**
أهدي كتابي
إلى كل إنسانٍ أحبّ «الشِّعر » وانسابَت
يداه على نغمات القوافي لتزهر «قصيدة»،
إلى من تاق للحفاظ على «المعنَّى » ليزهر
«أرز لبنان» وردة زجلية يتباهى بها الشعراء.
إلى مَن ضحّى وثابر للحفاظ على
«تراث لبنان الجميل»،« وشعرائه الأجلاء».
تحية إجلال وتقدير أقدّمها لكم أجمعين.
د. بهية أبو حمد
**
لـم أسـتـغـربْ هـذه الـسـيـاحـة الأدبـيـة الـجـمـيـلـة فـي الـمـنـجـز الإبـداعـي لـعـمـيـد شـعـراء الـمـهـجـر الأسـتـرالـي الصديق الشاعر شـربـل بـعـيـنـي، بـقـلـم سـفـيـرة الـسـلام د. بـهـيـة أبـو حـمـد، فـقـد عـرفـتـهـا عـن قـرب ـ كـمـا عـرفـهـا غـيـري ـ شـجـرة بـاسـقـة فـي بـسـتـان الـوفـاء الـمـشـعِّ بـيـاضــاً، لـيـس بـتـأسـيـس ورعـايـة "جـمـعـيـة إنـمـاء الـشـعـر الـعـربـي"، ولـيـس بـإنـشـائـهـا فـي سـيـدنـي "صـالـون د. بـهـيـة أبـو حـمـد الـثـقـافـي" لـيـكـون مـضـافـةَ ومـنـتـدىً للآمـريـنَ بـالـثـقـافـة والـمـحـبـة والـنـاهـيـن عـن الـعـنـتِ والـجـهـل فـحـسـب، إنـمـا وفـي إهـدائـهـا مـكـتـبـاتٍ لـعـدد مـن الـقـنـصـلـيـات الـعـربـيـة فـي سـيـدنـي بـهـدفِ حـفـظ وتـوثـيـق أدب الـمـهـجـر.. فـالـوفـاءُ لـلـغـة وأدب الـضـاد بـات مـلـمـحـاً مـن مـلامـح الـسـيـدة الـجـلـيـلـة الأديـبـــة د. بـهـيـة أبـو حـمـد، فـطـوبـى للأدب الـمـهـجـري ولأدبـاء الـمـهـجـر الأسـتـرالـي بـهـا.
أهدي كتابي
إلى كل إنسانٍ أحبّ «الشِّعر » وانسابَت
يداه على نغمات القوافي لتزهر «قصيدة»،
إلى من تاق للحفاظ على «المعنَّى » ليزهر
«أرز لبنان» وردة زجلية يتباهى بها الشعراء.
إلى مَن ضحّى وثابر للحفاظ على
«تراث لبنان الجميل»،« وشعرائه الأجلاء».
تحية إجلال وتقدير أقدّمها لكم أجمعين.
د. بهية أبو حمد
**
كلمة الشاعر يحيى السماوي
لـم أسـتـغـربْ هـذه الـسـيـاحـة الأدبـيـة الـجـمـيـلـة فـي الـمـنـجـز الإبـداعـي لـعـمـيـد شـعـراء الـمـهـجـر الأسـتـرالـي الصديق الشاعر شـربـل بـعـيـنـي، بـقـلـم سـفـيـرة الـسـلام د. بـهـيـة أبـو حـمـد، فـقـد عـرفـتـهـا عـن قـرب ـ كـمـا عـرفـهـا غـيـري ـ شـجـرة بـاسـقـة فـي بـسـتـان الـوفـاء الـمـشـعِّ بـيـاضــاً، لـيـس بـتـأسـيـس ورعـايـة "جـمـعـيـة إنـمـاء الـشـعـر الـعـربـي"، ولـيـس بـإنـشـائـهـا فـي سـيـدنـي "صـالـون د. بـهـيـة أبـو حـمـد الـثـقـافـي" لـيـكـون مـضـافـةَ ومـنـتـدىً للآمـريـنَ بـالـثـقـافـة والـمـحـبـة والـنـاهـيـن عـن الـعـنـتِ والـجـهـل فـحـسـب، إنـمـا وفـي إهـدائـهـا مـكـتـبـاتٍ لـعـدد مـن الـقـنـصـلـيـات الـعـربـيـة فـي سـيـدنـي بـهـدفِ حـفـظ وتـوثـيـق أدب الـمـهـجـر.. فـالـوفـاءُ لـلـغـة وأدب الـضـاد بـات مـلـمـحـاً مـن مـلامـح الـسـيـدة الـجـلـيـلـة الأديـبـــة د. بـهـيـة أبـو حـمـد، فـطـوبـى للأدب الـمـهـجـري ولأدبـاء الـمـهـجـر الأسـتـرالـي بـهـا.
**
كلمة الاستاذ البير وهبه
كم يفرح الفلاح عندما يرى زرعه نما وأعطى ثماراً شهية !
وفرحي اليوم لا يحد، وأنا أقرأ دراسة أعدتها طالبتي الدكتورة بهية أبو حمد، ووضعتها في كتاب هو الأول لها تحت عنوان: "شربل بعيني منارة الحرف". وهو دراسة تشمل أعمال المربي والشاعر شربل بعيني الشعرية والنثرية.
وأنا أقرأ دراستها هذه إنتابني شعور غامر من الفرح والسعادة وحملتني الذاكرة إلى الزمن الذي كانت فيه الدكتورة بهية على مقاعد الدراسة في معهد سيدة لبنان طالبة في المرحلة الثانوية. يومها تنبأت لها بمستقبل باهر في عالم الأدب والشعر اللبناني. فقد كانت تحفظ غيباً معظم أشعار خليل روكز، وكانت تبدي اهتماماً منقطع النظير وشغفاً في ملاحقة شعراء الزجل اللبناني. فكنت دائماً أردّد في سرّي أن هذه الطالبة ستكون شخصية مميزة في الحياة العملية.
وتمرّ السنون، والتقي ببهية في محطة القطار، تحمل حقيبة سوداء وتتوجه إلى إلمدينة. وعلمت آنذاك أنها أصبحت محامية" وهو الحلم الذي كان يدغدغ أفكارها وهي على مقاعد الدراسة.
وتمر السنون وتدعوني بهية إلى صالونها الأدبي في دارتها في غرين آيكر. وسررت لأن رؤيتي قد تحققت وها هي بهية تصبح "مي زيادة" القرن الحادي والعشرين.
وأزداد فرحاً وغبطة وأنا أقرأ لها هذه الدراسة في شاعر له في قلبي مساحة لا حدود لها من المحبة والتقدير.
إنها دراسة جريئة في شاعر أعتبره والد الحركة الأدبية في أوستراليا.
**
قصيدة البروفسور آميل شدياق
وَجَــــدْتُ النَّقْــــدَ لِلشِّــعْـرِ صَـوَابَــــا
وَكَــــادَ النَّقْــــــدُ يُنْســـينـي الكِتَـابَــــا
كِتَــــابُ شَــــامِـلٌ صَــــانَ المَعَـانــي
وَنَقْــــــدٌ فَائِـــــقٌ فَــــــاقَ العِتَـابَــــــا
فَكَـــانَ النَّقْـــــدُ وَالفَحْــــوَى عَطَــــاءً
لِكُــــلِّ مُبْــــدِعٍ يَعْـلُـــــو الهِضَـابَـــــا
شُـــعَاعُ الحَـــرْفِ إِكْســيـرُ القَوَافـــي
وَأُسْــــلُـوبٌ فَـريـــــدٌ فيـــــهِ طَــــابَـا
فَكَـــانَ الشِّــــعْـرُ إِكْســـيـرَ الأَمَانـــي
وَأَمْسَــــى النَّقْـــــدُ لِلشِّــعْـرِ شَـــرَابَــا
كِتَــــابٌ خَلَّـــــــدَ التَّـاريـــــخُ فيــــــهِ
شُــــمُـوخَ الأَرْزِ فَاجْتَـــاحَ السَّـــحَابَـا
**
الام بترونله
أطل الصباح بنوره المخملي، وغردت الحساسين ترانيم حزينة على أنغام الفراق. أما النورس فقد جند أربابه على أريكة السماء تأهباً لوداع شاعر انسلخت جذوره عن تربة الوطن عمداً وقسراً.
أسمع هديل حمامة أضناها الفراق والحنين. تعن شجواً على رحيله. أرى دموعاً حارقة تذوب على أهدابها، فتذكرت ما أشاد به الشاعر:
..."يا حمام الدوح ما هذا الهديل..."
..."أغناء هو أم دمع يسيل"...
هو الذي شاركها حكايات السنين، وهو الذي عاصر أيامها وفرحها وحزنها.
إنها الوالدة ..."بترونله"... التي اتكأت حزنا على مسطبة الدار في "...مجدليا"... ترتشف دموعاً مفعمة بجمر الوداع. لقد زرع الفراق جرحاً دامياً في قلبها.
إنه ..."الأبن المثقف"... الذي يفارقها عمداً وظلماً. هو الذي رحل باكراً قبل أن تتذوق جنى قطافه وغزارة مواسمه. هو الذي أنبت عاطفة أزهرت أريجها دموع الفراق، لتتدحرج لؤلؤة حنان على ورد الخدود، التي لن تجف الا عند لقياه مجدداً.
أشم رائحه البخور من حولها وأتوق الى ..."قراءة الإنجيل المقدس"... الذي تحمله بين يديها الطاهرتين.
هي التي نظرت اليه برأفة ورحمة. إنه
..."السيد المسيح "... التي تضرعت اليه بقلب أم فاضلة قدست تعاليمه وسكبتها فرضاً وصلاةً على أولادها الستة لتلازمهم مدى الحياة.
تمايلت ..."يدها اليُمنى"... بلمسة حنان وتقوى لترسم ..."صليباً خماسياً"... طالبة منه ان يرافقه ويبعد عنه المصائب والويلات، وبالأخص بأن يحميه من الشرير.
..."صلاتك مقبولة، وطلبك مستجاب أيتها الأم الفاضلة، ولك مني كل ما تريدين"...
وأجابته بصمت مؤلم: لقد اقتلعوا جذوراً داميةً من قلبي. انه الإبن الذي يفارقني. هو الذي ارتشف رحيق عطره في كل يوم أشرق شفقه نوراً عند الصباح ليتكتك الحسون ترنيمة معلنة قدومه. هو التاج الذي يرصع جدران منزلي فخراً. هو الضياء الذي ينير قنديل حياتي املاً. هو العطر الذي ينساب في روحي زهواً. هو املي ورجائي. هو ترتيلة عمري .
..."لِمَ الرحيل؟ ولِمَ الفراق؟ الوطن أولى به"...
وجاء الصوت ليؤكد: لا تقلقي يا ابنتي. سيكون بخير. الرب معه. لم القلق؟.... وهو الذي سيبني..."هيكل أدبه المهجري"... في أستراليا.
**
جائزة الشاعر شربل بعيني
كانت الرسالةُ عابقةً برائحةِ خبرٍ جميلٍ تأرجح
أريجُهُ بين حنايا السطورِ لينثرَ عطراً فواحاً يداعب خجلاً عتبة الكلمات، ويبشر بقرارٍ أثقلته الزهورُ والفراشاتُ
زهواً وبهجة.
لقد دقت الساعةُ وحان وقتُ القطافِ وتذوّقِ الجنى.
تباركت الحجارةُ التي تـشـيدُ صـرحَ ثقافةٍ، وتُـحـيي تراثاً، وتسترسلُ على أريكتها رايةُ الشعرِ والأدب. لإنها حقا شامخةُ الرأس تتوجُها أبداً وقفةُ عزٍّ اتكأت فخراً على صولجانِ الثقافة، وتلاقت معه على حبٍ امتلأ زهواً بنور تراثٍ شـعَّ قنديلُهُ على كل مبدع وفي ركنِ منزلٍ رعى أدباً، وأشاد شعراً، وغرد تراثاً.
انه ..."منزل البعيني "... منزل ذو عراقةٍ ثقافيةٍ ترسخت جذورُها في روح الشعرِ وقلبِ القصيدة، وحفرت تراثا أزليا على جذع شجرةٍ قديمةٍ ناجت بأريج أيكِها بيارقَ الادب. رُبَ بيتٍ قدَسَتهُ الكَلمة وأنارته القصيدةُ، وتمايلت ورودُهُ خجلاً بين حقولِ العنبرِ والياسمين نافحةً عطرَ الثقافةِ لكل امرىء غرد للحبِ وأحب الشعرَ وتفيّأ بالأدب.
سمعتُ صوتاً دافئاً يناديني. لكِ عندي بشارةٌ سارة. لقد وقع الاختيارُ عَلَيْكِ من بينَ عدةِ مرشحين وقررنا ان نمنحكِ ..."جائزة الشاعر شربل بعيني"... وذلكَ تقديراً للجهودِ الثقافيةِ الجبارة التي تقومينَ بها وبالأخص الجهود المبذولة للحفاظ على الأدب المهجري من الإندثار. مباركُّ لكِ بهذا القرار والى المزيد من العطاءِ والإيـثـار.
كم كانَ الخبرُ ساراً ومفرحاً إستنشقتُ منه أريجَ النجاحِ وارتشفتُ رحيقَ الابداعِ. أشعرُ برهبةِ السكينةِ من حولي. إنه لشعورٌ مقدس. كم لفَني الشوقُ الى معانقتها. كم تنفستُ معها نفحاتِ الشعر وتذوقتُ عذوبةَ قوافيه.. هيَ التي كانت ترافقني في مواسم الزرعِ وعلى بيادرِ الحنين لنجني سويا قطافَ النجاحِ والتألقِ والإبداع.
إصغِ لقلبي يا إلهي!.. لتسمعَ نِداءَ شعرٍ انهكتهُ هموم العمرِ وزنرتْ قوافيه وحشةُ الغربةِ. هذا القلبُ الذي ينبضُ شعراً مع كل لمسةِ أملٍ وفي اشراقةَ صباحٍ حَمَلَ نسمةً داعبتْ خدودَ النرجسِ لتزهرَ عطراً فواحاً ينعشُ الروحَ ويبعثُ الأملَ ويدعو الى المثابرةِ على العطاء.
كمْ هيَ ثمينةُّ هَذِهِ الأمانةُ التي سُلِمَتْ إليَّ. كم هو ثقيلُّ هذا الحِمْلُ الثقافي الذي وُضِعَ على كتفيَّ. إنَها أمانة من شاعرٍ مَنَحَنِيْ فخراً جائزتهُ. هي التي تُوِجَتْ بأدَبهِ، ورُصِعتْ زهواً باسمهِ. إنَهُ حقاً لواجبٌ مقدسُّ بأن أكنَّ الإحترام للجائزة ومانحِها. أجَلْ - يجبُ أن أصونَ الأمانة. أجَلْ يجبْ ان أتابعَ المسيرةَ الثقافيةَ التي عُهدت إليَّ وأنهلَ منَ المعرفةِ إبداعاً ومنَ النجاحِ ثماراً ومنَ الثقافةِ أدباً، ومن الشعرِ قافيةً، وأواصلَ مسيرتي الثقافية بخطواتٍ ثابتةٍ وواثقةٍ بأنها سترتقي الى المجدِ بغيةَ تحقيقِ الهدفِ الجوهريِّ للشاعر وهو ..."الحفاظُ على الأدبِ المهجريِّ"... وإكمالُ الرسالةِ الثقافيةِ التى سارَ على خطاها البعيني ولا يزالُ ينهلُ من عطائها ليومنا هذا.
إني على الدربِ سائرةٌ ايها الشاعرُ الجليلُ، فلكَ مني العهدُ على أنني سأصون الأمانة.
أسمع صوتاً جهورياً يناديني، صوتاً يتناغم مع دقات القلب، ليزهر حرفاً وقافية وشعراً. تلته دعسات قوية وسريعة تلامس الارض بصلابة.
الطقس حار، والعمل وفير ومضنٍ. الصوت يعلو ويعلو:
-أين أنت يا دكتورة؟... افتحي لي الباب.
فأجبت:
- أستاذ شربل اهلًا وسهلا بك. ما هذه المفاجأة السارة؟... ما الخطب؟... وماذا تحمل في يديك؟... هل كنت في معرض للكتاب؟
تراقص صوته بنغمة جهورية انسابت كلمات صاخبة، وأزهرت نفياً قاطعاً:
- لا يا صديقتي، يا ست البهاء، هذه الكتب هي خاصتي لقد انتهيت تواً من الطباعة.
إِسمعي!... واسمعيني جيداً لأخبرك عن عاداتي المألوفة: عندما يختفي شربل بعيني لفترة طويلة وينقطع عن العالم، يعود كعادته ويظهر من جديد ليؤكد بانه منهمك بكتابة وطباعة الدواوين الشعرية، وها أنا أمامك حاملا باقة من الدواوين آملا ان تنال إعجابك. أعلم أنك تعشقين الشعر وتتذوقينه، وأعلم أيضاً أنك تقدرين الفن والأدب والتراث. أَنت الذواقة في كل شيء يا ست البهاء. لذا قررت ان أُهديك دواويني الجديدة لأحقق هدفين نبيلين: الأول سأكون على اطمئنان تام بأن الدواوين قد وضعت في أيدٍ أمينة تصون قيمتها، وتناصر جاهدة لحفظها من الاندثار، والثاني أريد رأيك القيم عن مضمونها، وأنا على كامل الثقة بأنك ستعطينني رأياً صادقاً وصائباً.
كم أنا فخور بك لأنك صادقة وتعملين بجهد كبير للحفاظ على الأدب والشعر والتراث، ولقد جاهدنا سويا للحفاظ على أدبنا المهجري من الاندثار، وها
هي كتبنا الآن تشرق فخراً، وتعلو زهواً في المكتبة التي قدمتها لقنصلية لبنان العامة في سيدني، بموجب القرار الذي منحه معالي وزير الخارجية المهندس جبران باسيل بناء على ملفاتك القانونية. إنه عمل جبار يا صديقتي ولك الامتنان من كل من أحب لغة
الضاد والأدب.
