شربل بعيني في جامعة مكارثر

دراسات جامعية عن أدب شربل بعيني في جامعة مكارثر ـ سيدني
**

مقدّمة
          
   إنها لمعجزة حقّاًً.. أنْ يقفَ شاعرٌ مهجريٌ، لغتُهُ الأولى والثانية والثالثة والرابعة العربية، ليتكلمَ بلغتِه الأم عن رحلتِـه الأدبيــةِ أمامَ طلاّبِ وطالباتِ جامعة مكارثر الأُسترالية.
  
وبما أنَّني أؤمن أنّ زمنَ المعجزاتِ قد ولّى إلى غيرِ رجعة،  وجب عليَّ الإعتراف بأنني عاينت على أيديكم معجزة ولا أحلى.. فألف شكر لكم يا طلاب وطالباتِ جامعةِ مكارثر.. وألفُ شكرٍ للسيّدة روز ماري سليمان وللعم عصمت الأيّوبي ولكل من عَمِلَ على تحقيقِ حلم زرع أدبِنا الإغترابيِّ الناهضِ في الجامعاتِ الأستراليّة. إنّها خطوة مشرفة سيسجل التاريخُ وقعها بدموعه الذهبيّة، وسيوزع الثناء على كل من مشاها.
   
ولكي أُعبر عن امتناني اللامحدود لكم، سأطمئنكم بأنني لن أطيل كلامي كثيراً.. لأنني بِبعي أكره الوعظ، خاصة بحضور أناس تعبت آذانهم من سماع عشرات المحاضرات.. 
   
لماذا أكره الوعظ؟!.. لأنني عانيت الكثير من وعظات أحد الخوارنة، الذي لا يعرف من الدين المسيحي سوى صفحاتٍ مملة حفظها عن ظهر قلب، وأصر أن يسمعنا إياها، يومياً، في القدّاس الإلهيِّ.. فيبدأ النعاس باغتيال الناس، ويبدأ الشخير بالعزف على أعصابنا.. وكثيراً ما كان الشخير يحجب عن المؤمنين من أمثالي، ثرثرة هذا الكاهن (البشريّة).. كي لا أقول (الإلهيّة).
  
وأذكر أنني واجهته بالحقيقة، وقلت له: 
ـ أنت مضجر يا أبانا.. فإذا كانت صلاتك مضجرة هكذا.. أنصحك بالتفتيش عن طريقة تقربك من اللـه أكثر، لأنني متأكّد من أنَّ اللـهَ غاضب منك..
فالتفتَ إليَّ وقال: 
ـ إسمع يا شربل.. أنا أعرف تماماً أنك شاعر مشعور.. ومثلك كمثل الجمجمة التي وجدها اثنان من أبنـاءِ القريةِ. فقالَ الأولُ للثاني: تعالَ نَضْرِبْها على الحائطِ لِنَعْرِفَ ما إِذا كانَتْ جُمجُمَةَ رجلٍ أم جمجمةَ امرأةٍ. فضَرَباها فَلـمْ تنكسِرْ، فقالا: إنها جمجمةُ امرأةٍ.. وَلِكَيْ يَتأكَّدا أَكثر، ضرباها مرةً ثانيةً فلـم تنكسرْ أيضاً، فصاحا: إنها جمجمةُ شاعرٍ مجنون.  
    
هــل تعتقـدون أنني حزِنتُ لسماعي مثــلَ هذا التجريحِ؟.. لا واللـه،  فلقد سررتُ جداً جداً.. لأنني أدركتُ أن هذا الكاهنَ يَعْرِفُني أكثرَ من غيرهِ.. وإلاَّ لما عرَفَ أَنّ جُمْجُمَتِي لا تنكسِرُ بسهولةٍ.. ولن تنكسرَ بإذنِ اللـه.
   
من هنا بدأت رحلةُ المشقّاتِ عندَ شربل بعيني.. رأَيْتُ الوطَنَ العربيَّ يعيشُ خارجَ العالَـمِ المتحضِّرِ.. رأيتُ أربعينَ علي بابا يحكُمُونَهُ.. وبِضْعَةَ مَلايينَ من رجالِ المخابراتِ يتلاعبونَ بأَفْلاذِ أكبادِهِ.. وفتاوى رجالِ الدينِ تتضاربُ كالشَّظايا لتفجر استقراره.. ورأيتُ الأقلامَ تتذلَّلُ، لا مِنْ أجلِ لُقْمَةِ عيشِها، بَلْ مِنْ أَجْلِ رفاهيتِها وامتلاكِ الملايين.. واكتشفتُ أن الرجالَ والنساءَ يتباهَوْنَ بالعفافِ جَهْراً ويُمارسونَ الرذيلةَ سرّاً.. فجننت وأقسمت كشاعرٍ (مجنون)، أن أُغيّرَ الكونَ بقصيدةٍ، بمقالٍ، بكلمةٍ، بلعنةٍ، فنشرتُ (مراهقة) و (قصائد مبعثرة عن لبنان والثورة) و (يوميات مراسل أجنبي في الشرق الأوسط).. ولـم أكنْ أُدْرِكُ أَنَّ الآذانَ والأعينَ تتربصُّ بي.. وأنَّ قولَ الحقِّ في وطنٍ مَبْنـيٍّ على الكذبِ والنّفاق، والعشائريَّةِ المنغلقَةِ، والطائفيةِ البغيضَةِ، والمتاجرةِ باسمِ اللـه، وتأليهِ الزعاماتِ، وبيعِ الأدبِ لكلابِ الحكّامِ.. سيوصِلُني إلى المقبرةِ.. أو إلى النفيِ.. وصدّقوني أنَّ حظّيَ كان أَقْوَى مِنِّي،  وإلاّ لما كنت الآن بينكم.
   
إذن، عليكَ أن (تسد بوزك) تماماً فِي الْوَطَنِ العربيِّ، فإن أنتَ انتقدتَ الحاكمَ وزمرته.. إقرإ الفاتحة عن نفسك، لأنَّ لا أحد ـ إن تمكنوا منك ـ سيقرأُها على جثمانك الطاهر!!..  
   
وإن أنتَ انتقدتَ رِجالَ الدينِ الذينَ يسخِّرونَ الدينَ لمصالحهم الدُّنيَويَّةِ.. وبالتحديدِ أولئكَ الذينَ شجّعوا الناسَ في كنائسِهِم وجوامعهم على قتل بعضهم البعض.. أَنزلوا اللـهَ على الأرضِ ورموك بالكفر!!.. فتصوَّروا إنساناً يكفر إنساناً آخرَ، ويستبق حكم اللـهِ عليْهِ، بربكم ماذا سيفعلُ اللـهُ بِهِ؟!
   
وإنْ أنتَ انتقدتَ أعداءَ بلادِكَ، الذينَ يلهبون أرضك وسماءك بقنابلهم العنقوديَّة، ويقضون على الآلاف من أبناءِ شعبك الآمنين دون أن يرفَّ جفن حاكم عربيٍّ واحدٍ أو دون أن تُطلقَ رصاصةٌ طائشةٌ على ذلكَ العدو المغتصبِ من قبلِ جيوشنا العربيّة الجرّارة.. إتهموكَ بالعمالةِ لذلكَ العدو!!.. 
   
راجي بك الضاهر، الذي رآهُ جبران خليل جبران يسخِّرُ أبناءَ قريتِهِ لبناءِ قَصْرِهِ الكبيرِ الفَخْمِ مجاناً.. ما زالَ يبنِي قَصْرَهُ فِي كلِّ قريةٍ من قُرانا.. ليس بالحجارَةِ الْجَبَليَّةِ فحسب،  بَلْ بالجماجمِ البشريَّة أيضاً!!
   
فكيفَ تتصرَّفُ؟!.. والحُكَّامُ ضدَّكَ، ومعظم رجال الدّينِ المَلاعينِ ضدَّكَ.. وخلفَهُمْ يسيرُ جيشٌ عرمرم من الطائفيّينَ البُلَهاءِ الضَّالِّينَ.. وقدْ لا أذيعُ سرّاً إذا قلتُ أنَّ بينَ هؤلاءِ الطائفيينَ تسعينَ بالمئةِ من أساتذةِ الجامعاتِ والأدباءِ والشعراءِ والصحفيينَ وهلمَّ جراً.. ولهذا السبب تعيشُ دولُنا العربيّةُ عصرَ جاهليتِها.. هولَ انحدارِهَا.. جريمةَ تخلُّفِها.. وَقِمَّةَ بؤسِها.. فإذا كانَ الجهلُ يلفّ عقول مثقفينا.. فلا حياةَ لمن تنادي.. وستصدق نبؤة نزار قباني حين تساءلَ: متى يُعلنونَ وفاةَ العرب؟
    
كن مؤمناً بربِّك، ربِّ المحبَّة والتَّسامح. مارس شعائرك الدينيِّة، صلِّ بحرارة.. ولكنْ إيّاكَ أن تكونَ متعصِّباً أعمى يرمي الآخرينَ بالكفرِ!. فالناصريُّ قال: لا تدينوا لئلاَّ تدانوا.. واليعربي قال: حسبَ نواياكم ترزقون، ولا إِكْراهَ بالدِّينِ.. فَصَدَقَ الأنبياءُ وكذِبَ الآخرونَ.
   
في شعري، حاربت المتعصب، وطلبتُ من اللـه أن لا ينصره.. وخاصَّةً إذا كانَ جامعياً وقد نهل من المعرفة الأنهر والبحار.
    
هكذا بدأت الثورة تتأججُ في شعري.. وكنت كلّما نفسّتُ عنها، كانت الأعينُ تزدادُ اتساعاً.. وكانت الألسُنُ تَقْذِفُ الخوفَ والتهديدَ في أُذُنَيَّ..
    
وأمامَ تهديداتهم ومطاردة كلابهم.. عليــك أن ترحل وأن تفتِّش عن وطن يؤمن بحقك بالعيش الكريم.. يساعدك على ممارسة شعائرِك الدينيّةِ في أماكنِ عبادتِــكِ أوْ في الحدائـقِ العامّةِ، لا فرق، دونَ خوفٍ أو رعدة.. ويشجِّعك على تعليم أطفالك لغتك الأمّ دون أن يتهمك أَحد بالتخطيط لمحو لغة البلاد الأصليَّة.. تماماً كما حصل  مع أحد أبناء الطَّائفة الأشوريَّة في بلد عربي، حين اعتقل بتهمة التخطيط لمحو اللغة العربيّة من الوجود بسبب تعليمه اللغة الأشوريَّة لحفنة من أطفال طائفته.
  
 أستراليا.. تدفع الملايينَ من أجلِ استغلالِ لغاتِنا الحيَّة والإستفادةِ من حضاراتنا الغارقةِ بالقدمِ.. وشرقُنا العربيّ يعتقلُ معلماً عربياً أراد نشرَ حضارته ليس إِلاَّ.
   
مسيحُنَا بشَّرَنا بالمحبّةِ، وطلـبَ منَّـا مُسامـحةَ أعدائِنا ومُباركةَ لا عينينا.. وبعضُ أتباعِهِ الطّامعينَ بالْجنَّةِ ذبحوا المسلمينَ على الحواجزِ.. لا لشيءٍ.. سوى لأنَّهُمْ مسلمونَ.. هكذا واللـه!

نبينا العربي العظيم دعا أتباعه إلى تعلم اللغَةِ السريانيّةِ التي منها أَخَذَ اللـهُ اسم قرآنه.. فكلمة (قرآن) تعني الكتابَ بالسريانيّة.. وشرقنا العربيُّ باسم القرآن يحارب كلَّ ما أحبَّه ومن أَحبهم النبيّ.

وها هم بعض أتباعه في أستراليا يدعون المسلمينَ إلى عدم مصافحةِ المسيحيينَ، لأنهم كفّارٌ، وتناسوا أن من أنجبت لنبيِّنا ابنه (إبراهيم) كانت مسحيّة، وبقي اسمها (ماريا القبطيّة).
   
