شربل بعيني رائد من رواد الشعر المهجري

**
مقدمة بقلم شربل بعيني
   تعرّفت بالشاعر والاعلامي الاستاذ أنطونيوس بو رزق عن طريق ابن خالته صديقى الأوفى جوزاف بو ملحم، الناشر لجريدة "صدى لبنان"، وكان أنطونيوس يساعده في التحرير، وينشر بعض قصائده الحديثة، فهمست بأذن جوزاف:
ـ أسلوب ابن خالتك الأدبي رائع، ولغته العربية سليمة ومتينةً وعالية.
   ومع الأيام بدأت اكتشف أن "بو رزق" أكثر من شاعر، فلقد أظهر مواهبه الأدبية الكثيرة في وقت قصير جداً، فبزغ نجمه في حقل النقد الأدبي، كناقد قلّ نظيره، وأشرقت شمسه في الاعلام المهجري بتقارير أكاديمية لا يحصى عددها، أما عن مقابلاته الصحفية الرائعة فلقد كان أشهرها اللقاء الذي أجراه مع الشاعر الخالد نزار قبّاني. وها أنا أنقل حادثة اللقاء التي رواها المهندس الراحل رفيق غنّوم في كتابه "أجمل ما قيل بأدب شربل بعيني"، لتدركوا مقدرة "أنطونيوس" الصحفية. يقول رفيق:
“وإن أنسى لا أنسى تلك المكالمة الهاتفيّة التاريخيّة التي دارت بينه وبين شاعر العرب الأكبر المرحوم نزار قبّاني، والتي دامت أكثر من ساعة بين سيدني ولندن. فلقد أخبره، رحمه اللـه، أنه يرفض استلام جائزة جبران التي منحته إياها رابطة إحياء التراث العربي عام (1993)، لأنها أعطيت في نفس الوقت للشاعر العراقي الكبير محمد مهدي الجواهري. وبدلاً من أن يستسلم شربل بعيني لإصرار نزار على الرفض ويقفل الخطّ، خوفاً من دفع فاتورة الهاتف المكلفة جداً، راح يكلّم صديقه بهدوء ومحبّة، ويخبره بأن هناك مفاجأة مخبّأة له خلال الاحتفال، لن يخبره عنها كي لا يفشي السرّ. وهكذا دواليك، إلى أن تمكّن من إقناعه بإرسال خطاب يلقى في الاحتفال، شرط أن يقرأه شربل نيابة عنه، حسب رغبة نزار. وكان الأستاذ أنطونيوس بو رزق حاضراً، يومئذ، في منزل الشاعر بعيني، وقد استمع معي إلى تلك المكالمة النادرة.
   وعندما انتهى شربل من مكالمته مع فقيدنا الغالي نزار قبّاني، ارتمى على الكنبة وراح يمسح عرقه ويتنهّد ويقول:
ـ الحمد للـه مرّت على خير.
فسألته بعد أن التقط أنفاسه:
ـ وما هي المفاجأة التي تعدّها لنزار؟.
فتطلّع بي طويلا،ً والهم يجتاح تقاطيع وجهه، وتمتم:
ـ لست أدري.
فما كان من الصديق أنطونيوس بو رزق إلاّ أن قال:
ـ يجب أن تتصرّفوا قبل فوات الأوان..
فالتفت إليه شربل وقال:
ـ إذا أردت مساعدتنا، يا طوني، حضّر أسئلة عرمرميّة كي نرسلها لنزار، وبذلك نضرب عصفورين بحجر واحد. أولاً، تكون أنت أول صحفي مهجري في أستراليا، يجري لقاء مع نزار. وثانياً، نشعره بأهميّة الجائزة، وبأن الإعلام المهجري يهتمّ بها كثيراً.
   وكان أنطونيوس بو رزق، في ذلك الوقت، مدير تحرير جريدة العالـم العربي، التي نشرت اللقاء القنبلة في صدر صفحاتها. وقد أعجب نزار بمستوانا الإعلامي في المهجر، وأثنى عليه، وعلى أنطونيوس بو رزق، أكثر من مرّة".
    فمن هو أنطونيوس بو رزق؟
    ولد في قرية صخرة - مزيارة، قضاء زغرتا لبنان الشمالي عام 1958، تلقى دروسه الابتدائية والتكميلية والثانوية (قسم العلوم الاختبارية) في المدارس الرسمية في زغرتا وتابع التخصص الجامعي في الجامعة اللبنانية، قسم الكيمياء في القبة- طرابلس، ثم انتقل الى الجامعة اللبنانية في الحدث - الشويفات، بسبب عدم توفر كل المقررات الدراسية للسنة الجامعية الثانية في هذا الفرع كما وعدته ادارة الجامعة، ولكن بسبب الظروف الأمنية والمادية لم يتمكن من اكمال هذا التخصص لأنه يلزمه حضور جامعي بدوام كامل.
   ترك الكيمياء  وانتقل الى الادب العربي في الجامعة اللبنانية في القبة وحصل على اجازة ومن ثم ماجستير في اللغة العربية وآدابها.
   هاجر الى استراليا عام 1988 وعمل في صحيفة "صدى لبنان" التي يملكها ابن خالته الصحافي المعروف جوزاف بو ملحم.
   وبعد توقف الصحيفة عن الصدور استلم ادارة تحرير جريدة "البيرق" من عام 1991 حتى عام 1993، لينتقل بعدها لاستلام ادارة جريدة "العالم العربي" التي اسسها، في العام نفسه، (اي 1993) السيد ثروت عبد المجيد وتولى رئاسة تحريرها السيد احمد سوكارنو.
   بعد توقف العالم العربي عن الصدور عام 1995 عمل في مجلة "الفراشة" التي اشتراها الزميل احمد سوكارنو لحوالى عام ليعود بعدها ويتولى مجددا ادارة تحرير جريدة "البيرق" من عام 1996 الى عام 2001.
   بعد ذلك انتقل ليتولى ادارة تحرير جريدة "المستقبل" التي أصدرها الزميل جوزيف خوري  من ايلول 2001 حتى 30 آذار 2009.. وفي العام نفسه انتقلت له ملكية جريدة "الميدل ايست هيرالد" التي اسسها التيار الوطني الحر عام 1996 وتوقفت عن الصدور عام 2005،  وأعاد اصدارها في الاول من تشرين الاول عام 2009 حيث ما زال يتولى رئاسة تحريرها حتى اليوم.
   ومع الأيام توطدت صداقتي بابن "صخرة"، وأصبحت أقرب الى العائلية منها الى الصداقة العابرة.
   وعندما رزقه الله بالتوأم جورج وإيلي عام 2001، ألقيت في حفل عمادتهما هذه القصيدة:
طَفِّحْ يا بونا جِرْن الِعْمادِه
الطِّفْلَيْن بَدُّن يِغِطْسُوا زْيادِه
جُورجْ خالِقْ  بِالتّقَى مَجْبُولْ
مِتِلْ عَمُّو.. بْيِنْعَطَى شْهادِه
وْإِيلي.. عَ جِنْح الْمَوْهَبِه مَحْمُولْ
مِتِلْ بَيُّو.. الْـ شَرَّفْ بْلادي
مِتِل أُمُّو.. الْـ لَفظْها مَعْسُولْ
مْنِ كْفِرْحَبُو.. شُو طَبعْها هادي
كَتِّرْ يا بُونا الْمَيّ.. مُشْ مَعْقُولْ
بَدّنا مْنِ الْمَيْرُون زُوَّادِه
بِعْنا الْوَطَنْ لِلْغُولْ.. مَلاَّ غُولْ
فَارِشْ جِتَتْ هَـ النَّاسْ سجَّادِه
وِمْقَسَّم بْلادي بْعرْض وْطُولْ
وْعَمْ تِمْدَحُو جَوْقاتْ رِدَّادِي
مْن الطَّائِفِيِّه بالْنا مَشْغُولْ
وْعَمْ يِحْشِيَا نِيرانْ وِقَّادِه
حَطُّوا عْلَيْنا كمْ وَرْقِةْ بُولْ
وْسَفّرُونا.. وْمِشْيِت الْعادِه
نِحْنا بْغُرْبِه.. قُول شُو ما تْقُولْ
الدّولارْ فِيها بْيِنْعَبَدْ عَ طُولْ
وْنَكْرُوا الْمَسِيحْ السيِّد الْفادي
    وفي يوم "محمد زهير الباشا" الشهير عام 1989، الذي تكلّم عنه أنطونيوس في هذا الكتاب مطوّلاً، قدّمته بهذه الأبيات:
حْرُوفُو عَمْ بِتْبَلْسِمْ حِرْقْ
مِزْمِنْ.. فَوْق جْبِين الشَّرْقْ
وْأَشْعارُو مْرايِه سِحْرِيِّه
ياما عْلَيْها تْمَرَّى خَلْقْ
شُو رَحْ يِحْكِي بْهَالسَّهْرِيِّه
شُو بدّو يْقِلّلُو لِلْبَاشَا
الشَّاعر أنطونيوس بُو رزْقْ
   والآن، وبعد مرور أكثر من ربع قرن، على نشره أول مقال عنّي، جئت لأرد له وزناته الأدبية التي لم يدفنها في الأرض، بل أطلقها في الريح، لتعانق الشمس، وتصل الى كل مكان في العالم.
   صحيح أنني، ولظروف صعبة، لم أتمكن من نشر جميع مقالاته الرائعة عني، ولكن ما حفظته في هذا الكتاب قادر على أن يخبر التاريخ حكاية أديبين مرّا على صفحة غربتنا الأسترالية.
   ألف شكر يا صديقي العزيز أنطونيوس بو رزق، على كلماتك الخالدة أولاً، وعلى محبتك التي غمرتني بها طوال رحلتي مع القلم ثانياً، وثالثاً، ورابعاً.
**
سبق شعري لشربل بعيني
   أَشعراً ما كتب شربل في مناجاته علياً أم فلسفة؟
   أشعر فلسفي ما أبدعته ريشته أم فلسفة شعرية؟
   عشرون مزموراً أم عشرون شلالاً تصب كلها في نهر دافق، في ديوان شعري واحد نعني به "مناجاة علي".
   قديماً كان على من ينوي أن يخوض غمار الشعر أن يكون على إلمام بشيء من الفلسفة والتاريخ وسائر أصناف العلوم، فكان الشاعر يجهد نفسه جرياً وراء المعارف.. وللأسف، فالشعر اليوم بالنسبة لكثيرين يعتمد على الكم فقط دون أي اعتبار للنوع، وإذا استثنينا قلة من الشعراء، يمكننا القول، وبراحة ضمير، اننا فقراء بالشعراء وأغنياء بأدعياء الشعر.
   إنها مغامرة شعرية لشاعر، ما زال في أربعينات سنيّه، تكشّفت أمامه مجالات الرؤيا فبلغ مرحلة متطورة من الوعي الشعري.
   إنها مغامرة شعرية في شخصية رجل شكلت آراؤه في مختلف شؤون الحياة مفاهيم على شيء من الفلسفة، فكان على الشاعر أن "يفلسف" شعره، ويضمّنه شيئاً من النظريات الفلسفية بالنسبة للخالق والانسان والموجودات.
   ويمكننا القول ان اللاهوتية الشعرية في "ألله ونقطة زيت" قبلاً و"مناجاة علي" اليوم، رفعت شربل بعيني إلى مصاف الشعراء الكبار، في هذا الجانب من الكتابة، حيث تخطّى المفهوم الشعري السائد لدى العديد من الشعراء في المواضيع والمضامين والافكار، في وقت أصاب العجز فئة كبيرة من "كتّاب الشعر" فأعياها عن الابداع والتجديد، وأسقطها في هوّة الاجترار والتقليد.
   ولسنا هنا بصدد دراسة ديوان شاعر الغربة الطويلة "مناجاة علي" الذي اختصرت مزاميره العشرون مجلدات حول سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، كرّم الله وجهه، وتصرفاته وأعماله وأقواله، إذ من المتعذّر، بل المستحيل، الاحاطة بكل ذلك في صفحة أو صفحات نظراً لما ينطوي عليه من التألّق الشاعري مبنى ومعنى.
   وعلى العموم، يبقى "مناجاة علي" سبقاً شعرياً، ويبقى الشاعر شربل بعيني رائداً من روّاد الشعر المهجري، ونبقى نحن عطاشاً أبداً لمزيد من الابداعات.
**
كتاب الشهر في "صوت الشاعر" في لبنان: رباعيات الشاعر شربل بعيني
   مرة جديدة يؤكد الشعر الاغترابي أو المهجري حضوره على الساحة الأدبية، ليس فقط في بلاد الاغتراب، بل أيضاً في الوطن الأم. ويظهر للملأ انبعاث نهضة أدبية تستحق الالتفات والاهتمام.
   ومن هؤلاء الشعراء الذين تخطّى نتاجهم هذا المغترب، ليصل الى الوطن الأم، الشاعر شربل بعيني، الذي أفردت له مجلة "صوت الشاعر" الصادرة في لبنان صفحة حول ديوان "رباعيات" الذي مضى على إصداره أكثر من عشر سنوات.
   و"صوت الشاعر" الشهرية الاصدار، هي مجلة تهتم بالشعر الشعبي اللبناني، الذي هو خلاصة حضارة لبنانية. وقد حمل غلاف عددها الأخير العناوين التالية:
ـ جوقة القلعة في نهر الكلب.
ـ حنينة ضاهر تكتب عودة الى الجذور.
ـ كتاب الشهر: رباعيات شربل بعيني.
   ومن منطلق اهتمامنا بالأدب المهجري وأدبائه وشعرائه، لأن في ذلك اعلاء لشأننا، نورد ما جاء في هذه المجلة، شاكرين أصحابها، والقيمين عليها على لفتتهم الكريمة هذه:
كتاب "رباعيات" للشاعر شربل بعيني:
على أوراقه وجع الغربة وفرح القلب
   مثله مثل الكثيرين الذين غادروا لبنان إلى بلاد الإغتراب سعياً وراء لقمة العيش، حاملين معهم آمال محطّمة ووجع الغربة، ولكن..
   هكذا الشاعر شربل بعيني غادر بلاده إلى أستراليا، وحلّ هناك ضمن الجالية اللبنانية العريقة، التي حملت معها من لبنان، كل لبنان، التقاليد، العادات، الأعياد، حتى أسماء الشوارع والقرى. 