ـ١ـ
ما تحقق المشروع لولاكي
يا بهيّه.. بقولها وبزيد
حملتي الفكره.. الأرز ناداكي
واليوم عمّ نعيش أحلى عيد
يرحم ترابو كيف ربّاكي
بتعطي وما يوم بتنغلق هالإيد
قنصل وطنّا اليوم هنّاكي
بإسم الوطن.. وانسمعتْ زغاريدْ
من أم.. ورد خدودها باكي
ركعت تصلّي وراسها تاكي
وتحلم تْشوف عْيونك من جْديد
...
–٢–
وَهَـ الْمَكْتَبه.. النّعمه الإلهيّه
"باسيل" قَدَّمْها لنا هْديّه
كلْمِة شُكر ما بْتِلْبَق لـ "جُبران"
حَتّى الْقَصايِد ناقْصَه شْوَيّه
كانت حُلم صار الحُلم إيمان
واقِعْ.. مِتِل شي شَمْس مُضْويّه
وِجْبَيْل، أم الْحَرْف، بِالأوطان
فِرْحت كْتير وْفَرْحِتا بْمِيّه
كُتْب اللي غابوا انْجَمْعِت بْبُسْتان
مِنْروح نِحْنا وباقيه هيّي
أتعلمين يا صديقتي إنك تذكرينني دوماً بشربل بعيني عندما كان يافعاً، كنت أعمل ليلاً ونهاراً للغاية ذاتها، كنت عيناً ساهرة على الأدب والشعر والثقافة، وكم أنا سعيد لأنني قمت بهذه المبادرة، أدبنا وشعرنا يا صديقتي لا يقدران بثمن وها أنا الآن أراك تمشين على خطى شربل بعيني، أكملي المشوار الذي بدأته قبلك وسأكون لك المساعد الأمين في كل حين.
إنه عمل شاق، ومشوار صعب، نجاح وحسد. كتابة ونقد. شاعر وشويعر. ديوان وزيوان. تكريم وتهويل. رجال وأشباه الرجال. وزن وكسر بالوزن. ثقافة وجهل. أديب وأمي. فنان ونشاز . جمال وبشاعة. جمع وتفرقة. أخلاق ونميمة. بناء وخراب. ثراث وإهمال. ديوان شعري ونار تحرقه. شعر جميل ولسان طويل. حنان وقساوة. إنها، وباختصار شديد، مسيرة درب الجلجلة يا عزيزتي.
أما أنا يا صديقتي الجليلة فإنني أحب الكتاب، أعشق القلم، أرتاح للهدوء، أتنفس الشعر، أغوص شوقاً لصورة شعرية جميلة، أطرب لبيت معنى جميل، أعانق السكينة لتزهر كتاباً، أحب نور القنديل لأنه يعطيني الدفء والحنان، أحن الى صوت أمي ووجودها ودعمها لي ونصائحها التي لا تقدر بثمن. آه كم أنا مشتاق اليها.. أتعلمين يا صديقتي كم كانت خسارتي فادحة عندما خسرت أمي؟ ألأم هي كل شيء في الحياة، ولا يمكن لأي انسان ان يلعب دورها:
إذا قلت الإله.. أقول أمي
فعندي حبُّها ربٌ جليل
الرجل يا صديقتي هو طفل صغير يحن الى صدر أمه، يذوب حناناً عندما يعانق جسده صدرها ليلتمس حناناً ودفئاً وراحة ابدية.
كم أنتِ قاسية ايتها الحياة
كم اًنتَ اناني أيها المصير
لقد اقترنت بالغربة الموحشة. أتوق شوقا إلى قريتي مجدليا، إلى أصدقاء الطفولة، الى أجراس الكنائس، إلى رائحة الارض الطيبة، إلى الهواء العليل والمنعش،
إلى عنقود العنب الأشقر، إلى البيت والجدار ورائحة أمي وأبي، إلى الأقرباء، إلى العين والمياه العذبة،
حقاً أقول يا صديقتي أن ذكريات الطفولة جميلة ومؤلمة.. لم ولن أنساها.
كم كان الكلام مؤثراً، ومفعماً بجروح عميقة تنزف هجراً، وتتوق شوقاً الى الجذور، والى ضمة حنونة من مآسيه، جروح تأرجح فيها دهر مليء بالمغامرات، والنجاح، والتألق.
ألصمت واجب، والاحترام حق. والتفكير يعانقه التساؤل، أما السكينة فإنها توأم الأمل.
وقفت لأقول وداعاً، ثم عدت الى حجرتي بخطوات يعانقها شغف القراءة، رائحة النجاح والإبداع عابقة في أرجاء المكان. أما صهوة القلم فقد اقترنت ببرجٍ عالٍ وقف على مشارف صرح ليبشر بالثقافة وينشر الابداع. يا له من عمل جبار!... انه يعكس صورة رجل امتلأ بقوة الحرف. هامة ثقافية إمتدّت جذورها في جميع الميادين. أرزة شامخة صامدة في وجه الاعاصير والعقبات. وردة جورية نفحت عطراً، غرّد شعراً واسترسل نثراً وديواناً وتراثاً.
إنه ..."شربل بعيني.. منارة الحرف وأبو الشعر والوزن والقافية. الرجل الذي أعطى الشعر، والحرف، والكلمة، والثقافة، طابعاً فريداً قل نظيره.
إنه نور من لبنان.
إنه أرزة خالدة زادت شموخا على مدى الدهور.
إنه القلم الذي هندس الكلمات فنفحت عطرها شعراً، ووزناً، وقافية، وتراثاً تغنى بها الجميع.
إنه رجل الميادين والساحات، والمواقف الصعبة.
إنه صهوة المنبر، ونور الكلمة، وصوت الحق.
إنه ابن مجدليا الأشم، والمثقف الكبير والوفي الأكبر.
إنه الشاعر الذي انحنت له القوافي خشوعاً امام سطوة قلمه ونور شعره، لتحلق حالمة وثائرة في ميدان الأدب والثقافة.
إنه الفخر الذي تناقلته بمحبة ألسنة الأدباء.
إنه القلم الذي ثار كاسراً على غلط ملحوظ.
إنّه الشعر الرقيق الذي تنساب صوره الخلابة في ترانيم روحنا، وأدبنا، ليطلق لحناً شجياً يناغم الروح، وينحني للمحبة، ويلامس القوافي، ويدغدغ الكلمات العطرة لينشر سلاماً مشرقاً في اقطاب الارض.
إنه النحلة الدؤوبة التي تقطر عسلاً سرمدياً، نهل من عبقرية العظماء، ليزهر تراثاً، ويقطف ادباً جلياً، شامخ الكتفين لا ينحني إلاّ للحق، وتتناقله صاخبة كل من أحب الشعر والأدب وعلى مدى الدهور.
إنّه الارزة الازلية الشاهقة والشامخة التي تلامس أيدي الرب، ليسطع نورها أبياتاً شعرية تمجد اسمه إلى أبد الآبدين.
إنه شجرة الجوز التي امتدت جذورها الصلبة في زنبقة المدائن الحالمة في بقعة من أرض لبنان، وفِي شماله الخلاب، والتي غارت الورود من اسمها الذي اقترن بالمجد (..."مجد"...) ليصبح مُلْكاً له (..."ليا"...) مرنماً بسلام وحنان وحب تقاسيم حروفه (..."مجدليا"...).
هو ابن مجدليا الذي فاح اريج ادبه في كل قلب دقت حناياه ترانيم الحب.
هو الشاعر الذي عصفت بجدران قلبه كرامة الشعر فصانها دوماً وأبداً.
إنه الشاعر الذي أزهر غصون الحرف وأغفى مجده على أريكة الحب.
هو من رفرف شموخ قافيته وأريج صوره الجميلة الى أعالي الغيوم ليناجي الخالق ويرنم له تمجيداً.
إنّه الشاعر الذي أزهَرَ عِطرَ الياسَمين ادباً وغردَ العصفورُ شجواً ترانيمَ شِعرهِ لحبيبةٍ اضنَاهَا الهَوى واشادتْ لَهُ بنجوىَ حُبِهَا المُتَيَمْ والمُتَعَطِشِ لأبيَاتِ غَزَلٍ تُزَينُ لِقَاءَ العاشِقانِ حباً وهِيَاماً.
انه القنديل الذي ينير برحيق ضؤه حباً قديماً طوته السنين ظلماً وافتراءً.
جلست خلف مكتبي. الجو بارد، والليل داكن، اما الهدوء فهو دوماً وابداً مفتاح الفكر، وتنهيدة القلم، وبالأخص عندما يقترن بنغم موسيقي جميل تأرجح له القلب والفكر، وعانق الروح طرباً.
اًمعنت النظر به لاستمد القوة والسلام. هو ملجأي وخلاصي وإيماني. هو قوتي ورجائي. إنه ..."السيد المسيح "... الذي سكن قلبي ورافقني في مسيرة حياتي. الذي منحني النور والسلام وعلمني التواضع. اًحنيت رأسي إجلالا، قبلت ايقونته، ركعت وصليت:
..."اًعطني السلام يا إله أنت الملك والسيد القادر على كل شيء"...
..."لقد اًتيت إليك فاستجب ندائي"...
**
الطبعة الخامسة ٢٠١٠
أشرق وجهها خجلاً على صفحته، ولمع بريق الحب في عينيها الزرقاوين. إنها الحبيبة الجميلة، والمراهقة اللعوب التي امتلكت روح الشاعر، وألهبت مشاعره، وسكنت حناياه، وكتب لها أولى قصائده عام ١٩٦٨، ثم أزهرت عطراً في كل زاوية من حياته. هذه المراة التي أطربت الحب خجلا، وأنارته بخوراً فواحاً ينعش الروح، ويدغدغ أنغام القلب، لينبض عقيقاً ازلياً، أبرق مهجة تهادت كحرير الملبس على قلب العاشقين الحميمين ليرنما للحب سويا وإلى الأبد.
الغلاف يثير الإعجاب ويلفت النظر، فالمرأة ذات العينين الزرقاوين تنظر إليك حالمة وكأنها تبغي المغامرة الشيقة - إنها حقاً هنا - تقف شامخة، وتنظر سائلة، وتسأل حائرة، وتراقب مندهشة. إنها حامية حمى الحب السرمدي التي تتذوقه كل يوم وتعيش أمله مع شاعرها الحبيب.
ألصمت في حضرة العاشقين مقدس. أللون الأزرق يبهر القارىء ويعطي الأمل والانشراح، أما تقاسيم الوجه فقد ثارت على الزمن لتتقلب ألوان مختلفة تناغم الظروف التي تقترن بها سواء أكانت قاسية، أم حزينة، صعبة، أم رقيقة، أم متعجرفة. أما الفم فهو جميل المبسم تتوجه شفتان زهريتا اللون تجاذبان الحب وتلامسانه ، وتعانقانه ، وتداعبانه ، لترتشفاه أخيراً قبلة تأرجح لها الفؤاد المتيم، وتهادى عشقاً رقيقاً على قلبي العاشقين.
كم هي رائحة العشق والغرام فواحة في ديوان ..."مراهقة"... لدرجة جعلتني أتذكر بعضاً من ابيات قصيدة كتبها الشاعر احمد السيد وقد قال فيها:
اول ما ربيع العمر شبشب
ما كنت استهاب من المصيبة
عا فرفرتي ما خلي درب يعتب
السما من الارض لاقيها قريبة
وبيي عيشو جمعه مسرسب
الصبي عالبيت ما بيلفي عجيبة
إن قلي وين عم بتغط اغضب
مع الحلوين قضيها هريبة
في ..."مراهقة"... تتراءى لنا ..."حبيبة البعيني"... متمايلة عشقاً، ومتراقصة طرباً، ومرتدية ..."فستانها القصير"... الذي يكشف معالم الاثارة في قد جميل سكبت معالمه بيد خالقه، واستاء منه الحاسدون.
اما البعيني، فقد أبرز بالشعر مهارته في ..."الحياكة"...، فهو الذي فصل الفستان من حرير الطيلسان، ثم حاكته فراشة بيضاء حالمة، غدت باكراً قبيل سنا الصباح، لتشدو نجوى حبها السرمدي، وهيام عشقها الأزلي، مخاطبة البعيني بلغة الحب، مطالبة إياه بالاصغاء الى دقات القلب، ونور العقل، ليتحقق حلمها الذي اكتمل وبدا مشعاً كبدرها الغلسي.
القامة حضارة شامخة، والقَدّ ممشوق، والعنق مرموق يتمايل دلعاً لرؤية الحبيب، والفم مرسوم بجرح الذهب، والجبين عال أشرق من أعالي صرحه نور عشقه المشع، والصدر رخامي الملمس، وعارم المظهر، وثلجي المنظر، ناصع كبريق الحب، والخصر تاريخ، والشعر ناعم يتهادى كحرير الملبس على ورد الوجنتين، ليدغدغ حنانه، ويسكر عشقاً من زهو رائحته الفواحة، يلاطف الخدود المتعطشة للقبل، ثم يعود مرفرفاً بحنان الى تاج الرأس، شامخاً بحبه للشاعر الذي أصابه دوار شديد من كثرة العشق، وتأجج نار الغرام في قلبه، وغدا كطير اطلق جناحه للمرة الاولى محلقاً ببهجة في سماء الحب ولا يدري كيف يعود الى عشه الأرضي الدافئ والأمين.
وتؤكد الحبيبة للبعيني وبألم صارخ ان ..."الوجد"... قد اضنى مصيرها، وان ..."الهوى"... قد لفّ وهج حبها، ليزرعه أرزة شامخة لا تنحني الا للعشق، تنتظر حبيبها على مفترق طريق افترشته بورد الأمل ليشم عطره الفواح، مناجياً الروح هياماً وعشقاً ومعلناً اللقاء الابدي معها .
في ..."مراهقة"... كان ..."الغزل اباحيا"... عند البعيني:
هَـ الْحَلْمِة اللِّي مْشَوّبِه
يَا مَا قْلُوب مْدَوّبِه
و ..."بجرأة"... جارفة وحب واضح:
وِبْناتْ مِتل الزَّهْر
دِبْلِتْ عَلَى بْوابِي
تا تْفَرْفِحْ شْبابي
...
بَيْنِي وْبَيْنَكْ سَالْفَيْن زْغَارْ
قَعْدِت عْلَيْهُنْ غَبْرِةْ الأيَّامْ
شَابُوا.. وْأَنَا مِنْ شَيْبِتُنْ مِنْضَامْ
وْمُحْتَارْ كِيف بْدَارِيُنْ مُحْتَارْ
تَا ضَلّْ شَبّْ زْغِيرْ
بِعْيُونْ فَرْفُورَه
بْتِكْرَهْ التَّنُّورَه
الْـ مُشْ لاحِقَا تِقْصِيرْ!!
في ..."مراهقة"... ناجى الشاعر نفسه، وندم على تقدمه بالعمر، وقرر ان يعيد حساباته ويصبح ..."شابا"... ليستعيد زمن العزوبية الذي كان خلاله يرتشف الحب مع الجميلات اللواتي امتلكن كيانه، وغردن حباً وتيمناً بشعره:
مْنَعْرِفْ بِـ شِعْرَكْ رَاسِم تْكَاوِينْ
مْنَعْرِفْ بِـ شِعْرَكْ جَنِّت الْحِلْوِينْ
لَكِنْ، يَا حَسْرَه، مِسْتِحِي وْمَخْجُولْ
تْنَقِّي شِي حِلْوِه.. تْخَزِّق الْمَرْيُولْ
وِتْلَبِّسَا فِسْتَانْ وَرْد وْغَارْ!!
وْسَاعِتَا.. بْتْطَلِّقْ الدَّفْتَرْ
وْبِتْصِيرْ بَدَّكْ تِشْرَب وْتِسْكَرْ
وْخَلْف مِنَّكْ بَابَك مْسَكَّرْ
مِنْ رِيقْ أَنْقَى مِنْ نَبعْ كَوْثَرْ
مْنِ نْهُودْ أَغْلَى مْنِ الدِّنِي كِلاَّ
بْتِحْرُقْ صَابِيعْ اللِّي بْيُوصَلاَّ
وْكِلْ مَا انْحَرَقْت بْتِرْكَعْ لأَللَّـه
وْبِتْقُولْ بَدِّي إِنْحِرِقْ أَكْتَرْ
وْمِتْل الْفَرَاشِه إِنْتِحِرْ بِالنَّارْ
وتأرجحت حبيبة الشاعر المراهقة في ..."مرجوحة حبه"...، تلامس هدبه، وتعانق جسده، لتكون أسطورة حياته :
يَا مْدَهّبِه الشَّعْرَاتْ
وْلابْسِه الأَحْمَرْ
لا تْغَنْدرِي الْمَشْيَاتْ
بْتِسِحْرِي الأَشْقَرْ
وْيَا حُلْوِة الْحُلْوَاتْ
لَيْلِيِّه عَمْ إِسْهَرْ
تَا إِكْتُب حْكَايَاتْ
حُبِّك بْدَفْتَرْ
وكان ..."للسرير"... مكان خاص في قلب الشاعر، وبالأخص اذا كانت لحبيبته المشاركة فيه:
وْتَخْت مَفْرُوش بْحَرِيرْ
بْزَنْبَق.. بْوَرْد.. بْعَبِيرْ
اما ..."النهد"... فكان ..."خمرة الشاعر"... التي يستقي منها الهيام ليناجي حبه الولهان:
بِنْطُرْ السَّاعَه الْعَزِيزِه
بِشْبَع.. بْطَفِّي الْغَرِيزِه
بْخَمْرِة النَّهْد الْعَتِيقَه
أظهر الشاعر إحساساً مرهفاً في ..."مراهقة"... على ..."الحزن"... الذي امتلك حبيبته، ورجاها الا تبكي لان قلبه سيقطر دماً على حزنها:
ليْش الْبِكِي؟!.. دْمُوعِكْ مَطَرْ
شُو اللِّي عَلَى بَالِكْ خَطَرْ؟!
...
بْيِكْفِي بِكِي.. قَلْبِي انْفَطَرْ
وْمَا فِي حَدَا قَدِّي انْقَهَرْ
...
