حذار أن تصادق شربل بعيني

**
مقدمة بقلم شربل بعيني
لم أصدق عينيّ حين وجدتُ في بريدي الإلكتروني رسالةً من الشاعرة المصرية الكبيرة "فاطمة ناعوت" تخبرني بها عن وصولها إلى أستراليا، ونزولها في أحد الفنادق الفخمة، فما كان مني إلا أن اتصلتُ بإدارة الفندق التي حولتني إلى هاتف غرفتها ليصدح صوتها الجميل:
ـ ألو.. مين معي؟
ـ شربل بعيني..
ـ كيف حالك يا أخي شربل.. أنا مشتاقة لك كثيراً.
ـ سآتي الليلة مع رئيس رابطة إحياء التراث العربي الأستاذ إيلي ناصيف لاصطحابك إلى سهرة مع رئيس وزراء أستراليا "طوني أبوت" والوزير "فيليب رادوك”.. وباقي الوزراء الأستراليين، والعديد من النواب والشخصيات الاجتماعية والسياسية والفكرية.
ـ وفي أية ساعة تريدني أن أكون جاهزة؟
ـ الثامنة مساء.
ـ سأنتظرك.
   وعندما دخلت الفندق مع الصديق الغالي إيلي التقينا برئيس وزراء ولاية نيو ساوث ويلز السيد باري أوفيرولد، كان يتطلع شمالاً ويميناً وكأنه يبحث عن شيء ما دون جدوى، فسأل أحد موظفي الفندق عن مكانه الضائع، فدله عليه دون أن يلتفت له، وكأنه لا أحد على الاطلاق. فاقترب منه إيلي وسأله:
ـ مستر أوفيرولد.. ألن تحضر حفلة الوزير فيليب رادوك الليلة؟
فقال وهو يهز رأسه:
ـ لا.. أنا مرتبط بحفلة زواج.
   فهمست بأذن ايلي:
ـ هل رأيته كيف يتجوّل ضائعاً في أرجاء الفندق دون أن يكترث به أحد، حتى االعامل الفقير دله على القاعة دون أن يلتفت له، إنه رئيس وزراء ولايتنا هذه!
ـ أف يا شربل.. ماذا كان سيحدث لو مر رئيس وزراء أصغر دولة في الوطن العربي؟
ـ أتمنى أن لا يمرّ.
وما أن أنهيت عبارتي هذه حتى أطلت شمسُ مصر وصوتها الداوي السيدة فاطمة ناعوت.
كانت أجمل من كل الصور التي التُقِطت لها ونشرت على الانترنت، فقلت في سري وأنا أحدق بفاطمة الجمال والعلم والادب:
ـ كيف يجروء بعض البلهاء التفهاء السفهاء المتزمتين على إدراج اسمها ضمن لائحة "هدر دم" من 37 شخصية قيادية في مصر الحبيبة بغية التخلص منها أينما كانت وأنّى وجدت؟
ومن دون أن ألفت انتباهها مسحتُ دمعة أحرقت وجنتي، واتجهت نحو السيارة.
وبينما كنّا نقطع المسافة بين الفندق ومكان الاحتفال، أخبرتُها قصة ضياع رئيس وزراء ولاية نيو ساوث ويلز، فقالت بإصرار بالغ:
ـ نحن في مصر على استعداد أن نضحي ونموت كي نصل إلى هذا المستوى من الرقي الديمقراطي.. وسنصل يا شربل.. سنصل.
   وبعد هذا الكلام سأتوقّف عن الكلام. لأبدأ بتكريم من تستأهل التكريم، كيف لا، وهي التي تحمل دمَها على كفّها، كما يقول المثل الشعبي، بغية انقاذ شعبها من مرارة العيش والاضطهاد والغدر.
   هم يحملون أدوات الموت، يخيفون بها الشرفاء، ويزهقون الأرواح البريئة، وهي تحمل القلم، أداة الحياة، لترد به خوفَ القبور عن أولئك الشرفاء.
   هي امرأة، وهبها الله مِنّة الخلق، وهم رجال ملتحون، ابتلاهم الجهلُ بعقول صغيرة، وقلوب حقيرة، ليقضوا على كل ما هو جميل.
   لذلك، قررنا، معهد الأبجدية في جبيل ومؤسسة الغربة الاعلامية في سيدني، منحها "جائزة شربل بعيني لعام 2013" لتنضم إلى العديد من المبدعين الذين تشرّفت بهم الجائزةُ لسنوات عديدة. وقد سلّمها إياها الإعلامي "جوزاف بو ملحم”.
  "فاطمة ناعوت.. قبل أن نعلّق ميدالية الجائزة على صدرك، تعلّقت قلوبُنا بك، لدرجة لم نعد نعرف بعدها: أقلوبنا هي التي تنبض أم قلبك الكبير. حماكِ الله.”
   هذا الكلام كتبتُه ونشرته عام 2013، أي أثناء زيارتها الأولى لمدينة "سيدني"، ألحقتُه بنشر ديوان "فافي" تكريماً لها، وقد أحدثت قصائدُه ضجّةً اعلامية كبرى، نظراً لصدقها، وعذوبة صياغتها.
   وكما ترون، وأنتم تطالعون الكتاب، أن معظم مقالاته جاءت كتعليقات لشاعرتنا الجبرانية، تشكر بها معظم الذين أعطوا "فافي" عصارة أفكارهم، وزخم محبتهم، وحسن التفاتتهم.
   أما في العام 2014، فلقد أطلّت مرّة ثانية على سيدني لاستلام جائزة "جبران العالمية"، التي مُنحت من قبل لفيروز، ونزار قباني، وعبدالوهاب البياتي، ونوال السعداوي، وعصام حداد، ونعمان حرب، ومحمد زهير الباشا، وغيرهم من المبدعين العالميين والعرب. وقد طلبت مني "رابطة إحياء التراث العربي" تقديمها بثلاث دقائق فقط فقلت:
"طلبتْ مني رابطة إحياء التراث العربي بشخص رئيسها الأستاذ "إيڤ الخوري" أن أُعرّفَ بضيفةٍ عزيزةٍ حلّت بيننا.. ويا ليتني رفضت، إذ ليس من حقّ الغربة أن تعرّفَ بالوطن.. وليس من حقّ الظلامِ أن يقترنَ اسمُهُ بنورٍ يُلهبُُ الدفءَ في القلوبِ ليُوزعَه على أكواخ الفقراء، كلما هددتهم الطائفيّة بالموت المُخجل. 
أجل أيها السيدات والسادة. أجدُ صعوبةً كبرى بالتعريفِ بمن أمسكت المجدَ من جميع أطرافه، فهي شاعرة، وأديبةٌ، وإعلامية، ومترجِمة، ومهندسة، ومناضلة، وإنسانة، وأم.. 
سيرتها الإبداعية من مؤلفات وترجمات ومؤتمرات وجوائزَ وتكريمٍ، لهي كتابٌ كاملٌ، فكيف لي أن أختصرَ الكتابَ بثلاث دقائق؟! 
حرفـُها بركانٌ.. يرتجف من صوته الحكّامُ الظالمون. تُعلّقه في ميدان التحرير صرخةً، وتحمله على الطرقات يافطةً، وتُهديه للحناجر أغنيةً ثورية. 
أمومتُها أرضٌ.. تَحرثها مع الفلاحين.. تبذرها قمحاً.. تجنيها خبزاً.. لتُطعمَه للجياع إلى الحرية. 
هندستُها طبيعةٌ.. تنقلُ الأهراماتِ إلى سيدني، والأوبرا هاوس إلى مصر، دون أن يرفّ جفنُ الخالق.. أو أن تتأففَ الجغرافيا.. 
هي المالكةُ للجمال، وهي المتحكمةُ به. خصّها الُله بالكلمة.. وكانَ اللهُ الكلمة. 
سَحَرَتْها محبّةَُ جبران خليل جبران التي "إن أومأتْ إليكم فاتبعوها"، فكتبتْ في عيد الحب: "سنعلنُ الحبََّ عليكم أيها الأشرار، ولن نتعلمَ منكم البغضَ والكراهية". 
وما أن رفعت صوتَها كامرأةٍ حُرّةٍ فوق أصوات أعداء الانسانية، وصاحتْ: إخْرَسوا. حتى أدرجوا اسمَها على لوائح الموت، وعندما يئسوا من التخلّص منها، جرّوها إلى المحاكم بتهمة ازدراء الدين.. ومَنْ غيرُها يشرفُ الدين؟! 
فما كان منّا إلا أن أصدرنا لها مجموعةً أدبية تكريمية بعنوان: "الملائكةُ تهبـِط في سيدني" لتوقّعَها ليلَ الاربعاء القادم في السادس والعشرين من نوفمبر في غرانڤيل تاون هول. فكونوا معها. 
وها هي الليلةَ تأتي إلينا من أمّ الدنيا، ليتجسّدَ الشعرُ والأدبُ والنضالُ ومحبّةُ جبران خليل جبران بامرأة واحدة.. أنجبتها مصرُ وأسمتها: فاطمة ناعوت.” 
   ولأنني أتقيّد بالوقت الممنوح لي، فلقد حذفتُ الكثير من التقديم، وخاصة بعض عبارات وصفتْ فيها فاطمة ناعوت الشاعرَ بدقة متناهية مثل:
الشاعرُ كونٌ كامل. 
بشرٌ، وأرض، وسماء، وطبيعة 
وبراكينُ، ونارٌ، ونور 
والُله فوق كل هذا. 
فهل يحتاجُ الشاعرُ إنساناً رفيقاً؟
كتبُه الكثيرة بشرٌ حاشدون. 
يتلصصون عليه..
فلا تظنن أنه وحيد، 
هو مزدحم وكثير 
وشعب كامل.
   الكلام الذي ذكرت سابقاُ هو لها، أرسلته لي في إيمايل مبارك وجميل، ولست أدري إذا كانت تحتفظ به أم لا. أردت أن أبدأ به التعريف بفاطمة، بعد أن أضفتُ إليه ما يلي:
الشاعرُ نور..
يضيء ظلمات الأحبّة
بقناديل العشق..
بشموع لا تنطفىء
إلا ساعة الفراق.
**
هو البشر..
منذ القبيلة الأولى..
كان الصوتَ.. 
وكان عمرو بن كلثوم:
"ألا لا يجهلنْ أحدٌ علينا
فنجهل فوق جهل الجاهلينا"
كان الفخرَ والبطولةَ،
وكان المتنبي:
"الخيلُ والليل والبيداء تعرفني
والسيفُ والرمح والقرطاس والقلمُ"
كان الحب..
وكان نزار قبّاني:
"أخاف أن أقول للتي أحبّها.. أحبُّها
فالخمر في جرارها تخسر شيئاً عندما نصبّها"
هو محبّة جبران خليل جبران
التي "إن أومأت اليكم فاتبعوها"
هو الشعراء أجمع..
على امتداد دواوينهم الملونة 
كذيل طاووس رائع،
أو كقوسِ قزحٍ خجول.
**
وأخيراً..
هو السماء..
فما من نجمة أطلّتْ
في أفراح المحبين
إلا وكانت قلبه..
وما من قمر أضاء ليل العاشقين
إلا وكان وجهه..
**
الشاعرُ يبقى ناقصاً
إن لم تدخله تاءُ التأنيث..
فإن دخلته..
أصبح الشاعرُ شاعرةً
فيتجسد المتنبي 
ونزار قباني 
وعمرو بن كلثوم
وجبران خليل جبران
بامرأة واحدة.. أسمتها مصرُ:
فاطمة ناعوت 
 كتبتُ قصائدَ كثيرة بـ "فافي" ولكنني لم أستطع أن أجاريها روعة فيما كتبتْ عني. وأجزم أن أدب فاطمة ناعوت في هذا الكتاب هو الأصدق والأجمل، لأنه تلقائي، أنثوي، وأبعد ما يكون عن التزلّف.