لقد تناسى هؤلاءِ الرجالُ أنَّ الخليفةَ الثاني عمر بن الخطَّاب عند افتتاح بيت المقدس، رفض أن يصلِّي في كنيسة القيامة، لا كرهاً بها،  بل خوفاً عليها من أن تتحوَّل إلى جامعٍ.
   
هذا هو الدين الذي ناديت به في قصائدي (دين المسيح ومحمد وعلي وعمر وماريا القبطيّة).. وهذا هو الدينُ الذي يجب أن تبشّروا بِهِ  وتعمَلوا من أجلهِ، إذا فكّرتُـمْ حقّاً بمعاينة وجه اللـه في اليوم الأخير.

إذن ، وبعدَ اضطهادي في وطني، رحلتُ عنه، والدمعةُ تُدمي عينيَّ، ولسانُ حالي يردِّدُ: سأكتبُ وأكتبُ علَّنِي أعودُ إلى وطنٍ مِثاليٍّ أهدى الحضارةَ والإيمانَ للعالـمِ أجمع.
   
صحيحٌ أنني طُعِنْتُ في صميمي حين طَلَبَ مني موظَّفُ السفارة الأستراليةِ، في مطار بيروت، خلعَ حذائي وارتداءَ حذاءٍ جديدٍ كي لا أُدخِلَ إلى بلادِهِ جراثِيمَ هُمْ بغنىً عنها. 
  
صحيح أنهم بخّوني في الطائرة كما تبخّ الحشرات.. ولكنني وجدت في أستراليا الوطن الحلم، رغم الإباحيَّة ورغم المجازر البشريَّة التي يرتكبها أنـاس معتوهون، أساءوا فهم الحرية المعطاة لهم، فارتكبوا من خلالِها مجازرَ لـمْ يسمعْ بها ابنُ العصرِ الحجريِّ ولا البرونزيِّ ولا الفَخّاريِّ وأَعتقدُ أنَّ أوانَ تطبيقِ قانونِ الإعدامِ قدَ حانَ لِيَنالَ كُلُّ مُجْرِمٍ جزاءَه.
   
أستراليا..كانت نافذتي على الحريّة.. فلا اعتقالات ولا تهديدات ولا دواليب.. كتبتُ فيها ما أحببتُ أن أكتبَهُ في بلادي الأم. كتبتُ فيها: مجانين، أللـه ونقطة زيت، كيفَ أينعتِ السَّنابلُ، مناجاة علي، قرف.. وغيرَها من الدواوين الشعريّةِ التي لا تعيش إلاّ في مُناخٍ صافٍ من الحريّةِ.
  
وها هم طلابُ وطالباتُ جامعةِ مكارثر يفلفشونَ صفحاتِ تلكَ الكتبِ ويسلطون الأضواءَ عليها.. فهلْ هناكَ من سعادةٍ توازي سعادتي.. لا واللـه .
                                                  
 شربل بعيني
**
مُراهَقَةُ
الشاعر شربل بعيني
بقلم أنطوانيت عوّاد

حياته: 
   
وُلِد الشّاعر شربِل بعيني في مجدَلَيَّا عام 1951م. سافر إلى أستراليا في العشرين من عمره، وكان قد بَدَأَ كتابة الشّعر في الوطن لبنان، ثمَّ أَثَّرَت فيه الغربةُ كثيراً فكتبَ الشِّعرَ بِأسلوبٍ سهلٍ، خاصَّةً بالعامِيَّةِ، كي يدخلَ إلى قلوب المواطنينَ المغتربين الذين لا يفهمون اللغةَ الفصحى.

كتاباته:
  
للمُؤلِّفِ كتاباتٌ عديدةٌ، تتنوَّعُ بين شعرٍ وكتبٍ مدرسيَّةٍ. ففي الشِّـعرِ نذكُرُ مـن كتبِـه: مراهقة، رباعيّات، مجانين، قصائد ريفيّة، ألـله ونقطة زيت، ومناجاة علي.
   ومن كتبه المدرسيّةِ نذكر: القراءة السّهلة، سامي وهدى، قاموسي الصغير  والقراءة الشَّامِلَة.

مراهقة:
  
هذا الكتاب الّذي بدأ شربل بعيني مسيرته الشّعريّة من خلاله. لقد عبَّـر فيـه عن مشاعر سنّ المراهقة بصدق وجرأة. إعتمد في قصائده على الغزل الإباحيّ المتجرّد من العاطفة والحبّ، ووقف على حاجات الجسد ليس إلاّ، ممثلاً بذلك ثورة على التقاليد القديمة، ومطلِقاً العنان للتعبير عن المشاعر الصّادقة دون خوف أو تردّد.         
لاقى الكتابُ إعجاباً كبيراً رغم نقد النّاقدينَ ورغم اعتباره مهدداً للقيم الأخلاقيّة، وقد طبع في لبنان عام 1968م، ثم تلته طبعات اخرى في سيدني عام 1983م، و 1987، و 1989م. 

محتواه:

يتألّف الكتاب من 113 صفحة موزّعة كما يلي: المقدّمة ، قصائد بخطّ يدي، يا مراهقة، عوينات، فن الغمز، ريـق ونهد، يا جـارة، ليش البكي، المهد تكسـّر، فرفورتـي، صدرك، نهودك، متلك أنا، سكّير، كرمال عينك، جيرك، جسمي شعل، يا زغيرتي، حلمتك، حفلة رقص، بصران، يا دنيي، خْطَيْ، انتبهي، هند، شاعر... والقصيدة التي نحن بصددها هي:
حملني ع زندك حطّني
وع صدر عامِر شِدّنِي
وْخِدْنِي عَ دِنْيِي مْبَحْبَحَه
بِالْحُبّ .. أُوعا تْرِدّنِي

خِدْنِي عَ أُوضَه مْعَتّمِي
عَ فْرَاشْها تا نِرْتِمِي
جِسْمِي شِعِلْ .. تِمِّي حِمِي
عَجِّلْ بِمَيَّكْ رِشّنِي

خَدّي لِهِبْ .. عُنْقِي احْتَرَقْ
قَلْبِي سهم شَهْوِه اخْتَرَقْ
وْعَ درب جِسْمِي ما مَرَقْ
غَيْرَك إِنِتْ لا تْصدّني

شرح القصيدة:
  
في هذه القصيدة تعبير عن شعور صادق لِمَا تَتَمنَّاهُ كل مُراهِقَةٍ، أَلا وهو أن يحملَها الحبيب ويضمَّها إلى صدره، وينقلها إلى عالـم الحب ويبقيها في ربوعه. ثمَّ هناك طلبٌ جريءٌ لممارسة الحبّ مع الحبيب، مع وصفٍ كاملٍ لمشاعر الجسد، واحتقان اللهيب في وجه وعنق المراهقة من جرّاء شهوة الحبّ الّتي في قلبها.. في جسدها الّذي لَـمْ يَعرِفْ أحداً مِن قبلُ، فتطلب من الحبيب النّجدة وعدم الصدِّ: عجِّلْ بِمَيَّكْ رِشّنِي.

أسلوب القصيدة:
   
كتب الشاعر القصيدة بأسلوب سهل بسيط مفهوم، فيه تعبير عمّا يجول في فكر مُراهقةٍ، وعمّا تطلبه نفسها وجسدها، حيث تستسلم للخيال والعاطفة القويّة الّتي تنقلها إلى عالـم الحبّ، وهو عالـمٌ رومنطقيّ بعيد عن الواقع.

صور القصيدة:

الصور الشعريّة في القصيدة جميلة ساحرة لأنّها من نسج الخيال، هذا الخيال الّذي يعمد إلى وصف الجوّ الرومنطقيّ الحالـم، الّذي يمثّل روعة الحبّ.

تَحليل القصيدة :
   
لو أردنا تحليل القصيدة لقلنا إنّها استسلامٌ واقعيٌّ للخيال تمرّ به المراهقة. قد يكون غيمةً عابرةً في حياتها، أو قد يكون حلماً جميلاً لا تلبث أن تستيقظَ منه.  ولكن، أهمّ ما في الأمر هو نجاح الشاعر شربل بعيني، وأسلوبه السّاحر في التّعبير عن أفكار المراهقة، خاصة في قصيدة "جسمي شعل".. إنّه يعبّر عن شعور مراهقة بأسلوبه السّهل الّذي يدخل الى قلب كل من يقرأه سواء أكان جاهلاً أم متعلّماً. 
   
جَمالُ التّعبير في هذه القصيدة جعل الّذين قرأوها، سواء سنة 1968 أم في السّنين الّتي تلتها، يتلذّذون بقراءتها، وجعل المراهقين، بصورة خاصّة، يردِّدون كلماتها ولو في خلواتهم.

وقع الكتاب:
  
صحيح أن كتاب "مراهقة" لاقى انتقاداً شديداً من ناحية، ولكنه من ناحية أخرى لاقى تأييداً عارِماً. أمّا النّقد فقد جاء من الكتّاب الّذين خافوا على الأخلاق الإجتماعيَّة، واعتبروه مهدِّداً لها، ولكن غاب عنهم أن الشاعر، يومَ كتب الكتاب، كان في سنّ المراهقة. وقد عبّر فيه عن شعوره وشعور كلّ مراهق ومراهقة، ليس في ذلك الوقت فقط، بل فـي كلّ الأوقات أيضاً. وهـل عيب أن يعبّـر شخص ما، تعبيـراً صادقاً، عمّا يجول في فكره؟!.. فإذا نظرنا إلى هذا الأمر من النّاحية النّفسيّةِ نجد أنّ كل شيء جميل في أوانه، وأنّّ المراهق يحلم ويتخيّل، وفي حلمه وخياله تعبير طبيعيّ عن حالته النّفسيّة. 
   
وعند قراءة قصيدة "جسمي شِعِل" نجد أن الشاعر فنّان كتبها باسلوب رائع جميل، وعبَّر عن أفكاره بجرأة، وقد حطّم التقاليد القديمة البالية التي تتجلّى بالتّكتُّمِ والتّستّر، اللذين لا يؤديان إلاّ إلى العقد النّفسيّة والأمراض الكثيرة، الّتي تودي بصاحبها إلى الهلاك النّفسيّ والتدمير الجسدي. لهذا نستطيع القول إن هذه القصيدة ما هي إلا تعبير عن شعور حقيقي صادق بعيد عن الكذب والتستّر والهرب. إنه مواجهة المجتمع بالحقيقة، إنه الشجاعة بذاتها، ومن ذا الّذي يقف بوجه الشّجاعة والجرأة ويتصدّى لهما؟.. عصرنا هذا يتطلّب الجرأة والقوّة والشّجاعة كي يعطي أبطالاً بدل أن يعطي جبناء متخاذلين!.   
   
كما أنّ مؤيّدي كتاب "مراهقة" اعتبروا أن هذا النّوع إذا ما قورن بما سبقه أو لحقه من شعر، فإنّه شعر أرستقراطيّ متحرّر من القيود، غير عابىء بالتّقاليد  خاصّة في عصر متطوّر، أصبحت نفوس سكّانه تطلب التجديد، وتنبذ كل ما هو بالٍ، وكلّ ما يعتبر "موضة قديمة". وأهمّ ما في الأمر أن هذا الشعر يحتوي على كلمات جميلة وتخيّلات واسعة تعبّر عن الفنّ باسلوب فنّيّ جميل، ليس من الضرورة أن يوضع موضع التّنفيذ، بل إنّه الفنّ من أجل الفنّ.

تطوّر الشاعر:
   
ما يلفت الإنتباه هو أن الشّاعر كريم معطاء، أعطى الكثير عبر السّنين، وقد تدرّجت مؤلّفاته بين ما هو حسيّ ملموس وما هو معنويّ مجرّد. وخير دليل على ذلك ما جاء في كتاب "على ضفاف الكارثة"، حيث ذكر الأستاذ عصمت الأيّوبي ـ ص 60 ـ أن الشاعر تطوّر مـن "شاعر حَدَثٍ غَرورٍ أَرْعَنَ" في "مراهقة"، إلـى أن "بَلغ ذروة الفـنّ وتسـنّم قمّـة الشّـعر فـي "مناجاة علي".
   