   والشاعر شربل بعيني اغترب وحمل معه، إضافة إلى ما ذكرت، الشعر الشعبي اللبناني، وهو الذي له في هذا الميدان الشعري الباع الطويل، والذي ساهم بقوة في تحريك عجلة الشعر الشعبي في أستراليا، ربما أكثر من غيره، فهو الشاعر الذي له أكثر من عشرة دواوين بالشعر الشعبي اللبناني.
   ومن بين كتبه العشرة، اخترنا اليوم كتاب رباعيات، 126 صفحة، حجم عادي، مزدان برسوم للفنّان المهجري ميشال رزق.
   يقول الأستاذ موريس عبيد في تقديم رباعيات: "فشربل بعيني هذا الشاعر الإنسان، الغزير العطاء، المرهف الحسّ، شاءه اللـه أن يكون المترجم الأدبي، والناقل الصادق، روعة كونه الصغير إلى المجتمع الذي ترعرع وعاش في صميمه". خاتماً بقوله: "رباعيّاته تمتاز بالجرأة، وتتناول جوانب الحياة بعنفوان وكبر".
كِرْمال عَيْنِك بَسّ يا بْلادي
زْرَعت بِالغُربِه شِعْر وِزْهورْ
وْضِلَّيت طول الوَقْت عَمْ نادي:
يْدُوم عِزِّكْ.. وِالقَلْب مَقْهورْ
   بهذا المقطع يبدأ شربل بعيني رباعيّاته، التي كتبها وهو بعيد عن وطنه لبنان، والتي تبيّن لنا التصاقه بوطنه، وتعلّقه بأرضه الطيّبة، حيث تقرأ له في مكان آخر:
عْلَوَّاهْ لَوْ فِيِّي يَا ضَيْعِتْنَا
رَكِّبْ جْنَاحْ.. وْطِيرْ بِالْعَالِي
تَا غِطّ غَطَّه عَ سْطَيْحِتْنَا
وْزُورْ كَرْمِي الْـ زَارْعُو دْوَالِي
   وبلحظة من لحظات الرجوع إلى الذات، يتذكّر الشاعر شربل بعيني يوم انسلخ عن أرضه الطيّبة مختاراً الغربة ليقول وهو يسمع، ويعاني مما وصل إليه الشعب اللبناني متسائلاً:
لَيْش صِرْنا بْهَالدِّنِي مْسَبِّه
وِتْشَرْشَحِتْ بِالْكَوْن قِيمِتْنَا؟
وْلَيْش انْسَلَخْنَا عَنْ أَرْض خِصْبِه
وْجِينَا انْزَرَعْنَا بْأَرْض غُرْبِتنا؟
   رباعيات شربل بعيني غنيّة بالصور الشعريّة، فهذا الشاعر تدرّج برباعيّاته من الوطنيّات، إلى الوجدانيّات، إلى الحب، الذي أعطاه القسم الوافر من رباعياته، فبعد أن نراه شاعراً متمرّداً بـ:
تَا نْكُونْ أَقْوَى مْنِ الرِّيَاح الْعَاتْيِه
الْـ حَصْدِتْ سَنَابِلْنَا اللِّي بَعْدَا خُضْرْ
لازِمْ نْقَاوِم هَـ العادات الْبَالْيِه
وْعَ كِلّ مَفْرَق دَرْبْ نِزْرَعْ شِعْرْ
   نعود ونراه مستعطفاً حبيبته عدم الرحيل، وهو الشاعر الأعزب الباقي إلى الآن:
إنتي الطُّهْر إِنْتي.. يَا شَمْعَه بْدَيْرْ
يَا زَنْبَقَه الْـ غَار الزَّهر مِنِّكْ
طَلّتِكْ كَانِت سَعادِه وْخَيْرْ
لا تِرْحَلِي.. مَا لِي غِنَى عَنِّكْ
   وبعد.. شربل بعيني، الشاعر المغترب، صاحب العشرة دواوين شعر، جال بكتابه رباعيّات على مجموعة مواضيع متعدّدة، سكبها بقالب شعري مميّز، وكأنّي بهذا الشاعر الملهم، أراد برباعياته أن يفرغ ما في جعبته من مواضيع في كتاب واحد، باحثاً بالإنسان، الأرض، الطبيعة، الإغتراب، الحب.
   ونقلب الصفحة الأخيرة من كتاب رباعيّات، فنقرأ للأديب جوزاف بو ملحم، يختم هذه الرباعيّات، ويقول معرفاً عن الشاعر: (عندما يقال شربل بعيني في أستراليا، يعرف الجميع أن الشعر هو بيت القصيد. فشربل والشعر توأمان في هذه البلاد، حتى أصبح تجنيّاً ذكر أحدهما دون الآخر.
   خسة عشر عاماً في المهجر، وعشرة دواوين شعر، وكتابان مدرسيّان، وسيرة حياة. هذا هو شربل بعيني، وكفى).
روبير خوري ـ صوت الشاعر، لبنان 1992
البيرق، العدد 593، 29/12/1992
**
كلارك بعيني دعم للحرف والكلمة
   أن تشعر بمعرفة نحو إنسان وأنت لم تره قط..
   أن تحس بصداقة تربطكما ولم يجمعك به موعد ولا صدفة. حقاً انه لأمر يدعو للعجب والغرابة.
   غير أن هذه الغرابة، وذاك العجب، لا يلبثان أن يدخلا في دائرة المألوف، خاصة متى كان الشخصان يحلقان بأجنحة متشابهة في سماء واحدة، ألا وهي أجنحة الحرف والكلمة في سماء الأدب والشعر.
   نعم، هذا ما حصل لي والأديب كلارك بعيني، فأدركت أن تعارف الفكر والروح أقوى وأثبت من تعارف الحواس والمادة، وان صداقة البصيرة أرسخ وأمتن من تلك التي يقيمها البصر.
   من هنا سر صداقة قارىء ما مع أديب أو شاعر معيّن رغم البعد الزماني والمكاني الذي يفصل الواحد عن الآخر.
   بنون أربعة.. وعلى الأبواب خامس.. وشربل بعيني ما زال في مقتبل العمر.
   هذا هو حال سلسلة "شربل بعيني بأقلامهم" التي تعدها وتسهر على رعايتها مادياً ومعنوياً. جهد كبير، مثابرة، عمل ضخم، تضحية لا تقدر بثمن.. كل ذلك يغدو بالامر السهل واليسير أمام نبل الهدف وعظمته وفائدته.
   انني أستشف لديك شفافية الروح، وحب البذل والعطاء من خلال ارساء أساسات الكلمة واعلاء شأنها بهدف رفع مداميك البناء الادبي والشعري ليستطيع الوقوف بثبات أمام تحديّات المجتمع والمفاهيم التي خلقتها الحضارة السائدة والبعيدة كل البعد عن مفهومها الحقيقي.
   نعم، ما أحوجنا الى أمثالك في زمن انقلبت المقاييس وتغيّرت النظرة الى الأمور والاشياء، واتخذت القيم المجتمعية خطاً أبعد ما يكون عن الانسانية ومبادئها.
   ما أحوجنا الى أمثالك في زمن طغت فيه المادة وتعملقت فأمست لدى السواد الاعظم مقياساً لقيمة الفرد ومركزه واعتباره في المجموعة البشرية حيث يعيش.
   ما أحوجنا، بل ما أحوجه الحرف الى رسل امثالك يرفعون صروحه عالياً، فيرتفع معه الانسان الى حيث ينبغي، بل يجب أن يكون. فبالحرف الهادف الواعي والكلمة الخلاقة المبدعة يرتاح العالم في أحضان السلام، ويحلّق الانسان في فضاء الحب والبراءة والعفوية.
صدى لبنان، العدد 646، 16/5/1989
**
كلمات سريعة عن شربل بعيني: نتاج جديد للدكتور علي بزّي
    صدر كتاب جديد عن الشاعر شربل بعيني للدكتور علي بزي، بعنوان: كلمات سريعة عن شربل بعيني.
    وتضمن الكتاب، الذي هو من القطع الصغير ويقع في 120 صفحة، أسماء الشعراء والأدباء والمثقفين الذين كتبوا في الشاعر بعيني ونتاجه حسب الترتيب الألفبائي للإسم الأول، حيث لم يفلت من الكتابة سوى خمسة حروف هي: ث، ذ، ض، ظ، غ.
   ولا شك ان نتاجات الشاعر شربل بعيني ساهمت في إغناء المكتبة العربية المهجرية، وأتى هذا النتاج الجديد: كلمات سريعة عن شربل بعيني. للدكتور علي بزي، ليشكل حلقة جديدة في سلسلة النتاجات المهجرية، وقد جاءت مقدمة الكتاب للدكتور علي بزي كالتالي:
مقدمة الكتاب
   جمعتنا الغربة، ولم تفرّقنا الأيام.. 
   هذه هي حالي مع شربل بعيني الذي عرفته مذ وطأت قدماي أرض هذه البلاد المعطاءة: أستراليا.
   فلقد جمعنا حب الوطن، كما جمعتنا آلام الغربة والحنين إلى بلد تآمر عليه بنوه، فانفجر، وتناثرت شظايا قاطنيه إلى أقطار المعمورة بحثاً عن وطن بديل، ولكن حبّه بقي محفوراً على شغاف القلب ومن الصعب أن يمحى حتى الرمق الأخير.
   عرفت مجدليا من شربل، وعرف بنت جبيل من أبنائها، وأنا منهم، فإذا به يغنيها قائلاً:
بنت جبيل.. الأرض الخضرا
الخلقت بالعزّ وبالقدره
غنّيتلا غناني كتيره
تا داوي بالكلمه قهرا
يا جنوبي شي بوسه زغيره
شلحها فوق خدودا الحمرا
بحبا.. أوعا تفتح سيره
بعتلي مين يطفّي الجمره
   ذكرت هذا لأخبركم عن مدى الصداقة التي تربطني بابن مجدليا، عائلياً، واجتماعياً، وثقافياً، وعن مدى معرفتي بخفاياه الإنسانية والشعرية. فأنا معجب بوطنيته وإنسانيته أكثر من إعجابي بشعره. وما نفع الشعر إذا فرغ من الوطنية والانسانية؟
   قرأت معظم كتب شربل بعيني، التي تزيد على الخمسين مؤلفاً، واطلعت على مئات الكتب والمقالات والقصائد والتعليقات التي كتبت عنه في الصحف المهجرية والعربية والانترنت، ورحت أحتفظ بها بين أثمن ما أملك، إلى أن طرأت على بالي فكرة اختصار بعضها بعبارات سريعة أجمعها في كتاب، أطلقت عليه اسم: كلمات سريعة عن شربل بعيني.
   قلت: بعضها، لأنه من الصعب جداً، لا بل من المستحيل، جمع كل ما كتب عن شربل، ولو بكلمات سريعة، ضمن كتاب واحد، لذلك أعتذر من كل الكتّاب الأحبة الذين لم أتمكن من اختيار (كلمة سريعة) لهم ضمن هذا الكتاب، على أمل أن أتمكن من ذلك في إصدار آخر بإذن الله.
   وكما ترون، فلقد جمعت الكلمات وفق الأحرف الأبجدية التي يبدأ بها اسم الكاتب، فمثلاً تجدون اسم (علي بزي) تحت حرف (ع)، بغية تسهيل البحث عن أسماء من أحبوا أدب شربل بعيني.
   وصدقوني ان هدفي الأول والأخير من جمع هذه (الكلمات)، هو مطالبتي الشاعر للعودة إلى عرشه الشعري، إلى مملكة الكلمة، بعد احتجابه اللامقنع، خاصة وأنه لولب الحركة الأدبية المهجرية في أستراليا، وواضع حجر أساسها، ومطلقها الى العالمية، بعد أن ترجمت معظم أشعاره الى لغات متعددة كالانكليزية والفرنسية والاسبانية والاوردية والفارسية والسريانية وغيرها، وكأنّي به بعد أن أطلق على الشبكة العنكبوتية مجلة (الغربة) الشهيرة، ونشر كتبه إلكترونياً، وذاع صيته في العالم، أضحى الأدب المهجري الأسترالي تحصيل حاصل عنده، وهذا ما لا نرضاه أبداً.
   شربل بعيني ليس شاعراً فحسب، بل يجمع مزايا الشاعر والانسان، قلبه طفولي له مواقف الرجال، ينبض أخلاقاً ووفاء، بعيد عن العصبية والتعصّب، بحر من العطاء والحب، صديق وفي كلما عزّت الاصدقاء. إنه الملك الأبيض، كما أسماه الأديب التونسي كمال العيادي في كتابه: شربل بعيني الملك الأبيض عام 2010،  أو الملاح الذي يبحث عن الله، كما توّج الأديب السوري محمد زهير الباشا كتابه عام 1988، أو القصيدة التي غنّتها القصائد كما عنونت الأديبة المهجرية مي طباع كتابها عام 1994. إنه شاعر العصر في المغتربات على حد تعبير الأديب السوري نعمان حرب في الثقافة السورية، أو سيف الأدب المهجري كما أسماه الصحفي طوني شربل، أو شاعر المهجر الأول كما لقبّه سكرتير رابطة إحياء التراث العربي الأسبق أيوب أيوب، أو أمير الشعراء في عالم الانتشار اللبناني حسب البراءة التي منحت له من الدكتور جوزيف الحايك رئيس الجامعة اللبنانية الثقافية ـ قارة أميركا الشمالية.
   إنه، وباختصار شديد، (إبن مجدليا) الإسم الذي أطلقه على ديوانه الأخير تخليداً لقريته الحبيبة، فكم هي محظوظة تلك الأم الشمالية بابنها شربل بعيني.
   شربل، هذه الهمسة مني إليك شخصياً، نحن بانتظارك لتقوم كطائر الفينيق من تحت رماد الاحتجاب قوياً كما عرفناك وأحببناك.. وكرّمناك.