شُو مْزَعّلِكْ؟.. إِنْتِي الْقَمَرْ
إِنْتِي السِّحرْ فِيكِي انْسَحَرْ
في ..."مراهقة"... كانت ..."لتشرين"... لمسة سحرية في حياة البعيني، الذي عشق الخمر، والنهدين، والبرد سوياً:
صَدْرِكْ.. قَاسِي وِمْحَجَّرْ
جِسْمِكْ.. أَحْلَى مْنِ الْمَرْمَرْ
بِتْذَكَّرْ لَيْلِه بْتِشْرِينْ
شْرِبْنَا مْنِ اللّذِه أَكْتَرْ
تَلْج.. وْكِنَّا بِرْدَانِينْ
بْيِنْقِصْنَا الْجَمْر الأَحْمَرْ
واحتلت ..."الفرفورة"... في ..."مراهقة"... مركزاً مرموقاً في حياة الشاعر الذي تغنى بجمالها:
فَرْفُورْتِي الْجَمِيلِه
يَا زْغَيَّرَه.. وْطَوِيلِه
...
فَرْفُورْتِي الْحَبِيبِه
أَعْمَالِك الْغَرِيبِه
و"النهد"...هو دائماً توأم للسكر عند البعيني:
بِشرب مِنْ نَهْدَيْكِ السّمْرْ
كَاسَيْن تْلاتِه وْأَكْتَرْ
تَخْت وْعَتْم وْمَوْقِدْ جَمْرْ
وْمَعْ أَطْيَبْ مَازَه بِسْكَرْ
وهناه وآهاته:
صَدْرِكْ جَبَلْ عَالِي
وْأَنَا التَّلْجَاتْ
عَـمْ دُوبْ بِلْيَالِي
هَنَا وْآهَاتْ
حِنِّي عَلَى حَالِي
...
صَدْرِكْ صَخرْ مَرْمَرْ
وْفِي تَلْتَيْن بْرُوحْ
تْرَابُنْ جِلدْ أَسْمَرْ
عْلَيْهُنْ تِجِي وِتْرُوحْ
نَسْمِةْ هَوَا شْمَالِي
...
نْهُودِكْ يَا أَحْلَى مْنِ الدِّنِي
بِرْكَعْلِك قْبَالُنْ سِنِه
و..."الحب الدواء الوحيد"...الذي اعتمده البعيني لإطفاء ناره التي امتلكت كيانه:
لا تْخَيّبِي ظَنِّي
وْمَا تِنْطرِينِي شْوَيّْ
تا حَوِّش الرُّمَّانْ
الْـ دَاخِلْ الْجَنِّه
عَمْ تِقِتْلِينِي.. خْطَيّْ
لا تِقِتْلِي إِنْسَانْ
لا تِبِعْدِي عَنِّي!!
ونادى البعيني ..."حبيبته"... لينبهها ان لخواطر الحب والقبل الجارفة أثراً على جسدها:
مْعَلّمِه الْبَوْسَاتْ عَ خْدُودِكْ..
عَ شْفَافِك الْحَمْرَا.. وْعَ زْنُودِكْ
وْعَ مْطَارِح الْـ فِيهَا إِثَارَه كْتِيرْ
عَ أَتُون النَّارْ.. عَ نْهُودِكْ!!
...
بَدِّي بُوسِكْ تَحْت الرَّقْبِه
بَدِّي طَفِّي النَّار بْقَلْبِي
...
عَلِّي.. عَلِّي شْوَيِّه كِمِّكْ
وْشُو ما قَالِتْ أُوعَا يْهِمِّكْ
وتثور حبيبة البعيني على ..."الحساد"... الذين اتهموا حبيبها بالغدر ووصفته بالوفاء الكامل:
غَدَّارْ!!
مِينْ قَالْ عَنَّكْ هَيْكْ
وْإِنْت الْوَفَا بْعِينَيْكْ
وْإِنْت الْحَلاَ كِلُّو
وِعْلَيْك دَلُّوا عْلَيْكْ
نْجُومْ السَّمَا يَا جَارْ
وْبَعْدُنْ عَمِ يْدِلُّوا؟
وأبى البعيني الا ان يبني لحبيبته ..."منزلا من ضلوعه"... كحجارة له، وأزهاره فراش لها ليغفو بجانبها كعاشق متيم بنار الحب:
يَا حُلْوتي.. هَـ الدَّارْ
الْمَبْنِيِّه عَ حْفَافِي
مِنْ ضُلُوعِي حْجَارْ
بَيْتِك الْغَافِي
عَ فْرَاشْ مِنْ أَزْهَارْ
نَايِـم وْدَافِي
...
بَيْتِكْ.. أَنَا بْزُورُو
كِلّ يَوْم صُبْحِيِّه
بْتِتْسَابَق طْيُورُو
تَا تْطِيرْ حْوَالَيِّي
وِبْبَوِّس زْهُورُو
بِرْمُوش عِينَيِّي
تَا حَرْقِص شْفَافِي
ويثور البعيني على ..."الظلم والظلام"... وطالبهم ان يرأفوا بالبشر خوفاً من غضب الله وتيمناً بالمحبة:
لا تِظْلُم الْمَظْلُومْ أَكْتَرْ ما انْظَلَمْ
لَيْقُومْ أَللَّـه يِضِرْبَكْ
بِالآخْرَه.. وِيْعَذّبَكْ
وِتْصِيرْ تَعْرِفْ شُو الْمَحَبِّه.. وْشُو الأَلَـمْ؟
وما أجمل ..."شعر القرادي"... عند البعيني خاصة عندما يتغزل بحبيبته وبعينيها الجميلتين، ويصف تأثير الحب السرمدي عليها:
يَا حُلْوِه الْـ عَمْ بِتْصَلِّي
وْبِعْيُونِكْ حُبّْ
يِمْكِن بْعَصْر الْقِلِّه
مَا تْلاقِي شَبّْ
...
صَايِرْ سَكْرَان بْحُبِّكْ
مَقْطُوع الْحَيْلْ
وْعَمْ بِحْلَمْ إِنِّي بْقُرْبِكْ
وِالدِّنْيِي لَيْلْ
...
رْمُوش عْيُونِكْ يَا عْيُونِي
جَوْز بْوَارِيدْ
بِرْصَاصَاتُنْ رِمْيُونِي
وْزَتُّونِي بْعِيدْ
ويثورالبعيني على ..."قلبه"... الذي خانه عندما زاد الدقات عشقاً وتيمناً بحبيبته رغم إلمامه بغرام الشاعر الذي كاد ان يجن منه:
شو كانْ بَدَّكْ يا قلْب منِّي
وعارِفْ غَرامي رَح يْجَنِّني
بُوقَفْ بِـ دَرْبا ما بْتِرْمي سْلامْ
بْقَرِّبْ لَحَدَّا.. بْتِبْتِعِدْ عَنِّي
ويصور ..."الشعور"... الذي إعترى البعيني لحبيبته خلال سنين حياته:
متْل الكذبْ دِقَّيْت عَ بْوابي
شِفْتَكْ طفلْ.. ما عرفتْ إنتَ مينْ
تْلاعَبتْ فيّي متل شي طابِه
وْقِلّقِتْني بِعْيُون نِعْسانين
أكْتُبْ شعرْ تا فَرّح حْبابي
بْخيطان شِعري حَيِّك فْساتين
رباعيات
"الطبعة الرابعة ٢٠١٦"
ما أجمل الكتابة في الليل، وبالأخص عندما تنساب الكلمات الرقيقة من قلم في وقت تعانق فيه الظلمة سنا الصباح لتعلن ولادة باكورة الكلمة. إنها السكينة التي تحرك المشاعر والقريحة لتزهر أدباً، وتمطر شعراً، وتنبت كتباً ذات قيمة فكرية عميقة وملفتة.
الشعور بالغبطة هو بالطبع شعور مقدس، يعانق الفرح، ويدعو النفس لمناجاة الهدوء.
آه منك يا زمن.. في كل مرة أفتح باباً من أبواب الثقافة تفاجئني بأبواب أخرى شائكة، وبعالم ثقافي جديد يتطلب زمناً آخرَ وجهداً جهيداً لفهم محتواه. وها أنا حقاً أقول: العلم راية، والثقافة نور لمن اهتدى. وها أنا الآن أنهل العلم والأدب والثقافة والشعر من دواوين تماشت مع العصر، والظروف، والزمن، ولامست أطرافها، ثم قبعت في صدر منزلي، وألتفت حولي، وفي ثنايا مكتبي. يا لها من دواوين قيمة. لقد كتبت بقوة الحرف وسحره، وبقلم شاعر عاصر النور، وانصهر بالأدب، وعانق الكلمة لتزهر ديواناً يزهو في المكتبات وتتناقله الايدي التي تعشق الشعر والغزل.
إتكأ ..."بيت المعنى"... مداعباً ومناصراً وسائلاً شاعراً تغنى به ونهل من خضم أفكاره لتشرق أبياته في كل زمن كمنارة للعشاق ولمحبي الشعر.
ما الخطب يا شربل بعيني؟... أين الشعراء الاجلاء؟.. أين مناصرو المعنى؟.
وعدنا الْيَوْم بشعر المعنى
بنينا مجد اعلى من المجرة
وفتحنا بالزجل دنيا جديدة
...الشاعر خليل روكز ...
أريد جوابا أيها الشاعر الجليل.. ماذا جرى للزجل؟ هل هو عصر الشويعر؟ هل الذي يقال شعرٌ ؟ هل الذي يطبع ديوان ؟ لم الصمت عن الحق؟ لم ولن أدفن مرتين...
وإيدين تهدر نار يوم المرجلي...
...شطر من اغنية لسفيرتنا الى النجوم السيدة فيروز...
ألست أنت الساهر على الشعر؟ ألست انت يا بعيني من عاصره وحفظه من الاندثار؟ ألست انت الشاعر الذي زرع أبياته في روض من الزهور، ليبسم شعراً يرنو به الى حبيب ألهبته نار الهوى، ليطفئها لاحقا ندى ربيع
انطوى على رحيق زهرة، ليزهر عشقا وغراما؟
ألستَ أنتَ منْ كانَتْ ابيَاتِهِ قوتاً لأفراد قومٍ سكَنَ
العشقُ بين جدرانِ ايكِهمْ المهجور ليزهرَ املاً؟
الست انت القائل:
الشِّعرْ مَنُّو شِعرْ مِنْ دُونِي
وْلاَ كَانْ هَزّ مْشَاعِر الإِنْسَانْ
لَوْ مَا عَ أَرْضُو إِسْكُب عْيُونِي
حَتَّى بْدُمُوعِي يِرْتِوِي الْعِطْشَان
وجاء صوته هادراً، صارخاً، مشمئزا، معاتباً، باكياً وناحباً على روح الشعر، وكأنه يقول:
وما عساني أن أفعل، وأنا الذي أبكي وأتألم على الزمن الجميل الذي كان فيه الشعر ميداناً لفطاحله، ونبراساً لقلمهم، وتحدياً لقدراتهم، وصوراً لأبياتهم:
التّارِيخْ وَحْدُو بَسّ مَقْبِرْةِ الرّجَالْ
هْنِيَّالْ يَللِّي بْيِنْقِبِرْ فِيهَا
صَفْحَاتْ عَمْ تِحْكِي قِصَصْ أَبْطَالْ
بِالْكَادْ إِيدْ الدَّهرْ تِطْوِيهَا
وأنا الذي ثرت على الذين يلقبون نفسهم ..."بالأدباء"... ووصفتهم ..."بالجهلأ..."
كلّ وَاحِدْ صَارْ بِالْغُرْبِه أَدِيبْ
وْأسْتَاذْ.. نَاقِصْ يِحْمِل بْإِيدُو قَضِيبْ
لكِنْ، يَا حَسْرَه، بْيِطْلَعُوا بَعدْ الْفَحصْ
جِهَّالْ.. صَعْب كْتِيرْ تَا يْنِصُّوا مْكَاتِيبْ
...
سْأَلْتِي بْحَسْرَه: وَيْن هِنِّي الأُدَبَا
الْـ زَرْعُوا الْمَهْجَرْ شِعْر وِغْنانِي
نِحْنا، يا حِلْوِه، بْجالْيِه ما بْيِعْجِبَا
غَيْر الرَّقْص.. وِتْفَتِّح قْنانِي
وأنا الذي عاصرت الغربة الموحشة في كل أطيافها، وارتشفت عذاب رحيقها.
اجل - أقولها على الملأ - بانه كفاني زهواً بأني ناصرت الأدب المهجري والشعر والتراث. هذا هو بالطبع المعزي الوحيد.
اجل - أقولها على الملأ - لقد أحرقني جمر غربتي، واكتويت بنار أتونه. انه حقاً يلازمني في كل حين.
أما الحزن فكان توأمي الروحي، يأكل من زادي ويمتلك كياني، ويفترش صدر الحنايا مسيطرا على كل الأحاسيس ليعبث بها كما يشاء:
إبنُ المَهاجرِ غارقٌ في حزنِهِ
منذُ احتضنتُ الأرضَ غابَ توجُّعي
شَعَّتْ على ثغـْر الأحبّةِ بَسْمَةٌ
خِلْتُ النجومَ تـساقطتْ بتـَسَرُّعِ
"قصيدة يا مصر: ديوان أوزان الطبعة الأولى ٢٠١٦"
أما نهر الشعر فكان ولا يزال يزيد بستان الأدب المهجري خضرة، ويغرس زهور المحبة ليفوح أريجها في كل منزل عشق الشعر وتغنى بأبياته.
أما الشعر فكان ولا يزال عبق السحر، حريري الملمس، شجي المسمع، عطر الكلمة، يحوّل ليل غربتي ضحى بهي الأفق عند سماعه، ويغمرني انتشاء روحي عذب حين أرتشف رحيق أبياته. إنه حقاً الشجرة الظليلة الوارفة في غربتنا، وله دوماً في قلبي مصطبح محبة، ومغتبق تبجيل. انه أريج الياسمين الذي يلامس الروح ليحلق إبداعا كنسمة ربيع فواحة لامست الجميع بأطراف عطرها الفواح وأزهرت لطفاً وأدباً وشعراً. إنه الروض الذي أزهر ورداً يبسم للحب ويرنم للعاشقين.
لا تْقُولِيلِي: ضْجِرتْ مِنِّي
صَعب إِضْجَرْ مِنْ لَحِنْ عُمْرِي
مِن صَوْت جِنِّيِّه عَم تْغَنِّي
غْنَانِي انْسَرْقِتْ مِنْ كُتبْ شِعْرِي
...
شَاعِرْ أَنَا.. وِالشِّعرْ عَ شْفَافِي حِكِي
حْكَايِةْ شَعبْ.. لَـ مِينْ بَدُّو يِشْتِكِي
صَلْبُوهْ، مِتل الرَّبّ، فَوْق الْجُلْجُلِه
وْشِرْبُوا الدّمُوع وْهَيّصُوا لِمِّنْ بِكِي
في ..."رباعيات"... ثار البعيني على ..."الغربة"... وحلم بالرجوع الى أرض الوطن:
حْلِمْتْ حُلْم كْبِيرْ يَا لُبْنَانْ
حْلِمتْ إِنَّكْ ضَاحِكْ وْفِرْحَانْ
وْإِنُّو السِّلـمْ غَطَّى الْجَبَلْ وِالسَّهْلْ
وْرِجْعُوا اللِّي تَرْكُوا أَرْضَكْ مْنِ زْمَانْ
وخاطب البعيني "الشاعر" قائلا:
شَاعِر.. وْشِعْرَكْ مِتِلْ شَعْرَكْ
مَنْفُوش مِنْ كِتْر الذِّكَا وِالْعِلْمْ!!
أَوْزَانْ مَا بْتِنْعَدّ.. عَ ضَهْرَكْ
حَامِلْ.. وْبَعْدَكْ مِتِل صَخْر الصَّمّْ
أما ..."تراب الوطن"... فاعتلى عرش قلب البعيني الذي صنفه بذي قيمة كبيرة والذي ثار على بيعه:
الأَرْزِه الْـ بِأَعْلَى جْبَالْ عَمْ تِبْكِي
وْتِدْبَل غْصُونَا الطَّاهْرَه وْتِتْكِي
مِنْ يَوْم مَا بَاعُوا تْرَابَاتَا
وْخَنْقُوا عَ تِمّ طْفَالْهَا الضِّحْكِه!!
وأوصى البعيني في ..."رباعيات"... بالمحبة والسعادة والتآخي:
وْصِيِّه بْوَصِّيكُنْ قَبِلْ مَا رُوحْ
عِيشُوا بْسَعَادِه هَـ الْعُمرْ كِلُّو
وِانْ كَانْ شِي مَرَّه الْقَلبْ مَجْرُوحْ
بْضِحْكِه زْغِيرِه الْمُرّ بِتْحَلُّوا
...
غيرْ شكلْ بَدِّي كُونْ يَا رَبِّي
إِحْملْ بِقَلْبِي أَعْظَمْ مْحَبِّه
وْأفْرُش عْيُونِي عَ دْرُوب النَّاسْ
وْإِطْعَمْ الْـ بِيجُوعْ مِنْ قَلْبِي
ويثور على ..."اللئيم وناكر المعروف"... وطالبه برد الجميل:
لا تْكُونْ لَئِيمْ وْتِنْكُر الْمَعْرُوفْ
رِدّ الْجَمِيلْ وْزِيدْ قِبَّانُو
وْلا تْدِيرْ ضَهْرَكْ سَاعِة الْـ بِتْشُوفْ
خَيَّكْ جُوعَان وْمَادِد لْسَانُو
...