نظرة تفاؤليّة :
   
شعرنا المهجري في أستراليا، هل يصبح في يوم من الأيّام مدرسة في الشّعر العربي؟.. تماماً كما حدث لهذا الشّعر على يد المهاجرين الأوائل في الأميركتين  أولئك الّذين أرسوا الرّابطة القلميّة الّتي كان يرئسها الشاعر الأديب والفنّان الرّاحل جبران خليل جبران، يعاونه نخبة من أدباء عصره.. أو الّذين أسّسوا العصبة الأندلسيّة وغيرها.
     
لقد طرح أولئك الشّعراء أَفكاراً جريئة في اللّغة والأسلوب والأفكار، حتّى خلّدت بهم مدارس الإغتراب، فهل يتسنّى للشّعر العربي المهجري هنا في أستراليا أن يبلغ ذلك الشّأن، ويصل بسفينة الشّعر إلى حدود الأمان وشاطىء السّلامة؟.
  
الجواب الأكيد، نعم، فاللبناني يتكرّر أينما كان، ذاته بذاته، وبذور وجود الشّعر تقيم في ذاتها مادّة بقائها واستمراريّتها. فإذا ما عرف شعراء المهجر الأسترالي كيف يتّحدون، وكيف يتقاسمون المهمّات الملقاة على عاتقهم، في حدود المعقول، وفي مواجهة المستحيل، عندئذ نستطيع أن نتفاءل ونقول بأنّ الشّعر العربي المهجري الأسترالي قد وجد نفسه، وحظي بذاته على أيدي شعراء أفذاذ لا يقصّرون باعاً عن الأُلَى سبقوهم في مهاجر أميركا وسواها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع:
ـ بعيني، شربل: مراهقة ـ طبعة رابعة ـ دار عصام حدّاد، جبيل، لبنان، 1989.
ـ الأيّوبي، عصمت: على ضفاف الكارثة ـ سيدني، أستراليا، 1992 .
**
مشوار مع شربل بعيني 
من خلال كتاب كامل المر
بقلم ميرنا الشّعّار

   
   إبتدأ كامل المرّ بتعريف أنواع النّقد، وكيف يُنقدُ العملُ الأدبـي، وقسّـم كتابه إلى عدَّة أبواب، فكان الباب الثـاني عن شربل بعيني وعـن أولى قصائده، واختار مـن كتـاب "مراهقة" ما شبّهه بالتّعابير المراهقة، أي غير النّاضجة، ولكنّه، أي الكتاب، واقعيّ مصوّر لحالات المراهقين وحبهم للهو والحريّة. وقد كانت لغة شربل بعيني سلسةً وقريبةً إلى السّـمع بسبب اللغـة العاميّة المستحدثة فيها. ومن الملاحظ أنّ معظم كتب شربل هي في اللغة العاميّة، ربما لافتخاره باللّهجة اللبنانيّة ورغبته في انتشارها أكثر. 
   تكلّم عن الحبّ والزّواج، فقال يحاكي حبيبته الباكية:
شو مزّعلِك.. إنتي القَمَر
إنتي السّحر فِيكي انسَحَر
ليلى.. إذا بكيتي بَعِد
عم هدّدِك قيس انْتَحَر
    وفي الزّواج يصوّر رفض والد حبيبته له، ويصف مشاعره بدقّة متناهيةٍ:
بَيِّك طردني وما قِبِل فِيّي
كُون صهرو وطبطب عْلَيّي
سألت السَّبَبْ.. تاري السّبَبْ إنّي
مْعَتَّر فَقير.. وْشُو هَالِخْطِيِّه
قُولِي لْبَيِّكْ يعتذِر مِنّي
وْقُولِي بْحِبُّو كْتير يا بَيّي..
   
وقبل أن أنتقل إلى شعره الفصيح أودّ أن أذكر بعض الملاحظات حول شعر شربل بعيني العاميّ: فكما ذُكر في المحاضرة عن تقييم الشّعر، فإنّي علمت بأنّ الشّعر العاميّ يقع في الدّرجة الثانية من الشّعر. إذ أن الشعر العاميّ متحيّز إلى بلد واحد وجماعة وطبقة معيّنة من النّاس. ليس كلّ من قرأَ شعراً فهمه، ولكن كلّ من يقرأ أشعار شربل بعيني العاميّة يفهمها ـ هذا إذا كان القارىء لبنانياً ـ ذلك لأنّها لغة الشّعب الدّارجة.. ومع ذلك، فعندما قرأت المقطع الشّعري المذكور أعلاه عن طرد والد حبيبته له، لـم أعرف بادىء ذي بدء ماذا يقصد بكلمة "بيك" ، إذ، وربما الحق على الطباعة، لـم توضع شدّة على الياء، لأتمكّن من معرفة ماذا يقصد بـ "بيك"، هل هو "البيه ـ الباشا أو الوالد". ذلك أنّ معظم المناطق اللبنانيّة تستعمل فقط "بابا ـ أبي" وبعض القرى "بيّي" أي والدي. فما المقصود من هذا؟.. أهو حديث منغّم أم شعر محليّ؟.. أتصوّر أنّ اللغة الفصحى، كانت وما زالت، لغةَ الجميع رسمياً، لوضوحها وجمالها ووحدة معانيها وطرق لفظها وصعوبة استعمالها، والأصعب من هذا كلّه الشّعر القديم، بأوزانه وقواعده. لذلكَ يلجأ الشّعراء، في أيّامنا هذه، إلى الأسهل والأسرع والكلمة الخفيفة، بعيداً عن القوافي والأوزان، التي أصبحت كالعملة النادرة في هذا الزّمن.
   لنتوقّف قليلاً عند شعر شربل بعيني الفصيح وهو يصف وجدان الشّاعر في خراب ودمار الوطن:
... وكالمطر
يتساقطُ الخطر
في بلادٍ ضائعه
عاريةٍ وجائعه
وكلُّ مَن فيها كَفَر
أو هَجَر
   تحزنه هجرة النّاس عن أوطانهم في زمن الخطر، حيث الجوع انتشر.. ولأنّ الناس لـم تعد تعي ما تفعل، فقد كفرت بالـله وبالأديان، وهربت إلى بلد ترتاح فيه من ظلم الزّعماء والحكّام. بعدها يقول بعفويّة وصدق: 
ألخرابُ يزحف نحو المدينَه
(شبّهه بزحف الجيوش القاهرة نحو مدينة آمنة)
يخترق جدارَ الصّمتِ والسّكينَه
(أي أنّهم كانوا يعيشون في أمان وهدوء إلى أن صُدموا بالإجتياح)
والطّيورُ الشّاردَه
في الليالي الباردَه
ترتِّلُ التّراتيلَ الْحَزينَه
(ألطيور الشاردة تنبىء بالشّؤم ودمار البلد).. اللغة فصيحة، ولكن يغلب عليها طابع السّهولة، كالأسلوب العامي. مثلاً: "عارية وجائعة.. وكلّ من فيها كفر أو هجر.. عيون المجد إن تدمع.. فدمعها يروي ما نزرع.. ولكنّا فقأناها.. " .
   شعره يمتاز بعدم تقيّده بأيّ نظام شعريٍّ أو كتابي، فهو بالنّهاية تعابير صادقة ثوريّة وقصيرة جدّاً، ذات خيال واسع يجرّدنا من الواقع، مع أنّه يكتب عن الواقع. فنتخيّل الأطيار تطير وهي ترتّل التراتيل الحزينة فوق النّار والدّخان وصراخ الأولاد.. كأنّها صورة رسّام برع في تحديد أدقّ التّفاصيل، ولكنّه نسيَ الألوان فجاءت باهتة.
   في الباب الثالث من كتابه، يتناول كامل المر "يوميّات مراسل أجنبي في الشّرق الأوسط" ويصفها بالنثر الرفيع القريب من الشّعر. وفيها يحكي شربل بعيني مأساة اللاجئيـن الفلسطينييـن وتشردهم في المخيّمات وما شابه.    
   "يوميّات مراسل أجنبي" هي في نظري شعرٌ جميـل صادق، يحكي بكلّ البلاغة ليصف حالة البشر في الخِيَم أثناء القصف بلوحات شعريّة هي من أجمل شعره:
.. والخيمةُ ترتَجِفُ
ويَئِنّ في الخيمةِ بَشَرُ .
   وهل هناك تعبير أعمق من هذا.. لوصف الأنين وأطفال الحروب وأهاليهم، أولئك الّذين كانت لهم أوطان وبيوت من حجر ، تحوّلوا إلى لاجئين يعيشون في بيوت من القهر. فيحض شربل بعيني الحكّام العرب على استخدام ضمائرهم والتنازل عن أطماعهم، وكأنّه يذكّرنا بقول نزار قبّاني:
ما دخل اليهود في حدودنا
ولكن تسرّبوا كالنّمل من عيوننا
   شربل قال:
يا رئيسَ كلِّ دَوْلَه
حَمَلَت إسمَ العرب
كيف ترضى بالمَذَلَّه
كيف ترضى أن يقولوا:
داستِ النّمْلَةُ تَلَّه .
   النّملَةُ هي اليهود الذين كانوا أقلّية، واستطاعوا بقوّتهم وعزمهم أن يدوسوا القوّةَ العربيّة التي تكبرهم بأضعاف.   
   شـعره فيه الكثيـر من العِبَر، ولكنّـه لا يتّخذ نهجاً واحداً،  بل يتأرجحُ ما بين العاميّ والفصيح وبين الشّعر الموزون. 
   فما الّذي يريد أن يوصلَه إلى النّاس: الشّعر الحديث الأقرب إلى الأذن والقلب أم الشعر القديم!؟..
   إلى مَن يتحدّث ، ومن هو جمهوره في هذه الحالة؟.. ما هم طالما أننا نقتبس من كل هذا معانيه الحلوة، التي تحكي بالنيابة عنّا وعن مشاعرنا، وكأنّه في شعره قد طرق صلب موضوع المشاكل العربيّة وبالأخصّ الحرب.. وَمَن ذا الّذي سمح بهذه النّكسات وبوطء الغريب أراضينا؟!.. طبعاً، فالخيانة لا تكون إلاّ من أفراد الشّعب نفسـه وخاصّـة الحكّام.
   وحكى شربل بعيني أيضاً عن أطفال الحجارة والانتقام والأسلحة، وقد يتّسع الكلام عنهم إلى صفحات، لذلك سأختصر وانتقل الى الباب الرابع، حيث يتكلّم كامل المر عن ديوان "مجانين" الذي يحتوي على صرخة ألـم وتعجّب من حركات الجنون في لبنان والطّائفيّة والدّمار. وقد لجأ شربل هنا إلى استعمال اللغة العاميّة، لأنّها لغة قلبه، فهو يحكي بدافع من عاطفته نحو وطنه الذي يحدث فيه ما يحدث من فظائع، فيثور غير عابىء باللغة، وينطلق فارداً جناحيْ الشّعر، حاملاً أرقى المشاعر وأنبلها، ليسافر بها إلى أذهان العرب في كلّ مكان وفي لبنان بالتّحديد:
.. لكن كرامة طفل أو ختيار
عم يِلعَبُوا فِيهُن مِتِل طَابِه
وْكِرمال يبقى الْجَار حدّ الجَار
بَدّي بيوت الشّعر فَجِّرْها
وْخَلّص من الويلات أحبابي 
  وها هـو يثـور على الطّائفيّـة، ويقول في مقطع كلّه جنون:
.. يا يسوع الْمَصْلوب
ويا رَسول المؤمنين
ما عرِفْتُوا ربَّيْتُوا شْعُوب
عْرِفتوا رِبَّيْتُوا مْجَانين
أبيات ثائرة على الأديان التي اتُّخِذَت كحجّة للإقتتال، فباسمها قتلوا البنات والصبيان، لذلك ليس العتب على الأنبياء، إنما العتب على المجرمين الذين اقتحموا ديارنا باسم الدين، والدّين بريء منهم ومن أمثالهم. إذن، فالأنبياء لـم يربّوا مجانين.. طالَما أنّ القابعين تحت الرّمل، أولئك الّذين يطبّقون وصاياهم، ينتظرون السّاعة المناسبة، لينفضوا الرّمل، ويجتاحوا الظّلم، وينشروا السّلام كما كانت الحال أيّام الأنبياء وخلفائهم.
   
