شربل بعيني رائد المسرح الطفولي

 


مقدمة
عندما بدأت التفتيش في "أرشيف" صديقي الشاعر شربل بعيني، عن الكلمات السريعة التي كتبت عنه، لأجمعها في كتاب نشر مرتين، 2010 و2020، وجدت مقالات كثيرة عن مسرحياته الرائعة التي قام بتمثيلها جيش من اطفال معهد سيدة لبنان ـ هاريس بارك، التابع لراهبات العائلة المقدسة المارونيات، فقلت في سري: لماذا لم يتكلّموا عن شربل بعيني المسرحي الناجح بالقدر الذي تكلموا عنه كشاعر مبدع؟ 
   أفلا يحق لمن كتب 14 مسرحية طفولية أن يخصص له كتاب يخلد رحلته الفنية هذه؟. 
   ورحت أجمع المقالات، وما أكثرها، فقررت أن أختار منها تلك التي كتبت بأقلام مهجرية معروفة، تاركاً ما تبقى لباحث آخر عله يوفي "الفنان والكاتب والمخرج المسرحي شربل بعيني" حقه.
عنوان الكتاب:
    لقد احترت كثيراً في اختيار عنوان هذا الكتاب، هل أختار ما قالنه الأخت الراهبة ايرين بو غصن:
ـ شربل بعيني: أول من خط  المسرح الطفولي في المهجر.
   أم أختار ما قاله الاعلامي المرحوم بطرس عنداري:
ـ شربل بعيني المسرحي الناجح مع الأطفال.
   عنوانان رائعان، قررت أن أنتقي الأول مع تعديل بسيط ليصبح:
ـ شربل بعيني: رائد المسرح الطفولي في المهجر.
   ولكي أختصره أكثر، قمت بحذف عبارة "في المهجر"، لأن ما قام به شربل كان في المهجر أصلاً، فلماذا التركيز على ذلك؟
غنّوا يا أطفال:
   رحلة شربل بعيني مع الفن الطفولي طويلة جداً وشاقة، فبالاضافة الى 14 مسرحية طفولية خالدة، كتب المئات من الأغنيات للأطفال، جمعها في كتاب أسماه "غنّوا يا أطفال"، وقد طلب مني، يومذاك، أن أكتب مقدمته، فكتبت:
  قبل أن تقرأوا هذه الأغنيات التاريخية الجميلة، عليكم أن تعرفوا أن آلاف الأطفال في معهد سيدة لبنان ـ هاريس بارك ـ سيدني ـ أستراليا قد غنّوها في احتفالات مدرسية مختلفة. وقد نشر شربل أغنياتهم الوطنية في مجموعة ثانية أسماها "لبنان بس". وقد لا أذيع سراً اذا قلت أن الكثير من هذه الأغنيات قد ضاع لسبب مؤسف لا داعي لذكره.
   
جمهور المسرحيات

   كما عليكم أن تعرفوا أن هؤلاء الأطفال ولدوا في بلاد كل ما فيها ينطق بالانكليزية، فجاء شربل بعيني ليزرع على شفاههم لغتهم الأم بطريقة مبتكرة، إذ أن لا شيء مثل المسرح والأغنيات يعيد إليهم ما فقدوه من نطق بهذه اللغة.
   قد يقول البعض ان لا قيمة ادبية لهذه الاغنيات، والحقيقة ان قيمتها الادبية لا حدود لها، إذ انها تكمن في قيمتها التربوية والمعنوية والانسانية والتاريخية، خاصة وانها تؤرخ لاكثر من ربع قرن من حياة المعهد، وتسلط الاضواء على شخصيات مهمة استقبلهم الاطفال، كما تبيّن مدى اخلاص ومحبة ووفاء هذا المعلم الكبير لراهبات العائلة المقدسة، ولمعهدهن الذي وهبه عصارة نبوغه الفكري، وأهداه اجمل سني حياته. 
   لقد مرّ شربل بعيني في معهد سيدة لبنان كمارد قطف ثمار شجرة المعرفة وأطعمها للصغار والكبار في آن واحد. فتارة يقدّم لهم ثمرة الشعر والغناء، وتارة أخرى ثمرة الكتب المدرسية والتعليم الحديث الراقي، وطوراً ثمرة المسرح الطفولي الذي أبدع به بشهادة كل من شهد للحق.
   وعندما استقال شربل من مهنة التعليم في المعهد، حدث لغط شديد في أوساط الجالية، مفاده أن من كرّم جميع الراهبات وأهداهن أجمل الأغنيات لم ينل نصيبه من التكريم، فإذا به ينشر على غلاف الطبعة الثانية صورة تكريمه من قبل الرئيسة أيرين بو غصن، مع صور أخرى، ليدافع عن أعز الناس على قلبه: راهبات العائلة المقدسة.
   لقد التقيت بكثير من المعلمين الذين مروا على صفحة الحياة دون أن يذكرهم أحد، ولكن شربل بعيني مرّ فخَلَّد وخُلِّد، وخير دليل على ذلك ما سوف تستمتع به أعينكم من قصائد.
   سؤال لا بد من طرحه: هل سيمر في معهد سيدة لبنان شربل بعيني آخر؟ أتمنى ذلك.
كتبه المدرسية:
   لم يكتفِ شربل بعيني بإهداء المسرحيات والاغنيات لأطفالنا الصغار، بل أعدّ لهم كتباً مدرسية عديدة، أشرفت على طباعة العديد منها وزارة الثقافة والتعليم في ولاية نيو ساوث ويلز.
   كان كل همه أن يسعد الأطفال، أينما وجدوا، كي يصبح أباً حنوناً لهم، بعد أن حُرِمَ، وهذا رأيي الشخصي، من نعمة الأبوة.
   وهذا ما عبّر عنه سيادة المطران يوسف حتي حين قال في يوبيل شربل بعيني الفضي 1993:
   "شيء آخر لفتني في رحلة شربل بعيني التربوية: اهتمامه بالمسرح. وكلنا يعلم ما للمسرح الطفولي من تأثير على سلوك الآباء قبل الأبناء، فالموعظة المسرحية تأتي موجعة، مؤنبة، خاصة إذا كان الواعظ طفلاً صغيراً، وكانت اللغة لغته الأم، وكان المتلقون لموعظته أهله وأقرباءه وأبناء شعبه.
   شربل بعيني في مسرحه الطفولي أقرب ما يكون لابن المقفّع، هذا استعان بالأطفال، وذاك استنطق الحيوان، والاثنان معاً نجحا أيّما نجاح في تنقية المجتمع من فساد قد لا تتفاوت تأثيراته الانسانية والسياسية والاجتماعية بين زمن ابن المقفّع وزمننا هذا.
   فإذا كان الأدب لا يستقيم بدون قارىء، والقارىء لا يستقيم بدون مدرسة، والمدرسة لا تستقيم بدون معلّم، وجب على هذا المعلّم أن يكون مثل شربل بعيني."
   نعم، نعم، نعم، وجب على هذا المعلم أن يكون مثل شربل بعيني.
   رحمك الله أيها "الحتي" المثلث الرحمات على هذا الكلام التاريخي النادر.
الراهبات الثلاث:
   ثلاث راهبات فقط، أهداهن شربل بعيني الأجزاء الأربعة من كتبه التي احتوت على جميع مسرحياته، التي مثلت على مسرح سيدة لبنان، أو لم تمثّل بعد، وأذكر أنني شاهدت مسرحية "ألله بيدبّر" على مسرح مدرسة مار مارون دلويتشهيل، وهي المسرحية الوحيدة التي مثلت خارج مكان عمله.
   هؤلاء الراهبات الثلاث لهن فضل على المسرح الطفولي أكثر بكثير من فضل شربل بعيني عليه، إذ لولا تشجيعهن وسماحهن له بالعمل، لما تمكن من انجاز اي شيء. هن الداعمات وهو المنفّذ، لذلك وجب علينا الاعتراف بذلك، لأنهن عرفن بأن المسرح مهم جداً لتمكين النشء الاغترابي من التكلم بلغته الأم. وهذا ما أدركته الأخت الراهبة ايرين بو غصن حين قالت:
   "شكري الأكبر لمن كان وراء هذه المسرحيّة وكل مسرحيّة عرضت من قبل، هذا الذي عرف كيف يستغل مواهب أطفالنا ويفجرها على المسرح، هذا الذي أدرك أن العلم لا يكون عن طريق الكتاب فحسب، بل بالدخول إلى الحياة بواقعها اليومي، عنيت به الشاعر والمربّي والأديب الأستاذ شربل بعيني".
   فمن هن هؤلاء الراهبات الرائدات في عالم المسرح الطفولي:
1ـ الأخت الراهبة كونستانس الباشا:
   خلال فترة رئاستها للمعهد تم عرض أول مسرحية بعنوان "فصول من الحرب اللبنانية" كما عرضت أشهر مسرحية على الاطلاق "ضيعة الأشباح" التي أشاد بها الفنان الشهير دريد لحام.
2ـ الأخت الراهبة ايرين بو غصن:
   خلال فترة رئاستها تم عرض أكثر مسرحية انتقادية لاذعة، هي "عصابات وبس"، كما تم افتتاح القاعة الكبرى في المعهد بمسرحية "يا مار شربل".
3ـ الأخت الراهبة مادلين بو رجيلي:
   لولاها لما تمكن شربل بعيني من تنفيذ اية مسرحية بالدقة التي نفّذها بها، فلقد كانت المسؤولة عن تسيير جيش من الأطفال خلف الكواليس كي يدخل كل طفل في وقته المحدد لأداء دوره.
   ومني، لهؤلاء الراهبات الخالدات، أطال الله بأعمارهن، ألف تحية والف شكر.
شربل بعيني بأقلامهم:
   لولا موسوعة "شربل بعيني بأقلامهم" الإلكترونية، لما تمكنت من تنفيذ هذا الكتاب، فالفضل يعود لجامعها منذ أكثر من نصف قرن، الاستاذ المرحوم كلارك بعيني، الذي جمع آلاف المقالات والقصائد التي كتبت عن شربل بعيني، ولقد لفتني حقاً، احتفاظه بمقالات تهجّم فيها أصحابها على ابن خاله، ليس حباً بحرية الرأي، بل تنفيذاً لوعد قطعه لشربل بأن ينشر مقالات النقد قبل ان ينشر مقالات المديح، لأن على القارىء معرفة كل شي عن مسيرة شربل بعيني الأدبية.
   وقد نشرت المقالات التي اخترتها تحت اسم كل مسرحية، حسب تاريخ عرضها، وكما ذكرت سابقاً لم أتمكن من نشر كل المقالات لكثرتها. أما المقالات المكتوبة باللغة الانكليزية فلقد أنهيت فيها الكتاب لتقرأ من اليسار الى اليمين.
تنويه لا بد منه:
   أحب أن أنوّه في نهاية مقدمتي هذه الى أنني لم أؤلف هذا الكتاب، بل قمت بجمعه وإعداده كي لا تضيع هذه المقالات الرائعة التي سلطت الأضواء على رحلة شربل بعيني مع المسرح الطفولي في المهجر الأسترالي. إذ من المستحيل إظهار 300 أو 600 طفل، أعمارهم تتراوح بين 8 و12 سنة، خلال ساعتين من الزمن، ضمن مسرحية اجتماعية، انتقادية، غنائية وراقصة.
   تنفيذ مسرحيات كهذه يلزمه خبراء ومختصين ودارسين وأكادميين، ومع ذلك كان يقوم به شربل لوحده، ليس حباً بالظهور والشهرة، بل حباً بالأطفال الذين وهبهم أجمل وأنضر سنيّ حياته، فلقد أحبهم بصدق وبادلوه هم هذا الحب أيضاً، فإذا التقينا بأحد تلامذة معهد سيدة لبنان القدامى، وسألناه عن أهم شيء قام به خلال وجوده على صفوف الدراسة، لأجاب دون تردد: قيامي بدور مسرحي، وهذا ما عبّر عنه التلميذ رودريك ضاهر، في جريدة البيرق، العدد 373، 27 تموز 1991، إذ كتب وهو في التاسعة من عمره، وفي الصف الرابع الابتدائي تحديداً:
   "ليلة الواحد وعشرين من حزيران الماضيـ كانت أحلى ليله بحياتي، أنا الطفل الزغير، الما احتفل بعيد ميلادو التاسع بعد. ليش؟ لأني كنت واحد من ألأطفال المحظوظين اللي شاركوا بمسرحية "هنود من لبنان"، وصدقوني إذا قلتلكن إنو أحلى لحظات العمر كانت وقت اللي واجهت الجمهور، وثقتي بنفسي وثقة رفقاتي متل صخور جبال بلادنا.
   شغله زغيره زعلتني: صورتي أنا وعم مثّل ما نشرتها الجرايدـ لأن كنا كتار، اسمالله، 300 طفل، وكل واحد حابب يكون الأحسن.
   باسمي أنا وباسم رفقاتي، بشكر وسائل الاعلام اللي اهتمت فينا. بشكر الجمهور العظيم اللي شجعنا. بشكر الراهبات العم يسهروا ع تربيتنا، وبشكر الاستاذ شربل بعيني اللي زرع الفن بقلوبنا.. وصدقوني إذا قلت انو الاستاذ بعيني كان مات من التعب تا يشوفنا عايشين فرحة النجاح.
   وقبل ما اترككن بحب ذكركن بوقفتي ع المسرح بتيابي الهندية الناعمه، وأنا عم صيح:
ـ رفعوا لعبكن بالعالي تا نحلف سوا: باسم الوطن العايش فينا رح نبقى سوا"..
   هذه الشهادة التاريخية من الطفل رودريك، عن تعب شربل بعيني حد الموت، كي يعيش الطفل فرحة نجاحه بعد الانتهاء من عرض المسرحية، تدل على الجهد الجبار الذي بذله شربل لإنجاح 14 مسرحية طفولية خالدة.
   أتمنى لكم قراءة ممتعة.. كما كانت مسرحيات شربل بعيني ممتعة لكل من حضرها من أبناء الجالية في سيدني على المسرح، أو على "اليوتوب" في كافة أنحاء العالم.
   سؤال اخير لا بد منه: بعد استقالة شربل بعيني من مهنة التعليم، هل بقي للأطفال مسرح؟ لا والله.. 
   كل ما بقي هذه الذكريات التي حفظتها لنا مقالات أعلاميين مهجريين أثنوا على جهود شربل بعيني المسرحية في معهد سيدة لبنان ـ هاريس بارك.
د. علي بزي
**


مسرح شربل بعيني
بقلم المهندس رفيق غنّوم

   أخبرتني الممثلة المهجرية المعروفة نجوى عاصي، أنها رافقت الفنان العربي القدير دريد لحّام في زيارته لمعهد سيّدة لبنان هاريس بارك عام 1993. وعندما سأل الراهبات عن أهم نشاطات المعهد، أخبرنه أن التلاميذ قاموا بعمل مسرحي جيّد إسمه "ضيعة الأشباح" من تأليف وإخراج الشاعر شربل بعيني. فما كان من الأخت مادلين أبو رجيلي إلاّ أن وضعت شريط الفيديو في آلة العرض، وراح "غوّار الطوشي" يطوش بعبقريّة صغارنا المغتربين، وبأدائهم الجيّد، وبتمثيلهم الرائع، وكأنهم خلقوا للتمثيل وخلق التمثيل لهم. فما كان منه إلاّ أن قال أمام الجميع: جميع وزارات الثقافة والتربية والتعليم في الدول العربية لا يمكنها أن تأتي بمثلها.
   نحن نعرف أن الوزارات العربيّة بإمكانها أن تأتي بأفضل منها لو شاءت، ولكن فناننا القدير أراد أن يبالغ بإبداء إعجابه بمسرحية اشترك فيها أكثر من 300 طالب وطالبة، أدّوا أدوارهم، بأقل من ساعتين، بإتقان بالغ وبطريقة يعجز عنها الكبار، رغـم أن أعمارهم تتراوح بين الثامنة والثانية عشرة لا غير.
   كما لا يسعني إلاّ أن أذكر أن الفنان اللبناني الكبير أنطوان كرباج قد استعان باحدى بطلات "ضيعة الأشباح" التلميذة أنطوانيت خوري، لتمثيل دور ابنته في مسرحية "كذّاب تحت الطلب". وأن المخرج التلفزيوني الشهير سيمون أسمر قد طلب من بطلة مسرحيات شربل بعيني التلميذة ريما الياس، أن تذهب إلى بيروت لأخذ دورها الطليعي في عالـم الغناء.
إذن، مدرسة شربل بعيني الفنيّة أطلقت الكثير من مواهب أطفالنا العمالقة.. وجعلتهم يشعرون بانتمائهم اللا محدود إلى تلك اللغة العربية التي ينطقها أجدادهم وآباؤهم.
   ورغم صعوبة التعامل مع مئات الأطفال في مسرحيّة واحدة، نجد أن شربل بعيني لـم يستسلم لليأس، بل أغنى الفن الإغترابي باثنتي عشرة مسرحيّة ولا أجمل.. فاعتبر عن حق "مؤسس المسرح الطفولي في أستراليا"، على حدّ تعبير رئيسة معهد سيّدة لبنان في هاريس بارك الأخت إيرين بو غصن، ليلة افتتاح مسرحيّة "شارع اللبنانيين" عام 1997.
وإليكم لائحة بأسماء المسرحيّات التي ألفها وأخرجها:
فصول من الحرب اللبنانيّة ـ 1987
ألو أستراليا ـ 1988
الطربوش ـ 1989
ضيعة الأشباح ـ 1990
هنود من لبنان ـ 1991
يا عيب الشوم ـ 1993
أللـه بيدبّر ـ 1995
المدرسة ـ 1996
شارع اللبنانيين ـ 1997
جارنا أبوردجيني ـ 1998
طلّوا المغتربين ـ 2000
عصابات وبس ـ 2002
يا مار شربل - 2004
الكنز المسحور - 2005
   وبما أنني حضرت معظم هذه المسرحيّات الخالدة، وكتبت عن بعضها، أجد لزاماً عليّ أن أعترف بأن كل واحدة منها كانت تقول للثانية: أنا أجمل منك. فلقد أوقعنا شربل بعيني بحيرة ما بعدها حيرة: من أين يأتي بأفكار مسرحيّاته؟ وكيف بإمكانه أن يسيّر جحافل من الأطفال بطريقة يعجز عن وصفها اللسان؟
   قال الأستاذ جوزيف خوري في مقال نشره في البيرق العدد 1766، عن مسرحيّة "طلّوا المغتربين.
   كل عبارة في المسرحيّة بحاجة إلى دراسة مطوّلة، رغم كوميديّتها الصارمة الهادفة، التي أضحكت الجمهور حدّ البكاء، وجعلته يتعلّق أكثر فأكثر بخشبة المسرح، دون ملل أو تأفف.
   وعن خبرة شربل بعيني في المسرح الطفولي، كتب الأستاذ بيار رفّول في جريدة الهيرالد، العدد 201، أن:
"الأداء الجماعي بيّن عن أنه أصبح له خبرة واسعة في هذا المجال".
   وعن ازدحام القاعة بالحضور ليلة عرض مسرحيّة "فصول من الحرب اللبنانية" عام 1987، كتب الاستاذ بطرس عنداري في عدد النهار 547، ما يلي:
"شارك بالتمثيل حوالي 300 طالب وطالبة، وهذا حدث هام بحد ذاته، ولوحظ ازدحام القاعة الكبرى بالحضور، الذي زاد عن الألف نسمة".
   أما عن احترام قدسيّة الوقت أثناء عرض المسرحيات، فلقد كتب الاستاذ جوزاف بو ملحم في صدى لبنان العدد 554، ما يلي:
   "المسرحية بدأت في وقتها المحدد، والذين تأخّروا ثواني فاتهم أن يروا بعض مشاهدها، فكأنما شربل بعيني وطلابه ثورة إجتماعيّة بيضاء، تحاول تخليص شخصيتنا الإجتماعيّة مما علق بها من أمراض عدم احترام الوقت، وقلة التقيد بالمواعيد، وإذا الثانية عندهم ثانية، هي جزء من العمر، تقال فيها كلمة، تمثّل حركة، يفتضح أمر أزعر، تسدى نصيحة، ويلطش زعيم".
   وقد خصّ الاستاذ أنور حرب مسرحيّة "الطربوش" بمقال نشره عام 1989، في عدد التلغراف 2011، جاء فيه:
   "الفكرة ناجحة وتستحق التنويه، والتنفيذ رائع يستوجب التقدير، والتمثيل حيّ لأنه ينطلق من قلوب بريئة لـم تدنّسها أوساخ السياسة".
   ولكي يحوّل النثر إلى شعر، ولغة الجرائد إلى أدب، راح رئيس تحرير جريدة التلغراف الأستاذ أنطوان قزّي يصف مسرحيّة "يا عيب الشوم" في العدد 2526، بهذه العبارات:
   "من الثبات، من غفلة الساعات المتسارعة، من عجقة الأرصفة المظلمة، يوقظنا شربل بعيني، ويحملنا إلى مسرح سيّدة لبنان مشاهدين، مستلهمين، معجبين، حاملين في أيدينا أسراب عصافير، ولتبقَ الأشجار بلا أطيارها، نغمض العيون على الفرح الآتي من فوق، من على الخشبة، نغمضها جيّداً كي لا نطل على الشارع من جديد على درب "يا عيب الشوم".
هنيئاً لنا بصغارنا الكبار، براهبات ساهرات، وبشاعر أقل ما يقال فيه انه يصهر من الطفولة ما يغني عن سفسطة البلغاء".
   إذن، نجاح مسرحيّات شربل بعيني، وباعتراف رؤساء تحرير الصحف المهجريّة، لا غبار عليه، لا من ناحية التأليف والإخراج، ولا ناحية الفكرة، ولا من ناحية التمثيل، ولا من ناحية الحضور.. حتى ولا من ناحية احترام الوقت.
   ألـم أقل لكم إن شربل بعيني لـم يدخل مهنة التعليـم في معهد سيّدة لبنان، إلاّ حبّاً بأجيالنا الصّاعدة. وها هو الاستاذ أنور حرب يرى ما أرى في مقال نشره عام 1990، في عدد التلغراف 2089، عندما قال:
"هذه النواة يسهر شربل بعيني على زرعها ورعايتها في النفوس البريئة، ويرعاها كي تنمو في المستقبل وتزهر وتثـمر".
   كما أن الاستاذ أنطونيوس بو رزق قدّم شكره للشاعر بعيني عام 1989، على ما يقوم به من أجل تنشئة أزهار الغربة، فكتب في صدى لبنان العدد 677، ما يلي:
   "أخيراً، لا بدّ لنا أن نشكر كاتب المسرحيّة ومخرجها الشاعر شربل بعيني، الذي عمل من مسرح سيّدة لبنان تقليداً سنوياً ينتظره الجميع بفارغ الصبر كل عام، والذي ساهم ويساهم في إنماء الحس الفني لدى التلاميذ الذين من المؤهل ان يكون لهم شأن في عالـم الفن والرقص والتمثيل".
   وهل أجمل من اعتراف المربي الكبير المرحوم فؤاد نمّور، في مقال نشرته البيرق في عددها الصادر بتاريخ 13 تموز 1990:
   "بأن شربل بعيني قد وصل الذروة في مسرحيته السابقة "الطربوش" إلى أن حضرت "ضيعة الأشباح" فاكتشفت أن درجات سلّمه طويلة، وانه قادر على اكتشاف المواهب بين طلابه إلقاء وتمثيلاً وغناء ورقصاً".
   وهذا ما أكّده الدكتور جميل الدويهي في جريدة صوت المغترب العدد 1060، عندما اعترف أن شربل قد تمكّن في أحيان كثيرة من اختراق السقف المسرحي:
   ".. وإذا كان شربل بعيني قد وجد نفسه مقيّداً في أمور كثيرة، منها اضطراره لإظهار 600 طفل في مسرحيّة واحدة، مما يعني اضطراره أيضاً لمراعاة قدرة الأطفال على الحفظ والأداء.. فإنه في الوقت نفسه استطاع أن يقدّم عملاً جيّداً، وفي أحيان كثيرة تمكّن من اختراق السقف الذي حددته له قدرة هؤلاء الشبّان، كما في المقطع الذي دار بين "البصّار" والفتاة التي تبحث عن عريس".
   أما الاستاذ أنطوني ولسن فكان في كل مرّة يفكّر فيها بمستقبل الأطفال يلجأ لصديقه شربل بعيني، وها هو يستنجد به في مقال نشرته البيرق في عددها الصادر بتاريخ 10 آب 1990:
"وأخيراً أعود إليك يا شربل، فسامحني.. لماذا أفكّر بك عندما يرتبط تفكيري بالأولاد، ربما أحس بإحساسك المخلص تجاه هؤلاء الاولاد، وإني أتمنى أن تقود أنت المسيرة لخلق جو إجتماعي يهتم بأولادنا في المهجر".
   ومن أجل إيجاد مثل هذا الجو الإجتماعي، ارتأى الأستاذ هاني الترك أن تعرض مسرحيّة "عصابات وبس" في المدارس الأخرى، فكتب في جريدة التلغراف، العدد 3891، الصادر في 3 تموز 2002، ما يلي:
"إن المسرحيّة عمل فني رفيع، ويجب أن يعاد تمثيلها في المدارس العربيّة الأخرى. إذ من الواضح أن الشاعر بعيني قد بذل فيها الجهد الضخم، وهي مسرحيّة فنيّة تثقيفيّة تعليمية ترفيهيّة.
إنها مسرحيّة تستحق العرض على باقي أطفال الجالية العربية واللبنانية في المدارس الأخرى. تحيّة إلى البراعم الأطفال الذين جسّدوها على خشبة المسرح".
    لقد منّ اللـه على شربل بعيني بوزنات أدبيّة وفنيّة كثيرة، وأعتقد أنه عرف كيف يتاجر بوزناته ويضاعفها، وكيف يحوّل صحراء غربته إلى حديقة غنّاء تنشد فيها فِلَذُ أكبادنا أجمل الألحان وأرقّها.
فصل من كتاب "أجمل ما قيل بأدب شربل بعيني"
**
يوبيل شربل بعيني الفضي
بقلم سيادة المطران يوسف حتي

"دعوا الأطفال يأتون إليّ"..
عبارة قالها السيّد المسيح، أردتها تاجاً لكلمتي هذه، لغاية سيكشفها لكم تسلسل كلامي!.
قبل مجيئي الى أستراليا، لم أكن قد سمعت باسم شربل بعيني. كنا، أنا وهو، نسير في طريقين متباعدين قد لا يلتقيان أبداً، إلا عند مفارق الغربة، عنيت بهما القانون الكنسي والشعر.
وفجأة التقيته، وأحببت شعره دون أن أقرأه.. ولكي لا ينتابكم التعجّب، سأخبركم ما حصل معي لدى وصولي الى أستراليا:
دعتني راهبات العائلة المقدسة المارونيات في هاريس بارك للاحتفال بعيد شفيعي القديس يوسف، وبعد القدّاس الالهي، دعونني للقاء أطفال مدرسة سيدة لبنان، في قاعة الكنيسة، ولم يدُر في خلدي أن احتفالاً غنائياً راقصاً قد أعدّ للمناسبة، ولكي لا أطيل الشرح، وتتلاعب بي الذكرى، أردد على مسامعكم كلماتٍ شنّفت، وقتئذ، سمع راعي أبرشية جديد، ومنحته الفرح في غربة لا ينقصها سوى الفرح:
يا سيّدنا وجودك هون
فرحه ما بيساعا الكون
مطران الحتّي إسمك
ملوّن بالتقوى رسمك
باركنا.. تا يفيض اللون
وناخد من إيديك العون
وفوق النجمه نتعلّى
وأهلا بقدومك أهلا
وصدقوني اذا قلت: ان هذه الكلمات العفوية البسيطة المتصاعدة من حناجر أطفال مدرسة سيدة لبنان تحمل صوراً شعرية رائعة لا يرسمها الا الشاعر الشاعر:
ملوّن بالتقوى رسمك
باركنا.. تا يفيض اللون
إنه مديح ينطوي على تهديد ما.. هكذا تخيّلته وأنا أستمع إليه.. وحسبت الأطفال يقولون لي: كن على قدر المسؤولية الملقاة على عاتقك. كن أباً لنا، باركنا كل حين، وإلاّ، لن يفيض لون صورتك.
وكقانوني، بدأت بالتفتيش عن الفاعل، عن الذي كتب وعلّم وأوصل تلك الكلمات الى أذنيّ.. فإذا به الاستاذ شربل بعيني.
وقد يفاجأ البعض إذا قلت: إن شربل بعيني الشاعر، في يوبيله الفضي، لا يهمني، بقدر ما يهمني شربل بعيني المربي، واضع العديد من الكتب المدرسية، التي تبنتها الحكومة الاسترالية، وتناقلتها أيدي الطلبة العرب في المغتربات. مؤلفاته المدرسية هذه، سدت فراغاً تعليمياً هائلاً، بعد أن شحّت بسبب الحرب الكتب العربية المستوردة، وعجز البعض منها عن استمالة الطالب المغترب وترغيبه النطق بلغته الأم، لو لم يتدارك شربل بعيني الأمر، ويتفرّغ كلياً لاعداد كتب مدرسية حديثة قد لا يخلو صف أو مدرسة منها.
شيء آخر لفتني في رحلة شربل بعيني التربوية: اهتمامه بالمسرح. وكلنا يعلم ما للمسرح الطفولي من تأثير على سلوك الآباء قبل الأبناء، فالموعظة المسرحية تأتي موجعة، مؤنبة، خاصة إذا كان الواعظ طفلاً صغيراً، وكانت اللغة لغته الأم، وكان المتلقون لموعظته أهله وأفرباءه وأبناء شعبه.
شربل بعيني في مسرحه الطفولي أقرب ما يكون لابن المقفّع، هذا استعان بالأطفال، وذاك استنطق الحيوان، والاثنان معاً نجحا أيّما نجاح في تنقية المجتمع من فساد قد لا تتفاوت تأثيراته الانسانية والسياسية والاجتماعية بين زمن ابن المقفّع وزمننا هذا.
فإذا كان الأدب لا يستقيم بدون قارىء، والقارىء لا يستقيم بدون مدرسة، والمدرسة لا تستقيم بدون معلّم، وجب على هذا المعلّم أن يكون مثل شربل بعيني.
يوبيل شربل بعيني الفضي 1993
**



فصول من الحرب اللبنانية 1987

شربل بعيني المسرحي الناجح مع الأطفال
بقلم الاستاذ بطرس عنداري

   قدمت مدرسة راهبات العائلة المقدّسة على مسرح قاعة كنيسة سيدة لبنان، مسرحيّة بعنوان "فصول من الحرب اللبنانية"، أعدها وكتبها وأخرجها الشاعر شربل بعيني.
   وقد شارك بالتمثيل حوالي 300 طالب وطالبة، وهذا حدث هام بحد ذاته، ولوحظ ازدحام القاعة الكبرى بالحضور، الذي زاد عن الألف نسمة.
   جاءت المسرحية بشكل لوحات مختلفة، تحكي براءة الطفولة والمظالم التي لحقت بأطفال لبنان الأبرياء، وكيف أدت الأحداث الى الانحرافات والفوضى والعنف.
   وتخلل اللوحات المسرحية الحية سهام نقد اجتماعي، باسلوب أدبي، مع التزام جميع ألأدوار والعروض بلبنان الشعب والوطن الهادىء المحب للسلام.
   ولم ينسَ البعيني أن يوجه المجموعة الكبرى من الطلاب والطالبات نحو هدف توحيدي لبنانياً، يرفض منطق الطوائف والعشائر والمناطق.
   ولوحظ أن المسرحية التي استغرقت ساعتين، أخذت جهوداً كبيرة لإعدادها وتنفيذها، كما أن الملابس المختلفة للأطفال كانت خاصة بالمسرحية، وهي باهظة التكاليف، وتستغرق الكثير من الوقت لتجهيزها.
   كما أدخلت هذه المسرحية العفوية الفرح إلى قلوب الأطفال، ونقلتهم إلى أجواء وطنهم الأم، كما أفرحت وأثارت إعجاب جميع الحضور.
   ولا بد من الاشارة الى قوة شخصيات بعض الطلاب والطالبات خلال تأدية أدوارهم، ومن الضروري تشجيع بعض هذه العناصر باتجاه العمل المسرحي، الذي ما زال بدائياً في جاليتنا.
   مبروك لراهبات العائلة ولشربل بعيني على هذا النجاح المفرح.
النهار، العدد 547، 9 تموز 1987
**
مسرحية "فصول من الحرب اللبنانية" اختصار 12 عاماً من عمر الوطن في ساعتين وحكاية عطاء ونقاء ومحبة وإبداع
بقلم الاستاذ جوزاف بو ملحم