لا تْدِيرْ ضَهْرَكْ لِمِّن بْتِلْسَحْ
مْنِ جْرَارْ خَيَّكْ كِلّ عَسْلاتُو
نَهْر الْمَرَارَه بْيِبْتِدِي مَطْرَحْ
كَان النَّحلْ يِنْعَمْ بِزَهْرَاتُو
وودع البعيني ..."الارض"... التي أحبها والتي رويت بدموع ودماء أولادها:
بْخَاطْرِكْ.. عَمْ قُولْهَا.. وْقَلْبِي حَزِينْ
يَا أَرْضْ.. دَمْع وْدَمّ سِقْيُوا تْرَابْهَا
يَا نجْمِة الصُّبْح وْأَمَل الِمْهَاجْرِينْ
يَا بْيُوت بِزْنُودِي رْفَعْت عْتَابْهَا
ونادى البعيني كل من ..."قرأ شعره"... بأن يفهمه جيداً ويتعمق بالالم والشقاء اللذين عاصرهما طويلاً:
قْرِيتْ شِعْرِي.. بْحِبّ إِنَّكْ تِفْهَمُو
وْتِرْجَع تْعِيد قْرَايْتُو مْنِ جْدِيدْ
جْرُوحَاتْ عُمْرِي.. صَعْب تَا يِتْبَلْسَمُوا
وِبْيُوتْ.. مَفْرُوشِه شَقَا وتنهيد
الله ونقطة زيت
"الطبعة الثالثة ٢٠١٦"
الليل داكن، والبرد قارص، والهواء ثائر وصاخب، يصارع عصف الشتاء، ويداعب حفيف الاوراق المتناثرة من احضان الاشجار، لتتهادى برقة على صدر التربة معلنة بفخر قدوم فصل الشتاء.
أشمُّ رائحة الارض العابقة بعطر الشتاء. كم هي جميلة هذه الرائحة.. أحن الى أريج عطرها الذي يتأرجح خجلا ليلامس أنفي، ثم يعود منصهراً في أحضان الأرض، ليقطن داخل جذورها الى الابد.
كم هو نبيل تعلقنا بالارض، وبالجذور. كم هو ثمين حبنا لها. إنه يعكس سر وجودنا، وتعلقنا بالتقاليد، وحبنا للتراث.
آه يا الهي!. كم أنا بحاجة إليك لتنسيني عذاب الغربة الأليم. أنت ملجأي الوحيد يا رب في كل الشدائد. فكن لي عوناً دائماً.
إشتقت الى أرضي.. إلى ذكريات الطفولة. أحن الى صوت أمي.. إلى فرح أصدقائي.. إلى أيام الشباب.. إلى رائحة البخور الذي يفوح بين جدران الكنائس.. إلى ترانيم الخشوع إلتي تنساب من فم الكاهن.. الى ضيعتي الجميلة الخلابة.. إلى صوت الناي الحزين من يد شاعر ثار على الكون ليطلق نغماً جميلاً تغنى به شعراً، وأزهر قافية.
ما زلت أذكر جيدا كلماته الرنانة عندما اقترب مني وقال: اقرئي هذا الديوان يا صديقتي: ..."الله ونقطة زيت"....
إنه ديوان من نوع اخر، كتبته عن قناعة شخصية وبصراحة مطلقة معتمداً على الامور والمستجدات التي تدور حولنا كل يوم. كنت جريئاً لأبرز الألم الذي ينتابني من جراء الظلم، والكفر الذي يمارس حولنا. أتمنى ان يعجبك محتواه.
انصرف.. ولا تزال دعساته القوية ترن في اذني، انه الشاعر الذي تهادى رحيق شعره سحراً على خدود الورد، فعبق زهواً باريجه، وأزهر قصيدة رقدت دلعاً على وجنتيه، ثم اختالت طربا على ترانيم صوره الجميلة.
انه البعيني، الشاعر الذي ارتشف رحيق الشعر، ودغدغ أريج الحرف، ونهل من عبير القافية، وأزهر دواوين شعرية قيمة أغنت المكتبات ، وتأرجحت على خدود الورد لتناجي الحب وتداعب العشق. واورقت أشجارها غراماً متيماً انساب في حنايا القلب، واعتلى عرش كل امرىء انصهر بالحب، وتيمن به، ليشع نوره غزلاً حريري الملمس في كل حرف أزهر شعراً وأنبت قصيدة.
انه الشاعر..."شربل بعيني"...، الرجل الذي اقترن بحرف ارتشفت رحيقه القافية، وجعلته زوادة الفكر. انه الزنبق الذي تسلق غزلاً بأريجه الى حنايا ..."الكلمة"... لتزهر ورداً جورياً فواحاً تدلع سحراً بعطره في قلوب العاشقين، وتناقلته برقة الايادي التي تعشق لغة الضاد، معلنة الفخر والابداع بمحتواه.
انه ..."شربل بعيني"... ابن مجدليا الأشم الذي عهدناه مجدداً بنفحة جديدة وفريدة في ديوانه ..."الله ونقطة زيت"... والذي ناجى فيه ..."الخالق"... بشكل مباشر، وبصراحة مطلقة، لينقل له الألم الذي يختلج في صدره جراء التصرفات غير المقبولة التي يعتمدها بعض من رجال الدين.
اقتربت من مكتبي لأنهل من عالم الأدب، فأشرق نوره صلاة في أرجائه.
كلمة ..."الله"... تعلو في عرشه، و..."الزيت المقدس"... من جدران حروفه. انه ديوان من نوع آخر، جمع النور الالهي، وتعاليم الآب، وأعمال بعض الكهنة، والزيت المقدس، في حروف ثارت على الخطأ والظلم، والمتاجرة بالدين، وبهيكل الرب، والإستهزاء بتعاليم الله، وتوجيهات ..."السيد المسيح"...، وحب النفس، والرضوخ لعالم الشيطان، واستعمال الثوب الكهنوتي المقدس لتكديس المال بغية تحقيق الغايات الخاصة، وتنفيذ المآرب الشخصية، عوضاً عن استعمالها لخدمة الكنيسة والمؤمنين كما أوصانا ..."السيد المسيح"... في كل حين.
لا تِزْعَلْ دَخْلَكْ يَا رَبّْ
كْتَار بْهَـ الدِّنْيِي مْجَانِينْ
بِيدقّوا جْرَاسُنْ عَنْ كِذْبْ
لْشَخْص مْفَبْرَكْ مِنْ جَفْصِينْ
وْجَفْصِينُو عَمْ يِرْشَحْ زَيْتْ
وِبْيِتْحَوَّلْ دَيْرَكْ بَيْتْ
وْنِسْوَانْ تْبَخِّرْ لِلدِّينْ
...
دَخْلَكْ يَا أَللَّـه شُو صَارْ
بِيشُوفُوكْ بْنِقْطِةْ زَيْتْ
وِبْيِنْسُوا إِنَّكْ أَللَّـه
خْلَقْتُنْ كِلُّنْ عَ السِّكَّيْتْ
وْكِوَّنْت الدِّنْيِي كِلاَّ؟!
في ..."الله ونقطة زيت"...ثار البعيني على ..."الاشخاص الذين يتسلون بالرب"...:
خْلِقْت الشَّمْس.. بْنُورَكْ شَافُوا!
خْلِقْت اللَّيْل.. بْعَتْمَكْ خَافُوا!
خْلِقْت الْبَحْر.. بْمَيَّكْ طَافُوا!
وْبَعْدُنْ عَمْ يِتْسَلُّوا فِيكْ
في ..."الله ونقطة زيت"... امتلأ البعيني ..."بنور الرب"... وطلب منه أن ينعم عليه ببعض من ..."المهمات الصعبة"...:
رْسِمْنِي سَيْف بْوِجّ الظُّلْمْ
خْلِقْنِي يَقْظَه بْلَيْلِةْ حُلْمْ
فَجِّرْنِي حُبّ وْإِحْسَاسْ
وْتِرْتِيلِه عَ شْفَاف النَّاسْ
وِحْمَامِه تْبَشِّرْ بِالسِّلْـمْ
يَا رَبّ الْقَاعِدْ بِالْبَالْ
نْفِخْنِي غَيْمِه وِسْع الأَرْضْ
تَا شَتِّي لْهَـ النَّاسْ غْلالْ
وْإِجْرُفْ مِنْ قِدَّامُنْ بُغْضْ
وْحَيِّكْ بَدْل الْبُغْض سْلاَلْ
زَيِّنْهَا بْبَاقَات الْوَرْدْ
النَّاطِرْ عَ شْفَاف الأَطْفَالْ
...
يَا رَبِّي.. سَاعِدْنِي جِرّ
بِكْتَافِي الصّلْبَان الْحَمْرَا
تَا الْمُسْتَعْبَدْ رِدُّو حُرّ
وْبَعِّدْ عَنُّو مُرّ الْكَاسْ
وِالْمُتْعَصِّبْ خَلِّي يْقِرّ
إِنِّكْ وَاحِدْ مَا بْتِتْجَزَّأْ
بَيْن طْوَايِفْ شغْل النَّاسْ
كما ثار البعيني على بعض ..."رجال الدين"... الذين لا يكفون عن طلب المال بغية اخفائه في جيوبهم ووصفهم ..."بالتجار"...:
تْجَارَه.. تْجَارَه صَفَّى الدِّينْ
بْإِيدَيْن رْجَال مْلاعِينْ
شْيُوخ وْكَهْنِه وْحَاخَامَاتْ
عَ شْفَافُنْ مَطْبُوعَه الْـ (هَاتْ)
وْبِجْيُوبُنْ خَبُّوا مْلايِينْ
وشدد البعيني بأن لديه واجباً بأن ..."يخبر الله عن الكفار"... ووجودهم في هيكله:
لَكِنْ حَاسِسْ عِنْدِي فَرْضْ
قِلَّكْ يَا أَللَّـه شُو صَارْ
بْرَمْت الدِّنْيِي طُول وْعُرْضْ
تَا أَعْرِفْ لَيْش الْكفَّارْ
انْقَرْضُوا مْنِ شْوَارِعْنَا قَرْضْ
وْصَفُّوا بِمْعَابِدْنَا كْتَارْ!!
وأبدى البعيني استياء من ..."الانسان"... الذي لا يثبت على دين بل يتنقل بين الأديان فيعتنقها بغية تنفيذ مآربه الشريرة لإرضاء الشيطان:
وْشِفْت بْعِينَيِّي الإِنْسَانْ
الْمِتْنَقِّلْ بَيْن الأَدْيَانْ
سَاعَه بْيُؤْمِنْ بِالإِنْجِيلْ
وْسَاعَه بْيُؤْمِنْ بِالْقُرْآنْ
مْفَكَّرْ دِينَكْ قَال وْقِيلْ
وْكِتْبَكْ نِزْلِتْ كِيفْ مَا كَانْ
وْبَيْنُو وْبَيْنَكْ مَلْيُونْ جِيلْ
وْإِيمَانْ يْطَحْبِشْ إِيمَانْ
مْفَكَّرْ إِنُّو بْهَـ التِّدْجِيلْ
رَحْ يِرْضِيك وْيِرْضِينَا
وْمَا بْيِرْضِي غَيْر الشّيطَانْ!!
وقد كان البعيني على يقين بأن ..."الله يتألم"... مثله تماماً من هذا العالم الفاني والذي لا يشرف:
وِحْيَاتَكْ يَا أَللَّـه عَارِفْ
إِنَّكْ مِتْلِي عَمْ تِتْأَلَّمْ
مِنْ عَالَـمْ مَا عَاد يْشَرِّفْ
أَدْيَانُو بِتْحَارِبْ بَعْضَا
وْبَعْدُو بِالْجَنِّه عَمْ يِحْلَمْ!!
وما أجمل صورة ..."الله"... في حنايا شعره الذي وصفه بالأب الحنون وناداه قائلا:
بَيْنِي وْبَيْنَكْ صَرْخَه وْبَسّْ
غْفِرْلِي يَا رَبّ غْفِرْلِي
مَهْمَا عْمِلْت بْعُمْرِي نَحْسْ
وْمَهْمَا غْدَرْتْ بْضَوّ الشَّمْسْ
بْتِبْقَى الْبَيّ الْـ مَا فِي مِنُّو
النَّاطِرْ حَتَّى يِنْدَهْلِي!!
ووعد البعيني ..."الرب الاله"... بأنه لم ولن يتغير مهما جار الدهر عليه وسيثابر على ..."قراءة الكتاب ليتعمد بالصلب"...:
مَهْمَا الْغِيرِه تْدِقّ بْوَابِي
مُشْ رَحْ إِفْتَحْلاَ يَا رَبّْ
وْمَهْمَا الشَّهْوِه تْغرّ شْبَابِي
بِسْتَبْدِلْهَا بْكِلْمِةْ حُبّْ
حَتَّى لَوْ زَتُّونِي بْغَابِه
كِلاَّ ظُلْم وْحِقْد وْكِذْبْ
مُشْ رَحْ إِقْرَا بْغَيْر كْتَابِي
يَللِّي إِنْت كْتَبْت حْرُوفُو
بَرْكِي بِتْعَمَّدْ بِالصَّلْبْ
وتساءل البعيني عن معنى ..."الخطيئة"... وحاور ..."الرب"... عما إذا كان سيعد الهفوات التي ارتكبها عن طيبة قلب ..."كخطيئة لا تغتفر"...:
إِشْيَا كْتِيرْ مْخَبَّى بْقَلْبِي
بِطْرِدْهَا وِبْتِرْجَعْ لِيِّي
جَاوِبْنِي دَخْلَكْ يَا رَبِّي
هَـ الهَفْوَات اللِّي نْسِينَاهَا
وِبْطِيبِةْ قَلْب عْمِلْنَاهَا
هَيْدِي رَحْ تِحْسِبْهَا خْطِيِّه؟!
وايضاً اذا ما كانت ..."الأعمال"... التي ارتكبها اي امرىء من جراء ظروفه القاسية، فتعد ايضاً ..."خطيئة"...:
وِالأمّ الْـ زَوْجَا قِمَّرْجِي
وْمَا بِتْشُوفُو لِلصِّبْحِيِّه
جَاعُوا طْفَالا.. كَرْجِتْ كَرْجِه
وْفَتْحِتْ بَاب الْبَيْت وْصَارْ
الْجِنْس يْطَعْمِي وْلاد زْغَارْ
هَيْدِي رَحْ تِحْسِبْهَا خْطِيِّه؟!
وما اجمل ..."صورة الرب"... في شعر البعيني عندما أشاد وقال:
إِنْت الْبَاقِي.. وْنِحْنَا الْمَرْقَه
قِدَّام عْيُونَكْ يَا رَبّْ
مُشْ عَمْ بِحْصُد عُمْرِي سِرْقَه
زْرَعْت كْلامَكْ جُوَّا الْقَلْبْ
...
قْرِيتْ التَّوْرَه والإِنْجِيلْ
وِالآيَاتْ الْـ بِالْقُرْآنْ
لْقِيتَكْ (كَفِّه) مَا بِتْمِيلْ
مَهْمَا يِحْتَالْ الإِنْسَانْ!!
وردد البعيني شعراً كلام ..."السيد المسيح"... الذي قال غاضباً: ..."إسمعوا أقوالهم ولا تفعلوا أفعالهم"...:
سْمَعُوا كْلاَمُنْ عَمْ بِتْقُولْ!!
سْمِعْنَا كْلاَمُنْ وِحْيَاتَكْ
بَسّ فْعَالُنْ مُشْ مَعْقُولْ
نِسْكُتْ عَنْهَا يَا يَسُوعْ
وْعَمْ بِتْشَوِّهْ حَكْيَاتَكْ!!
...
جَيْش الرَّحْمِه!!.. أَيَّا رَحْمِه؟
ضِحْكُوا عْلَيْنَا وْضِحْكُوا عْلَيْكْ
وْعِمْلُولَكْ بِالدِّنْيِي نَقْمِه
زَرْعُوا الشَّر بْقَلْب النَّاسْ
وْمَنْعُوها تا تْقَرِّبْ لَيْكْ!!
وأبدى البعيني خجلاً من تصرفات بعض ..."رجال الدين"...:
بِتْشُوف الْغِيرِه بِعْيُونُنْ
سَوْدَا مِتل اللَّيْل الْعَابِقْ
وِبْتِخْجَلْ مِنْ كِتْر فْنُونُنْ
لِمْ بِتْلاقِي الْوَاحِدْ مِنُّنْ
خَيُّو عَ الدِّرْهَمْ بِيسَابِقْ!!
...
وْبِتْشُوف اللَّعْنِه عَ شْفَافُنْ
عَمْ تِتْمَرْجَحْ لَيْل نْهَارْ
وِبْيِتْبَاهُوا بْعُرْض كْتَافُنْ
بِجْمَاجِمْ أَكْبَرْ مِنْ حَلِّه
لَكِنْ فِيهَا عْقُول زْغَارْ
...
مُشْ كِلُّنْ.. أُوعَا تِظْلِمْنِي،
عَ هَـ الصُّورَه يَللِّي عْطَيْتَا
إِنْت بْتَعْرِف أَكْتَرْ مِنِّي
بَسّ الْكِلْمِه يَللِّي بْقَلْبِي
بْتِحْرُقْ قَلْبِي لَوْ مَا حْكَيْتَا.
وما نفع امرئٍ اذا ..."ربح العالم كله وخسر نفسه"... لقد شدد البعيني على هذا المبدأ وأنشد قائلا:
وْمِنُّنْ قَالوا بِالْفِرْدَوْسْ
رَحْ مِنْلاقِي الْخَيْر حْمَالْ
وِصْبَايَا أَحْلَى مْنِ الشَّمْسْ
بَعْدُنْ مَا عِرْفُوا رِجَّالْ
انْ كَانْت الْجَنِّه مِتْعَه وْبَسّْ
سْمَحْلِي قُول الْـ مَا بْيِنْقَالْ
شُو بْيِنْفَعْنِي خْلاصْ النَّفْسْ
بْجَنِّه كِلاَّ.. جِنْس وْمَالْ
ونادى البعيني ..."الرب"... ليفتح عينيه ويبقى يقظاً على تجار الهيكل الذين تاجروا به ووصفهم ..."بالحرامية"...:
خِدْني.. وِارْميني عَ جْرَيْكْ
كِلّ الْـ عَمْ شُوفُنْ قِدَّامي
ما قِدْروا يْدلُّوني عْلَيكْ
يا ما تاجَرْ فِيكْ حْرامي
يا أللـه؟؟ فَتِّحْ عِينَيْك
في ..."الله ونقطة زيت"... أبدى البعيني قساوة على تصرفات بعض الراهبات، ثم اعطى المقاييس لتصرفاتهن، ودعاهن للتقيد بها:
وِالدَّيْرْ يَللِّي اخْتَارتُو
لازِمْ تْقَدِّسْ حِرْمِتُو
وِتْضَلّ بَيْضَا صَفْحِتُو
تَا سَاعِة الْـ بَدَّكْ تِجِي
يفُوح الْعِطرْ الِبْنَفْسَجِي
مِنْ تَوْبْ أَبْيَضْ لِبْسِتُو..
