضور إلى... أو يجب السير معهم إلى... ألا يكفي أن هذه الأرض رحبت بنا دون مقابل؟ ويبقى في القلب غصّة كبيرة (حب الوطن) مغروس في كل خلية فلن ننساه.
تحيات أم تميم وأسرة الباشا التي قدرت فيكم الوفاء يا أبناء مجدليا. وتحياتي وأشواقي للاخوة أعضاء رابطة إحياء التراث العربي، وللجميع أطيب الأماني بالتوفيق والنجاح.
والى اللقاء
المخلص
محمد زهير الباشا
**
الأمة
فرجينيا/5/11/1989
أخي شربل..
يا أحب الناس عَ قلب زهير.. كيف لا.. وقد اخترت الكلمة الطيبة في مزاج صدق ونبل ووفاء؟
كيف صحتك، وصحة الاسرة، وصحة الاخوة الأدباء والكتّاب؟ أرجو أن ينعموا جميعاً بالخير والبركة.
وصلتني من يدك الكريمة السمحاء كل ما تفضّلت به، وأرسلته إليّ، فليبارك الرب عملك.
وما زلتَ أيها الأخ الأصدق منارة لكل من يبحث عن الهوة التي مزقتها أيدي العابثين بالذهب وبالجنس وبالمتع الحسيّة وحدها، ولن يتخلص هذا العالم إلا بعودته إلى الشعر، الشعر المنطلق من الذات العليا، هذا الشعر الذي يداعب الاحلام فيكون حلماً.. ويتراقص على أجفان الصبايا فيكون صبراً وتعزية عن فراق.. ويلتمع في جبين العالم وهو يقدر ليالي الشوق بالحسبان. لقد قتلوا قصة قيس وليلى.. كثير وعزة، باختلاق مواقف ليست من حياة الإنسان.
الوفاء يا أخي أنتم رموزه وحقيقته وواقعه.. وكم يحتاج هذا الوجود المادي إلى لمسات الوفاء بتعاملكم وبنبل مقاصدكم.
آه.. بل ألف آه وآه على الحياة المزدحمة بالساعة تلو الساعة للنتاج المادي، أما الروح.. أما الوفاء فهو نسغ الروح، فقد مزقته أيدي اللصوص، وارتدى أهل اللصوصية أقنعة القراصنة، فلا ندري هل نحن في كرنفال مستمر، مسموم بلا بطاقة تموين.. وبطاقات دون تموين.
من أخبار الصحافة هنا: انني أوصلت التحية الطيبة من قلبك الطيب إلى رئيس تحرير صحيفة الأمة.. لكنه أعلمني أن هذا الاسبوع هو الاسبوع الأخير لصدورها. وهكذا تتساءل الأمة عن مصيرها؟ فما هو المصير القادم؟ أحروب جديدة في بقاع جديدة ونحن وقودها؟ والأسباب عديدة أهمها عدم تفاهم أولي الأمور فيها.. وسياسة التطاحن بمن سيكون ممثلاً لهذه الأمة.. حتى هذه الأمة ستغلق أفواهها وألسنتها وجرأتها.
المهم أننا أصبحنا بلا أمة.. فتصور أدباء وشعراء وروابط فكرية دون أمة أو شجرة للأسرة!.. بعثرة الجهود هذه مهمة الأمة في هذا العصر الرمادي.
حتى الآن لم يتكرم الثلج بالسقوط، لكن درجة الحرارة مالت إلى دون الصفر، ويا رب البرد مع الصبر، فالغربة والوطن يكويهما الجمر بعد الجمر..
الجديد في الأمر/ أن الاذاعة البريطانية أنشأت محطة خاصة بها، تسمع في الشرق الأميركي، وكنت قد تحدثت مع مسؤولين في الاذاعة المسماة صوت أميركا والتي تتوجه إلى أرض الوطن، أن يتوجه فرع منها إلى الشرق الأميركي والى كل الولايات.. لكنهم لم يقبلوا رأيي، وهذا الذكاء الانكليزي المعهود ينشىء محطة اسمها الشركة العربية الاميركية، وبدأت بإذاعة أغنيات عربية، أما الاخبار فتنقل من لندن مباشرة في وقت يتناسب ونشرها الى البلاد العربية، واليوم اجريت اتصالاً بمسؤول في هذه الإذاعة لعلي أصل فيما بعد إلى تقديم برامج عن أعلام في التراث العربي.. في النحو واللغة، والادب والفكر. أرجو إن وصلت إلى يدك الكريمة جريدة الأنوار أن تتفضّل فترسلها لي ولك مزيد الشكر والامتنان.. ولسوف تنشر مجلة الثقافة بدمشق كلمتي المتواضعة حول يوم لبنان.. بهذا أخبرني الأخ نعمان.
أما هؤلاء المتشدقون الحاسدون فلهم الله وحده.. فالحسد يقتل صاحبه إن لم يجد من يقتله. لقد كان موقفك وموقف الجالية والرابطة أكبر رد على تخرصاتهم.
إنني أسعى كثيراً لتقديم أطروحة دكتوراة في جامعة جورج تاون، أو في إحدى جامعات لندن.. آمل أن تصل إلى الرب دعواتك الصادقة ونحن نسير في طريق الكلمة المجامر، وما في هذا الطريق سوى الوفاء العظيم الذي غمرني، وما زال يغمرني، وأرجو أن أستطيع فأرد جزءاً يسيراً مما طوقتم به عنقي.
سلامي وسلام أسرة الباشا إليكم، وخاصة اسرتكم الكريمة، وأسرة الرابطة والجالية..
وإلى اللقاء وأنتم جميعاً برعاية الرب.
أخوك
محمد زهير الباشا
**
أم تميم
فرجينيا/30/11/1989
أخي شربل..
كيف صحتك وأحوالك؟
اعذرني أولاً لهذه الكلمة السريعة التي كتبتها الآن.. ولا أدري كيف جاءت، فقد كانت أم العيال أم تميم هي التي تنقد كل ما أكتب، لكنها منذ 9/11/ حتى تاريخه، وهي مصابة بفقدان الوعي والحواس بسبب نزيف الأوردة بالمخ، مما جرى عملية فتح الجمجمة مرة أولى ثم ثم ثم ثم جرت لها ست عمليات جراحية..لا نطق ولا تحرك سوى النبض والتنفس فقط.
والآن هي راقدة بمستشفى جورج واشنطن بالعاصمة، بعد أن تم نقلها من المستشفى بفرجينيا إلى جورج واشنطن بطائرة الهليكوبتر، فاعذرني إن لم أكتب.. وثق تماماً لولا أخوتك ومودتك وصدقك لما استطعت أن أخط هذه الكلمة العجلى فاعذرني، وليعذرني كل من يقدّر ما يجري معي.. فكيف أتمكن من جمع أفكاري؟.. أخرج من البيت الساعة السابعة إلا الربع، وأعود في العاشرة ليلاً أو الثانية عشرة.. واليوم عدت إلى البيت الساعة التاسعة وأنا متعب أشد التعب.. ووجدت معزوفتك وكتبك والجريدتين، ورحت أبحث عن رسالتك حتى قرأتها في صدر معزوفتك.. وحاولت أن أكتب هذه الأسطر وقد لفتت نظري حروفك في رسالة سابقة (بالي مشغول عليك كثيراً كثيراً).. فقلت في نفسي ما الذي سيحدث لنا؟ إنها نبؤة شربل.. ما الذي سيحدث؟ وكان تاريخ رسالتك 9/10/1989، والجواب سطر إليك 4/11/89 وبعدها بأيام فقدت أم تميم الوعي والإدراك، وراحت في غفوة عميقة لا يعلم مداها إلا الله.. أكرر اعتذاري لك وللأخوة الأدباء.
لعل الصبر وحده يرحمنا من عذاب الجسد.. أما عذاب الروح في الغربة فأين نجد له الصبر والرحمة؟
سلامي إلى الجميع مع تحياتي ألأخوية
المخلص
محمد زهير الباشا
**
الصبر والثبات
فرجينيا/5/2/1990
أخي الأحب شربل..
يا أعز الأحبة..
أين كلماتك في رسائلك التي انقطعت عني؟ فهي كالغيث على صدري، تجعل أنفاس النبض يصحو ويأمل، ويحمد الرب أن في الحياة من ينبض بقلب عاشق كل القلوب المتعطشة للنور.
معزوفة الحب، في العين والقلب، معزوفة هي سيمفونية المستضعفين القابعين وراء أسوار القلاع التي غرسها الظلم بأنيابه.
استمعت لمعزوفتك، وما استطعت المتابعة، فقلبي مشغول بأم تميم، أركنت معزوفتك تحت طي أنفاسي، أفتح رموزها، فأصغي إلى أنين الآلة التي تمنح صدرها الأكسجين.. أربعة أشهر.. ثلاثة منها في مستشفى جورج واشنطن، وشهر في غرفة ما حلمتْ يوماً أن يتمدد جسدها وهي تنظر إلينا بفتح أجفانها، ولا ندري وراء حركة عيونها أي معنى.. لا أحد يدري!!
الأخبار هنا، تركوا لها التماثل للشفاء، لهذا اضطرّت (تيري) زوجة ابني تميم، الأميركية الجنسية، أن تترك عملها لتراقب وتشرف وتقوم بمهمات صعبة، أعانها الله، فهي تقوم بالعمل ليلاً ونهاراً، وتساعدها ابنتي لينة، وأساعدهم قدر إمكاناتي.
اعذرني إذا اتجه قلمي يشكو إليك أمري.. ليس لي إلا الصبر والثبات، ولم يكن يتوقّع أحد توالي الأحداث المؤسفة والأليمة خلال هذه الفترة.
أين كلماتك التي ترطب قلبي ولساني وأنا أتجوّل فيها؟ أين مشاريعك الأدبية التي تثلج كل قلب يتطلع إلى نتاجك؟
أين.. أين.. فلا جريدة تصل إليّ من سيدني لأعيش في ظلالها، فليسامحني الله على تساؤلاتي؟
رغم كل الغيوم والآلام اليومية التي نراها ونشارك بها ولا نستطيع لها رداً، وأم تميم صابرة، صامتة لم تتكلم منذ 4 أشهر، لا تأكل إلا عن طريق أنبوب إلى المعدة مباشرة. أضع على شفاهها حسوات من القهوة، وقطرات من الشاي، أو قطرات من الماء فقط.. رغم كل هذا، فإن ضوءاً أرجو أن يتسع ليكون نوراً لها، فهي، كما نشعر نحن، بدأت تسمع، ولكن إلى أي مدى؟ لا أحد يدري. إن هذه الغيبوبة أليس لها نهاية؟
ورغم ما نحن فيه فإن هناك فكرة بطباعة ما كتبته عن المتنبي، إن شاء الله، سنبدأ بالشهر القادم بطباعة أولى، ومعرفة التكاليف وعدد النسخ.. التفصيلات ستكون جاهزة بالشهر القادم، وستعقبها طباعة قصص الأطفال، مع أساليب جديدة لدراسة اللغة العربية. دعواتك الطيبة لتكون الأمور على الأسهل فالأسهل..
ما هي أخبار الرابطة وأخبار الإخوة الذين غمروني بفضلهم وحسن وفائهم؟
لكن الذي استغربته أن صاحب رواية العرس ما زال لا يرغب بالرد على رسالتين كنت أرسلتهما إليه، ولله في خلقه شؤون.
كما أسفت كل الأسف على قدوم د. العطار إلى فيلادلفيا ولم تتصل بي، وكأنها تعاملني معاملة الغرباء.. سامحها الله.. بينما أفتح صدري وبيتي لاستقبالها واستقبال أي أخ قادم من أرض الوطن الغربة إلى أرض الغربة.
أحييك أطيب تحية، وأتمنى لك وللاسرة وللأخ كلارك، وللاخوة أهل الادب والقلم الحر أسعد الأيام.
واسلم لأخيم
محمد زهير الباشا
**
قيمة الشعر
فرجينيا/2/4/1990
أخي الاعز شقيق الروح والقلب شربل
تحيّاتي وأشواقي وبعد..
فألف شكر لما قدمته وتقدمه إليّ رغم هذه المحيطات التي تبعد شواطىء الأطلسي عن شواطىء أستراليا، لكنها ما استطاعت ذرة من المحيط أن تبعدك عني لحظة.
وسلمت يداك، فقد وصلت إليّ الكتب مع الشريط، فأكرر لك امتناني، وهذا ما أملكه ، هو الاعتراف بما غمرني به أهل مجدليا، وأهل الأدب في الرابطة، ولم يبقَ أمامي سوى الانغماس أكثر فأكثر في الكتب والدراسات والكتابات لأغيب عن الواقع الذي أفردني في الظل وحيداً.. فالأمل كل الأمل أن أواظب الغوص على اللآلىء في مظانها.
أخي الأعز..
ما زلت إلى الآن أحاول أن أشد نفسي إلى قلبي، فينغمس القلب في ثنايا معزوفة حبك، فالحب معزوفة مغناة بين أناملك، فدعني أغني زجلياتك، وتحلو لحظات استيعابها، وقد اشتد بك البوح، لكنك اختصرت وأوجزت فأعجزت.. وأنا المنتظر منك أن تطول نفحات هذا الحب لأتنعم به، فلماذا جاء ديوانك على الإيجاز والقصر؟ ففي كل زجلية درة ذات وهج سابح في خيال مجنح من واقع، فما أن تبدأ أناملك العزف، والوجد يضني، والشوق يضني، حتى تنتقل بنا الى معزوفة جديدة، وطبعاً لا قيمة للشعر إلا بدرره ولآلئه لا بعدد كلماته وصفحاته.