لقد صدقتْ فاطمة حين قالت: "حذار أن تصادقَ شربل بعيني"، لأنني لن أرضى من أصدقائي كلاماً إلا ذا كان بمستوى كلامها. ولا محبة إلا إذا كانت تشعُّ كمحبة شمس مصر. 
أجل، ستظل فاطمة ناعوت الاسم الأجملَ الذي مرّ على لساني، وزيّن صفحات غربتي.
شكراً يا أحلى "فافي" على تخليدك لي، أنا الغارقُ في الحنين والألم.
**
أبواب الفردوس
   ما زال شربل بعيني، الشاعر والمثقف والصديق والحبيب، مازال مصّرًّا أن يكون الدائن الأكبر لي ولكل من يعرف. 
   ليس بوسعي أن أحصي أياديه البيضاء عليّ، تلك التي أغلاها هو أنه كل عام يمنحني أصدقاء جددًا، ليس بوسع المرء أن يصنعهم في دهور من فرط رقيهم وعلو قيمتهم.
   العام الماضي منحني فرائد ماسية بقامة جوزاف بو ملحم وإيف خوري وإيلي ناصيف وعلي حمّود، والعام منحني إسماعيل فاضل وأليكس حدشيتي.  
   فكم أحتاج من أعمار أحياها لأشكره على هداياه؟!
   من كتب اللهُ له أن يصادق شربل بعيني، فقد فتحت له أبواب الفردوس.
   شكرا إسماعيل فاضل على الكلمات العذبة.
وحبي لكم.
الجميلة بكم:
**
أغلى سيارة في العالم
ألأبيضُ لونُ السيّارَه
كيْ تكتبَ فوقَهُ أشعارا
كاللوحِ الثلجيِّ بدتْ
إنْ دارتْ تُشعلُ سيجارَه
 نقتها "فافي" لراحتها
 والزهرةُ تعشقُ أزهارا
 عيناها كبدرينِ معاً
 والثغرُ الفضّيُّ منارَه
 ألشكلُ سُلحْفاةٌ لكنْ
 إنْ شاءَتْ تسبُقُ طيّارَه
 ألإسمُ بأوّلهِ "فاءٌ"
 و"الفاءُ" ذكاءٌ وشطارَه
 من أحلى بأعينكُمْ؟ قولوا:
 تربحُها "فافي" بجداره.”
   أخيرًا أركب "السيارة الحُلم"، التي لم يبرحني حلم اقتنائها منذ طفولتي. أحب تلك السيارة لأنها مستوحاة من الجعران الفرعوني المقدس، الذي نراه على جدران وادي الملوك كخنفساء سوادء تخرج من الرمال تجرّ كرة متوهجة، ترمز للشمس التي تتحرك من الشرق إلى الغرب. جعلها المصريُّ القديم ختمًا ملكيا على الخطابات، وعلى مزاليج الأبواب لطرد اللصوص، وزيّن فصوص الخواتم كتميمة تحمي من الشرور، منقوش على جناحيه تعويذة: “آمون قوة التوحيد”.  لهذا فهي تنتمي لنا كمصريين، قبل الألمان وإن قال العلماء إن تلك الحشرة ظهرت على كوكب الأرض قبل ٣٠٠ مليون سنة.
   كانت السيارة البيتلز (فولكس فاجن) فكرة في رأس الفاشيست الألماني هتلر، فرسم اسكتشها بقلمه في ثلاثينيات القرن الماضي، وأمر بتصنيعها لشعبه، لتكون سيارة الأسرة الألمانية إذ تتوفر فيها بعض الشروط مثل: السرعة الفائقة (١٠٠ كم/ساعة )، الاقتصاد في الوقود (٧ لتر/١٠٠ كم)، الحجم العائلي، لأن "الأطفال لا ينفصلون عن الأبوين"(من أقوال هتلر)، تبريد هواء، لأن  الماء يتجمد في الريداتور  بفعل الطقس البارد. رخص الثمن (سعرها ١٠٠٠ رايخ). وكان اسمها الأصلي "كافير" Käfer وبالإنجليزية بيتل أي "خنفساء". ورغم مبتكرها الطاغية، إلا أن هذه السيارة الجميلة تعدُّ صديقة شباب العالم، وألهمت مؤسسة ديزني لعمل سلسلة أفلام "العربة الطائشة" تقوم فيها السيارة "هيربي" بدور البطل.
   هي سيارة صديقي "أحمد العربي"، المعدّ بالتليفزيون المصري، موديل ١٩٧٩، واختار لها لونًا أبيض لؤلؤيًّا وكحّل عينيها (فوانيسها الأمامية) بإطار أسود لتزداد حسنًا فوق حسن. بها أشياء لا تخطر على بال، مثل زر يتحكم في إضاءة عدادها الوحيد المدوّر. ومع الفرامل، يندفع الكرسي للأمام، ويصطدم أنفك بالزجاج الأمامي الرأسي بسبب غياب التابلوه، فيخبرك "العربي" ضاحكًا إنها خاصية الكرسي المتحرك الذي يمتص الصدمات. لا يقلق العربي من اللصوص ويترك سيارته مفتوحة، ليس لأنها غير مغرية للسرقة، بل بسبب تعويذة الجعران الفرعونية. إن ركنها في مكان، يعود فيجد الناس متحلقين حولها ظانّين أنها مفخخة، ربما لأنها "مفخفخة". وإن أغلقها ونسي المفتاح داخلها، فلا موجب للقلق، لأنه يمد يده من شنطة السيارة ويفتح الباب من الداخل. إن وجد كامين شرطة أو لجنة، يشير له الضابط بيديه ليمر، فإن طلب العربي أن يقف للتفتيش مثل بقية السيارات، نهره الضابطُ قائلا: “عدي بقا بحتّة الجبنة اللي انت راكبها دي!" طبعًا الضابط لا يقصد الإهانة، فقط اختلط عليه الأمر بسبب لونها الأبيض واستدارة جسمها الكروي فحسبها قطعة جبن دومتي كاملة الدسم.
   أشار العربي إلى مرآة الصالون قائلا: “يكفي أنني أنظر هنا فأشاهد ما ورائي دون أن أدير رأسي للخلف. كما أن هذه السيارة لديها مشاعر، حين أكون غاضبًا، تترفق بي ويدور المحرك من أول محاولة، وحين أكون منشرحًا، تبدأ المشاكسة واللعب فلا تدور إلا بعد نصف ساعة. ركّب العربي بها عدد ٢ كلاكس. أحدهما رومانسي حالم، يستعمله إن مرّت أمامه فتاة جميلة، والآخر مزعج خشن، خاص بالذكور. الآن يفكر العربي في جلب سائق خاص، وخلع الكرسي المجاور للسائق، ليجلس على المقعد الخلفي براحته ويمد ساقيه ويكتب على طاولة صغيرة أمامه، ويبحث إمكانية وضع ثلاجة صغيرة للمشروبات السريعة.
   حين نشرت صورة السيارة على صفحتي بفيس بوك، انهالت عروض الشراء. أحدهم قال: “ادفع فيها أي مبلغ تطلبينه.” وكتب فيها أحد أكبر شعراء لبنان، شربل بعيني، القصيدة السابقة.
   من حقك أن تعتبر هذا المقال إعلانًا لو علمتَ أن العربي يود بيعها. ومن حقي أن أعتبر مقالي هذا قصيدة مطولة في السيارة الحلم.
ـ من قصيدة "سيارة فافي" للشاعر اللبناني: شربل بعيني.
**
الأشيب الدهري
   لا، يا فتى الشعر الدهريَّ الأشيب!
   وأما “الدهري”، فعائدةٌ على الفتى، وأما الأشيب فمحض إضافة لمنع الحسد.
   الشاعر الحق لا يشيب لأنه يسكن قلبَ طفل، ولأن طفلاً أبديا يسكن قلبه.
   فلا تخف، يا شربل بعيني، من الشيب والكهولة لأنهما مفردتان لا تعرفان طريقهما إلى قاموسك.
   واما (لا) في صدر رسالتي فعائدةٌ على قولك إن صورتي أنقذت الديوان. صورتي جميلة بقصائد الديوان، ولولا الشعر العذب لظلّت محض صورة من آلاف الصور دون روح ولا معنى.
   قصيدة الخوري بديعة بديعة. ومنذ اليوم لن أخشى الليل ولا البرد لأن لي شالا من الشعر أتدثر به في وحدتي المستطيلة الباردة، كما قال الشاعر. فاشكرْه عني واشكرْ نفسَك عني كذلك. 
   الشكر لك على الشال الدافئ الذي غزلته لي بصبر بانيلوب وحبها وإخلاصها لعوليس، فحماها من الشطار والخطاب الرابضين عند بابها لا يبرحونه، والشكر للخوري على لفت نظري إلى ما يكسو كتفي منذ شهر ولم ألمحه.
   قصيدة وجه الله سأنشرها في صفحتي، ولكن امنحني الرابط لديك لأنني ضيعته والبحث في موقعك عسير على جنيّة صغيرة مثلي لا تستقر إلا فوق الشجر.
   كل ما كُتب وسوف يُكتب عن ديوانك جميلٌ وراق، لأن المادة المكتوب عنها- شعرك- راق وجميل. فلا تقلق لأن النقد سيكون محترما وإن كان سلبيًّا لأن الجميل لا يستنطق إلا جميلا.
تعليق على قصيدة فؤاد نعمان الخوري عن ديوان "فافي" ـ القاهرة 2013
**
الشاعر والقطار
 طبيبك لصٌّ..
   يجلس مجانًا مع شاعر ويستمتع بأفكاره وجنونه وتحليقه..
   ثم بدلاً من أن يدفع له مقابل ما تعلّم من جنون الشعراء، يأخذ منه مالاً!
   يا إلهي!
   عليك أن تسترد أموالك ثم تأخذ عن كل جلسة منحته إياها ألف دولار كمبلغ رمزيّ.
   انشر القصيدة كما نشرتها في صفحتي ودع الناس يتعلمون كيف يفكر الشعراء خارج الصندوق،
   وكيف يسيرون هم المساكين فوق القضبان مثل القطارات التعسة،
بينما الشعراء ينطلقون مثل الطيارات الورقية، لا قانون يحدّها إلا قانون الجمال والحرية:
"طيري يا طيارة طيري 
فوق سطح الجيران، 
نفسي أرجع بنت زغيرة 
وينساني الزمان"
   أما القطار المسكين، فإن حاول أن يُبدع ويخرج عن القضيبين، صنع كارثة مروعة،..
   فهو لم يُخلق إلا للسَّوْس والانقياد والسمع والطاعة.. بينما الشاعر حرٌّ ُيضيق الكونُ  عن تحليقه.
   علّمِ الناسَ الطيرانَ والتحليق والجنون والحب يا شربل بعيني..
   ثم عش ألف عام وعام.
القاهرة 2013
**
الكاتب الداهية
سألني الصحفيُّ، في حوار لجريدة “القدس العربي”: “مَن هو الكاتبُ الداهية؟”
   وأدركتُ أنه يشير إلى النعت الذي وصفتُ به الروائي الأمريكي “فيليب روث” في مقدمتي لروايته “الوصمة البشرية”، التي ترجمتُها للعربية وصدرت قبل عامين عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، سلسلة الجوائز، فيما يربو على ٨٠٠ صفحة. فأجبته بما عنَّ لي، ثم قررتُ أن أكمل إجابة السؤال في مقال، أعلم سلفًا أنه سيكون غير مكتمل أيضًا!