في الباب الخامس، تطالعنا قصائد شربل التي تدعو للعودة إلى الوطن، بالرّغم من أنّه هو شخصيّاً لـم يرجع إلى وطنه بعد، فما زال هنا، في أستراليا، ينتج شعراً يدعونا فيه للرجوع إلى الوطن.
  
 في الباب السّادس، نرى أبياتاً لشربل تصف أحوال الجالية في أستراليا ومعاناة التعايش في بلد الرّكض نحو الدّولار، والتّفكير في جمعه، بغض النّظر عن تشرّد الأطفال وتحطّمِ العادات والتّقاليد.. فينفجر شربل في قصيدته "جاليتي" بركاناً يغلي من انعدام الحياة الأسريّة، الّتي كانت تحيط بالزوجين والأولاد، وتفعم البيت بجوّ المحبّة والدفء والإستقرار، وبذلك نتجنّب الجريمة والفساد بين شباب الجيل الصّاعد.. فيستخدم شربل اللغة الفصحى هذه المرّة، لأنّه يحكي عن قضيّة حسّاسة تهم النّاس بمختلف مستوياتهم وثقافاتهم:
رديئة جاليتي ومشتّتة
فلا الأب يحبّ أبناءه
ولا الأم تحنو وترضع
ألكلّ يركض وراء اللاشيء
وكلّ شيء يمكن تجسيده بالتّكاتف والتّضامن. 
   وقد تطرَّقَ في هذا المقطع بالذّات إلى صورة مصغّرة عن العالـم العربي، ألا وهو التّشتّت، فنرى النّاس يتبعون مصالحهم ناسين المصلحة العامّة، سواء في أستراليا أو في أي بلد عربيّ.
   كلمات الشّاعر جاءت متضامنة بمعانيها ووصفها، مسترسلة كينبوع الماء. فهو يعتبر الماديّات "لا شيء"، وأهم شيء هو التّعاضد والتّعاون. وهذا ما يؤكّد لنا أن بعض شعره يحتوي على الحكمة والمثاليّة، كمثل قولـه فـي "قصائد ريفيّة": 
.. فلكلّ شيءٍ ظاهر
حجاب يستتر وراءه
ولكلّ جبل شامخ وادٍ
يكفي لاحتضانه في اليوم الأخير.
  أمّا في الباب السّابع والأخير، فيجيبنا شربل بعيني بقصيدته "أللـه ونقطة زيت" عن تساؤلات تتماوج في بالنا، وأكبر سؤال هو وجود اللـه والإيمان.. يجيب ليقول بأنّ المؤمنين لا تهمّهم خزعبلات البشر، ولا يحتاجون لوسيط كي يتأكّدوا من وجود اللـه ومعجزاته، وهو ينادي الناس بأن يرتفعوا عن انضمامهم إلى بشرٍ لا يعرفون أكثر ممّا هم يعرفون، ومعلوماتهم لا تتعدّى الغشّ والخداع لكسب المال والشّهرة، ولو كان الثّمن اختلاق البدع باسم اللـه البريء منهم ومن أعمالهم. يقول شربل:
.. غْفرلِي دخلَك لَولا بْقُولْ
مَسطُول وْأَكْبَرْ مَسْطولْ
كِلْمِنْ بِيآمِن يا ربّ
مِن نقطة زيت وقنديل
وخْرافات وْدقّ طْبُولْ..
   نتلمّس من أشعار شربل بعيني، العاميّة والفصحى، ابتعاداً عن الأوزان الشّعريّة أو التّفعيلات. لأنّه يؤمن بحريّة المبدأ والقول وطرق كتابة الشّعر، فلـم يتبع طريقاً واحداً، بل تنوّعت كتاباته فأصبحت تناسب أهواء كلّ النّاس، فالّذي يستهويه الشّعر الفصيح فإنّه يجد مطلبه في بعض كتب شربل بعيني المفعمة بحب الوطن واللـه والجمال. أمّا الّذي يحبّ الشّعر العاميّ فإنّه يهبط على سهلٍ واسعٍ مليءٍ بثمار الشّعر العاميّ القادم من الجبـل والقرى اللبنانيّة الأصيلة.
   وهنا لا يسعني إلاّ أن أذكر أن شربل بعيني قد تطرّق إلى شعر المديح، فمدح أحمد شوقي مديحاً يليق بأمير الشّعراء، قال:
... وكلّ القلوبِ تعوفُ الصّدورَ
لتسكُنَ يوماً حِمَى منزلِكْ
فَكيف ارتضَيْتَ بِلَقْبِ أَميرٍ
وَشعبُكَ يهتِفُ "عاشَ الملِكْ" .
    شعره بمديـح شوقي يتضمّـن صوراً بليغـةً أغنت القصيدة، فأتـت الكلمات أحجاراً كريـمةً مرصّعـةً عـلى تـاج "شوقي":
... وحسبكَ شوقي بأنّك أنتَ
غزلتَ لها المجدَ في مِغْزَلِكْ
فمهما كَبُرْنا بروضِ الْقَوافي
نظلّ نحِنُّ إلى مشتَلِك
وتبقى الحروفُ تجيءُ إليكَ
لتَنْهَلَ ماءَها من مَنْهَلِكْ
   وأخيراً، فإنّ شربل بعيني شخصيّة وطنيّة موهوبة، طبعت آثارها بكلّ ثقةٍ وجدارة على أرصفة الشّعرِ المعطاء، وسواء أكانت لغته عاميّة أو فصحى، فإنّها تأتي دائماً واضحة ومتناسقة ومباشرة إلى الفكرة دون أيّ مقدّمات.. وما غزارة إنتاجه سوى دليل على خياله الفيّاض وأفقه الواسع.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع :
ـ المر كامل ـ مشوار مع شربل بعيني، دار الثّقافة، سيدني 1988
ـ بعيني شربل ـ قصائد ريفيّة، دار عصام حدّاد، لبنان 1993
**
مَعزوفة حبّ شربل بعيني
بقلم حنان فرج

   لقد عُرِفَ الشّاعر شربل بعيني بأسماء كثيرة، منها: شـاعر المهجر الأوَّل، شاعر الغربـة الطّويلة، الإنسان الكبير، الشّاعر الأنسان وحبيب الشّعب.
   
وُلِدَ في العاشر من شهر فبراير ـ شباط عام 1951م، في بلدة مجدلَيّا قضاء زغرتا، من أسرة "يعود تاريخها في البلدة إلى مطلع القرن التّاسع عشر".
  
نظم ديوانه الأوّل "مراهقة" في لبنان عام 1968، وبعد ذلك هاجر إلى أستراليا.. فوصلها في صيف 1971.
   أسّس في أستراليا جريدة "صوت الأرز" المجّانيّة، وأصدر منها بضعة أعداد فقط، وكانت تحمل إسم شركة "صوت الأرز" لتسجيـل الأشرطة الغنائيّة الّتي كان يديرها. ولكنّه ما لبث أن تحوّل عن تلك التّجارة، ليُحَوِّلَ اهتمامه إلى تدريس اللغة العربيّة، وإعداد الكتب الحديثة لتعليمها في أستراليا، وخاصّة في مدرسة "سيّدة لبنان" التّابعة لراهبات العائلة المقدّسة المارونيّات في هاريس بارك ـ سيدني أستراليا.. حيثُ يعملُ الآن.
   
قام بنشر الكثير من الأعمال الشّعريّة المتنوّعة، منها الفصيح ومنها العامي، ومنها المترجم إلى عدّة لغات كالإنكليزيّة والفرنسيّة والإسبانيّة.. كمناجاة علي ورباعيّات وألـله ونقطة زيت.
  
نال، في عام 1985، جائزة الأرز الأدبيّة من قنصل لبنان العام في سيدني آنذاك الأستاذ جان ألفا. وفي العام 1986 نال جائزة تقدير الكلمة من الأديب سامي مظلوم ـ مالبورن. وفي العام 1987 منحته رابطة إحياء التراث العربي جائزة جبران العالميّة على ديوانه "كيف أينعت السّنابل"..كما كُرِّمَ عدّة مرّات وأُلِّفت عنه الكتُب.
   
شارك شربل بعيني، أيضاً، في تأليف وإخراج عدّة مسرحيّات باللغة العربيّة لأطفال مدرسة سيّدة لبنان، نذكر منها: فصول من الحرب اللبنانيّة، ألو أستراليا، الطّربوش، هنود من لبنان، ضيعة الأشباح ويا عيب الشّوم.   
   
يجدر بنا أن نشكر الشّاعر الأديب شربل بعيني على مؤلّفاته القيّمة، الّتي ساهمت، وما تزال، في نشر الكلمة العربيّة والشّعر العربي في هذه البلاد البعيدة.. كما أنّه ، أي شربل، يغني التراث العرب، ليس في أستراليا وحسب بل وفي كلّ البلاد العربيّة والمهجريّة. بإيجاز، نستطيع القول: إنه أحد أهم أعلام الأدب المهجري، أو كما كتب عنه الأديب السّوري المتخصّص في أدب المهجر الأستاذ نعمان حرب: "هو شاعر العصر في المغتربات". فلا بدّ إذن من التّوقّف عند بعض مؤلّفاته الشّعريّة، وذلكَ بهدف تقديم لمحة عن خصائص شعره.
   لقد اخترت من كتبه ديوان "معزوفة حبّ"، وهو يقع في 135 صفحة من الحجم الوسط، ويحتوي على 47 قصيدة، ومن هـذه القصائد اخترت "يا ريت":
رح ضلّ حبِّك للأبد رَح ضلّ
تا يِخلَص مْنِ الزَّيْت قنديلي
وما تعود إيدي تْطال زهرة فلّ
وْلا تعشق النّايات ترتيلي

كنتي اللِّقا .. لَمّا الشِّراع يْميلْ
صرتي السّفر وبحورك الغربِه
وصارت شْفافك تنزف مْواويل
وتتجمّع مْواويلها بقلبي

وبالصّورة الْعَم تضحَكيلي نْهَارْ
دبلت الضّحكه وْكَرجِت دْموعِك
شفت الأسى مْخَيَّم عَلَى التِّذْكار
وْمَوج السَّراب مْغَرَّق رْجُوعِك

يا رَيت فِيّي إسرقك يا رَيْت
وْغَمِّضْ عْيُوني عَ السَّعادِه وْنام
لكن " ياريت " الْما بْتِبْنِي بَيْت
كيف بَدّها تْحَقِّق الأحلام؟!..

   يوجّه الشّاعر شربل بعيني كلامه إلى سيّدة ما، قد تكون صديقته أو حبيبته، أو قد تكون في أحيان عديدة إمرأة مجهولة. وبين قصيدة وأخرى نرى شعوره يتغيّر نحو هذه المرأة... ولكنّه وكما يذكر الأديب جوزاف أبو ملحم في مقدمة معزوفة حبّ  ".. يعاهدها برقّة المعاملة" ـ ص 15 ـ.
   
يستهّل الشّاعر شربل بعيني قصيدته "يا ريت" بإعطاء وعد لحبيبته: فهو سيظلّ يحبّها إلى الأبد، وحبّه هذا سيدوم إلى آخر أيّام حياته، ولكي يقنعها بوعده ، نراه يستعين بالأسلوب المجازي المُقْنِع:
رح ضلّ حبِّكْ... 
تا يخلص من الزيت قنديلي
  
أمّا في المقطع الثّاني من القصيدة، فهو يشرح المأساة التي يعانيها من جرّاء غياب حبيبته عنه.. فهي، بنظره، كانت تجسّد اللّقاء، أما الآن، فأصبحت تجسّد السّفر، والبحار تجسّد الغربة. ويستخلص القارىء من هذه الأبيات، أن حبيبته غابت عنه، وأصبحت شفتاها تنزفان مواويل، فتتجمع المواويل في قلبه:
.. وصارت شفافك تنزف مواويل
وتتجمّع مواويلها بقلبي.
   