وأنت تعيش في هذا الديوان على أرق مبدع، وقلق ينطلق بك إلى عالم السحر، عالم الغناء والعشق، وسيكون بين يديك ما تقرؤه من ترانيم مستقاة من ديوانك وزجلياتك، فنحن في درب الهوى، هوى الكلمة الصادقة، هائمون.. وفي درب العزف على أوتار المحبة صامدون، صامدون هذه مسروقة من أهل السياسة فاعذرني، إذ بقي أهل السياسة وغاب الصامدون.. وفي الساحات الصامتون وحدهم يعزفون نشيد الحرية.
رب أنطقنا بالصدق وحده، ونحن على درب الحق مسالمون، لكن كلمة الحق سيف في وجه فرعون.
أخي شربل..
حمك الله وحفظك وللوالدة الكريمة كل تحياتي، راجياً لكم دوام الصحة والسعادة والهناء.
ملاحظة: تحت إلحاح الأكاديمية بدأت بالتفكير جدياً حول انشاء مسرحية تعتمد على المقامة البغدادية للهمذاني، فتقدم على خشبة المسرح بالأكاديمية، وتليها مقامة حول مهاجر تلاحقه الفواتير، سأنهيها، وسأخبرك بالذي يحدث.. فما رأيك؟
كما أنهم طلبوا مني أن أكتب راوية في المجلة الأسبوعية للأكاديمية واسمها الرسالة، إذ لم يستجب للرسالة أحد من المدرسين، فتقدمت بهذا العنوان الدائم: نقطة ضوء من حبر.. وإليك نسخة من هذه النقطة التي أفسدت العلاقات بيني وبين بعض الأساتذة الذين يحتجبون عن تقديم أي اشتراك، لوجه الله، فهم يودون أن يدفع لهم على كل كلمة، أما أنا ولله الحمد، فلا أتجمد أمام رغبات الأكاديمية، فليس بالخبز وحده يحيا الانسان، لكنه بالحب وحده تحيا البشرية ولله في خلقه شؤون.
أحييك وإلى اللقاء..
مع هذه الرسالة بعض الملامح عن الشعر والكرامة، وشاهدنا ما ورد في ديوان المتنبي أستاذنا الاول في الشعر.
أخوك
محمد زهير الباشا
**
صحة القلم
فرجينيا/9/6/1990
أخي الحبيب أعزه الله وأبقاه ذخراً للكلمة الشريفة: الشاعر شربل بعيني المحترم
وإلى الاخوة والاصدقاء وبعد..
فقد عدت من زيارة ابني وسيم إلى البيت المهجور من البسمة الضاحكة، لأنقض على الورقة والقلم، وأبدأ بتسطير هذه الكلمة، ولا أدري والله ما الذي دفعني إلى هذه الأسطر، وأنا أصغي ولا أصغي إلى مسرحية صوتية ـ قطر الندى ـ وكيف زفت إلى ابن الخليفة العباسي، وكلفت ما كلفت من بذخ وعطور وحراير وإبل وفرسان، وهل هي صرخة في وادي التاريخ الذي ندفن به الانهزام والانكسار، ولم يعد أحد يفرق بين اللون الأبيض والأخضر.. هل أصبحت الكلمة تسير على حصير من درر وياقوت؟ وهل بقي للأديب إلا الحصير دون الياقوت والدرر؟
كم أسفت، وللأسف، كم كثرت كلمة (آسف) لم ننتصر في معركة غير متوازنة، لا أريد أن أغوص في الألغاز وكأن الكلمة مكممة، والسيوف مكحلة، ، والأقلام مصون!
كيف صحتك وصحة الأسرة أولاً وأخيراً؟ كيف هي صحة القلم؟ وللقلم جسده وروحه وفيضه ودموعه وأفراحه..
كيف صحة المشاريع الأدبية والفكرية؟ وشكراً للأخ نعمان في مقالته عن الأخ كلارك بعيني، فهو يستحق كل الشكر لما بذله في كتبه حول: شربل بعيني بأقلامهم.
كيف أحوال الاخوة في رابطة احياء التراث: الأخ كامل، والأخ فؤاد ونعيم والأيوبي وأكرم، فلهم علي فضل الأخوة والوفاء ما دام القلب يتطلع إلى نور القمر حتى يحيا بموجاته؟
ما زلت أنتظر نهاية المرحلة الأولى من الطباعة الأولى حول المتنبي يجلو مقلتي نسر. الشيء الوحيد الذي أنجز هذا الأسبوع تلوين ورسم الغلاف. كما تناول الفنان الرسام قصتي الأولى للأطفال بعنوان العصفور الجريء. أرجو أن أنتهي من هذه الخطوات لتبدأ الطباعة قريباً.. ولقد أرسلت إليك كلمتي عن معزوفة الحب التي أسمع نبضاتها في أعماق فؤادي، وفي هذه الرسالة أو معها كلمة صرخة في الذكرى المشؤومة الخامس من حزيران 1967، عنوانها: من أنت؟ وبين حروفها شواظ من غضب على كل من ادعى أن الهزيمة ما حدثت، فالحرب معركة واحدة، فإن هزمنا بمعركة ليس معناها هزيمة في حرب. هذه الفكرة كان قد أطلقها الجنرال ديغول ونحن أعجبتنا وتبنيناها بكل ما فيها من فكرة سياسية جريئة أعادت لفرنسا حريتها، رغم هزيمتها الأولى على يد المارشال بيتان. فكم لدينا من مارشالات يا أخي؟ وكلما كثرت العروش، وكلما كثرت النجوم على الاكتاف تخاذل الشعب، وانحسرت الانسانية وفنيت عزة النفس، ونحن ندور في فلك غريب الدوائر!
لعل الناس لم يقرؤوا ما قاله أستاذنا الشاعر المتنبي:
كل يريد رجاله لحياته
يا من يريد حياته لرجاله
وضعنا، فلا رجال ولا حياة، وبقي الكل بالكل.. والله أعلم.
وأنتظر ظهور النادي العربي للصداقة بواشنطن لأسهم به على قدر استطاعتي، وأهل الادارة يفكرون كما ذكرت لك إنشاء مجلة شهرية أو فصلية، وعرضت على المسؤول فكرة مساهمة إدباء الرابطة فرحب. نرجو أن تتم الامور على خير وسلامة.. أرجو ذلك.
آه يا أخي.. جئنا في عصر لا تستطيع أن تعرف فيه حقائق الأمور ومن المسؤول عنها؟ من أوجدها؟ لمن اتخذت؟ لمن أصبحت؟ ألف اشارة استفهام والاجابات متعددة وكلها مقبولة.
قل لي بربك ما هي نتائج حرب العراق وإيران؟ ما هي نتائج الاقتناص والاقتتال في أرض الرب.. الارز؟
ما أسبابها المباشرة وغير المباشرة؟
لماذا ألغينا العقل والقلب والاصغاء إلى كلمة الحق؟ لماذا؟
أيجب علينا أن ننتظر السنين والسنين لنعرف المخبآت في الجلسات المغلقة؟
لماذا تغلقون أبواب قاعات جلساتكم وقد ذهبتم والتقيتم لتبحثوا قضايانا؟
أم التقيتم لتبحثوا قضاياكم؟
نحن في عصر الأسرار التي لم يعرفها بعد علي بابا والاربعون لصاً.. فاللصوص حين تحكم أو تسرق تخفي ما سرقت وما فعلت وما ستفعل.
أخي الأعز..
اشتقت لكلماتك ولحروفك النيّرة الغاضبة فلا تبخل عليّ.. وأنت في شعرك ونثرك واحة تسقي العطاش، فكيف بقلبي الذي اعتاد أن ينهل من صفاء نفسك وطيب مروءتك.
وإلى اللقاء..
ألم تفكر بزيارة هذه الأرض الجديدة؟ مجرد فكرة أرجو مخلصاً أن تنفذها، فأنا لا أستطيع مغادرة هذه البلاد لأمور أنت تدري ما أسبابها، لأني أنتظر حصولي على البطاقة الدائمة للإقامة. والله الموفق . واسلم لأخيك.
أخوكم
محمد زهير الباشا
**
شؤون خاصة
فرجينيا/13/7/1990
أخي الأحب وشقيق الروح والقلب شربل
تحياتي إليكم وإلى الأسرة وإلى الاخوة أعضاء الرابطة، وإلى كل من حمل قلمه للدفاع عن الحق والانسانية.
كيف صحتك أولاً وصحة الوالدة الكريمة؟ أرجو أن تكونوا بصحة وسعادة ولله الشكر دائماً.
وليبارك الله قلمك المسرحي في مسرحيتك (ضيعة الأشباح)، وهي المسرحية الرابعة.. ليتك تروي لي أفكار هذه المسرحيات، ومن هم الشخصيات الذين اخترتهم: قصة لبنان مثلاً، الأزلام، والأصنام.. ضياع البلد ليبقى الأشباح حكاماً، ولينقلب الشعب إلى مرتزقة.
طلبت الأكاديمية هنا مسرحية أقدمها مجاناً لله تعالى، وكنت خلال هذا الطلب مغموساً كلياً بالذهاب إلى المستشفى، إلى الصيدلية، إلى البيت، إلى العمل، فقدمت لهم نشيداً، وكانوا ينتظرون مني مسرحية ما، ورغبت أن أعوض عما فات، وقدمت للمسؤولين فكرة بأحداث ليلة مسرحية يدعى لها السفراء والمسؤولون وأولياء الأمور، فقبلوا، ووضعت خطوطاً موجزة للمسرحية فجاء الرد: اتركها للعام القادم.. وهكذا تجري الأمور..
أشكر لك وصول ديوانك أحباب، حياك الله، فأنت حريص على الوفاء والإخلاص بتعاملك مع الناس المخلصين.. لكني لم أجد مقطوعات زجلية موجهة من قلبك إلى قلبها.. من هي لا أدري؟ فهل كانت معزوفة حب وحدها كافية؟ ربما.. وأنا أفضل أن أعرف، إذا سمحت لي، المكنونات الخاصة التي تدغدغ أحلامك.. إذا سمحت.. فاعذرني لهذا التدخل في الشؤون الخاصة، وهذا ليس تطفلاً بل محاولة لمعرفة كل الجزئيات التي تدفعك إلى قول الشعر، إلى الغزل، إلى الحقيقة.. فأنت مشدود إليها، وهذا طبيعي، ومشدود إلى أرزة لبنان، وهذا بديهي، ومشدود إلى الشعر ليكون موطن الاستقرار، وأنت العاشق في كلٍ.
اعذرني، فلم أستطع أن أطبع دراستي المتواضعة حول أحبابك، فأنا مضطر لأن أرسلها إليك بخطي التعيس، وليعذرني من يطبع حروفي، ومن يقرأ أسطري، أعانه الله. ولعلي أفوز برضاك ورضا الاخوة أعضاء الرابطة في كل ما أقدمه بتواضع وأمانة، ومن حسن الحظ أن النادي الذي سيرى النور قريباً أصبح اسمه: نادي التراث العربي في واشنطن.. وسيحاول المسؤولون أخراج وإصدار مجلة شهرية أو فصلية..
لكني أجد الصعوبة بإصدار القصة الأولى للأطفال من حضرة الرسام، سأصبر على هذا ريثما تصدر القصة الأولى، وأرجو أن أتابع اصدار سلسلة للأطفال.
صوت أميركا أخذ مني حديثاً عن الأدب المهجري في أستراليا، وكيف كانت أصول هذا الأدب، متمثلاً في دواوين الشاعر شربل بعيني، وكيف كانت كلمة الأخ كامل حول مخطوطاتي، التي لم ترَ النور في بلدي، لأنني لم أكن إمعة، وشرحت للإذاعة سبب ذلك، وسيذاع هذا الحوار في الشهر القادم ضمن برنامج أهلاً وسهلاً.
دعواتك الطيبة بأن تنهي المطبعة الخطوة الأولى من طباعة (المتنبي شاعر يجلو مقلتي نسر)، وما زلت منهمكاً بغزل المتنبي، وهو غزل رائع، مع كتاب قصص للأطفال، فاعذرني إن تكلمت عن كيف أمضي أيامي في هذه العطلة الصيفية، فها أنذا أضع كل ما تعرف عني بين ناظريك.
تحياتي وأشواقي للوالدة وللاخوة أعضاء الرابطة، راجياً الله عز وجل أن يحمي الوطن من أشراره، وأن يعيد البسمة على شفاه المقيمين والمغتربين والاحباب.
والى اللقاء..
واسلم لأخيك
محمد زهير الباشا
**
أشباه الرجال
فرجينيا/21/8/1990
أخي الأعز شربل
تحياتي وأشواقي.. بل ألف تحية وتحية وبعد
فكم سعدت بسماع صوتك، وكم آلمني خبر وفاة إبن أخينا هشام، وهذه هي أحوال الدنيا، لا ندري كيف تطحن منا الفلذات وضحكاتنا تسير في مهب الريح.. فكيف نعزّي أنفسنا بأنفسنا في ديار الغربة؟
ونحمد الله أن مسرحيتك (ضيعة الأشباح) قد جعلت منك مؤلفاً ومخرجاً ناجحاً، ولعلنا، بإذن الله، نتعاون بالمستقبل على تقديم مسرحية تضم النماذج المعروفة التي غاصت بأعمالها في مستنقع المادية والدنايا.. فالوطن اليوم، وطن الأشباح، في كل ضيعة ديكتاتور صغير هو الشبح الذي لا يموت، فهو الخالد بعنجهيته وطغيانه.
وكم تألمت لأن أعصابك تلفت وأنت تعمل في الإخراج المسرحي، أعرفك صابراً متجلداً، فلا تستسلم لأي إرهاق أو تعب.. فالأطفال دوماً ممثلون ناجحون يتقمصون الدور مهما صعب ببداهة وعلى الفطرة، وبعطاء لا زيف فيه، فهنيئاً لك بهذا النجاح.