    عندما يكتب شاعر نص مسرحيّة يمثّلها أطفال في مدرسة راهبات فهذا يعني أن القصائد تحوّلت فصولاً، والبراءة تغلغلت بالحركات، والقداسة روحنت كل المشاهد.
   فشاعرية شربل بعيني، وبراءة أطفاله، والمحبّة المسيحية الحقّة، كلها تفاعلت معاً، فجاءت مسرحية شربل بعيني "فصول من الحرب اللبنانية" التي أعدها وأخرجها شاعرنا، وقام بتمثيلها 340 طالباً وطالبة من مدرسة سيدة لبنان في هاريس بارك، على مسرح قاعة الكنيسة، بحضور قنصل لبنان العام في سيدني الاستاذ جيلبير عون، والمونسنيور ميشال بو ملحم، والأخوات الراهبات، تتقدمهن الأخت الزائرة المشيرة فيرونا زيادة، والأخت الرئيسة كونستانس باشا. وغصت قاعة السيدة بحضور ناهز الـ 1400 شخص معظمهم من أهالي الطلاب وأقربائهم وأصدقائهم.
   أول ما يلفت الانتباه هو هذا الديكور المسرحي البسيط والمعبّر في آن، إذ أنت أمام لوحة كتب عليها اسم لبنان بالالوان، وتحولت نقطتا نونية الأولى والثانية إلى عينين تذرفان دماً، يتقطر في بركتين تشكلتا من كتابة الاسم.. أما نقطة الباء فهي أيضاً عين زرفت دمعها دماً تجبّل بأكياس المتاريس، فتخضبت بالأحمر القاني.
   المسرحية بدأت في وقتها المحدد، والذين تأخّروا ثواني فاتهم أن يروا بعض مشاهدها، فكأنما شربل بعيني وطلابه ثورة إجتماعيّة بيضاء، تحاول تخليص شخصيتنا الإجتماعيّة مما علق بها من أمراض عدم احترام الوقت، وقلة التقيد بالمواعيد، وإذا الثانية عندهم ثانية، هي جزء من العمر، تقال فيها كلمة، تمثّل حركة، يفتضح أمر أزعر، تسدى نصيحة، ويلطش زعيم.
   أنطوانيت خوري "أم يوسف"، أطلت بكلمة مساء الخير، "وأهلا وسهلا فيكن من دون ما إذكر أسامي" حكيت عن "المدرسه والراهبات اللي عم يتعبوا كتير".. طلبت من الحاضرين "يفتحوا دينيهن منيح" لأن "نحنا زغار وما فينا نعلّي صوتنا" وحكيت عن القسم الثالث بمدرسة سيدة لبنان، وعن مشروع تعمير الثانويّة "يللي رح يبلّش عن قريب.. وقولوا معي انشالله".
   حوار فدبكة، فمشهد لقطات خفيفة الظلّ، سهلة الهضم، بريئة القسمات، طفوليّة التعابير، شاعرية المعاناة، كأنما أنت تقرأ قصيدة من كتاب "مراهقة"، أو تنهم شميلة من "سنابل" شربل بعيني بعدما أغبطك نضج المواسم.
   في "فصول من الحرب اللبنانية" يختال شربل بعيني، ويزهو خياله. ها هو يستعرض حقاً فصولاً من الحرب اللبنانية، مثل البيك:
مسعود بيك لا تهتم
عندك زلم بتشرب دم
وها هو أيضاً يفجّر ثورته على هذا الزعيم "المصلحجي" كما في:
متل ما التران بيلحق سكّتو، الزعيم ببلادنا بيلحق مصلحتو.
   وينقم شربل على الزعيم الذي "عندو رجال بتشرب دم"، ويسخر قائلاً: "شو الدم بيبسي كولا؟"، ويحمل على الذين تاجروا باسم الشعب وبأرضه. ويصور معاناة اللبناني المهجّر في أرضه، والمهجّر منها، الحامل وطنه حبّة تراب في حضنه، والمتحمل قسوة الحرب، وقساوة أمرائها، وظلم الاحتلالات والمؤامرات، والصفقات، وعتمة وصقيع الملاجيء، وغطرسة الدولار، واستبداد الجوع.
   لكن شربل لا ينسى أن يطعّم المسرحيّة بإيمانه العميق في وطنه:
بتضلّك أرض تنين
ألله والإنسان
يا وطني لبنان
   وهو الذي سئم "زعبرات" السياسيين، وانحرافات العقائديين، نافخي طبول الحرب على الشعب اللبناني. نراه يؤلف جيشاً أبيض يسلحه بأغصان الزيتون والأعلام اللبنانية، ويرسله ليخلص لبنان، بعدما فشل السياسيون في ذلك:
إذا الكبار ما خلّصوا لبنان، نحنا بدنا نلبس تياب بيض بلون التلج ونخلصو..
   وهكذا على مدى ساعتين كاملتين، شدنا شربل بعيني وتلامذة سيدة لبنان إلى خشبة المسرح، صوروا لنا واقع الحرب، تأثيرها عليهم، وضعوا أيديهم على الجرح، وسألوا رحمة وشفقة، وأعطوا عظة، وأسدوا نصيحة، فيا ليت صرختهم تدوي في ضمير كل زعيم، وكل مقاتل، وطنياً كان أو خليطاً أو انعزالياً.
   وبعد المسرحية، ألقت الأخت الزائرة المشيرة فيرونا زيادة كلمة شكرت فيها إدارة المدرسة، والشاعر شربل بعيني، على هذا العطاء المميز، واعترفت انها أحست أن لبنان بمعاناته قد انتقل الى هنا، مؤكدة ان وطناً له مثل هذا الشعب الذي نراه في القاعة اليوم لا يزول.. وسيبقى الى الأبد.
   وأوضحت أن لبنان سينتفض من تحت الانقاض مثل طائر الفينيق، وجددت شكرها للمدرسة على هذا العمل الكبير الذي تعجز عنه مدارس لبنان.
صدى لبنان العدد 554، 14/7/1987
** 
فصول من الحرب اللبنانية
بقلم الاستاذ ميشال حديّد

ثلاث لوحات تختصر ثلاث حالات في وطن واحد:
ـ وطن ما قبل الحرب.
ـ وطن الحرب.
ـ وطن الخروج من الحرب.
ـ شارك في تقديم هذه المسرحية ثلاثمئة واربعون تلميذة وتلميذاً، جميعهم من مدرسة راهبات العائلة المقدسة في سيدة لبنان ـ هاريس بارك.
المؤلف والمخرج كان شربل بعيني.
   بلغ عدد الحضور 1400 شخص، وفي مقدمتهم سعادة قنصل لبنان العام في سيدني الاستاذ جلبير عون.
   التلامذة الذين شاركوا في هذا العمل المسرحي تراوحت اعمارهم بين السادسة والعاشرة.
   صور شربل بعيني التلميذ اللبناني قبل الحرب على انه مبذر، يصرف بلا حساب، يسرح ويمرح من غير خوف او هم، يرمي طعامه في القمامة، وهي حالة اللبناني العامة حتى يوم الانفجار الكبير، ويصوره اثناء الحرب كيف يعود الى القمامة ليلتقط منها ما قد رماه اليها في الايام البيضاء، وتبدأ المشاهد تتوالى عن ظروف المحاربين والناس الابرياء، والزعماء والحواجز الطيّارة والطائفية، واما الخلاص فيحققه "جيش من الاطفال"، اي ان الخلاص لن يكون الا على ايدي الجيل الطالع المتمرد على حالة الانكسار.
   ولعل أهم ما يسترعي الإنتباه في هذا العمل، هو قدرة شربل بعيني على تنظيم جيش من 340 تلميذة وتلميذاً لتجسيد احداث المسرحية ورسائلها على خشبة المسرح بشكل مباشر وحي، ولا بد هنا من التنويه بالثلاثي المرح، وبالتلميذة ريتا مارون صاحبة الصوت الواعد.
مجلّة ديالا ـ 1987
**
فصول من الحرب اللبنانية: مسرحية رحبانية المنهج
بقلم الاستاذ كامل المر

   كانت الجالية اللبنانية في الثالث من تموز الجاري على موعد مع تلامذة مدرسة راهبات العائلة المقدسة على مسرح كنيسة سيدة لبنان، حيث قدمت مسرحية "فصول من الحرب اللبنانية"، كتبها وأخرجها الاستاذ الشاعر شربل بعيني، وقام بتمثيلها حوالي 340 طالباً وطالبة من مدرسة سيدة لبنان.
   340 طالباً وطالبة تتراوح أعمارهم بين السابعة والثالثة عشر، يشتركون بمسرحية، ولكل طالب أو طالبة دور محدد يؤديه بدقة. انه بالفعل لعمل رائع مدهش لا يتجرأ أن يقدم عليه إلا من كان مثل الاستاذ الشاعر شربل بعيني واثقاً من قدرة طلابه .. واثقاً من قدرته على العطاء.. وواثقاً برسالة انسانية يؤديها عبر المسرح، او عبر المدرسة، او عبر الكتاب. وإدارة المدرسة لا يمكن أن توافق على مثل هذا العمل ما لم تكن واثقة كل الثقة بمقدرة الاستاذ بعيني على انجاز مثل هذا العمل الرائع.
   تربطني بالاستاذ الشاعر شربل بعيني صداقة حميمة لبنتها الكلمة، وأساسها الفكر، والصديق مخزن أسرار صديقه، أو ملجأ شكواه عند الشدة والتعب. وقد اعتاد الصديق شربل بعيني وهو عائد من المدرسة أن يمرّ بي في مركز عملي مؤكداً ان الصداع الذي يزعجه يومياً لا يتزحزح إلا بعد جدال في مسألة أدبية أو نقاش حول مضمون كلمة في بيت شعر أو ما شابه.
   لكن صديقي قاطعني فترة شهر حزيران كلّه تقريباً، فهو لا يمر بنا إلا نادراً، وان فعل يخطف نفسه خطفاً، وكلما سألته ما الخبر؟ أجابني: "فصول من الحرب اللبنانية" تتعبني.. ترهقني. وكثيراً ما كنت ألاحظ عليه انه يعصر ما بين جبينه، وانه يتألم.. فأسأله ما به؟ لكن عبثاً كنت أحاول. فالجواب واحد: "فصول من الحرب اللبنانية" ترهقني.. وكنت في كل مرة اعد نفسي بقصيدة عن الحرب اللبنانية تجود بها قريحته، الى أن فاجأتني دعوة راهبات العائلة المقدسة لحضور مسرحية "فصول من الحرب اللبنانية".
   مساء الجمعة الواقع في الثالث من تموز وقبيل الساعة السابعة والنصف بدقائق دخل قاعة كنيسة سيدة لبنان التي كانت تغص بأكثر من 1400 شخص، سعادة قنصل لبنان الاستاذ جيلبير عون محاطاً بالأخوات راهبات العائلة المقدسة المارونيات، وعلى رأسهن الأخت المشيرة الزائرة فيرونا زيادة، ورئيسة دير السيدة الأخت كونستانس باشا. وفي تمام السابعة والنصف تماماً كما هو محدد في البرنامج، بدأ عرض المسرحية بالنشيدين الاوسترالي واللبناني، ثم بدأت المسرحية: مشاهد متتالية، رقصات فلكلورية، أغانٍ معبرة تتناسب والمشهد وترافق كلماتها حركات الأطفال الإيقاعية.
   ساعتان من العرض المستمر ننتقل خلالها من مشهد الى مشهد، ومن حالة الى أخرى دون أي فراغ على المسرح. اطفال يؤدون دورهم بكل دقّة مصورين يوميات الحياة اللبنانية ابتداء من ساعة المدرسة مروراً بالانتخابات وانتهاء بحالة الحرب التي بدأت حواجزها تبتلع اللبنانيين الى أية طائفة انتموا، والى أية بقعة من أرض لبنان انتسبوا. ولم ينسَ الشاعر حياة اللبناني في الملجأ أيضاً، أو في المطارات مهاجراً هرباً من جحيم الحرب. كا أنه لم ينسَ أن يشحن نفس المسافر بالحنين الى أرضه التي يهجرها مكرهاً بسبب الظلم والحقد الاسود الذي غزا لبنان من كل حدب وصوب، وسخّر بعض ذوي النفوس الرخيصة من الزعامات لتحقيق غاياته. كما لم ينسَ الشاعر بعيني أن يزرع الأمل بولادة لبنان جديد قوامه الأجيال الطالعة، التي رأت كل عيوب ومساوىء النظام الفاسد والزعامات العفنة.
   وإذا كان لا بد لي من ملاحظة حول المسرحية فليس أكثر من أن الشاعر لم يظهر عذاب اللبنانيين في الخارج، أو على ابواب سفارات العالم حيث كانوا يعانون الأمرين في سبيل الحصول على تأشيرة دخول الى بلد ما.
   عمل مسرحي من هذا النوع يحتاج الى جهود لا حصر لها، ولا سيما اذا كان ابطال المسرحية وأشخاصها أطفالاً استطاعت الارادة الخيرة منفردة أن تنجزه على أكمل وجه. فنصوص الكلام بسيطة سهلة تتناسب مع اعمار قائليها في شخصية طفل او رجل او امرأة او بك ـ زعيم.
   اثناء عرض المسرحية كنت أصغي الى كل همسة او كلمة، وانتبه الى كل حركة ترافق الكلام، ومنذ اللحظة الأولى أدركت كم كان صديقي متعباً حقاً ومرهقاً حتى  آخر درجات الإرهاق.
   تصور معي، أيها القارىء، كيف يمكن أن يُحقّق عمل مسرحي يشترك فيه أكثر من 340 طالباً وطالبة يتخلله رقص وغناء وحوار ومدته ساعتان فقط؟
   ولا أذيع سراً اذا قلت ان شربل بعيني انتهج نهجاً رحبانياً صرفاً في عرض مسرحيته، وما الرجوع الى مسرحيات الاخوين رحباني سوى دليل على ذلك، فهي تحتوي كما "فصول من الحرب اللبنانية" على أغانٍ ودبكات واسكتشات فكاهية مضحكة ولكنها موجهة معبرة تزخر بالمعاناة وبالنقد البناء، بالاضافة الى مشاهد وطنية عديدة.
   وأخيراً، لا يسعنا إلا أن نتقدم من الاستاذ بعيني بالتهاني والشكر لهذا العمل الرائع، ولا يسعنا أيضاً إلا أن نحيي راهبات العائلة المقدسة في معهد سيدة لبنان، وعلى رأسهن ألأخت كونستانس باشا، على أعمالهن العديدة ولا سيما بناء هذا الصرح العلمي في أوستراليا، الذي ولا شك سيكون له دور فعال في جمع شتات اللبنانيين، وسيكون أيضاً مفخرة أجيالنا الطالعة.
صدى لبنان ـ العدد 555 ـ 21/7/1987
**



ألو استراليا 1988

ألو أستراليا.. هون شربل بعيني
بقلم جوزاف بو ملحم

   مسرح يصور مسيرة الهجرة اللبنانية الى استراليا واطفال صغار يروون معاناة الكبار مالئين القلب أملاً.
   مسرحية "ألو أستراليا" التي أعدها وأخرجها وصمم ديكورها الشاعر شربل بعيني، ومثّلها عدد كبير من تلامذته في مدرسة راهبات العائلة المقدسة المارونيات ـ سيدة لبنان، مساء الجمعة الماضي، التزمت موضوع احتفالات المئتي سنة الأسترالية، فروت حكاية الهجرة الأولى، وجسّدت معاناة اللبناني في وطنه، إلى جانب معاناته في مغتربه، وطموحه الى بناء الذات، وحنينه الى وطن اغترب عنه هذه المرة، بعدما كان قد شعر بالغربة وهو فيه.
   وقد نجح شربل بعيني في اختيار موضوع مسرحيّته الذي جاء منسجماً والاحتفالات الاسترالية بمناسبة مرور 200 عام على الاستيطان الابيض في هذه البلاد، فكأني به أراد بها تسجيل إسهام بني قومه في بناء صرح أستراليا الحديثة.
   "بو يوسف" المهاجر اللبناني الأول، الذي ترك لبنان إلى أميركا، وألقته السفينة في أستراليا خطأ، لم يلبث أن تعلّم "كيف يخلّص حالو" باللغة الانكليزية، وباع عدداً من السبحات التي جلبها من الأماكن المقدسة، وبدأ بإرسال الأموال إلى زوجته في لبنان، فكانت هذه الأموال حافزاً إيجابياً، دفع شباب القرية الى الهجرة، بعد الدافع السلبي المتمثّل بالإقطاع المحلي، وضيق رقعة العيش.
    وتمضي سنون، ويغدو "بو يوسف بي المغتربين"، يجلبهم من لبنان، يسكنهم في بيته، يترجم لهم لدى الأستراليين، ويسعى لإيجاد العمل لهم. فيكثرون هنا، يتزوجون، أو يستقدمون زوجاتهم. يتكاثرون، يتركون كشّات بيع الألبسة، والأدوات المنزلية، والحراتيق، ويؤسسون المحلات التجارية، ويفتحون المكاتب المتخصصة في الطب والمحاماة والصحف والسفريات، إلى جانب محلات "الميلك بار" و"الميكس بزنس" والخضار والفواكه والتاكسي.
   ولا غرو، فهؤلاء الذين جاؤوا كي يجمعوا قرشين ويعودوا، تعذرت عليهم العودة بسبب الاقطاع واحوال البلاد والحروب المتلاحقة، التي كان آخرها واشدّها إيلاماً، حرب الـ 13 سنة الحالية، فإذا بالذين جاؤوا على أمل العودة الى الوطن يجلبون إليه وطناً صعبت عليهم العودة إليه.
   بلسان الأطفال الصغار روى شربل بعيني قصص الكبار، وهو ما لجأ إلى ذلك تهرباً من مسؤولية، أو انتهاجاً لدبلوماسية على طريقة "كليلة ودمنة"، فمعظم العبارات التي شرقطت في المسرحيّة، إن لم نقل جميعها، تجد قصيدة له هنا، أو بيت شعر هناك، و"تيس الزعامة" الذي كنا نقرأ عنه في القصيدة، جسّده الممثلون الصغار على المسرح، ورفعوا أصوات التحدي حادة عالية في وجهه، وهددوه ان هو استمرّ في تيسنته وتسلطه، فسيأتي يوم لا يجد شعباً يبسط سلطانه عليه.
   في "ألو أستراليا" المسرحية كل الحب لأستراليا الوطن، الذي احتضن المهاجرين اللبنانيين، ولأستراليا الشعب الذي أحب المهاجرين، وشغف بطيبة قلبهم، وصلابة عزيمتهم، وقوة طموحهم، فساعدهم وأفسح لهم يشقون الطريق بعزم وثبات.
   وفي "ألو أستراليا" تغنٍ باللبنانيين الذين بنوا وعمروا وأسسوا وأسهموا في بناء صرح هذه البلاد. فكاميرا شربل بعيني ما التقطت إلا الإيجابي من الطرفين، وهو الغالب والأكثر، أما السلبي عند الطرفين فقد غضت الطرف وتجاهلته، وكم نرجو أن تنتفي هذه السلبيات وتتضاءل ليبقى وجه الجالية المشرف مشرقاً على الدوام.
ملاحظات:
   لكننا، ونحن نثني على شربل بعيني لاختيار هذا الموضوع هذا العام بالذات، ونهنيء أنفسنا براهبات العائلة المقدّسة ومدرستهم المعطاءة، لا يسعنا إلا وأن نسجل بعض الملاحظات آخذين بعين الاعتبار "موسم الانفلونزا" الذي ضرب التلاميذ الممثلين، مما أثّر على ادائهم المسرحي هذا العام، فجاءت "ألو أستراليا" أضعف مسرحياً من سابقتها "فصول من الحرب اللبنانية"، التي سبق لشربل وتلامذته ان قدموها العام الدراسي الفائت.
   1ـ ألفت الانتباه الى أن فستان أم يوسف الجميل وسكربينتها البيضاء، لم يتغيّرا طيلة المسرحيّة، وهذا خطأ، ذلك أن سفر بو يوسف الى أستراليا، وإرساله الأموال الى زوجته في لبنان، لا بد وان يحدث تبدلاً في طريقة عيشها ولباسها، لذلك كان من المفروض أن تظهر أم يوسف بفستان متواضع قروي في اول المسرحية، ثم بفستانها الأبيض بعد تدفّق الدولارات.
   2ـ أدخل شربل بعيني الى المسرحية قفشات خناقة بين أم يوسف وجارتها، وهذه القفشات، الى جانب كونها بعيدة عن صلب الموضوع، أساءت الى الذوق كثيراً، خصوصاً عندما تتردد فيها عبارات العنف الجارحة مثل "شرب الدم"، و"تكسير العظام"، إلى ما هنالك من العنتريات التي وإن كان بعضها واقعياً، فمعظمها مبالغ فيه، ولا نحب أن ننقلها الى مسامع أطفالنا في هذا البلد.
   3ـ كنا نتوقّع أن يشير شربل بعيني الى التقدم التجاري الذي بلغه "باعة الكشّة" السابقين، فنفخر بهم، ونذكر أطفالنا على الأقل، أن هؤلاء من وطنهم، تعبوا وجدوا في هذه البلاد فنجحوا.. والأمثلة كثيرة، ولا شك ان شربل يعرف ذلك.
   فآل سكاف، وآل الغزال، ومنصور، المشهورون في حقل الملبوسات، وآل المعلوف في امتلاك الأراضي والطب والمحاماة، والأديب ديفيد معلوف الذي نال جائزة باسكال الأدبية منذ شهرين، الى جانب آخرين لا حصر لهم في جميع الشؤون الحياتية.
   ونحن إذ نسوق هذه الملاحظات، إنما نفعل بعدما لمسنا لدى الشاعر شربل بعيني بعضاً من الاحتراف المسرحي ذي المستوى، برهن عنه في إعداد وإخراج مسرحية لأكثر من ثلاث مئة مميثل ومميثلة، واستطاع للمرة الثانية أن يقدّم المسرحيّة دون أن يدع الرتابة تهاجم عقولنا، أو أن يترك النعاس يداهم جفوننا، فالتنويع بكل فنونه كان طوع بنان شربل، إذ نقلنا من مكان الى آخر بين لبنان وأستراليا، وأدخل الى مسرحيته أصوات "البابور" الباخرة، ليوقظنا، كما جعل الموسيقى ترافق المشاهد، واعتمد التلوين الاستعراضي مراوحاً بين التمثيل والدبكة والغناء، فنجح في جعلنا عيوناً شاخصة الى مسرحه، مشدودة الى أبطاله الصغار.
   وإذا كان شربل بعيني يقيس نجاح المسرحية بمدى إقبال الأهالي على شراء بطاقات سحب اليانصيب، وقد تهافتوا الى ذلك، فللنجاح مقاييس أخرى أهمها أن لا نسمع شخير من يجلس بجانبك، أو أن تضطر الى نكع مرافقيك، أو تشاهد أحداً يتثاءب فتفعل المثل.
   ولشربل بعيني تجربة غنية في هذا المجال، عندما غفا على كتفيه رفيقان له وشخرا في حفلة سيد مكاوي "الأرض بتتكلّم عربي"، وهذا في نظري حضيض الافلاس.
القنصل عون وضعف نسبة العلم في الجالية
    مسرحية "ألو أستراليا"، حضرها عدد كبير من أهالي تلامذة مدرسة سيدة لبنان، فامتلأت قاعة الكنيسة بهم، وجمهور غفير من المدعوين، في مقدمتهم قنصل لبنان العام في سيدني د. جيلبير عون، والدكتورة سمر العطار برفقة زوجها جيرارد، وكهنة ورهبان وراهبات، والاستاذان فؤاد نمور وكامل المر.
   وبعد انتهاء المسرحية ألقى القنصل العام عون كلمة شكر فيها رئيسة المدرسة الأخت كونستانس باشا على دعوتها له الى هذه المسرحية "التي كان لي شرف حضورها معكم"، وأثنى على نشاط الراهبات والاستاذ بعيني وتلامذتهم، وشدد على ضرورة تشجيع الأهالي لأبنائهم، كي يتابعوا تحصيلهم العلمي، وتخصصهم الجامعي، داقاً ناقوس الخطر، معلناً أن الجالية اللبنانية تحتل الرقم الأول في سحب أبنائها من المدارس بعد المرحلة الثانوية، وهي بذلك صاحبة النسبة الأقل في المعاهد الجامعية.    ورأى د. عون أن أفضل شيء يمكن أن نعطيه لأولادنا هو مساندتهم وحثّهم على متابعة تخصصهم الجامعي.
   الأخت مارلين شديد شكرت شربل بعيني بأبيات شعرية على هذه المسرحية التي "عصرها قلب وفكر شربل بعيني، فجاءت الحفلة تحفة وأدب"، بينما كانت المطربة الصغيرة ريما الياس تقدم له هدية "ما عرفنا شو فيها"، وكانت ريما قد لعبت في المسرحية دور حفيدة "بو يوسف"، وقد شاركت في عدة أغنيات أهمها أغنية "يا جدي"، التي ألفها شربل ولحنتها الفنانة وفاء صدقي.
   ولم ينسَ تلامذة سيدة لبنان رئيسة مدرستهم الأخت كونستانس باشا، فأهدوها سلة زهر، حوشوها من حدائق صدورهم المملؤة امتناناً وتقديراً لعطاء الرئيسة في سبيلهم. أما الأخت مادلين بو رجيلي فقد نظمت دخول الممثلين خلف الستار كل في دوره المعيّن، فجاء العمل متناسقاً.
صدى لبنان ـ العدد 603 ـ 5/7/1988
**
من وحي مسرحية ألو أستراليا لشربل بعيني
بقلم الاستاذ جورج يمين

   ألو.. لبنان
   ارتفعت الستارة.. بيروت تقاوم جلاديها، وتكرج الفصول على خشبة المسرح بخفة واتقان: الضيعة ـ الوطن، المختار وزمرته والشعب الطيّب، يبدأ موسم الهجرة نحو عالم مجهول جديد فتبدأ المأساة.
   قوافل الناس تسلخ عن ارضها صوب البحر، فيكبر جرح الوطن.
   ارتفعت الستارة.. الممثلون أجيال ولدت دون أن يلفحها نسيم الأصل أطفال من بلادي.. تلاميذ راهبات العائلة المقدسة في هاريس بارك.
   ألو.. لبنان
   لا تحزن يا وطني ولا تيأس، عندك في هذه الديار أجيال تنمو وتترعرع.. أطفال فيهم منك مسحة عنفوان.
   لا تحزن يا وطني ولا تيأس، ما دامت الأيادي البيضاء تحتضن الأجيال، تمنحهم من تعبها آفاقاً بحجم الآمال، ومن طهرها أمثولة في المحبة، ومن عطفها كومة حنان.
   لا تحزن يا وطني.. فأطفالك هنا شعلة تضيء وموسم خير آتٍ.
   شكراً لكم يا أطفال بلادي لأننا معكم عشنا الوطن، ومن خلال قسماتكم الطفلة نستشرق المستقبل.
صدى لبنان ـ العدد 603 ـ 5/7/1988
**
تلامذة مدرسة سيدة لبنان ومسرحية "ألو.. أستراليا"
بقلم الاستاذ عفيف نقفور

      برعاية قنصل لبنان العام الدكتور جيلبير عون، وحضور رئيسة المدرسة الأخت كونستانس باشا، ورئيس دير مار شربل الأب انطوان طعمة، وعدد كبير من الرهبان والراهبات، وجمهور غفير من الأهالي، قدّم تلامذة مدرسة سيدة لبنان مسرحية "ألو.. أستراليا".
   المسرحية من تأليف الشاعر شربل بعيني، تحكي بالحركة والكلمة قصة المهاجر اللبناني، وقد نجح الأطفال في اداء الأدوار وتقمص الشخصيات، وقد جاء هذا العمل صورة مصغرة تشهد على تعب الراهبات والمعلمات والمعلمين في اعداد النشء اللبناني خير اعداد، والعمل على زرع العلم والذوق والتهذيب والروح الوطنية في نفوس الاجيال الصاعدة.
   افتتحت المسرحية بالنشيدين الاسترالي واللبناني، وقد أنشدهما طلاب وطالبات المدرسة، وقد كان لكاتب المسرحية الاستاذ شربل بعيني كلمة رحب فيها بالضيوف والجمهور وشكر لهم تشجيعهم للطلاب.
   سعادة القنصل العام الدكتور عون، القى، بالمناسبة، كلمة عبّر فيها عن تقديره لجهود هذه المدرسة، وللراهبات والمعلمات، كما شجع على التحصيل العلمي ودخول الجامعات.
    الأخت مرلين شديد القت كلمة شكرت فيها الاستاذ شربل بعيني على جهوده ونشاطه الدائم، كما قدمت له الطفلة ريما الياس هدية رمزية.
   العمل المسرحي كان ناجحاً، والحفلة كانت قمّة في الترتيب والذوق الرفيع، وهنا لا بد من كلمة شكر نرفها الى الأخت الرئيسة، والأخوات الراهبات والهيئة التعليمية، على هذه العناية الفائقة بفلذات أكبادنا، وعلى التربية الوطنية الصحيحة، التي يزرعونها في نفوسهم، وعلى رسالة العطاء الفكري التي ينمونها في نوس الأجيال اللبنانية الصاعدة في هذه البلاد.
التلغراف ـ العدد 1787 ـ 8/7/1988
**