   كلُّ كاتب يستطيع أن ينتزع منك، وأنت تقرأه، كلمة: يا إلهي! - الله! كيف هذا بحق السماء!- لعنة الله عليك!” وسواها من صيحات الدهشة، أو الاستنكار، هو بالضرورة كاتبٌ داهية. كل روائي ينتصر عليك فيهزمك ويجعلك تبكي أو تضحك أو تترك الكتاب وتفكر، أو تشرد في سقف الغرفة، هو بالضرورة كاتبٌ داهية. كل شاعر يجعلك ترى الأشياء مختلفة بعد قراءة قصيدته، عما كانت عليه تلك الأشياء قبل القراءة، هو بالضرورة كاتبٌ داهية. كل أديب يجعلك تسأل: كيف بنى الرجل هذه الجملة، أو كيف التقط هذه الفكرة، هو بالضرورة كاتبٌ "داهية.
   الكتابةُ فعلٌ عسِرٌ. نبوءة. استشرافٌ للغيب. رسالةٌ غيرُ سماوية يكتبها إنسانٌ راءٍ شاهد وسمع ما لم يره سواه ولا سمعه. أما فيما عدا هذا، فمحضُ كتابات عابرة، يكتبها عابرون، ويمضون، دون أن يشعر أحدٌ بهم أو بما كتبوا. 
   قال نزار قباني مرّة: “إن لم تستطع أن تكون مدهشًا، فإياك أن تتحرش بورق الكتابة”. ولو اعتمدنا هذه العبارة “المدهشة” معيارًا وقانونًا، فانظروا كم من الكتّاب سيدخلون في زمرة “المتحرشين” بالورق الأبيض! 
   تشيكوف، كاتبٌ داهية، حين يحكي لنا عن الحوذي الذي مضى يومَه يبحث عن أُذن تُصغي لقصة ابنه الذي مات. 
   فرجينيا وولف كتابةٌ داهية حين تحكي لنا عن بقعة صغيرة على زجاج نافذة قطار تحاول سيدة مسافرة مجهولة الاسم أن تمحوها بقفازها كأنما تمحو خطيئة قديمة ارتكبتها وتريد ألا يراها الله الذي يراقبُها من فوق غيمة يجلس حاملا صولجان الحكم مثل ملك عجوز. أو وهي تحكي عن الفستان البشع الذي ارتدته في الحفل وهي تظن أنه ساحر، فجلب سخرية النساء. فراحت تنظر إليهم وإلى نفسها فكان الجميع حفنة من الذباب تتحلّق حول صحن من العسل قبل أن تسقط الذبابات في أسر لزوجة العسل ولا يستطعن فكاكًا. 
   بشارة الخوري كان داهية حين قال: “لو مرَّ سيفٌ بيننا لم نكن نعلم هل أجرى دمي أم دمك”. 
   إبراهيم أصلان كاتبٌ داهية وهو يحكي لنا عن قطرة من عصير الليمون تسقط على جانب شفاه رجل تحت الإغماء ويحاول أن يلتقطها بطرف لسانه فلا يقدر. 
   نزار قباني داهية حين يصف ارتباك المرأة بين ذراعي حبيبها إذ يراقصها فلا تعرف ماذا تفعل بذراعيها وأين تضعهما بحيث لا تبين لهفتها ولا يختفي حياؤها؛ فتقول: “وحيرتني ذراعي أين ألقيها”، وكان داهية حين لخّص محنة مجتمع فقال: “تطلبين مني، توصيةً للبحر حتى يجعلكِ سمكة/ وتوصيةً للعصافير حتى تعلمك الحرية/ حتى يعترف بأنك امرأة/ حتى يؤجل موعد ذبحك”. 
   ابن الفارض شاعرٌ داهية حين يقول مناجيًّا رب العزة: “أحبُّك حبّين، حب الهوى، وحبًّا لأنك أهلٌ لذاك.”  
   بلقيس، ملكة سبأ، امرأة داهية حين تنظر إلى عرشها الذي جاء به جند الملك سليمان، وسألها: “أهذا عرشُكِ؟”، فقالت: “كأنه هو!”، جملة شديدة الدهاء، فلا العرش هو، ولا ليس هو، حيث يشبه عرشَها في هيكله بينما تبدّلت أحجاره الكريمة على ألوانها. 
   الحلاج حين يصف حلوله في الذات العُليا: “أنا مَن أهوى/ ومَن أهوى أنا/ نحن روحان حللنا بدنا” كان شاعرًا صوفيًّا داهية. 
   أحمد عبد المعطي حجازي حين قال: “هذا الزحامُ، لا أحد!” كان شاعرًا داهية. 
   دانتي إذ يقول في الكوميديا الإلهية في فصل “المطهر” بالقصيدة السادسة عشر: "إذا كان العالم الحالي منحرفاً وضالاً فابحثوا عن السبب في أنفسكم" كان كاتبًا داهية. 
   شربل بعيني، الشاعر اللبناني، حين قال: "الشعراءُ يتنفسّون برئة واحدة. إن تألّم أحدُهم، تألّم الجميع" كان شاعرًا داهية. 
   “لا تقاوموا الشرَّ بالشر، بل قاوموا الشرَّ بالخير”، “انصرْ أخاك ظالمًا بأن تردّه عن ظلمه” مقولتان داهيتان للسيد المسيح وللرسول محمد عليهما السلام. 
   تشارل ديجول حين قال: “المقابرُ مليئة برجال لا غنى عنهم” كان سياسيًّا داهية. 
   علي بن أبي طالب حين قال:“حين سكت أهل الحق عن الباطل، توهم أهل الباطل أنهم على حق” أو “لا تستوحشوا طريق الحق لقلّة سالكيه” كان خليفةً داهية. 
   وحين قال جون دافيس: "جميعكم تضحكون عليّ لأنني مختلف. وأنا أضحك عليكم لأنكم متشابهون" كان فيلسوفًا داهية. 
   وحين قال إيميل زولا: "إن أخرستَ الحقيقة ودفنتها تحت الأرض، سوف تنمو وتُنبت" كان كاتبًا داهية. 
   أما الذي قال: “إني لأعجبُ كيف يمكن أن يخون الخائنون!/ أيخونُ إنسانٌ بلاده؟!/ إن خان معنى أن يكون/ فكيف يمكن أن يكون؟!” فكان داهية اسمه بدر شاكر السياب.
وأخيرًا، ليت لي مساحة مقال بألف صفحة لأعدد دواهي الكتّاب، ويكتمل مقالي الناقصُ هذا!
**
ألله.. ألله
   الله يا إيلي!
   أحببتُ نفسي حين قرأت كلماتك عني.
   وأحببتُ شربل بعيني أكثر.
   وأحببتُ الشعرَ أكثر وأكثر.
   وأحببتُ المحبة التي وهبتني كل هذا الجمال أكثر وأكثر وأكثر.
   وأحببتُ الله الذي هو المحبة وهو صانع كل هذا الجمال أكثر وأكثر وأكثر وأكثر.
   أجمل ما قرأت من نقد. وكذب أبو حيان التوحيدي حين قال إن الكلام على الكلام صعب، كان أحرى به يقول: الكلام على الكلام صعبٌ وجميل وعذبٌ حين يكتب شاعرٌ عن ديوان شاعر.
تعليق على ما كتبه ايلي ناصيف عن ديوان "فافي" ـ القاهرة 2013
**
الملائكةُ تهبطُ في سِيدني
"يمكنُ لشاعرٍ
أن يشقَّ البحرَ بخنصرِه
يروِّضَ المعاركَ
يلهو بقطعِ الكونِ فوق طاولتِه
ثم يُخرجَ من جيبِ سترتِه حِفنة شهبٍ
ينظِمُها عُقدًا لامرأتِه
وحدَه الشاعرُ
مَن أقنعَ التاريخَ
بالتنحّي.
هي لمْ تقرأِ الكتابَ على النحو الصحيحْ
وإلا لتعلَّمتْ أن الشاعرَ
إذا صنعَ آلافَ الأوراقْ
فإنه فقط يريدُ أن
يطيـــــْر."
   الشعراءُ مجانين. يلهون بقطع الكون في قصائدهم. ينثرون النجومَ فوق فساتين الصبايا. يسرقون القمرَ ويخبئونه تحت وسائد الجميلات. يُجبرون الشمسَ أن تحنوَ على رؤوس الأصدقاء المسافرين. ويأمرون الغيماتِ أن تُظلّلَ العشاق. الكونُ بأشيائه مُلكٌ لهم، وعلى المُتضرِّر، اللجوءُ إلى محكمة الشعر. فالشعراءُ أطفالٌ لا يعرفون الأوراقَ الثبوتية وعقودَ الملكية والأسوارَ والحدود. لهذا أهداني الشاعرُ اللبناني «شربل بعيني»، ثلاثة جبال متجاورة بأستراليا، وأهديته أهرامات الجيزة المصرية. 
   وتقول الأسطورةُ القديمة إن شقيقاتٍ ثلاثًا، من قبيلة كاتومبا، أحببن ثلاثة أشقاءٍ من قبيلة نبيان. لكن قوانين القبيلة منعت زواج الأحبة. فقرر الفرسانُ اختطاف الحبيبات. واشتعلت حربٌ بين القبيلتين، خُشي معها أن تصابَ الجميلاتُ الثلاث بسوء، فحولهن كبيرُ السحرة إلى ثلاث صخور، على وعد بإعادتهن إلى صورتهن البشرية بعد انتهاء الحرب. لكن الساحرَ قُتل في الحرب، ولم تُفكّ التعويذة إلى يومنا هذا، فأخذت الجبال اسم Three Sisters   
   أنا اليومَ في سيدني أتسلّمُ هديتي الأسطورية. فمنحتني السماءُ هديةً أخرى تسلّمتها في حديقة سيدني المركزية أمام شهود من حشود الكنغر والطواويس والنعام والببغاوات: جائزة «شربل بعيني» الأدبية التي أسسها الأديبُ اللبناني الراحل د. عصام حداد. والحقُّ أن هناك رابطًا بين الهدية والجائزة؛ إذ يقول حداد في شعار الجائزة: «على مَن ينال هذا الوسام أن  يكون على قدر المسؤولية، فمن يحمل جائزة،  كمن يحمل جبلاً.  إما أن يمشي مرفوعَ الرأس، وإما أن يرزح تحته.»
   في طريقي إلى مصر، سأحملُ ميدالية الجائزة، وأترك الشقيقات الثلاث في مرقدهن الجبليّ الأبدي بأحضان  Blue Mountains  لكيلا أُغضِبَ أبوريجينال، سكان أستراليا الأصليين. على أن يتذكر كلُّ سائح يزور الشقيقات الثلاث، أنه يجول في ربوع هدية أهدانيها شاعرٌ عذبٌ، جاء من لبنان يحملُ الشِّعرَ والحب ووجع الأوطان و"الغُربة".
   لكنني أعود إلى مصرَ وفي جعبتي كنوزٌ أثقلُ من الجبال. قلوبُ الملائكة التي هبطت من عليائها إلى أرض سيدني لتمنحني الحبَّ والدفء والرعاية. بدءًا بالحسناوات اللواتي استقبلنني في مطار سيدني بزهور زنبق أزرق وبالونات ملونة وعيون طيبة تسكنها بسماتُ فرحٍ باللقاء الأول، وليس انتهاء بعشرات اللمحات والمواقف التي تشير إلى المحبة النظيفة التي غمروني بها على مدار أيامٍ عشرة؛ حتى اكتشفتُ أني أثرى أثرياء العالم بحبّهم، وأجملُ جميلات الأرض بجمالهم. فالمرءُ ثريٌّ بقدر ما يمنحه الناسُ من حبّ، وهو أشدُّ الناس فقرًا وبؤسًا إن حُرم ذلك الحبّ. 