**
كلمة
   سيداتي، آنساتي، سادتي
   أيها الحضور الكريم،
   غريب أمر هذا القلم، ما ان يشعر انه بصدد كتابة أدبية أو شعرية حتى تدبّ في عروقه الحياة، فينتفض من بين أصابعي ويتوثّب، كنسر يحس قضبان القفص مقصلة تشد على عنقه، فيحاول تحطيمها والانطلاق. ولا انكر اني في قرارة نفسي أود أن أطلق له العنان، غير أنني في الوقت عينه، أخاف انطلاقته، لئلا يتمرّد على عيني والخيال، وتخونني قواي فلا أقوى على اللحاق به، فيضيع وأضيع معه في سماء الحرف والكلمة.
   نعم، انها سماء الأدب والشعر التي نحلّق في مداها الليلة، في هذا اليوم الأدبي المهجري الرائع، بدعوة من أهالي مجدليا الغيارى، لتكريم الاستاذ الأديب محمد زهير الباشا على دراسته القيّمة "شربل بعيني: ملاّح يبحث عن الله".
   السؤال الذي يتبادر الى ذهننا ويطرح نفسه في الوقت ذاته هو: لماذا وقع اختيار الأديب الباشا على نتاج شاعر الغربة الطويلة مادة لدراسته؟ ما هي الأسباب والدوافع الكامنة وراء هذا الاختيار؟
   من خلال دراستي لكتاب الأديب الباشا "شربل بعيني: ملاح يبحث عن الله"، والتي نشرت في جريدة صدى لبنان عدد 624 تاريخ 29/11/1988، تبيّن لي ان تلك الاسباب والدوافع ـ حسب رأيي ـ تعود الى:
1ـ غزارة نتاج الشاعر البعيني كمّاً ونوعاً.. مما أهّله لأن يكون موضوع درس وتمحيص.
2ـ التصاق موضوعاته الشعرية بالوطن والمجتمع والانسان.
3ـ شدة علقته بالنفس البشرية وتأثيره بها من حيث القلق والشك والايمان، والرفض والثورة والحب.
4ـ تمثيله للشعر المهجري بأغلبية خواصه من حيث الشوق والحنين، وصراع المكان والزمان في نفس الشاعر.
5ـ تقاطع الخطوط بين شاعرنا والباحث من حيث النظرة الى المدارس والمذاهب الأدبية عامة، والشعرية خاصة، لجهة الصور الفنيّة التي اتسمت ـ حسبما رآه الباحث ـ بالوضوح، وخلوها من الألغاز والغموض، كذلك لجهة الأسلوب الذي تميّز بالوصف والتقرير المباشر.
   في مطالعة واعية للدراسة يتخيّل لنا، أن الأديب قد كتب عن نفسه فيها.. ونستشف ان هناك انسجاماً واضحاً وتوافقاً شبه تام، بين أديبنا وشاعره، في الميول والاحلام، والرؤيا، والنظرة الى القضايا الوطنية والاجتماعية والانسانية.
   ان الرغبة في أي عمل مهما كان نوعه، وخاصة في مجال البحوث الأدبية والشعرية، تنبع من أحد اثنين: إما التباين في الرأي، واما التوافق فيه، والرغبة بدورها تسلّح الباحث بالصبر، الذي يساعده على تذليل العقبات التي تعترضه طيلة رحلته مع الدراسة.. غير أن الدارس ينبغي عليه أن يكون حذراً، وفطناً الى أقصى حدود الحذر والفطنة! وأن يتحكّم بعواطفه وأحاسيسه والميول، حتى لا يحيد عن الموضوعية ـ التي هي من أهم خصائص البحث الناجح، وقد وقع الباحث في بعض الأحيان في فخ توافق هذه المشاعر والرغبات والأهواء، مما حاد به عن الموضوعية بعض الشيء.
   على كل حال، ان التفاتة كهذه من أديب له وزنه وثقله على الساحة الادبية العربية، ان دلّت على شيء، انما تدل على كفاءة أدبنا المهجري والمرتبة التي بلغها، نسبة الى نظيره المقيم، وهذا اعتراف به وإقرار بجدارته.
   وبغض النظر.. أين أصابت الدراسة وأين لم تصب، فإن أهميتها تكمن في:
1ـ اتصافها بالمنهجية العلمية في البحث والتحليل.
2ـ تناولها نتاجاً أدبياً مهجرياً، وبذلك تكون قد فتحت باب المنافسة الايجابية، على ما فيها من إثراء للأدب المهجري وإغنائه وتطوره.
3ـ كونها تناولت نتاج شاعر، ما زال صاحبه في العقد الرابع من العمر، وفي هذا تهشيم لقاعدة الموت والحياة والسن التي حكمت، ولا تزال في كثير من الاحيان، تحكم العلاقة بين الادباء والشعراء والدارسين.
   وأخيراً لا بد من توجيه شكرنا لشاعر الغربة الطويلة شربل بعيني، فقد كان صلة روحية تمت عبرها عملية التواصل بيننا والاستاذ الباشا، فكان هذا الاتصال الروحي، والتعارف الأدبي، وكان هذا المهرجان الذي نتمنى له أن يصبح تقليداً أدبياً كل عام. وشكراً.
يوم محمد زهير الباشا ـ سيدني 1989
**
محمد الشرفي في منزل شربل بعيني
   غصّت دارة الشاعر الاستاذ شربل بعيني بأهل القلم من أدباء وشعراء وصحفيين تحلّقوا حول الشاعر اليمني الضيف الاستاذ محمد الشرفي، في أمسية شعرية جميلة أتحف بها الزائر الكريم الحضور بمقطوعات شعرية ثائرة عن المرأة والوطن بفيض من خواطره الوثابة، وتجربته الواعية.
   تخلل الأمسية مداخلات شعرية وأدبية من الأساتذة شربل بعيني، نعيم خوري، أنطوان القزي، جميل الدويهي، ألبير وهبة ورفيق غنّوم.
   والجدير بالذكر أن الشاعر الشرفي حاز على جائزة جبران العالمية لهذا العام، وبسبب عدم تمكنه من الوصول في الوقت المناسب لتسلّم الجائزة في حفلة رابطة إحياء التراث العربي، فقد سلّمه إياها الاستاذ كامل المر في دار الشاعر شربل بعيني.
   وقد كان الشاعر الكريم موضع حفاوة كبيرة، وخاصة من حاضن الشعر والادب في هذه الديار الاستاذ شربل بعيني، الذي استهل الامسية بالترحيب بالضيف الكبير، ثم كلمة الاستاذ الشرفي، ثم كلمة الفنانة نجوى عاصي، التي سلمته جائزة المرأة في أستراليا تقديراً لمواقفه الشعرية المناصرة للمرأة.
   وقد غادر الشاعر الشرفي الى بلاده شاكراً رابطة احياء التراث العربي على جهودها المخلصة للحفاظ على التراث العربي في هذا المقلب من الارض.
البيرق، العدد 286، 28/12/1990
**
مسرحية "الطربوش" نموذج مصغّر لمجتمعات العالم الثالث
   مساء الجمعة 8 كانون الأول، وعلى مسرح قاعة الاحتفالات في سيدة لبنان، أحيت مدرسة سيدة لبنان مسرحيتها السنوية "الطربوش"، وذلك بحضور حشد غفير من أهالي الطلبة ومغتربي الجالية.
   و"الطربوش" مسرحية اجتماعية هادفة ناقدة، كتبها وأخرجها الاستاذ الشاعر شربل بعيني، ومثّلها تلاميذ الصفوف الابتدائية في المدرسة، وساعده في ذلك الراهبات، وبعض الطالبات من الصف الثانوي.
   و"الطربوش" مسرحية نموذج عن المسرحية الكبرى التي جرت وقائعها، وما برحت تجري كل يوم في بلاد العالم الثالث ومجتمعاتها، حيث تتحكّم قلة قليلة متغطرسة مستبدة من الشعب بانسان البلاد ومقدراتها وخيراتها.
   و"الطربوش" مسرحية عنوانها مستوحى من باب تسمية الكل باسم الجزء، فالطربوش الذي هو لباس الأمراء والزعماء والاقطاعيين، أضحى جزءاً من صاحبه، من حيث الجبروت والظلم والتعسّف، إذ أن كل مساس به يعتبر مساساً بصاحبه، وكل تعدٍ عليه هو بمثابة تعدٍ على الزعامة والوجاهة والاقطاع.
   و"الطربوش" نجحت في أن تكون صورة صادقة ومعيبة عن مجتمع ما زال انسانه يعاني ظلم اسياده وبطشه وجبروته. ويلعب عنصر المادة في المسرحية دوراً رئيساً إذ أنه بفضل المال استطاع الزعيم الاقطاعي شراء ضعاف النفوس، وتجييرهم للعمل لمصلحته والدفاع عن مركزه، متبعاً تجاه الشعب سياسة "فرّق تسد"، إذ بهذه السياسة استطاع ان يزرع الخلاف بين كافة فئات الشعب، وأن يضربها ببعضها البعض.
   ومسرحية "الطربوش" تعتبر انجازاً مسرحياً هاماً في بلاد المغترب عامة والأسترالي بصورة خاصة، وذلك للأسباب التالية:
ـ ضخامة عدد الممثلين والممثلات الذي تجاوز الـ 600 بغض النظر عن الدور الهامشي لغالبية التلاميذ، حيث اقتصر في نهاية المسرحية على الظهور وحمل الأعلام واللافتات.
ـ العمر: فكل المشتركين في التمثيل هم من الصفوف الابتدائية.
ـ المولد والنشأة: ان غالبية التلاميذ استراليو المولد والنشأة، فإذا ما نظرنا الصوت والنطق والاداء ندرك فضل الاهل والمدرسة في المحافظة على اللغة اللبنانية، وتنميتها لدى أبناء هذا الجيل.
ـ الرقصات والدبكات: وهي من تصميم التلامذة انفسهم، وقد تميّزت بانسجام مع الموسيقى من جهة، وبانسجامها بين أعضاء فرقة الدبكة من جهة ثانية.
  وأخيراً، لا بد لنا من أن نشكر كاتب المسرحية ومخرجها الشاعر شربل بعيني، الذي عمل من مسرح سيدة لبنان تقليداً سنوياً ينتظره الجميع بفارع صبر كل عام، والذي ساهم ويساهم في انماء الحس الفني لدى التلاميذ، الذين من المؤهل ان يكون لهم شأن هام في عالم الفن والرقص والتمثيل. وشكرنا بالتالي لراهبات المدرسة والقيمين عليها لافساحهم المجال لإقامة هذا المسرح التقليدي السنوي، وشكرنا في النهاية لكل من ساهم في انجاح هذه المسرحية عملاً ومشاركة وحضوراً.
صدى لبنان، العدد 677، 19/12/1989
**
مشوار مع الأديب محمد زهير الباشا في كتابه: شربل بعيني ملاّح يبحث عن الله
   صدر، أخيراً، للأديب السوري محمد زهير الباشا كتاب تحت عنوان "شربل بعيني ملاّح يبحث عن الله"، وهو عبارة عن دراسة لنتاج الشاعر المهجري شربل بعيني.
   تقع الدراسة في 176 صفحة من الحجم الوسط، افتتحها بعنوان "الاعتراف المباشر فضيلة"، وفيه يتقدّم بالشكر للأدباء مدحت عكاش، ونعمان حرب، وكلارك بعيني، لمدّهم يد العون له في دراسته. ثم "حروفها زغيرة هذه الكلمة"، ولا أدري حيثية هذه التسمية، وهي عبارة عن تعريفات للأدب المهجري، نظراً لما للهجر والغربة من تأثير في تكوين شخصية الشاعر، وبلورة شاعريته، ولأن الدراسة شعرية، وضع فصلاً لا يتعدّى السبع صفحات بعنوان "في البدء كان الشعر".
   لقد رحل الاستاذ الباشا مع شاعره رحلة طويلة وشاقة، كشف فيها النقاب عن نواح هامة في شخصيته الشاعرية، ومن حيث نقمته، وقلقه، وحبّه، وثورته على "ما هو سائد من عادات وتصرفات مجتمعية، وعلاقة الانسان بأخيه من جهة وبالله من جهة أخرى". أما أنا فمشواري مع الباحث سيكون قصيراً، مستوخياً فيه الايفاء بالغرض قدر الامكان.
   لقد درجت العادة ألا يتناول البحث والدرس نتاج شاعر أو أديب إلا متى أصبح في عداد الأموات، إذ أن الشهرة، لهذا أو ذاك، لا تظهر إلا بعد الموت، لكأنّ هذا ألخير كرة ضوئية تسلّط النور على الاديب او الشاعر وناجه وتعيده من الظلمات الى الحياة، نافضة عنه الغبار، ومخلفات الزمن، وهنا يحق لنا أن نتساءل:
ـ هل الموت هو الذي يصنع الشهرة، والمكانة الأدبية، والشعرية و..؟
ـ أم أنه من العيب الكلام على نتاج ما زال صاحبه على قيد الحياة؟
ـ هل محظّر عليه أن يلاقي التقدير والتكريم في حياته؟
ـ هل هما حكراً على الأموات دون غيرهم؟
   ما نريد قوله، هو أننا بدأنا نشهد اليوم تحطيماً لهذه الأوضاع الشاذة، وتخطياً لها، شرط أن يتوفّر في مادة البحث قدر كافٍ من حيث النوع والكم يؤهّل صاحبه أن يكون موضوع بحثٍ وتحليل، وميدان شرح وتنقيب.
   لقد وجد الباحث في نتاج الشاعر شربل بعيني مادة بحث وافية، وأرضاً خصبة تنبت البذور، وتعطي الثمار، فشرع يبذر حبّه، فإذا كل حبّة سنبلة، وإذا بنا نحصد دون تعب أو ملل.
   لقد تناول الباحث محطات رئيسة في رحلته مع الشاعر، ورحلة هذا الأخير مع الحياة والمجتمع والقضايا الانسانية عامة، وانسان وطنه خاصة، فوقف طويلاً عند كل محطة باحثاً في شخصية الشاعر بقلقها وشكّها وايمانها ورفضها وتمرّدها وحبّها.