أما في المقطع الثالث، فيرسم الشّاعر صورة تبدو فيها حبيبته، بادىء ذي بدء، ضاحكة، ولكنّ ضحكتها هذه سرعان ما تذبل، وتكرج دموعها.. نتيجة لذلك، يشعر الشّاعر بالأسى:
شفت الأسى مخيَّم على التّذكار
   ويسترجع صورة الموج الّذي يذكره باستحالة عودة حبيبته إليه:
.. وموج السّراب مغرّق رجوعك.
   وفي المقطع الأخير، يتمنّى الشّاعر لو أنّ بإمكانه سرقة حبيبته لكي يرتاح، فإن أغمض عينيه يستطيع النّـوم بسعادة:
يا ريت فيّي إسرقك يا ريت
وغمّض عيوني عَ السّعاده ونام
   ولكنّه يعتـرف بأنّ "يا ريت" عمرها ما كانت تعمِّر بيتاً، فكيف بإمكانها تحقيق أحلامه:
لكن يا ريت الما بتبني بيت
كيف بدّها تحقّق الأحلام؟
   
وخلاصة، فإن قصيدة شربل بعيني هذه، ما هي سوى أحلام يتمنّاها الشّاعر، ولكنّه يعترف باستحالة تحقيقها. وهذا الشّعر هو من النّوع الغزلي، والغزل يعتمد على مخاطبة الحبيب والتّغزّل به. كما يعتمد أيضاً على التّعبير عن العواطف التي تتفاعل في داخل الشّاعر تجاه حبيبته .
   
لقد استعمل الشّاعر أسلوباً سهلاً في تعبيره، قوامه اللغة العاميّة والصّور المجازيّة الموحية.
   وأخيراً، أريد أن أهنّىء الشّاعر على ديوانه هذا، لما فيه من نغم وألوان وصور تساعد القارىء على فهم ومعايشة الشّاعر في مأساته الغراميّة. وباختصار فإنه يصلح لأن يكون أغنية يغنّيها كل حبيب لحبيبته.
ـــــــــــــــــــــــــــ
المراجع :
ـ بعيني شربل، معزوفة حبّ، الطبعة الأولى، دار عصام حدّاد 1989.
ـ حرب نعمان، مجلّة الثّقافة السّوريّة الصّادرة في 20 ـ 11 ـ 1993.
ـ وهبه ألبير، مقدّمة ديوان "مجانين" لشربل بعيني، الطّبعة الثالثة 1993.
ـ حدّاد عصام، مقدمة ديوان "الغربة الطّويلة" لشربل بعيني، الطبعة الثانية  1992.
**
شربل بعيني قَلبُه وطن
بقلم نهى السيّد

من هو شربل بعيني:
    
وُلد شربل بعيني في العاشر من شـهر شباط عام 1951م، في قرية مجدليّا ـ قضاء زغرتا، حيث تنعَّمَ وتمتَّعَ بحياة مليئةٍ بالمحبَّةِ والهدوء والإطمئنان والإيمان. كان إيمانه الدّافع الأساسيّ الّذي جعله ينشد للسَّيِّدة العذراء، وهو في العاشرة من عمره، وكانت تلك الأنشودة أوّل مناجاة شعريّة يلقيها، فشقَّت له طريقاً أدبياً فنيّاً ما زال يسير فيه حتّى اليوم.
  
تلقّى شربل بعيني دروسـه الإبتدائيّة والثـانويّة في طرابلس، وكان تلميـذاً ناجحـاً، يحــبّ العمل الإجتماعيّ الخيريَّ. وفـي العـام 1968 نشــر أول ديـوان غزلـي "مراهقة"، ولكنّ تدهور الأوضاع في لبنان أشعل فيه نار الغيرة على الوطن، فكتب عـن لبنـان والثّورة، ويوميّات مراسـل أجنبي في الشّرق الأوسط، وكانت قصائدَ سياسيّة اللون وطنية الطّباع، جمعها في عام 1970 في ديوان "قصائد مبعثرة"، يقال، ربَّما، هي الّتي أبعدته عن تحقيق أحلامه في الوطن الأمّ، وأجبرته على السّفر.. فهاجر إلى أستراليا في الحادي والعشرين من كانون الأوّل عام 1971، حيث استقرّ مع عائلته في مدينة سيدني.
   
مع بعده عن الوطن، ازداد حبّه له وشوقه إليه. ومع كلّ انفجار في أرض لبنان، اشتعل جزء من حقل الألغام المزروع في صدره، حتّى طفح الكيل، وتفجّرت الألغام الشّعريّة، فكتب "مجانين" أوّل ديوانٍ مهجري يُطبعُ في أستراليا سنة 1976. فماذا قال في هذا الدّيوان؟.

الدّيوان:
  
يحتوي ديوان "مجانين" على سبع وثلاثين قصيدة، كتبها الشاعر باللغة العاميّة. في كل حرف من القصائد نرى حبّه للوطن، ونلمس كرهه للطّائفيّة ولرجال الدين الّذين يستغلّون الطّائفيّـة ويستعملونها من أجل إشعال نار العداوة بين الأبرياء، ومن أجل الحصول على غاياتهم السّياسيّة والشّخصية على حساب الشّعب المسكين. كما يؤكّد لنا شربل بعيني عبر صفحات الديوان أن الحرب في لبنان سياسيّة وليست طائفيّة على الإطلاق، كما يريدنا الزّعماء أن نصدّق.

القصيدة:
   
"قلبي وطن" قصيدة تحتوي على عشرة مقاطع تقع في خمسَ عشْرَةَ صفحة من القطع الصّغير، سياسيّة اللّون، عامية اللغة، متطاوعة متناغمة، رقيقة وعنيفة، مؤثرة حزينة، صادقة شجاعة، لا تختلف بنوعها أو لونها عن بقيّة القصائد التي يحتويها الديوان.
   يرسم لنا شربل بعيني في "قلبي وطن" صورة تعبيريّة عن أفكاره وشعوره، ويدعنا نعيش في قصيدته وكأنّنا نحن أيضاً جزء من لبنان:
ـ1ـ
لَيْش دَخلَك لَيْش يا رَبّي
تركت قلبي يُولَع ويِسْوَدّ
وغيرك، يا ربي، ما سكن قلبي
ولا يوم جرّحتو بْشوك البُغض
ولا فرشت عَ خدودو غْبار الأرض
قلبي وطن.. مزروع بِمْحَبِّه
حْرام، يا ربّي، الوطن ينهَدّ
ـ2ـ
لو كان شي مرّه سْمعِت منّي
كلمِه زْغيرِه تِجرَحَك.. لَعنِه
كنت نتفِه عَ الجرح عضَّيت
وكنت ندرت.. كنت ركعت صلّيت
وصرت مجِّد إسمك وغنّي
كرمال تطرد ناس متّفقين
يقضوا عَ شعب معتّر ومسكين
بيغمّضوا عْيُونو بإسم الدّين
بإسم العروبه.. والدّهب والبنزين
بإسم الدّولار.. وكل شي في مْنافقين
بإسم السّيادِه والحضارَه واليقين
بإسم العدالِه.. بإسم كلّ المَحرومين
بإسم القضِيِّه.. بإسم ناس مْشَرّدين
ومِتِل شي بطّيخ عَ السّكّين
بْيِدْبَحو عَ عتبِة بْوابو
وبيوزّعوا تْيَابو
وبالرّغم من جرحو ومنِ عْذابو
بْيِركع يقلَّك: يا ربّ الكون
إنت هيك حكمَت
ونحنا بحِكمَك راضيين
إنت هيك رسمت
ونحنا العبيد الطّايعين
ومن مين غيرَك قلّنا من مين
مْنِطلُب يا ربّ العون؟!
ـ3ـ
وحق السّما والأرض مغشوشين
ومتل شِي قطعان منقادين
لرجال سمّوهن: رجال الدّين
لأهل السّياسِه الكذّابين النصّابين
دمّنا.. باعوه بِملايين
وعلّبوا لْحُوماتنا متل البَقَر
متل سَمْكِ الطُّون والسّردين
ونحنا اللّي انت جبرتنا نخلق بشَر
عَ قدّ ما منخاف يوم الآخره
مننحني قدّامَك ومنقول:
"معقول عندُن عذرهُن معقول
عْطِيهُن يا ربّ المغفره!!".
ـ4ـ
.. وشو بخبّرك، يا ربّ، عن بيروت
مْدِينةِ الْمرجان والياقوت
سرقوا مْحلاّتا
وهَدْموا بِناياتا
وْصَلّوا وصاموا شهر حتّى تْموتْ
ومستحيل تْموتْ
مْدينة لْ مَسْمِحِلْها تِحكي
وساعة ما بدّا تضحك وتبكي
وترفع إيديها للسّما وتشكي
بِـ شرق.. داعس فوق منخارو طاغوت
بِـ شرق.. صفّى لكلّ سكّانو تابوت
ـ5ـ
بيروت.. هِيّي العرس والعرسان
وهِيّي الطّبل والزّمر
لولا لْياليها الرّقص ما كان 
ولا انْهزّ بطن وخصر
وياما الفرح عَ شْطوطها سهران
يْحاكي مْواج البحر
وانْكان شي مرّه القمر ضجران
وحاسس بِنتفِة قهر
بْيِنزل يقطِّف زهر من بستان
غافي عَ حفِّة نهر
ويقعد يْؤَلِّف عن جبل لبنان
أحلى قصايد شعر
ـ6ـ 
بيروت.. يا بيروت.. يا مْدينِه
مْزَيّنِه.. ومش ناقصَه زِينِه
تْنَعْشَر سِنِه عم بحلمِك باللّيل
قَولِك أنا مكتوب عَ جبيني 
عيش عمري بالهجر والويل
إشرب دموعي وآكُل سْنيني؟!..
ـ7ـ
بيروت.. يا بيروت.. مشتقلِك
وما هَمّنِي لولا تهِدَّمتِي
وما هَمّني لو هجَّروا أهلِكْ
وقدّام عينِك.. يدبحوا طفلِك
الْـ بِيهِمّني تضَلّي عَ إيمانِك
بْأرزِك ، بِصنّينِك ، بلُبنانِك
وِبكُلّ أديانِكْ
وْما تيأَسِي إنتي
إنتي إذا يْئِستي
بِتكون ضربِه قاضْيِه عْلَيْنا
بْتِطفِي أملنا.. ونور عِينَينا.
ـ8ـ
... وشو بْخَبّرِك عن شَبّ إسمو "جْنُوب"
عن شَبّ أسمَر مِتِل طَربين الْحَبَق
عن شَبّ مارد بَعِد مِتلُو ما انْخَلَق
مليون ضربِه بْيِضِرْبُوه
ومَلْيُون جَلْدِه بْيِجِلْدُوه
وِبْيِخلَقوا مِنّو ألِف "مصلوب"!!..
شو بْخَبّرَك يا ربّ يا جَبّار
عَن وحشنِة كُفّارْ
خَتموا عَ تذكِرتو إسم "مغضوب"
وكتبوا عَ صدرو جملتين زغار:
محكوم إنّو يشُوف بِعيونو دَمار
وْيِفْلَح ويزرع كلّ أَرضاتو حروب
حتّى إذا جاع وعطش يا ربّ
ممنوع يشرب غير دمّ ونار
وممنوع يلبس غير ذلّ وعار.
ـ9ـ
دقَّيت عَ بْوابَك سْنين سْنين
وما كنت تسمَعني
وصرت صرِّخ مِتِل صرخات الْجَنين
الْـ جايي غَصِب عَنّو
عَ كون.. صعبِه يِنتِفِع مِنّو
عَ كون.. سُكّانو انْتهوا وجَنّوا
وما عِدت فيك تقول : هَوْدِي ظالمين
وهَوْدِي نَصارى.. وحَدّ مِنْهُن مِسِلمين
وْهَوْدِي يهود مشتّتين مْطَيْشَرين
وْهَودِي تَتَر
هَودِي نَوَر
هَودِي جَماعَه مْوَحّدين
كلُّن يا ربّي ظالمين
كلُّن طُغاة
لا بيؤمنوا بْإنجيل
لا بيؤمنوا بْقُرآن
حَتّى ولا بْتوراة
ولا حاسْبين حساب يوم الدّين.
ـ10ـ
يِئسان من حالي أنا يِئسان
يِئسان حتّى الموت
وانْبَحّ فيّي الصّوت
بْصَرّخ.. بْصَرّخ بين هالطّرشان
بَرْكِي بْيِسمَع صرختي إنسان
بَعدو بْيُؤْمن فيك عن وجدان
تا مِدّ إيدي وإشبِكا بْإيدو
وكلّ شي إِنِت يا ربّ بِتريدو
مِنّفِّذو.. بِـ تضحيِه وإيمان
عَ شرط.. عفْوَك لَو أنا شَارَطْتْ
يْكون يخدُم مَصلحة لُبنان.