   الملائكةُ الذين هبطوا في سيدني ليملأوا جعبتي بالفرح، أكثرُ من أن يحتوي جمالهم مقالات أو أسفارٌ. لبنانيون سامقون في عالم الشعر والصحافة: شربل بعيني، جوزيف بو ملحم، ، إيف خوري، إيلي ناصيف، وعليّ حمود، والشاعرة الأسترالية آن فير بيرن. ومصريون من زهور أرض طِيبة، طار شذاهم إلى المحيط الهادي، لكن جذورهم الخضر مازالت مزروعة في مصر: ليلى، مينا (موحّد القطرين)، إيناس، راندا، حنان، رامي، هاني، القنصل المصري بسيدني د. أيمن كامل، ونائبته إيناس الجنزوي. 
    اختفى شربل من بين مَن جاءوا لتوديعي في رحلة العودة بعدما غمرني بوجوده الغنيّ الصاخب طيلة إقامتي بأستراليا. لكنني وجدتُ في بريدي الإلكتروني هذه الرسالة: «ودّعتُكِ في آخر الفيديو بأغنية فيروز: «مصرُ عادتْ شمسُكِ الذهبُ»، لأنني عاجزٌ أن أودّعك.» 
   وها هو الفيديو الذي سجل رحلتي الفريدة لبلاد الغجر والملائكة.
نصف الدنيا ـ القاهرة 2013
**
أنا لا أخاف
   نعم يا شربل
   ليست وحيدة من تحوز كل هذه القلوب الطيبة من حولها.
   صدقت.
   كلماتكم تجعل البيت البارد دافئًا والسقف الجاف من المطر رِيًّا.
   قل لجوزاف بو ملحم، ولشربل بعيني، إن فافي جميلة لأنها تنظر إليكم فينعكسُ جمالُكم على صفحة وجهها، فيظنها الرائي جميلة. لكنها لصّة جمال مثلما البدر لصُّ ضياء.
   بوذا مسكين.
   يقول لي حرريني من صخري الذي يُكبّلني وأنا أكتب لك قصائد أجمل من "أبو الشوش"!
   لكنه كاذب.
   فالشاعرُ لا يطلب كسر قيد لأن القيد لا يعرف طريق الشعراء. لو كان شاعرا حقا لكسر قيده بنفسه؟
   فأنت مثلا انتحرت من قبل ثلاث مرات، ومازلنا ننتظر الرابعة :) هكذا الشاعر حين يجنّ، "ومن الشباك لارميلك حالي. مش يقولي اكسري القيد وانا اوريكي؟ "..
   لا تهددني، ولا تهدد جوزاف أيها الفتى الشرير.
   فأنا لا أخاف أن ترسل وردات جوزاف لي، إلى زوجته. لا أقلق من غضبتها على زوجها الجميل لأنني أعرف معدن زوجات الأدباء. أعرف الطينة التي قدّهنّ اللهُ منها. لسن كزوجات الملوك والرؤساء والمهندسين والأطباء والفلاحين والساسة ورجال الأعمال المترهلين بالثراء أو النفوذ. التي تتزوج أديبا هي امرأة مجنونة بامتياز. فاتنة عالمة ذكية لا مثيل لها. امرأة قرأت كتالوج الأدباء وتعرف كيف يُعاملون. هم في النهاية أطفال، وكل امرأة تعرف كيف يُعامل الأطفال. ولا بد أن تكون هي أيضا طفلة وإلا لن يلعب معها رفيقها الطفل.
   سوف تضحك وهي تقرأ كلام جوزاف عني وتقول: "شو فيها؟! عادي! جوزاف زوجي جميل، وجماله ينطبع على وجه كل من يلتقيه، فيراه جوزاف جميلا. ولأن عينيه جميلتان، فهو يرى الكون جميلا والبشرَ جميلين. ألم يعلمنا هذا عرّابُنا جبران: كن جميلا ترى الوجودَ جميلا. اسكت أيها الشربل ولا تحاول الوقيعة بيني وبين زوجي الطيب.”
هذا نصُّ كلامها..
   أما بوذا، فيتلصص الآن على رسالتي لك ويقول: سأتعلم الشرَّ منكم أيها المجانين، على آخر الزمن. كنت محترماً وبعقلي في الهند، شو وداني ع سيدني يا هوووووووو!
القاهرة 2013
**
أنت جميل
يا شربل بعيني..
أنت جميل..
أكثرَ مما يُمكن أن يتصور العقل
سأفتقدك كثيرًا
جدًّا،
دمتَ لي أعز
وأشرف، وأجمل، وأنقى
وأحنّ الأصدقاء
القاهرة 2013
**
أنت شاعر.. وكفى
لا شك أن (صاغتها) أجمل كثيرا..
شربل بعيني شاعر وكفى!
مبروك للمنصات عودتك،
مبروك للعراقية والعراقيين كلماتك في آذانهم.
فرحت بك الميكروفونات.
وتعلّم منك الناس الشعر والكلم والحب.
عش ألف عام
القاهرة 2013
**
بانيلوب
   يا شاعري الجميل..
   إني أقرأ الديوان على مهل، كيلا تنفد حلاوتُه من فمي سريعا.
   أوشكتُ على الانتهاء.
   وسمحت لنفسي أن أنضِّد بعض التشكيل فوق الحروف، لتيسير وصول المعنى على القارئ غير الحصيف بالرغم من أن غير الحصيفين يمتنعون.
   وعدّلتُ بعض الأبيات التي وردت من شعري، بما أنك غافلتني ووضعت ردودي عليك بوصفها شعرًا في ديوانك الثريّ.
لا تكن بخيلا، يا شربل بعيني، كأصدقاء الجاحظ، وأمهلني نصف يومٍ ولا مزيد، لأنهل من نهر البهجة، حتى أرتوي.
   سأرسله لك محرراً غداً صباحاً بتوقيت المحروسة.
   عدتُ من عمر خيرت للديوان،
   والآن الثالثة والنصف فجراً..
   فهل تسمح لي بِسِنةٍ من النوم، لأصحو في السادسة، أكمل ما بدأت؟
أنا بانيلوب
التي تسهر على النول تغزل ثوب العرس،
ثم تقضُّ في النهار،
ما نسجت بالليل،
حين يهبطُ النهار على سماء القاهرة، سأنكفئ على نَولي،
وأكملُ غزلي،
الآن..
تمنّ لي أحلاماً سماوية
تحملها ملائكةٌ وعصافيرُ وباليرينات جميلات.
القاهرة 2013
**
بوذا وصل
   تحفة فنية لا مثيل لها..
   قطعة من الجمال الصافي ستزيّن بيتي وقلبي.
   لكم مدينةٌ لك أنا يا شربل بعيني.
   لا تتصور ماذا فعل بي هذا البوذا
   كيف انتقل هذا المشاغبُ من الهند إلى سيدني إلى القاهرة ثم إلى قلبي؟
   هذا رابطٌ أبدي يجمع بين شاعرين الآن.
   حبلٌ وثيق يجمع بيني وبينك لا يفصمه الله
شكرا.
القاهرة 2013
**
تحية
   أحييك أيها الشاعر الكبير شربل بعيني، والصديق الأوفى. 
   ونشكرك باسم مصر الطيبة على غيرتك عليها وخوفك على مستقبل هذا الشعب الذي عانى طويلا وكثيرا.
القاهرة 2013
**
تحية للشعر
   ألف مبروك الديوان الجديد يا شربل بعيني..
   أفرحُ به كما أفرح بكل غيمة عذبة تُمطر الفرح والجمال والحب على كوكبنا التعس الجدب بالشرور، القفر بالبغضة.
   أما الحاقدون فأشفق عليهم لكنني لا أجعلهم يُسيّرون حياتي، بل أثق أننا نحن الذين سنسيّر حياتهم يوما ما حين يفيقون.
   تحية لك وللشعر الجميل وللحب خالق المعجزات.
القاهرة 2013
**
تلقائية
عزيزي شربل بعيني..
سأتعلم ألا أكون تلقائيةً  حين الحديث إليك،
أقتلُ فِطرتي،
أترقّبُ الكلماتِ حين تترَى من مداد قلمي،
قبل أن تركضَ صوبَ عينيك،
أتربّصُ بأفكاري.. 
قبل أن تغادر عقلي،
في طريقها إلى عقلك.
أستعيدُ الرياضياتِ وعلومَ الحساب والهندسة،
لأحسب حروفي بدقّة،
وأقيسَ زواياها وأضلاعَها وانحناءاتِ أقواسِها،
قبل وصولها إلى حاسوبك..
وأقرأ وقعَها في نفسك،
قبل أن تلجَ مقلتيك،
تلك ضريبةُ الحديث مع الشعراء،
يا له من ثمنٍ!
الكلام مع الشعراء خَطِرٌ..
خطورةَ الوقوف فوق فوهة بركان نشط.
لهذا يقولُ الربُّ:
لا تُجرّبْ شاعرًا!
مكتوبٌ.
في المرّة القادمة،
سأقول لك: ذاك بوذا،
أحد أوثان الآسيويين المجانين،
نصّبوه إلهًا،
وما أعلن عن نفسه إلا زاهدًا..
عبدوه،
فيما كان يبحثُ- مثلهم- عن الله،
وضعوا أمامه صحنًا،
يملأونه كل يومٍ بالثمر والسكر،
وهم لا يدرون أنه صائمُ الدهر،
إنْ هم إلا حائرون، ركضوا خلف حائرٍ،
يجرجرون ذيل ثوبِه الرثّ،
فنهض من جِلستِه الأبدية المنذورة،
مزّق الثوبَ..
ثم ركض معهم،
نحو الله.
ذاك المسكينُ الذي تغارُ منه،
لا يستحقُ إلا شفقةَ المُحبين،
والشعراء.
فلا تَغرْ منه..
وامنحه منديلا أبيض،
يجفف به السنوات التي تتساقطُ فوق جبينه
في عُزلتِه.
طوبى للمجانين،
وطوبى للأوثان،
وطوبى للشعراء،
والويلُ، كلُّ الويلِ
لأصدقاء الشعراء.
القاهرة ـ 2013
**
حبي لثلاثتكم
   أنا جِنيّة الشجر التي تطير بين الأغصان لتجمع الكرز القاني في سلّتها الخوص ثم تخبئه في صندوق الكنوز والدرر. 
   لن أضحي بأيكة ضخمة من الطيب والكرم القاني مثل جوزاف بو ملحم وإيلي ناصيف وشربل بعيني؟!
   ومن قال إنني حمقاء تضحي بكنوز منّ اللهُ بها عليها؟
   أنا الباحثةُ عن الجمال في رمال الصحاري القاحلة وبين وهاد الجبال الشواهق، هل أفرّط في منجم من النور وقعتُ عليه في تجوالي الشاق الشائق؟
   وعلام أظل مدينة لك بما يثقل كاهلي من خير وفير إن أنا ضحيت ببعض هذا الخير؟ 
   ألم أقل لك قبلا أنني مدينة لك لأنك منحتني طيب معرفة ملاك نوراني اسمه جوزاف بو ملحم؟
   قرّ عينًا يا صديقي، فصديقتك أذكى من التفريط في النِّعم.
   حبي لثلاثتكم أنتم يا مثلث برمودا الجهنمي، ذاك الذي يجتذب الكواكب فلا تخرج من مداره أبداً: شربل جوزاف إيلي، دامت أضلاعكم قوية لا تطلق سراح أسرى مثلثكم.