   ونظراً لما للوسطين الطبيعي والاجتماعي من تأثير في حياة الانسان عامة، والشاعر خاصة، فقد أفرد الباحث فصلاً بعنوان "لبنان" أبرز فيه الوجه الطبيعي والحضاري لوطن الأرز، وذكر كيف هشّم الاستعمار ملامح البلاد العربية الحقيقية والأصيلة، وبينها لبنان، بإثارة النعرات والنزاعات على اختلافها. وطبعاً، فالشاعر الذي هو مرآة وطنه، تراه يتحسّر عليه حيناً، ويبكيه حيناً آخر، وأحياناً نراه يتغنّى به، ويمتشق سيف الحق والشعر ليدافع عنه، ويتصدّى للمستغلين والمتمرين في الداخل والخارج. ولن أستفيض بدراسة هذا الفصل، فلبنان الوطن يظهر جلياً في سائر الفصول، حتى ليكاد يطبع الدراسة بطابعه.
   المراهقة، مرحلة هامة وأساسية من مراحل الحياة الانسانية، فيها يكتسب المرء شخصيته الخاصة، التي تميّزه عن غيره، وتحدّد مساره وخطّه في الحياة بفعل نضوج الانسان جسدياً وعقلياً، فيستقل قولاً وعملاً، فكراً ونتاجاً، وموقفاً من الأشياء والوجود. هذا لا يعني ان الشخصية تستكمل كافة مقوماتها في هذه المرحلة، فهي، أبداً، في تطوّر ونمو مستمرين تبعاً لأسباب وظواهر نفسية داخلية ومجتمعية خارجية.
   وتحت عنوان "شربل: ملاّح يبحث عن الجمال.. المراهقة شعراً وديمومة"، يتناول الباحث المراهقة بمعناها المطلق والمجرّد "المراهقة مرحلة اكتمال الوظائف العقلية العليا، فينمو الذكاء، وتستعد الذاكرة، وتلتهب العواطف" ص27.
   في هذه المرحلة يتحرّك القلب، وتلتهب العواطف، ولمّا كان الغزل من أشد الموضوعات التصاقاً بالقلب، وأعلقها بالنفس، فقد عالج الباحث هذه الناحية معالجة وافية، فوجد أن غزل الشاعر اذا كان قد وصل في بعض الاحيان الى حد الغزل المادي المكشوف، لكنه لم يتخطّ ذلك الى حد الماجن منه "ولم يتجاوز غزله مجون امرىء القيس، وإن وصلت بعض أوصافه المادية الى الحلمة والركب تحس بغزله المادي أنفاس عشق" ص38.
   وفي معرض آخر يقول: "وهو يحافظ على غزله دون الولوج الى مرتبة الغزل الفاضح، أو الماجن، وان بدا أنه سار على الغزل المكشوف، فإنه أقرب الى الغزل الصريح" ص43.
   ويعيش الباحث الشاعر في شبه تقمّص، فيكتشف أن المراهقة لدى الشاعر، وان كان يحددها العلم بفترة زمنية معيّنة من عمر الانسان، إلا أنها ترافق الشاعر طيلة حياته من حيث الاحساس والعاطفة والعطاء: "من البديهي أن تكون بدايات الشعر تتساير مع مرحلة المراهقة.. ففي البدء كان الشاعر، كأي شاعر، مراهقاً.. لكنه لم يتخلَّ عن مرحلة المراهقة لا اليوم ولا غداً" ص44.
   ويركّز على فكرة التلازم والمعايشة بين الشاعر والمراهقة في كافة مراحل العمر: "مراهقة الشاعر مثل مراهقة أهل الفن والابداع الفكري، تعيش المراهقة بين صدورهم وهي تحمل سمة الديمومة والاستمرار" ص45.
   وكما أن للشعر مراهقته المتحركة المرافقة لمواسم العطاء والنتاج في حياته، كذلك له مدنه وشوارعه وآفاقه وألوانه: "ذلك أن من بعض صفات المراهقة: الامتلاء، الزخم، الحيوية، الغنى، القابلية للتطور، الاستعداد لامتلاك الحب.. للفنان وللشاعر مدنه وشوارعه وآفاقه وألوانه، ولا ترتبط المراهقة بعمر أو نزعة أو نزوة فردية" ص46.
   المراهقة هي احساس من القلب، وانفعال النفس لكل ما هو مؤثر من جمال انثوي وطبيعي ومثل: "واعتصر قلبه فجعل المراهقة زهرة تفوح منها جمرات الشوق، فإن كانت طبية عشقها حتى الثمالة، وإن كانت أرزة ازداد بها ولهاً.. وان مجموعة من مثل كانت لفتة منه الى العلى.. الى الله" ص46.
   وبما أن الجمال هو مفتاح الغزل، فقد تناوله الباحث بالدرس والتمحيص بالاضافة الى جوانب أخرى كالألم والفرح والفراق واللقاء.
   يمكننا أن نستنتج أن الباحث قد قسّم المراهقة لدى الشاعر الى مراهقة:
ـ من حيث الوظيفة: العشق لكل ما هو جميل ومؤثّر: وجه، خصر، نهد، فستان، أرز.
ـ من حيث الزمن: عدم الارتباط بفترة زمنية محددة، فهي تلازم الشاعر ما دام فيه قلب يشعر، وعرق ينبض.
   الغربة تفجّر طاقات الانسان، وتدفعه الى مزيد من الكفاح والعطاء، راسمة خطوطاً عريضة في حياته ونتاجه، تاركة بصماتها واضحة فيهما.
   أما دوافعها فهي:
ـ خارجية: سياسية، اجتماعية، اقتصادية.
ـ داخلية: حب المغامرة، الكشف، الاستطلاع.
   الباحث المتمكن هو الذي يمتلك مفاتيح الأسرار، وحل الرموز، حتى يستطيع الولوج الى مادة بحثه، وسبر أغوارها، واكتشاف وقائعها.
   ترى.. هل تمكن الاستاذ الباشا من الاحاطة بتأثير الغربة على الشاعر ونتاجه؟
   في فصل بعنوان "شربل: ملاح يبحث عن الحقيقة ـ الغربة شراع مزّقه الأسى"، يصوّر الباحث رفض الشاعر ونقمته على بلاده وانسانها وارضها خير تصوير: "في الغربة يرفض كل أنواع الطواحين التي تمزّق الانسان، فويل للانسان أن يجوع في أرض الخير والبركة ـ لبنان ـ فالخضوع غذاؤه، والتخمة تملأ القصور بالذهب وأطايب الملذات" ص54.
    ويصف غربة شاعره بأنها رمز الكبرياء: "فكانت كلماته في الغربة رمز كبرياء الذات، وقيمة الكبرياء انها غربة تروي له كل الحكايا، ولما وصلت الغربة الى الأرزة ـ الأرزة هي الشاعر ـ وجد أن الصدفة التي تمثّل الحب والصبر تشرب منه، وكانت تمنح الشاعر ـ العاشق ـ لآليء" ص54.
   ويرد الباحث بواعث هذه الغربة ودوافعها الى انها "تدور حول الاسباب السياسية والاجتماعية، مضافاً اليها الاسباب الخاصة طموح" ص56.
   والباحث الناجح هو الذي يتحكّم بلعبة تسليط الاضواء، فيعرف كيف، متى وأين.
   وقد نجح الاستاذ الباشا في تسليط الضوء على غربة شربل بعيني وتبيان أثرها في نفسه وشعره من حيث:
ـ الخيبة:
كنتو فخر..
كنتو فخر..
شو اللي حصل حتى انقلبتو عار
من بعد ما عشتو دهر
تمشوا وتحت إجريكن يفرّخ زهر
وع راسكن مرفوع تاج الغار.
ـ الضجر والسأم:
يا ريت فيي خلّص بلادي
من كل آلاما
وتدجيل حكّاما
ويا ريت فيي إشتري بدمي
أمن الشعب كلّو.
ـ القلق والكآبة:
سكران وحدي بغربتي سكران
ومسكّر بوابي بوجّ الناس
بحاكي كراسي البيت والحيطان
وبصير إتخانق أنا والكاس.
فيسهر مع الغربة والصبية والأررة" ص57.
   وفي الغربة يبدأ صراع المكان والزمان، صراع الغربة والوطن، صراع الحاضر المعيوش بكل قساوته، والماضي الذي ينسلخ عنه الانسان تاركاً أحداثه ووقائعه ذكريات تدمي القلب وتشعل الروح.
   وقد وقف الباحث على هذا الصراع في نفس الشاعر وقفة الفاحص المكتشف.. "واستمر صراع الغربة، وتأكيد الواقع، والطموح بين وترين شديدي الأسر: المثال اللامحدود، والواقع المحدود" ص59.
   الماضي لا يجمد ولا يتوقّف، بل يستمر في الزحف ليشغل مساحة واسعة من حاضر الانسان ومستقبله، ويستقرّ في الذاكرة التي لا تغفل أو تنسى، انه "يتابع مسيرته في زمن يحاسب كل ضمير، وكل انسان، ويجمع الزلات وصانعي الرماد..
هجرت بلادي بساعة قهر
وبعدا لليوم دموعي
بتشهد ع إنّو رجوعي
كان لولا هاك الأحداث
اللي فجّرها حقد الناس
شختوره بعباب البحر" ص59.
   وفي الغربة تختلط العواطف والمشاعر والأحاسيس وتتداخل مع بعضها البعض، وهذا التداخل، وذاك الاختلاط، لم يغيبا عن نظر الباحث: "ومن سمات هذه الغربة الاحساس بالشقاء، والنحيب، ومرارة التعذيب، وقد تداخل بها التفاؤل مرة، واليأس مرة، وصرخة الأنين، وبسمة الحنين، وكاد الانسان ينسلخ من جسده، فلعلّ قدّر للدموع أن تكون قدراً لكل الناس:
نحنا الـ عطينا الشمس
من نور بهجتنا
ما منرضى اليأس
يلعب بعيشتنا" ص63 ـ64.
   ولم يغفل أيضاً عن دعوة الشاعر لأهل وطنه وقومه الى الاتحاد، ونبذ التفرقة بين الأديان: "وشربل الشاعر من مواليد قرية مجدليا ـ شمالي لبنان يتذكر في غربته طرابلس مدينة الفيحاء، والتي تمر عليها غدرات الزمن، فيدعو الشعب الى عودة التسامح الديني:
نحنا شعب واحد بأرض الشرق
عشنا العمر نشرب سوا بالكاس
والمادنه تنده جرسنا.. يدقّ
تا نأدّن الإنجيل بالجامع
ونرتّل القرآن بالقدّاس" ص65.
   وينهي الباحث حديثه على الغربة وأثرها بـ"أنها غربة مريرة وشاقة، لكنها ملأى بكل ما هو غني وخصب" ص66.
**
   العقل يميّز الانسان عن سائر المخلوقات، ومن هنا تسميته تارة بـ"حيوان عاقل"، وطوراً بـ"حيوان ناطق" نسبة الى المنطق الذي هو أبرز خصائص العقل وميزاته.
   إن فقدان المرء عقله ينفي عنه سمة الانسانية، ويفقد المنظار الذي يتمكن بواسطته من رؤية الأمور واضحة، فيختلط عليه الخير والشر، الجميل والقبيح، ويحلل لنفسه المحرمات، ويجيز الممنوعات، فتسود المجتمع شريعة الغاب، حيث انتفاء القيم والأخلاق.
   وفي فصل بعنوان "شربل: ملاح يبحث عن العقل: مجانين"، يرد الباحث السبب الأساس لدمار الانسان، وخراب الأوطان في نظر الشاعر إلى فقدان العقل، ويتساءل: "فهل بقي للإنسان عقل يفكّر به؟ وهل يعيش الانسان بلا تفكير؟ هل جنّت أمّتي؟ هل جنّ أفراد الأسرة الواحدة؟ هل باع العلماء أنفسهم للشيطان؟
   .. في مجانين يقفز طائر الفينيق ـ الشاعر ـ من أفق الى أفق لا يهاب الاختراق، ففي الحب قدّم أحاسيسه، فالتهبت، وفي حب الوطن عمّق الجوانب الفكرية، وفي الصعود الى الله، خاطب الله في الانسان صاحب الضمير والشفافية" ص70.
   وبعد أن وصف ما حلّ بوطن الشاعر من خراب ودمار، وبإنسانه من بؤس وتشريد وموت، "تحت ظل الخراب والدمار والخوف"، عاد يتساءل: "كيف يقف الشاعر أمام تراكمات هذه الأحداث المريرة؟ كيف يرحل؟ كيف يبحث عن الحقيقة والعقل موطنها" ص74.
   ويصل الى حالة تشبه اليقين، وهي انه "لا يتمكن الشاعر من أن يرى وطنه بلا عقل ولا حب.. ولهذا فالجحيم هو أن يتوقّف الوطن عن العقل والحب، فالحب خالد سرمدي كالعقل" ص75.
   من يفقد عقله ويحلل كل شيء وفق مزاجه وأهوائه، ماذا سيحل به؟ ما هو مصيره؟
   ستحلّ عليه اللعنة، ولكن ما دورها وما أهميتها؟ ما مهمتها بالنسبة للظالم؟.. "اللعنة تغسل الخطيئة ولا تقبل الغفران، انها تطرد الظالم من الجنة. اللعنة تجلد الطامعين بالذهب وبالمطامع المادية:
الشعب عندا سلالم ودرجات
والدين أقرب درب للثروه" ص77.
   المصير الحتمي لفقدان العقل هو الجنون، فمن يفقد عقله لا بد وأن يصبح مجنوناً.
   ولكن ما الجنون؟ هل هناك نوع واحد منه؟ هل يختلف من شخص الى آخر؟ هل المجانين على مستوى واحد من حيث الأعمال والتصرفات؟
   الجنون المتعارف عليه في المجتمع هو نفي سمة الانسانية عن صاحبه، والعودة به الى ما يشبه البهيمية.
   غير أن جنون الفلاسفة والأدباء والشعراء يختلف عما هو عند الانسان العادي من حيث المفهوم والوظيفة والعمل. فأفلاطون مثلاً رفعه الى مرتبة عالية أقرب ما تكون الى النبوّة.
   لماذا؟ هل أن جنون الأدباء والشعراء يفقدهم عقلهم الواعي ويجعلهم في حالة انتقال، فتصدر أعمالهم وتصرفاتهم عن عقلهم اللاواعي أو الباطني في شبه رؤيا؟ ومن هنا الرؤيا الشعرية.