وكم تألمت لحادثة أخينا الشاعر نعيم خوري، فشلّت يد الغادرين.. أيلحقنا الغدر والتمزيق إلى دار الغربة؟ أما امتلأت أيامنا بأصناف اللؤم والخسة؟
عصرنا تطحنه النوازع الشريرة، وويل لمن يدعو إلى إيقاظ الضمير، أو إضاءة طريق يسلكه الناس في سعادة وفرحة. وإنها لعبة قذرة في الخليج، فجميع المصالح والأمن الدولي والاستراتيجي والبترولي يجب أن تبقى وتزداد وتحميها كل القوى.. وأين نحن؟ نحن غارقون في ليالي الأنس في فيينا، في لوس أنجلوس، في أكسفورد ولندن، في الطائرات المذهبة مفاتيحها، في الرياء الذي غطى كل الحقائق، ثم بالوقوف مرددين: آمين آمين.. والرب لا يجيب، لأنه يعرف أنه ليسوا من رعايا الله. ويبقى الخير كل الخير في الضمائر الحرة!!
أحييك أطيب تحية، مع تحياتي إلى الوالدة الكريمة وإلى الاخوة أعضاء رابطة إحياء التراث العربي، خاصة الأخ كامل، وفؤاد، وعصمت، وأكرم المغوّش، وجميل، وجوزاف، ونعيم..
بانتظار رسائلك التي تشفي قلبي في الغربة الجديدة، ما زلت أتضرع إلى الرب أن يحمينا من مفاسد القلوب، وآثام الرجال وحقدهم، إن بقي على الأرض رجال.. فعلي بن أبي طالب خاطب جماعته مرة فقال:
يا رجال.. ويا أشباه الرجال.. ولا رجال.. كان ذلك منذ 1390 عاماً تقريباً، فهل تغيبت قلوب الرجال؟ لنكون رجالاً في عصر نحمل فيه مشاعل حضارة وإنسانية تجمّل وتحمي مستقبل العالم.
أخي الأحب..
إلى لقاء في رسالة قادمة، وقد أرسلت للأخ كامل رسالة تعزية يوم أمس.
أخوك
محمد زهير الباشا
**
شجرة البؤس
13/10/1990
أخي الأحب شربل بعيني المحترم
سلام الله ورحمته وبركاته وبعد..
فكيف صحتك وصحة الوالدة الكريمة؟ نسأل عن الصحة أولاً فما وراء الصحة الجسدية سوى الصحة النفسية التي نبحث عنها لترتاح أعصابنا وخلايانا من خبايا هذا الزمن.
وكيف أعمالك في التدريس؟ إن شاء الله تكون مرتاحاً.. ألا يكفي الشاعر تزحلقات الدهر حتى يصاب بزمزمات التدريس؟ فهل بقي شيء اسمه الصبر؟
وألف شكر لك وللأخ نعيم برسالته القيمة التي جمعت كل المآسي والجراح وصدأ الدهر على أسنة القلم، فكان جوابه نعم الجواب في أرض اليباب، أرض كولومبس والعنطزة.
بمناسبة العنطزة، أذكر أني كتبت مقالاً عن أناس جعلت عنوانه: المتعنطزون في الأدب.. سأبحث عنه بين اروراقي المصنفة بالفوضى، وهي بالتبعية ضياع فوق ضياع.
الحمد لله أن أخانا كامل في تحسن مستمر، فالموت يبدأ كبيراً وينتهي صغيراً وهذه سنة الحياة.
أعلمني عن مشاريعك الأدبية.. شعرك، زجلياتك، مسرحياتك، لأطمئن على إبداعك، وعلى خط النمو التصاعدي لمؤلفاتك.. إذ من الفطرة بمكان أن يستمر هذا النمو عطاءً متجدداً كلما مرت بك معاناة، أو تحاورت الخواطر والأحلام. وأرجو أن تبلّغ امتناني للبيرق بنشرها: أنتم الأحباب فيا سلوة المحزون. فأين هم الأحباب يا أعز الأحباب؟ هل هؤلاء الذين يراؤون؟ هل أولئك الخائفون على مصير عروشهم من أن تنهار؟ هل الاحتلال والاجتياح والمساندة إلا لعبة شطرنج نحن ضحاياها، ونحن باسم الشعب والملك والمستقبل والدين ندفع ثمنها؟ أيجوز لرئيس دولة إمارة أن يكون راتبه، عفواً دخله السنوي 300 مليون دولار، وتنكة البنزين في سورية بـ 300 ل س. تتحدث عن العدالة، فيقولون ويزعمون: العدالة في السماء.. فأقول لهم وعلى الأرض السلام؟.. وهل يعود العقل إلى الادارة والتصميم؟
أما مجلة الانطلاق، فشكراً للدكتور عصام حداد على تفضله، فيذكر لي بعض أسطر من مقالاتي. لقد كنت على صلة وثيقة بالشاعر المهجري الكبير شفيق المعلوف، رحمه الله، وأنا بعد في أول طريقي باتجاه النقد والاطلاع والبحث عن أسرار هذا الأدب المهجري.
أما الآن: فإنني أنتظر إنهاء الأخذ والعطاء بطباعة سلسلة النجباء، قصص للأطفال، إذ يود الناشر ان يستنزف دمي من اجل طباعة القصة الاولى، وأرجو أن تتم طباعة المتنبي قريباً، في حال الانتهاء من الطباعة ستكون أولى النسخ بين يديك. لكنني أفكر.. هل إذا أرسلت للأخ عصام حداد بعضاً من قصص الأطفال فيتمكن من طباعتها وإخراجها ونشرها وتوزيعها؟ وهل يمكن أن أوافيه بنفقات معقولة عن ذلك، ونتفاهم بالأمر معاً؟ لا أدري.. فأحوالي المالية لا أفقه بها شيئاً ولله الحمد.. أم أستمر مع دار النشر هنا وليكن الطوفان. سأجرب. فما هو رأيك؟ وهل تفضل أن تكون الطباعة والنشر والتوزيع بإشراف أخينا د. عصام حداد؟ ربما تتم طباعة كتاب: بحبك زينت أشعاري. ثم أنتقل إلى طباعة كتاب: في الادب المهجري، مع الاستمرار بطباعة قصص الأطفال.
نبضة حب أقرؤها برسالتك تشجعني على أن أكتب رغم شجرة البؤس التي تستيقظ في أعماقي، لكني لا أسمح لها أن تبني للأنياب أوكاراً.
لك من قلبي المودة والأخوة، وللإخوة الشعراء والأدباء كل الاحترام والتقدير، وللوالدة الكريمة كل التحية والسلام والدعاء أن يجمعنا الله في أرض الأرز.. أرز الخير والبركة.
مع هذه الرسالة (نظرية الانسطاح الزيتي) فإن أعجبتك انشرها وإلا فارمها في المحيط الهادي، فالزيت على الماء يطفو.
واسلم لأخيك
محمد زهير الباشا
**
شرعية القلم
3/3/1991
أخي الأعز شربل بعيني المحترم
أطيب تحية أرسلها إليك وإلى الاسرة الكريمة.. وبعد
فقد مزق القلق أعصابنا والأتون يحرق ولا يحترق، وننتظر البسمة من كلماتك لتشدني بها إلى شاطىء النور، فأستظل بكلمتك، وأعيش برفرفتها، وهي منك في موضع القلب، وهي مني القلب كله.
ونحن نقرأ الأحداث مرثاة ودموعاً، وتمنيت أن تلتقي الشوارع العربية كلها في ساحاتها العامة لمأدبة هي: الندب واللطم والعويل.. لعل مثل هذه المآدب تنوب مناب مؤتمرات القمة المصطنعة المؤلفة من ولائم وقبلات ووداع وقرارات، تظن بعدها أن الجنة قد هبطت إلى هذه الدنيا، ولكن هيهات هيهات لما يوعدون..
من الاستيلاء والأسر والقلاقل.. إلى الاشتبكات والتدمير.. إلى الحرب والنهب والسلب.. إلى المعارضة والتصريحات والمشاريع ذات المخاطر.. تساقطت بقعها الدموية صفحات فخرية في تاريخ هذه المنطقة، وطن المآسي والدموع.
تمنيت أن ألتقي بالشاعر العراقي عبد الوهاب البياتي، لكن الظروف لم تسعفني، فقد عرفت موعد ندوته الشعرية عقب انتهائها، لكني التقيت بالفنانة القديرة والممثلة البارعة هيلدا زخم في عمل فني تقوم به. واليوم الاثنين سنلتقي في حفل تقيمه شركة حياة للانتاج الفني، ولي في هذا الانتاج الفني قصة إذاعية هي قصة: الضفدع الصغير، أما هيلدا فتشارك في عمل إذاعي أيضاً باللهجة الشامية العريقة. لا أدري ما الذي حدث لإنتاج هذه الشركة؟ أرجو لها التوفيق بأن تتقدم شبكات التلفزيون والاذاعة لشراء هذا الانتاج.. انها مجرد فرع للعمل الصبور.
مجلة غربة تأخر صدورها، ربما الشهر القادم، تنشر آلام المغتربين في مجلة، وأي صفحة تجمع هموم الهاربين من ظروفهم الهالكة؟
المنتدى العربي، نادي التراث العربي، تأجل افتتاحه، ولعل عودة الشرعية إلى الحياة، شرعية القلم بأن يكتب بحرية لمثل الظروف الطاحنة التي مرت بنا.
أرجو أن تكون قد وصلتك نسختان من (العصفور الجريء).. على كل مع هذه الرسالة نسختان أتمنى أن تصل إلى أناملك كل العصافير الجريئة.
وليس لنا سوى منابر الشعر ملاذاً لكل الأجنحة التي أراد جبران أن يعيد إليها لحمتها، لكنها ظلت أجنحة متكسرة في مواكب توزع الرمل والزبد، والنبي يطوف حول القلوب ليجفف الدمعة وليقرأ البسمة.
أنتظر بفارغ الصبر أخبارك الطيبة وأخبار الرابطة وأخبار نشاطاتك، لكن الذي آلمني هو إلغاء اسمي من قائمة المستشارين لمجلة الثقافة، إذ وصل إلي عدد شباط 1991، وفوجئت بهذا الإلغاء غير المبرر، سامح الله أخانا الشاعر مدحة، كما فرحت لما لاقت قصيدته من ترحيب.
أحاول كل جهدي أن أسهم بالنشاطات الأدبية والفكرية عقب مرحلة الفتنة الدموية في الخليج، لن أدخر وسعاً في كل المساهمات لعلها تصيب، فمن مسرحية إلى منوعات، إلى سهرة فنية، إلى فلكلور سوري لبناني معاً، وهذه الأمور تتحقق يوم أن يفتح النادي أبوابه.
ليبارك الله خطواتك، ولتبقى كلمة الحق معززة بأهلها، راسخة الجذور بأصالة أبنائها.. وبانتظار رسائلك، أشكر لك مخابراتك الهاتفية، راجياً لك وللاخوة الشعراء والادباء كل الخير.
لك كل المحبة والتقدير..
أرجو أن أطمئن على وصول رسالتي وبها نسختان من قصة العصفور الجريء.
مع هذه الرسالة مقالة عن (شظايا عيون مجربة).. وأرجو أن تعلمني هل باستطاعتي طباعة قصص الأطفال في لبنان عند أخينا عصام حداد؟ أخبرني بذلك رجاءً علماً بأني أرسلت إليه نسخة عن القصة على نفقتي طبعاً.
أخوك
محمد زهير الباشا
**
الأمل في الصبر
25/4/1991
أخي وشقيق الروح والقلم شربل بعيني
سلاماً وأشواقاً وبعد..
فما أخبارك؟ وما مشاريعك؟ وما أمورك الصحية أولاً؟ أرجو من الله أن تكون بخير وصبر وتفاؤل..
العصفور الجريء.. لم يسمح له أهل الحسد والكيد أن يطير بحرية، وأن يشدو لكل الأقفاص وقد احتوت على قضبانها أروع الحناجر وأحلى الأغنيات.
كل حاسد بدأ يلقم العصفور بحجر، ويرميه بالكلام، لعله يختفي وهو الأجرأ، والأشد عتواً على الظالمين، ومن منهم البريء حتى يرمي العصفور بحجر؟
وحمدت الله أن نالت القصة إعجابك وحازت إعجاب الأطفال، وشكراً لهم على تصفيقهم وترحيبهم..
أحاول كل جهدي البحث عن مطبعة في سوريا أو في لبنان، وإلى الآن لم يأتني الرد من الأخ د. حداد. وكم أعجبت بتعليق الأخ كامل المر: آخ منك آخ يا باخ.. في عندي كنز عظيم مثل كنوزه الرائعة في كتاباته. أنهيت أمس أنشودة لأطفال الحضانة ينشدونها في تخرجهم وجعلت عنوانها: أهلاً أهلاً بالزوار. كما أنهيت أوبريت صغيرة للأطفال تأجل إخراجها وتنفيذها للعام الدراسي القادم.. وبتأثير من بديع الزمان الهمزاني أعددت مقامة ربما تمثل في الأكاديمية لطلاب 11و12 ربما.. وتبدأ:
أنا عيسى بن هشام، اشتهيت وجبة من طعام، وأنا في بلاد العم سام.