المضمون:
  
يبدأ شربل بعيني قصيدته متسائلاً عمّا يحصل، قائلاً:
ليش دخلَك ليش يا ربّي؟!
   وكأنّه يطلب من ربّه أن يعطيه جواباً لسؤاله، فهو يريد أن يعرف لماذا سمح ربّه لقلبه أن يحترق.. فيتكلّم وكأنّ قلبه لبنان، وكأنّ العليّ القدير هو سبب الدمار والمصائب التي حصلت في وطنه.. فيخاطبه دون خوف، مقتنعاً بكلامه ومتمسّكاً به، لأنّه يكتب بضمير خالٍ من الغشّ والخداع. فنراه، بالرّغم من إيمانه بربّه، يسأله عمّا يحصل في لبنان، لكنّه لا يعترض على حكمه، بل يطلب منه العون حتّى يتغلّب على الظّالمين:
إنت هَيك حكمت
ونحنا بحكمك راضيين
....
ومن مين غيرك .. قلّنا مِن مين
منطلُب يا ربّ العون؟!
   ثمّ يعود شربل بعيني ليؤكّد لنا أن أسباب الحرب في لبنان سياسيّة، ويظهر غضبه على مَن يسمّون أنفسهم بممثّلي الشّعب.. أولئك الذين خانوا الوطن وثقة الشّعب البريء، ولـم يعملوا إلا لمصلحة أنفسهم الدّنيئة:
.. وحق السّما والأرض مغشوشين
ومتل شي قطعان منقادين
لرجال سمّوهن رجال الدّين 
لأهل السّياسِه الكذّابين النّصّابين
دمنا .. باعوه بِمْلايين..
   ولكنّ الشاعر واثق أن العدالة عند ربّه، فهو يهدّد الزّعماء بالعقاب الأليم، إن لـم يكن على الأرض ففي السّماء.. وإلى أين المفرّ؟. ويتساءل الشاعر عن الدول العربيّة الباقية، ماذا فعلت لإنقاذ لبنان؟.. ويتّهم الشّرق أنّه أصبح تابوتاً لجميع سكّانه. ثمّ يعود ليتغزّل بلبنان وبعاصمته بيروت:
.. بيروت، هيّي العرس والعرسان
.......
بيروت، يا بيروت يا مْدينِه
مْزيّنِه.. ومش ناقصه زِينِه
   ينادي بيروت، وكأنّها لا تزال في أيّام العزّ، إذ أن حبّه للوطن أقوى من كلّ الحروب، ومهما حصل في بيروت، فهو متأكّد من أن قوّة الإيمان ستساعد على بنائها من جديد.
  
من بعدها ينتقل الشّاعر إلى الجنوب، حيث يتكلّم عنه وكأنّه إنسان من لحم ودم.. تعذّب سنين عديدة، وحُكم عليه أن يعيش مدى الحياة في جحيمٍ. وهنا نلاحظ أنّ الوطنيّة ليست شيئاً جديداً في قلب شربل بعيني، وكرهه للسّياسة ورجالها، ولمعظم الحكّام العرب، إبتدأ قبل حرب لبنان، بل ابتدأ مع قضيّة فلسطين، ونلمس هذا في قوله:
دقَّيت عَ بوابَك سنين سنين
وما كنت تسمعني
   رغم شعوره بالأسى، وبأنّ صراخه لن يسمع، وألمه لن يُداوى، فهو لـم يقطع الأمل من استجابة ربّه لدعائه، فيضع كل آماله فيه، عالماً أن لبنان لن ينقذه إلاّ قوّة من الرّب، فالخلاص لن يكون إلاّ بمعجزة منه، وبكلّ الصّفاء الروحي يتوجّـه إليـه، يسأله أن يخدم مصلحة لبنان، وأن ينقذه من عذابه الأليم ، عندئذٍ: 
.. كلّ شِي إنت يا ربّ بتريدو
منّفذو بِـ تضحيّه وإيمان
عَ شرط .. عَفوك لَو أنا شارطْتْ
يكون يخدم مصلحة لبنان .

شعره:
   
شعر شربل بعيني شعرٌ تصويريٌّ، صادق وجميل، فعندما يكتب يضع جزءاً من نفسه بين الأحرف.. وعندما يتذكّر لبنان يكتب بإخلاص نادرٍ، فهو لـم ينسَ للحظة واحدة انتماءَه له، كما لـم ينكر فضلَ ذلك الوطن الجميل عليه. كان يتكلّم وكأنّه هو لبنان، فيجعل من لبنان إنساناً يشعر بالألـم والعطش والجوع والتّعب والفرح، ويتساءل دائماً: كيف بإمكان المسؤولين عن الحروب، أن ينظروا إلى لبنان، وطن السّلام والمحبّة، وهو يتألّـم، دون أن يساهموا بإنقاذه وإعادة الطّمأنينة إلى ربوعه؟.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع :
ـ بعيني ، شربل ـ مجانين ، الطبعة الثالثة ، سيدني 1993
ـ طبّاع ، مي ـ شربل بعيني قصيدة غنّتها القصائد ، دار عصام حداد ، لبنان 1994
ـ المر ، كامل ـ مشوار مع شربل بعيني ، دار الثّقافة ، سيدني 1988
ـ الباشا ، محمّد زهير ـ شربل بعيني ملاّح يبحث عن اللـه ، ط 3 ، لبنان 1993
**

شربل بعيني والعزف على قيثارة الحب
بقلم رولا موسى

   نستطيع القولَ، الآن، ان أستراليا، البلد المتعدّد الحضارات والثّقافات، تشهد تقدّماً ملموساً في ترجمة هذه الثّقافات على ساحتها. والجالية العربيّة واحدة من الجاليات الكبيرة، التي تتمتّع  بمكانة مرموقة في عالم الإقتصاد والإجتماع والثّقافة، وتغني المجتمع الأسـترالي بعطاءات خيّرة.
   
كما أصبحنا نرى، اليومَ، في أستراليا جمعيّات وهيئات اجتماعيّة وثقافيّة تتعاون فيما بينها لِمَا فيه خير المغتربين واستقرارهم في بلد جديد.
   
وبإمكاننا أن نعترف أيضاً، بوجود طاقات أدبيّة وثقافيّة عربيّة على السّاحة الأستراليّة، تتمثّل بشكل جماعات أو أفراد، وتعطي الأدب العربي بُعداً مميّزاً في عالـم الإغتراب، يذكّرنا بالجهود الأدبيّة القيّمة، الّتـي قدّمتـها جماهير المثقّفين المهاجرين القدمـاء في المغترب الأميـركي، وفـي طليعتهم "الرّابطة القلميّة" التي كان يرئسها الأديب جبران خليل جبران، يعاونه العديد من أصحابه الأدباء.
   
ومن حسن حظّنا، أن في أستراليا عدداً لا يستهان به من الأدباء والشعراء والمثقّفين الذين صدرت لهم كتب ودواوين شعريّة كثيرة، ومن هؤلاء المشاهير الشّاعر شربل بعيني، الذي يعتبر بحقّ شاعر الغربة الطويلة. وقد أغنى المكتبة العربيّة بدواوين ومسرحيّات جمّة، تحفظ له الذّكر الحسن، والإسم المميّز مدى العمر.
   
لقد ولد شربل بعيني في العاشر من شهر شباط سنة 1951، في قرية مجدليا ـ لبنان الشّمالي. تربّى على يديّ والديه سركيس وبَتْرُونِلَّه بعيني تربيةً وطنيّة صادقة. كما تلقّى علومه الثّانويّة في مدينة طرابلس.
   
صدر له في لبنان ديوانان شعريّان هما: "مراهقة 1968" وقصائد مبعثرة عن لبنان والثّورة 1970"، ونشر العديد من القصائد والمقالات في الصّحف والمجلاّت اللبنانيّة.
   
هاجر إلى أستراليا في الحادي والعشرين من شهر كانون الأول 1971، ومنذ وصوله إلى أستراليا وهو يحاول أن يساهم في إيجاد نهضة أدبيّة مهجريّة.
   