**
حذار أن تصادق شربل بعيني
 أن تصادقَ شاعرًا بحجم "شَربل بَعيني"؛ فأنتَ على مَحَكّ الخطر. إنْ وددتَ الاقترابَ من عالمِه، عليكَ أن تتسلّح بطاقةٍ روحية هائلة، وسُيوفٍ لُغويةٍ ماضية، وقدراتٍ خيالية مُحلّقة، وقلبٍ شاسع يحملُ البشريةَ والتواريخَ والتآريخَ وذواكرَ الأجداد وحدوسَ الأحفاد وإخفاقاتِ الحبيبات في سُقيا زهور الأرحام وإخفاقَ العشّاق في تحمّل طعنات الهوى، والهوى والتبتّلَ واليأسَ والإشراقَ والطفولةَ وكهولةَ الألف عام. عليك أن تحمل في صدرك الكونَ كاملا بمجرّاته وكواكبه ونيازكه وصواعقه لكي تستوعبَ تركيبة إنسانية استثنائية، لن تصادفَها إلا مرّةً كلَّ عمرٍ، إن حدث وعشتَ أعمارًا كثيرة. لكنني، مع هذا، لا أضمنُ لك شيئًا، ولا أعدُك بالكثير. فربّما تحيا أعمارًا وأعمارًا، ولا تصادفُ مثل هذا المجنون الطفل.
   أنْ تصادقَ “شربل بعيني"، يعني أنكَ يجب أن تكون أثرى رجال العالم. مهلاً، فلستُ أعني أن تمتلك يخوتًا ومصانعَ وقصورًا وضياعًا ومناجمَ ومزارعَ وجواهرَ نادراتٍ، أو تحوزَ جزيرة في قلب المحيط تزورها بين الحين والحين لتستجمَّ كما يفعل مليارديرات العالم. فالثراءُ الذي أعني يتجاوز تلك الممتلكات الصغيرة، ليقفز إلى حيّز امتلاك المجرّات والمحيطات والبحار والأنهار والجبال والأودية والأهرامات والقلاع والحصون ومراكب الفضاء..... والقلوب. 
   تصحو من نومِك ذات صباح، على رنين جرس الباب لتجد ساعي البريد يحمل لك مظروفًا من أستراليا. تفتحُ المظروفَ فتجدُ صكَّ ملكية ممهور بختم “أبولّو”. تلمحُ كلمة: “الشقيقات الثلاث”، فتظنُّ أن أحد أصدقائك قد أرسل لك رواية أنطون تشيكوڤ. تهاتف مستشارك القانوني لتستوضح الأمر. فيسرع إليك، ويجلس قبالتَك، يفكر والأوراق بين يديه. وبعد احتساء فنجان القهوة التاسع، يفركُ جبينَه بأطراف أصابعه، يعتدل في جِلسته، ويتمتم هامسًا: “نعم يا سيدي. الصَّكُّ صحيحٌ من الوجهة القانونية، وفقَ قانون الشعر والجنون. أنت الآن تمتلك، بموجب عقد سليم، ثلاثة جبال متلاصقات تُسمى "الشقيقات الثلاث" تقع في منطقة كاتومبا الأسترالية. بوسعك الآن أن تستقلّ طائرتك وتطير لتتفقد أملاكك الجديدة.” تُطرق برأسكَ بُرهةً ثم تسأل: “وهل الضياعُ والصحاري المحيطة بالجبال الثلاثة، وحافلات التليفريك المعلّقة في أسلاك معقودة بنواصي الجبال، تدخل ضمن ممتلكاتي؟" يتصفحُ المستشارُ أوراق العقد مجدّدًا، ثم يقول: “أجل سيدي. يبدو أن صديقَك الذي أهداكَ هذا الكنز المستحيل، كريمٌ للغاية. فقد منحك مع الشقيقات الثلاث كلَّ ما يحيط بها من وديان وأنهار، بل منحك أيضًا ما فوقها من سماء وما يسبح في فضائها من غيوم. مبروك.”
   أنت الآن في حيرة من أمرك. كيف تختارُ من بين أملاكك مقابلا موازيًا لهذه العطية الضخمة؟ ربما عليك أن تُهدي أفضل منها، كما التحيّة. تنهضُ من مقعدك وتتوجه صوب الشرفة تفكر. ترمي ببصرك نحو البعيد، فتلمح رأسَ هرم خوفو شاهقًا يناطحُ السحاب. تعود إلى مستشارك الغارق في دهشته وتقول بحسم: “اكتبْ عقد ملكية بالهرم الأوسط “خفرع”، وتمثال أبي الهول الذي يربض أمامه، للسيد شربل بعيني، وآتني بالعقد لأمهرَه بتوقيعي.”
   فإن كنتَ لا تمتلك الهرم، أو النيل، أو هضبة المقطّم، أو دار الأوبرا المصرية، أو معبد أبي سمبل، أو السد العالي وقناة السويس ورأس نڤرتيتي، فلا قِبَل لك أن تصادق هذا الشاعر المهجري البعلبكيّ الطائي الذي يسكن في بيت جميل بمنطقة “ميري لاندز” بمدينة سيدني. 
   لكن ثراء شربل بعيني لا يتوقف على الشقيقات من الجبال، بل يتجاوز ثراؤه الجمادَ ليدخل في حيّز الشقيقات من البشر. حين غضب من أمّه التي لم تنجب له أختًا، ومنحته في المقابل العديد من الأشقاء الذكور، قرر أن يلوي عُنقَ الأقدار وابتكر لنفسه شقيقة من صُلب أبيه ورَحِم أمّه، فتقول قصيدتُه “أختي”: 
ـ1ـ
حين التقيتُ "فافي"
أصبتُ بدهشة الأطفالٍ،
فَغَرتُ فمي،
ورحتُ ألتهمُ وجهَها بناظري.
ولسانُ حالي يردّد:
مستحيل.. 
مستحيل..
ـ2ـ
ستونَ سنة،
وأنا أرسمُ شكلَ أختي..
أمشّط شعرها..
أورّد خدّيها..
أكحّل عينيها..
ألبسها الفستانَ الذي يعجبني،
الحذاءَ الذي لم تنتعلْه سندريلا.
أردتُها أن تكونَ الأجمل
خَلقاً وخُلقاً
قلباً وعقلاً
حناناً وابتسامة
فإذا بي أقفُ أمام "فافي"..
ـ3ـ
والدي،
كان يحلمُ بابنةٍ تزيّن شبّانَه الستة.
شرط أن تكون شاعرة.
فالشعرُ كان غذاءَه اليومي.
والدتي..
كانت تردّد على مسمعي:
لو رزقني الله بابنة
لأسميتها "فرح".
وأطلّ الفرحُ مع "فافي".
ـ4ـ
راسلتها كثيراً..
مازحتها كثيراً..
وأهديتُها الشعرَ والأماكنَ..
كانت بعيدةً كأمل،
وقريبةً كحلم..
وعندما تلقّحَ الأملُ بالحلم:
وُلِدت "فافي".
ـ5ـ
كلّ ما فيها جميل:
طلتُها، ابتسامتُها، حديثُها،
ثقافتُها، خفّةُ دمها وشاعريتُها.
باختصارٍ شديد..
إنها "الأختُ" التي رسمتُ.
ما من شيءٍ ناقص..
سوى الإعلانِ عن اسمها.
ـ6ـ
يا رجالَ العالم،
يا شعراءَه الأفذاذ..
أحبّوا "فافي"
غازِلوها..
ارسلوا لها الورودَ..
دبّجوا لها قصائدَ الغرام..
ولا تخافوا لومةَ لائم..
إنها أختي..
وأنا أبصمُ لكم 
على بياض..
ـ7ـ
يا نساءَ الكون..
أحبِبْنَها،
كرّمنَها،
إجعلنَها القدوةَ والنبراس..
هيَ لكُنّ الصوت
إن بحّت أصواتكنَّ.
وهي لكُنَّ الأمل،
إن صادروا آمالكنّ.
نادراً ما تجتمعُ الأمهاتُ بامرأة!
نادراً ما تنبتُ البطولةُ بطلة.
"فافي" هي "جان دارك" مصر.
ـ8ـ
أحبّك يا "فافي"
نكايةً بكل أعدائك..
وإن لم يكن "للملائكة" أعداء؟
كوني الأخيّةَ لكل محروم،
البلسمَ لكل مظلوم..
الدمعةَ لكل أمٍّ ثكلى..
فلن أسمّيكِ "فرح"
كما حلُمتْ أمي..
ولن أسميكِ "فافي"
كما شاءَ أهلُك..
سأناديك، وليسمعِ الأصم: أختي..
ـ9ـ
رنّمي يا بلابلَ لبنان:
مباركٌ الآتي باسم الربّ.
إصدحي يا حساسينَ أستراليا:
طلعَ الفجرُ علينا.
وافرحي يا أهراماتِ مصرَ..
لقد وجدتُ أختي.. "فافي".
نقلا عن مجلة سبعة أيام المصرية  2015
**
درة التاج
 عزيزي أ. مصطفى
   أحمل كلمات أولئك المغردين على فيس بوك وتويتر مثل درر في تاج. قليلون منهم التقوني هنا أو هناك في ندوة أو محاضرة، والأكثرية عرفت قلمي ولم تعرف الإنسان فيّ. 
   جميعهم أحبوني، أو كرهوني، بسبب قضية مجتمعية أو سياسية أو أدبية، لكنهم لم يروا الطفلة التي تختبئ عن عيون القبيلة داخل قلبي. 
   جميعهم يكتبون التعليقات لكنهم لا يكتبون الشعر.
   واحد فقط التقاني على الورق والتقاني في شوارع سيدني ومقاهيها. واحد فقط عرف قلمي وعرف الإنسان فيّ. 
   واحد أحبني لرسالتي وأحبني لشخصي. 
   واحد شاهد الطفلة النائمة في نُسغي وربت على جديلتها وصالحها حين بكت بقطعة شيكولانة. 
   واحد فقط شاعر. ذاك هو أخي شربل بعيني.
   فإن كانوا درًّا في تاجي، فهو دُرّة التاج وماسته السوليتير.
تعليق على تعليق السيد مصطفى اسماعيل، القاهرة 2013
**
دو ري مي فا
   يا إلهي على جمال الشعر بالدارجة اللبنانية الساحرة.
   تلك اللهجة الفريدة التي اختارت- من بين حناجر السماء- حنجرةَ فيروز الاستثنائية. لكي يجتمع استثنائيان فيحدث الاستثناءُ الأكبر.
   أرفع قبعتي احتراما لهذا المبدع الكبير د. مروان كسّاب الذي شرّف اسمي بهذا الشعر الرفيع.
   وبالمناسبة هو الوحيد الذي نطق اسمي على النحو الصحيح (في مقدمة القصيدة) كما ننطقه هنا في مصر (فافي) بتضخيم الفاء الأولى (كما ننطقها في السلم الموسيقى): [دو ري مي فا] وليس بإضعافها كما نطقها في متن القصيدة وكما يقرأها الشاعر الحبيب شربل بعيني أيضا.
   شكرا أيها الفن الرفيع وشكرا للمبدعين الكبار.
تعليق على قصيدة د. مروان كسّاب ، القاهرة 2013
**
رسائلك قصائد
   العظيم شربل بعيني..
   تعجزني الكلمات عن الرد على رسائلك القصائد.
   تعرف أنهم في حفل الوداع- الذي سأنزل صوره عصر اليوم وستكون المجموعة الأخيرة من الصور- في حفل الوداع فعلاً جعلوا الصورة معي بفلوس وهذا أغضبني كثيرا لكنهم قالوا إن الفلوس ستذهب لفقراء مصر فصمتُ على مضض.