الطربوش 1989

مسرحية "الطربوش" نموذج مصغّر لمجتمعات العالم الثالث
بقلم الاستاذ انطونيوس بو رزق

   مساء الجمعة 8 كانون الأول، وعلى مسرح قاعة الاحتفالات في سيدة لبنان، أحيت مدرسة سيدة لبنان مسرحيتها السنوية "الطربوش"، وذلك بحضور حشد غفير من أهالي الطلبة ومغتربي الجالية.
   و"الطربوش" مسرحية اجتماعية هادفة ناقدة، كتبها وأخرجها الاستاذ الشاعر شربل بعيني، ومثّلها تلاميذ الصفوف الابتدائية في المدرسة، وساعده في ذلك الراهبات، وبعض الطالبات من الصف الثانوي.
   و"الطربوش" مسرحية نموذج عن المسرحية الكبرى التي جرت وقائعها، وما برحت تجري كل يوم في بلاد العالم الثالث ومجتمعاتها، حيث تتحكّم قلة قليلة متغطرسة مستبدة من الشعب بانسان البلاد ومقدراتها وخيراتها.
   و"الطربوش" مسرحية عنوانها مستوحى من باب تسمية الكل باسم الجزء، فالطربوش الذي هو لباس الأمراء والزعماء والاقطاعيين، أضحى جزءاً من صاحبه، من حيث الجبروت والظلم والتعسّف، إذ أن كل مساس به يعتبر مساساً بصاحبه، وكل تعدٍ عليه هو بمثابة تعدٍ على الزعامة والوجاهة والاقطاع.
   و"الطربوش" نجحت في أن تكون صورة صادقة ومعيبة عن مجتمع ما زال انسانه يعاني ظلم اسياده وبطشه وجبروته. ويلعب عنصر المادة في المسرحية دوراً رئيساً إذ أنه بفضل المال استطاع الزعيم الاقطاعي شراء ضعاف النفوس، وتجييرهم للعمل لمصلحته والدفاع عن مركزه، متبعاً تجاه الشعب سياسة "فرّق تسد"، إذ بهذه السياسة استطاع ان يزرع الخلاف بين كافة فئات الشعب، وأن يضربها ببعضها البعض.
   ومسرحية "الطربوش" تعتبر انجازاً مسرحياً هاماً في بلاد المغترب عامة والأسترالي بصورة خاصة، وذلك للأسباب التالية:
ـ ضخامة عدد الممثلين والممثلات الذي تجاوز الـ 600 بغض النظر عن الدور الهامشي لغالبية التلاميذ، حيث اقتصر في نهاية المسرحية على الظهور وحمل الأعلام واللافتات.
ـ العمر: فكل المشتركين في التمثيل هم من الصفوف الابتدائية.
ـ المولد والنشأة: ان غالبية التلاميذ استراليو المولد والنشأة، فإذا ما نظرنا الصوت والنطق والاداء ندرك فضل الاهل والمدرسة في المحافظة على اللغة اللبنانية، وتنميتها لدى أبناء هذا الجيل.
ـ الرقصات والدبكات: وهي من تصميم التلامذة انفسهم، وقد تميّزت بانسجام مع الموسيقى من جهة، وبانسجامها بين أعضاء فرقة الدبكة من جهة ثانية.
  وأخيراً، لا بد لنا من أن نشكر كاتب المسرحية ومخرجها الشاعر شربل بعيني، الذي عمل من مسرح سيدة لبنان تقليداً سنوياً ينتظره الجميع بفارع صبر كل عام، والذي ساهم ويساهم في انماء الحس الفني لدى التلاميذ، الذين من المؤهل ان يكون لهم شأن هام في عالم الفن والرقص والتمثيل. وشكرنا بالتالي لراهبات المدرسة والقيمين عليها لافساحهم المجال لإقامة هذا المسرح التقليدي السنوي، وشكرنا في النهاية لكل من ساهم في انجاح هذه المسرحية عملاً ومشاركة وحضوراً.
صدى لبنان، العدد 677، 19/12/1989
**
الطربوش: عمل مسرحي ثالث لطلاب مدرسة سيدة لبنان
بقلم الاستاذ انور حرب

المأساة اللبنانية، وهموم الوطن، والتدخلات الغربية في شؤونه، حملها طلاب وطالبات سيدة لبنان ـ هاريس بارك على المسرح عملاً فنياً ناجحاً، تجسّدت فيه أريحية كاتب المسرحية الشاعر شربل بعيني، وقدرة الطلاب والطالبات على تجسيد الفكرة بالحركة والصوت والحضور.
ماذا في "الطربوش"؟
تنديد ضد التدخلات الأجنبية في اشؤون اللبنانية، وزرع الفتنة، وتفتيت وحدة ابناء الشعب.
كلهم ضد "الطربوش". الارادة الوطنية الصادقة جسّدها صغار سيدة لبنان بتظاهرة على المسرح ضمّت ستمئة طالب وطالبة كلهم هتفوا ضد الطربوش:
انزل انزل يا طربوش
ما بدنا هالشعب يطوش
هل تتعظ الدول الكبيرة صاحبة القرار، وتسمع هتاف صغار الوطن المنتشرين في كل مكان، ينادون بالوطن السيد المستقل، وبرفع أليدي عن ارادته لتتحد وتنطلق بالوطن المعذب الى بر الأمان والسلام والاستقلال الحقيقي.
تظاهرة "الطربوش" في سيدة لبنان، تزامنت مع تظاهرات الشعب في لبنان ضد التدخلات، وتظاهرات اللبنانيين المنتشرين في كل البلدان مطالبين بكف اليد الغريبة.
"الطربوش" تعدّت العمل الفني، لتنصهر بالوطن، وتتجسد برغبة أبنائه المقيمين.
الفكرة ناجحة، وتستحق التنويه، والتنفيذ رائع يستوجب التقدير، والتمثيل حي لأنه ينطلق من قلوب بريئة لم تدنسّها أوساخ السياسة.
مسرحية "الطربوش" حضرها ما يزيد عن ألف شخص، وضمت أعمالاً غنائية للطفلة ريما الياس، حيث قدّمت عملين جديدين الأول "أمي" من ألحان الفنان مجدي بولس، وفي ختام هذه ألأغنية قدمت سلة من الأزهار الى الأم الرئيسة كونستانس الباشا عربون وفاء وتقدير من جميع الطالبات.
"الطربوش" عمل دام ساعتين ونال اعجاب الحضور.
وتقدير لا بد منه للشاعر شربل بعيني الذي يحاول جاهداً أن يزرع الوطنية بذرة صافية صادقة في قلوب طلاّبه شعراً وكلمة وعملاً لتثمر في المستقبل غلالاً وفيرة.
وها قد بدأت تباشير الزرع تظهر في نفوس طلاب المعهد الذين جسدوا العمل باتقان وصدق ومهارة.
التلغراف، العدد 2011، 29/12/1989
**
الطربوش: عمل مسرحي ثالث على مسرح مدرسة سيدة لبنان
بقلم د. جميل الدويهي

    أدى حوالي 600 طالب وطالبة من مدرسة سيدة لبنان الابتدائية النص المسرحي الذي وضعه الشاعر شربل بعيني وذلك في خلال ساعتين من الزمن.
   والامور التي لفتت النظر فعلا بساطة المسرح والديكور والاضاءة وبراءة الاطفال الذين تنادوا لاسقاط الطربوش رمز الظلم والاستبداد والطغيان العشائري.
   والواقع ان المسرحية التي اخرجها ايضا الشاعر شربل بعيني، استطاعت ان تعبر عن فكرته القديمة المتجددة التي كونها عن الواقع السياسي الرتيب في وطن دفع غاليا ثمن لعبة الطرابيش والكراسي والمؤامرات.
   وإذا كان شربل بعيني قد وجد نفسه مقيّداً في أمور كثيرة، منها اضطراره لإظهار 600 طفل في مسرحيّة واحدة، مما يعني اضطراره أيضاً لمراعاة قدرة الأطفال على الحفظ والأداء.. فإنه في الوقت نفسه استطاع أن يقدّم عملاً جيّداً، وفي أحيان كثيرة تمكّن من اختراق السقف الذي حددته له قدرة هؤلاء الشبّان، كما في المقطع الذي دار بين "البصّار" والفتاة التي تبحث عن عريس.
   ولعل ما شدني للمسرحية فهم البعيني للاسطورة الشعبية في مشاهد عدة، ربما عن قصد أو غير قصد، وعودته للاصول الشرقية التراثية، أي الاصالة التي ستقتحم الفن من جديد، وتحطّم الاصول الجديدة الفارغة.
   حضر المسرحية حوالي الالف مشاهد من آباء أجلاء وراهبات فاضلات ورجال فكر وادب وصحافة وغيرهم.
   وقد غنت الطفلة ريما الياس في المسرحية اغنيتين جديدتين: يا حمام، من الحان ادغار بازرجي، وأمي، للملحن مجدي بولس. ومما يذكر ان الاخت مادلين ابو رجيلي قد ساعدت على تنظيم مسرحية "الطربوش" التي خرج منها الجمهور مشاركاً الصغار براءتهم، ومنتقلاً الى عالم الثورة على رموز الجهل والموت.
صوت المغترب، العدد 1060، 21/12/1989
**
الطربوش: ثالث عمل مسرحي لطلاب مدرسة سيدة لبنان ـ هاريس بارك
بقلم الاستاذ جوزيف خوري

   أكثر من 600 طالب وطالبة من مدرسة سيدة لبنان الابتدائية، تبادلوا الأدوار على مدار ساعتين من الزمن في مسرحية "الطربوش" التي ألّفها وأخرجها شربل بعيني، مما أدى الى طرح سؤال ذي علامة تعجّب كبيرة: "هل ولد وترعرع هؤلاء التلاميذ في وطنهم الأم أم في هذه الغربة؟".. نظراً للالقاء الرائع الذي أدوه بشكل يعجز عنه الأطفال المقيمون.
   حضر المسرحية أكثر من ألف شخص يتقدمهم بعض الآباء الأجلاء، والراهبات الفاضلات، ورجال الصحافة والشعر والأدب وغيرهم.
   غنّت الطفلة ريما الياس لحنين جديدين، الأول: يا حمام  للفانان ادغار بازرجي، والثاني: أمي للفنان مجدي بولس، وقد قدمت في نهايته باقة من ألأزهار لرئيسة المدرسة الأخت كونستانس الباشا، عربون وفاء وتقدير لما قامت وتقوم به الراهبات من مشاريع تربوية في هذا المقلب من ألأرض.
   مسرحية "الطربوش" التي ساعدت على تنظيمها الاخت مادلين بو رجيلي، كانت رائعة للغاية، فلقد خرج الجمهور وهو يردد مع الأطفال في تطاهرتهم الكبيرة:
انزل انزل يا طربوش
ما بدنا هالشعب يطوش
البيرق ـ العدد 176 ـ 22 كانون الأول 1989
**



ضيعة الاشباح 1990

ضيعة الأشباح: محطة مميزة لعملنا المسرحي في هذا المغترب
بقلم الشاعر نعيم خوري

     مساء التاسع والعشرين من حزيران الماضي يشكّل فصلاً مثيراً من فصول مغتربي، وفرصة سعيدة لو تسامحت في تجاوزها وتفويتها لما عذرت لنفسي، ولندمت طويلاً.
   أسميه مساء مسرحية "ضيعة الأشباح" في مدرسة سيدة لبنان لراهبات العائلة المقدسة المارونيات، تمنيت فيه ان تتوقف عقارب الساعة، أو تبطيء على الأقل، فلا تختصر عمر المعادلة بين عنصر الفكر وعنصر الفكاهة، بين الاهتمام المتواصل والضحك المتواصل، بين الارتخاء في الماضي والانشداد الى المستقبل، فتمر الساعتان الكاملتان وكأنها قفزة واحدة من الباب المفتوح على القلق الى النافذة المشرعة على الشمس، من الجرح المنقع في الملح الى ابتسامة مشرقة على الغد.
   ولقد بدا لي ان "ضيعة الأشباح" هي اسم مبتكر لضيعة خيالية في لبنان، قريبة من قلعة مجدل عنجر، إذ ان ديكور المسرح قد تمّ تصميمه وعرضه في هذا الاتجاه، فكانت الحجارة المشقوعة اشبه بجماجم الضحايا والشهداء، الذين قتلهم جمال باشا السفّاح، واعتابها من ضلوعهم وأعناقهم الممتدة من عتمة الدنيا الى صباح التاريخ.
    والتمثيلية، باختصار، تدور فصولها في ضيعة لبنانية، في زمن الحكم العثماني، عصت على قوة واستبداد جمال وبطشه وتنكيله، فلم يستطع احتلالها او تدجينها، وبالتالي اخضاعها لطغيانه رغم الحملات المتتالية، فلجأ الى الابتزاز، والى خلق عقدة نفسية في أبنائها، وذلك بعملية غزو داخلي يقوم به أشباح غريبو الاطوار والتصرفات، فمن اتلاف وتدمير ممتلكات، الى تهديد وخطف وقتل، فيسود الضيعة جو من القلق والرعب، حتى اذا نجحت الخديعة، يتخلى الناس عن الرفض والمقاومة، ويستسلمون لمشيئة جمال باشا.
   وكي يستتب له ما يريد ويبتغي، اختار لهذه الغاية اقرب الطرق، وهي أن يكون "دود الجبن منه وفيه"، فاستعان بالمرتزقة والانتهازيين والوصوليين، عشاق الوجاهة ولو على حساب الشرف والكرامة، وطالبي النفوذ والسلطة، باطلاً أم حقاً، وباب الرزق المفتوح، حلالاً كان ام حراماً.
   ونجح السفّاح في مخططه، وبدأ ظهور الأشباح في الساحات والزواريب، على المطلات وفي الحقول، في كل موقع وفي كل تجمّع، مما افتعل مناخاً نفسياً معقداً مبلبلاً قادراً من القضاء على كل روح للصمود والمقاومة، وتنقسم الضيعة الى قسمين: الأول يعتبر ظهور الأشباح مصيبة لا يمكن التخلص منها الا بالهرب والتطلع الى الخارج، او في الاستعانة بالآغا، زلمة السلطان، لانقاذ الضيعة من خطر  الابادة.. والثاني يرى في ظهور الاشباح، ظهور جمال الباشا نفسه، بشكل مختلف في جواسيسه وعملائه، لزرع بزور التفرقة والتفتت، واشاعة الرعب والتسبب بالهزيمة، ولذلك وجب الصمود ومقاومة الاشباح بكل الوسائل، وبجميع الامكانات، رجالاً ونساءً واطفالاً.
   وتتزاحم الأحداث، فتختلف وتلتقي، تتشعب وتتشابك بتناسب وتناسق كليين، بين الجد والهزل، الفكر والفكاهة، المقلب والنكتة، الفرح والحزن، اليأس والرجاء، العزيمة والتردد، الحكمة والتروي والنزعة والتهور، من غير أن يطغى عنصر على الآخر بشكل خطابي أو غنائي، ليكوّن هذا الطغيان شعوراً بالملل والتأفف، حتى إذا ما احتاجت اعصاب الجمهور الى شيء من الهدوء والراحة، يرتفع الفن الى المستويين الفكاهي والفكري الى الطرب، فيتألق صوت الطفلة المعجزة ريما الياس بغناء لبنان والصلاة لقيامة لبنان: صلاة مفعمة باللغتين العربية والانكليزية.
   في هذا الجو العاصف، وعلى غليان الجمهور الثائر، يظهر الاشباح من جديد ليخطفوا ويقتلوا، فتتعرف احدى الفتيات على صوت شقيقها مرشد، أحد الأشباح، تتقدم منه، تمزّق قناعه، تصفعه صارخة: اقتلني يا مرشد.. اقتل اختك يا مرشد..
   وفجأة يعود مرشد الى حقيقته، فيركع، ويركع بعده الاشباح الواحد تلو الآخر، وينتصر الصمود بانتصار العز في المقاومة، ويتعالى نشيد: جايي انت جايي.. يا مركب البدايه. 
   مَن تتبّع التمثيلية، لا بد أن طرح على نفسه هذا السؤال: لماذا تختلف "ضيعة الأشباح" عن ضيع لبنان؟
   الجواب بسيط، ذلك لأنها صورة مصغرة عن طبيعة لبنان وأصالته وتاريخه وحضارته. لبنان الغني بالفضائل والقيم والمثل العليا، وليس لبنان الدخيل الغريب عن حقيقته، تضلله وتهدد وجوده الأمراض والعلل والافكار المستوردة، تمسخ شخصيته وتعطّل قراره، وتغتصب إرادته. انها ضيعة يتعانق فيها الصليب والهلال، يتشاركان لقمة العيش والهم والحضور الانساني الكامل، والاستعداد لبناء مستقبل أفضل، لا عصبية دينية، ولا انحلال اخلاقي، ولا تنازل عن الحق مهما كانت قوة الباطل.
   ويستطرد سائل نفسه متسائلاً مرة أخرى: هل ان وجود "ضيعة الأشباح" على حقيقتها اللبنانية الصارخة، هو سبب نجاح التمثيلية؟ أم لأن التمثيلية عينها قد عرضت وتعرضت من خلال "ضيعة الأشباح" الى المرض المزمن الذي ما فتىء ينهش في الجسم اللبناني حتى كاد يقضي على كل لبنان؟ أوَليست المفاتيح اللبنانية هي التي أدخلت الأشباح الى لبنان؟ بل انها هي الاشباح التي سلّمت نفسها للشيطان، فسلمت أعناق اللبنانيين للذبح؟
   أوَليس المسؤولون هم الذين يتطلّعون الى الخارج بدل التطلّع الى الداخل لمعالجة مستجداته، ومداواة ويلاته؟ أوَليست الاوطان الصغيرة نعاج الأرض طعاماً لنسور الفضاء الكاسرة؟ فكيف إذا كانت النعاج ورعاتها قد تحللوا من المقاومة ومن روحيتها وعصبيتها ولهبها الانساني؟ أوَليس أطفال لبنان، الاغنياء والفقراء، المشردون والمهجرون واليتامى، بجراحهم النازفة، وصبرهم الأسطورة، وصمودهم العنيد، هم أمل الوجود اللبناني على الصعيدين الداخلي والخارجي؟
   من البديهي اذن أن نشير الى ان الثلاثمائة طفلة وطفل، من أطفال مدرسة سيدة لبنان، قد أدّوا جميعهم ادوارهم على الوجه الأتم والأمثل، لقد قاموا بهذه الأدوار ولم تمنعهم الآلام العظيمة، والاوجاع القاهرة، والثياب الممزقة والاقدام الحافية المتشققة، لم يتراجعوا بسبب الجوع والعطش والظلمة وخطر الموت، عن مقاومة الأشباح والتصدي للمؤامرة ـ الخديعة التي تهدد مصيرهم ووجودهم.
هؤلاء الأطفال أعادوني ذلك المساء، اربعين سنة الى الوراء، اذ كنا في أواسط الاربعينات في جمعية "ترقية المصالح الوطنية" في بطرام، نقوم في فصل الصيف بتمثيليات، بعضها مترجم، كجزاء الشهامة، وبعضها أصيل كلولا المحامي، وكنا أساتذة مدارس وجامعات وموظفين في مختلف القطاعات، من فرقتنا على سبيل المثال الدكتور ايلي سالم وزير خارجية لبنان الأسبق، والمرحوم الدكتور خليل سالم مدير مالية لبنان، الذي اغتالته الحرب اللعينة، وجليلة سرور مديرة التعليم الثانوي في كلية بيروت.. الخ، وكنا اذا صعدنا المنبر تستولي علينا رهبة الموقف، ورعشة الخجل والخوف، كما كنا نحتاج الى ملقن من وراء الستار يساعدنا على استذكار الدور والنص تلافياً للحرج.
   هؤلاء الأطفال في سيدة لبنان، على سبيل المثال ايضاً، بو يوسف، نعمان وام يوسف، ماغي، حنا وام سامي وغيرهم، لم يخافوا، لم يتعثّروا، لم يتلكأوا، لم يتلعثموا ولم يعوزهم ملقن.
   كانوا عندما تستعصي اللفظة العربية عليهم، وهم من مواليد هذه الأرض، يزينونها بلكنة حلوة مطيبة بلثغة شفافة وبشال ضوئي شبيه بطرحة العروس.
   واذا كنا نحن الكبار نخاف من الفشل، فنحاول أن نعطي الأفضل، فمَن يريد أن يجرد الاطفال من احساسهم ومن كبريائهم؟ مَن يريد أن يتنكر للمواهب التي تختزنها نفوسهم، فينكر عليهم جدّهم ومثابرتهم وجرأتهم؟ ثم مَن يريد أن يغبن نجاح مدرستهم، راهبات وأساتذة، في منح هؤلاء الأطفال الرعاية الصحيحة، وتوفير المناخ اللازم في الحرية للتعبير عن مكنوناتهم ومواهبهم وخصائص نفوسهم؟
   هؤلاء الاطفال اعطوا ادواراً، فأدّوها واحسنوا الاداء، وجعلوا من مساء التاسع والعشرين من حزيران 1990، محطة مميزة لعملنا المسرحي في هذا المغترب القصي.
   أنا لا أخاف على نفسيات هؤلاء الأطفال وخصائصها، خوفي من حرمانها من يد صالحة تمتد إليها، بعد أن تترك المدرسة، وقبل أن يبتلعها المجهول، فتنتشلها من الذوبان والضياع.
   شكراً لراهبات العائلة المقدسة.
   شكراً لمؤلف ومخرج التمثيلية الشاعر شربل بعيني.
   وشكراً لأطفال لبنان في مدرسة سيدة لبنان. وألى مزيد من النجاح، مع أطيب التمنيات.
النهار ـ العدد 660 ـ 19 تموز 1990
**
ضيعة الأشباح
بقلم الاستاذ انور حرب

بعد "فصول من الحرب اللبنانية" و"ألو أستراليا" و"الطربوش".. تطل "ضيعة الأشباح"، العمل المسرحي الرابع الذي كتبه الشاعر شربل بعيني، وقام بتنفيذه طلاب وطالبات مدرسة سيدة لبنان.
وان كانت المناسبة تكريمية، تكريم ألختين كونستانس الباشا ومادلين بو رجيلي من قبل الكنيسة الكاثوليكية في "بلاكتاون" بمناسبة مرور 25 عاماً على خدمتهما الجليلة للدين والدنيا، فإن "ضيعة الاشباح" تأتي مع سابقاتها من الاعمال المسرحية، التي قام طلاب المدرسة بتقديمها، دليلاً طيباً لنواة العمل المسرحي الاغترابي.
هذه النواة يسهر شربل بعيني على زرعها ورعايتها في النفوس البريئة، ويرعاها كي تنمو في المستقبل وتزهر وتثمر.
ماذا في "ضيعة الاشباح"؟
تدور القصة حول قرية لبنانية جبلية، لم يتمكن جمال باشا السفاح من اخضاعها لنفوذه، فزرعها بالاشباح ليخيف أبناءها، ويدفعهم مرغمين على رفض العيش فيها. وفي الختام يتضح أن الأشباح هم أهل القرية ذاتها.
الفكرة تاريخية تعود الى تاريخ لبنان القديم، ولكنها في زمن النهجير والهجرة القسرية، تعكس المسرحية صوراً من الواقع الحالي المرير دون الدلالة المباشرة.
العمل المسرحي قام بلعب أدواره أكثر من 300 طالب وطالبة من المرحلة الابتدائية. وحضر هذا العمل أكثر من ألف شخص بينهم رجال دين وأدب وصحافة وفن.
تخلل العمل المسرحي وصلة للطفلة لايما الياس، فقدمت ثلاث أغنيات جديدة: "لبنان" بالانكليزية، تأليف وتلحين ريمون أبي عرّاج وتوزيع ناجح ملّوك. "جنوبية"، الحان ادغار بازرجي وتوزيع مجدي بولس. "جايي"، ألحان وفاء صدقي وتوزيع مجدي بولس.
العمل المسرحي الجديد يستحق التنويه، نظراُ للابداع الذي حقّقه الطلبة، فقد أجاد الطالب جورج طنّوس "بو يوسف" وأنطوانيت خوري "أم يوسف" بلعب دوريهما اللذين دعيا الى الزواج المنفتح على كل الطوائف، توصلاً الى خلق شعب متكامل وبعيد عن التعصّب.
الديكور الذي أعدته الفنانة رندى عبد الأحد انسجم كلياً مع النصّ، فجاءت العناصر الثلاث: الديكور، التمثيل والنص منسجمة في وحدة فنية أعطت العمل رونقاً ونجاحاً.
التلغراف، العدد 2089، 11 تموز 1990
**
ضيعة الاشباح ام ضيعة الامجاد؟
بقلم الاستاذ فؤاد نمور

   عقلية الأمة هي نتيجة لآلام هذه الأمة وآمالها. هي نتيجة لاستجابتها للحياة، وتأثرها بالمحيط والحياة نفسها. هي نتيجة لعاداتها وعباداتها وتقاليدها. نتيجة لنظامها الاجتماعي والسياسي والخلقي والتهذيبي. هذه الامور كلها تصوغ عقلية الامة، وهذه العقلية تظهر ظلالها واضحة في الأدب نفسه، لأن الأدب يصور هذه جميعاً ويتأثر بها.
   هذا ما حاول مؤلف رواية "ضيعة الأشباح" أن يصوره ويقوله على ألسنة ممثليه، أو قل هذا ما لمسته وأنا أشهد عرضاً للمسرحية يقدمه طلاّب وطالبات مدرسة راهبات العائلة المقدسة على مسرح سيدة لبنان في هاريس بارك.
   المسرحية باللهجة اللبنانية، ومن تأليف وإخراج الشاعر الناثر شربل بعيني شاعر الغربة الطويلة.
   تنقلك المسرحية بعرض شيّق لتبسط أمامك فترة زمنية من تاريخ لبنان ايام الاستعمار التركي الغاشم. تدور أحداث المسرحية حول ضيعة لبنانية نائية قائمة على قمة واحدة من شواهق جباله، عجز الاستعمار عن الوصول اليها بعسكره، فاستخدم بعضاً من صغار النفوس الذين لا يخلو من أمثالهم مجتمع، فراحوا يتجسسون على أبناء الضيعة، ينقلون أخبارهم الى الآغا الذي يسارع بنقلها الى الوالي الذي يوصلها بدوره الى السلطان.
   تدور أحداث المسرحية بعفوية تامة على ألسنة ما يربو على 300 طالبة وطالب يظهرون على المسرح، ويختفون برشاقة وسلاسة وسهولة متميزة، وتسيطر عليها عفوية لا تصنّع فيها ولا تكلّف.
   أن تكون قادراً على إدارة 300 ممثل من ألأطفال ليمثلوا مثل هذه المسرحية، ويءدوا أدوارهم بمثل هذه المرونة عمل يحتاج الى ما يفوق جهد الجبابرة.
   كنت أظن أن شربل بعيني قد وصل الذروة في مسرحيته السابقة "الطربوش" إلى أن حضرت "ضيعة ألشباح"، فاكتشفت أن درجات سلمه طويلة وأنه قادر على اكتشاف المواهب بين طلابه إلقاءً وتمثيلاً وغناءً ورقصاً.
   بقي أن أقول بان التمثيلية كانت هدية المؤلف والممثلين للأختين الكبيرتين كونستانس الباشا ومادلين بو رجيلي بمناسبة يوبيلهما الفضي "عقبال الذهبي والماسي" فعاملتان مثلهما في حقل الرب تستحقان منا جميعاً كل تقدير أدامهما الله لادارة مؤسسة كبيرة مثل مدرسة العائلة المقدسة والسهر عليها.
   تهانيّ لشربل ولممثليه ولمدرسة راهبات العائلة المقدسة اللبنانية، وللأخوات والمعلمات والمعلمين الساهرين على تقدم المدرسة وازدهارها، والى تمثيلية قادمة بإذن الله.
البيرق ـ العدد 223 ـ 13 تموز 1990
**
مسرحية ضيعة الأشباح
بقلم الفنانة نجوى عاصي

   ليلة الجمعة الماضية اسعدتني الظروف لمشاهدة مسرحية "ضيعة الأشباح"، تأليف واخراج الاستاذ شربل بعيني، وتمثيل عدد يربو على الثلاثمئة تلميذ من مدرسة سيدة لبنان.
   تبادر الى ذهني وانا ذاهبة لحضور العرض انني ساضحك طويلا لتصرفات الاطفال البريئة الفطرية، وحين وصولي رأيت الديكور الرائع الذي صممته الفنانة المبدعة رندى عبد الاحد، وعند اول لوحة رأتها عيناي جعلتني اثبت بمقعدي وحواسي كلها مشدودة، فلقد كانت معالجة القصة رائعة، فهي تتحدث عن المصيبة الكبرى، مصيبة لبنان في حربه التي حاكها ابالسة السياسة، وتم تفجيرها، ومع هذا التفجير تفجرت الحضارة ةالمدنية، وصودرت الحريات وحقوق الانسان، في أن يعيش بكرامة، خاصة وقد اختلط دمه بدم أخيه على اختلاف مذاهبهم.
  ثم أعطتنا الدرس الخالد أن الذين استشهدوا يوم السادس من أيار لم يكونوا من طائفة واحدة، وان الحل دائماً ينبع من الشعب نفسه.
   كذلك تروي لنا قصة الاستاذ شربل حقيقة الحرب اللبنانية الاساسية التي قد تناساها الشعب اللبناني، وتعلق بوهم من صنع خياله، ألا وهو "الأشباح"، وبالتالي، فقد حولوا الساسة الشعب عن حقيقة ما يجري من صراعات سياسية إلى أوهام الطائفية.
   وقد جاء على لسان أحد جملة رائعة هي: "إذا قتلنا باشا بيطلع ألف باشا". العلة بالشعب، وان علينا أن ننصاع للمصلحة العامة، إذا كنا نحب الوطن حقاً.
   وكانت صورة الهلال والصليب رائعة، لأنها تدعو لنبذ الطائفية، وكان هذا بلوحة ضرب "الشبح" بالهلال والصليب من المسلمين والمسيحيين على حد سواء، أي بالاتحاد بين الطوائف، وكما علمنا من سياق القصة ان الوطن كالسفينة إذا غرق غرق معه كل شيء.
   رخاؤنا ورخاء وطننا لا يعود إى عندما تعود نوايانا التي تخالف ما نظهره من أعمال.
   عندما يفتقد الانسان لغة الحوار والتفاهم، وتتحول اللغة إلى قتل ودم ودمار، تموت كل القيم والمثل، ويسود الفناء والموت. فهل يوجد حل؟
   نعم، قدّمت لنا المسرحية الحل الذي يوقف الحرب، فالانسان اللبناني بحاجة إلى لغة حوار عصرية توقف حمام الدم، وتضع حداً للحرب الرهيبة، باعتبار أن لغة الحوار العصرية هي ابنة الحضارة البشرية، وان طريق الخير مخالف لطريق الشر، إذ أن طريق الشر يفتح الباب على مصراعيه لمزيد من النزف البشري، بينما طريق الخير فيضع حداً للصراعات، ويحقن الدماء، ويكون بداية الطريق للبناء والهدوء والعيش بلا خوف.
   هذا ما قدمته لنا القصة باختصار، وكنت بين الحين والآخر أجول بعينيّ لعلها تقع على شخص واحد من مهتمي المسرح، إن كان ممثلاً أو مخرجاً، أو ناقداً، ولكن للأسف الشديد لم أجد. كنت أتمنى أن يكونوا هناك ليتعلموا من هؤلاء الأحبة الصغار الاداء الطبيعي، والالتزام بالنص، واحترام المسرح. كانوا يقدمون أدوارهم ببراءة الطفولة العذبة، وبشخصياتهم الحقيقية، دون رتوش أو تمثيل. لذلك وجب عليّ أن أعترف بأنني تعلمت منهم الكثير، وكنت آمل من ممثلينا الكبار أن يشاهدوا ويتعلموا، أم أن العلم على كبر عيب، ولا يجب أن ننزل لمستوى هؤلاء الأطفال؟.
   إنني أنحني احتراماً لهؤلاء الملائكة الصغار الذين استفدت من تجربة مشاهدتهم، ولأن الإهتمام بالمسرح شبه متلاشٍ، أو لنقل انه معدوم. ولأن المسرح المدرسي بالذات غير موجود، والتمسّك باللغة العربيّة أصبح عيباً عند البعض. ولأن الفنانين الكبار شغلوا أنفسهم بالقضايا والمنازعات الوهميّة، خرج من بيننا رجل شهر سيفه، واخترق الصفوف، وحمل لواء الفن المسرحي ولغة العلم، ذلك هو شربل بعيني.
   فألف تحية لك يا شربل، وإننا ندعوك، بل ونحمّلك مسؤولية عدم كتابة النصوص المسرحية للكبار، التي نحن بأشد الحاجة إليها، فأنت مسؤول ما دمت قادراً على إعطائنا النصوص المسرحية. وإلى اللقاء في مسرحية أخرى، وإن لم أجد مكاناً سأقف مع الواقفين.
   والجدير بالذكر ان المسرحية عرضت بمناسبة اليوبيل الفضّي للأخت الرئيسة كونستانس الباشا والاخت مادلين بو رجيلي بعد تكريمهما من قبل الكنيسة الكاثوليكية في بلاكتاون، في الخامس والعشرين من شهر حزيران المنصرم، فألف تهنئة لأخواتنا الراهبات ومدرستنا العامرة.
البيرق ـ العدد 221 ـ 6/7/1990
**
ضيعة الأشباح: مسرحية شربل بعيني
بقلم الاستاذ ممدوح سكريّة