   أسئلة وتساؤلات تطرح.. ترى كيف وجد الاستاذ الباشا الجنون في مادة بحثه؟ يقول: "لا تتساءل  وأنت في زحمة الأحداث واقتتالها: 
ـ عمّن أمات الأفئدة وضمائرها، وجعل هفواتها أخطاء؟
ـ عمّن جعل الشخصية على أرض الأرز، جبالاً وسهولاً وحضارة شامخة، مفتتة القوى والدوافع، مسلوبة الارادة، إلا ارادة الاستلاب؟
ـ عمّن أيقظ الدفائن، دفائن الغيظ والحقد والنار؟
   قال شربل بعيني في مجانين عن دياب الشعب:
ومطلق زعيم بفرد كلمه مفتنه
بيزرع بلدنا جوع وجنون ودما
وبيصير يتدفـّى ع لهبة نارها" ص77 ـ87.
   وهذا النوع من الجنون الذي أتى على ذكره الباحث، هو ذاك الجنون الهدّام المدمّر للأوطان والمجتمعات والانسانية.
   غير أنه ذكر نوعاً آخر من الجنون في شعر شربل، ربما تصح تسميته بـ"الجنون البرىء"، مثل جنون المحبين والعشاق، الذي يؤدي الى تضاؤل دور العقل لحساب القلب والعاطفة والاحساس، فتكون النتيجة مزيداً من العشق والهيام والسهر والدموع: "ويرى الشاعر الصبية الفرفورة قد أفقدته صوابه بدون زينة، فكيف تتزين؟
فَرْفُورْتِي الْخَجُولِه
شُو صَايبِكْ؟.. قُولِي
تَا بْزِينْتِكْ عَمْ تِعْتِنِي
وْمِنْ دُونْ زِينِه مْجَنِّنِه
فَصِيلْة الرُّجُولِه!!" ص79.
   ان مداواة الداء بالداء فكرة ليست بجديدة، فقد عرفها أبو النواس ونادى بها، وربما عرفت من قبل.. "ثم يعلن جنونه زيادة عما يراه من جنون الآخرين:
جنوني أقوى من جنونن
كلما جنّو بجنّ زياده
وكلما راقوا.. متل العاده
بشوف الدمعه بعيونن" ص81.
   وحتى تأتي الدراسة شاملة قيّمة، قلّما ترك نقطة في مادة بحثه إلا وعالجها معالجة منطقية. فبعد أن ذكر انواع الجنون، وكيفية مداواته، يصارحنا الآن بالمسؤول عنه: "لقد غاب العقل عن هويّة أهله، وليس له سوى السخط الذي يتفجّر بكاء وغيرة ولبنان يذبح "مثل العنزة"، والأموال تذهب هباء، والجرح يزداد ضراوة وأنيناً، ويخاطب المسؤول عن هذه الانزلاقات:
يا يسوع المصلوب
ويا رسول المؤمنين
ما عرفتو ربّيتو شعوب
عرفتو ربّيتو مجانين" ص84.
   ومن المسؤول؟
"فالزعيم يزرع الجوع والجنون والدماء، والقلوب متحجرة، والكذب والتدجيل سبل هؤلاء الحكام:
بلادك اختربت من زعامتها
فيق دخلك فيق من جهلك" ص86.
   وينهي حديثه في هذا الفصل موضحاً أن "شربل بعيني في كل خفقات شعره لم يستطع مرة أن ينسى أو يتناسى قضية الأرز، قضية الانسان، قضية الزعامات، فشعره خير دليل على هذه الحيوية النابعة من احساس وطني، واحساس انساني، يرتقي به وهو ينتظر الأمل والفرج بالعودة الى الضمير، الى العقل، الى الله، الى الوطن، والوطن أرض الله" ص89.
**
   الانسان والألم توأمان: تعمّد الانسان الآلام منذ اطلالته الأولى الى عالم النور، فكأنه ممنوع عليه أن يحيا ان لم يتخذ الألم صديقاً له ورفيقاً.
   ان قلق الانسان على غده، ومصيره، ووطنه، ومجتمعه السائر نحو نحو الانهيار أمام موجة من تدهور القيم وانعدام المبادىء.. هذا القلق يسكن النفس فيولّد الأم.
   ان الالم يرافق صاحب القلب الرقيق، والنفس المرهفة، المسافة الأكبر من مسيرة حياته. فلحظة الفرح لا تعمر طويلاً، وربما تموت وتنطفىء عقب ولادتها، بينما تدوم لحظة الألم والحزن فترة أطول لجهة تأثيراتها، وانعكاساتها، وربما تلازم الانسان الى النفس الأخير، وفي بعض الأحيان تكون سبب وفاته. وفي العلاقات المجتمعية والانسانية نلاحظ ان واجبات الألم والحزن أهم من واجبات الفرح وأولى.
   كيف تناول الباحث هذه النقطة في بحثه؟
   تحت عنوان "شربل ملاح يبحث عن آلامه.. عالمه الداخلي قوس قزح"، استشرف الباحث عالم الشاعر الداخلي فلاحظ انه "يتميّز بصرخاته، وفتح جراحاته على مسامع الاصوات المتوهجة، وكأن الأرز في خوالجه يشكو ويتمرّد" ص92.
   ويركّز على "البئر" لدى الشاعر، مفهوماً ومضموناً واستعمالاً تاريخياً " في البدء كان "البئر" أسلوب تهديد ووعيد" ص92.
   "البئر: اصعب وأقسى سجن في حياة أي انسان، مقاتلاً كان أم أسيراً، هارباً أم لاجئاً، أم.. فالبئر كانت بداية التجربة في حياة يوسف الصديق، تلقفته امرأة فرعون في تجربة فأودع السجن، وتمثل البئر نقطة الظلمة" ص92 ـ 93.
   ويتابع:
   "فالخوف من البئر حمله في ثنايا عالمه الداخلي، وانسحب هذا الخوف على الذات، وعلى الارز، وعلى الوطن، وعلى الانسان، وعلى أشد ما في نفسه وقعاً "الحب ومصيره" و"الله ومصيره في قلوب الناس" ص93 ـ 94.
   هناك نوعان من الألم: روحي وجسدي. بل الألم بحد ذاته واحد يصيب الانسان جسداً وروحاً.
   فالألم الجسدي يصيب كل انسان حسب بنيته الجسدية، وقدرته على الاحتمال. أما الألم الروحي، فإنه يتفاوت بنسب كبيرة بين شخص وآخر. فالسفاح، مثلاً، الذي أمات ضميره، لا يرقد جفنه إلا اذا تلطخت يداه بالدماء. والتاجر الفاجر الاستغلالي يعتبر كل شيء حلالاً له، ولمتعته، وراحته، حتى التلاعب بقوت الأرواح.. فهو ينام دون محاسبة ضميره، وأكثر من ذلك، فهو لا يرتاح له ضمير إلا في الاحتكار والاستغلال وصراخ الجياع.
   أما مرهف الشعور، وخاصة الشاعر، الذي يحمل في صدره قلب طفل، فيكون ألمه الروحي كبيراً، وهو لا يغمض له جفن دون فحص ضمير ومحاسبة ذات.
   لقد أضاء محمد زهير الباشا هذه النقطة في شعر "البعيني": "في عالم شربل الداخلي، وفي جوانحه، طفل، وقلب طفل:
وحياتك يا ألله عارف
إنّك متلي عم تتألّم" ص98.
   وحسب رأينا، هناك عدة مسببات للألم منها المباشرة: كالموت والغرق. ومنها غير المباشرة، وأهمها:
ـ الجمال: 
   إن الذي يسكن الجمال قلبه يحترق لمرأى دمعة طفل، ومنظر عصفور يتألم.. "والى جو آخر مما يزخر فيه عالمه الداخلي، ألا وهو عشقه للجمال. والجمال وحده صبوة النفس عند الشاعر، يقدسه، يهزه، تتناثر أحلامه نحو التسامي والرفعة:
رسمتلك بعيوني صوره
أجمل من كل المعموره
وخبّيتك بقلبي وصرت
إحرقلك قلبي بخـّوره" ص99.
   "الجمال عنده خفقة قلب، لا تنبض إلا بالتعالي، وفي صدر الشاعر لا تضيق متاهات الحياة ومظاهرها وغفلتها:
مش رح إقتل خيي بإيدي
وإحمل ع كتافي دمّاتو" ص100.
ـ العشق: 
   العشق حالة تصدر من القلب لتأثّره بأمر أو مشهد معيّن أو.. ونحن نقول لأي إنسان: أحبب وافعل ما تشاء. يقيناً منا أن العاشق الصادق، والمحب الحقيقي، لا يستطسع أن يؤذي، وهو يحمل في طيّات نفيه الفرح والخير وسعادة الآخرين. وكما أن الظلم والطغيان والقتل هواء يتنفسه الظالمون والطغاة، كذلك "فالعشق هو الهواء الذي يتنفّس به الشاعر، وهو الصدر الذي يخفق به، ويحيا به، ويحيا له:
لو تسألوا القصايد عم تنكتب لمين
بتجاوب القصايد: لشعرها الحرير"
...
كفايه بقى كفايه
غربه وشقى ونحيب" ص102.
   لكل الأمور والأشياء، مادية ومعنوية، أبواب ومفاتيح، فمنهم من يمتلك المفاتيح، ومنهم من لا يمتلكها، وبعضهم يدخل من الباب الواسع، والبعض الآخر من الباب الضيّق، وكثيرون لا يدخلون، فكيف دخل الباحث الى عالم الشاعر؟ ومن أي باب؟
ـ الضمير: 
"مفاتيح عالمه الداخلي عديدة، فهي أشد ألواناً من قوس قزح، لكنك إذا جمعت هذه الألوان كان لديك اللون الأبيض وحده، فلا تعجب إذا كان الضمير عن شربل بعيني محركاً وموجهاً" ص104.
   وفي الصفحة نفسها يقول: "يطل علينا عذاب النفس في "ضمير الرأفة":
يا ضمير الرأفة 
المطعون بالخنجر 
في ليلة حب وهوى..".
ـ الأمل: 
   مفتاح آخر يمتلكه الباحث لتقصّي الأبعاد في نفس الشاعر، ألا وهو الأمل: "ومن مفاتيح عالمه الداخلي.. الأمل، الذي يضيء كل دروب الظلمة. الأمل المعجون بألوان غريبة من المآسي:
شو صابنا لولا سفينة نوح
ما تنبني هـ الكون يا دلّو
وباب الأمل حتى يضل مفتوح
لازم تتوبوا وتركعوا تصلّوا" ص105.
   أما اذا وجد أن الشاعر قد بلغ درجة اليأس والقرف والاستسلام، فكان يهيب به أن لا يترك لنفسه عنان التشاؤم واليأس، فهما سمة أصحاب النفوس الصغيرة غير القادرة على الصبر والاحتمال: "ونقول للشاعر: لا ينقصك الحروف الثلاثة التي ذكرتها "لو بجمعن بيعمرولي قبر"، ولا نقبل كل هذه النظرة التشاؤمية، وأنت الذي عودتنا على بريق الأمل" ص107.
**
   وفي العهد القديم، قبل تجسّد السيّد المسيح، كان الله في مفهوم غالبية الشعوب جبروتاً، يلقي في القلوب الرعب والخوف، وعلى امتداد تلك العصور كان الله يرسل الهداة رسلاً وأنبياء وصلاّحاً ليهدوا البشرية مستقيم الطريق، وخير الفعل.
   ومع المسيح تغيّر مفهوم الله لدى الانسانية، وتبدّلت نظرتها إليه، وتحوّلت العلاقة من علاقة العبد بالسيّد، الى الابن بأبيه، وأصبح براً وخيراً ومحبة. ومع هذا فإن الكثيرين ما زالوا يتنكرون لتعاليمه، وينسون وصاياه، أو يتناسونها، ولا يتذكرون سوى أنفسهم، وما يلائمها من أهواء وشهوات.
   كيف وجد الباحث مفهوم الألوهية لدى الشاعر، ونظرة هذا الأخير الى الله؟
   فالشاعر الحقيقي ينبع الشعر من عمق كيانه، ويكتبه بمداد من دمه، وهو الرأفة في الضمير، والتسامح في النفس، والسيف في يمين الحق، "شربل بعيني: ملاّح يبحث عن الله"، رفع الباحث شاعره الى مرتبة القديسين: "في ألله صار شربل الشاعر كالقديس وليس قديساً، وهو الغارق بالحب.. كون الشاعر من كلماته فضاء لا فراغاً، حقيقة لا وهماً، حقيقة لا رموزاً" ص118.
   وفي هذه الحقيقة، وذلك الفضاء، أشتم رائحة الصلاة، وضوع العنفوان، والتماس الغفران، فرأى الباحث أن الصلاة عن القلب مضمخة بالصدق، زاخرة بالتوبة: "وهو لا يدّعي الصلاة إلا بقلبه، وايمانه، ولا يتاجر بطلب الغفران" ص118 ـ 119.
   ويدرك ان الشاعر الحق يجعل من قلبه وشعره مسكناً لله: "وظل الشاعر مع الله، ومعه مبدأ الحب والحياة، ومعه الفن والشعر" ص119.
   ويكتشف أن للشاعر رسالة انسانية يؤديها، وطريقة خاصة في تعامله مع الله ومفهومه له: ".. وبقي متفتحاً يمارس تقديساته وشعائره بنظرة المتأمل الغاضب، والمتأمل الزاهد، والحالم الناقم، وتسمع في هذا الديوان "ألله ونقطة زيت" صوت يسوع وهو يلقي اللعنة، ويصب جام غضبه على الدجالين، وعلى المزيّفين" ص122.
   والذي يحب الله يحب الوطن والانسان والحقيقة، فالله مصدر كل الحقائق والفضائل: "ويحق للأرز أن يتفاخر ويفخر بما عبّر عنه حين ابتهل الى لبنان للأهل والانسان" ص122.
   ويرى ان عملية البحث عن الله لدى الشاعر مستمرة، فقد وجده في الوطن والارز، في الانسان والحقيقة، وها هو يجده الآن في العشق والحبّ "إنه شاعر يعشق، يبحث عن الحب، عن الذات" ص123.