   هل ينفع أن تتنفس طبيعيا دون أن تقل رسائلك إليّ؟
   أتمنى هذا..
   حبي لك بقدر ما تحتمل أيها الشاعر الذي ينزف شعرا وحبا وجمالا وعذوبة.
   كتبتُ عنك مقالين ستقرأهما الأسبوع القادم. لكن إلهامك لي لم ينته ولن ينتهي.. سيبقى دهوراً.
القاهرة 2013
**
شاعري قوي
يا إلهي
القصيدة بصوتك مثل الحلم الطيب.
انشرها في الدنيا كلها كي يعرف الناس كيف يحب الشعراء وكيف يتنفسون!
أما الشقيفات الثلاث فهن في قلبي أحملهن معي في نومي وصحوي،
ارم كمامة الأكسجين أو اهدها إلى رجل ضعيف يحتاج إليها،
شاعري قوي يحمل في رئتية أكسجين الجنة كلَّه ليمنح البشر منه  قدر ما يحتاجون
عش ألف عام، يا شربل بعيني، واكتب مليون قصيدة.
القاهرة 2013
**
شكراً للشعر
  أثريتموني بتعليقاتكم الملهمة أيها السادة الكبار. 
   شكرا للشعر الذي جمع لي درر الكلمات من أعزاء كبار في حقول الأدب.
   شكرا لشربل بعيني الذي شرّفني بأخوته وقصائده.
تعليق على تعليقات القراء، القاهرة 2013
**
شكرًا للشعر الجميل
قصائدُ تُلهم الشعراء ليكتبوا قصائدهم.
ديوانٌ أجّج الشعرَ في قلوب الشعراء. 
مُلهِمٌ وزّع إلهامَه الريّان على ناثريّ الدُّر فوق الأوراق العطشى. 
شكرًا للشعر الجميل. 
شكرًا لشربل بعيني.
شكرا لعصام ملكي.
وشكرًا لله أن جعل من جنيَّة الشجر الطفلة، سبباً لكتابة كل هذا الجمال.
تعليق على قصيدة عصام ملكي عن ديوان "فافي" ـ القاهرة 2013
**
شيطان الشعر
الى شربل بعيني..
لا يُسألُ شاعرٌ عمّا يكتب،
ولا يَسأل،
اكتبْ ما تأمرك به القصيدةُ وما يُجبرك عليه شيطان الشعر..
ولا تسأل أحدًا، حتى بطلة القصيدة.
ليس من حق مخلوق فوق الأرض أن يكتب مع الشاعر
حتى المُلهِم.
بوسعنا نحن البشر أن نبري لك الأقلام، وننظف المكتب، ونصنع فنجان شاي، ونجلب لك الدفاتر البيضاء ونجلو الغبار عن نظارتك.
وفقط..
ودون هذا أنت الشاعر مسؤولٌ عنه.
قولي ينطبق على الشعر والشاعر في كل مكان وزمان
وهذا ما أفعله أنا حين أكتب.
أنسى العالم والعالمين وأَخلُص للقصيدة.
فهي وحدها التي حسابها عسيرٌ ومحكمتها قاسية.
أما البشر فما عليهم سوى القراءة، والصمت، والعجب إن شاءوا، وفقط.
القاهرة ـ 2013
**
طوبى لي
   الحبيبة سهيلة
   أعلم أنني محظوظة لأن الله منحني كل هذا الجمال المتجسد في شاعر رهيف هائل مثل شربل بعيني. 
   وأنا طيبة مثل أخي. كما سمح للشعراء بأن يتغزّلوا بي، أسمح بدوري لشقيقي بأن يتغزل بك قصائد ولحنًا وشدواً وشجواً.
   فطوبى لك.. 
   وطوبى لي.
تعليق على تعليق سهيلة الحسن، القاهرة 2013
**
عش ألف عام
يا شربل بعيني..
عش ألف عام،
واكتبْ ملايين القصائد،
وتنفس شعرا وحبًّا وجمالا ورقيًّا.
فلم يخلقك اللهُ إلا من أجل هذا.
وزِّع اللهَ على البشر،
ما شاء لك الوقتُ،
فالبشر مساكينُ،
 يستحقون الحبّ ويستحقون أن ينالوا قطعة من الله،
حتى الأشرار يستحقون،
حتى من خانونا يستحقون،
بل هم أحقُّ من يستحقون،
لأنهم تعساء لم يقدّروا كنوز القلوب فباعوها للشرير،
فأهدرَ ماءها العذب،
واستبدل به ماءً مِلحًا أجاجًا،
عش ألف عام واكتب نثرًا يحمل من ماء الشعر أكثر مما تحمل قصائد الشعراء،
واكتبْ شعرًا لم تعرفه مدوّنة العرب،
ولا الإنجليز،
عش ألف عام واعشق عشرات الليالي،
ولا تخش اسمَ اية امرأة،
بل ظلّ ردّده ألف مرة في اليوم،
حتى تبرأ منه،
لا تخف من وجع القلب،
ففيه صحّة للبدن،
القلوب العليلة وحدها تطفر الشعر.
القلوب الصحيحة التي لم يمسّها الوجعُ لا تكون إلا للعماليق الأفظاظ،
ذوي الأجسام الهائلة والقلوب الضئيلة،
والعقول المصدوعة،
أما قلوب الشعراء فلا يسكنها سوى الوجع،
الوجع النبيل،
عش موجوعًا لتصحّ روحك،
روحك يا شربل بريئة من السقم..
لأنها روح شاعر،
ولأنها روح عاشق،
أنت صَبٌّ والصبُّ تفضحه عيونه وقصائده،
عش صبًّا ولا تخشَ الموت،
فمثلك لا يموت،
لأن روح الفينيق تسكنه،
عش ألف عام واسكن أعالي الجبال كالنسور،
واملأ الدنيا شدوَ الكناريا،
ولا تقل إن هذا الفيديو آخر هداياك لي،
فهداياك لي لم تبدأ بعد،
أنت كنز من الإلهام،
 سيتجلى قصائدَ ومقالاتٍ وأشعارًا،
حبي أيها الأخ الذي سيحملني على كتفيه طيلة النهار،
ويطير بي لأحلق فوق الرُّبى العاليات.
القاهرة 2013
**
عشرة من عشرة
   أنا أخذت عشرة من عشرة من زمان، من يوم ما اقتصصتَ من وقتك الثمين لتمنحه لي في سيدني وتمنحني معه الفرح.
   المحبة هي العشرة من عشرة يا شربل بعيني.
   المحبة لا تسقط أبدًا، وإن سمح لها الإنسانُ أن تسقط، سقط معها وخسر نفسه.
   مبروك الديوان الإلكتروني وأنتظر نسختي.
   أما سؤال صاحبك فإجابته هي:
   فاطمة ناعوت جميلة فقط بمحبة الرائعين، ولأنك رائع، ولأنك منحتني محبتك، فأنا جميلة جداً.
   أما ديوان “فافي” فهو توثيق ذلك الجمال بشيء أجمل، وهو "الشعر”. وكما أن الكلام على الكلام صعبٌ، كما قال ابن عربي، فإن الجمال على الجمال صعب. لهذا فديوانك صعبٌ بمفهوم الموازين. هو مثقل بالجمال، لأنه مُثقلٌ بالمحبة، تلك التي لا تسقط أبدا من فرط ثقلها ورهافتها في آن. معجزة كونية إلهية سماوية اسمها: المحبة، واسمها الجمال. لأنها جزءٌ من الله، كامل الجمال، كامل المحبة.
   أما لعبتك التي لا تتقادم إلا لتتجدد، ولا تبلى أبدا مثل الفينيق، فلا أملّها ولا أضجر منها، بل أنتظرها كقطعة من الحلوى تنتظرها طفلةٌ حزينة.
القاهرة 2013
**
فافي
   أيها الجميل الذي يقطرُ شعرًا وموسيقى وحباً وجمالاً وعذوبة..
   أنتظرك كما يُنتظرُ الفرح..
   هل يزعجك لو أتت معنا صديقة جميلة اسمها ليلى؟
   القرار عندك والمحبة تملأ قلبك
   بمناسبة فطوم، المقربون مني وعائلتي ينادونني بـ (فافي) ولهذا الاسم، الذي يسكنني منذ ميلادي وأحبه كثيرا ويناديني بها أبي وأمي وشقيقي وأصدقائي، قصة حكيتها في مقال (فساتين زمان) 
   ظلّ جميلا كما أنت يا شربل بعيني.
سيدني 2013
**
فرح
يا ربّ السموات
لقد كنتُ أتمنى أن تكون لي بنتٌ وكنت سأسميها (فرح) ووردت في قصائدي كثيرا، وعندي قصيدة قديمة عنوانها: فرح!
ثم يا إلهي مرةً أخرى!!!
هذه أعذب الشعر يا شربل بعيني،
وأجمل القصائد،
فلتكن أولى قصائد الديوان،
لا آخرها،
تلك هي المقدمة الأجمل للديوان،
هذا أمرٌ..
:)
أمزح..
بل رجاء او اقتراح.
حبي لك أيها الأخ الذي حلمت به ولم يأتِ أبداً.
يوما ما سأحكي لك عن حياتي لتفهم عبارتي.
القاهرة 2013
**
قبسة نور
قلتَ لي إن الفيديو السابق هو آخر هداياك لي،
وقلتُ لك: لا أصدقك،
لأن هداياك لي لم تبدأ بعد ،
فأنت مُلهِمٌ أشِر، 
لا فكاك من إلهامك،
مَن الذي صدق فينا بعد هذا الرابط الذي ضمّ صوري في تظاهرة الفرح المصري اليوم؟
حتى في أفراح مصر لا تحرمني من جمالك،
فخبّرني بالله علي، 
من أي قبسة نور خلقك الله يا شربل بعيني؟
القاهرة 2013
**
قصيدة: عيناي
يا إلهي!
يا لها من قصيدة يا شربل بعيني..
في منتصفها صرختُ مع الناس: أطلق سراحي
لا أحب السجن..
واكره القضبان..
ومع نهايتها عرفت فداحة ثمن الحرية،
لم أكن أعرف أن ثمن الحرية غال دائما،
مهما كان السجّان،
وإن كان شاعرًا.
القاهرة 2013
**
قلم رفيع
يا شربل بعيني..
سلم هذا القلم الرفيع وسلمت هذه الروح الشفيفة التي خطت هذا القصيد العذب.
سأردد الكلمة التي أعجز عن قول سواها كلما قرأت لك قصيدة:
أنت الفتى الذي يقطر شعرًا.
الغربة 14/12/2015
**
كيف تفعل هذا يا شربل بعيني؟
يا إلهي يا أيها الشاعر.
 نثرُك شعرٌ، 
ونزفُكَ شعرٌ، 
وآهاتُ جراحِكَ شعرٌ؟
!!!!!! 
   كيف تفعل هذا يا شربل بعيني؟
   كيف تكتب- ما تظنه رسالة لصديقة-  فيقطرُ الشعر من بين حروفك بكل يسر وعذوبة كأنما نظمته نظما؟
   كيف تغمس كلماتك في إكسير الشعر قبل أن ترقنها على حاسوبك؟
   كيف تسمي ما تكتب رسائل؟ وهي قصائدُ في قصائدَ؟
   إن كان جرح الحب في قلبك يُلهمك كل هذا النزف الشريف، فألف شكر للجرح.
   وإن كان الفقدُ جاعلاً منك إلهًا للشعر كما أرى، فطوبى للفقد وبُعدًا للقاء.
   ماء الشعر في حروفك جمّد الرد على لساني.