وخاب ظنه وتألم من ..."طعن الاصدقاء وعدم الوفاء"...:
إِيدِي مِدَّيْتَا لِصْحَابِي
الْـ قَصْدُونِي وْوِقْفُوا عَ بْوَابِي
فِكَّرْتُنْ لِمِّنْ قَصْدُونِي
عِرْفُونِي بْقَدِّسْ أَحْبَابِي
يَا رَبِّي بْلَحْظَه إِكْلُونِي
وْرِمْيُولِي عْضَامِي بِالْغَابِه!!
وتمرد البعيني على ..."الأصحاب المزيفين"... الذين لم يعرفوا ..."الوفاء"... يوما بل كان هدفهم الأساسي الانتفاع من كرم الشاعر وتأمين العيش على حسابه:
ما عِرْفُوا خْسَارِتْهُنْ أَكْبَرْ
وِبْمَوْتِي بْطُونُنْ رَحْ تِزْغَرْ
وِاللِّي بْيَاكُلْ أَوَّلْ لُقْمِه
مُشْ مِتْل اللِّي بْيَاكُلْ أَكْتَرْ
وِالصّحْبِه الْـ قَتْلُوهَا بْنَقْمِه
مُشْ مُمْكِنْ تِرْجَعْ تِتْكَرَّرْ!!
أمّا اصحاب ..."الكذبة المنحوسة"... فكان لهم وصف آخر من الشاعر الذي لم يعدهم يوماً أصحاباً:
أَصْحَاب الْكِذْبِه الْمَنْحُوسِه
مِين الْـ سَمَّاهُنْ أَصْحَابْ؟!
لا خُورِي بْيِخْدُمْ بِكْنِيسِه
وْلا شَيْخْ بْيِمْشَحْ نِصَّابْ
يَا رَبِّي.. النِّيِّه التّلْبِيسِه
مُشْ مُمْكِنْ يِغْفِرْلاَ كْتَابْ!
وأبى البعيني الا أن يكون ..."بقرب الله"... ليستمد القوة من نوره وهو على كامل اليقين بأنه لن يتخلى عنه بل سيبقى معه الى الأبد:
ما بَدِّي إِطْمَعْ بِالْجَنِّه
بَدِّي كُون بْقُرْبَكْ بَسّْ
تَا حَتَّى أَنْوَارَكْ مِنِّي
تِسْطَعْ.. وِتْصَيِّرْنِي شَمْسْ
بِفْرَحْ كِلْمَا لإِسْمَكْ غَنِّي
وِالدِّنْيِي بْتِتْحَوَّلْ عُرْسْ
وْبَعْرِفْ مَا بْتِتْخَلَّى عَنِّي
وَحْدَكْ مِسْتَقْبَل إِيَّامِي
وْغَيْرَكْ تِذْكَار مْنِ الأَمْسْ
وثار البعيني على بعض ..."الرهبان"... الذين يعلقون ..."الصلبان الكبيرة الحجم"... على صدورهم ليستروا شرورهم عن أعين الناس:
.. وْبِيعَلّقُوا الصّلْبَانْ عَ صْدُورُنْ
وْبِيكَبّرُوا الِقْيَاسْ
تَا يْسَتّرُوا بْصلْبَانُنْ شْرُورُنْ
عَن عْيُون النَّاسْ
ورفض البعيني ..."الطعن والغدر"... وانتقد الاصحاب الذين أحبهم وسقاهم من دموع عينيه لكنهم تركوه وطعنوا به وبصداقته:
هَـ الأَصْحَابْ اللِّي حِبَّيْتُنْ
وْمِنْ دَمْعَات الْعَيْن سْقَيْتُنْ
تَرْكُونِي مْعَلَّق بِلْسَانِي
ضِحْكُوا عْلَيِّي وْعَ أَحْزَانِي
وْطَعْنُوا مَطْرَحْ مَا خِبَّيْتُنْ!
وكان ازدراء الشاعر جليا من بعض ..."رجال الدين"... الذين يرتدون الأثواب لكن عيونهم ملأى بالغش:
تْطَلَّعْ فِيهُنْ.. مَا بِتْشُوفْ
غَيْر الْغِشّ بْعِينَيْهُنْ
غَيْر الرَّجْفِه بْإِيدَيْهُنْ
وْصَوْب النَّار صْفُوف صْفُوف
بْيِمْشُوا.. وِالتَّوْب عْلَيْهُنْ!
وثار البعيني على ..."الناس"... الذين باعوا دينهم وأصبحوا لعبة بيد الشيطان، وطلب من الرب الإله ان ينجينا من شره:
مَا إِلْنَا غَيْرَكْ.. نَجِّينَا
مْنِ مْصَايِبْ عَمْ تِنْزلْ فِينَا
مْنِ حْرُوب تْفَرِّقْ وِتْبَعِّدْ
بَيْن النَّاسْ الْـ بَاعِتْ دِينَا
لا تِتْرِكْهَا بْعَطْفَكْ جَدِّدْ
إِيمَانَا.. وْوَصِّلْهَا لْمِينَا
حُبَّكْ.. يَا أَعْظَمْ مِنْ سَيِّدْ
يَا رَبّ الْـ عَمْ بِتْآخِينَا
هَـ الْعَتْمَات السَّوْدَا بَدِّدْ
عَنَّا.. عَنْ هَـ الأرْض الْـ صَارِتْ
تِتْلاَعَبْ فِيهَا شْيَاطِينَا!
وناجى البعيني ..."الرب الاله"... بأن يدعه يمشي على الدرب التي توصله الى حبه لكنه أبدى ازدراء من الأشخاص الذين باعوا الدين وما زالوا يصلون:
تْرِكْنِي وَحْدِي إِمْشِي بْدَرْبَكْ
الدَّرْب الْـ بِتْوَصِّلْنِي لْحُبَّكْ
كِتْرُوا رْجَالَكْ.. لَكِنْ قَلُّوا
وَقْت الْـ مِشْيُوا مْرَاحِلْ صَلْبَكْ
وِالدِّين اللِّي رْسَمْتُو كِلُّو
تَا يْوَصِّل لِلْجَنِّه شَعْبَكْ
بَاعُوه.. وْبَعْدُنْ بِيصَلُّوا
...
حْكِيتْ كْتِيرْ.. وْحَكْيِي ضَاعْ
يِئْسَان بْعَصْر الْقِلِّه
بْلاقِي هَـ النَّاس بْتِنْبَاعْ
لِلشَّرْ.. وْعَمْ بِتْصَلِّي
بْتِقْتُل طِفْل.. بْتِمْحِي ضْياعْ
بْإِسْمَكْ!!.. هَـ الإِسْم الْقُدُّوسْ
وْقِللِّي.. شُو فِيكْ تْقِللِّي؟!
وصور الشاعر ..."نهاية الانسان"... الذي يفارق هذه الحياة كما خلقه الرب ...."من غير ثياب"... بعد أن يشقى في جمع المال الذي يتركه خلفه:
وْفَجْأَه عَلَّى صَوْتُو وْقَالْ:
الإِنْسَانْ بْيِبْقَى إِنْسَانْ
بْيِتْعَبْ تَا يْجَمِّعْ أَمْوَالْ
وْبِيرُوح لْعِنْدَكْ عرْيَانْ!
وصب الشاعر غضبه على بعض ..."رجال الدين"... الذين يخدعون البشر باسم الدين وهم يحملون كتاب الرب:
يَامَا وْيَامَا بْإِسْم الدِّينْ
خَدْعُونَا رْجَال مْلاَعِينْ
قَالُوا: رْجَالَكْ.. مُشْ مَعْقُولْ
عَ الْجَنِّه يْفُوت شْيَاطِينْ!!
مْصِيبِتْنَا.. إِنُّو عَ طُولْ
مِنْصَدِّقْهُنْ يَا أَللَّـه
كْتَابَكْ بِـ إِيدُنْ مَحْمُولْ
وْنِحْنَا كِتْبَكْ مِنْجِلاَّ
لَكِن بِـ ذات الْمَكْيُولْ
رَحْ مِنْكَيِّلُّنْ أَكْتَرْ
يَللِّي بْإِسْمَكْ دَبْحُوا عْقُولْ
رَحْ مِنْحَاكِمْهُنْ يَا رَبّْ
بْإِسْمَكْ.. تَا بْإِسْمَكْ نِكْبَرْ
أما ..."المتعصب"... فصوره الشاعر ..."بمستنقع إجرام وبغض"... وطلب من الرب عدم مساعدته:
إِنْت الرَّبّ الْـ مَادِدْ إِيدُو
لْمُطْلَقْ إِنْسَانْ بْهَالأَرْضْ
بَسّ الْمُتْعَصِّبْ لا تْشِيدُو
مَهْمَا تْعَصَّبْلَك رَحْ يِبْقَى
مُسْتَنْقَعْ إِجْرَام وْبُغْضْ!
وما اجمل التحدث الى ..."الرب"... بلغة البعيني الذي طلب منه ان يرأفه ، ويمشيه على دربه، ويستر عيوبه، وأعلن حبه له في كل حين:
يَا ربّي الْعَادِلْ.. رَيِّحْنِي
خْلِقْت ضْعِيف وْإِنْت الأَقْوَى
إِنْسَان زْغَيَّرْ.. سَامِحْنِي
مْسِكْت بْإِيدَكْ كِل شِي بِحْوَى:
الْبَحْر.. الأَرْض.. رْبُوع الْجَنِّه
الحُبّ.. الْبُغْضْ.. الْعَدْل.. الشَّكْوَى
وْعَارِفْ شُو رَحْ يِصْدُرْ مِنِّي
قَبْل صْدُورُو.. لا تِظْلِمْنِي
وْمَشِّينِي عَ دْرُوب التَّقْوَى
...
بْحِبَّكْ.. مَهْمَا كِتْرُوا ذْنُوبِي
بْحِبَّكْ.. مَهْمَا اللَّيْل يْجِنّْ
بْحِبَّكْ مَاشِي فَوْق دْرُوبِي
بْحِبَّكْ ضِحْكِةْ خَدّ وْسِنّْ
وْإِيدَيْن تْسَتِّرْلِي عْيُوبِي
وِتْآسِينِي لَمَّا بْعِنّْ
يَا أَجْمَلْ سَطْر بْمَكْتُوبِي
يَا أَوّل كِلْمِه بِسْمَعْهَا
وْبَعْدَا بْدِينَيِّي بِتْرِنّْ
...
كِلّ مَا بْيِشْرُقْ نُور الشَّمْس:
نِحْنَا بْحُبُّنْ فِرْحَانِينْ
آبْ .. وْإِبْن.. وْرُوحْ الْقِدْسْ
تَلاتِه.. بْأَللَّـه.. مِتِّحْدِينْ
وصبّ الشاعر جام غضبه على ..."راهبة"... لم تلتزم بتعاليم الله، ووصفها ..."بالعقربة وبالكاذبة"... التي تسكب ..."كأس النميمة"... لتزرع "الشر".
انْخَطْبِتْ إِلَكْ!
مِن أَيمْتَى انْخَطْبِتْ إِلَكْ
هَـ الرَّاهْبِه الْـ كِلاَّ بُغْضْ
الْـ مِنْ كِذبْها اسْوَدِّتْ أَرْضْ
وْإِنْت الْمَلَكْ،
يا خَالْقِي، إِنْت الْمَلَكْ؟
...
هَـ الرَّاهْبِه..
مُشْ رَاهْبِه
أَعْمالْها عَ طُولْ
بِتْدِلّ إِنَّا عَقْرَبِه
...
كاسْ النَّمِيمِه سَكْبِتُو
وْصَكّ الْخِيَانِه كَتْبِتُو
وِالطُّهْر ياما ذَلِّتُو
تا تْحَرْقِصَكْ وِتْزَعِّلَكْ
أمّا..."الجنة"... فكانت دائماً مراد الشاعر الذي أكد بأن الله سيساعده للوصول اليها، ويرافقه فرحاً في عتم الدرب:
قَدْ ما تْكُون السَّما بْعيدِه
بَدّي أوصَلاّ يا رَبّ
عارف رح تمسكني بإيدي
وترافقني بعتم الدرب
حابب صلّي طلبه جديده
محفوره ع وتار القلب
تا إتقدس.. بركي عيدي
بيوزّع أزهار الحب
كما أعلن الشاعر حبه الجم ..."للرب الاله"... ووصف قربه منه بأحلى هدية، وطلب منه عدم الابتعاد عنه:
يا ربي.. لا تبعّد عنّي
أحلى هديه.. قربك مني
مش عارف شو بدّي قلّلا
الْخَلايِقْ.. عَمْ بتجنّني
رح انكر هالدنيي كلاّ
وقدّام عرشك أوقف غنّي:
مش هاممني إلا ألله
وملايكتو بهاك الجنّه
وناجى الشاعر ..."الطفل يسوع - طفل المغارة"... ووصفه بالنور المتواضع الذي ينير الظلمة التي تمتلك الناس:
إنتْ النّور بْعَتْم النّاس
والقربانه بالقدّاس
جايبلَكْ أحلى هديّه
إنتَ بْتَعرفْ شو هيّي:
قلبي وفكري والإحساسْ
...
مولود.. وْمَنَّكْ مولُودْ
من مَرْيَم بِنِتْ داوود
مار يوسفْ لِمّنْ شافَكْ
شافْ الحِكْمِه ع شفافَكْ
والقداسه الْما لْها حْدود
...
متواضَع.. متلَك ما في
إِله.. ومجدَك كافي
خلقتْ بْمِزوَد بَهايِم
يا ربّي الْعِزَّك دايِم
بِمشي ع دروبَك حافي
...
يسوع اللي بحبّو
علّمني المحبه
سامح اللي صلبو
تا يسامحني ربي
أما ..."القديس شربل"... فله مكانة خاصة في قلب البعيني الذي قرر أن يبني له كنيسة يزينها له بالورود وبالزنبق:
شربل مخلوف قدّيسي
يا قلبي عمِّرْلو كْنيسِه
زيِّنْها بْورد وِبْزَنْبَقْ
مِتْلُو بهالكون ما بيِخْلَقْ
قديسْ.. وأرضُو قِدّيسِه
...
بعكفرا هديتنا رسمَك
عنّايا عطيتنا إسمك
يا إسم مقدّس من ألله
مشهور بهالدنيي كلاّ
والدّم بْيِرشَحْ منْ جسمَكْ
واكد الشاعر بأنه صديق ..."القديسه رفقا"... التي أحبها واحبته:
بِـ هالسَّما الزَّرقا
عَمْ شوفِكْ يا رفقا
مْنِ الْقَداسِه جايي
يا حلمي الرّح يبقى
فوق شْفافي حَبْقَه
وشَمْعَه بْقَلْب حْكايِه
...
يا قَدِّيسِه رَفْقَا
إنتي وأنا رِفْقَه
مِنْ أوَّلْ سْنِينِي
بحلِفْلِكْ يا رفْقَا
مُشْ رَحْ حِبِّكْ سِرْقَه
بَعْرِفْ بِتْحبّيني
أما ..."القديس نعمة الله الحرديني"... فهو الذي جعل الشاعر يطير صوب الجنة لتضمه ..."القديسة مريم العذراء"... متمنيا بأن يصبح طفلاً صغيراً:
نعمة الله الحرديني
الإسم البيخَلّيني
صوب الجنّه طير
يا عدرا ضُمّيني
بالمشلح غطيني
ورديني طفل زْغِيرْ
...
قدّيس مْنِ بْلادي
مُش لازملُو شْهاده
كبيرْ.. وفعلُو كبيرْ
من أرض العِباده
عم آخُدْ زُوّاده
بهالعُمر القصيرْ
أما ..."القديسة مريم العذراء"... فلها المكانة الأهم في حياة الشاعر الذي اعتبرها ملجأه الوحيد في الشدائد ووصفها ..."بأمه الحنونة"...:
كل ما بتتفشكل إيامَك
وبتمحي الدمعه أنغامَك
نادي العدْرا
الـْ كلاّ قدره
وحدا الـ بتحقق أحلامَك
...
ناديها بليالي الهَمّ
متل العدرا ما في أم
وقلاّ كوني
يا حنونه
أجمل ترتيله بالتمّ
...
يا أمي.. يا أم الكلّ
تحت جناحِك رح منضَل
حنّي علينا
بـ عينينا
زرعنالك مَنتور وفلّ
وناجى البعيني ..."القديس مار مارون والقديس مار جريس والقديسة فيرونيكا"... بأسلوب لاهوتي جميل:
بْصَلّيلَكْ يا مارْ مارونْ
وْبِطْبَعْ عَ شْفَافي إسْمَكْ
مْرافَقْني مَطْرَحْ ما بْكونْ
حامِلْ بِقلْبي رَسْمَكْ
يا بَيّ الْما مِتْلَكْ بَيّْ
يا خَيّ وْأكْبَرْ مِنْ خَيّْ
يا قِدِّيس الْذِكْرَكْ حَيّْ
النّور بْيِشْرُق مِنْ جِسْمَكْ
...
شِفْتَكْ جايي عَ حْصَانَكْ
فارِس قدّيس ومُنْصانْ
يا مار جِرْجِسْ إيمانَك
وَعّى بالنّاس الإيمانْ
...
الْحُب.. يِعْني ألله
قِدّامْ عَيْنا تْجَلَّى
يا رَمْز الْقَداسِه
نْكَرْتي الدِّنْيِي كِلاّ
عْطِيني مِنْ آلامِكْ
شَوْكِه مِنْ إكليلِك
تا إرْكَعْ قِدّامِكْ
أنا وْعَمْ صَلّيلِك
"الطبعة الأولى ٢٠١٦"
كم هي رقيقة وجميلة هذه المرأة التي غزت القلوب حناناً، ولامست الحنايا عشقاً، ومن ثم قبعت زهواً في عشها الغرامي تداعب الحبيب تارة، وتلاطف إرجاءه تارة اخرى.