إخترت لهذا الشّاعر ديوان "معزوفة حبّ"، وهو من الحجم الوسط، ويحتوي على 45 قصيدة. ومن خلال هذا الديوان سأحاول أن أنفذ إلى عالـم شربل بعيني الغني بالحب وبالنزعة الإنسانيّة إجمالاً:
... أوف منِّك أوف
يا مْواج جهلانِه
دمعاتها بتطوف
عَ صخور عطشانه
   في هذه الأبيات يصوّر شربل بعيني صورة حيّة للحرمان النّفسي، كي لا أقول الجسدي، الذي يعاني منه كل إنسان فارقه حبيبه... فالجهل ليس للأمواج، والعطش ليس للصخور، بل قُل إنها التورية المجازية لحالات إنسان قد يكون الشاعر بعينه:
... حاكيني لا تقسّي قلبِك
وحدي الْـ حامل راية حبِّك
وحدي الْـ عَم إكتُب أشعار
وإتقَلَّب عَ جمر النّار
وإتحفّى والشّوك بدربِك
   ألا يثبت هذا المقطع الشعري صحّة ما ذكرت سابِقاً، من أن الشاعر هو الذي يعاني من صدّ الحبيب وبعده المؤلـمين. فها هو يعلن أنّه "وحده"، لا شريك معه، يحمل راية حبّها، ويتقلّب على جمر النار:
بدّي حبّك مهما صار
غيرتهُن بتطفّي النّار
الْـ حرقت قلبي ليل نهار
وفكري الْـ عم بيناجيكي
   وهل أصعب من اعترافه بدوام حبّه لها، رغم صدّها الدائم له. بالطبع، إنه أصعب من احتراق قلبه وفكره معاً.. فيتمنّى سرقتها والعيش معها بسعادة:
يا ريت فيّي إسرقك يا ريت
وغمّض عيوني عَ السّعاده ونام
لكن " يا ريت " الْـ ما بتبني بيت
كيف بدها تحقّق الأحلام
   ولأنّ عبارة "يا ليت" لا تحقّق حلماً، ولا تعمّر بيتاً، على حدّ تعبير الفنـان الخالـد فريد الأطرش في إحدى أغانيه: "كلمة ياريت عمرها ما كانت تعمّر بيت"، نرى الشّاعر يلجأ إلى إحساسه المرهف، فينصب شاشة خياله، ويبدأ بتتبّع خطاها، ومعرفة كل شاردة وواردة عنها:
بحسّ فيكي.. وين ما كنتي
وبتلمع قبالي
عَ شاشة خيالي
حبّات لولو من الهوا صنتي
   ولكي لا تتعجّب من تصرفاته الصبيانيّة هذه، ومن مطاراداته الدائمة لها، نراه يضرب على وتر الأنثى فيها، ويسمعها كلاماً ولا أجمل:
إنتي الدني..
وشو مفكره يعني الدني
بحر وسما ونتفة تراب؟!!
لأْ.. لأْ..
ضحكة شفاف،
رفّة جفن ،
شويّة دلع.. هيدي الدّني.
    ورغم كل الجفـاء، ورغم كلّ الصـدّ، نرى عنفوان الرجل لا يموت في شـربل بعيني، إذ أنه يبرّر ابتعادها عنه، بسبب تدخّل أصحاب القلوب السوداء، ودسّهم الفتنة بينه وبينها:   
تَرْكوني.. تَركوني إرجف
ما التفتوا صوبي، ولا قالوا شي كلمِه بيضا.
عينيهُن جلدتني بسوط الغيره العميا
ضربتني تا مات السّوط.. 
وبيّن عضمي،
وعضمي بيخجل يظهر حالو.
   وهؤلاء الّذين جلدوه بسوط الغيرة العمياء، وضربوه حتّى الموت. ألا يهزأ بهم وبغيرتهم؟!.. ألا يتمرّد على سوطهم ويقتله من شدّة التّعب؟!.. إنّه الحبّ، يعطي القوّة والتحدي لكلّ من يمتلكه، فكم بالحري إذا كان شاعراً.
   بعد أن سرّحت نظري في ديوان الشاعر بعيني، وشنّفت أذنيَّ من معزوفة حبّه، لا يسعني إلاّ أن أشكره على هذا الديوان الجميل، الذي صوّر الحبّ بحلاوته وروعته، بآلامه وآهاته.. فالشاعر يعطي الدواء الناجع لأولئك المرضى بالحبّ، بادئاً بنفسه التي لا تتسّع إلاّ للحبّ، ولا مكان للحقد فيها.
   أسلوبه واضح وضوح المشكلة، لا يعتمد على المعنى المبطّن إلا في حالات نادرة، وفيما عدا ذلك، نراه يتوجّه مباشرة من القلب إلى القلب.
   الشّيء الوحيد الّذي أتمنّاه على شاعر الغربة الطويلة، هو أن يلجأ إلى استعمال اللغة الفصحى في كلّ ما يكتبه من الآن وصاعداً، آخذاً في الإعتبار نسبة المتعلمين والمثقّفين في جاليتنا العربيّة، حيث لـم يعد هنالك اعتقاد بان معظم الجالية من الأمييّن الذين يرغبون في سماع اللغة العاميّة المحصورة في عداد اللبنانيين فقط، دون سواهم من أبناء الجالية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع :
ـ بعيني، شربل ـ معزوفة حب، الطبعة الأولى، دار عصام حداد 1989.
ـ وهبه، ألبير ـ مقدّمة ديوان مجانين لشربل بعيني، ط3  1993.
ـ بو ملحم، جوزاف ـ مقدّمة معزوفة حبّ.
**

شربل بعيني وتغيير الكون
بقلم ميشال شرف

لمحة عن الشاعر:
   
ولد الشّاعر شربل بعيني عام 1951، في قرية مجدليّا الواقعة بالقرب من طرابلس الفيحاء، عاصمة شمال لبنان. وهي قرية ذات طبيعة خلاّبة وجمال أخّاذ.
   تأثّرت نشأة الشّاعر بأجواء تلك القرية الوادعة، وبعادات أهاليها الذين يحبّون الفرح والحفلات وحلقات الدّبكة، فتولّدت في داخله روح الشّاعر.
   غادر لبنان إلى أستراليا عام 1971، وهو في العشرين من عمره، فدخل عالماً مجهولاً بعيداً نائياً، وذاق عذاب الغربـة، ولكنّـه بقيَ ابن وطنـه، فأعطى لبنان عصارة فكره، وأوصى في ديوانه "مجانين" بنقل جثمانه إلى تراب ذلك الوطن الجميل:
عارف أنا.. عم إكتب بشعري
نهايتي.. ونهايتي استشهاد
وعم إسرق الإيّام من عمري
وإيّام عمري كلّها أمجاد
ما همّني لو يطعنوا صدري
وما همّني لو صار جسمي رماد
الْـ بيهمّني.. ما ينفتح قبري
إلاّ بْبِلادي.. وينكتب فوقو:
"مات تا يفدي شعب وبلاد"
   وشربل شاعر مؤمن باللـه، يحبّ أخاه الإنسان، ويصبو دائماً إلى تغيير الكون وإنقاذه من الضّياع، فجعلته التّجـارب والظـروف الصّعبـة التـي مرّت عليه شاعراً حكيماً متّزناً... وخيـر دليـل على صحّـة ما أقـول قصيـدتـه "حابب غيّر هالكون ومش قادر"، الّتي اختـرتـها مـن ديـوان "معزوفة حبّ".

القصيدة:

يا حلوة العينين المزروعه بالنّار،
إيديكي كتبوني عَ حجار الليل ومحيوني.
نظراتِك رميوني بإشيا مش مقشوعه 
وفيها لذِّه.
حكيُولي عنّك النّاس،
والنّاس بيحكوا عن حالُن.
قالولي إنّك قمحه ما بتفرِّخ..
قالولي إنّك تلجه مرميّه بِقفوة جبل،
ورده.. والنحل بيهرب منّك ، قالولي.

دربِك مهما مشيت عليها مش رح أوصَل.
إجريي تعبوا من نصّ الدّرب،
والبيت الـ عَ كتف الغيمِه بعدو معلّق،
لا الرّيح بتقرب منّو،
ولا النّسر العالي بالجوّ.
إنتِ الطفله المولودِه عَ إيديي
إنتِ الرّعشِه الـ عم بتنام بكلّ عروقي
شفافي مشتاقه للحمرا الطّازه .

إيامي ـ والوقت هارب ـ
أشعاري ـ والفكر ضايع ـ
ركعوا وصلّولِك،
وضويُولِك شمعه منسيّه بزوايا البغض.
وليش البغض؟!!
وين مارحت، ووين ما مشيت، بشوف البغض:
متل المارد،
متل الحاكم الظّالِـم،
متل الجلاّد اللي بتسجدلو رقاب الكل..
العالـم جنّوا، العالـم كفروا،
أللـه صفّى بعيونُن حلم مزعج..
أللـه.. أللـه.. وينَكْ؟
وين صواعق اللمع الناريِّه،
تشق الليل، وتبني أْساس نْهار جديد،
تضرب، تشقع روس معبّايِه بالحقد الأسود،
وما بتستاهل إنْها تعيش؟!

عَفوِك،
عفو عيونِك اللوزيّه،
كان الأفضل إنّي إسكت،
كان الأفضل إنّي عضّ عَ الجرح وإسكُت.
لكن جرحي متل الناس،
ان ما حكيت ، بيحكي هُو.
ان ما شكيت بيشكي هُو.
شي عجيب..
الواحد الما بدّو يموت،
صار عم يطلب من ربّو تا يموت.
الآخره هَوْن..
والبدايه كانت صعبِه.
الأصحاب فلّوا،
وهجروا القلوب الـ كانوا فيها..
الغايه بهالعصر بتبرّر الواسطه..
والواسطه بتهدم بيوت النّاس الـ ما عندُن غايِه.
نيّال قلبِك شو صافي،
متل البحر البكر،
الـ ما شقّت عْبابُو بْواخر.. شْخاتير.
الـ ما رِميُوا فيه الصيّادين شْباكُن،
واللي حافظ عَ سمكاتو،
متل ما حافظتِ عَ طهارتِك،
بعصر كلّو حقد وضغينِه.

يا حلوِه، 
حابِب غيِّر هالكون، ومش قادِر.
حابب إزرع ناس وأقطف ناس، ومش قادر.
إنسان..
وعجزي أكبر من حالي.

.. وبيكفيني إنّي كون
طير معشعش بقرميدِك
حتّى حبّك كلّ الحبّ 
الهربان من دعسات الحقد الأسود.

شرح القصيدة :
   
في قصيدته الرائعة هذه، يخاطب الشّاعر شربل بعيني حبيبته، ويعلمها عن رغبته في تغيير العالـم.. وكأنه يستغيث بها ، بغية مساعدته:
حابب غيّر هالكون، ومش قادر
حابب إزرع ناس، وأقطف ناس، ومش قادر
إنسان.. 
وعجزي أكبر من حالي.
   لذلك، نراه يخاطبها بحلوة العينين، التي كتبت إسمه على أحجار الليل، ثمّ محته كي لا يعرف به أحد:
إيديكي كتبوني عَ حجار الليل ومحيوني..
   وفجأة، يبدأ النّاس بنقل الأخبـار والروايـات وزرع الفتنة.. قالوا إن حبيبته "قمحة" لا تنبت سنابل ـ أي أولاد ـ... "ثلجـة" تعانـي البـرود الجنسي... "وردة" لا يقربها النحل... لكنه لـم يصدّقهم، إذ أنهم كانوا، من خلال تلك الأقاويل، يعبّرون عن واقع حالهم:
حكيولي عنّك النّاس،
والنّاس بيحكوا عن حالُن..
قالولي إنّك قمحه ما بتفرّخ..
قالولي إنك تلجه مرميّه بقفوة جبل..
ورده، والنحل بيهرب منّك، قالولي.
   ويمضي شربل مخاطباً إيّاها: دربك، يا حلوتي بعيد بعيد، وقد تعبت من المسير إليكِ.. فساعديني أيتها الطفلة المولودة علي يديّ، شفتاي مشتاقتان لحمرتِك الطازجة:
دربِك مهما مشيت عليها مُش رح أوصل..
إجريي تعبوا من نصّ الدّرب،
والبيت الـ عَ كتف الغيمِه بعدو معلّق،
لا الريح بتقرب منّو،
ولا النّسر العالي بالجوّ..
إنتِ الطفلِه المولودِه عَ إيديي
إنتِ الرّعشِه الـ عم بتنام بكلّ عروقي
شفافي مشتاقَه للحمرا الطّازَه.
    وبعـد كـلّ هذا التودّد، يبدأ شربل بعيني بتفجير شكواه، فيخبرها عن وقته الهارب منه.. عن أشعاره العاجزة عن التعبير، وكيف أن البغض يسمّم الأجواء المحيطة به:
وين ما رحت، ووين ما مشيت، بشوف البغض:
متل المارد، 
متل الحاكم الظالـم،
متل الجلاّد اللي بتسجدلوا رقاب الكلّ..
   أمّا لماذا أصبح البغض مارداً عملاقاً، وحاكماً ظالماً يحكم الكون بحد السيف وقوة السلاح والإرهاب؟!.. لأن اللـه أضحى في عيون الناس حلماً مزعجاً:
العالـم جنّوا، العالـم كفروا،
أللـه صفّى بعيونُن حلم مزعج..
   ويتوقّـف شربل بعيني هنيهة من الزمن، ثم يأخذ بمناجاة ربّه قائلاً: أين أنت يا إلهي؟.. أين الصواعق النّارية؟.. تشقّ الليل البشري، تبني نهاراً جديداً، وتضرب رؤوس أناس لا يستأهلون نعمة العيش:
أللـه.. أللـه.. وينَك؟
وين صواعق اللمع النّاريّه،
تشقّ الليل، وتبني أْساس نهار جديد،
تضرب، تشقع روس معبّايِه بالحقد الأسود،
وما بتستاهل إِنْهَا تْعيش.
   وإدراكاً منه لجرأة طلبه وعظمته، نراه يطلب العفو من عينيّ حوريته، فقد كان من الأفضل له أن يصمت، وان يعض على الجرح مكابراً.. حتّى وإن فعل ذلك، نراه يحوّل جرحه بشراً سويّاً يأبى السّكوت: 
عفوِك،
عفو عيونك اللوزيّه،
كان الأفضل إنّي إسكت.
كان الأفضل إنّي عضّ عَ الجرح وإسكُت.
لكن جرحي متل النّاس،
ان ما حكيت بيحكي هُو.
ان ما شكيت بيشكي هُو.
   عجباً لحال الدنيا، يقول شربل، حتّى الإنسان الّذي ما طلب الموت يوماً صار يطلبه: 
شي عجيب..
الواحد الـ ما بدّو يموت
صار عم يطلب من ربّو تا يموت.
الآخره هون،
والبدايه كانت صعبه.
   الآخرة هنا ـ من يدري؟! ولكنّ البداية كانت صعبة.. فكل الأصحاب، وشربل هنا لا يستثني أحداً منهم، هجروا القلوب التي حضنتهم وأحبتـهم في عصـر مادي بحت، الغاية فيه تبرر الوسيلة:
الأصحاب فلّوا
وهجروا القلوب الكانوا فيها..
الغايه بهالعصر بتبرر الواسطه..
والواسطه بتهدم بيوت النّاس الـ ما عندُن غايه!!
   ولأن صفاء القلوب أصبح نادراً، نراه يحسد حبيبته على صفاء قلبها ، فيشبهه ـ وهنا يلعب مرّة ثانيةً لعبة أنسنة الأشياء ـ ببحر بكرٍ لـم تشق السفن عباب، بل ظلّ محافظاً على ثرواته الأخلاقيّة، رغم شباك الصيادين، الذين يحاولون الصيد فيه والنيل منه:
نيّال قلبِك شو صافي
متل البحر البكر،
الـ ما شقّت عبابو بواخر، شخاتير
الـ ما رميوا فيه الصيّادين شباكُن
واللي حافظ عَ سمكاتو
متل ما حافظتِ عَ طهارتك
بعصر كلّو حقد وضغينه .
   وهنا، يبدأ شاعرنا بالإفصاح عن رغبته في تغيير هذا الكون، ولكن أنّى له ذلك، فهو، أولاً وأخيراً، إنسان من طين.. عجزه أكبر من حاله. ولكي لا ييأس، نراه يعزّي نفسه بنفسه، مدعياً أنّ ما يكفيه هو أن يبقى عصفوراً صغيراً معششاً في قرميد بيتها، حتّى يحبّها كلّ الحـب الهارب من دعسات الحقد الأسود.
   تعكس هذه القصيدة، في كثير من أبياتها، أسلوباً سلساً عذباً، يعبّر عن البيئة الطيّبة التي نشأ فيها الشّاعر.. تارةً يستخدم صوراً مسلوخة من ريف قريته: (قالولي إنك قمحه.. تلجه..  قفوة جبل.. ورده.. النحل بيهرب منك.. البيت الـ ع كتف الغيمه.. طير معشش بقرميدك).. وتارة أخـرى يفجّر براكين غضبه صوراً ثائـرةً يحـاول من خلالها توعيـة الإنسان، وبناء مجتمع أفضل: (العالـم جنّوا، العالـم كفروا.. أللـه صفّى بعيونُن حلم مزعج.. وين صواعق اللمع الناريه.. تضرب، تشقع روس معبّايه بالحقد الأسود).
   وبعد هذا كلّه، هل يتمكّن شربل بعيني بقصيدة أو بأكثر من تغيير هذا الكون؟.. أللـه أعلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع :
ـ بعيني، شربل ـ معزوفة حبّ، الطبعة الأولى، دار عصام حداد 1989.
ـ الأيوبي، عصمت ـ كلمة غلاف معزوفة حب.
ـ طبّاع، مي ـ شربل بعيني قصيدة غنّتها القصائد، دار عصام حداد ـ لبنان 1994
ـ بعيني، شربل ـ مجانين، الطبعة الثالثة 1993.
**