   ظلّ كما أنت
والسلام
القاهرة 2013
**
مراسلات أدباء مجانين
 الشعراءُ لا يعترفون بالأوراق الثبوتية وعقود الملكية والمَحْميّات الطبيعية والممتلكات العامة. يلعبون في قصائدهم بالشموس والأقمار والنجوم والبحار والجبال والوديان والأنهار والصحارى، والبشر. يؤمنون بأن الكونَ مُلكٌ خالصٌ لهم، يُهدون ما شاءوا منه، لمَن شاءوا من أصدقاء وأحبّة وأعداء. أليسوا شعراءَ يتبعهم الغاوون، وفي كل وادٍ يهيمون؟!
   أثناء رحلتي إلى أستراليا، فكرتُ أن أقضي جزءًا من العشرين ساعة (المُملّة) بالطائرة، في ترتيب ملفات حاسوبي. فعثرتُ على رسائلَ قديمة تبادلتُها مع أديبين كبيرين: "شربل بعيني"، الشاعر اللبناني المرموق الذي يعيش في سيدني/أستراليا، و"كمال العيادي"، المبدع التونسي الذي يعيش بين ميونيخ والقاهرة، وزوج صديقتي الروائية المصرية الجميلة سهير المصادفة. في تلك المكاتبات نلهو بالكون ونُهدي بعضَ مكوّناته إلى بعضنا البعض، في جو من المرح الأدبي الجميل. أفتحُ لكم صندوقي الخاص، وأنشر بعض رسائلنا لما بها من جنون، يلامسُ الإبداع.
شربل بعيني، سيدني 2005:
   منذ مدة أهداني الكاتبُ التونسي كمال العيادي سور القيروان الشرقي، فأهديتُه بالمقابل دار "أوبرا هاوس"، سيدني. فإذا بي أفاجأ بأن الشاعرة الكبيرة فاطمة ناعوت مغرمة منذ سنوات بالأوبرا هاوس، وتريدها لنفسها، وبما أنها مهداة للعيادي، بدأت رحلة استدراجه للتنازل عنها، وإليكم رسائلهما الجميلة حول ذلك.
فاطمة ناعوت، القاهرة في 15 نوفمبر 2005:
   صديقي التونسيّ كمال العيادي، فكرت أمس بشيء، ما رأيك لو أهديتني"الباو هاوس" الألماني؟ أحببته منذ درستُ بالجامعة ما تم داخل جدرانه من تنظيرات رائعة، والآن أحتاجه بسبب حنيني للعمارة والهندسة. أظن أن" بول كِلي" زار تونس لأنه يضع عينَه على "أوبرا هاوس" التي في حوذتك الآن، لكنني أعرف أنني أهم منه لديك، وسوف تُهديني أوبرا هاوس أيضًا.
   طبعًا هذا لا يلغي إهداءك البحرَ لي. فأنا لا أتنازل عن البحر أبدًا، فانظرْ ماذا ترى. أليس من حق الأصدقاء أكثر من هدية؟ سأدعوك يومًا للغداء في مركب شمس على ضفاف  النيل، ثم أهديك المركب والدلتا الشمالية. ما رأيك؟ هل الصفقة رابحة؟
كمال العيادي، مونيخ في  15 نوفمبر 2005:
   بنت كلّ الفراعنة، بنت أولمب، فاطمة ناعوت. فإنّي أهديك" شربل بعيني" وأستراليا كلّها. لا تخفْ يا شربل، لن يطول صحوى وسأستردّ كلّ شيء كعادتي. سآتيكِ حبّا وكرامة يا فاطمة على ضفاف النيل. وسأدخل القاهرة ممتطيًا صهوة بغلة من الجنّ أملكُها. كما فعل ابن الغضنفر في حديث القنوط. تماما أيّتها الشاعرة  الكبيرة التي لا تغلط بالنّحو والصرف. فراح الشّعراءُ يتقضربون رعبًا منكِ ومن سكاكين مقالاتك. حبّي وأُخوّتي وصداقتي وقلبي الذي لا يكاد يخون.
فاطمة ناعوت، القاهرة في 17 نوفمبر 2005:
   أيها القيروانيّ كمال العيادي، قمْ على صحوٍ وبِعْ بعض الضوء لأحد عمالقة الأساطير ولا تنمْ إلا بعد أن تمهر عقد الإهداء بتوقيعك كيلا تسترده. لم أكن أعرف أنك تسترد هداياك بعدما تُفيق! أهديتني "شربل بعيني" وأستراليا. فأما شربل فسوف تسترده بعدما تصحو كما وعدته، فهنيئًا له بانعتاقه. وأما أستراليا فما كان لي فيها من رغبة سوى "أوبرا هاوس"، تلك القوقعة التي خبأتُ فيها أحلامي منذ عشر سنوات. لكن الشرير شربل بعيني قد أهداها لك قبل أيام، وكم حزنتُ لذلك!  لكنني فكرتُ أنني ربما أستطيع أن أغافلك وأخطفها.  فهل كل المقدمات السابقة تكفي كيلا ألحف في طلب الباو هاوس؟ أم أنك قد تهورت وأهديته لسواي؟اعترفْ فورًا ولا تخف شيئًا، فإن سيوفي وخناجري وسكاكيني  في غمادها الآن.
كمال العيادي، ميونيخ 18 نوفمبر 2005:
    بنت روح النّيل فاطمة ناعوت. الباو هاوس هديّة من حبيب. والهدايا لا تُهدى ولا تُباع ولا تُقايض. خذي القيروان مبتورة. فرّقتُ منها شطر سورٍ وستّة مساجد من 368 مسجدًا، وحصيرًا قديمًا وفناء مسج البامري وقبر عزيز لدي ومئة متر من مقبرة الجناح الأخضر بها قبور، سأورثها لـ ياسمين ابنتي.  كلّ ما تبقى أهديه  لك حلالا. ولا تشطّي في طلب الباو هاوس. خذي موسكو أيضًا. خذي بالمرّة كلّ مدن تونس. إجلدي إن شئت كلّ مَن شئت من الكبار بها، كما أفعل كلّ ليلة. خذي بغلة الأصفهاني، وهي ملكي بصكّ حقيقي. خذي ثلاثة أسابيع أعدك فيها بتقوى نصوح.. خذي اللون البنّيّ، وضمّيه للأزرق الذي أهديتك إيّاه من قبل. اطلبي ذلك من شربل،  سأقبل مقايضته. ماذا تقولين؟
شربل بعيني، سيدني أستراليا، 16 نوفمبر 2005 :
   أخي القيرواني الجميل كمال العيادي. رسائلك لي ليست جدولاً صغيراً على صفحتي. إنها نهر الأمازون بطوله وعرضه، وستروي عطش الكثيرين في زمن شحّت به مياهُ الحب. دار الأوبرا هاوس في سيدني أهديتها لك، فلا داعي للمقايضة مع شاعرتنا الكبيرة فاطمة ناعوت. فتّش لها عن مكان في القيروان، شرط أن لا تقترب من سورها الشرقي، فلقد أصبح محمية "بعينية" عالمية. مسكينة فاطمة تهدي بيوتها الشعرية للعالم أجمع، ترسم بلوحاتها النادرة مساكنَ أجملَ من الأوبرا هاوس. ومع ذلك تريد أن تشلحك إياها! يا أخي، سأفض المشكل، وأهديها ديواني: "معزوفة حب".
   وحلّ "شربل بعيني" المشكلةَ، وأهداني ثلاثة جبال بمدينة كتومبا بأستراليا اسمها: "الشقيقات الثلاث". وفوق هذا الكثيرَ الكثيرَ، من الحبّ.
القاهرة 2013
**
مرقد عنزة
يا  الهي!  
مش معقول!
والله جميل ولا أجمل!
واضح أن هناك قنوات قوية 
وحساسية عالية بين شعراء لبنان وبعضهم البعض .
يكتب شاعر فيحس باوجاعه شعراء،
ويحب شاعر فيلهم شعراء كثيرين حوله..
أغبطكم، يا شربل بعيني، على ما نفتقده في مصر.
طوبى للبنان الساحرة
ونياله من إله مرقد عنزة بقصائدكم.
القاهرة 2013
**
مليون إنسان فى بيتي
حين أموتُ فى أولِ حُزيران
سوف توقنُ
أن الجرائدَ التى لوّثتها الصُّفرةُ
حملتْ سِفاحًا
وأسقطتْ أجنَّتَها تحت عجلاتِ الطائرةِ الحربية
فى مطار ألماظة
حيث الكلُّ مهيأٌ للمغفرة
وبتْرِ الآذان
قبل أن تتلقفَ تنهيدةَ عاملِ الشحن قائلا:
يا للمرأة التعسة!
لن تحظى بطفلةٍ أبدًا.”
   جاء شاعرٌ وسأل نزار قباني: 
ـ لماذا خلق الُله الشاعرَ فقيرًا؟
فأجاب: 
ـ لأن الله يريده على صورته ومثاله. مبدعًا، يملكُ الكونَ، ويلعب به، ولا يمتلك شيئًا".
وسألنى شاعرٌ: 
ـ كيف تتعايشين مع الوحدة، ألا تضجرين؟.
   فأجبته: "كيف أكون وحيدة، بينما يعيش معي مليون إنسان يملأون بيتي ويومي صخبًا وحبًّا وعشقًا وحروبا؟! أنا لا أكاد أجد مكانًا للجلوس فى بيتى من فرط الزحام!".
   يعيش معى ابن عربى وغاندى وأفلاطون وأرسطو وابن رشد وبورخيس وطه حسين وسارتر وسيمون دى بفوار وبرنارد شو وأكتافيو باث وشمس الدين التبريزى وجلال الدين الرومى وهارولد بنتر ومكسيم جوركى وفرجينيا وولف وموليير وإيميلى ديكنسون وشربل بعيني وجبران والأخطل وجورج أوريل وفوكو وديكارت ونزار قبانى وأحمد عبد المعطى حجازى وعبد الصبور وزكى نجيب محمود وغيرهم. حتى ماركى دو ساد، الملعون، خصصتُ له ركنًا صغيرًا معتمًا فى بيتى يليق ببذاءته.
   البارحةَ قضيتُ يومى أفضُّ معركة حامية الوطيس بين مارتن لوثر كينج وبين هتلر. ناصرت الأول وقبّلت وجنته وشبكت وردة فى عروة قميصه، وركلتُ الثانى بقدمى،  فبكى.
   بيتى يُعوزه الهدوء. هنا يصدح تشايكوفسكى وفيردى وشوبان وموتسارت وينى وفيفالدى وشتراوس وباخ وفيروز وأم كلثوم وعبد الوهاب وصباح فخرى وصباح الشحرورة ومواء قطتى وشقشقة عصفور يزور شرفتى كل صباح يقول لي: صباحك سكر يا فافى ثم يمضى بعدما يلقط حبة القمح من يدى.
   تملأ عينى ألوانُ أوجست رينوار وهنرى ماتيس وكلود مونييه وإدوارد مانييه وإدجار ديجا وبيكاسو وسيلفادور دالى ومحمود مختار وحسن فتحى وسيزان وفان جوخ وحليم ودافنشى وجوجان.
   بالأمس قضيت النهار أصلحُ إحدى طواحين فان جوخ الهوائية بعدما تدلت ريشةٌ من طاحونة وكادت تسقط من اللوحة على الأرض. ثم نزعت ثلاثة عيدان قمح من لوحة أخرى وخبزت رغيفًا لعشائى مع أسرة البطاطس الفقراء. بعد العشاء، استأذنتُ بيتهوفن فى عزف «فور إليس» على بيانو فى لوحة رينوار.