إنها ..."عبلى"... المرأة التي تغنى بها البعيني بأبيات جميلة ورقيقة، ورنمَ لها ابياتَ حبٍ تنسابُ في حنايا الروح لتنشد عشقاً وهياماً وتقول: آه من عشقك المتيم!. فلقد لامسني عطره الفواح لينساب شوقاً وهياماً في شراييني .
اقتربي يا سيدتي... فإنّ نفسي عطشى والظمأ يقتلني، زيديني عشقا فالوحشة تضنيني.. سيري على درب حياتي لنترافق سوياً في سكينة غربتي الموحشة والمظلمة.
في ..."عبلى"... ثار البعيني على ..."الانسان الشرير"... ولقبه ..."بالذئب الذي يعوي"... وناصر الانسان ذا العاطفة والقوة:
إنسانْ متل الدّيبْ بيعَوّي
وْإنْسان كلّو عاطفه وْقُوّه
لَيْش الْبَشَرْ بِالْعَقلْ مخْتلْفينْ
بْيِخْلَق هابيلْ بْيِقتلو قايينْ
وْبَعْدا الشّمس عَ النّاس بِتْضَوّي
وكم تمنى البعيني لو لعب دور ..."الله"... ولو لبرهة صغيرة ليحقق اماله وجميع احلامه:
لَوْ كنت أَلله بْغَيّرْ اللّي صَارْ
بْفَجّرْ شَبابْ بْشَيْبِة الْخِتْيارْ
بِطْمُر جْهَنّم بِالْورد والحُبّ
بِمْحي الْخَطِيّه الْـ عَشْعَشِت بالْقَلْب
وْأَوَّل ما بِلْغي المَوْت.. يا جَبّار
...
لَوْ كنتْ أَلله.. بِخْلَقْ الإنسانْ
عَ صُورْتي، تا يْعَمّرْ الأكْوانْ
...
لو كنت ألله بشنُقْ شْياطين
زَرْعُوا الفِتنِه بين دين ودين
وكم كان ..."وطأة الحب"... وهاجاً عند البعيني عندما اكتوى بناره في عمر ..."الخمسة والستين"... وأسكنه حنايا قلبه رافضاً ان يشاركه أحد حبيبته:
صرتْ بِالْخَمْسِه وْسِتّينْ
وْبِتْحُومْ عْلَيّي فْساتينْ
إنتي بقلبي ليل نْهارْ
وما بِعْشَقْ غَيْرِكْ حلْوين
...
غْزَلْتِلّك إيدي زنّار
وْسِيَّجْتِكْ مِتْل بْساتين
حبّيتِك.. والورد زْرارْ
وقطفتك باقةْ نسرينْ
وْلِبَّسْتِك إكْليل الْغارْ
وفُستانِكْ زَهْر الْياسْمين
وناجى البعيني حبيبته بقلب كبير عندما لقبته ..."يا صبي"... وكأنه طفل تلهو به ساعة تشاء، وتستفيد منه لتنال مرادها، فوضع النقاط على الحروف، وأبرز لها صورته الحقيقية المفعمة بالرجولة والتي لم تخفق يوماً في تقديم الحنان المرهف لحبيبته:
حاجي بَقى.. بْدَقّات قَلْبي تِلْعَبي
وِتْنَكِرْزِيني.. وْتِنْدَهيلي: يا صَبي
...
هَيْدا "الصّبي" اللي نَحْتِكْ بْإيدَيْه
آيِةْ جَمالْ.. وْحَبْسِك بْعِينَيْه
وْخَلاَّ الرّجولِه تْحَمِّرْ خْدُودِكْ
وِتْوَقّف الْكَرْزاتْ عَ نْهُودِكْ
وْراسِكْ ما يِتْكي غَيْر عَ إجْريْه
وطالب الشاعر ..."عبلى"... بان توزع الشهامة للبشر ليصبحوا قديسين خاشعين صادقين وخالين من الكذب:
فيكي يا "عَبْلى" تْعَقّلي مْجانينْ
فيكي يا "عَبْلى" تْوَزّعي شْهامه
وِتْحَوّلي هَـ النّاس قِدّيسين
لا بْيِحلْفوا بِـ ألف دينْ وْدينْ
وْلا بيكذبوا.. ولا بْيِسِرْقُوا أْسامي
اما البعيني الذي لقب نفسه بالمسكين، سيبقى أسير الانتظار لحبيبة لامست روحه، وملكت كيانه، لكن عامل الرد كان طاغياً على علاقتهما، مما جعله يطوي صفحة الحب الجارف، وينتظر منها علامة لتحرك ساكنه:
وْبَعْدِي أنا المسكين
ناطِرْ قبل تِشْرينْ
تْجِيني يا "عَبْلى" منّك عْلامِه
تِرْضي غَرامي وكل أحلامي
وكانت فرحة البعيني عارمة عندما البس ..."الطرحة البيضاء"... لحبيبته وجال معها في أطراف الوطن لبنان، وبالأخص في ضيعته الجميلة ..."مجدليا"... فاشترى لها الذهب والألماس من مدينة ..."طرابلس"...، وزار معها مدينة ..."البترون"... الاثرية ليعرفها على معالم الوطن، ومن ثم أطعمها الليمون والقمح والزبيب في ..."الكورة"... ، وأبى الا ان تاكل الخضروات من "...أهدن"... و..."أميون"... اما التفاح الشهي فلا يحلو قطافه الا من مدينة ..."بشري"... ليزهر ورداً جورياً على وجنتي حبيبته.
ولا يمكن لرحلة الحبيبين ان تحلو الا بمذاق طيب وفريد من الكبة في مدينة ..."زغرتا"...، لينتهي المطاف في مدينة ..." المجد"... التي غردت طرباً وزهواً بقدوم العروسين الى دفء أحضانها ساكنين دوماً في منازلها المضيافة والجميلة:
مْنِ "طْرابْلُس" رَح إِشْتِري الطَّرْحَه
والدّهب والإلْماسْ
وْحَوّل عَلَى "الْبَتْرون" تا الْفَرْحَه
تِكْمَلْ بِعين النّاسْ
...
وْرَح جِبْلِك الليْمونْ
والقمح والزَّيتون
مِنْ "كورْتي" الْخَضْرا
وْمِنْ "إِهْدِن" وْ"أميونْ"
حَوِّشْلِكْ الْخِضْرَه
وتفّاحة "بْشَرّي"
...
مْنِنْزلْ عَلَى "زْغرتا"
تا ناكُل الْكِبّه
...
وْمنْ بَعْد شي مليونْ آويها
وصلنا عَ ضيْعَه مجدها بْيِحْكي
هايْ "مِجِدْلَيَّا"..
بَسّ حِبّيها
...
يا ساكنه بْقلْبي
وْدَرْبِك عَلَى دَرْبي
نْكايِه بهـ الغُرْبِه
رَحْ نِنْتِهي فيها
وتحدى البعيني القبيلة التي حرمته من رؤية ...."عبلى.... وصمم على المجيء ليعلن لها عن حبه الجارف المفعم بنار الشوق غير آبهٍ بالنميمة التي تلاحقه:
لَيْش الْقَبيلِه مْشَعّلِه نارا
وحانْ الوقتْ زورِكْ
وْإِتْنَشَّق عْطُورِكْ؟
وْكيفْ بَدّي وَقّفْ زْيارَه
...
النّار.. بعدا نارْ
وِعْيُونهُنْ زنّارْ
رْجال الْقبيلِه بْيِسْهَروا
تا يْفبِرْكوا أخبارْ
...
جايي أنا بِالْخِفّْ
لا صْهيل.. لا دَعْساتْ
لازِمْ بحُبِّكْ إِحْتِفي
وْلِكْ.. حَضّري الْبَوساتْ
والشّم.. واللّمْسات
وْلا تِفْزَعي لو جفِنْ إِمِّكْ رَفّ
لابس أنا الْقِبْع الْخَفي
في "عبلى" يثور البعيني على ..."الشرق الأوسط"...، وحكامه، وأهله، الذين يزرعون الطائفية، ويحاربون، ويفرقون باسم الدين، مندداً بالظلم، وموصياً بنشر المحبة باسم الصليب والهلال:
بُكْرا صَليبي بْيِغْمُر هْلالِكْ
وْمِنْ هَـ الْمَحَبِّه بْتِنْبُت عْيالِكْ
لا طائفيّه، لا بُغض، لا حْروبْ
رضْعُوا حَليبِكْ.. وَزّعُوا خْصَالِكْ
مِنْ فَردْ كِلْمِه بْيِنْقَرا الْمَكتُوبْ
ألله مْحَبِّه.. وَسّعي مْجالِكْ
لَيْش الشَّرق يا "عَبِلتي" مَغْضُوبْ
بْيِقْتُل بِإسْم الدِّينْ أَطْفالِكْ
مَطْلُوبْ مِنّا.. نْنَفِّذ الْمَطْلُوبْ
نْخَلِّي الصَّحارى تْعانِقْ جْبالِكْ
نْخَلِّي الْفَقيرْ الـ ع الدّرب مَصْلُوبْ
يْبَوْرِدْ لَهيبو بْفَيِّة خْيالِكْ
مْنُوصَل لَ أَلله عَ دْرُوبْ دْروبْ
وْدَرْبِك الأسْرَع.. يا هْنِيّالِكْ
ويناجى البعيني ضيعته ..."مجدليا"... وأوصاها ..."بحبيبته"... القادمة اليها، فهي التي اسكنها في قلبه وعيونه، وكانت له دوماً المرأة الغالية والرقيقة، التي تفيض حناناً وعشقاً اقترنا بنور لامسه الخالق ليزهر وردة جورية:
يا مِجِدْلَيَّا.. هَـ الْمِجِدْلِيِّه
الْجايي لْعِنْدِكْ.. رَحّبي فيها
سِكَّنْتها جُوّات عِينيّي
وْصفّيتْ دَمْع الْعَيْن إِسْقيها
شِعْلِةْ وَفا.. بِتْفيضْ حِنِّيِّه
ألله.. مِتلْ قِنْديلْ ضَاويها
وصور الشاعر حزنه الشديد على فراق ..."عبلى"... التي تركته ورحلت الى البعيد غير آبهة بعواطفه النبيلة تجاهها:
لِمّنْ ما نِمْتِي بِالْمَسا حَدِّي
بْنيرانْ دَمْعِي حْرَقِتْ الِمْخَدّه
وْشِعْلِتْ شْفافي مِتِلْ شِي تَنُّورْ
دُوسي الْجَمرْ.. بَعْدُو عَلَى خَدِّي
وْصِرْت إِنْدُرْ لِلْمَحبّه نْدُورْ
وْإنْدَهْ يا "عَبْلى".. الصَّوْت ما يْوَدِّي
إِرْسُمْ نْجُومْ.. وْتَحْت مِنْها بْدُورْ
وْإِكْتُبْ شِعْر.. وِالرّمْل مِسْوَدّه
مناجاة علي
"الطبعة الرابعة ٢٠١٦"
صورة ..."الامام علي بن ابي طالب"... تزين غلاف الديوان، وتتربع على عرشه، كيف لا!... وهو هامة دينية، فكرية، فلسفية، وإنسانية بحد ذاته.
توقفت قليلاً ونظرت الى جمال الوجه، والطلة البهية مما جعلني أردد ما قاله مالىء الدنيا وشاغل الناس الشاعر ..."ابو الطيب المتنبي"...:
بَيني وَبَينَ أَبي عَلِيٍّ مِثلُهُ
شُمُّ الجِبالِ وَمِثلَهُنَّ رَجاءُ
ناجى البعيني ..."الامام علي بن ابي طالب"... بلغة المزامير، وهي لغة ..."الكتاب المقدس"...، وكان مراده التقرب اليه بلغة السلام والقداسة ليطلق نور الفلسفة، والحكم القيّمة، والأقوال المأثورة، التي ملكت روحه وقلبه، فأطلق لها العنان ورددتها الأجيال وما زلنا نرددها حتى اليوم، وسأترككم مع مقتطفات من ..."مزامير البعيني"... التي لا تحتاج الى تفسير:
إِسْمَكْ، رَسْمَكْ، جِسْمَكْ.. عِنْدي
تَالُوت مْقَدَّسْ.. مِنْجَلّ
مْفَكِّرْ، عَالِمْ، وَاعِظْ، جِنْدي
سَيِّد.. ما في كِلْمِه تْدِلّ
...
مِنْ فَلْسِفْتَكْ، مِنْ أَقْوالَكْ
شَعِّتْ شِمْس.. وْطِلْع نْهارْ
...
.. وْهَاكِ الْوَقْفِه فَوْقِ الْمَنْبَرْ
حِمْلِتْنا عَ جْناحِ الرِّيحْ
كِنَّا بْرَفْعِةْ إِيدَكْ نِكْبَرْ
يا عَلِي.. وْتِعْلا تْسَابيحْ
...
مُشْ جايي للصَّحْرا بَسّ
لْناس.. بْيِحْكوا بِلْسانَكْ
جايي تْكَحِّلْ عَيْن الشَّمْسْ
وِتْلَوِّنْها بْإِيمانَكْ
...
يا قِدِّيس القِدِّيسينْ
يا مْرَجّعْ يَسوع الْحُبّ
وِحَّدْت بْكِلْماتَكْ دِينْ
فِرْحِتْ فيه عْيُون الرَّبّ
...
دينَكْ دِيني، دين الْحُبّ
الْحُبّ اللّي بْيِجْمَعْ أَكْوانْ
ما بْيِظْلُمْ مَخْلُوق الرَّبّ
اللّي بْيِظْلُمْ هُوِّي الشَّيْطانْ
...
شو الإِنْجيلْ؟!.. وْشو الْقُرْآنْ؟
كتْب.. وْنِزْلِتْ كِرْمالي
فِسَّرْتا، قلتْ: الدَّيّانْ
واحِدْ.. تا تْرَيِّحْ بالي
...
قُلْتِلِّي: لا تْصارِعْ حَقّ
الْحَقِّ بْيِرْبَحْ مَهْما كانْ
...
وْقُلْتِلِّي: "الْباطِلْ مَغْلُوبْ
وَمَغْلوب الْغالِبْ بِالشَّرّ
...
الْحُقْد اللّي بْصَدْرَك تْقيلْ
شِيلُو، بِتْشيلُو مْنِ النّاسْ
وْبَعِّدْ عَنُّو مَلْيونْ مِيلْ
وْلا تِلْبُسْ لِلشَّرِّ لْباسْ
...
لا تْصاحِبْ واحِدْ كَذَّابْ
وْلا الْـ بِيعانُوا مِنْ بُخْلُنْ
وْعود الْكَذّابين سْرابْ
وِالْبُخْلا.. اغْتَنْيُوا بْجَهْلُنْ
...
كِلْماتَكْ.. يا نبعِ الْخَيْرْ
.. عَمْ تِسْقي فينا بْساتينْ
كِلْماتَكْ.. يا صَوْتْ الطَّيْرْ
هِدْيِتْ بِالْحَقّ مْلايينْ
اشتقنا
"الطبعة الأولى ٢٠١٥"
أجل إن الاشتياق واجب مقدس يدفعك الى خدمة القلب وتقديم الشعور والحنان الى من تشتاق اليه، صورة الشاعر شربل بعيني تألقت سحراً وقوة على الغلاف لتشرق ربيع الكلمة والشعر.
في ..."اشتقنا"... تناغم الفن والحجر وأنشدا الحب:
الإزميل لمّن بوّس خدود الحجر
صاروا البشر يِتْباوَسوا مِتْلو
وكان صوت ..."الجندي المجروح"... داوياً عندما خاطب أمه في اشتقنا:
يمّي.. إذا رح موت
بتزيّني البيوت
وبترفعي الأرزه
ع عتبة بْوابك
بموتي أنا.. اعتزي
ولا تبيّني مْصابك
رصاصه.. إذا بتفوت
بصدري أنا مش هم
همّي.. يا أحلى أم
ما تنجرح بيروت
وما اثمن..."تراب الوطن"... عند شربل بعيني، فلقد أوصى المغترب أن يدفن تراب الوطن معه في القبر ساعة موته:
حامل معو ترابات من لبنان
وكاتب وصيه ان مات بالهجران
تنزل معو بالقبر … تا يشم الحمى
ويثور البعيني على ..."حكام لبنان"... ويطالب بأن تحكم النسوان بدلاً عنهم :
ونحنا، يا بيي، هون صرنا الفخر
وتتلمذت بصفوفنا الأكوان
حكمنا الدني.. رشّوا علينا الزهر
وببلادنا بيتقاتلوا الجيران
رح قولها ع السطح.. تهدر هدر
لبنان بدّو رجال.. مش خصيان
أطخنْ شَنبْ.. ما عاد عندو شَعرْ
يا ريت مرّه.. بتحكم النسوان
وكان للموسيقار ..."وديع الصافي"... حصة وافية في اشتقنا:
يا بلبل الوديان
يا زارع الأوطان
ع شفاف كل إنسان
...
يا نغمة اللي بجلها
ما بينذكر لبنان
من دون اسمك يا وديع
ما بيفرح الديان
إلا بأوفك يا وديع
أما الفنانة ..."صباح "... فلها مكانة خاصة وكبيرة عند البعيني:
غابت صباح .. وشعرنا جايي
يدلق بكي ع صفحة حكايه
هيي اللي كانت نجمة الأمجاد
تْطيّر الضحكة .. تشع المرايه
بالحنجرة حملت شعب وبلاد
الله عطاها "الأوف" توصايه
...
شحرورة الوادي قمر لبنان
هيي البدايه الما لها نهايه
وأبدى البعيني فخراً وحزناً وسخطاً وغضباً من الفيلسوف والشاعر..." سعيد عقل"...:
انهز العرش .. وتطايرت تيجان
وقلو "المجد" ما بينزوي بتابوت
سعيد عقل .. بينسمى لبنان
ولبنان، متل المجد، ما بيموت
...