لسوء حظي، ولكسلي الذي لا أحمد عليه، لم يتثنَّ لي حضور مسرحية ضيعة الأشباح التي عرضت مؤخراً على مسرح سيدة لبنان، والتي كان أبطالها مجموعة كبيرة من البراعم الصغيرة الذين لا تتجاوز أعمارهم الثانية عشرة. 
كتب المسرحية واخرجها الشاعر شربل بعيني. ومع شربل كان العتاب، الأحد الماضي، في منزله لتغيّبي وتغيّب الكثير من الزملاء وأهل الفن والتمثيل عن هذه الظاهرة الفنيّة القيّمة.
على كل حال شربل "قدّها وقدود"، ما دام الفيديو موجود، والشريط جاهز والتلفزيون "نو كود" لحضورها. ومع ذلك مرّت ساعتان وأنا "مبحلق" بالشاشة كطفل جلس يحضر "توم وجيري"، ولمّ حوله الأهل والديرة.
الكلام ممنوع، والعتب مرفوع، والمعدة ضربها الجوع، لنشبع من عمل فني طال انتظاره.
ومع ضيعة الأشباح حملنا شربل الى أيام جدي وستي أيام السلطنة العثمانية، لينقل الينا صوراً من ماضٍ مظلم، باسقاطات على واقع حالي.
نجح شربل كتابة وإخراجاً في ايصال ما يدور في خلده من ومضات فكريّة وانتقادات لواقع معاش بطريقة شعرية أحياناً، وبالكلمة المعبرة المبسطة أحياناً أخرى، لدرجة اقتربت فيها المسرحية من مدرسة الرحابنة في المسرح.
على أية حال لن أدخل من هذه الزاوية في تفاصيل انتقادية، أو تقويمية للعمل الذي قدّمه شربل بعيني، بل اتمنى أولاً أن يعاد عرضه مرة أخرى، لأن في هذه التجربة عبرة وفائدة، وما يدهش أن أكثر الأطفال غنوا ومثلوا ورقصوا باتقان رغم تجاوز عددهم الثلاثمائة. فهم كانوا كباراً على خشبة المسرح، لم ينقصهم إلا أن نقدم لكل واحد منهم باقة ورد لما قاموا به دون تكلّف أو رتوش، أو خطأ واضح أو ارتباك، فلقد مثلوا بعفوية مدهشة وتنسيق مثير، وانسجام تام.
الوردة الكبرى يجب أن نقدّمها للشاعر شربل بعيني الذي كدّ وتعب على إدارة هؤلاء الأطفال، والذي كتب ونجح في اعطائنا عملاً فنياً جيّداً، وشعلة مسرحية مضيئة في مسار المسرح الاغترابي. وعيني عليك عيني يا شربل بعيني.. والسلام.
التلغراف ـ العدد 2099، 3 آب 1990
**
تلاميذ مدرسة سيدة لبنان في مسرحية "ضيعة الأشباح"
بقلم الاستاذ انطوني ولسن

   أقامت مدرسة سيدة لبنان ـ هاريس بارك الحفل التكريمي لمناسبة اليوبيل الفضي للأختين كونستانس باشا ومادلين بو رجيلي، وذلك بتقديم مسرحية "ضيعة الاشباح" بقاعة الكنيسة، والمسرحية من تأليف وإخراج الشاعر الاستاذ شربل بعيني.
   قام بتمثيل هذه المسرحية حوالي ثلاثمائة طفل وطفلة من تلاميذ المدرسة، وللقارىء أن يتخيّل عملاً مسرحياً لمدة ساعتين تقريباً يقوم به هؤلاء الأطفال الذين لا تتراوح أعمارهم العاشرة، مع بعض الاستثناءات لما يقرب من 4 تلاميذ في الثانية عشرة من العمر، ومع ذلك، وبالرغم من هذا العدد الهائل من الاطفال، شعرت كما شعر الجميع بدقة العمل وقوّته ومهارته في تنقل الأطفال بين ثلاثة ميكروفونات في تناسق وحركة المرة الواحدة على الأقل. وان دل هذا على شيء، فانما يدل على العلاقة الجيدة بين الاطفال ومدرسهم، انها علاقة قائمة على الود والمحبة والفهم المتبادل، والايمان بالعمل الذي يقومون به جميعاً.
   منذ اللحظة التي ظهر فيها الاطفال على المسرحفي زي الأشباح حتى نهاية المسرحية، لو أردت عزيزي القارىء ان انقل اليك صورة تفصيلية موضحة، اعتقد ان القلم سيخونني لكثرة اللوحات الرائعة التي قدمت.
   مثلا لوحة الخوف والذعر من الأشباح الواضح على أهالي الضيعة، ثم الخوف والرعب من الوالي العثماني واتباعه، لا يقل عن الخوف من الأشباح، والفارق ان الخوف من الوالي يجد من يداهنه ويتملقه ويتقرّب اليه حتى يتقي شرّه، وعلى الرغم من هذا الشعور السائد بين أهل الضيعة، يأتي من يقول لهم عن الوالي والاشباح:
ـ ايمانكم ببلادكم بيحميكم..
   نعم، الايمان يصنع المعجزات، ان كان هذا يتعلق بقضية انسان عادي بريء، ظلمته الحياة والناس، فما بالنا بوطن ظلمه الاستعمار على مدى أجيال وأجيال، والآن يظلمه الاستعمار بأيدي أبنائه الذين لا يعرفون لماذا يقاتلون: أهو الدين؟ لا اظن.. بل هو الحكم والسيادة.
   أوضح شاعرنا وفيلسوفنا شربل بعيني عن الدين في لوحة أخرى، جاءت بعد ذلك في وحدة الهلال والصليب، في تزاوج علماني صحبته موسيقى تصويرية لصوت أجراس الكنائس وآذان المؤذن. اقول ان شربل اوضح ان الهلال لا يستطيع ان يطرد الشبح لوحده ما لم يتعانق ويتكاتف مع الصليب، صحيح ان "بو يوسف" المسيحي لم يصدق "أم يوسف" المسلمة ان في البيت شبح، ولكنه عندما رآه حاول أن يطرده بصليبه ولكنه فشل، فاستعان بهلال زوجته، وتمكنا من طرد الشبح، شبح الحرب والموت والخراب.. وبرأيي فإن هذا المشهد هو مفتاح حل القضية: قضية لبنان.
   لوحة أخرى أعجبتي وهي لوحة رقص الأطفال عندما كانوا يرتجفون ويرتعشون ويغنون "هدّي يا ركابي هدّي".. انها لوحة فنية رائعة أدى فيها الأطفال أدوارهم بتناشق وفهم وتعاون كبير.
   أيضاً، لوحة الأطفال المشردين، وقد خرجت من بينهم الطفلة المعجزة ريما الياس، بعد أن أضناهم الجوع والبرد والعري، لتغني لنا أغنية My little prayer ، من كلمات وألحان الاستاذ ريمون ابي عرّاج. هذه المرة سمعتها مع الموسيقى، فأخذ جسدي يرتعش والدمع يترقرق عينيّ وعيون الحاضرين.
   قالت لي ابنتي التي حضرت المسرحية مع ابنتها الطفلة: "أنا حزينة جداً على بلد تبكي من اجله الطفلة ريما وهي تقول:
I love you Lebanon
Please don't die Lebanon
   ما أحلى هذه ألأغنية كلمة ولحناً، فألف شكر أخي ريمون على هذا العمل المعبّر المبدع الجميل، ولم تظهر هذه الأغنية براعة مؤلفها وملحنها والتي غنّتها فحسب، بل أظهرت أيضاً براعة مخرجها الذي أخبرنا بمهارة فائقة، ان اطفال لبنان، حتى ولو تكلموا الانكليزية، لم تنسَ قلوبهم لبنان، بل ظل فيها الحب والوفاء له.
   تتوالى اللوحات، ونسعد بمشاهدة وسماع عدة أغنيات من تأليف الشاعر شربل بعيني، مثل "جنوبية" من تلحين الاستاذ ادغار بازرجي، و "جايي انت جايي" من  تلحين السيدة وفاء صدقي.. وقد قام بالتوزيع الموسيقي الفنان مجدي بولس.
   ومن أجمل المناظر الخلفية لأغنية "جايي" ظهور العلم اللبناني مرفرفاً، يحمله أحد الأطفال، وكأنه يبشّر بعودة السلام الى ربوع لبنان.
   يبدو أن السلام سوف يأتي يا أخي شربل عن طريق الأطفال. لذلك فإن طريقك سيكون وعراً، لكن إيماني بمقدرتك على تحمل الصعاب من أجل ايقاف سفك الدماء، وعودة البسمة الى ثغور الأطفال، تزرع في نفسي ألأمل.
   كلمة أخيرة، أرجوا أن تعيدوا تمثيل لوحة الأطفال المشردين مع الأغنية، أمام جميع محطات التلفزيون، وخاصة "إس بي إس"، لتصل الرسالة الى قلب كل انسان في أستراليا والعالم. ونحن بانتظار أعمال أخرى ناجحة بهمتك وهمة كل طفل تعاون معك.
البيرق ـ العدد 221 ـ 6 تموز 1990
**



هنود من لبنان 1991

هنود من لبنان
بقلم الاستاذ جوزيف خوري

   "هنود من لبنان" تعتبر أحدث مسرحية للشاعر شربل بعيني، وهي المسرحية الحامسة بعد:
ـ فصول من الحرب اللبنانية
ـ ألو أستراليا
ـ الطربوش
ـ ضيعة ألأشباح
   "هنود من لبنان" يمثّلهل كسابقاتها طلاّب الصفوف الرابعة والخامسة والسادسة الابتدائية، الذين تتراوح أعمارهم بين 8 و12 سنة، ويزيد عددهم عن 300 تلميذ وتلميذة.
   تحكي المسرحية عن هجرة بعض اللبنانيين الى البرازيل، فيقودهم التفتيش عن أقربائهم الى غابات الأمازون، حيث التقوا بقبائلها الهندية، واجبروا على العيش معها.
   المسرحية غنائية وفكاهية ـ سياسية، تلفّها مأساة حبيبين بوشاح أسود.
    أغنيات الطفلة ريما الياس من تأليف شربل بعيني وألحان:
ـ غريبه: ادغار بازرجي
ـ هابي باريزداي: الياس اخوان
ـ لا تمنعوني حب: مجدي بولس
   أما الأغنيات الأخرى:
ـ ماكو، شو هالعيشه، خطي خطي، من ألحان الياس اخوان، ما عدا أغنية "أنا أكبر ضحيه" المأخوذه عن لحن اغنية "جنوبية" للفنان ادغار بازرجي.
   الأزياء والرقصات من تصميم طلاب المدرسة.
   انني أتطلع الى مشاهدة هذه المسرحية التي أعرف مسبقاً انها سوف تترك أثراً كبيراً في قلوب وعقول كل من يشاهدها.
   وذلك في مدرسة سيدة لبنان ـ هاريس بارك، مساء يوم الجمعة الواقع في 21 حزيران 1991.
   أتمنى من كل مهتم بالمسرح والفن المهجري أن يتوجّه لمشاهدة هذه المسؤحية، ليرى ويتعلّم كيف يكون العمل الفني الكامل المتكامل، بالرغم من أن أطفال مدرسة سيدة لبنان هم الذين يقومون بهذا العمل، الذي، وأقولها بمنتهى الصراحة، يعجز عن تنفيذه الكبار من مدّعي الفن والمسرح والتمثيل. ولا شك أن هذا النجاح الذي يلقيه ابناء هذه المدرسة في أعمالهم الفنية، راجع الى أصول وضوابط العمل الفني الذي يقف وراءه بالجهد والكد والعرق الاستاذ شربل بعيني.
البيرق ـ العدد 352 ـ 8 حزيران 1991
**
هنود من لبنان: مسرحية قدّمها طلاب مدرسة سيدة لبنان
بقلم الاستاذ انور حرب

   شاعرية شربل بعيني الخلاقة لا تتوقّف عند حد، ولا تسجنها ضوابط مصطنعة، فهي الحرية والحلم والطروحات، وهي الأفكار المتجددة التي برزت في مسرحية "هنود من لبنان"، التي قدّمها طلاب مدرسة سيدة لبنان، برعاية سيادة المطران يوسف حتي، وسعادة قنصل لبنان العام في سيدني الاستاذ سليمان الراسي، وحضور الأب ريمون عيسى رئيس دير مار شربل، وجمهور غفير من الأهالي.
   وقد يتشعب شربل بأفكاره وصوره وابداعه، ولكنه في كل رحلاته الشعرية يستريح حيث قلبه وضميره وقضيته، أي في الوطن لبنان، وفي الجرح "المعشعش" في تأملاته وقوافيه.
   والمسرحية تعكس المعاناة والمأساة، والقصة رغم براءتها المعكوسة في حركة الأطفال، فيها الكثير من العمق.
   وقد نجح طلاب المدرسة ليس فقط في الاداء، بل في نقل أفكار شربل الى صور حية عن الهدف.
   ونجاح المسرحية يؤكد مسلمات أساسية هي نشاط المدرسة ابتداء من الراهبات مروراً بالادارة والمعلمين، وانتهاء بالطلبة وأهاليهم، وان دل هذا النجاح على شيء، فعلى أهمية مدارسنا اللبنانية في مقلب الاغتراب، و"مهمة" شربل السامية في زرع القافية صورة لبنانية في اعماق الطفل، تنمو حلماً في البال والقلب، لتذكيرنا بالوطن الجريح.
   افتتحت المسرحية بالنشيدين الاسترالي واللبناني، وبأصوات الطلبة.
   وشربل الذي وضع المسرحية بنصوصها وابعادها، القى كلمة من القلب مرحباً وشاكراً.
   ومسك الختام.. لم يكن ستاراً يسدل على مسرح بل سلة زهور قدمتها الطفلة ريما الياس الى الرئيسة كونستانس.
   المسرحية لم تكن عملاً مسرحياً ناجحاً فنياً فحسب، بل نقلة نوعية تضاف الى انجازات شربل والمدرسة في أرض تحتاج الى ثقافات متعددة، وفي اعماق مغتربين يتوقون الى سدل الستار على مسرحية الدم والموت التي نقلها شربل في عمله لوناً ينادي ريشة السلام ليكتب قصة وطن يحن الى الوئام.
التلغراف ـ العدد 2317 ـ 27/6/1991
**
شربل بعيني: هندي من لبنان
بقلم الاستاذ انطوني ولسن

   مساء يوم الجمعة الماضي، وعلى مدار ساعتين، استمتعنا بالمسرحية الخامسة في المهجر، لشاعرنا شربل بعيني، وقبل أن أتحدث عن المسرحية، أحب أن أتوجّه بالشكر والامتنان الى الاخت الرئيسة كونستانس الباشا وجميع الراهبات المحترمات المشرفات على مدرسة سيدة لبنان ـ هاريس بارك، والشكر والامتنان ليسا للدعوة التي وجهت الينا، بل للعمل الجاد المخلص برعايتهم لابناء الجالية في المهجر. هذه الرعاية التربوية التي ظهرت ثمارها واضحة في العمل المسرحي الذي قدّم يوم الجمعة الماضي، وقد شرّف الحفل سيادة المطران يوسف حتي السامي الاحترام، وسعادة قنصل لبنان العام في سيدني الاستاذ سليمان الراسي والسيدة عقيلته.
   أما عن شاعرنا شربل بعيني، فلا تندهش أخي لاختياري "هندي من لبنان" كعنوان، لأنني يا شربل عشت مشاعرك وانتفاضاتك وأحلامك وأمانيك من خلال هذه المسرحية، أو تقريباً، من خلال معظم أعمالك وكتاباتك، وسبب هذا الاختيار، يا أخي الحبيب، هو ان الدعوة التي أرسلتها عبر مسرحيتك ليست لمن في البرازيل، وضياع اللبنانيين في الأمازون، واختلاطهم مع الهنود هناك. انه الضياع الذي تعانيه الجالية اللبنانية هنا في أستراليا، وليست الجالية اللبنانية وحدها الضائعة وسط غابات الحياة في المهجر، بل كل الجاليات الإثنية عامة، والعربية خاصة.. وأستطيع أن اطلق مجازاً "هنود من مصر" و"هنود من العراق" و"هنود من سوريا" و"هنود من الأردن" الى آخره.
   جئنا لنعيش في هذه البلاد، وكل مشاعرنا ما زالت في داخلنا لأوطاننا الأم، التي تركناها لعدم قدرتنا على التكيّف مع العفن الموجود في مجتمعاتنا وحياتنا الاجتماعية والادارية وطرق الحكم القديمة البالية.
   اختلطنا بالهنود، علمناهم وتعلمنا منهم، أثّرنا فيهم بثقافتنا وحضارتنا، ومع ذلك وُجد بيننا من أخذنا الى كل ما تركناه وادرنا له ظهرنا، وهذه حقيقة موجودة لا يمكن إنكارها، فحدث التمزق والاختلاف في كل ما يجب ان نعمله: أنحب الهنود؟ أنتعايش معهم؟ أم نريد لأنفسنا مجتمعاً مستقلاً بعيداً عن الهنود؟ على الرغم من وجودنا بينهم ومعهم، ولا مفر من حتمية الالتحام والعيش في وئام، والعمل من أجل دفع عجلة هذا المجتمع الى الأمام، دون أن ننسى أوطاننا، أو أن ننكر جميلها. الزعامة تظهر لتقتلنا وتعمل على تفرقة شملنا، وجعل سرطان الانقسام يتفشّى بنا.
   لكن، هل نُترك لنعيش ما يريد لنا شربل أن نعيش؟ لا يا أخي.. لن يتركونا نعيش ونلتحم ونحب ونتزاوج، انهم يقتلونا الحب فينا، ويذبحونه في واضحة النهار، ويلعنونه، ويعتبرون كل من يحب أياً من الهنود خارجاً عليهم ويحل دمه، وهذا ما فعلته في مسرحيتك من قتل الحبيبين.
   مأساة نعيشها كل يوم، وكم أتمنى لو كانت هذه المسرحية قد سجلت للإذاعة، وأذيعت على حلقات بدلاً من الكثير من البرامج التي قِلّتها لن تجعلنا نأسف عليها، وأيضاً كم كنت أتمنى من تلفزيون "أس بي أس" الحضور وتسجيل المسرحية، وتقديمها في سهرة من السهرات التي كثيراً لا نجد أنفسنا حضوراً بها. لكن الذي يحيّرني يا أخي شربل، وجود إذاعة اثنية وتلفزيون اثني لمن؟ ولماذا؟ وما الهدف منهما؟ ليس هنا المجال للحديث عنهما، ولكني أعدك بالحديث عن كليهما او على الأقل عن الاذاعة الاثنية وبرنامجنا العربي على وجه خاص.
   والآن، عزيزي القارىء، سأنقل لك بعضاً من المشاهد التي قام بها الأطفال في تلك المسرحية:
   1ـ الرقص الهندي رائع مع الموسيقى، يعطي الايحاء بأنهم هنود. كما أن صعود الهنود الى المسرح من بين الجمهور، له تغيير مسرحي فنّي يؤخذ به في كثير من المسرحيات الحديثة لأنه يربط المشاهد بالممثل.
  2ـ الطفل الذي حاول أن يضبط الميكرفون ليتناسب مع طوله، دون أن يتوقف عن أداء دوره. انها حركة قوية من طفل كله ثقة بنفسه ويعرف ما يفعل.
   3ـ دخول الطفلة "ريما الياس" في لحظة الصلاة، واغنية "غريبة"، وحركة الاطفال على المسرح التي تعبّر عن الحزن للفراق، ونداء "يا شمس المحبه ضوّي"، وهذا ما نحتاجه: ضوء شمس المحبة.
   4ـ الأغنية الهندية، وقدرة الطفلة "كوليت ساسين" على الاداء المقنع بأنها هي التي تغنّي، والحركة المنسجمة مع الغناء.
   5ـ الحوار الذي يقول ان الفتاة الهندية كافرة، والرد عليه بسؤال عن الذين قتلوا وخرّبوا ماذا نقول عنهم؟ حقيقة.. ماذا نقول عنهم!؟.
   6ـ أغنية "ماكو" التي غنّاها الطفل "انطوني سعد"، أجمل ما فيها عبارة "التاريخ مثل راس البطيخ أحمر"، وبالطبع فهذا يرمز الى الدم الذي به يُكتب التاريخ.
   7ـ "جايي عيدي" أغنية استعراضية للطفلة "ريما الياس". اني اتحدى بك يا "ريما" أي مطرب في المهجر يستطيع أن يقدم هذا الغناء الاستعراضي الراقص. لقد كنت رائعة في غنائك وفي رقصك الاستعراضي المعبّر على المسرح.
   8ـ "بليندا ديب" وتمثيلها دور المرأة العجوز رائع، وايضاً اداؤها اغنية "انا اكبر ضحيه".
   9ـ المشهد الأخير للحبيبين كيركي الهندية وسليمان اللبناني "كوليت ساسين وجورج بو ناصيف"، اتحدى بهما ايضاً كثيرين من مدعي الفن التمثيلي والقدرة على التعبير بالحركة والكلمة. لقد اغرورقت أعيننا بالدموع، وانتما تسقطان جثتين هامدتين.
   10ـ اما في الختام فكانت أغنية "لا تمنعوني حب" أكثر من رائعة، تخيّل معي عزيزي القارىء هذا المشهد: حبيبان ملقيان على الأرض و"ريما" تغني حزناً على موتهما، وتطالب بحرية الحب.. تمسك شعر الفتاة الهندية الناعم الطويل، تمشطه والتعبير الحزين على وجهها والدمع في عينيها. هل نجد اعظم من هذا؟ لا أظن.
   يا مدّعي الفن تعالوا وشاهدوا وتعلّموا، ولا تدّعوا ما ليس فيكم.
   شربل والمسؤولون بالمدرسة أتمنى منهم ان يعطونا أكثر من عمل واحد في العام.
   أتمنى أيضاً أن تعطونا شيئاً آخر يتحدث عنا هنا وعن مشاكلنا فقط، دون الاشارة الى الوطن الأم. اننا نعيش في مجتمع يجب ان نظهر ذواتنا فيه، بكل حسناتها وسيئاتها.
   شكراً لكم جميعاً، يا من شاركتم في تقديم هذا العمل الرائع، وشكراً جزيلاً لراهبات العائلة المقدسة في مدرسة سيدة لبنان ـ هاريس بارك. وشكراً للأستاذين مجدي بولس وادغار بازرجي على الالحان الموسيقية المعبّرة.
البيرق ـ العدد 360 ـ 27/6/1991
**
الهجاء العام والفردي في مسرحيّة "هنود من لبنان" لشربل بعيني
بقلم د. جميل الدويهي

   في أول بحث له، وهو مبحث في الهجاء عند ابن الرومي، يتوصّل أستاذنا الجليل الدكتور عبد الحميد جيدة إلى حقيقة مفادها أن الهجاء ليس غرضاً فنيّاً يرمي إلى الإقذاع المباشر أو اللامباشر، بل هو فن من الفنون التعليمية التي تهدف الى اصلاح الانسان خاصة والمجتمع عامة.
   وليس الهجاء ـ حسب ما أرى ـ تعبيراً عن نزعة انحطاطية في نفس صاحبه، ولا هواية سلبية تعتمد على التجريح بالآخرين وتحقيرهم، إنما هو، في أغلب صوره، وسيلة من الوسيلات الفنيّة الراقية التي تصل الى الهدف الأكبر (المجتمع) حيث يعالج الشاعر نواقص معينة فيهاجمها ويحقّرها لتخرج من الاطار السلبي الى اطار آخر أكثر إيجابية وفائدة.
   ومن هذه الحقيقة الملتصقة بفن الهجاء يبرز الترادف العميق بين ما يسمى بالكاريكاتير وبين الهجاء. فالرسام الكاريكاتوري هجّاء مقذع، ولكنه ليس شتّاماً وإلا لكانت الصحف تحجم عن وضع رسومه على صفحاتها.
   وإذا كانت الفنون الأخرى ـ عالمياً ـ لا تتوسّل الهجاء رافداً أساسياً، فإن العرب في فنونهم الخطابية يسترفدون الهجاء ويجعلونه غاية للوصول الى الهدف بحيث لا يكون هو الهدف بحد ذاته بقدر ما يكون عاملاً أساسياً لايصال الفكرة في فن الخطابة (حلوم الأطفال وعقول ربّات الحجال) وطريقاً لقلب الأوضاع الاجتماعية والسياسية في المسرح (مسرح الكوميديا العربية عامة).
   لنعد إلى مسرحية عربية قدّمت على مسرح سيدة لبنان هاريس بارك بأوستراليا من ضمن نشاطات مدرسة راهبات العائلة المقدسة المارونيات لعام 1991، واشترك في تقديمها عدد كبير من تلامذة المدرسة.. وقد توكّأ كاتب المسرحية الاستاذ شربل بعيني الى "الهجاء" كمفهوم فني إصلاحي تارة وشعبي تارة أخرى، ليقدم لنا مسرحية لا تعتمد على الهجاء ـ طبعاً ـ كنصّ إنما تعتمده كرافد من الروافد المتعددة التي تلقّفها النص سواء أكانت درامية أم كوميدية.
   ونستطيع من خلال نظرة معمّقة على النص الأساسي للمسرحية تقسيم "الهجاء المسرحي" الذي اعتمده شربل بعيني الى عناصر هي:
1ـ الهجاء الاجتماعي: 
   هو الهجاء الذي ينصب على المجتمع ليطارد ما فيه من عيوب ومساويء فيهاجمها على طريقة الهدم للبناء رغم ان "الحل ـ البناء" ليس مطروحاً من الكاتب، بل هو متروك لتقدير المشاهد نفسه.
   ويتجه الهجاء الاجتماعي نحو الـ "نحن" بدلا من الـ "أنتم"، فالنمط الأدبي الذي عرف به شربل بعيني في شعره انتقل الى نصّه المسرحي مرتداً الى الذات "الجماعية":
ـ مين منّا مش كافر؟ اللي حرق بلادنا شو؟
ـ اللي قتل ولادنا شو؟
ـ اللي دبح ع الهويّه شو؟
ـ اللي سدّ بوزو وبلادو عم تحترق شو؟
ـ اللي ترك مرتو وولادو صيصان شو؟
ـ اللي سرق خيّو تا يجمّع مال حرام شو؟
ـ اللي تاجر بالحشيشه شو؟
ـ اللي بيكذب مية كذبه بالدقيقه شو؟
ـ اللي شوّهوا تعاليم الأديان شو؟
   بهذه الصورة الإجمالية يقدم شربل صورة المجتمع ـ الانحطاطي الذي سادته نزعات المادة والخيانة والاجرام ليصبح بؤرة للفساد والتخلّف، وينحدر الوطن إلى دركات اليأس بعد أن كان وطن الحضارة:
ـ ليش ضلّ عنّا حضاره تا ننشرا؟
   ولكن شربل يحصر المشكلة الأساسية التي أدّت الى ضياع المجتمع ـ الوطن بالخيانة:
ـ لولا الخيانة كنا أحسن ناس بالشرق الأوسط
   فشربل ليس رجل سياسة ليدخل الى ماورائيات "النظام العالمي القديم ـ الجديد" الذي يضع الخطط والاستراتيجيّات ويخلق المنفذين، بل هو يكتفي بكلمة "خيانة" ليستحوز على جميع مصادر الانحطاط دون تسميتها بأسمائها.
2ـ الهجاء السياسي:
   يمزج نص مسرحيّة "هنود من لبنان" بين الهجاء الاجتماعي والهجاء السياسي بشكل ظاهر.
   فغياب الرمز ـ الحاكم عن أغلب فصول المسرحية نقل الهجاء من هذا الرمز لينصب على حالة الوطن عامة، ويتناول "الجماعة" في قالب كاريكاتوري ساخر:
ـ هودي الجماعه ما بيركبوا إلا ع الوطنيّه..
   وهؤلاء هم الحكّام الذين "إذا ما لقيوا شي تا ياكلوا بياكلوا ولادنا".
   ولا يتورّع الكاتب عن توجيه الاهانة إليهم:
ـ تفوه عليهن وع وزارتن..
   كما انه ينعتهم "بالمجرمين":
ـ حكّامنا مجرمين وشعبنا فقير..
   وهكذا يتراءى ان الهجاء السياسي ليس منصبّاً على الرمز "أتلا" "نيرون" أو أية شخصيّة أخرى، فغياب الشخصيّة التي ترافق المسرحية دائماً جعل الهجاء يتصل بجماعة يعتبرهم الكاتب مسؤولين عن الكوارث والنكبات التي حلّت بالشعب وهدمت الوطن.
3ـ الهجاء الأممي:
   وهو أشمل أنواع الهجاء وأعمّها وقد حاول شربل ـ لماماً ـ أن يتوكأه من منظور سياسي لتبيان أن العالم سخّر الدين في سبيل تسخير الانسان لقتل أخيه الانسان:
ـ حروب الدني كلاّ، كان ألله يتدخّل فيها، وكل الأطراف كانت تستنجد فيه، وبس يموت حدا منن بيسموه شهيد، وبيستأجرولو شقّه بالجنه: آكل، شارب، نايم، قايم ع آخر طرز.
   فالحروب من صنع الانسان، والانسان سوّغ الاعمال العسكرية تارة باسم الشرف، وتارة باسم الوطنيّة، وأطواراً باسم الدين.. ووصل به الامر الى تحضير منازل في الجنة لمن يسميهم شهداء، وكل ذلك انما هو من باب التلويح بالسعادة جزاء للاشقياء الذين يتذابحون من أجل نصرة الحاكم فيزدادون حنقاً وتطول الحروب. وكأني بشربل ينتقم من العالم عندما يقول:
ـ مأكّد طرشان.. ولو ما يكونوا طرشان كانوا سمعونا عم نبكي..
   ففي هذا الهجاء الذي لا يوجهه كاتب المسرحية الى العالم مباشرة تبرز حقيقة الأوطان الضائعة بين رياح السياسة ونيران الحروب لتبقى ضحيّة الانتظار، فلا من يسمع، ولا من يستجيب، لأن قدر الصغار أن يظلّوا وقوداً لسياسات الكبار وشهواتهم.
4ـ الهجاء الشخصي:
   وهو الهجاء الذي ينصب على شخص بعينه فيبيّن علاّته وأخطاءه:
ـ نعمان دمّله بهالمجتمع لازم نفقيا تا ينام المجتمع مرتاح..
   ولكنه يصبح هجاء في غير محلّه عندما لا يكون له مردود أخلاقي أو إصلاحي كالقول:
ـ ما لقيت تنقي إلاّ هالبهيم؟
   أو:
ـ بنت زمرّد لازملا نقع بالكربونات قبل ما حدا يستحليها..
أو:
ـ شبّ قد عجل البقر..
   ولعلّ هذا الهجاء جاء للترويح عن نفس المشاهد حينما خلت المسرحيّة، أو كادت، من المشاهد الكوميدية الخالصة. ويصل استعمال الهجاء على هذا المستوى الى حدّ التناقض، فالشاب الذي "قد عجل البقر" هو شاب "مثل القمر"، وهذه المراوحة بين الثناء (الغزل) والهجاء، اضافة الى كون الهجاء لم يغيّر في الحدث أو يطوّر المسرحيّة ويغيّر اتجاهها، بل جاء زائداً على النصّ ومن خارجه، أساءا الى العمل بشكل ظاهر.
   ويبدو من كل ما سبق ان مسرحيّة "هنود من لبنان" اتجهت الى الهجاء كرافد من روافدها ـ فهي ليست في الأصل مسرحية نقدية ولا توسلت الهجاء هدفاً ـ لأن المبنى العام يرتكز على التقاء شعبين من حضارتين مختلفتين أولاً، وعلى قصة حب بين إنسانين يفترقان في الحضارة التاريخية، ويلتقيان في الحضارة الانسانية الجامعة.. فلم يكن للهجاء دور أساسي، بل كان معتمداً بطريقة تداخلية مع النصّ رامياً الى الاصلاح الاجتماعي والسياسي والفردي من ناحية، وقاصراً في شقّه الفردي عن إصابة الهدف كما يجب، فجاء هنا غير مقنع إلا في كونه نقلاً لألفاظ يستخدمها العامة في الوصف البدائي كلفظتي "بهيم ـ وقد عجل البقر". وكم أتمنى على شربل أن يتجنّب في مسرحيّات أخرى هذه الألفاظ التي يمكن استبدالها بألفاظ أخرى أخف وقعاً وأطيب معنى وأسمى مقاماً، وخصوصاً أن النص لا يتطلبها أو يفرضها، وهي ليست أساساً ضرورياً من أسسه الفنية "والحدثية".
صوت المغترب، العدد 1337، 18/7/1991
**