وبالمناسبة جاء زوج ابنتي من لندن: زياد، وشاركني أيام هذا العيد، وقد ذبحت الخراف البشرية على أرض الأمة اليعربية. اليوم، سافر زياد إلى لندن، وبعد شهرين سأكون في لندن للإستجمام، وليتنا نلتقي في لندن لنمضي كل الأوقات ونحن نعيش بين أحضان الكلمة الشاعرة والآفاق المموسقة، كما يقال اليوم. لكني تذكرت ما قاله مرة تولستوي، ما لفظه: لقد غرقنا في الوحل ثلاث مرات، وقلها غرقنا في برك الدم.. ثم غرقنا بالوحل ثلاث مرات.. ولكن ليس هناك من هو أنظف منا.. أليس هذا هو التطهير الذي دعا إليه دانتي في جحيمه؟ كم مطهراً غرقت فيه أمتنا؟
كم مستنقعاً صنعناه بأنفسنا ثم رمينا صناعتها على أيدي الاستعمار؟
أخي شربل..
مهما اشتكى النبض إلى النبض فإن المأساة أقسى من يتحملها نبض أو فكر.. إنه نفق مأساوي شديد العتمات أعادنا إلى قرون الظلمة والظلام.
أحييك يا أخي.. ولعل الأخ حداد يسعفنا بآرائه من أجل طباعة قصص الأطفال.. وأرجو أن تهدي سلامي وأشواقي إلى أستاذنا كامل المر، والى الاخوة الياس وفؤاد ونعيم وعصام وعصمت وزين وراشد وجوزاف وجميل وأنطونيوس وأكرم، كما أخص بالسلام الوالدة الكريمة، وأتمنى أن تكون قضية لبنان قد حلت وتحللت من أشواكها الدامية، طالما عاد إلى بناية المر في بيروت مظهر العودة إلى الحياة الطبيعية.
بانتظار رسالتك القادمة، أرجو أن تكون كل الأمور على أطيب حال.
هل ترى معي إرسال عدد من القصص للأطفال وتباع بالمكتبات العربية أو في الأوساط العربية على سعر هو دولاين؟ وإن وجدت بها صعوبة فأرجو أن تعتبر هذا المقترح ملغى.. ويبقى الأمل في الصبر.
وإلى اللقاء
أخوك
محمد زهير الباشا
**
أحلام الفئران
12/5/1991
أخي الأعز ورفيق الصدق في الدرب والعطاء
الأستاذ شربل حفظه الله..
تحية النسب الذي جمعنا، وقد تزيّا به غيرنا وسماه أدباً وهو ليس بالأدب..
وبعد..
فكلي أمل أن تكون بصحة وعافية، وأن يظل قلمك سيفاً سحبته من غمده ولن يعود إليه.. وآمل أن تكون الوالدة الكريمة بخير وعافية.
أتمنى أن تسنح لك الفرصة ولو ساعة أو بعض ساعة، لتتكرم عليّ بقراءة (من تحت لتحت) التي عانيت من أجل نشرها الكثير، إذ أصبحت بهذا الحجم وقد ارتضيت بما كان، وحذف ما وجب.. وقد كان..
ولعل الفنانة نجوى عاصي تحين لها فرصة قراءتها، إذ ليس المهم اللهجة، فبالإمكان أن تكون اللهجة حسب قدرة الممثلين ولهجتهم المناسبة لدورهم، وكل له دوره في مؤسسة الاخاء اليومي لمحرقات الشعب.
ليتك تعلمني عن مقدمة المسرحية، فقد اعتبرها أحد نقاد المسرح ـ من بلاد برّه ـ طبعاً انها تحمل إيديولوجية الفن المسرحي.. فما ارتضيت بكلامه لأني لا أحب الطلاء ولا بودرة المساحيق، أريد الابتسامة على شفتين صادقتين بلا مراءاة او دجل.
أما السفر إلى لندن، فسيكون بإذن الله في 24/6، وسأبقى شهراً وقليلاً من الأيام. سأرسل لك من عاصمة المكائد والمسرات رسالة أخبرك بما سيتم من أمور جديدة. ربما ألتقي بزوجة تحمل عني المشاكل اليومية.. ربما.. ربما.. وإلى الآن والامور تتجه نحو الأحسن، إذ لا يمكنني أن أعيش بوحدة وغربة، فابنتي لينة تسكن معي، لكنها بعد أشهر ستغادر منزلي إلى منزل مع من تختاره، وهكذا الحياة تدور.
أما قولك: ان شاء الله نعود جميعنا إلى الربوع السماوية، ونلتقي بأحبائنا، فأرجو ذلك.. وأنت تعلم إذا عدت إلى دمشق يصعب علي الخروج منها لأسباب أنت أدرى بها. لهذا أتمنى أن نلتقي معاً في لندن، فابنتي وفاء تحمل في تعاملها كل ما نشأت عليه من تربية والدتها المرحومة، فهي الأكرم والأرحب، لكنها عصبية المزاج لأبيها، سامحني الله.. هكذا جبلت.
أشكر لك تكرمك بتوزيع القصة على الأصدقاء والأحبة، وشكراً لهم على ثنائهم بأسلوبي، إنه اسلوب متواضع جداً.. وما زلت أحاول طبع ونشر وتوزيع بقية قصص الأطفال، والمواعيد كثيرة، والعيون فارغة، والأيدي تصافح وتطعن.. وبعد أن شب الحريق في الوطن ودخلنا النفق المظلم.
هذه ساحرة سندريلا تداعب أحلام الفئران لتجعلهم طواويس يسيرون على دماء الشعوب، ويستعذبون صراخ الثكالى:
أمتي، كم صنم مجدته
لم يكن يحمل طهر الصنمِ
هذا بيت لعمر أبي ريشة، حفظته ورددته وكدت أدفع حياتي ثمناً لتلك القصيدة.. ثم قرأت: إنما الميت ميت الأحياء..
مع كل التحية والتقدير لك وللاخوة أعضاء الرابطة، ولكل من يحب العدالة والحرية والصدق بالتعامل..
مع تحيتي للأخ شوقي، وضمن هذه الرسالة كلمة دافئة عن كلماته الثائرة، ولا بد للحق أن ينتصر ولو طال النفق، وكثر المنافقون، واشتدت أواصرهم. وإلى اللقاء..
أخوك
محمد زهير الباشا
**
مواجع الكلمة والوطن
إلى الأخ الأعز شربل بعيني المحترم
ألف تحية وألف سلام.. كل التحيات إليك من قلبي الذي يودك أن تشفع لي بهذا التقصير.. إنه الزمن الذي يحرّك فينا مواجع الكلمة، ومواجع الوطن أعاصير صحراوية مرة، دروع البادية مرة، انتشار سريع لقوات لا تدري من أي ثقب مرة أو ألف مرة.. وأنا في لندن مدينة السياسة والتقلبات والمصائد وتركيز المكائد، مثل طقسها وضبابها وأمطارها، ونحن كما قلت مرة في المسرحية: غارقون في الجهل والتجاهل، يهمنا أن نسمع دويّ التصفيق لسكان الشرفات المطلة على الشوارع الملأى بالمسيرات المسيّرة، وويل لمن يفكر في ذهنه، ولو بلمعة واحدة، أن يحمل لافتة سجل فيها مشاعره نحو تلوث المياه، أو نحو غبرة الأحقاد الممزوجة في أرغفة السياسة العربية.
وأخيراً، صدرت غربة، وبين يديك صفحات سعيت كل جهدي أن تصدر قبل أشهر وأشهر، فالرغبة متوفرة، لكن حبائل الشيطان المتأمرك بدأت تدس أنفها في كل صفحة، وصبرت على ذلك، حتى رأت النور، وأنا في مدينة الضباب الملون وفق الشوارع والأقبية.
أحييك، فقد أصغينا بقلوبنا إلى الفيديو في يوم لبنان، بل وصل الفيديو إلى مدينة أوكسفورد، وتعرّف أدباؤها العرب على هذا النشاط الأدبي برعايتك، ورعاية أعضاء الرابطة الذين قيدوني بمعروفهم.
لا أدري ما الذي تم بشأن تكريم الاستاذ مدحة لنيله جائزة جبران؟ المهم بالأمر أن نكرمه..
أخي شربل..
أرجو أن أطمئن على صحتك أولاً، وعلى مشاريعك الأدبية والفنية، وما أخبار الجالية العربية ونشاطاتها؟
تحياتي إلى الاخوة: كامل، فؤاد، عصام، جميل، نعيم، عصمت، زين، راشد، جوزاف، أنطونيوس، الياس، كلارك، أكرم، فؤاد نعمان..
وطبعاً ذهبت إلى لندن وحيداً وعدت إلى واشنطن ومعي الحرم المصون كما تقول اللغة، وقد تم ذلك القران في 8/7/1991، فأنا غير قادر على طبخ قطعة من البطاطا في مقلاة زيت، فكيف بالطهي على أنواع التوابل؟
على كل ولله الحمد.. بانتظار رأيك في غربة، وبانتظار كلماتك النابعة من صدق عواطفك، أتمنى لكم جميعاً دوام الصحة والسعادة. وإلى اللقاء..
أخوك
زهير
**
الكلمة المنداة
30/10/1991
الأخ الأعز شربل بعيني المحترم
سلاماً واحتراماً وبعد..
فكيف هي الصحة أولاً.. ولا تسأل عما تخبئه الأيام؟
أهجرتنا يا صاحب الحرف المعطر، والكلمة المنداة؟ سامحك الله، وهل أكتفي بسماع صوتك بالهاتف ليهدىء من شوقي إليك وإلى كلماتك التي هي البلسم في الغربة؟.. ففي كل يوم أكون على لهفة لأجد رسالة منك فلا أعثر.. ولكني أدهش وأتحسّر وأقول صبراً ليوم غد.
أتظن بي من دعاة السلام في هذا النظام العالمي؟ أيضاً سامحني الله، فلا أتهم نفسي وأنت مع نفسي شقيقها في كل نزيف وفي كل إشراقة.
وهل تعتقد أني من دعاة الحروب؟ لكني من دعاة الحق والسيف بيدي لأحمي به حقي وحق جاري وحق أجدادي. وليس من المعقول أن يخصص الله ربنا قطعة من أرض لإقامة مملكة بالدم والقتل والذبح.. لكني وجدت يوماً على سطح المياه في بلدي مذابح هي في التاريخ الإجرامي أقل جرماً..
ما لنا وللاجرام.. أفتقد كلماتك وأنت النبع الغني الذي ينثر الحب على أفئدة العصافير، وأنت على حروفك منارة الود والإخاء لتجمع كل من تكسرت أجنحتهم على آهاتك مشاركاً، متأوهاً عاشقاً كسر الأسنة.
أحييك، ومع هذه الرسالة (غربة بعد دين معاً).. وأنا بانتظار بسمة مودة على صفحة أقرؤها بقلبي وبخط يدك.
وإلى اللقاء
مع أطيب تحية إلى إخوتي في الصدق والحرف المقدس أعضاء الرابطة، والى الأخ الدويهي أطيب تحية، وله نسخة مع هذه الرسالة.
المخلص
محمد زهير الباشا
**
معزوفة حب
بدون تاريخ
أخي شربل
يا أوفى الأوفياء..
أحييك أطيب تحية.. وبعد
فها أنذا على الوعد، أضع بين يديك صورة للأحلام التي رسمتها حروفك المتوهجة بالحب في (معزوفة حب)..
سمعت المعزوفة وأنا أناجي الأحلام.. تردد في أعماقي أصداؤها من عالم المحيط إلى التفرد والغربة في أرض كولومبس.. عشت مع كل زجلية، حملتني آهاتها إلى رابع الذكريات، رمتني ذكرياتها على كل غبار وأنا أنتظر رسائلك وأسمع كلماتك.
معزوفة حب.. مجد جديد تسطره في طريق عطائك المتجدد، فلا تبخل على الشعر بكلماتك، بتحليق آهاتك إلى عليين وأنت تقود الأبصار إلى أن تلامس خدود الزنبق والورد، وأنت ترشرش السعادة في عيون العاشقين الصابرين وأنت تحارب الحسرات، ولكن الغربة تظل الجرح على الملح، وإلى النار كل الحاقدين الملوثين بالمظاهر الخادعة والجشع القاتل.
ونحن.. ناطرين معك على كل الصخور العطشى حتى نسمع في كرومك أن القمر على صدرها يغني تراتيل عشقك ومودتك ووفائك.
أخي.. يا أوفى الأوفياء
أرجو أن تبلغ تحياتي للوالدة الكريمة، حفظها الله وأدام عزها، وأن تبلغ تحياتي للاخوة أعضاء رابطة إحياء التراث العربي.. وإلى الأدباء في صدى لبنان..
وللمعلومات فقط:
1ـ بدأت المطبعة في طباعة (المتنبي يجلو مقلتي نسر).
2ـ هناك فكرة نتداولها وهي: هل يمكن أن تصدر مجلة في واشنطن يشترك فيها الشعراء والأدباء في سيدني. الدراسة مستمرة إذا استطعنا تأمين النفقات الضرورية. سأخبرك بما سيتم بهذا الأمر.. نرجو الله أن نوفق.
3ـ ربما أستمر بالكتابة عن عبقرية اللغة العربية فتكون كتاباً بإذن الله.. فلديّ مخطوطها لكنه بحاجة إلى مراجعة وتنقيح مع زيادة في الموضوعات..
لا أريد أن أسترسل بالأحلام..
فإذا كان القوافي يغرهن الثناء
فأهل الكلم يغرهن الضياء
ضياء الآمال والأحلام..
وفقك الله..
4ـ يوم 17/4 سينال تميم الجنسية، وما بعد.. سأحصل على الإقامة الدائمة، حينئذ أستطيع السفر إلى ما وراء البحار.. فما رأيك؟
وإلى اللقاء
أخوك
محمد زهير الباشا
**
نبضة شعرية
1/1/1992
إلى أحب نبضة شعرية حركت فيّ كل المشاعر.. أخي الأعز شربل
تحية أخوية وأشواقاً وبعد..