زعلان منك يا سعيد كتير
كيف تركت لبنان للتعتير
كنت صوتو فرحتو عيدو
جرب إذا من فوق بتفيدو
في ..."اشتقنا"... خاطب البعيني صديقه الوفي الراحل..."بطرس عنداري"... بحزن وصدق وألم:
اشتقنا يا بطرس .. والقلب زعلان
كيف انتهينا هيك بالهجران
لكن بعد موتك.. شو عّم بيصير
هالكون بلش يحكمو الشيطان
نص البشر عم يحصدا التهجير
واللي بقي .. حطبات للنيران
لازم نوعّي .. نكتّر التفسير
برسالة الإنجيل و القرآن
في ..."اشتقنا"... ثار البعيني على ..."الموت"... وتألم كثيراً على فراق صديقه الدكتور ..."عصام حداد"...:
قبالي الدني .. ومش شايف قبالي
موتك قتل فيي الدني كلا
يا الـ كنت مجدي وكل رسمالي
يا مدبح الـ فوقو الشعر صلى
وكانت صرخة البعيني ..."لأمه بترونله"... موجعة ومؤلمة:
الغصة عّم تقوى يا أمي
موتك خلاني إتعذب
...
حضنك كان بلادي .. وصرت
إحلم تا تضميني ضمه
...
بترونله .. الاسم كبير
أم .. و متلا ما بيصير
في ..."اشتقنا"... اشاد الشاعر بعيني بأبيات جميلة ومؤثرة يصف فيها المثلث الرحمات ..."سيادة المطران بولس صليبا"... راعي أبرشية استراليا ونيوزيلاندا والفلبين وتوابعها للروم الأرثوذكس، واصفاً إياه
..."بسيد رافع اسم الدين".... "ذي كف اخضر"... و..."قلب أبيض ناصع كالثلج"...، مردداً كلمة آمين
وفِي كل حين:
يا سيّدنا اسمحلي اليوم
هنّي بالشعر الحلوين
متلك ما بيتلاقى دوم
سيّد.. رافع اسم الدين
بولس صليبا.. يا قوم
كفّو أخضر متل المرج
وع شفافو كلمة: آمين
وقلبو أبيض متل التلج
اسألوا الأرزه العا صنين
وكان ..."لأبو الزلف"... طعم خاص في ..."اشتقنا"... مما جعل ..."العراق"... يقترن ..."بلبنان"... تحت تاج..." الحب"...:
هيهات يا بو الزلف
عيني يا موليا
بيروت لا تستحي
البوسه عراقية
وكانت ..."لبيروت"... مكانة خاصة في قلب البعيني في ..."اشتقنا"...:
يا غزيل يا بو الهبا
يا بيروت الطيبه
من يوم اللي حبيتك
قلبي رجعلو الصبا
وكان غضب البعيني جلياً وصارخاً في ..."اشتقنا"... عندما ثار على ..."حكام العالم بأجمعه".... يوم توفي أحد "...الأطفال الصغار غرقا"...:
قللو لألله شو ما بدك
سمّي بالإسم الأشباح
قللو الدنيي كلا ضدك
لازم يمحيها و يرتاح
أوزان
"الطبعة الأولى ٢٠١٦"
تألقت ..." بيروت"... في بداية ..." أوزان"... وعلى غلافه، فغدت عروساً جميلة ورقيقة تذوب حباً وغراماً:
بيروتُ يا بَيْروتُ.. لا تَتَرَدَّدِي
قولي: أحبُّكَ.. كَيْ يُعانِقَني غَدي
أمّا ..."الحب الحقيقي لبيروت"... فقد تجذر في قلب الشاعر بعيني حتى غدا زاده اليومي وملجأه الوحيد لتقترن الروحان معاً في معبدها الذي جمع كل الأديان تحت سقف المحبة والرحمة:
كلُّ الْمَدائِنِ ضيّعَتْ عِنْوانَها
إلاّكِ يا بيروتُ.. يا وَشْمَ الْيَدِ
وكانت ..."بغداد"... العروس القابعة في عالم الحب والجمال، والتي تنتظر عريسها المتيم بها، ليصطحبها على صهوة جواده الأبيض الى عرزال الغرام والأماني والحب:
بَغْدادُ أنْتِ حَبيبتِي.. لا تَخْجَلي
منذُ الوُجُودِ، خُلِقْتِ يا بَغْدادُ لي
أحْبَبْتُ وَجْهَكِ.. وَالْغَرامُ حِكايَةٌ
مِثْلَ الدِّماءِ تَدَفَّقَتْ بِمَفاصِلي
إسْمِي على شَفَةِ الصباحِ كَتَبْتُهُ
إبْنُ العراقِ أنا.. أنا.. إنْ تَسْأَلِي
إِنِّي أُصَدِّقُ بَيْتَ شِعْرٍ رائِعِ:
"ما الْحُبُّ إلاّ لِلْحَبيبِ الأوَّلِ"
وكانت ..."مصر"... للبعيني ..."الأم الحنونة"... التي أباح لها بغرامه وعشقه المتيم وحزنه العميق لأم الدنيا، الذي لا يخفف وطأته إلآ حضن أمه:
يا مصرُ أنتِ الأُمُّ.. يا أُمّي اسْمَعي
منْ كثْرَة الأشواق ضاقتْ أضلـُعي
ما كلُّ هذا النيلِ نهرٌ واحدٌ
فلقد وهبتُ النيلَ مَجْرى أدْمُعي
لو باحتِ الأهْرامُ بالحبِّ النقيْ
لعَلِمْتِ أنَّ القلبَ لمْ يرحلْ معي
مدّي اليدينِ إلى الحبيبِ ترفـُّقاً
من ليسَ يأتي المجدَ.. ليْسَ بمُبْدعِ
ها قد سكبْتُ الحبَّ عِطْرَ قصيدةٍ
فتنعّمي بالحُبِّ، ثمَّ تدلّعي..
كوني كما أنتِ احْتِضانَ أُمومَةٍ
مَنْ يجمعُ الأبناءَ.. إن لمْ تجمَعي؟
أما ..."عمان"... فقد صورها البعيني كعشيقة جميلة تخفف وحشة الألم والغربه، وتمد يدها حاضنة البعيني بحنان مرهف، مخففة عنه ألمه، منصهرة وإياه في عالم الحب السرمدي:
يا أُرْدُنَ الأَحْبابِ هاتِ يداً
كالسّحرِ تَمْحُو غُرْبَةَ الأَلَـمِ
أَبْغِيكَ مَجْداً مُفْرِحاً أَبَداً
تَخْتالُ بينَ الزَّهْرِ والْقِمَمِ
الشّعبُ شَعْبِي.. والشّهيدُ أنا
عرشُ الثُّريّا مُنْتَهى حُلـُمي
ووصف البعيني حبه الرقيق والجارف ..."لدمشق"... الذي كان يكنّه لها منذ الطفولة، فانشد قائلاً:
هذي دمشقُ الحبُّ والأَلَقُ
فيها يَهيمُ الوردُ والحَبَقُ
أحبَبْتُها من يَوْمِ ما وُجِدَتْ
حُلْماً جَميلاً هابَهُ الأرَقُ
أهديْتُها الأشْعارَ مِنْ كُتُبٍ
فيها الدُّنَى أجْدادُنا سَبَقوا
وأبى البعيني الا ان يبوح بحبه الجارف ..."للشام"... عندما أجاد وقال:
يا شامُ.. لم أعْشَقْ سِوَى وَطَنٍ
سُكّانُهُ الأمْجَادُ لَوْ نَطَقُوا
أَلْبَحْرُ حُبُّكِ، والحَبيبُ أنا
وَلَكَمْ غَرِقْتُ وَعافَني الغَرَقُ
وجاء الإعلان الصادق والجريء من البعيني لحبيبته ..."دبي"... التي عشقها بحب متيم وصادق، وأبدى رغبته ببناء عشه الغرامي على رمالها المتطايرة عشقاً وغراماً. أما رملها فبدا للبعيني كأنه تبر وهّاج يلامس هواءها العليل.
وكان وقع اسمها رقيقا في إذنه، فوصفه باللحن الشجي والطرب الأزلي يدندن للروح ويشنّف الآذان:
أَلرَّملُ تِبْرٌ، والهواءُ شذاً
وَلَقَدْ بَنَيْتُ مِنَ الشَّذا سَكنِي
أَلْمَوْجُ عَاتٍ والشِّراعُ أنا
مَنْ غَيْرُها.. تَشْتاقُها سُفُني؟
غَنَّيْتُ إِسْمَكِ يا دُبَيُّ كما
يَحْلُو لِحَرْفِ الضَّادِ وَالأُذُنِ
النَّجْمُ أَنْتِ، وَأَنْتِ قُبْلَتُنا
فَتَشَاوَفِي يا دُرَّةَ الْمُدُنِ
وما أجمل القلب عندما يخفق بقوة لحبيبه، وما أنبل الحب الجارف والعارم الذي ملأ قلب البعيني وهام به شغفاً وغراماً ..."لتونس الخضراء"... التي أسكنها حنايا قلبه العارم بالحب الأبدي والذي دعاه في ..."أوزان"... الى معبد شعره ليقترنا سوياً بالزواج المقدس:
آن الأوانُ حَبيبَتِي
بِالْحُبِّ أَنْ تَتَغَطْرَسِي
إَنْتِ الأميرةُ والْمُنَى
والْعَرْشُ قَلْبِي.. فَاجْلِسِي
لا لَنْ يُحِبَّكِ عاشِقٌ
مِثْلِي.. فَهذا مِحْبَسِي
وكانت صرخة البعيني ..."للقدس"... داوية ومعاتبة فهو ابنها الذي يتغنى بوجودها مبدياً قلقه البالغ على مصير حالها، ولَم يتسنَ له يوماً تقديم أجمل الأوصاف لها، لذلك أسماها "مهد الضياء":
يا ديارَ القدسِ يا مهدَ الضياءْ
أخبريني كيف جاءَ الأنبياء
إنْ دعوتُ اللهَ.. أدعو خاشعاً
في ربوعِ الحقّ يختالُ الدُّعاءْ
أنا إبنُ القدسِ.. منْ مثلي أنا؟
يتغنّى بوجودي العظماءْ
وكان الحزن جليا في مناجاة البعيني لصديقه ..."عبد الوهاب البياتي"... والذي كما اشار البعيني ما زال ..."حيّا بين أمته"... يصدح شعراً عصامياً يبهر الجميع. إنه العظيم في أشعاره وأعماله وابداعه:
لا لمْ تمُتْ.. فالإسمُ حيّ بيننا
متشامخٌ.. يجتازُ كلَّ الأمكنه
يا "ابْنَ البيَاتيْ".. لا تسلْ عن مُمكنٍ
أشعارُكَ العصماءُ ليست مُمكنه
أنت العظيمُ المبدعُ الشّهمُ القويْ
إن لمْ تصدّق صرختي.. أنظرْ هنا
إني على جمرِ المحبّةِ أكتوي
هذا أنا.. هل زلتَ تذكرُ من أنا؟
واحتلت ..." عبلى"... في ..." أوزان"... مكانة هامة في قلب الشاعر فهي التي دغدغت أحاسيسه المرهفة، وهو الذي هام اشتياقاً الى لقياها مما جعله يظهر حباً جارفاً لجمالها وجسدها المفعمين بالحب والاثارة واللذين بادلهما البعيني ولهاً:
قَدْ يَرْحَلُ طَيْرٌ عَنْ عُشٍّ
لكِنَّ طُيُوري لَنْ تَرْحَلْ
أَشْعَلْتُ شُمُوعي إِكْراماً
لِلصَّدْرِ، وَلِلْقَدِّ الأَمْيَلْ
وَالرِّيقُ دِنانٌ مِنْ خَمْرٍ
وَأَنا مُشْتاقٌ كَيْ أَثْمَلْ
وثار البعيني على ..."جبران خليل جبران"... وعاتبه بقوة على صمته القاتل، وعلى تدهور مستوى الحرف والشعر، وما حلّ من هلاكٍ في بلده، وبالفلاحين والحرف:
جُبْرانُ.. يا جُبْرانُ ما بِكَ صامِتٌ
وَالثَّرْثَراتُ تُخَدِّرُ الأَسْماعا
وَالأَرْضُ يَذْبَحُها الْفُجورُ، كَأنَّهُ
بِدَمِ البَراءَةِ يُسْكِرُ الأَتْباعا
لَمْ يَبْقَ فينا سَيِّدٌ في رِزْقِهِ
فَلاَّحُنا هَجَرَ الْكُرومَ.. وَباعا
والْحَرْفُ وَسَّخَهُ الرُّعاعُ .. فَلَنْ تَرَى
حَرْفاً كَحَرْفِكَ مُشْرِقاً لَمَّاعا
ظلال
"الطبعة الثانية ٢٠١٨"
استهل البعيني هذا الديوان ..."بثورة على الحكام والزعماء"... الذين لا هم لهم سوى المراكز والمنافع الشخصية، وجر الوطن الى الخراب، كما أعطى الأمل بوجود الأبطال الذين لم يتوانوا يوماً عن حماية الوطن وأرضه:
أَتَنامُ عَيْنُ الشِّعرِ مِلْءَ جُفونِها
وَعَلى الرُّموشِ مَصائِبٌ تَخْتالُ؟
يَعْيا الْعَويلُ بِثَـغْرِنا، فَكَأَنَّـنا
مُنـذُ الْبِدايَـةِ لَفَّنا الْبِـلْبالُ
أَعْـمارُنا رَهْنٌ بِحِفْظِ مَـراكِزٍ
يَطْـغى بِـها مُسْتَرْئِسٌ دَجَّالُ
لا ثَوْرَةٌ في الشَّرْقِ أَشْرَقَ نورُها
إلاَّ احْتَواها في الدُّجَى مِكْيالُ
زُعَماؤنا، دَرْبُ الْخِيانَةِ دَرْبُهُمْ
لِيَقودَنا نَحْوَ الضَّلالِ ضَلالُ
إنْ صَمَّموا، فَالْغَدْرُ في تَصْميمِهِمْ
وَتَكَلَّموا، فَلُعابُهُمْ يَحْتـالُ
بِئْسَ الزَّمانُ زَمانُنا.. فَبِلادُنا
عِنْدَ الشَّدائِدِ عافَها الأَبْطالُ
وما أجمل العشق العارم الذي يكنّه البعيني ..."للرباط"... والتي وصفها ..."بعرش الملك"... والتي أعلن عن رغبته بزيارتها، ليظهر حبه الجارف لها، وليلهو ويمرح مع كل نسمة من هوائها المنعش:
ها قد أتيتُ المغربَ الحلوَ انتشِ
يا شِعرُ وَامْرَحْ كالهواءِ المنعشِ
هذي "الرباطُ" حبُّ قلبٍ عاشقٍ
باللهِ عنّي يا "رباطُ" فتّشي
وأضحى البعيني كئيباً وحزيناً، يقطر قلبه دماً على ..."ارواح شهداء العراق".... فنادى ..."بغداد"...
من ..."بيروت".. ليزفّ لها حزنه ودموعه وألمه على الحرب الدامية التي أودت بحياة الشهداء الأبرار:
أرْضَ الْعِراقِ.. أَتَيْتُكِ
مُدِّي الْيَدَيْنِ إلى الْحَبيبْ
إنّي سَكَبْتُكِ مِنْ عُيونِيَ "دِجْلَةً"
أوّاهُ.. كَمْ يَبْكِي الْغَريبْ
...