يا عيب الشوم 1993

يا عيب الشوم
بقلم الاستاذ جوزيف خوري

   عنوان المسرحية الجديدة التي ستعرض مساء الجمعة الواقع في 18 حزيران القادم 1993، على مسرح سيدة لبنان ـ هاريس بارك. وهي من تأليف وإخراج الشاعر شربل بعيني.
   سيقوم بتمثيلها أكثر من 300 طالب وطالبة من الصفوف الرابعة والخامسة والسادسة الابتدائية في مدرسة سيدة لبنان التابعة لراهبات العائلة المقدسة المارونيات.
   "يا عيب الشوم".. هي المسرحية السادسة بعد "فصول من الحرب اللبنانية" و"ألو أستراليا" و"الطربوش" و"ضيعة الأشباح" و"هنود من لبنان"، ولكنها الوحيدة التي تعالج قضايانا المهجرية بوقاحة زائدة إذا صح التعبير.
   المخدرات، الطلاق، القمار، طاولات الشرف، الجمعيات الخيرية، الهوة الكبرى بين المغتربين القدامى والجدد، الأدب، الصحافة، الفن، الحفلات، الانهيار الخلقي، احترام الآخرين، وغيرها وغيرها من المواضيع الاجتماعية التي تهم كل فرد من أفراد مجتمعنا الاغترابي.
   "يا عيب الشوم".. لها طعم فني خاص، لن يتذوقه الا من سيشاهدها، ويكفي ان اطفالنا الصغار هم ابطالها، ليحضرها كالمسرحيات السابقة 1400 مشاهد تقريباً.
   "البيرق" التي رافقت المسرح الطفولي المهاجر منذ بدايته، يسرها ان تسلّط الأضواء على هذا العمل الجديد، وأن تبدأ بنشر أغنية ريما الياس الجديدة، التي كتبها شربل بعيني، ولحنها الموسيقار مجدي بولس:
لا ما بدي
صير الخبريه
الدمعه العا خدّي
وآه الغنيه
رجّعني يا ربي
لضحكات الطفوله
لنظراتي الخجوله
للورد العا دربي
رجّعني يا ربي
ع هاك الدار
ع إخوه زغار
ع امي وبيي
ومحيلي اللي صار
لا نحنا فقنا
ولا هنّي فاقوا
لا نحنا اشتقنا
ولا هنّي اشتاقوا
وتدق المحبه
ع بواب الغربه
جاوبها يا قلبي
البيرق ـ العدد 647 ـ 6 ايار 1993
**
مفارقة العيب والفرح في مسرح شربل بعيني
بقلم الاستاذ أنطوان قزّي

   أن يسرح الخاطر على مدّ الدقائق فوق الخشبة ليس بالحدث الملفت، وأن تجول العين مع وقع الخطوات وحركية الطفولة ليس بالأمر الغريب.
   أما أن يتحوّل العيب الى فرح، والشؤم الى مفخرة، فذاك لعمري عصارة جهد جيّد، ونافذة تطل من ألف لمحة وعبرة وألف حكمة وفكرة، فتتجسّد شتولاً تغني الفصول وإيقاعاً يلهب الخشبة ويفتح للصدر صعداءه.
   شربل بعيني الآتي من خميلة الشعر على جنح فراشة، لوّن لوحاته بأبعد من القريحة، وأغوى من اللون، وأعمق من الينابيع.
   وإذا كان المسرح وقفة شكسبيرية في الكتب، وحبكة درامية لدى اليونان، وفروسية النبلاء في أوروبا، فإنه مع أطفال "سيدة لبنان" فعل حياة وأنشودة وفاء: حياة قست على الناس ففرقت فيهم الأهواء، ووفاء مزروع أبداً في الذات القدسية اباء واصالة وعودة الى صفاء الروح، واذا بالايام والناس تتحول مع الطفولة رسماً خالصاً لأجيالنا الضائعة بين الأمس واليوم، بين النزعة والتقليد، بين جمرة الشرق اللاهبة وبرودة الحضارة القاتلة.
   واذا كان شربل بعيني ادخل اخطر المضامين مع اصفى القلوب وانقى الجباه، فلأنه رأى أن الضدّ لا يظهر حسنه إلا الضدّ.
   فلكي ترى العيب عليك أن ترى البراءة، ولكي تلحظ الشؤم عليك أن تواكب فطرية الانسان وجذوة الخير فيه.
   حسناً فعلت يا شربل، فإن الشرور لا تقهرها الشرور، بل البراعم الواعدة التي لا تزال على يديك وستبقى، أثقل من الثمار، وأينع من وجنات الربيع.
   حسناً فعلت باختصار الزمن وجنونه الى واحة تبرّد النفس وتمنّي الخاطر بأجيال تزرع على المسرح ما يجب زرعه في قلوب الكبار.
   من الثبات، من غفلة الساعات المتسارعة، من عجقة الأرصفة المظلمة، يوقظنا شربل بعيني، ويحملنا إلى مسرح سيّدة لبنان مشاهدين، مستلهمين، معجبين، حاملين في أيدينا أسراب عصافير، ولتبقَ الأشجار بلا أطيارها، نغمض العيون على الفرح الآتي من فوق، من على الخشبة، نغمضها جيّداً كي لا نطل على الشارع من جديد على درب "يا عيب الشوم".
   هنيئاً لنا بصغارنا الكبار، براهبات ساهرات، وبشاعر أقل ما يقال فيه انه يصهر من الطفولة ما يغني عن سفسطة البلغاء.
"يا عيب الشوم" مسرحية للشاعر شربل بعيني، عرضت الاسبوع ما قبل الماضي على مسرح سيدة لبنان، أبطالها تلامذة المدرسة.
التلغراف، العدد 2526، 28/6/1993
**
يا عيب الشوم
بقلم الشاعر نعيم خوري

يا عصافير لبنان في مدرسة سيّدة لبنان
إذا كان لكل عام شجرة، فشجرة عام 1993 كانت لكم بكلّ ما فيها من بهجة وجمال وروعة وأناقة.
وإذا كان لكلّ موعد ذاكرة تاريخيّة، فإن مساء الثامن عشر من حزيران من هذا العام هو ذاكرة أحلى المواعيد، وأغلاها على الإطلاق.
ففي ليلة واحدة حوّلتم زمن السقوط والانهيار إلى فلكلور فكاهي لاذع، يضحك إلى حد البكاء، ويبكي إلى حدّ الندامة. وعلى حد السكين طرحتم ميوعة الموقف لينزف حتى اللهيب، فتصير الهشاشة رماداً، وأصداء في الريح تمسي اللامبالاة.
وفي "يا عيب الشوم" من تأليف وإخراج الشاعر شربل بعيني وتمثيلكم، كنتم الصوت الهادر الهادي في بريّة الجالية وأدغال الاغتراب، والجرح المضيء الذي يغسل عار الأيام عن شجر الغابات. رائعة كانت أدواركم، ولقد أدّيتموها بأمانة وثقة وشجاعة وإتقان.
حركات اليدين، نبرات الصوت، الخطى، تضرب المسرح فتزلزل المكان. نظرات العينين المتفحّصة حيناً والساخرة أحياناً. ملامح الوجه في إشراقها وفي عبوسها. المظاهر والملابسات المعجونة بالحيرة والهمّ والحلم. لكنة اللهجة واهتزاز الأوتار الصوتيّة. كلّها كانت إشارات واضحة وجريئة في إعلان الموقف والتصدّي للتيّارات المدمّرة، والإرادات المستبدة، حتى لكأنها صارت عناوين بارزة لمأساتنا الاجتماعيّة، كل واحد منّا فيها قاتل: قاتل لأنه مسؤول، وقتيل لأنه ضحيّة.
الجو مشحون بالتناقضات والأنساق والمفاهيم الغريبة أو المغلوطة. والمد الحضاري يخلق مناخات ضاغطة على مناعات، بعضها ضعيف وبعضها مفقود تماماً. الهوة سحيقة ورهيبة بين جيل البناء وجيل الخراب.
الأمراض التي يأكل بعضها بعضاً في العائلة الواحدة، أو العائلات المتعدّدة، قضايا ومشاكل البيت الذي يخلط بين الحريّة والفوضى الأخلاقيّة، بين وجع العقل وتمرّد الفضيلة، وبين الانحلال المناقبي والتزحلق على قشور النزوات والرعونات التي تنتاب عمليّة التطوّر، أو بين المحافظة على التراث الحضاري وركوب حصان الدخان لمواكبة الفجور الغرائزي. هذه وغيرها تجسّدت في تمثيلية "يا عيب الشوم"، حتى إذا ما شعرت أنك تقفز من واحدة إلى أخرى، ومن دور إلى دور، فذلك لأن هذا المسلسل الشيطاني الذي أحدث انقلاباً تدميرياً في حياتنا قد ترك بصماته ولوثاته على وجودنا. هذا المسلسل يفرض هذه القفزات المتوترة مرة، والمتوثبة مراراً، تشدّك إليها وأنت تضحك وتهزأ، وتأسف وتتمزّق، حتى لتكاد تخرج من دائرة التمثيل إلى حركة الممارسة الواقعيّة.
ومن البوكرماشين إلى سباق الخيل وطاولات الميسر، إلى المثالب التي تدمّر حياة الأفراد والجماعات، ومن صبية الأزقّة إلى روّاد العلب الحمراء، إلى الأدوات والقنوات التي تتعاطى المخدرات وتروّج تجارتها، إلى الذين يركبهم الكسل والغشّ والطيش والاحتيال، فيصيرون عالة على الضمان الاجتماعي وعلى المجتمع. ومن عمليّات اللطش والتزوير والانتحال إلى تهميش الدور الإنساني المسؤول، وتكوين البؤر الفاسدة الساعية إلى الاستغلال والرطانة والفحش. هذه النقائص التي عرضتها التمثيليّة والتي نعاني منها، لا تشوّه سمعتنا فقط، بل تعطّل وتلغي دورنا الحضاري أيضاً.
ومن ازدواجية الشخصية إلى سياسة التعهّر والتباهي الفارغ، إلى الصحافة، فالأدب، فالشعر، فمجموعة الأنا.. نيّات الحقيرة التي تتعفّن فيها حداثتنا الاغترابيّة، وتتوشّح بالحقد الوثني، وبالنقمة والحسد والوهم الباطل، تحت ستار كثيف من الإدعاء الرخيص المتأقلم مع موجات انعدام الذات الإنسانيّة لزرع ذات غريبة الأطوار والمناخات في جسم اصطناعي ملتحم بالنزعات الفرديّة والعصبيّات الملتويّة والمزيّفة. إنه وجه من وجوه الغرابات المتسللة إلى ثقافتنا العريقة، نغسله بالخلّ ونغذّيه بالزؤان، ونحسب أن الخل خمر تفرح قلب الإنسان، وأن الزؤان سنابل غنيّة بالثروة والغلال.
ومن "مشاهير" البلابل والحساسين، والغربان والشحارير، التي تضجّ بها وتضيق القاعات والمطاعم والملاهي، إلى بنات وضحايا الهوى التي طالت بيوت الفقراء ومتوسطي الحال، كما طالت البيوتات المرموقة والكبيرة، حتّى تساوت جميعها في المأساة ليصير كلّ صاحب "هاو ماتش دارلينغ" والداً لكل "ريما" الفالتة التي تفاجئه صارخة: "أنت وأمي وصّلتوني لهون.
أجمل ما في "يا عيب الشوم" التي قام بتمثيلها ثلاثمائة طالبة وطالب من الصفوف الابتدائيّة في مدرسة سيّدة لبنان، لراهبات العائلة المقدّسة المارونيّات، أنها لـم تكتفِ بعرض شكلي لسلبيّاتنا، بل تجاوزتها إلى الردّ الإيجابي على كلّ خلل في تربيّتنا ونشأتنا، فتصبح العيوب والمساوىء والمفاسد مجرّد عاهات تصيب الأفراد، وهؤلاء الأفراد أنفسهم لا يمكنهم أن يصموا الانتشار اللبناني كلّه بما في نفوسهم من عار الصدأ والعفونة.
فإذا كان لكل عائلة قياس، فإن راهبات العائلة المقدّسة المارونيّات في مدرسة سيّدة لبنان في هاريس بارك هنّ عائلة لبنان المثاليّة التي لا قياس لها، والتي تغطي مساحة الكون.
أكاد أشكر الشاعر شربل بعيني وأهنّئه.. لا.. أوسع من الشكر وأكبر من التهنئة شربل. فأكتفي بتوجيه تحيّة أدبيّة.
العالـم العربي ـ العدد 31 ـ 29 حزيران 1993
**
يا عيب الشوم: عمل مسرحي ناجح مسلوخ من الواقع المعيوش
بقلم الاستاذ انطونيوس بو رزق

   متى افتقد المجتمع المسرح، افتقد الرقيب والموجه والناقد، وكلما كان المسرح الصق بالواقع المعيوش، كان أعلق بالنفس والقلب والضمير.
   ومن الأعمال المسرحية الضخمة التي شهدتها الجالية هذا العام، كانت مسرحية "يا عيب الشوم"، التي كتبها وأخرجها الشاعر شربل بعيني، واشترك في تمثيلها حوالي ثلاث مئة تلميذ وتلميذة من الصفوف الابتدائية في مدرسة راهبات العائلة المقدسة المارونيات في هاريس بارك.
   والمسرحية، التي تمّ عرضها مساء الجمعة الماضي في 18 حزيران على مسرح قاعة كنيسة سيدة لبنان، وحضرها ما يزيد على الألف شخص، كانت، بحق، بمثابة منبه للجالية على الوضع المأسوي والحالة المزرية التي تعيشها.
   مسرحية "يا عيب الشوم"، تعد بحق احدى الأعمال المسرحية الصميمة، حيث خاضت غمار مشاكل لم يتطرق احد اليها من قبل، إما عن عدم قدرة والمام بالمسرح، وإما عن عدم جرأة وشجاعة.
   "يا عيب الشوم" مسرحية سلطت الأضواء على مجتمعنا لتكشف معايبه ومساوئه والمخاطر التي تنتظره إن هو لم يعد الى نفسه وجذوره وهاداته وتقاليده.
   لقد صوّرت حالة الانحلال التي أصابت العائلة اللبنانية خاصة، والعربية عامة، حيث بدأ ينفرط عقدها شيئاً فشيئاً اثر ابتعادها تدريجياً عن الأخلاقيات التي تحدرت منها.. صورت كيف ان الزوج يصرف ماله في سباق الخيل، وتحاول الزوجة اقناعه بالعدول عن ذلك، ولما لم تفلح في ذلك، بدل ان تحنو على اولادها، اتخذت منحى عكسياً فراحت ترتاد الملاهي الليلية، وتبدد الاموال على "البوكار ماشين" وهكذا اصبح الاولاد وحيدين في البيت، يتهددهم شبح البرد والخوف والظلام، ومن ثم زاغ الاولاد عن الطريق الحق، فارتمت الابنة الكبيرة في احضان البغي والخلاعة في "الكينغ كروس"، ولكن في نهاية المسرحية تعود العائلة للالتقاء من جديد.
   كما نجحت المسرحية في اعطاء صورة مضحكة ومبكية في آن عن الغني الذي جنى ماله بطرق غير مشروعة، وكيف ان وصيته كانت بعد مماته بأن يزوّد نعشه بكل وسائل الراحة والترفيه كالتلفاز والتلفون ومكيف الهواء.
  ولم ينجُ الادباء والشعراء والمغنون من النقد اللاذع حيث اصبح الادب والشعر والفن مهنة للكسب المادي، فالمغني يسرق اغانيه وينكرها على صاحبها، والشاعر يسرق شعره، وما يسمى بالأديب يهاجم سائر الادباء، ويدعي بانه يستطيع ان يقزّمهم ويمسح بهم الأرض.
   وكذلك كان للصحافة نصيبها من النقد، حيث ابتعدت عن رسالتها، واصبحت صحافة المناسبات الاجتماعية والماديات لا أكثر ولا أقل.
   وقد كانت للجمعيات والتجمعات حصتهم من النقد، فأظهرتهم المسرحية على حقيقتهم، كيف ان كل جمعية انقسمت على نفسها واصبحت جمعيتين او اكثر، واصبحت المراكز والمناصب في خدمة الاشخاص بدل ان يكون العكس.
   غير أن المشهد الذي استطاع ان يخطف الاضواء كان طاولة الشرف، التي تعبّر، حق تعبير، عن مرض حب الوجاهة والمظاهر الذي ضرب الجالية، فكل شخص يريد ان يكون مكانه على طاولة الشرف، وشرعت هذه الطاولة تطول وتطول حتى "احتلت" القاعة كلها.
   مهما تكلّمنا عن هذا العمل المسرحي العملاق لا يمكننا ان نفيه حقّه، وكل ما نستطيع قوله ان "يا عيب الشوم" نجحت الى أبعد حدود النجاح.
   والجدير بالذكر في هذه الكلمة الموجزة أن هذا العمل المسرحي هو السادس من نوعه من ـأليف واخراج الشاعر شربل بعيني، وتمثيل تلاميذ راهبات العائلة المقدسة المارونيات.
   فهنيئاً للجالية براهبات سيدة لبنان راعيات صالحات يقدن القطيع الى برّ الأمان.
   وهنيئاً للجالية بهكذا تلاميذ براعم ذكية تتفتّح في هذا المفلب من الأرض.
   وهنيئاً للشاعر شربل بعيني برائعته هذه، والى مزيد من النجاحات، والف مبروك.
العالم العربي ـ العدد 30 ـ 25/6/1993
**
مسرحية "يا عيب الشوم" صغارها عمالقة
بقلم الفنانة نجوى عاصي

      ليلة الجمعة، 18 حزيران 1993، عرضت على مسرح سيدة لبنان مسرحية بعنوان "يا عيب الشوم".
   عندما تصبح كلمات "يا عيب الشوم" عنواناً لمسرحية، يصبح الإسم مثيراً، ويشدك لمعرفته ومشاهدته، ولست أدري لماذا استهواني الاسم، رغم أننا نردده في اليوم عشرات المرّات، ولكن أن يصبح عنواناً لعمل مسرحي، فهذا هو الطريف والجديد.
   كان لزاماً علي ان أحضر قبل السابعة والنصف، لأنني تعوّدت من مدرسة سيّدة لبنان أن تفتح الستارة في الوقت المعلن عنه دون تأخير، رغم أنهم، هذه المرة، تأخّروا دقيقتين، خلافاً لعادتهم. المهم ان الحضور كان كبيراً يفوق الألف شخص، كان هناك الاعلام المقروء، وفعاليات ورجال فكر، ورجال دين ودنيا، ومن مختلف الطبقات، وغاب الاعلام المسموع، وطبعاً وكالعادة الفنانون المسرحيون. 
   المسرحية من تأليف واخراج الشاعر شربل بعيني، الذي دمج هذه المرة عدة قصص بعضها ببعض، كل قصة منها تمثّل نموذجاً اجتماعياً، وكل فقرة تصلح لأن تكون مسرحية بحد ذاتها، واعتقد ان الاستاذ بعيني اراد أن يعطي صورة اجتماعية عن كل قصة دارت في المسرحية، دون التوسّع فيها، فاشتملت تلك المواضيع على التفكك العائلي، وهو الموضوع الرئيسي في المسرحية، وان هذا التفكك لا بد ان ينتج عنه الانحراف من سرقة ومخدرات إلخ..
   ويشدد الاستاذ بعيني على تماسك الاسرة والتربية الصحيحة التي هي أساس المجتمع السليم، والحل الوحيد لبقاء الأطفال بعيداً عن الانحراف. اما هؤلاء الاطفال المدهشون بتمثيلهم، الذين جرّدوا الكبار من أقنعتهم، وحاسبوهم واتهموهم وضحكوا منهم، خاصة فيما عرضوه من مساوىء اجتماعية، كطاولات الشرف والحفلات وما يحدث فيها.
   هؤلاء الصغار الذين ألقوا حواراتهم اللاذعة، التي وخزت ضمائرهم بلطف ومودة وصراحة وبلا احراج.. كم كانوا كباراً بتمثيلهم لواقعنا ومجتمعنا ومحاكمتنا كمسؤولين عن تربيتهم، ولا ننسى الفنانة والمطربة والممثلة ريما الياس التي نضجت كثيراً، فأجادت دورها واتقنته لدرجة الاقناع.
   الجميع كانوا في غاية الاجادة والروعة.. الديكور بسيط وفخم في آن معاً، نسّقته يد الفنانة ماريان بعيني التي أضفت من فنّها وذوقها الرفيع، فأتى الديكور متمماً للموضوع مما جعلني أحس وكأنني أسكن احدى ناطحات سحابها.
   اضافة الى كلمات الأغاني المعبّرة والموسيقى الجميلة التي أضفت سحراً خاصاً على الحوار، الى جانب الرقصات الرشيقة الحلوة.
   أخيراً، أتقدم من ادارة مدرسة سيدة لبنان، ومن هيئة التدريس، وخاصة الأخوات الراهبات، بالتهاني على هذا العمل الفني الراقي، وبالشكر الجزيل لأنهن يقدّمن ما بوسعهن لتربية النشء الجديد.. صانعي المستقبل. ولأن العمل المسرحي يعود بالنفع على أولادنا من حيث النطق بالعربية بطريقة سهلة وبسيطة، كذلك تعودهم على معايشة الواقع الذي يعيشونه بحلاوته ومرارته، وان الانحراف مكروه ومحتقر، فيكرهونه ويبتعدون عنه، وان صاحب الاخلاق الحميدة هو المحترم والمحبوب من الجميع، بعد ذلك هم الذين سيحاسبون الأهل ان أخطأوا، ثم انهم يكتسبون حب العمل الجماعي، فيبدعون في فن المشاركة، ومن يبدع لا ينحرف، وهذه هي التربية.
   والى اللقاء في مسرحية أخرى لأحبائنا الصغار.
البيرق ـ العدد 674 ـ 8 تموز 1993
**



الله بيدبّر 1995

الله بيدبّر: مسرحية تاريخية رائعة
مجلة الفراشة

   ما زالت الأصداء تتناقل خبر نجاح مسرحية "الله بيدبّر" التي مثّلها أكثر من 400 طالب وطالبة من مدرسة مار مارون ـ دلويتشهيل، وطتبها وأخرجها الاستاذ شربل بعيني.
    حضرها سعادة سفير لبنان الدكتور لطيف ابو الحسن والسيدة عقيلته، والعديد من أعضاء السلك الدبلوماسي والكهنوتي والرهباني والاعلامي، يحيط بهم جمهور غفير من ابناء الجالية.
   افتتحت المسرحية بالنشيدين الاسترالي واللبناني، ومن ثم بدأت الأحداث تترى على المسرح: سلمى الفتاة المشهود لها بالسلوك الحسن، تترك بيت أهلها، فتلوك الألسن سمعتها، ويتهمها البعض بالانحراف، وفي هذه الأثناء يزور القرية "ابو حشيشة" الشخصية المشهورة، فيهتف الأطفال:
أبو حشيشه حشّلو
دقنو طويله قصّلو
   ولكن هتافهم لم يدم طويلاً، إذ ان الجراثيم التي نقلها اليهم بدأت تفتك بهم، وتحصدهم الواحد تلو الآخر.
   يخاف أهل القرية كثيراً، ويبدأون بالبحث عن منقذ، فلا يجدون سوى البطريرك الياس الحويك، مؤسس جمعية العائلة المقدسة في العام 1895، فيرسل معهم "الأخت عناية"، الراهبة الشابة التي درست التمريض، فتعمل كل ما في وسعها لإنقاذ القرية من المرض القاتل.
   وفجأة يمرض أبو سلمى.. الفتاة التي هربت في بداية القصة، فيستنجدون بالأخت عناية لتطبيبه، وفي لحظة من لحظات مرضه، يطلب من الله أن لا يميته قبل أن يرى ابنته سلمى.. وكم كانت دهشته عظيمة عندما أخبرته الأخت عناية انها سلمى.
   وفي الختام، أنشدت الراهبات بصوتهن الرائع "ديرنا.. ديرنا"، كما هنأهن سعادة السفير ابو الحسن بيوبيلهن المئوي، وأثنى على الجهود التي يبذلنها من أجل تربية الاجيال الاغترابية، وتنشئتها على حب الوطن لبنان.
   كما ألقى المونسنيور سركيس شربل كلمة راعي الأبرشية المارونية المطران يوسف حتي السامي الاحترام، أما الأخت ماري هنريات داريدو فقد كان لكلمتها الوقع الحسن في قلوب الجميع.
   وقبل أن يغادر الجمهور القاعة، اعتلى المنبر الاستاذ انور حرب ليوزع جوائز اليانصيب على رابحيها.
   تهانينا للراهبات بيوبيلهن المئوي، وللطلاب والطالبات بمسرحيتهم الناجحة، والى اللقاء.
مجلة الفراشة ـ عدد شهر آب 1995
**
الأخت الرئيسة ايرين بو غصن تمثّل مع الأطفال



المدرسة 1996

خطاب الأخت الرئيسة ايرين بو غصن بعد انتهاء عرض مسرحية المدرسة
   مساء الخير وأهلا وسهلا بالجميع..
   أراني أقف حائرة مندهشة عاجزة عن التعبير والكلام، وهل يستطيع كلام أن يعبّر أو يفي حق طلابنا وصغارنا الذين أدهشونا بما قاموا به من اداء وتمثيل ورقص وتعبير".
  نعم، ها هم أمل المستقبل، أمل الطائفة، أمل الكنيسة وأمل المجتمع، هذا الأمل يكبر بالرعاية، ويزدهر بالدعم. هذا الأمل الذي تعهّدنا برعايته وتنميته تنمية مسيحية صالحة تتحدّى صعوبات القرن القادم، بحاجة الى دعم لكي تستمر الرعاية دون أي عائق، وانطلاقاً من هذا أدعو الجميع بدءاً من المدرسة إلى الأهل مروراً بالفعاليات على اختلافها ان تدعم هذه البراعم الطرية بكل ما للكلمة من معنى.
   وكي نحقّق هذا، ونصل الى الهدف المنشود، ادعو الجميع الى التكاتف والمساعدة ـ مساعدة مدرستكم ـ وبذلك تساعدون أولادكم.
   من هنا، أدعو الجميع، راهبات وهيئة تعليمية وأهل وفعاليات دينية وسياسية واجتماعية ان نشبك الأيدي لننهض بجيلنا الصاعد الى قمة العلم والعطاء والابداع.
   فاسمحوا لي أن أشكر باسمي، وباسم أخواتي الراهبات طلاب وطالبات القسم الابتدائي في المعهد على ما قاموا به من جهود وتمرينات لانجاح هذه الحفلة. وهذا النجاح دليل ساطع على مدى كفاءاتهم، والطاقات الابداعية المخزونة في داخلهم. فلكم أيها الطلاب الأعزاء كل شكري ومحبتي وصلاتي، والى المزيد من العطاء والابداع.
   شكري الكبير الى جميع افراد الهيئة التعليمية الذين يضحون بوقتهم وبصحتهم وبذواتهم لتثقيف طلابنا ومساعدتهم لكي ينموا بالعلم والثقافة والفضيلة.
   واسمحوا لي أن أوجه شكراً خاصاً للأستاذ شربل بعيني الذي ما برح يقدّم الغالي والنفيس من أجل ازدهار هذا المعهد التربوي، فله ولكم الف الشكر.
   شكري أيضاً الى حضرات الاهالي الكرام، فإني انتهز هذه المناسبة لاهنئكم بأولادكم، وأبشركم بأنهم يملكون الكثير من المواهب، ولا يتقصهم إلا التشجيع والمساعدة، واني أعاهدكم بأنني سأبذل كل جهدي كي ينمو هذا الصرح التربوي ليس بالحجر بل بالبشر والفضيلة والاخلاق والعلم.
   شكري الكبير أوجهه باسمي وباسمكم، الى صاحب القلب الكبير الذي يرعانا جميعاً بمحبته وعطفه وصلاته، الى الاب الروحي لهذه الأبرشية، وخصوصاً هذه الرعية، وهذا المعهد الذي يرعاه بعين ساهرة يقظة، والذي أبى إلا أن يشاركنا حفلتنا هذه. فلك يا صاحب السيادة كل محبتنا وولائنا، فعشت سيداً وراعياً. وشكراً.
مسرحية "المدرسة" 1996
**
مسرحية المدرسة: نجاح وإبداع وراحة بال على مستقبلنا
بقلم الاستاذ انور حرب