فكيف أحوالك؟ وصحتك وإرادتك؟ ومتى نفرح وأنت تختار عروسك، فهي تعيش معك وبشعرك وبغضبك وبهجتك في آن؟ أم أنت أبعد من أن تنفذ ما تود اختياره؟ الأنك فضلت الشعر والعزلة وعيشة الفراشات؟ الأنك ارتأيت العيش مع القضية فقط؟.. قضية الوطن، قضية الجمال، قضية الحب والعدالة، وليسقط الاستعمار النسائي.
شكراً لك، فوصول (نجمة الساري) للشاعر عصام ملكي كان وما زال فرحاً يحرك المواجع، وقد وضع النور على الأوضاع، فعرفنا المعاناة وشهدنا الأفراح وما نالنا منها.. قصيدة ممتازة تفتح لنا الأبواب ليلج القلب إلى الهمسات الجارحة والآفاق المنطلقة.. وشكراً لمجلة الرابطة، وأرجو أن تستمر كل المواهب بعطائها ونتاجها، فتنشر في كل الدوريات ليعرف الناس ما يملكون من مواهب وقدرات.
والنضال اليوم على واقع مؤلم، حملناه معنا من الوطن، فكانت العقد النفسية سدوداً منيعة لمتابعة النهوض بالفكر وبالشعر والقصة والنقد.. عوائق تمر بنا والغربة شاهدة على أن هذه العقد النفسية تجرنا إلى الخلف.. فباتت (غربة) تجمع عددين في عدد واحد، فقلت أهلاً وسهلاً، فهذا خير من انقطاع مفاجىء، لهذا بقيت المساحات الصالحة لنشر المقالات على حالها.. الشيء الوحيد الذي استطعت إنهاءه: دراسة متواضعة حول خطوتك الجريئة (مناجاة علي)، فكيف أكتب وأسرتي، كما تعلم، دفعت، وما زالت تدفع ثمن وجودها من أتباع أتباع علي، وهو بريء من هذه التصرفات القمعية؟
كيف تستطيع أن تلحم هذه الفجوة المدماة بالألم، وبالدفن لأبنائنا أحياء في صحراء تدمر؟ لا بد من الصراع على الحكم، على الكرسي، على المائدة، على الرغيف، على القلم، على الآهة.. لكن الصراع بالحوار حضارة، الصراع بالتفاهم تقدم، الصراع بالمنافسة الشريفة ارتقاء للنفس البشرية.. أما أن ينقلب الصراع فتكا وغدرا وقسوة، فهذا الصراع لا لخدمة الجالسين على الكراسي، وإنما هو صراع لتأمين النجاح والفوز والبيعة المزيفة قبل شهر، وأنت الأدرى، ما في الساحة الودية من انتهاكات!
سررت لأن كتابك الجديد (مناجاة علي) قد ترجم إلى عدة لغات، وأرجو أن يترجم إلى العربية على قلوب العرب، فيفهمه قراؤه العرب قبل غيرهم من العجم.
هدفك في الكتاب المحبة ونشرها، واللقاء بالله وحده، فهل إلى هذا السبيل نحن سائرون؟ ألم تسمع صرخة خليل الكافر لجبران خ ج وهو يصرخ داعياً الرب بأن يمنح الأرض الحرية والعدالة. سيبقى شرقنا منكوداً بطائفية تمزق.. تشتت.. تقتل.. تفني.. تنحني لربها، وأصبح لكل طائفة رب وأرباب، فمتى نتخلص من هذا التعصب والتزمت؟ وما قلت لك كفيل بأن يحيل هذا الصراع إلى مستنقعات ملأى بالمهربات. وويل لأمة تبحث عن سكاكين تمزق أوصالها، بدلاً من أن تشحذها للدفاع عن وجودها. فالوجود العربي مرهون بطلقة صواريخ من مستعمرة ديمونة، أي صحراء النقب. لذلك كتبت قصة (نخلة في صحراء النقب) ومن الذي أبعدها؟ هم أهلنا وليس عدونا!؟
أحييك أطيب تحية.. وهذه الرسالة الأولى إليك في مطلع هذا العام الجديد عام 1992م.. أحببت أن تكون رسالتي وقد سطرت عليها نبضاً مما أكنه إليك.. وما أود نشره لا تكفيه هذه الأسطر وأنت الأعلم بما في قلبي، وما تسطره نبضاته. أهنئك وأتمنى لك وللاخوة الأدباء أطيب عام، وأرجو أن تهدي سلامي إلى: كلارك، أكرم المغوّش، بو رزق، الدويهي، بو ملحم، الحلاب، الأيوبي، ملكي، نعمان الخوري، المر، خوري ونمور.
وللوالدة الكريمة تحية خاصة وتهنئة بحلول العام الجديد. وفقنا الله إلى ما فيه الخير للبشرية، دون النظر إلى لونه ومعتقده ومواقفه السياسية. ألا نعود إلى أنفسنا وعقولنا ونحن نشهد هذا التفكك المذهل للقياصرة الجدد، المتربعين في الكرملين سبعين عاماً؟ ألا نعود إلى أنفسنا وأمامنا التكتل الأوروبي ونحن غارقون في التيه؟
حماكم الله وإلى اللقاء، وأنتم جميعاً بأطيب صحة
المخلص
محمد زهير الباشا
**
غربة
فرجينيا/18/5/1992
الأخ الأعز شاعر الرقة والغزل شربل
أحييك أطيب تحية.. ولعل كتابتي هذه تحمل ما أود من مشاعر أخوية وأمل كبير بأن أرد لك جزءاً من وفائك وشهامتك بهذا التعامل الذي لا أنساه أبد الدهر.
ماذا أفعل؟ وكيف أخبرك عما حدث معي في مجلة (غربة)؟ لم يعرف المسؤولون عنها أن الصحافة ثقة وتوقيت محدد وحقيقة واضحة، فلست على استعداد لأن أنقد الشبكة العربية الأميركية، وهي إذاعة مرئية، وإذاعة سمعية، مقابل الثمن الذي سيدفع للمجلة.
لست على استعداد لأن أؤجل العدد إلى ما شاء الله، ونحن تحت أوامر وتعليقات أحدهم التي لا تنتهي.. وتحت المواقف التي أبعدت المحررين الواحد تلو الآخر.
لست على استعداد أن أبيع وقتي هكذا دون أن يكون لدي سوى الابتسام الماكر، ولحمي يكون مراً شديداً إن اشتعلت دماؤه. أعطيت ثم أعطيت لأربعة أعداد ما استطعت، وهيأت كل المواد المخصصة لي ضمن المجالات الادبية.. من شعر ونثر ومقالات وتعليقات، ووجدت بعد ذلك أني المسؤول الأول والأخير عن التقصير في إصدار غربة. لقد ثرت يا أخي شربل وودعتها، وصوتي يعلو على مساوئهم، وحاول صاحب غربة أن يعيدني لحظتها، لكني فضلت الاستمرار بالابتعاد. كما أني فوجئت بالعدد الرابع وفيه مقالة غير مذيلة بمن سطرها وعنوانها (من مزبلتي إلى مزبلتك)... فهذا عنوان لا أرضاه.. قلت لهم: ليس لدينا مزبلة لتبقى المزابل لدى كلابها، وإذا نشرتم رداً فاكتبوا اسم صاحب الرد، رغم أني لا أوافق على مثل هذه السياسة في علاقاتنا مع الصحافة. إنهم زملاؤنا، وستبقى العلاقة طيبة، لا وسخة رداً على وسخهم!
القضية أن أحدهم يستغل صاحب المجلة وزوجته بمعلوماته الصحفية، ولغته ونكاته المصرية، وأنا لا أستطيع أن أهضم دجالاً في الصحافة.. يكفي ما حل بنا من دجاجلة الفكر والقلم والشعر والتعليقات!.. ولما التقينا في بدء وضع مخطط للمجلة اشترطت شيئين: الوضوح .. وعدم الطعن وعدم الغدر بالغياب. فكل شيء يجب أن يكون على المكشوف، وسارت الرياح بما لا تشتهي كل النفوس.
أكرر لك عذري بأن أطلت عليك زفرات كلماتي الغاضبة، وليس لي سوى قلبك الكبير الذي بدأت به سيرة ملاح يبحث عن الله.
أرأيت كيف نغرق النور ونطفئه حباً بالانانية واندفاعاً للشهرة المقيته التي لا ترتكز إلا على الشر والانانية وحب الذات فقط.
أخي الاعز..
أطيب تحية لك وللأسرة، وللإخوة أعضاء رابطة إحياء التراث، وكل من أغدق علي وفاءه ومحبته ونبل مقاصده.
وإلى اللقاء.. بأخبارك السارة بإذن الله.
أخوك
محمد زهير الباشا
**
البلاهة الانكليزية
لندن ـ ريشموند/4/آب/1992
الأخ الأحب شربل بعيني المحترم
ألف ألف تحية، وألف ألف سلام لك وللأسرة الكريمة.. وبعد
فقد سعدت لوصول رسالتك إلى واشنطن، ثم أرسلتها ابنتي لينة إلى لندن، لأني لم أستطع الانتظار حتى عودتي إلى واشنطن، فأشرت عليها بالاسراع، فوافتني كلماتك اليوم الثلاثاء، ولله الحمد الأسرة بخير وصحة وعافية، لولا غلاء الأسعار في لندن لكانت إحدى جزر النقاهة، لكن البلاهة الانكليزية المصطنعة ما زالت على وجوه الانكليز، فهم النبلاء والأغنياء المترفون من بني قومهم، وكأن ليس في العالم سوى النوعية الانكليزية، والبقية من بني البشر توابع، وكل الاسعار هنا تعادل ضعفي الاسعار في واشنطن.
ونعود إلى حديث آلمني جداً، وهو أني صممت على عدم الرجوع إلى (غربة)، كما شرحت لك بالتفصيل، وللعلم فقط، فإن أحدهم قد شارك معنا بثلاثة أعداد، ولما لم يعجب ذلك السيد المعاطي، سارع إلى إبعاده، فكان هذا مفيداً له، إذ يصدر كل اسبوعين مجلة أسماها (الوطن)، تعتمد على ريع الاعلانات فقط، وتوزع مجاناً، لكنها تنتهج خطاً لست موافقاً على نهجه ولا هدفه، ولا على اسلوب المجلة تلك. فهي تتحرش بالسفارات، وتقدم السفالات، ولست أبيع حرفاً لهؤلاء الطغاة.
وأشكر لك كلمتك (أنك على استعداد لتنفيذ ما تريد نشره)، انني على ثقة من أن قلبك الكبير يتسع لكل العواصف والرياح والغيث العميم.
إننا اخوة الحرف المقدس، فهو نبض نور في عالم الطغيان والديجور، ولن نلوث صفحة النور أمام استبداد الانانية والغدر.
وإنني اليوم غارق في بحث عن شعراء عصبة الأدب العربي في البرازيل، وسأقدم هذا البحث إلى كلية أوكسفورد، وقد وافيت هؤلاء الاخوة الشعراء برسائل ذات استفسارات عن نتاج شعرهم، وأنا بالانتظار، وقد يطول، وربما وربما لا يأتي الجواب من أحد. لكني سائر بالبحث عن هذه العصبة التي تلت العصبة الاندلسية وجامعة القلم، فلا بد من أن يتعرف عليها أدباء الوطن وأدباء المهجر. وأرجو أن أوفق إلى إتمام هذا البحث في الأشهر الثمانية القادمة بإذن الله.
وفي 14/8/1992 سأتوجه إلى واشنطن لأقوم أيضاً بإكمال قصص الأطفال، وإلى دمشق وصل (المتنبي شاعر يجلو مقلتي نسر)، بعد أن تعب على شواطىء فينيقيا وشواطىء الأطلسي وبحر المانش، واستقر الآن للمراقبة والموافقة على الطباعة والنشر والتوزيع، ويحتاج الأمر إلى شهرين ثم تجري المداولات مع إحدى المطابع، إذ من الصعب طباعة المتنبي في واشنطن، لأنه رفض الجنسية والإقامة والعمل وأراد أن يكون ويبقى عربي اللسان والقلب دون ترجمان.. وهذه مقادير الشعراء.
تحياتي إليك وإلى الجميع راجياً العلي القدير أن يوفقنا إلى الخير، الخير لكل عباده..
ودمت لأخيك
محمد زهير الباشا
**
قيثارة آلام
فرجينيا/22/10/1992
أخي الأعز شربل بعيني المحترم
تحية الصدق والوفاء أبعثها إلى قلبك العامر بالأخوة والانسانية، في زمن تتهاوى فيه البشرية على أرض الوطن إلى أسفل سافلين، إلا الذين رحمهم ربك فصبروا وصابروا.
لقد ذبحتنا المتاجرة بالمعتقدات المنزلة والأرضية، وازددنا كل يوم معتقداً، وكل يوم كتلة، وكل يوم عصابة تفرخ، فالنفق الناري تسير فيه بصمات المستضعفين، وقد فقدنا حسن الوازن، فارتضينا بالهاوية تلو الهاوية، حرصاً منا على المصلحة العامة، وبدأت المتاجرة، فباع إخوة يوسف دم أخيهم، وباعت إمرأة فرعون قميص يوسف، وباع يوسف واقع زنزانته بقراءة حلم، والكوابيس تعم العواصم المصابة بآلام القواصم.
وكنت وحدك تناجي ربك، ومعك مزودة الزيت تمسح بها أجفان المعذبين، بالكلمة مرة، بالأمل ألف مرة، بالغضب مرة، وبتضميد الجراح ألف مرة، إلى أن وصلت مناجاة قلمك إلى علي بن أبي طالب، هذا الرجل المؤمن على البداهة: ان الخير بجانب الخير مكرمة، لكنهم تاجروا بآرائه وباعوه بثمن بخس، وكانت ضربة سيف، ثم مزقوا صفوفه، وعرقلوا تاريخه، واشتدوا عليه مدحاً، بعد أن وسعوه ذماً وقدحاً.