محمد وشربل جمعتهما الغربة
بقلم سناء زريقة

   بعد قراءة مفصَّلةٍ لكتـاب "يوم محمد زهير الباشا" القيّم، استوقفتني عدّة محطّاتٍ أدبيّة، منها خطابيّة ومنها شعريّة، ورأيت نفسي مجبرة على الخوض في تحديد أهداف القصائد والمقالات التي ألقيت في المناسبة.
   
المهم ليس الهويّة أو الضيعة اللتين كتبت فيهما القصائد والمقالات، بل الأهم بنظري أهداف تلك الكلمات، والمعاني القيّمة والصور الشعريّة التي برزت فيها ومن خلالها في آن واحد.. والتي تحدّثت عن العلاقة التوافقيّة في نظرة كل من محمد زهير الباشا الأديب السوري، المدفون حيّاً في غربة اسمها أميركا، وشربل بعينـي الشّاعر اللبناني، المشلوح، منذ ربع قرن، على أرصفة غربة إسمها أستراليا. 
  
من حيث المبدأ، نرى آثار طعنات خناجر الغربة واوجاعها، واضحة الملامح في حنين وشعور كلّ من الأديبين السّوري واللبناني، ونرى أن الكلمات والقصائد التي ألقيت في ذلك اليوم العظيم، قد سلّطت الأضواء على تلك الطعنات الإغترابية، وحاولت زرعها في أجسامنا، بغية التفاعل معها، والعيش في كلومها وأحاسيسها.
   
فكم للغربة من أسلحة مدمّرة تستخدمها ضدّ كلّ مَن هجِّر من بلاده، لأنّه، ومن منظارٍ شخصيّ لا وجود لكلمة مهاجر في قاموسنا الإغترابي العربي بل مهجَّر.
  
فالأديبان الباشا وبعيني، كلاهما يعانيان الغربة، ويغوصان في خضمّات البحار العميقة، من أجل البحث عن درر المحبّة الأنيقة.. كلاهما يبحثان عن إلهٍ عادل يلتجئان إليه، عن تواضع فـي النفس، عن استقامة في السيرة، عن تسامح في العيش، واتحاد كلّ الأشياء المثالية في مكان "ما فيه للـه أثر" على حدّ تعبير شاعرنا عصمت الأيّوبي، الذي وضع الغربة في صورتها الحقيقيّة حين قال:
.. فكلاكما الملاّح يبحث عن إله في مكان
ما فيه للـه أثر
إلاّ تلاشى واندثر
لا تيأسا فاللـه ينتظر التحرر والخلاص
قد ضاق ذرعاً بالبشر
واستاء من ظلم البشر
ومن حماقات البشر
حتّى بنفسه قد كفر
والبعض قال قد انتحر
   فيا لها من درر تصوّر الواقع بكل صدق ومحبّة، تصوّر الواقع الذي جمع بين بحّار من سيدني وبحّار من أميركا، والإثنان مُهجّران ينتميان، في الحقيقة، إلى أصل واحد ومنبع واحد.
   نعم، المصيبة تجمع حول جرحها كلّ مَن تعذّب وسالت دموعه ومشى طريق الآلام.. إنها الغربة الّتي جمعت بين هؤلاء الأبطال القائلين في يوم الأدب المهجري، يوم محمّد وشربل:

ـ الياس أبي خطّار:
".. وحدها الكلمة الصّادقـة الشّريفة تجمع ما فرّقته السّياسة.."

ـ كلارك بعيني:
Mhammad Zouher Elbasha.. blessed our libraries recently with his book.."

ـ أكرم برجس المغوّش:
"هذه ليست فئة النخبة المريضة، بل هي الإشعاعات الفكرية التي تغمر دروب الحياة، وتفتح آفاق التطور والرقي والمد الحضاري.. مه هذه الإشعاعات الفكرية المميزة نجتمع في يوم الأديب الاستاذ محمد زهير الباشا".

ـ أنطونيوس بو رزق:
"... ونستشف أن هنـاك انسجاماً واضحاً، وتوافقاً شبه تام، بين أديبنا وشاعره، في الميول والأحلام والرؤيا، والنظرة إلى القضايا الوطنيّة والإجتماعية والإنسانيّة..".

ـ جميل الدويهي:
يوم خلعت له بردي، وقلت له:
يا ملعب الشّعر وسّع، زانك الشُّعَرا.
يوم يكذب من بالدهر يذكره 
فإنه الدهر، مجموعاً، ومختصرا
يمتد في رحم التّاريخ أوله
ويقطع اللحظة الصّماء منتصرا.

ـ جوزاف بو ملحم:
".. فقلت للشاعر شربل بعيني: يبدو لي أن الباشا يكتب عن ذاته ومأساته وإن كان يستشهد بأشعارك.." 

ـ راشد الحلاّب:
"يا لها من أمسية يلتقي بها محمّد وشربل.. نعم أيها الأخوة، نحن أبناء الشّرق علينا جميعاً أن نتعالى عن السلبيّات والإنقسامات..".

ـ زين الحسن:
يا يقظة البحّار يا ملاّح راد 
يبحر ورا المجهول يبحث عن إله
في كون غارق بالظّلم والإضطهاد
أبعد من حدود الأنا وأطول مداه

ـ عصمت الأيّوبي:
أنتم هنا لبنان في المنفى ودنيا الإغتراب
كونوا جميعاً للوطن
كونوا على طول الزّمن
أو تدفعوا ثـمن التمزّق بينكم أغلى ثـمن

ـ عصام ملكي:
باشا وبعيني متل نار على علم
مجدُن ضوي عَ كلّ صفحه معتمي
ومجد لْـ مجدليا بأرباب القلم
الْـ فيهم حروف الأبجديّه مغرمي

ـ فؤاد نعمان الخوري:
.. ومين قال: بيروحو الغجر؟.. مين قال؟
.. وشاعر نسي تاريخ ميلادو
لا سهول حفظت دعستو، ولا جبال،
جوّّال، مطرح ما الحلم قادو..

ـ كامل المر:
.. إن الإغتراب قد يكون اغتراباً عن الوطن، وقد يكون اغتراباً في الوطن. وزهير قبل أن يعاني من اغترابه عن الوطن، عانى من اغترابه في الوطن..".

ـ نعيم خوري:
إني اخالك في الدنيا أخا سفرٍ
جناحك النّار، والطّوفان يصطخبُ
وفي سطوعك للأحرار ملحمة
على مداها استوت أمجادها الحقب
وفي جراحك أضواء مشرّعة
هل يسمع الشّرق، أم هل يبصر العربُ؟

ـ فؤاد نمّور:
"أشكركم يا من هربتم من جحيم الوطن إلى جحيم الغربة، أشكركم يا من رفضتم أن تحرق أغصان الياسمين عن حفافي دروبكم".

... أجل، لقد اجتمع هؤلاء المغتربون الأبطال ليكرّموا رفيق دربهم الأستاذ محمد زهير الباشا، الذي كرّم بدوره كلَّ واحد منهم عبر دراسته عن "شربل بعيني  ملاّح يبحث عن الـله"، فكانت كلماتهم وقصائدهم التي ألقيت في المناسبة، تدعـو للإتـحاد ولنبذ الأحقاد والضغائن والفتـن.. كانت كلّها، من ألفها إلى يائها، تدعو للمحبّة والتسامح، وتطعّم أحاسيسنا بالشّيم العالية في دنيا الإغتراب، لنتمكّن من تحدّي المآسي وتخطّي الصعاب.
   
لذلك، فإنني أدعو جميع الناطقين باللغة العربيّة إلى قراءة هذا الكتاب القيّم، ودراسة كل كلمة فيه دراسة واعية، لأن "يوم محمّد زهير الباشا" بنظري، مزيج من نتاج أناس طيّبين، جمعتهم المحبّة على بيـادرها، كما قـال جبران، فأصبحت كلماتهم عبارة عن باقة أزهار مختلفة الأنواع والألـوان، لكـل زهرة عطـرها ولونـها الخاصّان بها.. ولباقة الزهر مجتمعة لونها المميز، وعطرها المميز، وهذا ما يسمى بالتقييم الحقيقي والبلوغ السّامي.
   
مني ألف تقدير ومحبّة، لكلّ من اشترك في هذا اليوم التاريخي، يوم محمّد زهير الباشا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع :
ـ كتاب "يوم محمّد زهير الباشا"، سيدني 1989.
**