   ويقف الى جانب شاعره من حيث مفهومه لله، في وجه احدى المجلات التي ألصقت به تهمة الكفر والإلحاد "ويبدو أن هذا الشاعر مؤمن بالله الايمان الصحيح، لا ايمان من يتاجر به، وبملكوته. انه يتحدّث عن الله الذي خلقه المجتمع في معتقدات باطلة عن الله. فالله في حقيقته أبعد ما يكون عن هذه الأباطيل، وعن القمع، والتسلط على الانسان" ص124.
    ويركّز الاستاذ الباشا في هذا الفصل، بل في سائر فصول دراسته، على موقف الشاعر الانساني، وهي في الوقت نفسه ما هو إلا موقف من الله "موقف الشاعر من الله مزيد من الايغال بالانسانية" ص126.
   ويشير الى ان الشاعر ما برح يرى إلهه يصلب ويتألّم ويعاني على يد تجّار مستغلين وظلمة قطعوا لحمه من خلال تعذيب إخوانهم في الانسانية وقتلهم، مستشهداً بإحدى رباعياته:
صلبوك فوق الجلجله وصاروا
يتاجروا بدموعك ودمّك
والدمّ لمّن رخصت سعارو
سنّوا السياخ وقطّعوا لحمك
   ويرى انه عبثاً تمنح الحياة للارض، إلا بالتوجه نحو الخالق، والتضرّع اليه "ولا يجد الشاعر سوى الاتجاه نحو الخالق ليمنح الارض الحياة بعد أن شحّت السماء" ص128.
   ويجد أن الانسان قد أمسى أشد وأدهى خطراً على أخيه الانسان من الشيطان، لما بلغه من رغبة في التعذيب والاستغلال والقتل والتدمير "لقد بات الانسان أشد خطراً على قومه مما أسميناه بالشيطان" ص129.
   الألم يذكر الانسان بربه، ويعبّد له طريق العودة لأحضانه، فترتاح نفسه، وتعود الاشراقة الى وجهه لمعرفته أن الله مسامح عطوف: "والشاعر ملاح في تيّارات الآلام للوصول الى الاعتراف الجلي بالله وقدراته وعطاياه".
  ويلقي الضوء على إيمان الشاعر من خلال الاعتراف بذنوبه، وقوة الخالق: "ويعدد ذنوبه، وهو أمام ربه ثم يعددها، يخاف من خالقه. كيف يخاف منه وهو العادل الأقوى، وحده المخلص على دروب التقوى:
عشت العمر بطولو.. وخايف
منـّك، من حالي، من النّاس
...
يا رب العادل خلّصني
خلقت ضعيف وانت ألأقوى
وعارف شو رح يصدر منّي
قبل صدورو.. لا تظلمني" ص132.
   ويكشف لنا عن تحسّر الشاعر والمه أمام "مصير الإله بين الناس:
يا عايش فينا ومقتول" ص132.
   وهنا العجب بعينه، بل التناقض بعينه: كيف أن الخالق يُقتل على يد المخلوق؟
   ان من الناس من يتوب، ويعود الى رحاب الله. ومنهم من يذهب بعيداً في ضلاله وتنكّره لله، ولا يتورّع عن ظلم أخيه الانسان. فهؤلاء يشكلون خطراً على الانسانية، ور ينفع معهم سوى الشدة. لقد وضع الباحث إصبعه في جرح الشاعر من حيث استعمال الترهيب والقوة وسيلة للحد من كفرهم وتجبّرهم "فسبل الترهيب وسيلة للتوبة والندم" ص136.
   بمقدورنا الاستنتاج أن البحث عن الله لدى الشاعر كما رآه الباحث، هو بحث عن الانسان والمحبة والحقيقة والجمال.
**
   لكل انسان ملامح تميّزه عن غيره، وأفعال، وتصرّفات، تصنع شخصيته، وترسم خطوطها العريضة.
   ان نتاج الانسان مرآة لشخصية صاحبه، سواء أكان أديباً أم شاعراً أم غير ذلك. وهذا النتاج لا يمكن أن يحقق بعده الزماني والمكاني ما لم يتميّز عن غيره شكلاً ومضموناً.
   أحد الأدباء الفرنسيين قال: الأسلوب هو الرجل. فكما ان أول ما يلفت النظر في الانسان هو شكله الخارجي، وبه يتميّز شخص عن آخر، كذلك فإن أسلوب الشاعر أو الأديب من أكبر العوامل في اثبات وجود صاحبه في مجال عمله من حيث الديمومة والانتشار، ولا يكتب له ذلك ما لم يكتسب بعض الاستقلالية والفرادة من حيث اللون، والشكل، والنوعية، والسمات الخاصة المميزة. 
   هل وجد الشاعر في نتاج الشاعر طابعاً شعرياً مميزاً؟
   هل رأى فيه هويّة شعرية خاصة تثبت مكانة صاحبها ومنزلته؟
   في هذا الفصل "شربل واستدارة التوهج في فنه"، يمكننا القول أن الباحث عالجه من حيث:
ـ الايقاع:
"ايقاعه الفني همجي طوراً، نهر فيّاض ضجر اللحن، وطوراً ينساب كالنسيم، لكنه يصطدم بالحجارة البركانية التي عمرت نفوس الحاقدين:
وصارت شعوب الأرض كلاّ تنحني
قدّام حريّه ومجد أحرارها
شو صابنا حتى الروائح منتنه
والجماجم شوّهت أزهارها" ص141.
   فقد ربط الباحث الايقاع الموسيقي بالحالة النفسية، والموضوع فرح، حزن، ألم، بطولة.
ـ الأدوات الفنيّة:
   يرى أن الشاعر لا يعاني صعوبة وعناء في التعبير عن أفكاره، وآرائه، شعراً، فالكلمة مطواعة لديه "الأدوات الفنيّة ليست ممنوعة التداول لديه:
ونخنق بإيدينا غراب البين
ونروي بدمّو عطش الايدين
تثير أدواته الفنية الى النفس، فيخطف النبض" ص142.
ـ القوافي:
   أما القوافي، فهي تمتاز بالمرونة والعفوية والبعد عن التكلّف "لا تهم قيود القوافي، مهما تزاوجت، أو تضاربت، أو تلاعبت، ولا ينتظر ورودها بل يكلمها لتأتيه بالايماءة، فيغازل قوافيه ويستدرجها، ويداعب حروفها دون الحاح، أو تعريض، أو تقعّر".
الرؤى الفنيّة:
   الرؤى الفنية سمة مميزة، وعلامة فارقة في شعرية القصيدة، وعدم شعريتها، لأنها الأساس في التخيّل والتخييل، وجواز المرور الة قلب المتلقي وروحه، "في تلاوين الرؤى الفنية نعثر على غزارة في العطاء، وتدفـّق في الصور، وسرعة في الأداء وخفـّة في العبارة" ص149.
   والرؤى الفنيّة الحقّة لا تتحقّق ما لم يتم الانتقال من عالم الواقع الى عالم الخيال، وبتعبير آخر الى واقع يخلقه الشاعر لنفسه. فلحظة الرؤى الفنية هي لحظة اختراق حجب الظلام، والوصول الى النور، "رؤاه محصنة بالنور المنبثق من صفاء سريرته، وحناياه المتأوهة:
كل عمري بصحبتي لإبن البشر
مهما زغر ع طول فيني إرفعو" ص149.
ـ اللغة:
   يقولون: هذه لغة شعرية، وتلك غير شعرية، والشاعر الذي يمتلك أسرار اللغة من حيث المفردات وكيفية تركيبها، يحصل على تأشيرة الدخول الى عالمها الواسع، وبذلك يستطيع أن يجسد أفكاره وأحاسيسه واقعاً يكون أساس التفاعل بينه وبين المتلقي، ووسيلة الاتصال بينهما. من هنا فاللغة بمفرداتها وتراكيبها، تساهم في لعب دور تخييلي بين الشاعر والطرف الآخر، ولا ينظر اليها من حيث فصحاها وعاميتها، بل من حيث شحناتها الشعرية، "وفي شعره تجاوز اللغة المحكية والفصحى، وخلّصها من الرتابة والبلادة والتصنـّع" ص150.
ـ العبارة:
   أما العبارة، فقد وصفها بأنها "في منتهى الوضوح والافصاح، فكأن ابن الأثير قد وضع مقولته المشهورة: الأفصح ما بقي في اللسان" ص150.
   وهناك بعض المدارس الأدبية والشعرية الحديثة تقوم بشكل أساس على الاشارات والدلالات والرموز كالرمزية والسوريالية، وقد نفى الباحث أن يكون شاعره من أنصارها، ووصفه بأنه "يعالج عباراته بطواعية لغته، دون أن يسلك طريق الرموز.. وسار مع قلبه وخياله بالوصف المباشر وبالتقرير" ص153.
   وقد تمكّن الشاعر، كما رأى الباحث، من اثبات وجوده على الساحة الشعرية، وتحقيق هويّته من حيث اللون والشكل والانتماء "شعره عزف منفرد ومتفرّد" ص153.
   أما الصور الفنيّة، فقد خصص لها عنواناً ضمن الفصل ألأخير، أسماه: "صوره الفنية وترابطها مع الأدوات التعبيرية".
   ان الأدوات التعبيرية هي تجسيد عملي ملموس للصور الفنيّة، وبها تخرج القصيدة من عالم الشاعر الداخلي الى العالم الخارجي، وهي النافذة المفتوحة بين الشاعر والطرف الآخر، يرى من خلالها أحدهما الآخر.
   والصور الفنيّة تلبس الأدوات التعبيرية وتأخذ شكلها، فبقدر ما تكون هذه الأخيرة أنيقة وجذابة، بقدر ما تأتي الصور الفنيّة مؤثرة وموحية، وهذا يؤكد ارتباط الشكل والمضمون بعضهما ببعض، وعدم الفصل بينهما من جهة التأثر والتأثير.
   وقد وجد الباحث أن أبرز سمات الصور الفنيّة في مادة بحثه هي الوضوح، وخلوها من "تهويمات هذا الشعر المسمى بالشعر الحديث، وألغازه، وغموض صوره:
باب الأمل حتى يضل مفتوح
لازم تتوبوا وتركعوا تصلّوا" ص154.
   وقد حملت، أي سمات الصورة الفنية، "الظلال الكئيبة في مجريات الأحداث الباكية، والوقائع الدموية" ص155.
   وأيضاً النبؤة "وللشاعر نبؤته الخاصة في صورة انبعثت من ايمانه" ص 155.
   والكارثة كذلك "وتجسدت الصور وكأنها هي الكارثة تقتات منها أنياب الشرور والانانية:
مات منا ألوف خلف ألوف
وع ضهرنا اصطلحوا دياب الشعب" ص155.
   ومن الصور ما أتت "مباشرة لا تتجاوز حدود التصوير مع التخييل:
في ناس عم تشفق ع كلب زغير
وخيّها مربوط بسلاسل حديد" ص155 ـ 156.
   ومنا ما أتت "صوراً مباشرة ممزوجة مع الصور غير المباشرة، فحملت قدرة على أن تتجاوز أيضاً حدود التصوير والتخييل:
فيني شقّ البحر وصير
إلعب ع رملاتو وطير" ص156.
   ولا يمكن للشعر أن يسكن القلب ويستقر فيه ما لم يتصف بالعفوية، والبعد عن التصنّع والتكلف "فكانت له سلاسة مقطوعاته الشعرية" ص161.
   وضمن هذا الفصل "شربل واستدارة التوهج في فنه" أفرد الباحث عنواناً خاصاً للموضوعات نظراً لما لها من تأثير وأهمية، وغالباً ما يكون الموضوع عاملاً في جذب المتلقي أو ابعاده، حسب فرادته أو شيوعه وكثرة تداوله، والشاعر الفذ صياد ماهر يعرف كيف يلقي شبكته.. ومتى؟.. وأين؟
   من الطبيعي أن تتعدد الموضوعات الشعرية في نتاج أي شاعر تبعاً لمراحل حياته، ونفسيته، والظروف الخارجية التي تحيط به، وتؤثر فيه.
   لقد تعددت الموضاعات الشعرية كما وجدها الباحث، نذكر منها:
ـ الحب والغزل:
"الحب إله يتجسد في القلوب،
الحب هو الذي خلقنا.
فالقلوب المتحجرة أخذت تنبض بالحب" ص163.
ـ الدينية:
"وتبحر موضوعاته الى الله الذي لا يقبل بالاقتتال:
ربّ السما بقرآنك تمجّد
وخلّصت شعبك من جحيم النار" ص164.
ـ الوطنية والانسانية:
"فقد رسم لبنان في قلبه دفقات حيّة، فتوالت موضوعاته، وهي تخدم المضمون ةالاطار والهدف:
عطيني العرش والتاج يا ربي
وسيف الحقيقه الـ حاملو بإيدك
تا ردّ هالضربات عن شعبي
كرمك أنا.. وشعبي عناقيدك" ص164.
ـ التعبّد والزهد:
"وكأنك ترسمها ـ الفكرة ـ في تعاليمه وزهده ومثاليته:
شلحني بشي دنيي منسيه
نفخني ريح وومضة برق
طيّرني فراشه" ص167.
   بالاضافة الى الموضاعات الاجتماعية والوصفية والنفسية، أما الطبيعية، فيصارحنا بأنه لم يخصص لها فصلاً خاصاً، "ذلك أن الطبيعة مزروعة في كل صوره الشعرية" ص171.
   وعن القصة، ذكر أن الشاعر "يروي قصة "بهيسة" في ديوانه "كيف أينعت السنابل"، وكيف كانت معارك داحس والغبراء" ص171. مستقياً فكرتها من التاريخ العربي.
**
ميزات الدراسة
   لقد حقـّقت الدراسة أهدافها وفق النهج الذي رسمه الباحث، والخط الذي سار عليه، فامتازت بعدة خصائص منها:
ـ الموضوعية:
   بحيث انه كان يمهّد لكل فصل بذكر المؤثرات الداخلية والخارجية، المتصلة بشخصية الشاعر ونتاجه، ونادراً ما لجأ الى الاستطراد إلا اذا كان يخدم الموضوع.
ـ الشمولية:
   فقد عالج الموضوعات بكل جوانبها، وأحاط بها احاطة تكاد تكون شاملة.