أخي شربل..
غربتنا قيثارة آلام ما أن تمسها أناملنا وتسمع همومنا، حتى تنشد معنا وهج نبضاتنا.
لك حبي وأمنياتي مع أطيب التمنيات لكل من ساهم في المناجاة.
أخوك
محمد زهير الباشا
**
الشمس والأمل
بدون تاريخ
الأخ الأعز في نفسي... شاعر الحب والجمال شربل
تحياتي وأشواقي، متمنياً لك وللأسرة الكريمة الصحة والعافية والقوة على مجابهة مصائب الدهر الشريرة المنبعثة شظى ولهيباً على كل من يعمل الخير في سبيل إعلاء كلمة الحق، لذلك سيرتد هذا اللظى وهذا اللهيب أضعافاً مضاعفة.
أكتب إليك وأبارك لك بالعام الجديد، وقد زينت مجلة ليلى بأبهى حللها من مقالات وخواطر وقصائد ونقد وزجل.
أكتب إليك في هذه الساعة الرابعة من بعد ظهر الأربعاء من هذه الشقة المتواضعة بعد أن تهيأ لي المقام عند ابنتي بثينة. والحمدلله، بدأت تباشير الطمأنينة والجو الهادىء في هذا المنزل الجديد.
أحييك، ولنبتسم للشمس وللأمل في كل يوم، رغم تاريخنا الذي يمر في مضايق وانزلاقات..
مع هذه الرسالة شيك بمبلغ متواضع، وأعذرني، إذ أتمنى أن أسهم بأكثر وأكثر.
حماك الله وحمى الأسرة والمجلة.
وسلامي إلى المحبين والمخلصين
وإلى اللقاء
أخوك
محمد زهير الباشا
**
ملاعب القوافي
واشنطن، السبت صباحاً/13/3/1993
الأخ الأعز الشاعر الملاّح وشاعر المِلاح شربل..
أحييك أطيب تحية، مع المزيد المزيد لسماع نبرات صوتك الصادرة عن قلبك الذي أحب فأخلص، والذي صادق فأوفى، والذي منح الخير فأسمى في عطائه.
لك شكري وامتناني على جهودك الرائعة في ملاعب القوافي، والشاعر على الجمرات وحده يسير دون أن يأبه باللسعات الجوارح.
أخي..
لا أدري بأي قلم أستطيع أن أعبر لك ما تكنه مشاعري نحوك من صفاء وصدق، فألف شكر على التفاتتك نحوي فهي عندي أثمن ما في الوجود.. أنت وصحبك في رابطة الاخوة وهي تشهد للمقهورين ولمن يثبت في عالم الكلمة.. انها معهم.
فليبارك الله لكم بكل خطواتكم ومشاريعكم التي تخدم الأدب واللغة والفكر والرأي الحر النزيه.
أكرر لك شكري.. ففي صباح هذا اليوم يعم الثلج المنطقة على غير عادته منذ سنوات. مع تحياتي للجميع، أرجو لكم دوام الصحة والسعادة.
أخوكم
محمد زهير الباشا
**
أهل الحياة
19/8/1993
الأخ الأحب شربل
تحية الأخوة، تحية الصدق.. تحية الولاء للكلمة الحق.. تحية الانتماء إلى الوطن، ووطني على حق دائماً، وطن دون أنظمته العفنة.
عدت إلى المغترب قبل فترة وجيزة، واكتحلت عيناي برؤية الكتاب عن الملاح الذي يبحث عن الله والحق، ونبحث عنه كلنا في هذه المعمورة، وهو في أعماقنا بسمة الحب، نغمة الوفاء، تجليات قصيدة في موقع غزلي محترم.
الاخراج الجديد جاء رائعاً، ولكني ما زلت أحب ذلك الرسم على الغلاف القديم.. وشكراً لك على جمع الكتابين في مؤلف واحد، فأنت لست على استعداد أن تركن إلى ما يسمى بالعربية الاسترخاء، وما عودتنا الغربة الاسترخاء، رغم أهل الاسترخاء على كراسيهم، وأهل الاسترضاء يعزفون لهم سمفونيات خلودهم على ظهر البسيطة.
والكتاب الجديد بهذا الاخراج الجديد لا يسمح لنا بأي نظرة نحو الغفوة، وستبقى دفقات الشباب حية تدفعنا نحو المزيد من العمل، والحياة عمل، والعمل فن، والفن صعب المرتقى، والمرتقى درجاته تصل إلى الله.
فمهما كررت لك شكري على هذه الخطوة فإنني أعتبر نفسي مقصراً تجاه هذا الوفاء الذي افتقده أهل هذا العصر، ولعله في كل عصر يفتقد الوفاء، إلى أن يأتي الشاعر أو النبي أو المفكر، فيثبت أن الوفاء عنصر حيوي في حياتنا، لكننا في عصر باع أهل الحياة بدريهمات، وظنوا فتح الشوارع وفاء للشعب، فأكثروا من الجسور، جسور الإسمنت والحديد، ليصلوا الى كل بيت بسهولة، وأضاعوا جسر المودة والوفاء.
ولنعش دائماً فرحة اللحظة، فرحة النتاج الذي يشير للاجيال أن طريق النتاج شعراً كان أم قصة أم علماً إلخ.. هو طريق الوفاء والعمل، لا للاسترخاء، لا للتزوير والبهتان، لا لكل شيطان وشيطان.
وعاد إلي شريط الفيديو مترجماً إلى الأمواج الأمريكية وذبذباتها. لقد كانت حفلة التكريم رائعة، ورائعة جداً، فكلمة سعادة سفير لبنان د. لطيف أبو الحسن دبلوماسية المحتوى والهدف، وإلقاء فضيلة الشيخ كامل وهبة جاء على طبيعة المخلصين لله وللناس، وتمنيت لو طالت كلمة الأديب الكبير جورج جرداق، ومبروك هديته إليك، فهي عربون كبير من أديب كبير لشاعر كبير. والبروفسور نديم نعيمة أجاد بكلمته الطيبة التي أحيت النفوس، أما الشاعرة آن فيربيرن والأستاذ مايكل هولينغورث، فقد كنت معجباً بترداد اسمك الكريم، وعلى صفحات وجوههم أقرأ وقرأت التعابير الصافية.. والاستاذ كامل المر كما عودنا بعمق تفكيره وأصالة ثقافته ونظرته الثاقبة في مجريات الأحداث، وفوجئت بكلمتي تلقى بشفاه نجوى عاصي وإن اجتزأت منها الكثير. على كل.. هذا مما زاد في فرحتي ومشاركتي المتواضعة بحفلة تكريم أخي وشقيق عمري شربل..
وكانت كلمتك مسك الختام الذي تنسمت منها عطر الايام بشذاها وحبورها، بصبرها المرير ودمعها الغزير. ولا أنسى ما ألقاه الاستاذ رفيق حمودة من عبارات مشجعة ونظرته إلى الأمور نظرة واعية.
أكتب الآن بعض الخواطر المتناثرة حول (أرأيت الذي) والذي هذا من الظلاّم والغشاشين وبائعي الضمير، وحملة مشاعل السياط، وفرعون ذي الاوتاد.
كما انني أتابع الكتابة عن عصبة الأدب العربي في البرازيل، الشعراء منهم فقط، وأتمنى أن أنهي الكتابة عن المتنبي الشاعر في غزله وسياسته، مع الاسقاطات المعاصرة في شعره السياسي.
تحياتي للاستاذ الأيوبي، فقد سعدت بصوته وسعدت بوقفته وهو يطل على الحضور، كما كان لكريمته ليلى بتقديمها الأثر الطيب في النفس، وكان لديها حس مراعاة الموقف، الموقف الأدبي في تكريم شاعر ينهل من الحياة ويصنف الحياة.
مع تحياتي للاستاذ نمور ولبقية الاخوة أعضاء الرابطة.
أرجو أن أسمع وأقرأ ملاحظاتك عن المتنبي يجلو مقلتي نسر. والى اللقاء، والجميع بخير وسعادة.
أخوك
محمد زهير الباشا
**
المتنبي
فرجينيا/15/10/1993
الأخ الأحب والشاعر الملهم شربل بعيني حفظه الله..
تحياتي وأشواقي وبعد..
فقد سرّني أنك شاركتني بالفرح عن كتابي المتواضع (المتنبي يجلو مقلتي نسر)، شاكراً لك تفضّلك بنشر مقالك عنه في الجريدتين: البيرق والعالم العربي، وقد أعجبتني أحكامك النقدية على بساطتها، لكنها عميقة الهدف، هيابة لمن هو ذلك الشاعر.. المتنبي.
في تلك البساطة عفوية قلمك الذي عرف الشاعر والشعر، وجرب معاناته في ديوان يصدر إثر ديوان، حتى مناجاة علي، فنقطة الزيت، والرب الذي يحمي رعيته، لا بد وأن لها من القدسية ما يشفي الجرح والندب والغربة.. وتسألني: أأعجبك المقال؟. كيف لا يعجبني وقد خط بيراعك وقدرتك ومهارتك. الكتابة تكون شعراً أو لا تطون.. تكون نثراً أو لا تكون.
وأشكر نجوى عاصي على كتابها حول مناجاة علي، فإن إسهامها بما قدمته من نتاج، وما قدمته من معلومات تاريخية وحقائق إنسانية في حياة الخليفة علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه، ما يشير إلى مكانته في قلوب عارفيه.
أخي شربل..
أقوم بدراسة وبحث شامل عن شعراء عصبة الأدب العربي في البرازيل، وأكتب هذا البحث باللغة العربية.
السؤال الآن: هل لديكم جامعة تقبل مثل هذه الموضاعات بالعربية، فأقدم إليها مخطط البحث، وهي تضع وتشكل لجنة لمناقشة هذا البحث، ومن ثم يتم منحي شهادة بالدراسات العليا وفق منهج الجامعة.
أرجو أن تخبرني بذلك حتى أتمكن من متابعة هذه الدراسة والاتفاق مع الجامعة، أي مع المسؤول عن ذلك، ومن ثم عقب الانتهاء أكون بطرفكم.. ضيفاً وزيارة ودراسة، فهل تخبرني بالجواب لأكون على بينة وصواب، وهذا أمر ضروري بالنسبة لعملي في هذه الأكاديمية.
وتسأل عن صحة العم سام.. إنه وعشيرته يصل (للبدو ياه) ونحن، أخي شربل، سلمنا أمرنا له بعد أن حشرنا جميعاً في النفق الناري، الذي يحرق ويبدد ويمزق، ونحن لهذا النقد وقود وحجارة وأغصان جافة تلتهمها الأحداث.
تحياتي للاخوة في الرابطة، ولا أدري هذا العام لمن تقدمون جائزة جبران الأدبية؟ فالاحتفالات التي جرت بدمشق حين منحت لأحدهم، جعلت الجائزة ذات شهرة أعلى وأغلى من الذي مُنحها. وأنت أدرى به.. سامحه الله.
أخي شربل..
أحييك وأتمنى أن تكون في صحة وسعادة، ولعلك تتحفنا بمناجاة جديدة اسمها: مناجاة راشيل تيمناً بأبو عمار! حاول هذا مع كل الجراح النازفة.
وإلى اللقاء وأنت بأطيب حال.
ودمت لأخيك
محمد زهير الباشا
**
متى يتم الطوفان؟
فرجينيا ـ الاسكندرية/17/2/1994
الأخ الأحب شربل بعيني.. حفظه الله من كل سوء..
سلاماً وتحية وبعد:
فقد وصلتني الكتب، وأنت مع الوفاء نذر بالعهد، تعجب من يعشق الحرف ويهوى الزجل. وأنتم بعيد أو قبيل أيام عدتم إلى التدريس، ونحن غارقون به حتى وصلنا الى نصف السنة الدراسية.
الحريق والسموم والهزات الأرضية، وارتجاج الاعصاب، تحتاج كما قال المعري:
الأرض للطوفان محتاجة
علها من درن تغسل
فمتى يتم الطوفان؟ ومتى تغسل النفوس والابدان، وأرضنا العربية ماهرة بهزات البطن، وتموجات السرة، وقبض الدولارات على النهود والزنود وبريق الأظافر، فهلا ازداد تمسكنا بالشعر لنهرب من أنواع القرف، فهزات البدن، وما أكثرها، وما أقساها، فقد تخرجنا كلنا نحن الهاربين من مدارس الزنزانات المقدسة، زيتها يضيء، يمنح، يجرح السواعد، يضني الاجفان، لكن زيت الشجرة المباركة فيه تقديس الأرواح، فمن يمسح على الجراحات كلماته المباركة؟ وهل ظلت في دنيا الشعر كلمة مقدسة وصادقة يكاد حرفها يضيء كل النفوس؟ فماذا تفسر وقد كثر المفسرون؟
أمة تملك أقوى عنصر في هذه الحياة المادية: الأموال والمجوهرات، لكنها الأمة الأكثر ذلاً واستكانة..
أموال العالم كانت مع العرب واليهود.. الآن.. انظر ما الذي حل بالثروات البشرية والطبيعية:
إن الهوان حمار الأهل يعرفه
والطرف ينكره والجرة الأجدُ
ولا يقيم بدار الذل يعرفها
إلا الأذلاء: عيرُ الأهل والوتدُ
هذا على الخسف مربوط برمته
وذا يشجّ فلا يبكي له أحدُ
فما بال هذه الأمة باتت كالأوتاد، وليس أذل من وتد؟
حديث يطول ويجدي ولا يجدي، وكان من الواجب عليّ أن أرسل هذه الحروف بأسرع وقت، لكن ديوانك (قرف) طغى عليّ وألزمني أن أسجل هذه الكلمات الحزانى على أمة لم تعرف إلا الحزن والدمع، بعد أن تخلت عن شيء عظيم في حياتها: إنه الحب.. الحب الذي أمتناه في قلوب العذارى، وحذفنا من أغمدة السيوف، وسلبناه حقه.. حقه في الحياة!..