      "لا خوف على لبنان طالما اننا نعيش في المغتربات وطن الأرز بتاريخه وثقافته ولغته وعاداته.. وبندارسه الحريصة على هذه العوامل والثوابت"
   هذا ما عبّر عنه الذين شاركوا في الحفلة التي أقامتها المدرسة الابتدائية في معهد سيدة لبنان لراهبات العائلة المقدسة المارونيات ـ هاريس بارك، إذ ما شاهده الجمهور من إبداع ونجاح ومن حرص على التراث واللغة والتقاليد والفلكلور، أكد ان الوطن في أرضنا الأم قد يكون يخسر بعضاً من تقاليدنا العريقة، لكن المغتربين عبر هذه الارسالية وغيرها من الارساليات تؤكد ان لبنان بطابعه المميز لا ولن يموت.
   تحية كبيرة وجهناها بالأمس القريب الى معهد مار شربل، واليوم نوجّه تحية مماثلة الى معهد سيدة لبنان والى رئيسته الام ايرين بو غصن، هذه الراهبة التي حملت مشعال المسؤولية بإخلاص وتضحية لتشكل مع أخواتها الراهبات ومع المعلمين والمعلمات والاداريين خلية عمل متتالية.
   تحية الى الطلبة الذين أبدعوا رقصاً وتمثيلاً وفلكلوراً. تحية لهم لاندماجهم في المجتمع الاسترالي الجديد دون أن يذوبوا ويخسروا خصائص وطنهم الأم.
   تحيّة الى الاداريين والمعلمين الذين سهروا وربّوا وزرعوا.
   تحية الى هذه الارسالية الرهبانية التي نذرت نفسها في هاريس بارك وفي أخرى في دلويتشهيل وبلمور، لتربية النفوس، ولزرع الثقافة والاعتزاز بالتراث وترجمته واقعاً يزيل من نفوسنا الخوف على المستقبل، ومن مخيلتنا هواجس الذوبان والإضمحلال في المجتمعات الجديدة.
   ولعل الأم ايرين أخطأت في كلمتها الصادقة المعبرة حين استهلتها بالقول:
  "أراني أقف حائرة مندهشة عاجزة عن التعبير والكلام، وهل يستطيع كلام أن يعبّر أو يفي حق طلابنا وصغارنا الذين أدهشونا بما قاموا به من اداء وتمثيل ورقص وتعبير".
    والجواب هو "نعم يمكننا بأعلى صوت أن نعبّر عن إعجابنا وليس دهشتنا، لأننا ندرك أن راهبات العائلة يمكنهن بابعادهن والتزامهن ومسؤولياتهن ان يحققوا مثل هذا النجاح الكبير الذي لا تتوقّف نتائجه على جالية، بل تشمل وطناً يتوق الى مثل هذه الانجازات".
   ولعلّ الرئيسة ايرين، بتواضعها، أحبّت ان تعبّر عن هذا الموقف، ولكن الواقع الذي نعيشه يدفعنا الى التعبير عن الاعجاب بنجاح هذه المدرسة بقيادة الام ايرين ومساندة ومساعدة جميع الراهبات والهيئة التعليمية.
   ولعل سيادة المطران يوسف حتي راعي الأبرشية عبّر نيابة عن الجميع عندما ألقى كلمته الوجدانية حين قال:
  "ليس باسمي وحدي أهنىء، اني باسم الجميع، حاضرين وغائبين، أهنىء الطائفة، وأهنىء الأبرشية والجالية بهذا الانجاز العظيم الذي تحقّقه الراهبات".
   وكانت كلمة سيادته واقعية ومعبّرة للغاية، وقد ضمنها موقفه من نشاط الراهبات واعجابه بهذا النشاط.
   واضافة الى الاسكتشات المتعددة الغربية والشعبية والشرقية جرى عرض لمسرحية تحكي قصة "المدرسة" من وضع الشاعر شربل بعيني.
   والجدير بالذكر ان الرئيسة الأخت ايرين بو غصن قد شاركت بالتمثيل في المشهد الأخير من المسرحية عندما قالت إحدى الفتيات للذين يريدون احراق الحرش احتجاجاً على عدم بناء المدرسة في قريتهم:
ـ سمعوا يا جماعه.. في راهبه عم تسمعنا هلق.. تعوا نسألها تا نشوف شو بتقول..
   فتسخر منها أحدى المحتجات:
ـ مش شايفه شي.. ما في راهبه..
   ولكن الفتاة التي رأتها، تتوجه الى الاخت ايرين بالسؤال مباشرة:
ـ يا راهبتنا.. منترجاكي تقوليلنا رح يصير في مدرسه بضيعتنا أم لأ؟..
   هنا تصعد الأخت ايرين الى المسرح، فيصيح أحد الممثلين:
ـ وصلت الراهبه.. اعطوا طريق للراهبه..
   فتلتفت إليها الفتاة وتقول:
ـ يا راهبتنا الغاليه.. بترجاكي تجاوبيني: إي أم لأ.. في مدرسه أو ما في مدرسه؟
   فتجيب الأخت إيرين بكل ثقة:
ـ أكيد في مدرسه..
   هنا تقدم لها احدى الطالبات باقة من الأزهار عربون شكر وامتنان لوجود مدرسة في قريتها النائية.. عندها ألقت الأم الرئيسة بو غصن كلمة ننشر منها:
   "اسمحوا لي أن أشكر باسمي، وباسم أخواتي الراهبات طلاب وطالبات القسم الابتدائي في المعهد على ما قاموا به من جهود وتمرينات لانجاح هذه الحفلة. وهذا النجاح دليل ساطع على مدى كفاءاتهم، والطاقات الابداعية المخزونة في داخلهم. فلكم أيها الطلاب الأعزاء كل شكري ومحبتي وصلاتي، والى المزيد من العطاء والابداع.
   شكري الكبير الى جميع افراد الهيئة التعليمية الذين يضحون بوقتهم وبصحتهم وبذواتهم لتثقيف طلابنا ومساعدتهم لكي ينموا بالعلم والثقافة والفضيلة.
   واسمحوا لي أن أوجه شكراً خاصاً للأستاذ شربل بعيني الذي ما برح يقدّم الغالي والنفيس من أجل ازدهار هذا المعهد التربوي، فله ولكم الف الشكر.
   شكري أيضاً الى حضرات الاهالي الكرام، فإني انتهز هذه المناسبة لاهنئكم بأولادكم، وأبشركم بأنهم يملكون الكثير من المواهب، ولا يتقصهم إلا التشجيع والمساعدة، واني أعاهدكم بأنني سأبذل كل جهدي كي ينمو هذا الصرح التربوي ليس بالحجر بل بالبشر والفضيلة والاخلاق والعلم.
   شكري الكبير أوجهه باسمي وباسمكم، الى صاحب القلب الكبير الذي يرعانا جميعاً بمحبته وعطفه وصلاته، الى الاب الروحي لهذه الأبرشية، وخصوصاً هذه الرعية، وهذا المعهد الذي يرعاه بعين ساهرة يقظة، والذي أبى إلا أن يشاركنا حفلتنا هذه. فلك يا صاحب السيادة كل محبتنا وولائنا، فعشت سيداً وراعياً. وشكراً.
   افتتح الاحتفال بالنشيدين الأسترالي واللبناني، وصوت عريفه الاستاذ شربل بعيني كان وراء الستار، وقد حضره سيادة المطران يوسف حتي، وسيلدة المطران جورج اسكندر، ورئيس دير مار شربل الأب انطوان مرعب، وعدد من كهنة ورهبان وراهبات الطائفة، اضافة الى الاستاذ بيار رفول، والاستاذ انور حرب، وقد احتشد الاهالي في صالة سيدة لبنان التي ضاقت بهم جلوساً ووقوفاً.
النهار ـ 12/11/1996
**



شارع اللبنانيين 1997

شارع اللبنانيين: مسرحية للشاعر شربل بعيني تحكي واقعنا وحالاتنا على لسان 300 طالب من مدرسة سيدة لبنان
بقلم الاستاذ انور حرب

   تذهب، أحياناً، الى مسرحية لمحترفين من أهل الفن، فتشعر بالابتذال الفني، وتحس ان حضورك "واجب"، أو لعدم احراج المخرج او المنتج او احد الممثلين.
   لكنك في مسرحية "شارع اللنانيين" التي قدّمها 300 طالب في مدرسة سيدة لبنان، تختلف الصورة، وتشعر انك امام مسرح محترف، رغم أن الممثلين هم هواة وطلبة في الصفوف الابتدائية. وتتسمر على الكرسي "تضحك على حالنا"، وتشعر بارتياح للنقد الذاتي وللمواهب الواعدة وللقصة التي سلخها المؤلف المبدع من واقعنا اليومي، فكانت المسرحية كل شيء من النجاح الذي أنساك انك احد الحضور في صالة، واشعرك انك جزء من المسرحية، اي من واقع تعيشه في حي او مدينة او ضيعة او متجر.
   المسرحية عرضت في صالة سيدة لبنان، وحضرها راعي الأبرشية سيادة المطران يوسف حتي، وكهنة الطائفة، ورئيسة المدرسة الاخت ايرين بو غصن واراهبات، والرئيس الاقليمي للجامعة السيد جو بعيني، وعضوا بلدية باراماتا السيدان جو بركات وطوني عيسى، ورئيس التجمع المسيحي انور حرب، والمدير الرئيسي في البنك العربي السيد جايمس واكيم، وعدد من الزملاء في الصحافة واهل الطلبة.
   وبعد النشيدين، كانت الكلمة الأولى للأم الرئيسة ايرين، الراهبة التي تترأس مدرسة تعتبر المعهد اللبناني التربوي الأول في عالم الانتشار، كما قال سيادة المطران حتي.
   والرئيسة بو غصن التي تدير شؤون هذه المؤسسة هذه المؤسسة بنجاح قل نظيره، تربوياً وأخلاقياً وروحياً، لخصت في كلمتها مشاعر العديدين وقالت: 
   "مرة كل عام يجمعنا الفرح بكم، كما تجمعنا يومياً هموم اولادكم التربوية.
   مرة كل عام نحصد معاً مواهب فلذات أكبادكم، في اطار مسرحي تبرز من خلاله شخصيتهم الفنية. وكم هي وافرة العطاء، بريئة الملامح، واعدة المستقبل.
   مرة كل عام، تطل عليكم براعم معهدنا حاملة حاملة اليكم عملاً مسرحه الشاعر والمربي شربل بعيني، الذي قالت فيه الصحافة المهجرية سابقاً، انه اول من خط مسرح الأطفال في المهجر، ونزيد انه اول من رافق اطفال الجالية زارعاً فيهم، بعطف الاب وحنان الأم، نواة الحضارة اللبنانية، ومحبة الوطن وتعلقهم به، والنظر اليه بمفهوم قد يختلف عن مفهومكم ظاهرياً، ولكنه لا يخلو من المحبة والاحترام.
   مرة كل عام، نسهر معاً على انتاج أولادكم الفني "شارع اللبنانيين"، فأهلا وسهلا بكم، وشكراً على تلبيتكم دعوتنا ودعمكم الكامل لكل ما يساهم في تربية اولادكم فكرياً وروحياً وفنياً، ونحن امام هذا نوليهم كل عناية واهتمام.
   امنيتي ان يستمر التعاون بيننا وبين الأهل لكي تكبر هذه البراعم على الخير والحق والجمال.
   شكراً لمحركي هذه البراعم: الاستاذ شربل بعيني واضع ومخرج هذا العمل، وللهيئة التعليمية العاملة معه على انجاحها".
   وما ان دخل الطلبة ـ الممثلون الى المسرح وبدأوا بالاسكتش الأول، ضمن ديكور هادىء وذكي حتى شعر الحضور انهم امام عمل مميّز.
   وابتداء من رقصة "ماكارينا" بالعربي، مع بائع "الدرا"، تسلسلت القصة برشاقة بين الشعر والنثر، وبين الحوار والاغنية، وبين الرقصة وزفة العروس، واستمعنا الى الممثلين يقولون:
"شارعنا كلو لبنانيين وكلن بيحبوا الرقص. هلّق بيجي البوليس، روحوا ارقصوا ببيوتكن".
   والاسكتشات المتلاحقة دون ملل، عكست ما نعيشه يومياً في مجتمعنا الاسترالي اللبناني بطريقة نقدية مبسطة خالية من التجريح، وهذا عائد الى مسؤولية المؤلف وحسّه الاجتماعي والادبي.
   والشاعر بعيني تقمّص شخصيات متعددة عبر الحوار، ولكنه حافظ على شخصية واحدة هي شخصية الايجابية، وحواره عن طريق براءة الاطفال، جال في ميادين متعددة ليصل ـ بواقعية ـ الى الاعلام:
ـ مبارح شفتا بالمطعم مع رئيس تحرير جريدة الشمس..
ـ وما سألتيها شو عم تعمل معو؟
ـ سألتا.. سألتا، قالت حب يعمل معا حديث بس نسي قلمو بالمكتب..
ـ ما بشتري الجريدة الا اذا كاتبين عني.
ـ جرايدنا خزّق ولزّق.. وعرّم بالحفلات.
ـ كتّر خير هالجرايد.. كتّر خير هالإذاعات.. كتّر خير هالتلفزيون.. بالقليله عم بيسلونا بهالغربة.
   ولعل ختام المسرحية كان الاروع، ولخّص روحيتها، وفيه استمعنا:
ـ حففوا زقيفكن تا تسمعوني.. يا شعب لبنان البطل.. يا حفيد الأرز.. يا ابن صنين.. لا للإجرام.. لا للبطالة.. لا للمخدرات..
ـ ع الدرا الدرا.. ع الدرا..
ـ مش وقتك يا بيّاع الدرا..
ـ هلق وقتي.. صرلي زمان ناطر هاليوم..
ـ شو بدك مني؟
ـ بدي ياك تقول الحقيقه: مين سرق بيوت الناس؟ مين عم بيتاجر بالحشيشه؟ مين قتل ابنك؟
ـ يا رجال خدوه من هون.. ريحوني منّو..
ـ جايي تا ريّح الناس منك.. قرّ ولاّ بقتلك..
ـ يا رجال خلصوني منّو..
ـ رجالك راحوا.. قرّ.. واحد.. تنين..
ـ سامحوني دخيلكن.. أنا اللي قتلت ابني، انا اللي سرقت بيوتكن.. انا العم هرّب حشيشه..
ـ فيك تضلّ ساكت تا كنت توكّل محامي.. يا شعب لبنان البطل.. أنا مش بيّاع درا.. أنا بوليس "اندر كافا".. وقبل ما ترجعوا ع بيوتكن، هاتولكن زقفه زغيره.
   وبعد إسدال الستار على هذه المسرحية الناجحة، القى سيادة المطران حتي كلمة نوّه فيها بجهود الاخت ايرين بو غصن رئيسة الدير والراهبات، واعتبر مدرسة سيدة لبنان من أهم واكبر مدارس الاغتراب في العالم، وتحدّث عن لبنان، فطالب بخروج جميع الجيوش الاجنبية "ولا أحد يمكنه ان يسجن الحرية، لأن الشعب اللبناني ولد حراً".
   ونوّه أيضاً بجهود الشاعر شربل بعيني في عمله المسرحي المميز.
   وتقبّل الاستاذ بعيني بعد ذلك باقة من الورد على العمل المسرحي الجيّد، وكلمته الأهم كانت حوار المسرحية واخراجها، ولذلك بإن "النهار" تهنئه على هذا الابداع الجديد.
   وتهنئة ايضاً الى مدرسة تبقى بفضل رئيستها وراهباتها وهيئتها التعليمية منارة ثقافية واخلاقية في عالم الانتشار.
النهار ـ 4/9/1997
**
سهرة في شارع اللبنانيين
بقلم الاستاذ انطوني ولسن

   اللبنانيون في أستراليا لهم أشياء كثيرة تحمل اسمهم: الخيار اللبناني، الخبز اللبناني، التبولة اللبنانية، والفلافل اللبنانية.. وآخر صيحات صديقنا جو بركات عضو بلدية باراماتا يريد تسمية أحد شوارع باراماتا باسم كفرصغاب.
   لكن الشاعر شربل بعيني يسبق الجميع، ويتخطى الروتين الحكومي ويسمي شارعاً بأكمله باسم اللبنانيين أجمعين، وليس باسم كفر واحد أو ضيعة واحدة. 
   وفي قلب ضاحية هاريس بارك، وفي صرح من أصرحة العلم والنور اللبنانية، معهد سيدة لبنان للراهبات المارونيات، يفتح شربل بعيني شارعه، ويدعونا لقضاء سهرة في "شارع اللبنانيين".  
   أتابع دائماً أعمال شربل في معهد سيدة لبنان، وخاصة أعماله المسرحية الفنية، التي تتسم، على الرغم من عدد الطلاب المشتركين، والذي يزيد على 300 طالب وطالبة، بالدقة والنظام في الحركة المسرحية، وفي اداء الأدوار، على الرغم من تداخل الحوار مع الحركة، سواء الحركة الراقصة او الحركة التمثيلية او الغنائية، فشاعرنا يهتم جداً بالبراعم الصغيرة صاحبة الصوت الغنائي الجميل، ويعمل على اعطاء الفرصة للتشجيع، ومن ترى في نفسها المقدرة والرغبة تستمر، وبهذا يكون الشاعر صاحب فضل في ازدهار الاغنية العربية او اللبنانية في أستراليا. كما له السبق في ايجاد "شارع اللبنانيين" كي نعيش ونشاهد ونلمس كل ما يحدث فيه من أحداث تتفاعل مع المجتمع الجديد الذي يعيشه سكان الشارع في أستراليا.
   يُظهر شربل في المشهد رقصة اسمها "مكارينا"، فنرى الرجال والنساء يرقصونها في الشارع، ويغنون الأغنية باللغة العربية بكلمات تحمل الغمز واللمز حول تقليدنا الأعمى لما نرى ونشاهد.
   ولا بد في شارع مثل هذا أن نجد الشخصية القيادية الانتهازية التي يصورها لنا شربل في شخصية طنوس التنكليزي، الذي يرشح نفسه في الإنتخابات، أي انتخابات، المهم أن يرشح نفسه ويطلب من أعوانه مساعدته في إرغام أهل الشارع للتصويت له لا لسواه.
   بائع الذرة، الذي يشترك مع أهل الشارع في كل الأحداث له شخصية مميزة، تشعر بها وتقول لنفسك: هذا ليس بائع ذرة، لا بد من انه شخصية ذات أهمية، ولكنك لا تستطيع أن تضع اصبعك على حقيقة هذه الشخصية.. كل الذي تفكر به هو مجرد احساس وشعور.
   يعمل طنوس التنكليزي على ارغام بائع الذرة كي يشترك معه في بيع الممنوعات، فيوافق البائع، وننتقل من مشهد الى مشهد ونضحك ولا نعرف اننا نضحك على انفسنا، وليس على ما يقوم به هؤلاء الصغار من اداء متقن. نحن.. نحن الكبار نأتي بمثل هذه التصرفات التي يمثلها ويجسدها لنا الصغار، وبعد أن نرجع الى بيوتنا، ننسى ما شاهدناه في المسرحية، فنذهب باعداد كبيرة الى المطار لتوديع مسافر واحد، او لاستقبال مسافر آخر أتى من بلادنا، فيزدحم المطار، بينما نحن نفتخر بتماسكنا وحبنا لبعضنا البعض وقيامنا بالواجب.
   أجمل مشهد هو مشهد زفّة العروس.. فرح بحق وحقيق، وعريس يسير مع عروسه جنباً الى جنب، ووالدة العروس بأناقتها، ووالدة العريس تحاول تقليدها. "الردح" الاصيل على المسرح من طلبة لم يذهبوا الى لبنان، ولم يعيشوا الحياة اللبنانية كما هي في لبنان، ولكن شربل يعلمهم ويدربهم على "الردح" المضبوط.. لا "ردح" عوالم شارع محمد علي في مصر.
   ونضحك، ونظل نضحك، حتى أن زوجتي علا صوت ضحكها أكثر من الحاضرين، حتى اغرورقت عيناها بالدموع، وضاع نفسها من كثرة الضحك. ونعود ونتذكر أننا نحن الذين يقلدنا الطلاب على المسرح بعصا شربل بعيني السحرية.
   ويأتي وقت الانتخابات، ويخرج أهل الشارع حاملين صور طنوس التنكليزي، وهم ينادون: لا للإجرام، لا للبطالة، ولا للمخدرات، وتقع المواجهة بين المرشح وبائع الذرة، حول هذه اللاءات، ويصدق حسّنا وندرك أن بائع الذرة هو رجل بوليس متخفٍ، فيتم القبض على طنّوس المرشح اللبناني عن "شارع اللبنانيين"، ويظهر شاعرنا ومعه الطالبات والطلاب ليقدموا له باقة من الورد، بعد أن قدموا أجمل الورود للأخت ايرين بو غصن رئيسة المعهد.
   وقبل أن نغادر الشارع، وقف سيادة المطران يوسف حتي السامي الاحترام، وألقى كلمة شكر فيها راهبات العائلة المقدسة بمدرسة سيدة لبنان في هاريس بارك، موضحاً ان هذه المدرسة تعتبر أكبر وأهم مدرسة مارونية في بلاد الاغتراب، اذ بها ما يقارب 1100 تلميذة وتلميذ، وقد قدم شكره للأخت الرئيسة ايرين بو غصن، وللأخوات الراهبات، كما شكر الشاعر الكبير شربل بعيني مؤلف ومخرج هذه المسرحية.
   وختم كلمته بهذه العبارة الموجعة: لبناننا المفدى الجريح المعذب، سيظل جميلاً رغم كل عذاباته" وطالب بجلاء الجيوش الاجنبية عن لبنان.
   شربل.. أهنئك من كل قلبي على تهكمك الفاضح الصريح، سواء في مشاهد الرقص او الانتخابات او الزواج او الاعلام، او في الحياة اليومية العادية التي يعيشها اللبناني والعربي في أستراليا.. والى عمل آخر نقف فيه عراة أمام أنفسنا لنسرع بسترها بغطاء العمل الشريف الحر.
الهيرالد ـ العدد 57 ـ 5/9/1997
**
مسرحية شارع اللبنانيين
بقلم الاستاذ هاني الترك

   أقامت مدرسة سيدة لبنان على خشبة مسرح قاعة سيدة لبنان المسرحية التاسعة للتلاميذ الاطفال في المدرسة بعنوان "شارع اللبنانيين"، حضرها عدد كبير من أبناء الجالية اللبنانية، يتقدمهم راعي الكنيسة المارونية المطران يوسف حتي، وراهبات العائلة المقدسة، وعضوان في مجلس بلدية باراماتا السيد جو بركات والسيد طوني عيسى، والمفوض لدى هيئة الشؤون الإثنية جايمس واكيم، ورئيس الجامعة اللبنانية الثقافية جو بعيني.
   المسرحية من تأليف واخراج الاستاذ في المدرسة شربل بعيني، ومن تمثيل التلاميذ فيها.
   وألقت رئيسة المدرسة الأخت إيرين بو غصن كلمة قالت فيها ان المسرحية تظهر مواهب الأطفال اللبنانيين في المدرسة، الوافرة العطاء، والواعدة للمستقبل، وهي من تأليف الشاعر شربل بعيني أول من خطّ مسرح الأطفال في المهجر، وزرع في نفوسهم محبة الوطن لبنان.
   في المسرحية مشاهد من حياة اللبنانيين، مثل الحديث عن الأمن في الماضي، وكيف كان السكان يضعون ثمن الحليب على باب المنزل دون أن يسرق، والآن يسرقون صاحب المنزل وهو نائم.
   وهناك مشهد طنوس التنكليزي الذي يرشح نفسه في الانتخابات، وهو الشخص المنافق اللص الذي ينصب ويحتال.
   وهناك مشهد السيدة التي تركها أولادها بعد أن مات والدهم، وراحوا يسرقون من أمهم ثمن فاتورة الكهرباء والماء، لممارسة الادمان وتعاطي الكحول والمخدرات.
   ومن ضمن مشاهدها أيضاً المذيعة التي كل همها ان تصبح مشهورة ومعروفة رغم عدم تقاضيها اجرة عن العمل.
   ومنظر آخر للمرأة التي تريد أن تجمع أبناء الشارع لاستقبال شقيقها العائد من لبنان في المطار. وترى فيها التركيز على الشكليات والمظاهر الفارغة.
   والمشهد الذي يليه يدور حول حفلة زفاف، وبعد انتهاء المراسم في الكنيسة، يدب الخلاف بين عائلات العروسين وبينهما، ويكاد ينتهي بالطلاق بعد دقائق من عقد الزواج، مما يدفعهم الى دعوة الأب الكاهن للقدوم للمنزل الذي يقام فيه الاحتفال والقاء عظة عن الزواج حتى تلتئم الجراح ويعدلون عن رأيهم من الطلاق، ويرقص الجميع بفرح وسرور حتى ان الكاهن يرقص معهم.
   وطوال المشاهد ترى بائع الذرة اللبناني المعبّر عن ضمير الشارع والبلد، المتواضع الصادق المخلص يرقص بعفوية ويراقب الأحداث في الشارع عن كثب.
   وفي المشهد ألأخير نعرف أن طنوس التنكليزي المرشح النيابي المنافق هو الذي أقدم على قتل ابنه، ويتضح في النهاية أن بائع الذرة البسيط هو ضابط مباحث، كان متخفياً على شكل بائع من أجل البحث عن الحقيقة واحقاق القانون والقيم والأمن.
   وهنا تبدو نهاية الخط الدرامي الذي يسير مع الأحداث، يتطور ويصل الى حبكة درامية او العقدة، لينتهي نهاية منطقية مفاجئة. أي انه تتوفر في المسرحية، رغم تواضعها الفني بتصميمها للأطفال، عناصر وحدة الزمان والمكان، اي الشارع اللبناني.
   تتشابك أحداث المسرحية في بنيان درامي متماسك، والدليل على ذلك انها شدت انتباه المشاهدين بمتابعة أحداثها ووقائعها من أجل معرفة النهاية. وكانت بالفعل نهاية مفاجئة سعيدة، وعظة وتثقيف  لأبناء الجالية، فالمسرحية، عموماً، هي عمل درامي فكاهي ساخر وهادف، تحتوي على كثير من الانتقادات اللاذعة لأساليب حياة اللبنانيين، مقترحة الاصلاحات البناءة من خلال الحوار والحركة على خشبة المسرح.
   وقد أتقن بائع الذرة دوره بفنيّة عالية، واختياره للدور كان موفقاً، ولو ركز على تنمية مواهبه في المستقبل فقد يصبح ممثلاً مسرحياً.
   أما الممثلون الصغار فكانوا كلهم كباراً وعظماء، حيث تقمّصوا دور أولياء الأمور في الجالية، ووضعوا آباءهم وامهاتهم على خشبة المسرح عراة من الناحية الاجتماعية، ليواجهوا أنفسهم، ويعرفوا أخطاءهم، ويصلحوا من أحوالهم.. وكانت فرصة نادرة أن يتعظ الآباء والأمهات من أبنائهم.
   وكما قال مؤلف المسرحية الشاعر شربل بعيني قبل رفع الستار عنها، موجهاً كلامه للمشاهدين: انكم تعظون أولادكم طوال الأيام والآن عليكم أن تتعظوا من أولادكم.
   شكراً للأطفال البراعم الذين أسهموا في تمثيل مسرحية عالية المستوى المهني، وتحية خاصة الى مؤلف مسرحيات الأطفال الشاعر شربل بعيني. فإن هذه الأجيال التي يزرع فيها بعيني حب الخير والجمال والحق والايمان والمحبة، من خلال عمله كأستاذ ومؤلف، فلا بد من أن تثمر.
   تكلم في نهاية المسرحية المطران يوسف حتي، فشكر مدرسة راهبات العائلة المقدسة في سيدة لبنان، التي قامت بهذا العمل المبهج. وقال ان المدرسة هي أكبر مدرسة مارونية في بلاد الاغتراب إذ تضم 1100 تلميذ وتلميذة ومئة معلم ومعلمة، وقال انها فخر للطائفة المارونية الحبيبة والجالية اللبنانية العزيزة، وبوركت هذه الايادي التي صنعت هذا الصرح التعليمي.
التلغراف ـ 3/9/1997
**



جارنا ابوردجيني 1998

مسرحية: جارنا أبوردجيني
بقلم الاستاذ جوزيف خوري

      أقامت مدرسة سيدة لبنان، الاسبوع الماضي، تمثيلية بعنوان "جارنا.. أبوردجيني"، قام بتمثيلها عدد كبير من تلامذة المدرسة، وهي من تأليف وإخراج الشاعر شربل بعيني.
   التمثيل الذي قدّمه التلاميذ كان جيّداً ورائعاً، وقد تخللته محطات مضحكة للغاية.
   مثلاً، مشهد التقاء النساء اللبنانيات بامرأة أبوردجينية تسكن معهن في نفس البناية، فطلبت منها احدى النساء أن تنشر ثيابها على منشر غسيل آخر، كي لا تحتك الثياب اللبنانية بثياب الأبوريدجنال، وبعد أخذ ورد، اتضح أن هذه المرأة الأبوردجينية لبنانية الأصل من منطقة عكار الشمالية، وقد تزوجت بمدير البنك الأبوردجيني الذي كانت تعمل فيه، فأحبت، كي ترضيه، أن ترتدي وتتبرّج، كما يفعل الشعب الأبوردجيني.
   أيضاً، أعجبني مشهد رجال الأبوردجينال وهم يرقصون الدبكة اللبنانية، ويتلذذون بالحمص بطحينة، والكبة والفلافل وغيرها.
   رقصات الأبوردجنال التي أدخلها شربل بعيني الى المسرحية كانت رائعة، لا بل أضفت على العمل المسرحي جمالاً لا يوصف، وجعلتنا نعيش حضارتين في آن واحد.
   تهانينا لراهبات العائلة المقدرسة في معهد سيدة لبنان على هذا العمل المذهل.
  تهانينا للأطفال الذين نفّذوا هذا العمل باتقان بالغ.
  وتهانينا الأخيرة لمؤلف ومخرج هذا العمل الانساني التاريخي الشاعر شربل بعيني.. والى اللقاء في مسرحية جديدة بإذن الله.
البيرق، 22 أيلول 1998
**
مسرحيتها رسالة لمحاربة العنصريّة: مدرسة سيّدة لبنان في لقاء طلاّبي ناجح
بقلم الاستاذ انور حرب

   مرّة جديدة تقف الجالية على نجاحات معهد سيّدة لبنان الذي تترأسه الأم إيرين بو غصن، ومرّة جديدة يشعر المغترب اللبناني باعتزاز وارتياح لأن ما يقوم به هذا المعهد من تعزيز للترابط بين الوطن الأم لبنان والوطن الجديد أستراليا، ومن حفاظ وتمسّك بالتراث وتقاليد الآباء والأجداد، يجعلنا كمغتربين لبنانيين نشعر بأن لبنان لن يموت وباقٍ.. فلبنان يتخطى في عالـم الانتشار على يد مؤسسات مثل هذه الارسالية خط خطر الزوال أو الذوبان.
   في هول سيّدة لبنان كان اللقاء، وحضره سيادة المطران يوسف حتّي وعدد من وجوه الجالية وأهالي الطلاب والكهنة والرهبان والراهبات.
   واللقاء كان مسرحية واسكتشات وفولكلوراً وشعراً وبراعة طلبة وسيناريو مميزاً للشاعر شربل بعيني، الذي كتب وأخرج وصقل المواهب عبر مسرحيته (جارنا.. أبوردجيني).
   أما الرئيسة الأم بو غصن، فلا عجب إن أحسّت في تلك الأمسية مع أخواتها الراهبات بافتخار بالانجاز الذي تحققه مدرستها وسائر مدارس إرسالية جمعية راهبات العائلة المقدسة المارونيات في سيدني.
   وقد كانت المسرحية التي عرضت في نفس الأمسية أبعد من رقصات واسكتشات، إذ عالجت بذكاء بعض مظاهر العنصرية في مجتمعنا، رافضة أي تمييز، أي كما أعلنت الراهبة بو غصن: (الطلبة يعرضون الواقع ويقترحون حلولاً تتسم بالمحبّة).
   وقد قام تلامذة الصف الرابع بأداء رقصة جميلة بعنوان (تحت البحر)، وقد ارتدى الطلاب اللباس العربي التقليدي، في حين ارتدت الطالبات لباس حوريات البحر.
   والمسرحية التي وضعها الشاعر بعيني تدور قصّتها حول بعض العائلات اللبنانية التي سكنت في مبنى يملكه رجل لبناني ثري، وأراد أن يؤجّر إحدى الشقق لعائلة أبوردجينية، ولكن اللبنانيين رفضوا ذلك ولـم يودوا مشاركة العيش مع من يعتبرونهم غرباء، أي الأبوردجينيين، الذين يعتبرون شعب أستراليا الأصلي، ولكن الأحداث تدور بذكاء وبرسالة لرفض العنصرية.
   وفي النهاية تظهر الحقيقة، ويرى اللبنانيون كيف أنهم كانوا مخطئين، وأن اللون الأبيض والأسود والأصفر لا يجعلنا أفضل من غيرنا من الشعوب، وان العنصريّة أمر مرفوض وأن الإلفة والمودة هما سبيل العيش السعيد.
   وقد تطعّمت هذه المسرحية برقصات الدبكة اللبنانية ورقصات (الديدجيريدو) الأبوردحينية الرائعة، التي كانت من تأليف الشاعر شربل بعيني. وخلال أحد الإسكتشات قدمت إحدى التلميذات باقة ورد لرئيسة المعهد الأخت ايرين بو غصن وشكرتها وشكرت كل راهبات العائلة المقدسة على إدارتهن المثالية لهذا الصرح التعليمي العظيم.
   وقد اختتم تلاميذ الصف الخامس الابتدائي المسرحية برقصة مؤثرة، شاهدنا فيها كيف قتل الانكليز الشعب الأبوردجيني، وأنكروا عليهم حقهم في هذه الأرض.
   (النهار) تهنىء المدرسة بشخص رئيستها الأم بو غصن وراهباتها وهيئتها التعليمية وطلابها على كافة النجاحات التي تحققها، كما تهنىء الشاعر بعيني على اختياره لموضوع حساس يعاني منه المجتمع الاسترالي في زمن الهانسونية التي تنحر التعددية الحضارية.
النهار، 24/9/1998
**