ـ العمق والدقة:
   ويظهر ذلك بوضوح في البحث.
ـ المنهجية الاكاديمية في البحث:
   لجهة الاعتراف بالامتنان والتقدير للأدباء الذين مدوا له يد المساعدة بشكل من الاشكال.. وعدد صفحات الفصول، اذا استثنينا بعضها، وقد جاء تمهيداً للدراسة. وذكر الهوامش وقلة الاستطرادات، وعدم الخروج عن موضوع البحث.
لفت نظر
   الحقيقة ليس لنا مآخذ تذكر على الكتاب ـ الدراسة. انما هناك "لفت نظر" الى بعض النقاط:
   يقول الباحث: "صوره لم تعرف تهويمات هذا الشعر المسمى بالشعر الحديث، وألغاز وغموض صوره" ص154.
   ثم يقول: "الوطن لديه قصيدة مجرحة ذات أخاديد، لم تتهشّم القصيدة على يديه كما تتهشّم على دعاة الشعر الحديث" ص173.
   ان القول "دعاة الشعر الحديث" و"المسمى بالشعر الحديث" لا يتفق ومنهجية البحث، ولا يليق بمناقبية الباحث.
   ان مدرسة أدبية وشعرية لها أسسها، ومبادئها، ومؤيدوها، وشعراؤها، وانتشارها، من حقنا أن نقف منها في الجانب الآخر، ولكن لا يحق لنا أن نتهكم منها.
   مع العلم أن للشاعر شربل بعيني العديد من القصائد التي تنتمي الى هذا المذهب باعتراف مباشر منه، وقد وضعها في زاويته "ستوب" في جريدة "صدى لبنان" تحت عنوان "الحداثة في الشعر العامي اللبناني"، وهنا نتساءل:
   ترى هل أن الباحث قد فاته الاطلاع عليها؟
   أم انه اطلع عليها وعمد الى تجاهلها؟
   هل أدرك ان مذهب الصوفيين العرب، وقد استشهد بأحد رواده "ابو زيد البسطامي" في الصفحة 119.. يقوم على الشطحات والاشارات والرموز، الى حد أن كان لهم لغة خاصة يتداولونها فيما بينهم، ولا يفهما الا الصوفي نفسه؟ مثلاً الألف: تمثل الله تعالى، والنقطة تحت الباء تمثل العبودية، الى ما هنالك.
   يقول: "وسار مع قلبه وخياله بالوصف المباشر، وبالتقرير" ص153. ويكرر هذا القول في أكثر من مكان، مثلاً، يقول في الصفحة 150: "قصائده في منتهى الوضوح والافصاح".
   ويصرح في الصفحة 162: "أن أرقى أنواع الفن هو الذي يدعك تسأل وتتساءل".
   وهنا نتساءل: 
ـ هل التساؤل الشعري مصدره الوصف المباشر، والتقرير، ومنتهى الوضوح والافصاح؟
ـ هل هذه العناصر تحدد هوية القصيدة من حيث شعريتها أو عدمها!؟
ـ وهل هي مصدر الرؤيا الفنية في الشعر؟
رغبات
   في الفصل ألخير من دراسته، وتحت عنوان "الصورة الفنيّة وترابطها مع ألأدوات التعبيرية"، كنا نرغب على الاستاذ الباشا أن يتناول، إضافة الى ما ذكر، ارتباط الأدوات التعبيرية بالصورة لجهة الكلمة كلفظ ودوران على اللسان من حيث تآلف مخارج الحروف أو عدمه. لأن ذلك يلعب دوراً هاماً في انبعاث الموسيقى الشعرية التي تؤثّر الى حد بعيد في ايصال الصورة الفنية الى المتلقي، وانفعال هذا الأخير بها عبر عملية التخيّل والتخييل.
   ومن باب الرغبة، واستزادة في الفائدة والمتعة، كنا نتمنى على الباحث أن يضيف الى دراسته القيّمة فصلاً بعنوان "شربل: ملاح يبحث عن ذاته"، هو في الوقت ذاته يبحث عن ذاته في كل أقنوم من هذه الأقانيم. ومن هنا ندرك قدر القلق والايمان والشك والمحبة والرفض والتمرد الذي يعانيه الشاعر في عملية بحثة الشاقة والمستمرة.
كلمة حق تقال
   إن الاستاذ محمد زهير الباشا:
ـ شاعر، ولو لم يكتب قصيدة، فلا يعرف الصيغة إلا الصائغ.
ـ باحث في بديع الأدب والشعر، يدرك كيف يختار مواد بحوثه ويعالجها.
   إذا كان قد سمى دراسته "شربل بعيني: ملاح يبحث عن الله"، فهو بدوره ملاح يبحث عن نفيس الأدب والشعر في بحور الأدباء والشعراء، وأظنه في دراسته القيمة هذه قد وجد أو أوجد درّة تستهوي محبي الحرف، وعاشقي الكلمة.
   فألف شكر للأستاذ الباشا على بحثه القيّم هذا، والى مزيد من النجاح في أبحاثه ونتاجه، تقدماً للأدب والشعر، وحافزاً لاستمرارية العطاء لدى الأدباء والشعراء.
صدى لبنان، العدد 634، 29/11/1988
**
مقدمة كتاب يوم محمد زهير الباشا
    30 حزيران لا أدري ماذا أسميه، أهو يوم الأديب محمد زهير الباشا أم يوم المغترب اللبناني في أوستراليا؟
   والحق.. انه يوم الاديب الباشا، ويوم الشاعر شربل بعيني، ويوم المغترب الأوسترالي، انه يوم الادب والشعر.
   فكل اجتماع باسم الحرف مساهمة في وضع حجر في بناء الانسانية في كل زمان ومكان ولغة.
    30 حزيران.. يوم الادب المهجري في استراليا، كان عرساً رائعاَ، تعانقت فيه الكلمة والنغم والصوت، فارتاحت له العين واستهواه القلب، وهفت اليه المشاعر والحواس.
   30 حزيران.. يوم لن يدخل متاهات الذاكرة ليصبح مجرد ذكرى، بل ليبقى ابداً شعاعاً ينير المستقبل، وحافزاً للعمل الجاد والبناء لاستمرارية الحرف وتألق الكلمة.
   ان الادب المهجري هو وليد جهود وتضحيات جمة، مادية ومعنوية، ورغم العقبات والصعوبات، استطاع ان يكمل مسيرته، ولو بخطوات بطيئة، وان يكوّن شخصيته، الى حد ما، ويحقق بعضاً من ذاته.
   واذا كان ادب المغترب، وخاصة الاميركي الشمالي منه، في النصف الاول من هذا القرن، قد طبع الادب العربي الحديث بطابعه، واثر بمبادئه ومفاهيمه وموضوعاته، فان ادبنا المهجري الاوسترالي ما برح يضع قدمه على الطريق بغية اثبات هويته في عالم الفكر والادب.
   ولا ابالغ اذا قلت ان الشاعر شربل بعيني يحتل طليعة الذين ساهموا في ارساء اساسات الادب المهجري، فقد استطاع شعره ان يطوي المسافات ويحطم الحدود ويصل الى البلاد العربية عامة ووطنه الام خاصة، وان تشغل مؤلفاته حيزاً مهماً بين اخوتها المقيمات، فانبرت الاقلام، المقيمة منها والمغتربة، تتدارسه وخير شاهد على ذلك الاديب محمد زهير الباشا الذي احتفل بيومه في 30 حزيران تكريماً من اهالي مجدليا المقيمين منهم والمغتربين على دراسته القيّمة "شربل بعيني: ملاح يبحث عن الله" التي تعد باكورة الاهتمام الفعلي والجدي بأدبنا المهجري الاوسترالي.
   لقد كان يوماً ادبياً مهجرياً بكل معنى الكلمة، حيث ضاقت صالة "تاون هول" غرانفيل، على وساعتها، بحشد غفير فاق كل تقدير وتوقّع، كما حضرته ايضاً غالبية الوجوه الادبية والفنية والصحفية والاجتماعية من ابناء الجالية، كذلك نقلت بعض وقائعه اذاعة الـ تو اي آي المتمثلة بالسيدة ماري ميسي.
   وميزة 30 حزيران كونه يوماً متعدد الجوانب بما يلائم سائر الميول والاذواق، فمن مهرجان ادبي وشعري الى موسيقى وغناء وتمثيل، الى معرض لنتاج الادباء والشعراء المحليين، وآخر للوحات فنية رائعة للفنانين والفنانات، جورج يمين، رنده عبد الاحد، تجمع المسنين العرب، انور يوسف، نجوى عاصي، سايد الحايك، اضافة الى عرض نماذج تنمّ عن تقنية عالية لمطبعة "راليا برس"، كما قام الاستاذ سليم الزبّال بالعرض الاول لبعض مقتنيات مركز المعلومات والدراسات العربية في اوستراليا، ونماذج لاكثر من 74 جريدة ومجلة عربية صدرت في اوستراليا مع كشف باسمائها.
   ورغم غياب الاديب الباشا عن يوم تكريمه، فقد كان حاضراً من خلال الرابط الادبي والشعري الذي يجمع كل اديب او شاعر في العالم بنظيره، بغض النظر عن تشعّب المدارس الادبية واختلاف التظرة الى الامور والقضايا الانسانية.. ومن خلال تمثيله الرسمي بالاستاذ فؤاد نمور الذي القى كلمته، وقد منحته رابطة احياء التراث العربي في اوستراليا، جائزة جبران السنوية، تقديرا له لجهوده الجبارة في حقل الادب عامة والمهجري منه بخاصة.
   افتتح المهرجان مختار بلدة مجدليا، فنوّه باسمه وباسم ابناء بلدته، المقيمين والمغتربين، بالابن البار الشاعر شربل بعيني، وشكر الاديب الباشا واهداه قلماً ذهبياً باسم من يمثّل، وكذلك رحب بالحضور على مشاركته، وكانت المفاجأة عندما اعلن عن وضع اليد العامة في البلدة على البيت الذي ولد فيه الشاعر بعيني.
   ثم كانت كلمة الترحيب باللغة الانكليزية للاديب كلارك بعيني معد سلسلة "شربل بعيني باقلامهم" والتي صدر منها حتى الآن خمسة اجزاء.
   وقد شارك في المهرجان، اضافة الى كلمات الادباء والشعراء التي سنثبتها كاملة:
ـ المطرب المحبوب ميشال هيفا مع فرقته الموسيقية "فرقة ارز لبنان" المؤلفة من نخبة من الموسيقيين المهجريين: بيار آرمو "اورغ"، سامي هيفا وجوزاف يموني "ايقاع"، ادوار هيفا "دف"، بدوي حرب "طبل".
ـ المطرب البير اسطفان.
ـ فرقة "مدينة الشمس" الفولكلورية التي اسستها الفنانة اللبنانية النشيطة دايان هندي، وهي تضم كذلك: جو هندي، جوان نصر، جو عبود، سيلفانا بو ملحم، جايمي وهبه، رانيا جورج، ستيفن سركيس، فيكي الهندي، دانيال بو ملحم، وراده متري.
ـ الطفلة الموهوبة ريما الياس التي كانت نموذج الطفولة اللبنانية البريئة.
ـ نجوى عاصي ورئيف البابا اللذان اظهرا مقدرة فنية من خلال "الاسكتش" الرائع الذي كتب كلماته واخرجه الديكوريست رئيف البابا.
ـ ستديو حنا "هاريس بارك"، الذي صور وقائع المهرجان مظهراً موهبته في التصوير وتقنية فنية عالية.
**
ندوة إذاعية عن أدب شربل بعيني
    نتاج شربل لـم يتوقّف عند حدود أستراليا، بل تخطّاها، "طار" إلى لبنان والبلاد العربيّة، فقيلت فيه كلمات، وعقدت لنتاجه ندوات، وكتبت حول دواوينه دراسات، نذكر منها دراسة الأديب محمد زهير الباشا "شربل بعيني ملاّح يبحث عن اللـه".
   وفي لبنان، بلد الكلمة الأقوى من المدفع، لـم تستطع الحرب القذرة أن تقتل ما في نفوس بنيه من فن وأدب وشعر وتكريم لأهل الفن والأدب والشعر.
   وإذاعة "الإذاعة" في برنامجها الخاص الذي يعدّه ويديره الأديب الأستاذ رفيق روحانا، استضافت الأديبة إبريزا المعوشي والدكتور عصام حدّاد صاحب "دار عصام حدّاد للنشر" في ندوة بعنوان "حول نتاج الشاعر شربل بعيني".
   في الندوة تحدث الدكتور حداد عن كيفيّة تعرّفه إلى الشاعر في المربد ـ العراق. ثـم انتقل إلى الكلام عن الظروف التي أجبرت الشاعر على الهجرة، وجعلت من شعره شعر مرارة من الظلـم وكبت الحريّات وثورة من أجل الحق والحريّات...
   بعدها وجّه معدّ الندوة الأستاذ روحانا السؤال للأديبة إبريزا المعوشي عن شربل، الإنسان والنتاج، فقصّت أديبتنا كيف أن لقاء قصيراً مع الشاعر أدخلها قلبه لتتعرّف إلى مكنوناته، وسبرت أغوار نفسه لتغرف من لآلئه، وقالت: "وطنيّة شربل تجعله يتحرّق للعودة إلى لبنان. ورغم هناءة عيشه يحن لوطنه".
البيرق بتاريخ 15 آب 1991
**
يا عيب الشوم
عمل مسرحي ناجح مسلوخ من الواقع المعيوش
   متى افتقد المجتمع المسرح، افتقد الرقيب والموجه والناقد، وكلما كان المسرح الصق بالواقع المعيوش، كان أعلق بالنفس والقلب والضمير.
   ومن الأعمال المسرحية الضخمة التي شهدتها الجالية هذا العام، كانت مسرحية "يا عيب الشوم"، التي كتبها وأخرجها الشاعر شربل بعيني، واشترك في تمثيلها حوالي ثلاث مئة تلميذ وتلميذة من الصفوف الابتدائية في مدرسة راهبات العائلة المقدسة المارونيات في هاريس بارك.
   والمسرحية، التي تمّ عرضها مساء الجمعة الماضي في 18 حزيران على مسرح قاعة كنيسة سيدة لبنان، وحضرها ما يزيد على الألف شخص، كانت، بحق، بمثابة منبه للجالية على الوضع المأسوي والحالة المزرية التي تعيشها.