   قبل أن أنام انتبهت على صخب وهرج ومرج وتكسير فازات فى قاعة المعيشة! فإذا بها مشادةٌ عنيفة بين رينوار وماتيس؛ حيث غضب الأول من الثانى لأنه وضع باللوحة لونًا والأسود، فى رأيه، ليس لونًا بل بقعة خواء أو مزق فى اللوحة، فيما سخر الثانى وأصر على أنه لون وستين لون كمان! وتجاوز فى غِيّه ورسم عنقًا طويلا جدا لرجل ثم لونه بالأخضر فجُنَّ جنون رينوار فما كان من ماتيس إلا أن أخرج لسانه لرينوار قائلا: أيها التقليدى العجوز لا تقل إنك انطباعى تأثيرى بل أنت كلاسيكى عتيقٌ مثل أسلافك. فاحمر وجه رينوار غضبًا ونتف لحيته وهو يصرخ فى وجه ماتيس: أيها الغرُّ الساذج أنت محض مصور تافه ولست ولن تكون فنانًا!
   صالحتهما معًا لأننى أحبهما معًا وفشلت فى أن أناصر أحدًا على أحد فغضبا منى كلاهما وخاصماني!
   فى الويك إند سأصالحهما بكعكة شيكولاته وأهدى كلا منهما علبة ألوان جديدة. وسأدسُّ لماتيس، خلسةً، علبتين من اللون الأسود بدلا من واحدة بعدما أستلّ واحدة من علبة رينوار العنيد الذى يرفض أن يصدق أن شركة بليكان الآن تضع الأسود فى قائمة الألوان.
   بيتى صغير جدًّا؛ لكنه مزدحم جدًّا. على أننى لست واثقة من سيبكى عليّ حين أموت لأن أولئك الذين يشاركوننى البيت لا يعرفون الدمع؛ لأنهم جميعا صنّاع فرح.
القاهرة 2014-3-24
**
هائل ومخيف
صدقت عزيزي إلياس
شربل بعيني رهيف كبتلّة وردة وليدة. 
وهائل.. 
ومخيف مثل شلال هادر 
يجتاح مدينة. 
صموتٌ مثل حلم، 
وهادر صاخب 
كما مجرّة تمور بكواكبها.
تعليق على تعليق الياس الياس، القاهرة 2013
**
هدايا
   الفيديو الأخير المطعم بقصائدك المُغنّاة فوق الجميل وأعلى من العلو. 
   كل هذه الهدايا الجميلة يا شربل بعيني!
   كيف أرد إليك القليل منها؟
    أحتاج أن أحيا أعمارا.
حبي لك
القاهرة 2013
**
هل هو الله؟
المجنونة عادت..
والأبرياء على أسرّتهم يتأوهون..
لكن بسمةً مارقة مرّت بوجوههم حين رأوني.
أحدهم ظل ممسكا بيدي يرفض أن يتركها فوق صدره المُدثّر بالضمادات وأنابيب المحلول تخترق وريده..
اسمه راضي..
علمت بعد قليل من الطبيب أن رصاصة اخترقت كليته،
ولتوّه خرج من العمليات،
كان يرمقني بين اليقظة والنوم بتأثير البنج ويقول لي من وراء الأنبوب في فمه:
بحبك أوي..
قلت له: سامحنا لما فعل السفهاء منا،
فقال لي: أنتي بتعتذري؟ أنتِ ملاك.
تصور يا شربل بعيني؟
لماذا يقتلُ إنسانٌ إنسانا؟
بل كيف؟
بل بأي حقٍّ؟
هل هو الله؟
الله واهبُ الحياة، وهو وحده نازعها؟
متى نصبح بشرا يا شربل؟
**
وديع الصافي
باعد اللهُ بينك وبين الدمع يا أرق الشعراء.
رغم أن الدمع دليلُ صحة وحياة.
إلا أنني أشفق على قلبك العذب من لحظة حزن..
أعزّيكَ، يا شربل بعيني، 
وأعزّي نفسي..
 وأعزّي العالم الطيب في طيران الجميل الذي لن تجود به الحياة إلا بعد دهور علينا أن نحياها صامتين عن الغناء..
بعدما طار البلبل..
الذي أسمع منذ الآن ديار لبنان ودورها وربوعها ووديانها وجبالها تسألنا بحزن
(راحوا فين حبايب الدار)
أحسنَ اللهُ عزاءك يا شاعري الجميل،
وعوضنا عنه خيرًا،
وانعم بفردوس الله أيها الوديع الصافي،
وغنّ هناك ما شاء لك الطرب الجميل.
القاهرة 2013
**
يا مصرُ.. اسمعي
(أن تصادقَ شاعرًا بحجم "شَربل بَعيني"؛ فأنتَ على مَحَكّ الخطر. إنْ وددتَ الاقترابَ من عالمِه، عليكَ أن تتسلّح بِطاقةٍ روحية هائلة، وسُيوفٍ لُغويةٍ ماضية، وقدراتٍ خيالية مُحلّقة، وقلبٍ شاسع يحملُ البشريةَ والتواريخَ والتآريخَ وذواكرَ الأجداد وحدوسَ الأحفاد وإخفاقاتِ الحبيباتِ في سُقيا زهور الأرحام وإخفاقَ العشّاق في تحمّل طعنات الهوى، والهوى والتبتّلَ واليأسَ والإشراقَ والطفولةَ وكهولةَ الألف عام)
الشعراءُ يتغنّون بالحبيباتِ في إشراقهنّ وزَهوهنّ وجمالهنّ. لكن الحسناواتِ وحدَهن من بين الحبيبات هن اللواتي يتغنى بهن الشعراءُ في إشراقهن وفي ذبولهن. في صَحوهن وفي رُقادهن. في عُنفوانهن وفي مرضهن. وإلا ما قال قيسُ بن الملوح: 
"يقولون ليلى بالعراق مريضة
فيا ليتني كنتُ الطبيبَ الُمداويا."
ليلى العامرية الجميلة، سوداءُ الجدائل، نجلاءُ العينين، مليحةُ القوام، لو لم تكن فائقةَ الحسن وضّاءةَ البهاء ما تغنّى عاشقُها بحُسنِها حتى في مرضِها وذبولها.
ومَن من بين البلدان تشبه "ليلى العامرية" في حُسنها بين النساء؟ إنها مصرُ. التي أحبَّها كلُّ مثقفي العالم، وقدّروها حقَّ قدرها، وعرفوا أنها هِبةُ النيل، كما قال هيرودوت، وأنها حاضنةُ الحضارات حاملةُ مِشعل التنوير للبشرية في فجر الضمير الإنساني وقت غبش التاريخ. أحبَّها الشعراءُ في مجدِها، وفي كبوتِها لم يُعيّروها، بل قالوا إنها استراحةُ المحارب التي بعدها تنهضُ وتثبُ من رقادها لتتأهبَ من جديد لرحلة التنوير والحضارة. 
هنا شاعرٌ من أرض لبنان الساحرة. بلد الثقافة وحاضنةُ الفنون الراقية. بلد شجرة الأَرز الخضراء التي قيل إن اسمها اِشتُقّ من السريانية: "لب" و"أنان"، بمعنى "قلبُ الله"، حين ظنّ الأقدمون أن جبالها كانت موطنًا للآلهة القدامى. وقيل إنها من كلمة "لُبني" أي شجرة الطِيب والبخور طيّب الرائحة. وقيل إنها من الكلمة السامية "لبن" بمعنى "أبيض" لنصاعة الثلوج التي تكلّلُ هاماتِ جبالها. 
شاعرُنا اللبناني ترك لبنان الجميلة لأسباب سياسية وهاجر إلى سيدني الاسترالية ليؤسس حصنًا ثقافيًّا يليق بمهاجر مثقف أسماه "الغُربة"، وراح يعلّم أجيالا إثر أجيال من أبناء الجاليات العربية، فنونَ اللغة العربية وأسرارَ آدابها وأشعارها، فأصبح أبًا لآلاف من البنات والبنين غدوا الآن زهورًا مشرقة تزيّن فضاء سيدني، وله مئات الكتب رفيعة الطراز. حينما كنتُ في سيدني في نوڤمبر ٢٠١٤ لاستلام جائزة جبران العالمية التي توّجت هامتي بالفرح والفخر، فاجأنا شاعرُنا اللبناني الكبير "شَربل بعيني" بقصيدة كتبها في حبّ مصر، تحيةً لي، ابنة مصر التي غدت تحمل لقب جبران بوثيقة بُنوةٍ رسمية، ومن قبلي، تحيةً للحسناء مصر التي أحبّها كما أحبها كلُّ مثقف حقيقي مفطور على التحضر. لكن المفاجأة أنه أهدى القصيدة لصوت مطرب جبلي من أرض العراق الحزين، التي الشمس أجملُ فيها من سواها لأنها تحتضن العراق، كما علّمنا بدر شاكر السياب. فأشرقتِ الكلماتُ اللبنانية على الحنجرة العراقية التي لا تشبه الحناجر. صديقُنا العراقي ذو الحنجرة المقدودة من حجر الفلاسفة هو المطرب العذب "إسماعيل فاضل"، الذي أيضًا ترك وطنه العراق الكريم ليهاجر إلى سيدني الأسترالية، يحفظ عن ظهر قلب اثنتي عشر ألف قصيدة من التراث العربي القديم، تجويدًا ونظمًا وفنًّا وشدوًا. لحنّ القصيدة وغنّاها وسمعناها، فتشبّثت أكفُّنا بالمقاعد لكيلا تطيرُ أجسادُنا نشوةً؛ فنبرحُ الأرضَ ونحلّق على مقربة من الله في عليائه. 
تقول القصيدةُ: 
يا مصرُ أنتِ الأُمُّ.. يا أُمُّّ اسْمَعي
منْ كثْرَة الأشواق ضاقتْ أضلـُعي
ما كلُّ هذا النيلِ نهرٌ واحدٌ
فلقد وهبتُُ النيلَ مَجْرى أدْمُعي
لو باحتِ الأهْرامُ بالحبِّ النقيْ
لعَلِمْتِ أنَّ القلبَ لمْ يرحلَْ معي
إبنُ المَهاجرِ غارقٌ في حزنِه
منذ احتضنتُ الأرضَ غابَ توجُّعي
شَعَّتْ على ثغـْر الأحبّةِ بَسْمَةٌ
خِلْتُ النجومَ تـساقطتْ بتـَسَرُّعِ
يا أمَّ دُنيا.. هل صحيحٌ ما أرى؟
هل تسمعُ البلدانُ صوتَ تضرّعي؟
مُدّي اليدينِ إلى الحبيبِ ترفـُّقاً
من ليسَ يأتي المجدَ.. ليْسَ بمُبْدعِ
ها قد سكبْتُ الحبَّ عِطْرَ قصيدةٍ
فتنعّمي بالحُبِّ، ثمَّ تدلّعي..
كوني كما أنتِ احْتِضانَ أُمومَةٍ
مَنْ يجمعُ الأبناءَ.. إن لمْ تجمَعي؟]
أنصتوا إلى الصوت العبقري يشدو بالكلمات العبقرية في هذا الفيديو.
ثم ترقّبوه قريبًا على خشبة المسرح الكبير بدولة الأوبرا المصرية، حيث أنصتتْ إليه جميلةُ "الفلوت"، ومديرةُ دار الأوبرا، د. "إيناس عبد الدايم"، وراقَ لها عذوبةُ الصوت، فقررتْ أن تقتنصه ليشدو لجمهور مصر الحبيبة. شكرًا لكل من أحبَّ مصرَ، لأنها الجميلةُ التي تستحقُّ الحبَّ.
* من مقال: "حذارِ أن تصادق شَربل بعيني" |مجلة "٧ أيام" |فاطمة ناعوت | ٣٠ ديسمبر 2014.
 - مجلة (نصف الدنيا) عدد ٢٠  فبراير  ٢٠١٥