ولما بات الحب جريمة لا تغتفر ماتت الأرواح، وضاعت القيم، وأبحرت من النفوس مشاعر الصدق.
أخي الأعز..
أرأيت الذي.. بدأت أصابع المطبعة تنسج صفحاته، بعد أن وصلتني صورة الغلاف. دعواتك الطيبة كي يرى النور بأقرب فرصة، ليكون أقرب الكتب إلى قلبك.. أرجو ذلك.
مع تحياتي للاخوة اعضاء الرابطة.
أخوك
محمد زهير الباشا
**
متاعب البريد
18/12/1995
الأخ الأحب شربل..
تحية طيبة وبعد.
فلم تسنح المطبعة فسحة لكلمة الباشا، حماك الله وبوّأك أسمى المراتب في دنيا الصحافة، وهي مسؤولية ضخمة لا تنوء على حملها، والصحافة كالنواعير لا تعرف تسرّب الماء من تحتها، بل لترفع الماء فتروي العطاش، والذي وضع أعصابي موضع الاستغراب.. أتسألني قبول المهمة، وأنا على استعداد لتأدية كل المهمات التي أقدر على تنفيذها في هذا الجو العربي المحموم.
كانت كلمة د. عطار في هذا الملحق ذات دراسة واعية، بالنسبة لي فقد قمت قبل سنوات بدراسة لهذا التوحيدي بدءاً مما قدمه استاذي إبراهيم كيلاني بجامعة دمشق، وانتهاء بالمقتبسات، ولم أجد الجديد فيها، لكنها نسيت الصديق الذي كتب عنه إمام النثر ابن المقفع، واهتمت بثقافتها الواعية عن أرسطو ومفهوم الصداقة عند اليونان.
وفي كل خير، كتبت مقالة الأدب وأمراض الأدب، فأجد قلمي يمشي ويمشي ويهرول ويستنجد، فأوقفت صفحاته ورحت أختصر، فاعذرني فلم استطع العمل على تحسين خطي، فاقبله كما ورد في هذا التصحيح ولا تؤاخذني، واقبل مني هذه المشاركة المتواضعة تأدية أخوة لمدفوعات الطوابع. وقد كنت وحدي أدفع قيمة الطوابع لكل مراسلات مجلة "غربة" الأميريكية التي لم أنل منها دولاراً واحداً.
أخي الأحب..
وإلى اللقاء.
أرجو أن ترسل لي نسختين.. إحداها أرسلها إلى ابنتي وفاء في لندن، فأخفف عنك متاعب البريد.
واسلم ودم
لأخيك
محمد زهير الباشا
21/12
أخي الأحب..
لم أستطع وضع هذه ارسالة في البريد بسبب عطلته عن العمل من أجل الجدال حول موازنة الحكومة الفيدرالية، واليوم أرجو أن تتسهل الأمور.
وإلى اللقاء، وأنتم جميعاً في صحة وعافية بمناسبة قدوم عام 1996م، وجعلكم جميعاً قدوة في الدفاع عن الحرية والعدالة والكلمة الصادقة.
زهير
**
مجلة ليلى
15/11/1995
أخي الأحب شربل
أطيب تحية وأغلى مودة وأصفى من قلوب العذارى، أزفها إليك، وقد وصلت إلى قلبي (ليلاك) التي عشت من خلال صفحاتها أحلى الأوقات، وقد قتلتنا الغربة التي لم تكن يوماً حلماً في ليلة صيف من أيام شكسبير.
وكانت (ليلاك) بصفحاتها، بكلماتها وبصورها، مفاجأة تحمل عذوبة الروح، وحلاوة الأمل، والغنوة المشتهاة.
أن تصدر مجلة في الغربة ليس بالامر السهل، ليعطي الآخرين بسمة، موقفاً، جرأة، سفينة مرة، شراعاً مرة، تجذف لهم في مياه عكرة، وتقطع أوصال القلوب الصدئة.
أن تصدر مجلة في سيدني، هذا فخر لكل لسان عربي عرف الصفاء هدفاً، والنبل عنواناً، والسير على شظايا الأحداث التي تمزق العربي.
ويلاه.. من أمة ذبحت أبناءها باسم التطور، وباسم التكتل، وباسم وحدة الهدف ووحدة الصف.. وإذا بنا امام حجافل التأخر في خندق واحد مع العدم والفناء. وإذا بنا أهدافاً طيعة لكل مخططات الإجرام والنظام الدولي. وإذا بنا نجري نحو هدف واحد لا غير: تمسكوا بالكراسي يا أصحاب الدماء الزرقاء.. وضاع المصير.
ويل لقحطان من عدنان.. ويل للغساسنة من آل ذبيان.. التاريخ تحجر وتوقف ليشهد انحدار أمة كانت مرة تحمل اسم كنعان وآرام وفينيق وحبرون وصيدون!..
أخي الأحب..
لقد استرسل بي القلم، وأنا أود أن أهنئك (بليلى) وهي في القلب لما أطلت عليّ، وأنا أغترف من صفحاتها المودة والمحبة والوفاء.
وأهنىء ليلاك بهذه الهمة العالية، كما أني ازددت معرفة بالأخ الشاعر غصمت الأيوبي، وكنت أجهل إبداعه الشعري. وأشكر لك أيها الأخ الاحب أنك أعطيت (أرأيت الذي) جناحاً في عرس ليلاك.. وشكراً لك أنك جمعتني والأخت كونستانس الباشا على مزود واحد، فلك مني أطيب الدعاء والتهاني بأن تبقى جبهة الخير بأيدي أهله وضاءة في هذا العصر. وأنت الخير وأهله. وفقك الله وأيدك.
أخوك
محمد زهير الباشا
**
الأمل كبير كبير
22/2/1996
أخي الأحب شربل
تحياتي وأشواقي وبعد..
فالأمل كبير كبير أن تظل راية الحق مرفوعة على صفحات ليلى، وأن تظل منبراً حراً للكلمة الحرة والرأي المستنير.
لا نريد طلاسم ومقالات تخدم أهل الثروات والصناعات المغلفة بالتآمر على مصلحة الشعب، فباسمه نقدم أرواح الأحرار..
ما لنا ولهذا الحديث، لنعد إلى تحيتك ومباركتك بعيد الفطر، فشكراً لك إذ أحييت فيّ البهجة وأنا أستمع إلى دقات قلبك الصادقة صوتاً محباً ووفاء وعهداً.. بناء على اوامرك سيدي وأخي كتبت الافتتاحية، وكنت سجلت رسالة مجهولة على لسان نابليون أبين فيها ما يفعل الظالم والحاكم والقائد والفرعون بشعبه، ينتظر إن استعصت عليه الحلول الكلب العملاق، لينقذه من ورطته ونكسته، وكتبتها بالرموز حتى لا تفسر إلا تفسيرات عديدة، كما أخذت بعضاً من قصيدة: محكمة القرن العشرين.. فلا أستطيع تصويرها وإرسالها لأن بها أسماء أصحابها، وضمن الرسالة مقالة تربوية حول تكوين الثقة في شخصية الطفل.
حمانا الله من أهل الدس والوقيعة، واعذرني لاطالتي وأنت والزمن في تصارع كي تحقق أهدافاً طالما حلمت بها، وأنت تجد أمامك أعداد ليلى تتوالد على ربيع دائم.
اعذرني: ما بال جماعة رابطة إحياء التراث العربي لا يتجاوبون، ولا يكتبون، ولا يشجعون.. لعل الوقت يسمح لك بسطرين لاطلع على مواقفهم.
سامحني.. فلست أتدخل بعلاقاتك الشخصية معهم، لكن الأمر من نوع الاطمئنان عليك، والاستفسار عن مواقفهم. وأكرر عذري.
تحياتي وأشواقي، والى اللقاء.
واسلم لأخيك
محمد زهير الباشا
**
نقطة ضوء من حبر
الإثنين 11/5/1998
أخي الأحب إلى نفسي شربل
بعد التحية والسؤال عن الصحة والفرحة عقب صدور كل عدد من "ليلى" الليالي الساهرة.. وتحيتي لأسرة المجلة.
أخي..
أرجو أن تختار أي عنوان لمقالتي، واحذف عبارة من بلاد العم سام.. وليكن العنوان: نقطة ضوء من حبر. واعذرني اني لم أستطع أن أسجل خلجاتي الحزينة على فقدان الأمة شاعرها، ولم أتمكن من الكتابة كما ينبغي لي أن أكتب كل خلجة مع كل دمعة. الرحمة لروحه والصبر لمريديه.
وأخيراً.. بعد سنتين ونصف وصلتني رسالة من الأخ نعمان حرب، مبدياً أسفه لعدم الكتابة إليّ والرد على رسائلي، فقد أصيب بنكبات متلاحقة بوفاة عدد من أفراد أسرته، مما اضطره الحزن إلى الصمت، ثم العودة الآن الى الحرف.. الحرف الذي لا يتحمل كل الخلجات. حمانا الله من غدرات الزمن وتقلبات الاصدقاء، وشماتة الأعداء.
واسلم لأخيك
محمد زهير الباشا
**
فاطمة ناعوت.. الطائر الاخضر
الأحد 19/1/2014
الأخ الأحب شربل بعيني..
يا شاعر الأحرار
ويا شاعر الثوّار..
همسة عطرة،
دخلت "فافي" الشاعرة فاطمة ناعوت محراب قصائدك،
ورأت الخلد في زواياه،
فهي الطائر الأخضر في جنّات دواوينك،
لترتشف من مياه حرة كريمة،
وهي مؤمنة بالفطرة،
بثورة الأحرار،
وثبات الثوّار،
أتمنى أن تنأى فاطمة عن الحكم والحكام،
لتبقى مغرّدة حرّة على كل فنن،
فأساليب الحكم تقيّد الأحرار،
وتسلّط عليهم البغاة والأشرار.
قيمنا وحياتنا،
بحاجة ماسة الى ترويض ضمن العقل النيّر،
وإني لأكبر فيك الاهتمام بالأمينة الفاطمة
أن تكون وزيرة!
ورأيي أن تبقى مع القمم
كطائر الفينيق
حيّاك الله،
وأنت تنعم بالصحة والسعادة والقوة
بمطاردة موزعي الويلات،
لأنك الرجل الغيور على قلوب الناس
لتظل البسمة على وجوههم أبد الدهر.
واسلم
أخوك محمد زهير الباشا
**
نفحات دامعة من قصيدة (لبيك قدساه) لشربل بعيني
ـ1ـ
ستبقى بلسماً مراً رغم وعورة الطريق.أتحنو عليك قلوب الورى
إذا دمع عينيك يوماً جرى؟
ـ2ـ
يا شاعر الأحرار..الشعب ما قتلوه
لكنهم صلبوه
وعلى مذابح الحرية نحروه
داسوه
أسروه
شردوه
وفي بنوك التبريد
حفظوا دمه ليوم غير بعيد
وساحاتهم شهدت أنهم سحلوه وأخرسوه
والجلادون وحدهم استأجروه..
ـ3ـ
يا مدينة الربلك الفؤاد والحب
فالكل جبان
مختبىء وراء الجدران
فالقتال بمن حضر
والفوز لمن زمجر وأرعد..
ـ4ـ
لم يصرخ أحد.. فقد كمموا الأفواهوفي البرية موسم حصاد
للمثل والقيم والشمائل
ينخرها الفساد بعد الفساد
أنقذنا يا رب العباد
من ظلم أبنائك السماسرة الكبار..
ـ5ـ
كل الضفادع لم تفتح بلداً في هذي البلاد.. نحروا عجباً..المعتصم بالله تسلل من بغداد هرباً
بغداد حاضرة الدنيا..
وبانية أمجاد في زمن غيلان والحلاج وأبو العتاهية ومسكويه..
وبنى المعتصم سامراء
محتمياً، مختبئاً، وجيشه يحتاج الى ترجمان
من علوج وعجم وطغيانستان..
بطشه وأد العربان..
في بلاد العرب أوطاني من سامراء الى البتراء
ومن شط العرب الى صنعاء
خدعوا التراث بأنه انقذ امرأة وطفلها..
بدعة مؤلف، وبهتان محلل، ودجل خبير
وعساكره ما تركوا صبياً ولا وردة ولا أمرداً ولا شرنقة
فالكل دون تمييز أجير وعبد مستجير..
والجوع يفتك بالارامل واليتامى..
وهربت خيول عنترة والمتنبي
وتحكمت شهرزاد بالقلاع والعباد
وجحافل الخرساني تتمرغ على أجساد الأمراء
في مزرعة اسمها شام شريف.. يا أوغاد
ـ6ـ
من سلم القدس بعدك يا صلاح..أبالمفاوضات؟: نعم
أبطاولات الحوار؟: نعم
أبحضور الشيطان الأكبر؟: ألف نعم ونعم
والخراف الضالة ترتع وتسرح
والعيون مطفأة والجفون تتقرّح
ما نفع الصراخ والعويل
في عصر التهويل.. والتدجين
والرماح اعتادت.. وعوّدوها على أنغام التزمير
ورقصات التطبيل
وانتصر الزيف على السيف بالرعاية والعناية
وفي غرف الدروايش.. سبحانك أللهم!
يا منقذ العباد.. وأنت المراد
ـ7ـ
من بعدك: وا أيوباهسلموا مفاتيح مدينة الرب
من أجل لمحة من شفة..