طلوا المغتربين 2000

خطاب الأخت الرئيسة ايرين بو غصن قبيل عرض مسرحية طلّوا المغتربين
   "مساء الخير وأهلا وسهلا بالجميع..
   كلمتي صغيرة جداً، ولكنها نابعة من القلب، ومفعمة بأشياء كبيرة وكثيرة.. فقبل أن تبدأ مسرحية أطفالنا، أحب أن أرحب بالجميع، بالأباء الأجلاء، بأخواتي الراهبات، بممثلي الاعلام المرئي والمسموع والمقروء، بالأصدقاء والأحباء والأهل، وكل فرد شرّفنا بوجوده.
   حفلتنا الليلة لا تعرف الخطابات ولا الواجبات ولا السياسة.. حفلتنا الليلة ليست حفلة كبار بل أطفال صغار عرفوا كيف يجسدون فيها أفكار الكبار وأحلام الصغار، طمع الأغنياء وتشاوف الذين أصبحوا كباراً، غنج المهاجرين الجدد، وبراءة ابن الضيعة، الذي لم تغير لون مبتكرات العصر التكنولوجي، ولم تشوّه حياته السياسة ولا الرئاسة ولا المادة. وما عليكم أنتم الا ان ترتاحوا في مقاعدكم، وان تتنعموا بساعتين من الضحك المتواصل.
   والآن اسمحوا لي أن أشكر الهيئة التعليمية التي هي حركة دائمة في هذه المدرسة، وأطفالنا الصغار الذين هم شعلة ذكاء، وكتلة ابداع، لا بل هم مجموعة من المواهب خلقها الله ووضعها بين أيدينا.
   وشكري الأكبر لمن كان وراء هذه المسرحية وكل مسرحية عرضت من قبل، هذا الذي عرف كيف يستغل مواهب أطفالنا ويفجّرها على المسرح، هذا الذي أدرك ان العلم لا يكون عن طريق الكتاب فحسب، بل بالدخول الى الحياة بواقعها اليومي، عنيت به الشاعر والمربي والأديب الأستاذ شربل بعيني.
   شكري أيضاً لكل شخص ساهم ويساهم، من قريب او بعيد، ان كان معنوياً او اجتماعياً او مادياً، واسمحوا لي ان انوّه الليلة بتضحيات البنك العربي خلال السنوات الخمس الماضية من أجل مساعدة المدرسة وتزويدها بأجهزة الكومبيوتر الحديثة، وكلكم، بدون أدنى شك، تعرفون من يقف وراء هذا العمل العظيم، إنه الشخص المحب المتواضع الغني عن التعريف الاستاذ جايمس واكيم، وصدقوني اذا قلت انه الغى كل مواعيده حتى يحضر المسرحية، ويبدي اعجابه، فرحه، وتقديره للعمل وللمدرسة، ناهيكم عن تبرعاته المادية من أجل تحسين القسم العربي والمسرحي في المدرسة. فله كل الشكر والتقدير.
   أخيراً أتمنى لكم سهرة ممتعة مع فلذات أكبادكم وشكراً".
سنة 2000
**
تصوّر الواقع وتسعى لتغييره:
مسرحية "طلّوا المغتربين" في معهد سيدة لبنان
تحصد النجاح وتضحكنا من القلب
بقلم انطونيوس بو رزق

   "طلّوا المغتربين" اسم المسرحية التي مثّلها أكثر 350 طالباً وطالبة من الصفوف الخامسة والسادسة في معهد سيدة لبنان ـ هاريس بارك، الذي تديره راهبات العائلة المقدسة المارونيات، برئاسة الأخت ايرين بو غصن، ابنة داربعشتار، البلدة التي أنجبت العديد من الشعراء والأدباء والمفكرين ورجالات الوطن.
   المسرحية من تأليف وإخراج الشاعر شربل بعيني، وقد حضرها العديد من فعاليات الجالية: الدينية والاعلامية والرسمية واهالي الطلبة، الذين ناب عنهم مدير البنك العربي في أستراليا السيد جايمس واكيم بإلقاء كلمة شكر موجهة لمربي أطفالهم الشاعر شربل بعيني، جاء فيها:
   "عندما طلبت مني الاخت ايرين بو غصن أن انوب عن أهالي الطلاب بتقديم الشكر للأستاذ شربل بعيني على ما قدّمه من خدمات في معهد سيدة لبنان، شعرت باعتزاز القيام بهذه المهمة.. كونه بدأ نشاطه التعليمي في هذا المعهد منذ عام 1981، وكتب العديد من الكتب المدرسية والمسرحيات، وهو الذي أصدر أكثر من 25 كتاباً شعرياً، ترجم بعضها الى لغات مختلفة، كما تلقى جوائز تقديرية من مؤسسات محلية ومن الحكومة اللبنانية".
   وفي الختام، اشاد واكيم بإنجازات الشاعر شربل بعيني، وقال:
   "إن عمله المسرحي الذي سيعرض علينا الليلة خير شاهد على براعته التصويرية والأدبية، لذلك اغتنم الفرصة لأهنئه على كافة جهوده وعطاءاته".
   وقبل عزف النشيدين الاسترالي واللبناني، اعتلت المسرح رئيسة المعهد الاخت ايرين بو غصن، والقت كلمة صغيرة نابعة من القلب، ومفعمة بأشياء كبيرة وكثيرة على حد تعبيرها، وإليكم ما جاء:
   "مساء الخير وأهلا وسهلا بالجميع..
   كلمتي صغيرة جداً، ولكنها نابعة من القلب، ومفعمة بأشياء كبيرة وكثيرة.. فقبل أن تبدأ مسرحية أطفالنا، أحب أن أرحب بالجميع، بالأباء الأجلاء، بأخواتي الراهبات، بممثلي الاعلام المرئي والمسموع والمقروء، بالأصدقاء والأحباء والأهل، وكل فرد شرّفنا بوجوده.
   حفلتنا الليلة لا تعرف الخطابات ولا الواجبات ولا السياسة.. حفلتنا الليلة ليست حفلة كبار بل أطفال صغار عرفوا كيف يجسدون فيها أفكار الكبار وأحلام الصغار، طمع الأغنياء وتشاوف الذين أصبحوا كباراً، غنج المهاجرين الجدد، وبراءة ابن الضيعة، الذي لم تغير لون مبتكرات العصرالتكنولوجي، ولم تشوّه حياته السياسة ولا الرئاسة ولا المادة. وما عليكم أنتم الا ان ترتاحوا في مقاعدكم، وان تتنعموا بساعتين من الضحك المتواصل.
   والآن اسمحوا لي أن أشكر الهيئة التعليمية التي هي حركة دائمة في هذه المدرسة، وأطفالنا الصغار الذين هم شعلة ذكاء، وكتلة ابداع، لا بل هم مجموعة من المواهب خلقها الله ووضعها بين أيدينا.
   وشكري الأكبر لمن كان وراء هذه المسرحية وكل مسرحية عرضت من قبل، هذا الذي عرف كيف يستغل مواهب أطفالنا ويفجّرها على المسرح، هذا الذي أدرك ان العلم لا يكون عن طريق الكتاب فحسب، بل بالدخول الى الحياة بواقعها اليومي، عنيت به الشاعر والمربي والأديب الأستاذ شربل بعيني.
   شكري أيضاً لكل شخص ساهم ويساهم، من قريب او بعيد، ان كان معنوياً او اجتماعياً او كادياً، واسمحوا لي ان انوّه الليلة بتضحيات البنك العربي خلال السنوات الخمس الماضية من أجل مساعدة المدرسة وتزويدها بأجهزة الكومبيوتر الحديثة، وكلكم، بدون أدنى شك، تعرفون من يقف وراء هذا العمل العظيم، إنه الشخص المحب المتواضع الغني عن التعريف الاستاذ جايمس واكيم، وصدقوني اذا قلت انه الغى كل مواعيده حتى يحضر المسرحية، ويبدي اعجابه، فرحه، وتقديره للعمل وللمدرسة، ناهيكم عن تبرعاته المادية من أجل تحسين القسم العربي والمسرحي في المدرسة. فله كل الشكر والتقدير.
   أخيراً أتمنى لكم سهرة ممتعة مع فلذات أكبادكم وشكراً".
   تحكي المسرحية قصة قرية جبلية اسمها "تل الزعرور" يدير شؤونها مجلس بلدي ينطبق عليه المثل القائل "حاميها حراميها"، فلقد انغمس اعضاؤه بسرقة أموال البلدية، ما عدا "منتورة" التي وقفت في وجههم وصاحت:
ـ بلادكن طالعه من عشرين سنة حرب، قامت وقعت بين عشرين كلب عم يتناتشوا خيراتها.
   وعندما صوتوا بالاجماع على طردها من مجلس البلدية، هزّت رأسها باستخفاف وهي تقول:
ـ العمى.. ما طلع واحد منّن فيه خير لبلادو، قديش بدو يفتح هالتفتيش ملفات.. وقديش بدا تساع هالمحاكم حرامية؟
   وعندما اختارت زوجة الحرامي الأكبر رئيس بلدية "تل الزعرور" مدينة سيدني للتفسّح وللمشاركة بالألعاب الأولومبية، سخر منها زوجها قائلاً:
ـ وحياتك نص شعب سيدني بدو يهرب من هالحشرة.
   ولولا قلة التنانير العربية في الدورة لما ارادت ان تشارك بها:
ـ بالقليله بزيد عدد النسوان العم بيشاركوا.. ع طول الفرق العربية ما فيها نسوان.. يا عيب الشوم علينا ما منودّي ع الأولمبيك إلا رجال مشوربه؟!
   وبما ان الحالة الاقتصادية في البلدة متردية للغاية، فلقد ابتهج سكانها عندما سمعوا بقدوم وفد اغترابي من أستراليا، وقرروا أن يشلّحوا المغتربين ثيابهم.. ولكن أحدهم قال:
ـ وبركي كانوا فقرا وما معن إلا إحم إحم إحم..
فأجابه رفيقه:
ـ جايين من أستراليا وما معن إلا إحم إحم إحم.. هونيك يا حبيب إمك من دون ما يشتغلوا بتوصلّن التشيكات ع بيوتن.. حكومتن دفّيعه مش متل حكومتنا.. إذا في بتمك لقمة خبز بتشلحك ياها تا ترد الأموال المسروقه.
   "طلّوا المغتربين" تعالج مشاكل كثيرة، رماها الأطفال بين أيدينا، وكأنهم يسخرون منا نحن الكبار، وأهم المشاكل التي لم نتمكن من حلّها.. الطائفية:
ـ بعدنا منشرب طائفياً، ومناكل طائفياً، ومنشتغل طائفياً ومنكذب ع ألله طائفياً..
ـ إذا منضل نقسّم المدن ونكتب ع مدخلا: هيدي قلعة المسيحيه وهيدي قلعة الاسلام، قولوا ع لبنان السلام.
ـ مهووس ديني واحد بيقدر يلعب بعقول الناس وبحرق بلدنا.. كلنا إخوان لمن منتلاقى بالشارع، وكلنا اعداء لمّن منروح نصلّي..
   كل عبارة في المسرحية بحاجة الى دراسة مطوّلة، رغم كوميديتها الصارمة الهادفة، التي أضحكت الجمهور حد البماء، وجعلته يتعلّق أكثر فأكثر بخشبة المسرح دون ملل أو تأفف.
   وعندما حان موعد رجوع الوفد الاغترابي الى الوطن، منعهم المقبمون من العودة:
ـ لوين رايحين وتاركينّا؟ مش رح تهرب أستراليا.. خليكن هون.. انتو تعلّمتوا الحريه علّمونا نصير أحرار.
   وبدأت الدموع الغزيرة تنهمر على خدود أولئك الذين خططوا لسرقة اموال المغتربين، وأدركوا ان لبنان لا يقوم إلا بجناحيه: المقيم والمغترب.
   وقفة مشرّفة وقفها المغتربون في نهاية المسرحية عندما رموا بأوراقهم الثبوتية بوجه رجال المخابرات الذين جاؤوا للقبض على "منتورة" البريئة، التي رفضت أن تسرق قرشاً واحداً من أموال البلدية.. وصاحوا بصوت واحد:
ـ أنا إسمي "منتورة"..
   وبما أن السجون مليئة بالأبرياء، وبما أن رجال المخابرات لا يهمهم سوى ارضاء الحاكم، صاح رئيسهم:
ـ إذا كان هيك ارفعوا ايديكن وشرّفوا معنا ع الحبس.. كنّا بمنتورة وحده صرنا بألف منتورة.. يللا مين فاضي يعدّن.
   بهذه الكلمات انتهت المسرحية، لتبدأ بعدها قصة مواهبنا الصغار الذين جسّدوا هذا العمل الكبير بثقة واندفاع قل مثيلهما.
   ألف شكر لراهبات العائلة المقدسة المارونيات، وعلى رأسهن الأم ايرين بو غصن، وألف شكر لأطفالنا العباقرة.. وألف شكر للشاعر شربل بعيني.. وإلى القاء في مسرحية أخرى بإذن الله.
البيرق ـ العدد 1766 ـ 6 تموز 2000
**
لقاء مع الشاعر شربل بعيني
ـ مسرحية "طلّوا المغتربين" تعالج المشاكل الطبقية بين المقيم والمغترب.
ـ النص شيء مقدس ومن يتلاعب به يجب محاكمته.
حاورته الفنانة نجوى عاصي


 مسرح الكبار الى الوراء، ومسرح الطفل في تقدّم مستمر. هل يتغلّب مسرح الصغار على مسرح الكبار؟ وهل بدأ مسرح الأطفال في تثبيت قواعده؟
   منذ سنوات دأب الفنان شربل بعيني، وهذا لقب جديد ألقّبه به، على تقديم نص مسرحي كل عام للطفل.. لماذا الاهتمام بمسرح الطفل؟ هل للحفاظ على التراث؟ أم للحفاظ على اللغة العربية في المغترب؟ أم ماذا؟
   أسئلة حملتها (أميرة) ليجيب عليها الفنان شربل بعيني. وكان هذا اللقاء:
ـ قرأنا في مجلّة (أميرة) أن مسرحية "طلّوا المغتربين" ستطل علينا في الثالث من هذا الشهر (حزيران) فهل لك أن تخبرنا عنها؟
ـ "طلوا المغتربين" مسرحية اجتماعية فكاهية غنائية راقصة، تعالج المشاكل الطبقية بين المقيم والمغترب.. إذ ان المقيم ينظر الى المغترب، في معظم الأحيان، نظرة ابتزاز ليس إلا.. بينما المغترب العائد الى وطنه فلا شيء يعجبه على الاطلاق.. واعترف انني في المشوارين اللذين قمت بهما الى لبنان السنة الماضية، حاولت ان استنطق معظم الذين التقيتهم، لأسرق منهم حوار المسرحية، فلقد تأففت كثيراً، وانتقدت الحالة الاجتماعية بقرف ظاهر، وكنت في نفس الوقت اسمع اجابات أخبث من تأففي واعمق من انتقاداتي.
ـ هذا يعني ان المسرحية اخذت من افواه الناس؟
ـ بالطبع.. وعندما تشاهدينها ستقولين في سرّك: لقد قلت أنا، في يوم من الأيام، مثل هذا الكلام.
ـ اعتقد ان مدرسة سيدة لبنان هي المدرسة الوحيدة التي أنتجت مسرحيات عديدة للأطفال، أذكر منها، على سبيل المثال لا الحصر: فصول من الحرب اللبنانية، ألو أستراليا، الطربوش، ضيعة الاشباح، هنود من لبنان، المدرسة، يا عيب الشوم، شارع اللبنانيين وجارنا أبوردجيني وغيرها وغيرها.. فلماذا يا استاذ شربل؟
ـ لأن المسرح يعلّم الطفل كيفية النطق بلغته الأم.. إذ ان معظم الطلاب المولودين في أستراليا يجدون صعوبة في التحدث بلغتهم الأم، فما النفع إذن من تعليمهم القراءة والكتابة باللغة العربية ولسانهم مربوط عند التكلّم بها؟ هنا يأتي دور المسرح في تنمية مواهبهم وصقلها، وزرع المفردات العربية العاميّة بدون تلكلّف على ألسنتهم الطرية.. وصدّقيني، وأنت الممثلة القديرة، أن لا شيء كالتمثيل يفك عقد ألسنتهم في بلد كل ما فيه انكليزي اللغة والتربية والعادات.. هذا من جهة، أما من الجهة الثانية، فراهبات العائلة المقدسة المارونيات في معهد سيدة لبنان، وعلى رأسهن الأخت الرئيسة ايرين بو غصن، يشجّعن كثيراً المسرح الطفولي في معهدهن، ويعتبرنه مهرجاناً اغترابياً بكل ما للكلمة من معنى.. وصدقيني ان فضل هؤلاء الراهبات على اجيالنا الصاعدة سيدوّن بالذهب على صفحة اغترابنا في استراليا، فألف شكر لهنّ.
ـ كم عدد الأطفال الذين سيشاركون في هذه المسرحية؟
ـ لا أدري بالتحديد، ولكنهم أكثر من 200 طالب وطالبة. وفي بعض المسرحيات التي عرضناها سابقاً تخطّى عددهم الـ 600، كمسرحية "الطربوش" مثلاً، اذ ان مشهد المظاهرات أجبرنا على الاستعانة بتلامذة جميع الصفوف الابتدائية في المعهد. واعتقد انك شاهدت المسرحية وعاينت هذا الكم الهائل من الأطفال.
ـ لقد شاهدت معظم مسرحياتكم وكتبت عنها، وطالبت الكبار بالتعلم من الصغار الذين أجادوا أدوارهم حدّ التقمّص.
ـ أشكرك على تشجيعك الدائم لأطفالنا.
ـ أراك في معظم مسرحياتك توجّه النقد اللاذع للجالية اللبنانية.. أين باقي الجاليات؟
ـ أولاً: لأن معظم مشاهدي مسرحياتي من أبناء الجالية اللبنانية، لذلك أوجّه لهم النقد البنّاء بقلب محب، وهم يتقبلونه من أطفالهم بابتسامات عريضة.
ثانياً: يقولون ان الأديب مرآة مجتمعه، وها أنا أغرف من المرآة ما أراه بحاجة الى نقد وانتقده، كي تتجمّل صورتنا امام اعين الآخرين، واعتقد ان من الأفضل ألف مرة أن ننتقد بعضنا البعض ونقوّم اعوجاجنا من أن ينتقدنا الآخرون.
   في مسرحية "يا عيب الشوم" انتقدت طاولة الشرف والمستميتين للجلوس عليها، واعتبرها أكبر عار لنا، لدرجة انني دفعت بأحد الممثلين الصغار ليبول عليها امام اعين المشاهدين، وقد تقبّل الجمهور المشهد بضحكات عالية وتصفيق شديد.
   كما انتقدت في مسرحية "شارع اللبنانيين" مهربي المخدرات، وعرّيت في مسرحية "ضيعة الاشباح" جميع الطائفيين المتلاعبين بأعصاب الناس، وكشفت عورة جميع العنصريين في مسرحية "جارنا أبوردجيني"، وبعد كل هذا ألا يحق لي انتقاد جاليتي الحبيبة وتوجيه اللوم لها قبل أن يتهمها أحد من (خارجها) بالانحراف، كما حصل لها في الآونة الأخيرة مع مفوّض الشرطة بيتر راين؟.
ـ لماذا لا تكتب لمسرح الكبار؟
ـ ومن هم الكبار في نظرك؟ إذا كنت تقصدين المشهورين منهم، فالشهرة في هذه البلاد مضحكة للغاية، كما انها لا تعنيني ابداً.. أما اذا كنت تقصدين الكبار في السن، فاسمحي لي أن أقول ان التعامل مع الصغار أفضل وأجمل وأريح. هم يسمعون توجيهاتك بعقل منفتح، ويعملون بها دون جدال، ودون منافسة وثرثرات فارغة. أما الكبار فيلزمهم الانضباط، والترفع عن الصغائر، واحترام الممثل الآخر، وعدم التلاعب بالنص.. فالنص شيء مقدّس، ومن يتلاعب به يجب أن يحاكم.. و(الكبار) يتلاعبون بالنص بتفاهة مقرفة تجعلك تتقيئين، خاصة اذا عاودت الكرة وحضرت المسرحية ذاتها مرة ثانية، فلسوف تجدين نفسك أمام نص آخر لمسرحية واحدة بسبب خروج بعض الممثلين (الكبار) عن النص.. ناهيك عن تعرّض المؤلف للمحاكمة اذا تلفظّ أحد الممثلين بكلمات من عنده، قد تسيء، من حيث لا يدري، للأديان السماوية، أو لبعض الأشخاص أو التجمعات في المجتمع.
   نص المسرحية يكون مدروساً قبل عرضه، أي أنه خالٍ من الشوائب القانونية، فلماذا نشتري البهدلة لأنفسنا؟.
  أنا شخصياً أجد نفسي مع الصغار، مع البراءة، مع الانضباط الكامل ومع النجاح المتواصل.
ـ أين نقدك للأهل الذين لا يشجعون أطفالهم على النطق باللغة العربية؟
ـ لقد عالجت هذه المشكلة في معظم مسرحياتي، واعلمي ان سبب عرض هذه المسرحيات هو تأنيب غير مباشر للأهل المتنكرين للغتهم الأم. أنا لا أنكر أن هناك مشكلة تواجه الاطفال اللبنانيين المولودين من أمهات أجنبيات، ولكننا في مدرستنا، وبتشجيع دائم من رئيستنا الأخت ايرين بو غصن، نحاول أن نزرع حروف اللغة العربية على ثغور هؤلاء الصغار.
ـ هل يفهم الأطفال الممثلون مضمون المسرحية، وما تنطوي عليه من انتقادات؟
ـ أكيد.. وإلا لما تمكنوا من التمثيل، ومن توصيل النقد للجمهور، وصدقيني ان الطفل لا يتفوّه بعبارة لا يفهم معناها، انه يسأل كثيراً ويستفسر كثيراً.. ولهذا ينجح.
ـ هل من كلمة أخيرة تحب أن توجهها لأبناء الجالية؟
ـ أحب أن ادعوهم لمشاهدة مسرحية "طلوا المغتربين" كي يعيشوا اجمل لحظات العمر مع فلذات أكبادهم الذين لا تتجاوز أعمارهم  الثانية عشرة، وأعدهم بأن هؤلاء الصغار سيبيضون الوجه وسيرفعون الرأس.
   كما أحب أن أشكرك آنسة نجوى، وأشكر أسرة مجلة "أميرة"، وخاصة الصديقين محمد وشوقي المسلماني، على هذا اللقاء الشيق، وأدعو "لأميرة" بطول العمر.. وفقكم الله.
مجلة أميرة ـ العدد 5 ـ حزيران 2000
**



عصابات وبس 2002

مسرحية "عصابات وبس" لشربل بعيني: صور من حياة الجالية اللبنانية
بقلم الاستاذ هاني الترك

   قدّمت راهبات العائلة المقدّسة في معهد سيدة لبنان مسرحية "عصابات وبس" من تأليف وإخراج الشاعر شربل بعيني.
   تبدأ المسرحية بالنشيدين الأسترالي واللبناني وبمشهد للأطفال الممثلين وهم يستمعون لنشرة الأخبار.
   وقد دار حوار خلال المسرحية حول المغتربين اللبنانيين الذين تبوّأوا مراكز عليا كحاكم نيو ساوث ويلز البروفيسورة ماري بشير، ورئيس حكومة ولاية فيكتوريا ستيف براكس، بينما أظهرت المسرحية الوجه الآخر لهؤلاء المغتربين الذي يتمثّل بحفنة من الشباب المنحرفين سلوكياً، والذين اعتبرهم الاعلام المحلي صورة رمزية عن الجالية ككل.
   وتناولت المسرحيّة أيضاً قصة تهريب المخدرات، حيث سلّمت الأم ابنها لرجال الشرطة كون الجيل الأول يرفض ما يمارسه الجيل الثاني من هذه الناحية.
   المسرحية هي رقم 13 للشاعر بعيني، الذي يتحفنا كل عام بمسرحيّة للأطفال لها رسالة هادفة، وهي، كما نرى، صور من المجتمع اللبناني في أستراليا، تعالج كل عام قضية معاصرة للجاية، وهذا العام عالجت قضية عصابات الشباب.
   لقد تمكن البعيني من جمع 300 طفل وطفلة من أطفال المدرسة اللبنانية ليقوموا بعرض متكامل لمسرحية هادفة ذات رسالة خالدة، فالفن يلعب دوراً كبيراً في تعليم الأطفال، وفي بناء شخصياتهم، ويعلمهم اللغة العربية، واللغة هي أهم عنصر في الثقافة كونها تضم التقاليد والعادات.. ومثل هذه المسرحية تزرع في الأطفال منذ الصغر المبادىء المستقيمة والقيم الرفيعة، وتبعدهم عن التورط في الانحرافات السلوكية في المجتمع، وتدرس المسرحية في الصفوف حتى تجذّر فيهم الرسالة التي تحملها، والأكثر من هذا فهي تعطي الفرصة للأطفال اللبنانيين كي يعبّروا عن أنفسهم في المسرحية من خلال تمثيلها، وتعلّمهم بأساليب فنيّة ثقافية التراث اللبناني، والتأقلم بالمجتمع الأسترالي لتجمع من شخصياتهم حسنات الثقافة اللبنانية والأسترالية.
   المسرحية عمل فني رفيع، ويجب أن يعاد تمثيلها في المدارس العربية الأخرى، إذ من الواضح أن الشاعر بعيني قد بذل فيها الجهد الضخم، وهي مسرحية فنيّة تثقيفية تعليمية ترفيهية.
   إنها مسرحية تستحق العرض على باقي أطفال الجالية العربية واللبنانية في المدارس الأخرى. تحية الى البراعم الأطفال الذين جسّدوها على المسرح.
التلغراف، العدد 3891، 3/7/2002
**
عصابات وبس: مسرحية جديدة لطلاب معهد سيدة لبنان
بقلم الشاعر شوقي مسلماني

   ستعرض في الثامن والعشرين من الشهر الجاري (حزيران) على مسرح كنيسة سيدة لبنان، مسرحية "عصابات وبس" التي الفها وأخرجها الشاعر شربل بعيني، ويمثل ادوارها أكثر من 300 طالب وطالبة من الصفوف الخامسة والسادسة الابتدائية، وكما هو معروف، فمعهد سيدة لبنان ـ هاريس بارك، الذي ترأسه الام ايرين بو غصن، يعتبر الاول في هذا المضمار الفني الخلاق، الذي يزرع لغتنا الأم على السنة فلذات أكبادنا، ويحببهم بها، ويرفد القراءة والكتابة بالتكلم، الذي هو أهم عامل لتقريب اللغة العربية من عقول صغارنا، خاصة وانهم يعيشون في غربة، كل من فيها وما فيها، ينطق الانكليزية.
   تبدأ المسرحية بنشرة للأخبار، يأتون فيها على ذكر الحاكم العام في ولاية نيو ساوث ويلز السيدة ماري بشير، ورئيس ولاية فيكتوريا السيد ستيف براكس، دون أن يذكروا أنهما من أصل لبناني، ولكنهم ما أن أتوا على ذكر العصابات التي تفتك بالمجتمع، حتى أعلنوا أنها لبنانية، هنا، تبدأ القصة، وتبدأ المناقشات والاحتجاجات، منهم من رفض الاتهام رفضاً قاطعاً، كرئيس تحرير جريدة النور المهجرية، الذي طرد من مكتب وزير البوليس بسبب احتجاجه على الصاق تهمة القتل والسرقة بجاليته اللبنانية.
   وإليكم بعض ما دار من حوار داخل مكتب جريدة النور:
ـ لازِمْ نِتْحَرَّكْ.. تَلِفُوناتْ النَّاسْ نَازْلِه مِتْل الشِّتِي عَ مَكْتَب الْجَرِيدِه.. وْأَنَا كَرَئيسْ تَحْرِيرْ مُشْ رَحْ إِسْكُتْ.. شُو مَا صَارْ يْصِيرْ.. كَرَامِةْ شَعِبْنَا بِالدَّقْ.. قَالْ عِصَابَاتْ لِبْنَانِيِّي قَالْ.. الأَزْعَرْ مَا إِلُو وَطَنْ.. وَطَنُو الْحَبْسْ..
ـ يِسْلَمْ تِمَّكْ يَا رَئيس التَّحْرِيرْ.. كِلّ إِيَّامَكْ إِمَّا وْبَيَّا.. وْمَا فِي مَرَّه إِلاَّ مَا بْتِرْفَعْ رَاسْنَا..
ـ بَدِّي يَاكُنْ تِكِتْبُوا.. وتْتَرِجْمُوا كِلّ كِلْمِهْ تَا نْوَدِّيهَا لْوَزِيرْ الْبُولِيسْ.. الْحَالِه مَا عَادِتْ تِنْطَاقْ..
ـ كِلّ مَاشِي وِالتَّانِي بْيِلِزْقُونَا تِهْمِه.. سَاعَه اللِّيبَنِيزْ بَاكْ.. سَاعَه اللِّبَنِيزْ غَانْغْ.. خَلّصُونَا بَقَى، هَـ الِبْلادْ بْلادْنَا.. وْنِحْنَا عِمَّرْنَاهَا.
ـ مَعَكْ حَقّْ.. مَا فِي بِنَايِه بْتِتْعَمَّرْ إِلاَّ وْبِيكُونْ صَاحِبَا لِبْنَانِي.. إِي أَللَّـه وَكِيلَكْ مَا بِتْشُوفُنْ إِلاَّ عَمْ بِيسَمُّوا هَالبِنَايَاتْ عَ أْسَامِي نِسْوَانُنْ: بنايِةْ أَمِيرَه.. بِنَايِةْ سَمِيرَه.. بِنَايِةْ حَيَاةْ.. بِنَايِةْ نَجَاةْ.. وْبَسّ تِنْبَاعْ الْبِنَايِه بْتِطْلَعْ الصَّرْخَه. أَمِيرَه تَرْكِتْ جَوْزَا.. وْسَمِيرَه هَرْبِتْ مَعْ جَارَا.. وْحَيَاةْ انْقَطْعِتْ خْبَارَا.. وْنَجَاةْ يِقْطَعْ بْدَارَا..
   تتكلّم المسرحية أيضاً عن امرأة أرملة تدعى أم يوسف، عملت المستحيل من أجل تنشئة ابنها الوحيد تنشئة صالحة، ومع ذلك نجد ان ابنها قد شذ عن طريق الفضيلة، وتاه في طرق تهريب المخدرات وبيعها وتعاطيها، وعندما بدأ الشك بتصرفات ابنها يتلاعب بها، قررت الانتقام منه، وكان انتقاماً مؤلماً للغاية، وهذا ما سنتركه مفاجأة لكل من سيحضر المسرحية.
   تعالج المسرحية المشاكل العائلية التي أدت الى حالة الضياع التي يعيشها الشباب المغترب، وتحمّل المسؤولية للعائلة، فإذا تفككت تفكك المجتمع، واذا اتحدت اتحد المجتمع، وتمسّك الأطفال بالحياة العائلية أكثر فأكثر.
   ونحن في مجلة (أميرة)، نهنىء أطفالنا في معهد سيدة لبنان، على تمسكهم بلغتهم الأم، وعلى اندفاعهم لتعلمها والتكلم بها، كما نشكر راهبات العائلة المقدسة، وخاصة الأم ايرين بو غصن، على تشجيع المسرح الطفولي في أستراليا، الذي لولا معهدهن لكان من سابع المستحيلات، كما نسأل الله ان يطيل بعمر زميلنا العزيز شربل بعيني، الذي تحدّى المثل القائل: "قاضي الولاد شنق حالو".
   وإلى اللقاء في الثامن والعشرين من شهر حزيران 2002، الساعة السابعة والنصف تماماً، لحضور مسرحية "عصابات وبس".
مجلة أميرة ـ العدد 29 ـ حزيران 2002
**
أطفال معهد سيّدة لبنان يتألّقون في مسرحيّة: عصابات وبس
بقلم الاستاذ عفيف نقفور