   مسرحية "يا عيب الشوم"، تعد بحق احدى الأعمال المسرحية الصميمة، حيث خاضت غمار مشاكل لم يتطرق احد اليها من قبل، إما عن عدم قدرة والمام بالمسرح، وإما عن عدم جرأة وشجاعة.
   "يا عيب الشوم" مسرحية سلطت الأضواء على مجتمعنا لتكشف معايبه ومساوئه والمخاطر التي تنتظره إن هو لم يعد الى نفسه وجذوره وهاداته وتقاليده.
   لقد صوّرت حالة الانحلال التي أصابت العائلة اللبنانية خاصة، والعربية عامة، حيث بدأ ينفرط عقدها شيئاً فشيئاً اثر ابتعادها تدريجياً عن الأخلاقيات التي تحدرت منها.. صورت كيف ان الزوج يصرف ماله في سباق الخيل، وتحاول الزوجة اقناعه بالعدول عن ذلك، ولما لم تفلح في ذلك، بدل ان تحنو على اولادها، اتخذت منحى عكسياً فراحت ترتاد الملاهي الليلية، وتبدد الاموال على "البوكار ماشين" وهكذا اصبح الاولاد وحيدين في البيت، يتهددهم شبح البرد والخوف والظلام، ومن ثم زاغ الاولاد عن الطريق الحق، فارتمت الابنة الكبيرة في احضان البغي والخلاعة في "الكينغ كروس"، ولكن في نهاية المسرحية تعود العائلة للالتقاء من جديد.
   كما نجحت المسرحية في اعطاء صورة مضحكة ومبكية في آن عن الغني الذي جنى ماله بطرق غير مشروعة، وكيف ان وصيته كانت بعد مماته بأن يزوّد نعشه بكل وسائل الراحة والترفيه كالتلفاز والتلفون ومكيف الهواء.
  ولم ينجُ الادباء والشعراء والمغنون من النقد اللاذع حيث اصبح الادب والشعر والفن مهنة للكسب المادي، فالمغني يسرق اغانيه وينكرها على صاحبها، والشاعر يسرق شعره، وما يسمى بالأديب يهاجم سائر الادباء، ويدعي بانه يستطيع ان يقزّمهم ويمسح بهم الأرض.
   وكذلك كان للصحافة نصيبها من النقد، حيث ابتعدت عن رسالتها، واصبحت صحافة المناسبات الاجتماعية والماديات لا أكثر ولا أقل.
   وقد كانت للجمعيات والتجمعات حصتهم من النقد، فأظهرتهم المسرحية على حقيقتهم، كيف ان كل جمعية انقسمت على نفسها واصبحت جمعيتين او اكثر، واصبحت المراكز والمناصب في خدمة الاشخاص بدل ان يكون العكس.
   غير أن المشهد الذي استطاع ان يخطف الاضواء كان طاولة الشرف، التي تعبّر، حق تعبير، عن مرض حب الوجاهة والمظاهر الذي ضرب الجالية، فكل شخص يريد ان يكون مكانه على طاولة الشرف، وشرعت هذه الطاولة تطول وتطول حتى "احتلت" القاعة كلها.
   مهما تكلّمنا عن هذا العمل المسرحي العملاق لا يمكننا ان نفيه حقّه، وكل ما نستطيع قوله ان "يا عيب الشوم" نجحت الى أبعد حدود النجاح.
   والجدير بالذكر في هذه الكلمة الموجزة أن هذا العمل المسرحي هو السادس من نوعه من ـأليف واخراج الشاعر شربل بعيني، وتمثيل تلاميذ راهبات العائلة المقدسة المارونيات.
   فهنيئاً للجالية براهبات سيدة لبنان راعيات صالحات يقدن القطيع الى برّ الأمان.
   وهنيئاً للجالية بهكذا تلاميذ براعم ذكية تتفتّح في هذا المفلب من الأرض.
   وهنيئاً للشاعر شربل بعيني برائعته هذه، والى مزيد من النجاحات، والف مبروك.
العالم العربي ـ العدد 30 ـ 25/6/1993
**
تصوّر الواقع وتسعى لتغييره:
مسرحية "طلّوا المغتربين" 
في معهد سيدة لبنان
تحصد النجاح وتضحكنا من القلب

بقلم الاستاذ انطونيوس بو رزق

   "طلّوا المغتربين" اسم المسرحية التي مثّلها أكثر 350 طالباً وطالبة من الصفوف الخامسة والسادسة في معهد سيدة لبنان ـ هاريس بارك، الذي تديره راهبات العائلة المقدسة المارونيات، برئاسة الأخت ايرين بو غصن، ابنة داربعشتار، البلدة التي أنجبت العديد من الشعراء والأدباء والمفكرين ورجالات الوطن.
   المسرحية من تأليف وإخراج الشاعر شربل بعيني، وقد حضرها العديد من فعاليات الجالية: الدينية والاعلامية والرسمية واهالي الطلبة، الذين ناب عنهم مدير البنك العربي في أستراليا السيد جايمس واكيم بإلقاء كلمة شكر موجهة لمربي أطفالهم الشاعر شربل بعيني، جاء فيها:
   "عندما طلبت مني الاخت ايرين بو غصن أن انوب عن أهالي الطلاب بتقديم الشكر للأستاذ شربل بعيني على ما قدّمه من خدمات في معهد سيدة لبنان، شعرت باعتزاز القيام بهذه المهمة.. كونه بدأ نشاطه التعليمي في هذا المعهد منذ عام 1981، وكتب العديد من الكتب المدرسية والمسرحيات، وهو الذي أصدر أكثر من 25 كتاباً شعرياً، ترجم بعضها الى لغات مختلفة، كما تلقى جوائز تقديرية من مؤسسات محلية ومن الحكومة اللبنانية".
   وفي الختام، اشاد واكيم بإنجازات الشاعر شربل بعيني، وقال:
   "إن عمله المسرحي الذي سيعرض علينا الليلة خير شاهد على براعته التصويرية والأدبية، لذلك اغتنم الفرصة لأهنئه على كافة جهوده وعطاءاته".
   وقبل عزف النشيدين الاسترالي واللبناني، اعتلت المسرح رئيسة المعهد الاخت ايرين بو غصن، والقت كلمة صغيرة نابعة من القلب، ومفعمة بأشياء كبيرة وكثيرة على حد تعبيرها، وإليكم ما جاء:
   "مساء الخير وأهلا وسهلا بالجميع..
   كلمتي صغيرة جداً، ولكنها نابعة من القلب، ومفعمة بأشياء كبيرة وكثيرة.. فقبل أن تبدأ مسرحية أطفالنا، أحب أن أرحب بالجميع، بالأباء الأجلاء، بأخواتي الراهبات، بممثلي الاعلام المرئي والمسموع والمقروء، بالأصدقاء والأحباء والأهل، وكل فرد شرّفنا بوجوده.
   حفلتنا الليلة لا تعرف الخطابات ولا الواجبات ولا السياسة.. حفلتنا الليلة ليست حفلة كبار بل أطفال صغار عرفوا كيف يجسدون فيها أفكار الكبار وأحلام الصغار، طمع الأغنياء وتشاوف الذين أصبحوا كباراً، غنج المهاجرين الجدد، وبراءة ابن الضيعة، الذي لم تغير لون مبتكرات العصرالتكنولوجي، ولم تشوّه حياته السياسة ولا الرئاسة ولا المادة. وما عليكم أنتم الا ان ترتاحوا في مقاعدكم، وان تتنعموا بساعتين من الضحك المتواصل.
   والآن اسمحوا لي أن أشكر الهيئة التعليمية التي هي حركة دائمة في هذه المدرسة، وأطفالنا الصغار الذين هم شعلة ذكاء، وكتلة ابداع، لا بل هم مجموعة من المواهب خلقها الله ووضعها بين أيدينا.
   وشكري الأكبر لمن كان وراء هذه المسرحية وكل مسرحية عرضت من قبل، هذا الذي عرف كيف يستغل مواهب أطفالنا ويفجّرها على المسرح، هذا الذي أدرك ان العلم لا يكون عن طريق الكتاب فحسب، بل بالدخول الى الحياة بواقعها اليومي، عنيت به الشاعر والمربي والأديب الأستاذ شربل بعيني.
   شكري أيضاً لكل شخص ساهم ويساهم، من قريب او بعيد، ان كان معنوياً او اجتماعياً او كادياً، واسمحوا لي ان انوّه الليلة بتضحيات البنك العربي خلال السنوات الخمس الماضية من أجل مساعدة المدرسة وتزويدها بأجهزة الكومبيوتر الحديثة، وكلكم، بدون أدنى شك، تعرفون من يقف وراء هذا العمل العظيم، إنه الشخص المحب المتواضع الغني عن التعريف الاستاذ جايمس واكيم، وصدقوني اذا قلت انه الغى كل مواعيده حتى يحضر المسرحية، ويبدي اعجابه، فرحه، وتقديره للعمل وللمدرسة، ناهيكم عن تبرعاته المادية من أجل تحسين القسم العربي والمسرحي في المدرسة. فله كل الشكر والتقدير.
   أخيراً أتمنى لكم سهرة ممتعة مع فلذات أكبادكم وشكراً".
   تحكي المسرحية قصة قرية جبلية اسمها "تل الزعرور" يدير شؤونها مجلس بلدي ينطبق عليه المثل القائل "حاميها حراميها"، فلقد انغمس اعضاؤه بسرقة أموال البلدية، ما عدا "منتورة" التي وقفت في وجههم وصاحت:
ـ بلادكن طالعه من عشرين سنة حرب، قامت وقعت بين عشرين كلب عم يتناتشوا خيراتها.
   وعندما صوتوا بالاجماع على طردها من مجلس البلدية، هزّت رأسها باستخفاف وهي تقول:
ـ العمى.. ما طلع واحد منّن فيه خير لبلادو، قديش بدو يفتح هالتفتيش ملفات.. وقديش بدا تساع هالمحاكم حرامية؟
   وعندما اختارت زوجة الحرامي الأكبر رئيس بلدية "تل الزعرور" مدينة سيدني للتفسّح وللمشاركة بالألعاب الأولومبية، سخر منها زوجها قائلاً:
ـ وحياتك نص شعب سيدني بدو يهرب من هالحشرة.
   ولولا قلة التنانير العربية في الدورة لما ارادت ان تشارك بها:
ـ بالقليله بزيد عدد النسوان العم بيشاركوا.. ع طول الفرق العربية ما فيها نسوان.. يا عيب الشوم علينا ما منودّي ع الأولمبيك إلا رجال مشوربه؟!
   وبما ان الحالة الاقتصادية في البلدة متردية للغاية، فلقد ابتهج سكانها عندما سمعوا بقدوم وفد اغترابي من أستراليا، وقرروا أن يشلّحوا المغتربين ثيابهم.. ولكن أحدهم قال:
ـ وبركي كانوا فقرا وما معن إلا إحم إحم إحم..
فأجابه رفيقه:
ـ جايين من أستراليا وما معن إلا إحم إحم إحم.. هونيك يا حبيب إمك من دون ما يشتغلوا بتوصلّن التشيكات ع بيوتن.. حكومتن دفّيعه مش متل حكومتنا.. إذا في بتمك لقمة خبز بتشلحك ياها تا ترد الأموال المسروقه.
   "طلّوا المغتربين" تعالج مشاكل كثيرة، رماها الأطفال بين أيدينا، وكأنهم يسخرون منا نحن الكبار، وأهم المشاكل التي لم نتمكن من حلّها.. الطائفية:
ـ بعدنا منشرب طائفياً، ومناكل طائفياً، ومنشتغل طائفياً ومنكذب ع ألله طائفياً..
ـ إذا منضل نقسّم المدن ونكتب ع مدخلا: هيدي قلعة المسيحيه وهيدي قلعة الاسلام، قولوا ع لبنان السلام.
ـ مهووس ديني واحد بيقدر يلعب بعقول الناس وبحرق بلدنا.. كلنا إخوان لمن منتلاقى بالشارع، وكلنا اعداء لمّن منروح نصلّي..
   كل عبارة في المسرحية بحاجة الى دراسة مطوّلة، رغم كوميديتها الصارمة الهادفة، التي أضحكت الجمهور حد البكاء، وجعلته يتعلّق أكثر فأكثر بخشبة المسرح دون ملل أو تأفف.
   وعندما حان موعد رجوع الوفد الاغترابي الى الوطن، منعهم المقبمون من العودة:
ـ لوين رايحين وتاركينّا؟ مش رح تهرب أستراليا.. خليكن هون.. انتو تعلّمتوا الحريه علّمون نصير أحرار.
   وبدأت الدموع الغزيرة تنهمر على خدود أولئك الذين خططوا لسرقة اموال المغتربين، وأدركوا ان لبنان لا يقوم إلا بجناحيه: المقيم والمغترب.
   وقفة مشرّفة وقفها المغتربون في نهاية المسرحية عندما رموا بأوراقهم الثبوتية بوجه رجال المخابرات الذين جاؤوا للقبض على "منتورة" البريئة، التي رفضت أن تسرق قرشاً واحداً من أموال البلدية.. وصاحوا بصوت واحد:
ـ أنا إسمي "منتورة"..
   وبما أن السجون مليئة بالأبرياء، وبما أن رجال المخابرات لا يهمهم سوى ارضاء الحاكم، صاح رئيسهم:
ـ إذا كان هيك ارفعوا ايديكن وشرّفوا معنا ع الحبس.. كنّا بمنتورة وحده صرنا بألف منتورة.. يللا مين فاضي يعدّن.
   بهذه الكلمات انتهت المسرحية، لتبدأ بعدها قصة مواهبنا الصغار الذين جسّدوا هذا العمل الكبير بثقة واندفاع قل مثيلهما.
   ألف شكر لراهبات العائلة المقدسة المارونيات، وعلى رأسهن الأم ايرين بو غصن، وألف شكر لأطفالنا العباقرة.. وألف شكر للشاعر شربل بعيني.. وإلى اللقاء في مسرحية أخرى بإذن الله.
البيرق ـ العدد 1766 ـ 6 تموز 2000
**