فلماذا الحرب ونحن دعاة سلام
والاستسلام كذب وبهتان
والحياة سجال..
والأصفر الرنان
على جبين الدهر مضمّخ بالخذلان
فيا غدر الزمان
كانت شمساً منيرة سوداء
ـ8ـ
انتحار ذاتي للنخوة يا وطنيوكنت الضحية
هم جنودك الأشاوس
باسمك أذلوا
وعلى رسمك الأجوف أطلوا
وأداروا حرب داحس والغبراء
والنشامى دفنوا في حفرة الجبناء.. يا للهول!
فزعيق العصافير والجنادب
حلقة مفرغة من رحيق الحرية
متخمة بما استلهم من بدائع برلين الشرقية
لا يخشى الغربان ولا فرقعات النعيق
ومهرجان الانتصار على شعب مغلوب على أمره
ينام على أمل الصحوة
ويسهر على تلفاز السهوة
فلا مجيب
فالدرب صعب مخيف
لم يطرح بعد الوساوس
ولم يقهر غرف الدسائس
وأنشد لا بأس مع الحياة.
ـ9ـ
لن يكون ولن يعود صلاح.. أو شبه صلاحأو رمزه، أو ظله، أو صوته
نحن أوهى من خيوط العنكبوت
من المحيط الهادر إلى سوليدير بيروت
السيوف سحبت من أغمادها
ونسجت معادنها من ذهب وفضة
وبيارق مشرعة تعلق في زوايا القصور
نياشين وأوسمة على نبض الصدور
وليلاً تنام القبيلة مطمئنة لطلاب السلطة
وتستمر القبضة دهورا مع دهور.
ليس من مات فاستراح بميت
إنما الميت ميت الاحياء
ـ10ـ
قصيدتك يا شاعر الأحرار حرّكت فيّ المواجعومتى هدأت المواجع؟
ففي كل يوم فواجع
وفي الصدر دموع وآهات ملء الحناجر.. وزفرات
والصب تفضحه جفونه
وسوى الروم خلفك روم
فعلى أي جانبيك تميل
عدو اليوم والأمس والغد
وراءه ووسطه أعداء
وفي صفوفنا منه إخوة وأشقاء وأصدقاء
فلتحرق غزة وليدمر لبنان
فالاثم واحد بعد الهزيمة
فالهزيمة انتصار
والقتل إبادة واندحار
فما هزمتنا سوى الترهات والأباطيل
منذ أصحاب الفيل
وتكفينا الأنفاق
فقد ارتعدت رموز النفاق
وعش وحيداً يا وطني
فالمواطن اليوم يفضّل أن يكون مصمم أزياء
من أن يكون محصوراً بغمر ماء
في حمام ولا أحلى
فهندسة القصيدة لا تطعم لقمة
وقد تلد على صاحبها نقمة إثر نقمة
متى يبيع الشاعر نتاجه في سوق السقائين.
ـ11ـ
يا شربل بعيني..يا شاعر الأحرار
رددنا على حسن نية
يا أهلا بالمعارك
وهنيئاً لمن يشارك
وجاء النصر إلهاماً ووحياً وسنداً
وتشوهت حلقات التاريخ
وبات الحاضر منبوذاً
والماضي حاقداً
والغد ـ ويل لنا منه ـ مسموماً بعقل الأعاجيب
وعلى الله يتوكّل الدجالون
المسبحون بحمده حين استجابوا:
وقال أصيحابي الفرار أو الردى
فقلت هما أمران أحلاهما مرّ
وللشعب اختياره وحريّة مواقفه
فكان الردى والتهلكة لأفراده
وللمدافعين عن حرق الوطن: الفرار
حتى لا يحقق العدو أهدافه
ما لي أكتم حباً قد برى جسدي
وتدعي حب سيف الدولة الأمم
والله ليس غافلاً عما يفعل الظالمون
ـ12ـ
يا شقيق الروح.. يا شاعر الأحرارالتفاهمات في السلة والسلة لا قعر لها ولا حبال ترفعها
المصالحات هي العليا وهي العلة
لا تدري منها الكثرة ولا القلة
والسبب واضح: هذه أو تلك الكتلة
والحوارات في مناورات بمعالجات هادئة
وأجواء المصالحة تذلل العقبات
وقد تم توظيف الايجابيات بتحصين الجبهة الداخلية
لا تقل عين الرمانة
فالقلوب ملآنة
وهم أصحاب الفطنة
وضد إذكاء الفتنة
والاتفاق بالحبر بدعة
وبالالوان خدعة
إن المواقف نصر بلا هزيمة
منسوجة على الجباه
هل أدرك الأحرار هذه المقولات
أنا لم أدرك شيئاً مما ورد في سلة التفاهمات والتجاذبات
وهنيئاً لمن استغبى.
ـ13ـ
يا شاعر الأحرارالبخور ثم البخور..
أجواء ساحرة من الفطور الى السحور
بأجنحته المواتية وأثمانه الواقية
وبها وحدها نستطيع شراء بقعة مقدسة
في أوغندا أو في تخوم الأمازون
ويستمر الهواء المصفى الملون
يسعف أصحاب القصور
من لوثة في الصدور
ومن حسن حظ هذا الشعب
أنه فقد احساسا بالشم
فما كل ما يعمله وينسجه
ويقتات به ويرتديه أصحاب القصور
لا يعلن عنه إلا في باريس ولندن وروما ولوس أنجلوس
فموازين القوى مصطلح ينفذه هؤلاء حرصاً على التراث.
ـ14ـ
وا أيوباه.. ويا صلاحاهنم قرير العين، لو صحوت لرأيت ثم رأيت
قبائل متناثرة
وأسراً متناحرة
وإيديولوجيات ماكرة
ومواقف ساحرة
فلمعت الأقوال
وغابت عنا الأفعال.
الحدود ضريبة مستدامة
الاستقواء على العامة
تزوير وغش ورشاوى
سلاحهم يباع مع السماسرة في سوق النخاسة
الأمة في غيبوبة.. وإلا اتهموا فلانا بالهرطقة
وفلانا بالزندقة
ليبقى السلم الأهلي استفزازاً لمن لم يداهن ويداجن
وهبط ليل الاستسلام هازئا بالحاضر والمصير
وفي غفلة من هذا الزمن
وضعت عقول المفكرين في أنبوبة اختبار
فكيف أجرؤ على أن أدعو صلاحاً من مثواه
وبجواره عماد الزنكي وياسين الهاشمي
وعبد الرحمن الشهيد
فصبراً آل ياسر.. صبراً فما نيل الخلود بمستطاع
وكانت على مر العصور الكذبة البيضاء
بأن طارق بن زياد ألقى خطبته العصماء
ولا يعرف من العربية سوى سجود السهو
وادعوا احراق السفن مفخرة مع الزهو
وأنا لا أعرف من المعارك سوى الزحف المقدس!
.. وتبقى قصيدتك بنفحاتها المؤرقة
أملاً في كلماتك المحلقة
مركزة على أن أمن الدولة من أمن الشعب
والعكس غير صحيح في سجل التكافل والمثلثات اليعربية
التائهة في بيداء وتصحر وتيه
مهيأة رموز انتصار للأجيال القادمة.. وربنا يستر..
**
يوبيل شربل بعيني الفضّي
أخي شربل بعيني
بعد التحية.
لعلك تستأذن لي بكلمة متواضعة أسهم بها في الهرجان الأدبي، بمناسبة اليوبيل الفضّي، لبداية شعرك منذ خمسة وعشرين عاماً.
إذا نالت الموافقة فأهلاً.. وإن كثر الخطّاب، فأخجل، وأنصت إلى الحضور بقلبي، ولو كنت على شاطىء الأطلسي.
فإلى الإخوة الحضور، والإخوة المتحدثين: لما كانت الدعوة مجانية أسرعت إليكم، مرحباً بكم، وها أنذا أخطو بينكم، وأصغي إلى كلماتكم، وأسجل همساتكم بقلبي، وأحيي كل كلمة تجلّى فيها حلو الحديث، وإن لم يرد إسمي في زاوية من زوايا بطاقة الدعوة. ومن طبعي أنني لا أحب المزاحمة على شواطىء هاييتي أو الصومال، فليأذن لي سعادة سفير لبنان الدكتور لطيف أبو الحسن بدقائق أمتلك فيها حريّة القول والجهر به.
فتحيّتي إليكم، عقب هذه الموافقة التي ألمسها في مسامع الحضور، تحية غمسها الشاعر شربل بعيني بذكريات الأحبّة، وهو الأدرى، بأن المتنبي ما خلّد سيف الدولة بالمدائح فحسب، بل خلّده بهذا الحب بين الشاعر الفارسي والأمير، أشجع بني حمدان، فكان هذا الحب مدعاة لتاريخ لا يفنى.
ومع تجوال الشاعر شربل بين جدائل الحسناوات الملهمات، الصابرات على شهامة العاشق، كانت "هي" خمرته، التي أسكرته وما أخجلته، و"هي" نبرته، التي أنطقته في عيدها، و"هي" في غمزاتها التي ما هدأت على رموش قصائده ومواعيده، ربيع يسجل القبل الهاربة.
وحده الشاعر، طبق بعفوية: الأرض مقابل السلام، وكان له: الحب مقابل الشعر. إجتمع بالملهمة خلسة، دون أي تدخّل من وزير، وقرر معها المبادىء الأولى، فاحتكم إلى كل ضمير، وطبع قراراته اتفاقاً، في ليلة، في سمر، في رقصة، في انتهاز لمبادىء الحب، فكان للشاعر أقصر طاولة جمعت عاشقين، وحقق، منذ عشرين وخمسة من الأعوام أصعب القرارات. إنسحب من لقاء الجسد، ثم عاد وما تراخى عن أي لقاء، ثم إلى الروح، بالموافقة الاجتماعية بين شفاه أربع، وكرر ما قاله المتنبي:
وعذلت أهل العشق حتى ذقته
فعجبت كيف يموت من لا يعشقُ
لكن الشاعر شربل بعيني فتّت الأزهار على جمرات النبض، وتمحص الأمر البنك الدولي بغية التدخل وفرض شروط الآخرين، وما عرف أن العشق حرية، وان مشروعات الحب لا تقبل أي تدخل من أي نظام عالمي. الحب لا يرضى بالتضليل ولا بالتزلّف. إنه الحب، وليس صاروخاً عابراً للبنوك والثروات. الحب يحارب بلا مهادنة، يستبد دون دماء، يصغي لكل موقف على أنوار الشموع، يقتني ولا يرهب السياط والجوع.
وها هوذا صوت الشاعر شربل بعيني ينادي بسقوط الباستيل، فترتفع في شوارع مدينة النور أغنيات الحبّ، وتلتهب الأنفاس، فتحنو على الصدور آهات المعذّبين، خاصةً وهو الذي قطف من رؤوس المجانين موسماً، رصّع به خزانته، التي أثـمرت الريف، وأينعت أوراق السنابل.
وبإباء السيف المرهف، رفض أن ينصب خيمة لاجىء، ولمّا احتجّ عمر الخيّام على ازدحام الجائعين، ضاعت منه شعرة من ذقن أبي نؤاس، فطالت غربة النفس.
ولجأ الشاعر إلى كلّ ريف، ومعه قطرات من زيت مقدّس يشفي به الهائمين نحو الحريّة والحبّ، ليبعد عنهم الإغتصاب لكل جسد، والإستلاب لكل ثروة.. وظلّ الوطن دمعة وأملاً.
لكن الشاعر تسامى، بعد أن قبض على قطرات الزيت، وناجى عليّاً، كرّم اللـه وجهه.. ونحن ما زلنا نستنير بالشعر، وإن قتلتنا في الوطن مجازر الشعارات.
ولنتوجّه الى قلوب الشعراء وهم ينهلون مع الشاعر، ومع الحضور الكرام، كأسَ هذا المهرجان، كي تبقى لكل عاشق ملهمته، منسوجة ضفائرها على صفحات دواوينهم.
قبلاتي لكم دون عنصرية.. والى اللقاء.
فرجينيا، الولايات المتحدة الاميركية، 1993
**
كلمات سريعة عن شربل بعيني
الأخ الأعز الدكتور علي بزّي المحترم
تلقيت كتابكم القيّم ـ هدية كريمة ـ "كلمات سريعة عن شربل بعيني" وإني لأشكر لك هذه اللمسات الفنيّة التي جمعت وردة يانعة من كل حدائق أخينا شربل، وهي الملأى فناً وحباً وحدة وشاعرية، وما أغزرها من حدائق منمقة مزدهرة، تواقة إلى الحرية والعدالة وحب الخير، فاقتحم أغوار المتطفلين والمأجورين والمرتزقة والمشعوذين على أرصفة الظالمين، ثائراً على الأصنام الطائفية والتبعات القبلية، وأوهام السحرة وبساط الريح.
ليهنأ الأخ شربل بصداقتك ومودتك ووفائك، كحرصنا على شاعر الأحرار، وسيعود إلى محراب الكلمة، وقد صار النبيذ خلاً وفسد الملح. فشربل رجل عزيمة، كما عرفته، ليعيد إلينا فرحة الينابيع، وليمحو الأسى والأقوال التافهة، فالحب بات يباع في سوق النخاسة، ولا يفوز بالدرجة المثلى إلا شعره لأنه يرنو إلى عليين، ولا يخشى لومة اللائمين.
ومن ميزات شاعر الأحرار إخلاصه والثمن الذي يدفعه، ووفاؤه، والعهد الذي لا يغيب عنه، وأمانة الكلمة شرف لا يرقى إليه أي شاعر، إلا إذا اعتنق الحرية في معبد الكلمة، فلشاعر الأحرار ألف سلام وسلام.
الولايات المتحدة الاميركية، 9/3/2011
**