   مساء الثامن والعشرين من حزيران لـم يمرّ دون إبداع، دون عطاء، أو دون موعظة، فلقد أبدع طلاّب وطالبات الصفوف الخامسة والسادسة الإبتدائية في تأديّة أدوارهم في مسرحيّة (عصابات وبس) التي ألفّها وأخرجها الشاعر شربل بعيني. ولقد أعطوا بهمّة وحنكة الكبار، فجاء عطاؤهم ربيعيّ النكهة، وعارماً كالسيل، أما موعظتهم لنا فقد جاءت مغلّفة بتهديد باطني: إسهروا على تربية أبنائكم، قبل أن تتأففوا من تصرفاتهم المستقبليّة.
   حضر المسرحيّة العديد من الكهنة والراهبات والمدعوين الرسميين والإعلاميين وأهالي الطلاّب، تتقدّمهم رئيسة المعهد الأخت إيرين بو غصن، التي سرقت الأضواء مرّتين: المرّة الأولى، ساعة رحّب بها الأستاذ بعيني، وشكرها على تركها المستشفى، وتحمّل الألـم، من أجل حضور هذه المسرحيّة والتواجد بالقرب من براعم المعهد الصغار. والمرّة الثانية، ساعة قدم لها الممثلون الصغار، وهم يدبكون ويرقصون، باقة من الأزهار عربون شكر وامتنان لها ولأخواتها الراهبات لخدماتهن الكثيرة في المعهد، وسهرهن الدائـم على براعم الجالية الصغار.
عصابات لبنانية!!   
   بدأت المسرحية بنشرة للأخبار، جاؤوا فيها على ذكر حاكم ولاية نيو ساوث ويلز السيّدة ماري بشير، ورئيس ولاية فيكتوريا السيّد ستيف براكس، دون أن يقولوا عنهما أنهما من أصل لبناني. ولكن ما أن جاؤوا على ذكر أفراد العصابات حتى قالوا عنهم، دون تردد: عصابات لبنانية.
   وبالطبع، فشربل بعيني في المسرحية يرفض هذه التسميّة، ويطلب من وسائل الإعلام أن تسمي العصابات (عصابات وبس)، لأن (الأزعر ما إلو وطن.. وطنو الحبس)، ولأن (خمس ست زعران خلقانين هون، مش سامعين بلبنان، ولا بيحكوا عربي، وبدّن يلزقونا ياهن.. إي هيدي أللـه ما قالا)..
   كما أنه يدافع عن الشبيبة اللبنانية البريئة، التي يتجمهر أفرادها في الساحات والأسواق التجارية، فيقول على لسان أحدهم: (يحلّوا عن ضهرنا بقى، نحنا لا منسرق، ولا منقتل، ولا منحشّش، نحنا ضجرانين وبدّنا نتسلّى) فيجيبه الثاني: (هلّق شوف.. بعد خمس دقايق بيجي البوليس، وبيصير يتغالظ علينا)، عندئذ يبدأ باقي الرفاق بالإحتجاج:
ـ إذا شفّطنا بالسيّاره، بيقولوا عنّا ليبنيز غانغ.
ـ وإذا نفّخنا شي سيكارة، بيقولوا عنّا ليبنيز غانغ.
ـ وإذا تمشّينا بالحاره، بيقولوا عنّا ليبنيز غانغ.
ـ وإذا مزحنا مع ختياره، بيقولوا عنّا ليبنيز غانغ.
ـ وإذا تطلّعنا بالجاره، بيقولوا عنّا ليبنيز غانغ.
   فيتساءل أحدهم ببراءة الأطفال الصغار:
ـ قولكن.. في ليبنيز غانغ؟
   وبالطبع، ليس بمقدور أحد أن يجيب على هذا التساؤل، ولا أن يحلّل أبعاده، إذ من المستحيل أن نحمّل الجالية اللبنانية الشريفة تبعات جرائـم ترتكبها زمرة صغيرة من أبنائها الضالين.
الإعلام المهجري:
   لقد أعطى شربل بعيني الإعلام المهجري حقّه، كونه المدافع الأقوى عن سمعة الجالية، فيقول على لسان رئيس تحرير جريدة النور، عندما وصله اتهام البوليس:
ـ لازم نتحرّك.. تلفونات النّاس نازله متل الشتي ع مكتب الجريدة، وأنا كرئيس تحرير مش رح إسكت، شو ما صار يصير، كرامة شعبنا بالدقّ. قال عصابات لبنانيي قال، الأزعر ما إلو وطن، وطنو الحبس.
   فيجيبه أحد المحررين:
ـ كل ماشي والتاني بيلزقونا تهمه، ساعه الليبنيز باك، ساعه الليبنيز غانغ.. خلّصونا بقى، هالبلاد بلادنا ونحنا عمّرناها.
   وعندما دعا وزير البوليس بعض وجهاء الجالية لاحتواء النقمة، لـم ينبس أحدهم ببنت شفة، ما عدا رئيس تحرير جريدة النور، وإليكم ما دار من حوار:
ـ مبارح اجتمعنا مع وزير البوليس، نصّنا غفي بالإجتماع، ولولا العيب كان طرشنا بالمي.
ـ بس الإجتماع كان إجتماع أكل..
ـ مظبوط.. وقد ما أكلنا نمنا.
ـ يعني ما حدا فتح تمّو.. ما حدا طلع صوتو..
ـ في منّن فتحوا تمّن هنّي ونايمين، وفي منّن طلع صوتم هنّي وعم بيشنخروا.
ـ ورئيس تحرير جريدة النور ما فتح تمّو..
ـ فتح تمّو.. بس كلّن سكّتوه.. كلّن طلعوا ضدّو، قام انسحب من الإجتماع.
   لقد فضّل الإعلام المهجري الإنسحاب من الإجتماع، على أن يراوغ كما يراوغ البعض، فمصلحة الجالية أهم بكثير من مصلحته الشخصيّة:
ـ يا جماعه فهموني.. إذا رئيس تحريرنا ما راح، رح بيروح غيرو.. كلّن بطونن فاضيه وجاهزين للعشا.. كمان ما تنسوا إعلانات الدوله يمكن نخسرا.
   إذن، فرئيس تحرير جريدة النور لـم يأبه بإعلانات الدولة، ولا بخسارة حفنة من الدولارات، أو بعض المأدبات الرسمية، كان همّه الوحيد الدفاع عن سمعة أبناء شعبه، أما ليس هو القائل: (تمّي ما بيتسكّر بلقمه).
أم يوسف:
   من بين الشخصيّات الكثيرة في المسرحيّة، لا بد من التوقّف أمام شخصيّة الوالدة أم يوسف، التي عملت المستحيل من أجل تنشئة إبنها يوسف تنشئة صحيحة، خاصّة بعد وفاة والده. ولكنها تكتشف مع الوقت أن ابنها يخدعها، وقد ضلّ الطريق، وغرق في مستنقع المخدرات والجريمة، وبدلاً من أن تستسلم لليأس والدموع، راحت تراقبه، وتحصي أنفاسه، إلا أن تمكنّت منه، وسلّمته للعدالة. وما أن يحيط به رجال الشرطة، ويضبطوه بالجرم المشهود، حتى تقف أمه بوجهه، بعد أن تخلع ثيابها التنكريّة، وتصيح بصوت عالٍ:
ـ إمّك اللي ربّتك تا تطلع إنسان صالح، هيي اللي فسدت عليك، هيي اللي سلّمتك للبوليس.
ـ قتلتيني يا أمي، خربتيلي بيتي..
ـ إنت العم تقتل الناس.. إنت العم تخرب بيوتن
ـ أنا إبنك.. كيف لكي قلب تسلّميني للبوليس؟
ـ وأنا أمك.. كيف لاك قلب تحرق قلبي يا يوسف؟
ـ سامحيني يا ماما..
ـ لازم تموت، تا يعيشوا ولاد الناس..
   هنا، تسحب مسدساً كانت قد دسّته في محفظتها، وتسدّد فوهته إلى رأس ابنها، فيصرخ:
ـ أمي..
ويصرخ أفراد الشرطة:
ـ لأ.. يا أم يوسف..
   ولكنها لـم تأبه بهم، بل أطلقت النار على رأس ابنها، وهي تقول:
ـ لازم القصّة تنتهي هيك، وبدل ما تحاكموا إبني حاكموني أنا.
   وبهذا تثبت أن الأهل هم المسؤولون الوحيدون عن تربية أطفالهم، وكل ما يرتكبون من أخطاء، يجب أن يحاكموا هم عليه.
   لقد اعتبر العديد ممن حضروا المسرحيّة أن (عصابات وبس) كانت أجمل مسرحيّة قدّمت على مسرح سيّدة لبنان، ولهذا يجب أن تعرض مرّة ثانية، نظراً لعمق رسالتيها التربويّة والإجتماعيّة.      
   تهانينا لأطفال معهد سيّدة لبنان ـ هاريس بارك، فلقد أبدعوا كما لـم يبدع المحترفون الكبار.
   تهانينا لراهبات العائلة المقدسة المارونيات اللواتي يسهرن على تربية فلذات أكبادنا في معهد سيّدة لبنان ـ هاريس بارك، وخاصة الأم الرئيسة إيرين بو غصن، شفاها اللـه، وأطال بعمرها.
  وتهانينا لمؤلف ومخرج مسرحية (عصابات وبس) الشاعر شربل بعيني، فلقد أثبت عن حقّ أنه سيّد المسرح الطفولي في المهجر. وإلى اللقاء مع مسرحيّة أخرى بإذن اللـه.
معظم الصحف المهجرية
**
تلامذة معهد سيدة لبنان قدموا مسرحية "عصابات وبس" على مسرح سيدة لبنان
جريدة النهار

     ككل عام يتكلل العطاء الذي تبذله راهبات العائلة المقدسة المارونيات، وافراد الهيئة التعليمية والطلاب، باحتفال استعراضي وفني.
   وبراعم مدرسة سيدة لبنان كانوا على موعد الاسبوع الماضي مع عطاء مختلف ودور مميّز، انه دورهم في العطاء الذي من خلاله فجّروا مواهبهم الفنيّة على مسرح سيدة لبنان ـ هاريس بارك، استعراضاً ورقصاً وتمثيلاً.
   وتلامذة المرحلة الابتدائية اتحفوا ذويهم والحضور، وزرعوا الارتياح في نفوس القيّمين والساهرين عليهم، لما أبدوه من مواهب مميزة وطاقات فنيّة ملفتة في مسرحية "عصابات وبس" التي اشترك فيها أكثر من ثلاثمئة تلميذ وتلميذة باللغة العربية، والأعمار تتراوح ما بين 9 و 12 سنة.
   و"عصابات وبس" هي المسرحية رقم 12 للشاعر شربل بعيني، الاستاذ في المدرسة، تحكي بالحركة والكلمة حالات اجتماعية لبنانية، وقد نجح التلامذة في اداء الادوار ولبس الشخصيات، كما جاء العمل مرحاً وناجحاً، صورة مصغرة تشهد على تعب الاستاذ شربل بعيني بالتأليف والإخراج وتعليم اللغة العربية لأبناء ولدوا في أستراليا، وقد أعطوا بهمة وحنكة الكبار.
   افتتحت المسرحية بالنشيدين الاسترالي واللبناني، وبمشهد للأطفال الممثلين وهم يستمعون لنشرة الأخبار.
   وقد دار حوار المسرحية حول المغتربين اللبنانيين الذين تبوّأوا مراكز عليا كحاكم نيوساوث ويلز السيدة ماري بشير، ورئيس حكومة ولاية فيكتوريا ستيف براكس، بينما أظهرت المسرحية الوجه الآخر لهؤلاء المغتربين الذي يتمثّل بحفنة من الشباب المنحرفين سلوكياً، والذين اعتبرهم الاعلام المحلي صورة رمزية عن الجالية ككل.
   والاستاذ شربل بعيني في المسرحية يدافع عن الشبيبة اللبنانية البريئة، التي يتجمهر أفرادها في الساحات والأسواق التجارية، فيقول على لسان أحدهم:
ـ يحلّوا عنّا بقى، نحنا لا منسرق ولا منقتل ولا منحشش، بعد خمس دقايق بيجي البوليس وبيصير يتغالظ علينا.
   وتناولت المسرحية ايضاً قصة تهريب المخدرات، حيث سلّمت الأم ابنها لرجال البوليس، كون الجيل الأول يرفض ما يمارسه الجيل الثاني من هذه الناحية.
   أم يوسف من بين الشخصيات الكثيرة في المسرحية، لا بد من التوقّف أمام شخصيتها كوالدة عملت المستحيل من أجل تنشئة ابنها يوسف تنشئة صحيحة، خاصة بعد وفاة والده، ولكنها تكتشف مع الوقت ان ابنها يخدعها، وقد ضل الطريق، وغرق في مستنقع المخدرات والجريمة، وبدلاً من أن تستسلم لليأس والدموع، راحت تراقبه وتحصي انفاسه الى أن تمكنت منه وسلمته للعدالة، وما أن يحيط به رجال الشرطة، ويضبطوه بالجرم المشهود حتى تقف أمه بوجهه، بعد أن تخلع ثيابها التنكرية، وتصيح بصوت عالٍ:
ـ امك اللي ربتك تا تطلع انسان صالح، هيي اللي فسدت عليك، هيي اللي سلمتك للبوليس.
  لقد أعطى شربل بعيني الاعلام المهجري حقّه، كونه المدافع الأقوى عن سمعة الجالية، فبقول على لسان رئيس تحرير جريدة النور، عندما وصله اتهام البوليس:
ـ لازم نتحرك، تلفونات الناس نازله متل الشتي ع مكتب الجريده، وأنا كرئيس تحرير مش رح اسكت شو ما يصير يصير، كرامة شعبنا بالدق. قال عصابات لبنانيه قال.. الأزعر ما إلو وطن.. وطنو الحبس.. خلصونا بقى.
   وعندما دعا وزير البوليس بعض وجهاء الجالية لاحتواء النقمة، لم ينبس احدهم ببنت شفة، ما عدا رئيس تحرير جريدة النور، اذ انه لم يأبه باعلانات الدولة، ولا بخسارة حفنة من الدولارات، او بعض المأدبات الرسمية، كان همه الوحيد الدفاع عن سمعة ابناء شعبه، أوَليس هو القائل:
ـ تمّي ما بيتسكّر بلقمه.
   وهذا العمل الناجح يتجانس مع نجاحات هذا الصرح التربوي، الذي تسهر عليه وتديره الراهبة الأم ايرين بو غصن، المتسلحة بالايمان والاختصاص والمعرفة والمحبة.
   الحضور كان حاشداً من أهالي الطلبة، وابناء الجالية والكهنة، الذي أبدوا اعجابهم وتقديرهم، واعتبروا مسرحية "عصابات وبس" أجمل مسرحية قدّمت على مسرح سيدة لبنان، نظراً لعمق رسالتها التربوية والاجتماعية، رسالة خالدة هادفة، فإن الفن يلعب دوراً كبيراً في تعليم الأطفال على بناء شخصياتهم، وتعليمهم اللغة العربية التي هي أهم عنصر في الثقافة، والتي تضم التقاليد والعادات.
   ومثل هذه المسرحية تزرع في الأطفال، منذ الصغر، المبادىء المستقيمة، والقيم الرفيعة، وتبعدهم عن التورط في الانحرافات السلوكية في المجتمع، وتعلمهم بأساليب فنية ثقافة التراث اللبناني.
   ولا ننسى في مقدمة الحضور الأم بو غصن مع الراهبات اللواتي يساهمن معها ومع الطاقم التعليمي والاداري في السهر على التلاميذ، وعلى البرامج في المعهد.
   وفي نهاية العرض الفني، قدّم التلامذة، عربون وفاء وتقدير ومحبة، باقة زهور الى رئيسة المعهد الاخت ايرين بو غصن، مع جزيل الشكر والعرفان.
   تهانينا للطلاب، وتمنياتنا المقرونة بالشكر لرئيسة المعهد والاخوات الراهبات والهيئة التعليمية، وتقدير خاص للشاعر شربل بعيني على هذه العناية الفائقة بفلذات أكبادنا، وعلى التربية الوطنية الصحيحة التي يزرعها في نفوسهم، من خلال رسالة العطاء الفكري التي تنمو في نفوس الاجيال اللبنانية الصاعدة في هذه البلاد.
النهار ـ العدد 1572 ـ 9/7/2002
**



يا مار شربل 2004

يا مار شربل: مسرحية رائعة تعرض على مسرح رائع
بقلم الاستاذ عفيف نقفور

   أكثر من 400 طالب وطالبة من الصفوف الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة الإبتدائية في معهد سيّدة لبنان ـ هاريس بارك، تقاسموا أدوار مسرحية "يا مار شربل" التي ألفها وأخرجها الشاعر شربل بعيني، على مدى ساعتين من الوقت، دون أن يشعر الجمهور الغفير الذي حضرها بخروجهم ودخولهم إلى المسرح.
   "يا مار شربل" كانت أول عمل يعرض على مسرح معهد سيّدة لبنان الجديد بقاعته الضخمة، بأجهزته الحديثة، وبجمال هندسته. وقد افتتحت المسرحية رئيسة المعهد الأخت إيرين بو غصن بكلمة مرتجلة رائعة، أخبرتنا بها، أنهم تسلّموا القاعة يوم عرض المسرحيّة، وأن عمّال البناء انتهوا من عملهم قبيل ساعات من موعد العرض، وأثنت على الهيئة التعليمية والطلاب في المعهد، كما شكرت الأهالي لدعمهم المتواصل، وإيمانهم برسالة راهبات العائلة المقدسة المارونيات، كما شكرت الأستاذ شربل بعيني على اهتمامه بفلذات الأكباد، وزرع لغة الآباء والأجداد على أفواههم.
   تحكي المسرحية قصة ضيعة جبلية نائية في مكان ما من لبنان، عمل أهلها المستحيل من أجل إقناع المسؤولين بشق الطريق إلى قريتهم "تل النسورا"، أو بجلب الماء والكهرباء إليها، دون جدوى. وعندما أعيتهم الحيلة، لجأوا إلى مار شربل شفيع لبنان، لأن "ما في غيرو بيساعدنا" على حد تعبيرهم. فأقسم ثلاثة منهم " فارس ونعمان وأسعد" أن يفبركوا عجيبة كي يشهروا قريتهم، ويتكلّم الإعلام عنها، فحملوا صورة لمار شربل وراحوا يصيحون: "صورة مار شربل عم ترشح زيت". وبدأ المؤمنون يتوافدون إلى "تل النسورا"، وأصبح الخبر يغطي مساحة واسعة من الصحف، وتتكلم عنه محطات التلفزة والوكالات الإعلامية. عندئذ قرر أحد الوزراء أن يزور القرية النائية، ويتبارك بالصورة، وعندما وصل إلى أطرافها، أوقفوا سيّارته وأركبوه حماراً لأن لا طريق إلى "تل النسورا"، فانزعج كثيراً وصاح: " إنتو بأيّا بلاد عايشين"، وتناسى معاليه أنه المسؤول عن شق الطرقات، وتأمين الماء والكهرباء للمواطنين، والمضحك المبكي أنه غادر القرية دون أن يزور الصورة، فقال له أحدهم:
ـ الظاهر نسيت يا معالي الوزير إنك جايي تزور الصورة..
فأجابه بخبث الدبلوماسي المحنّك:
ـ أنا إنسى زور الصورة!.. وحياة عيونكم بالمشوار الجايي لمّن بفتتح الطريق ع تل النسورا، رح زور الصوره.
   وتمر الأحداث مسرعة، والقديس شربل يظهر عجائبه للناس، رغم أن الزيت الذي يرشح من الصورة "زيت زيتون خضير، أطيب من زيتاتي"، على حد تعبير خوري القرية.
   أخيراً، تكتشف لجنة تقصّي العجائب، أن الزيت ليس زيتاً عجائبيّاً، فيعلن الوزير جنونه ويرسل رجال التحرّي لمعرفة من سكب الزيت على الصورة وإنزال أشدّ العقوبات به، فيتآمر أهل القرية عليهم، ويعلنون تضامنهم مع مفبرك العجيبة، لأنه أنقذ قريتهم من الحرمان، ومدّها بالكهرباء والماء والطرقات، وهذه، بحد ذاتها، أعظم عجيبة يظهرها مار شربل. وعندما عجز رجال التحرّي عن استنطاق الناس، قرروا حجز جميع أهالي القرية، لأنهم أصبحوا مضحكة العالم بسبب عجيبتهم المزوّرة،  وأن لا أحد سيزور قريتهم بعد اليوم. فقالت لهم إحدى النساء:
ـ الناس رح بتضلّ تزور الصورة بزيت أو من دون زيت، ورح تسمعوا تراتيلن من آخر الدني..
   فما كان من رئيسهم إلا أن صاح:
ـ إنتو عم تحلموا، صرلي جمعه بهالضيعه وما شفت حدا، إذا بشوف عشر أشخاص بس، رح سكّر هالملّف وإترك حسابكن بإيد مار شربل.
   وما أن أتم كلامه، حتى حدثت العجيبة الأكبر، فإذا به يرى مئات المؤمنين يتدفقون نحوه، وهم ينشدون:
جايين لعندك تا نزور
صوره.. مشعشع فيها النّور
قدّامك نحرق بخّور
وبأمجادك نتغنّى
يا شربل صلّي عنّا
ـ2ـ
شربل، رفقه، نعمة الله
إخدوا النعمه من ألله
وضوّوا هالدنيي كلاّ
أحلى تلاته من عنّا
يا شربل صّلي عنّا
   مسرحية " يا مار شربل" عمل مسرحي جيّد، عرف مؤلفه ومخرجه كيف يسخّر خبرته الطويلة مع مسرح الأطفال، ليخفي ويظهر ويتخلّص من أكثر من أربعمئة ممثل وممثلة في أقل من ساعتين، دون أن يشعر أحد بذلك.
   هنيئاً لأطفال معهد سيدة لبنان الصغار بتألقهم المسرحي الجديد، وهنئياً لراهبات العائلة المقدّسة عامة، ولرئيستهن الأخت إيرين بو غصن خاصة، بإدارتهن الناجحة للمعهد، وهنيئاً للجالية بالبناء الجديد، وبالقاعة الرائعة التي باركها مار شربل ليلة الخامس والعشرين من شهر حزيران المنصرم. وعقبى لعمل مسرحي ناجح آخر بإذن الله.
معظم الصحف المهجرية
**
شربل بعيني: دام نبعك الفكري
 د. بيار رفّول

   بين كنيسة سيّدة لبنان ومعهد سيدة لبنان جيرة قديمة، وعشرة عمر، جمعت بين الايمان والمعرفة، وربّت دفعات ودفعات على المحبة والقيم والأخلاق.
   لم تكن صدفة أن يُزرع المعهد التابع لراهبات العائلة المقدسة المارونيات الى جانب ثاني أكبر كنيسة في أستراليا تابعة للطائفة المارونية، فهذا تقليد قديم درج عليه الموارنة حيث كانت الأديار تجاري الصروح العلمية، ولم يكن صدفة أن ينمو معهد سيّدة لبنان بهذه السرعة، ويقفز قفزات نوعية، لولا جهود الأخوات الراهبات القيّمات عليه، واللواتي أنعم الله عليهن بالتطلع الكبير، ومدّهن بالقدرة والعزم على تحقيقه.. 
   بنيان يعلو ويتمدد بالرغم من ضيق الامكانات والعراقيل، وأفواج تطير من داخله سنوياً، بعد أن تكون أنهت دراستها على يد جسم تعليمي كفوء انكبّ على تثقيفها لسنوات، وتحلق في مجالات هذا الوطن العظيم أستراليا الرحبة، تغنيه بعلمها وتهذيبها ونشاطها المرتكز على حضارة عمرها ألوف السنين، والمنبثق من تربية عائلات تحيا بخوف الله.
   ليلة الجمعة الماضية كنا على موعد مع رائعة من روائع الاستاذ شربل بعيني عنوانها "يا مار شربل" التي كتب فصولها بلغة مبسّطة، ودشّن فيها مسرح المبنى الجديد الذي انضمّ الى هذه القلعة الثقافية ـ الأخلاقية. لعب أدوارها براعم الصف السادس والخامس والرابع والثالث ببراعة ملفتة نالت تصفيق الأهل مراراً، وأضحكتهم مطوّلاً.. كما انها أبكتهم فرحاً وهم يشاهدون فلذات أكبادهم، مولودي هذه الديار يتكلمون لغتهم الأم بطلاقة وعفوية ويلعبون أدوارهم بحيوية.
   مدّ المربي شربل بعيني في مسرحيّته خيطاً بين لبنان وأستراليا، وعلى هذا الخيط نشر غسيل الفساد والانحطاط والرعب، ونسج معاناة أهلنا الذين فقدوا الأمل بالمتسلطين ولم يبقَ لهم من فسحة أمل سوى شفيعهم مار شربل، قديس لبنان والعالم.
   ضيعة "تلّ النسورا" صورة مصغرة عن كل لبنان، وقد حاكى شربل بعيني عبر أهاليها الطيبين أشواقنا وآمالنا وحكّ على جرحنا  الذي لا يختم إلا بالعودة الى هناك.
   ويرفع بعيني عودة الغيّاب الى مستوى الاعجوبة.. فوطننا مخطوف، وأهلنا مرعبون ومشرشحون وملاحقون من قبل الفقر والمخابرات.. والمتسلّط أقوى من القانون، والمطاليب لا تصل الى أصحابها بل تبقى حبراً على ورق، وترمى في سلّة المهملات، والحالة بالمختصر زفت بزفت.. وفي أعماق لا وعيك تدرك ان العودة لا تحصل إلا بعد تخليص لبنان من مخالب الطامعين والزاحفين والمتكالبين وهذا لا يتم إلا بالاتحاد والتصميم والترفّع عن الخصوصيّات، وهنا تكمن الأعجوبة التي يصرّ شربل بعيني على حصولها.
   سهرية لا تنسى أمضيناها في رحاب معهد سيّدة لبنان، واستراحة خرجنا خلالها من رتابة الحياة المملّة، وصرخة مدويّة للعودة الى الله الذي لا يخيّب أبداً الملتجئين إليه.
   شربل بعيني الصوت الصارخ رجاء في زمن الاحباط والمتمسّك بالقيم التي يراها كثيرون "دقّة قديمة" غطّاها صقيع المادة.
   عافاك الله، وسلمت يداك، ودام نبعك الفكري يضخّ مثل هذه الجواهر الغاليات.
الهيرالد، العدد 403، 2 تموز 2004
**



الكنز المسحور 2005

الكنز المسحور
بقلم السفير روبير نعوم

قنصل لبنان العام في سيدني 2005.
والآن سفير لبنان في هافانا ـ كوبا
    بادىء ذي بدء أقدم باسم عقيلتي غادة وكريمتي كلوديا وباسمي، الشكر الجزيل على دعوتكم وحضورنا (الكنز المسحور)، هذه المسرحية المعبرة بأعمق الحِكَم وبأصدق المعاني عن الواقع الحقيقي الذي يعيشه المجتمع اللبناني.
   إن من شأن النشاطات الكثيرة والكبيرة التي يقوم بها معهد سيدة لبنان، أن ترسخ جذورنا في الأرض الطيبة، وأن تزرع في أعماق فلذاتنا محبة الوطن وفخر الإنتماء إليه
   تحية محبة وتقدير إلى الأخوات راهبات العائلة المقدسة المارونيات، وإلى الأعزاء التلميذات الممثلات والتلامذة الممثلين، وإلى المؤلف العزيز شربل بعيني، وإلى كل من شارك في هذا العمل القيّم، دون أن ننسى الأهل الكرام، حفظ الله تعالى الجميع.
سيدني في 22/10/2005
**
مقالات باللغة الانكليزية

A Tribute to Charbel Baini
By Mr. Donald Ouvrier

-1-
I know a teacher, big and strong
Who at our school can do no wrong
Charbel Baini is his name
He's the one of "Tarboush*" fame
-2-
He's written books, a man of letters
All his works are free of fetters
He loves to write and publish works
For idle writers this really irks
-3-
He teaches Arabic at this school
He loves the language, it's a tool
For poets, dramatists and kindred such
His pupils learn. They owe him much

 Tarboush: Turkish hat, a name of a play written by Charbel Baini 1989
**
Acknowledgement of Thanks by the Parents of Our Lady of Lebanon College To Mr. Charbel Baini
By Mr. James Wakim

 Reverend fathers, sisters of the Holy Family, teachers and pupils of Our Lady of Lebanon College, ladies and gentlemen.
   When sister Irene asked me to say a few words of thanks on behalf of the parents of students at Our Lady of Lebanon College for the contribution that Mr. Charbel Baini has made to this school, I felt honoured and very pleased to do so.
   Mr. Charbel Baini started employment at Our Lady of Lebanon College in 1981 and in fact, he wrote the Arabic curriculum from kindergarten to year 6 for the college.
   He is accredited to have written more than 25 poetry books, most of these books are translated from Arabic into English, French and other languages. 
   He has written over 14 plays for the college and has been presented with various awards by the local community as well as the Lebanese Government. 
   This is a fitting achievement for someone so dedicated to the well-being of this College and he has undoubtedly been a significant contributor to the continued development and maintenance of the Australian Lebanese culture through our children. 
  I am sure most of us parents can recall instances when our children come home and recite verses or statements taught to them by Charbel Baini for their forthcoming plays. In fact, I find this evening one of the most enjoyable of all the events that I attend.
   Charbel Baini is so gifted that he can combine humour, laughter, sorrow and a serious story into one play performed by children. 
   These skills are invaluable and we all share in their benefit as they carry forward for years to come a message of the Lebanese culture which is something that is dear to all our hearts.
  Charbel Baini’s contributions, therefore, cannot be quantified in awards or in financial rewards, they are visible by the continued maintenance and strength of our culture and this is something that is visible for everyone to see.
   To that extent, Charbel, I congratulate you on behalf of all the parents and everyone that has worked with you. 
   We very much value the contribution that you have made to our College and also to our heritage and we look forward to your continued success. Thank you. 
**
Moslem Crescent and Christian Cross embrace at Maronite School in Sydney
By Mr. Raymond Arraj

   Mr. Charbel Baini has yet to produce another play to match the record of the "Village of Ghosts" performed recently at our Lady of Lebanon Church Hall in Harris Park.
   The play traces the history of Lebanon during the war and the circumstances surrounding it.
   It tells the story of how, in a village in Lebanon, once the "Agha" realizes he is incapable of dividing and ruling his population; he dresses his men as ghosts in order to frighten the inhabitants of that village and force them to emigrate.
  Everyone's life is shattered in that little town haunted by "ghosts". It reaches a stalemate with no salvation in sight. The village is doomed.
   In the end, alluding to the current situation in Lebanon, the oppressed inhabitants see the light and recognize the fact that the only possible solution is to get together, both Moslems and Christians, and drive away yhe so-called ghosts.
   The historic embrace of the cross and the crescent on stage, symbolizing Christians and Moslems getting together to save Lebanon, was the most compelling and touching scene, not to mention of course that of the prodigy child Rima Ellias in which she sings:
Your children weep and cry
They need you so helplessly
I love you Lebanon
Please don't die..
   In my view three people ought to be commended for this magnificent and exaltic achievement; Sisters Constance Bacha, Madeline Abou Rjeili, with my warm congratulations on their 25th year serving humanity, and well-known poet-educator Charbel Baini, now an applauded playwright.
   And last but not least, a sincere thank to the three hundred great little actors and actresses at the Sisters' school for their wonderful acting and cute pronunciation and articulation in Arabic, enjoyed and appreciated by a very large audience estimated at over a thousand, amongst whom were the educators, representatives from the various media, poets, heads of literary, social and charitable associations and the parents themselves.
   After all, they are our children, our potential future.
   In brief, the play "Village of Ghosts" undoubtedly proved to be an enormous success.
   Encore une foi, Charbel.
   Congratulations and best wishes.
**