لُبنانُ، يا بَغْدادُ، كَمْ سَنَةٍ
يَقْتاتُ مِنْ أَكْبادِهِ الأَلَمُ
هَلْ يَنْتَهي الإنسانُ في وَطَنٍ
كانَتْ تُناغي أَرْضَهُ الْقِيَمُ
أَعْداؤهُ الأَوغادُ هَمُّهُمُ
أَن يُسكِرَ المُسْتَنقعاتِ دَمُ
أَوصافُهُمْ، إن شِئْتِ، أَكْتُبُها
كَيْ تَعْلَمي كَمْ يَخْجَلُ الْقَلَمُ
ومن قصيدة اخرى:
هذه بيروتُ يا بغدادُ تبكي
إمسَحي الدَّمْعاتِ إنَّ الدَّمْعَ أَحْمَرْ
إنْ بَكَيْتِ الْيَوْمَ نَبْكي كُلَّ يومٍ
كُلُّ شِبْرٍ مِنْكِ يا بَغْدادُ جَوْهَرْ
ونَهَلَ البعيني من أدبه وشعره عتباً لسيد الكلمة، ونبراس الحرف، ومنارة الشعر، الشاعر الدكتور والفيلسوف ..."سعيد عقل"... وعاتبه بشدة عما يجري في لبنان وعلى تدهور الشعر، والشعراء، والحكام، طالباً وراجياً المساعدة من حكم الأصنام:
يا "عقلُ" أنتَ الحرفُ والكِلَمُ
لولاكَ لمْ تسمعْ بنا الأممُ
من دمعةِ العنقود صِغْت لنا
شعراً عظيماً هابَهُ الكرَمُ
هذا "سعيدٌ" صوتُه عبرٌ
يُصغي إليه من بهِ صممُ
لبنانُنا، يا "عقلُ"، أنت لهُ
دِرعٌ، لماذا يحكمُ الصنمُ؟
لا لم تمتْ ما جئتَ من عدمٍ
حين احتواك استيقظ العدمُ
وكان شعر البعيني داوياً وصاخباً في ..."ظلال"... عندما ناجى الشاعر الكبير ..." أبو الطيب المتنبي"... مالىء الدنيا وشاغل الناس فقال:
يا أبا الطيّبِ مَهْلاً
ها هُنا الْكُفْرُ يَسُودُ
نَحْنُ نَحْيا كُلَّ يَوْمٍ
دَمْعُنا للحُزْنِ عيدُ
يا عظيماً نلتَ فَخْراً
أَنْت للشّعْرِ شَهيدُ
إنْ طَواكَ الْمَوْتُ دَهْراً
كلُّ ما قُلْتَ جَديدُ
كما ثار البعيني على الظلم الذي تعرضت له الطفلة ..."عهد التميمي"... ووصفها بالبطلة التي هزت الجبال:
عهد التميمي أصبحت أملا
بنتُ النشامى هزّت الجبلا
شعبي أنا قد عابه فزعٌ
لمّا رآها إنطوى خجلا
والقدسُ قالت: هذه فرحي
مثلَ "التميمي" لم أجدْ رجلا
أوصافُنا يا "عهدُ" ناقصةٌ
إلا إذا نادتْكِ: يا بطله
وأبدع البعيني ايضاً بوصف عازف الأورغ الكبير
..." الأستاذ مجدي الحسيني"... وتطرق الى استيائه من تدني المستوى الفني في عصرنا هذا، واشتياقه العميق والدؤوب الى لحن جميل ينعش الروح ويفرج الكربة:
جاءَ "الْحُسيني" حاملاً وترا
كنّا، وكان الهجرُ منتظرا
مَنْ رافقَ الأمجادَ باتَ هُنا
يا مصرُ صارَ العقلُ مُنبهرا
يا سيدَ الأنغامِ هذا أنا
لستُ أمام العزف مُقتدرا
مجدي.. إذا الأهرامُ شامخةٌ
كنتمْ لها الألوانَ والصورا
واللحنُ.. مِنْكَ اللحنُ مندهشٌ
أودعتَه الأكوانَ فانتشرا
من ظلاله يطلق البعيني العنان لشعره الحزين، الذي ينبع من قلب مكسور الخاطر، وكئيب على موت ملك القوافي وسيد المعنى الشاعر الزجلي ..."جوزيف الهاشم"... الملقب بزغلول الدامور:
ما دُمْتَ أنت الوزنُ والشعرُ الأجلّ
لا لستُ أرضى بالكلامِ المرتجلْ
زغلولَنا.. لم يأتِ مثلَك مبدعٌ
غنّيتَ شعراً قد يغنّيه الأزل
قمْ ودّعِ الأصحابَ، هذا جمعهُمْ
عندَ "البهيَّة" شِعرهُم دمْعُ المُقلْ
حُزنٌ أليمٌ.. لو سمعتَ أنينَهم
لبكيتَ مثل الطفل من فيضِ الزعلْ
جوزيفُ.. قل لي كيف يأتيكَ الفنا
والمجدُ أنتَ.. وأنتَ زغلولُ الزجلْ
وأجاد البعيني بوصف عازف الشيللو الكبير الذي عزف لعمالقة الفن في الزمن الجميل ..." الأستاذ مجدي فؤاد بولس"... ووصفه بالهرم، وبالقيمة الفنية الشامخة، وبالأنامل الماسية:
مجدي، عظيمُ الْفَنِّ، وافَرحي
يا مِصْرُ غَنِّي الْيَومَ وانْشَرِحي
كُلثُومُ جاءَتْهُ كأُغْنِيَةٍ
تلْحينُها خَمْرٌ بِلا قَدحِ
والْماسُ يَجْري فَوْقَ أُنْمُلَةٍ
أَفْنَتْ بِعَزْفٍ دَمْعَةَ التَّرَحِ
والنّيلُ، نَهْرُ الْخَيْرِ يَعْشَقُهُ
والرأسُ يعلو قامةَ البلحِ
قصائد مسلية
"الطبعة الثانية ٢٠١٦"
السيدة الجميلة والأنيقة هي التي اعتلت تاج غلافه. انها الحبيبة التي تربّعت على عرش البعيني وقلبه. هي العشيقة التي تهادت سحراً على حنايا الشاعر وقلبه، فأزهرت قريحته قصائد تراقص لها قلبها المتيّم حباً وهياماً.
الجرة الاثرية تلامس جسد الحبيبة لتشعل فيه ولعاً لحبها وتراثه الأزلي. أما الورود فلقد اعتلت طاولة زرقاء أشرقت أملاً ومحبةً وسلاماً على طريقها مع شاعرها الحبيب.
في "قصائد مسلية" ثار البعيني على... "الزواج"... الذي كان يرفضه بشكل قاطع وبشتى الأوصاف. وأبدى رغبة بالبقاء... "عازبا"...، ودون قيود يفرضها عليه الزواج، ليتنقل دلعاً وحباً من رفيقة، الى حبيبة، الى عشيقة، الى خليلة، يحلق عالياً كطائر يعشق الحرية، أسكره رحيق الحب، وجعله يغرد طليقا من غصن إلى آخر، غير آبه بحواجز الزواج الحمراء التي لم ولن يتمكن من التقيد بها ليرضي شريكة حياته.
قالُولي: تْجَوَّزْ... يا رَيْت
ما عْمِلْت اللِّي بْفِكْرُنْ كانْ
وْأَعْزَبْ مِتْغَنَّجْ ضِلَّيْتْ
تا قَطِّعْ عُمْري فرْحانْ
بِتْفَكِّرْ حَالَكْ حِبَّيْتْ
وْحُبَّكْ لِلْفَرْحَه عنْوانْ
الْجَازِه فِيها خْرابْ الْبَيْت
انْ ما ظَبْطِتْ.. بِتْصِيرْ عرْيانْ
بْتِلْبُط حَيْط.. بْتِنْطَحْ حَيْط
وْبِتْصَرِّخْ مِتْل الْخُوتانْ
أَلّله بْيَعْرِفْ مَهْما عْطَيْت
مُش مُمْكِن تِرْضِي النِّسْوانْ
اما ..."الغزل"... فكان الطريق الذي يؤدي الى كلمة تناثرت منها ..."الآويها"...، والتي طالما تمنى الشاعر ان يغنيها لحبيبته التي قتلته بنظراتها الجميلة والمؤثرة:
حابِبْ يِتْغَزّل فيها
بْكلْمه حلوه يْناجيها
قلّلا: يا تقبريني
نظره وحده بْتِكْفيني
تا غنّيلك آويها
في قصائد مسلية ثار البعيني على ..."النائب"... الذي ينتخبه الشعب ليمثله في مجلس النواب، ليجد بعدها انه ..."سارق وكاذب"... :
الشّعب انْتَخْبو.. وقلّلو: كُونْ
مْمثلنا بْمَجْلس هَـ الشّعبْ
تاري هَـ النايِبْ مَلْعونْ
مْعَوَّد عَ السّرقه وْعَ الكذبْ
اما ..."شهيدة"... فكانت متعجرفة، ومتكبرة، وعنيدة، وغير مكترثة بالشاعر الذي يعشقها، ورافضة بقوة حبه لها من بعد أن سببت له الدوار:
شَهِيدِه.. يَا شَهِيدِه
حِطِّي إِيدِكْ بِـ إِيدِي
عَمْ قُولْ: نْهارِكْ سَعِيدْ
لَنُّو رِدِّي السَّعِيدِه
...
دُوَّخْتِينِي.. وِحْيَاتِكْ
مُشْ عَمْ إِفْهَمْ مَشْيَاتِكْ
كل ما بْنَفِّذْ حَكْياتِكْ
بِتْحِطِّي عِقْدِه جْدِيدِه
وستجدون استشهادات كثيرة من "قصائد مسلية" في فصل ..."الأسلوب الفكاهي في شعر ونثر شربل بعيني"... لذلك سأكتفي بهذا القدر.
الغربة الطويلة
"الطبعة الخامسة ٢٠١٦"
المرأة التي تعتلي الغلاف تبدو حزينة، كئيبة الوجه، حالمة النظرات، تنتظر شيئاً غريباً في مكان ما.. في غربة عاصرتها، وعاشت مآسيها، وحزنها ووحشتها، إنها المرأة التي اقترنت بألم البعيني وحزنه، اللذين لازماه في غربته الطويلة والحزينة والموحشة.
في ..."الغربة الطويلة"... ناجى البعيني ..."الوحدة الموحشة"... في الليل الحالك والخالي من الكلام، ثم جبل من ترابها "إنساناً" ليشاركه حياته ويؤنس وحدته:
.. وْصِرْتْ بِلْيَالِي الْبِكِي
إِجْبُلْ مِنِ تْرَاب الْحَكِي
إِنْسَانْ..
إِسْأَلْ : يْجَاوِبْنِي
إِزْعَلْ : يْعَاتِبْنِي
وْيِرْسُمْ عَ كَفِّي مَمْلَكِه
بْخِيطَانْ
مِنْ دخَّانْ..
اما ..."الغربة الطويلة"... فقد لازمت البعيني وعاشت معه في كل حين سواء بآلامها، وحزنها، أم بفرحها، وشقائها، ولم يتوقف يوماً عن السؤال عما تخبئه له:
كَتْبُونِي عَ شْفَاف وْلادُنْ
قَصِيدِه لِبْلادُنْ
الْمَزْرُوعَه بالنَّارْ
بِالْحُزْن وْبِالدَّمَارْ
وْعَ فَرْشِةِ النِّهَايِه.. قَالُولِي:
يَا غُرْبِةِ الأَيَّام الطَّوِيلِه
حْكِيلُنْ عَ اللِّي صَارْ
مَعْ دَمْعَات الْعِينَيْنْ الْخَجُولِه
اللِّي تْجَمَّدِتْ عَ خْدُود الطُّفُولِه
وْمَا غَسَّلِتْ آثَار بْعَادُنْ!
...
يَا غُرْبِة الأيَّامْ الطَّوِيلِه
يَا غُرْبِة الشَّقَا وِالضَّنَى
قَبِلْ مَا تِحْكِيلُنْ حْكِيلِي
شُو اللِّي مِتْخَبَّالِي أَنَا؟!
ونادى البعيني ..."رجال القوافل"... الذين تَرَكُوا الوطن وهاجروا الى بلاد اخرى ليزرعوا فيها مواسم الخير، لكنهم تَرَكُوا الوطن يبكي حزناً على رحيلهم:
رْجَال الْقَوَافِلْ عَجّلُوا بِالسَّيْرْ
وْتَرْكُوا رْبُوع الأَرْزْ زِعْلانِه
زَرْعُوا الْمَوَاسِمْ.. وِالْمَوَاسِمْ خَيْرْ
وْنَصْبُوا خْيَامُنْ بِـ وَطَنْ تَانِي
زِعل النِّدِي وِانْبَح صَوت الطَّيْرْ
وْتِكْيِت غْصُون الْحَوْر دِبْلانِه!
وِاللِّي هَجَرْ بَكِّيرْ
صَعبْ تَا يِرْجَعْ
هِرْبَانْ مِنْ تِهْجِيرْ
بِـ قُوّة الْمَدْفَعْ
مْنِ سْيَاسْة حْزَازِيرْ
مِنْ ظُلم أَوْسَعْ
مِنْ تِمّ بَحْر كْبِيرْ
أَطْفَالْ عَمْ يِبْلَعْ!
وأبى البعيني إلاّ أن ..."يرفع الصوت ليغني لبلاده"... ويزرع اسمها على شفتيه، ويحمل صليبها على كتفيه، ليردّ قليلا من جميلها:
صَوْتِي مَبْحُوح.. وْإِيمَانِي
فِيكِي يَا بْلادِي خَلاَّنِي
إِرْفَع الصَّوْت وْغَنِّيلِكْ
رَحْ إِزْرَعْ إِسْمِكْ عَ شْفَافِي
وْإِحْملْ صَلِيبِكْ عَ كْتَافِي
وْإِطْفِي بِالدَّمْعَه غَلِيلِكْ
بَرْكِي يَا بْلادِي الْحَنُونِه
بْصَوْتِي وِبْدَمْعَات عْيُونِي
بْرِدِّلِّكْ نِتْفِه مْنِ جْمِيلِكْ..
وكان ..."لوداع الشاعر"... الأثر الكبير في قلب البعيني الذي طمأنه بأنه عندما يقرأ قصيدة كتبها الراحل عن الأهل والأرض، سوف يحلق حوله الشعراء الأجلاء:
حفْلِة وِدَاعْ؟!.. وْلَيْشْ حَتَّى نْوَدِّعَكْ
وْنِلْقِي الْقَصَايِدْ وِالْخُطَبْ عَ مَسْمَعَك
وْنِحْنَا إِذَا مْنِقْرَا قَصِيدِه كْتَبِتْهَا
عَنْ أَهْلَك.. وْعَنْ أَرْضَكْ الْـ حِبَّيْتْهَا
مَهْمَا بْعِدِتْ.. مِنْطِيرْ تَا نْصَفِّي مَعَكْ؟!
...
مَخْجُول حَتَّى هَـ الْقَصِيدِه سَمّعَكْ
وْكِلّ القَصَايِدْ رَاكْعَه عَ مَرْكَعَكْ
لكِنْ.. قَبل ما تْعُودْ عَ أرض الْوَطَنْ
هَـ الأَرْض يَللِّي تْلاعَبِتْ فِيهَا الْفِتَنْ
حَابِبْ تَا قِلَّكْ بَسّ: أَللّـه يْكُونْ مَعَكْ
وما أجمل ..."طلة الغائب"... العائد الى بلاد الأرز، والذي رقصت له السهرات والأحباب.
وأقسم البعيني ..."بالأرز، وبالدم، وبالمجد، وبصنين"... بان شعبه سيتوحد قريباً ليستقبل غيابه، وليشجعه على البقاء في ربوع الوطن:
بْطَلِّة الْغَايِبْ.. فِرْحِت السَّهْرَه
وْسِكْر الْوَتَرْ.. ما أَجْمَل السَّكْرَه
رَقَّص الأَرْزِه النَّاطْرَه بِالْجُرْد
رَجْعِةْ حَبَايِبْ طَوّلُوا السَّفْرَه
وْلُبْنان.. يَللِّي ما بْيَعْرِف حقْدْ
قَتْلُوا طْفَالُو وْشَوّهُوا الذّكْرَى
شَعْبِي أَنا.. رَحْ حَلّفُوا بِالْمَجْدْ
بِالأَرْز.. بِالدَّمَّاتْ.. وِبْصنِّينْ
يْوَحِّدْ صُفُوفُو الْيَوْم.. مُشْ بُكْرَا
وما ..."الحياة"... كما رآها البعيني سوى ..."مشوار يزنره الألم والظلم والشر"...:
مشْوارْ جينا.. وْكيفْ رَحْ نِرْجَعْ
وكل ما ضحِكْنا.. الْعَيْن عَمْ تِدْمَعْ
وْلَيْش حَتَّى نْكَمِّلْ الْمشْوارْ
وِبْآخِرْ الْمشْوارْ رَحْ نِرْكَعْ
لا الدّارْ عَمْ تِحْضُنْ أَهالي الدَّارْ
وْلا الرَّبّ صَرْخِةْ ظُلْم عَمْ يِسْمَعْ
عَ الأَبْرِيا.. بْيِتْسَلَّطُوا الأشْرارْ
وْما في حَدا من خالْقُو بْيِفْزَعْ
اما ..."المرأة"... التي حلم بها البعيني فكانت هي التي يركع لها ..."أزغر طفل وأكبر ملك"... لقد أحبها بكل جوارحه، وحلم أن يعيش بقربها، ويمشي العمر على دربها. إنها ..."أمه الجميلة"... حتى وبعدما لفها تراب القبر:
إنتي المرا.. اللي بْحِبّها
وْبِحْلَم تا عيش بْقُربْها
وإمْشي الْعُمر عَ دربْها
منْ دون كذبْ وْشَوشَرَه
...
إنتي الْمَرا.. اللي بْيِظْلمِكْ
جاهِلْ غَبي.. ما بْيِفْهَمِكْ
كل ما قسي.. ما أَرْحَمِكْ
بْتِرْمي عْليْه الْمَغْفَرَه
...
إنتي الْمَرا.. بْيِركَعْ إلِكْ
أزغَر طفل.. أكْبَر مَلِكْ
يا مَيْمتي.. ما أجملِك
حَتّى بْتُراب الْمَقْبَرَه
وثار البعيني على الأشخاص الذين يستغلون ..."طفلة صغيرة وبريئة ابنة السبع سنوات"... لا غير ..."ويُسَخِرُونَها لبيع الحلويات"... غير آبهين بالظلم الذي يلحقها:
يا تقبريني.. السحر بجفونك
وصدر الحلو.. مَنّو حلو بدونِك
صرمايتك بشوارب الحكّام
يا زْغيرتي.. كيف الدّني بتنام
وربّ السّما ساكتْ عنْ الاجرام
تا هَيْك إنتي تْغمّضي عيونك
...
وين إنتي وينْ.. تا ضمّكْ
تا شَبّعِكْ من عاطفِةْ إِمّكْ
تا كون بَيّك.. غَنّجِكْ، قلّكْ:
جوّاتْ قلبي فارش مْحَلّكْ
نامي، يا روحي، وْطَيّري هَمِّكْ
وحوش الخليقَه طامعَه بْدَمِّكْ
أمّا ..."لبنان"... فلم يشعر أبداً ..."برغبة البعيني للعودة اليه"... وهو الذي أبدى هذه الرغبة منذ زمن طويل، يعاني خلاله الألم والدموع والهموم:
كيف بَدّي حَقِّقْ رْجُوعي
وْطَيرْ الأمَلْ غرْقان بِدْمُوعي
الإيدَيْن عَم بِتْلَوِّح بْمَنْديلْ
صرْلُو زَمَنْ بيرَدِّدْ مْواويل:
جُوعْ الْوَطَنْ مِتل الْهُموم تْقيلْ
ولُبْنانْ مُشْ عَمْ يِشْعُرْ بْجُوعي
ابن مجدليا
"الطبعة الثانية ٢٠١٦"
في "إبن مجدليا" أظهر الشاعر حبه الجم لقريته "مجدليا" التي أحبها عن كثب، واعتلى هذا الحب عرش قلبه الذي لا يزال ينزف دماً على فراقها.
صور الغلاف تعلوها صورة ..."الشاعر شربل بعيني"... عندما كان طفلاً (حوالي الستة شهور تقريباً) تحمله بفرح عمته راحيل التي أشرقت البسمة على شفتيها.
الطفل البعيني يبدو عارياً، تعلو وجهه البريء ضحكة عريضة من جراء مداعبة عمته له.
في هذا الديوان أكد البعيني بأن ..."مجدليا هي اسم المجد والحنان"... التي تذكرها التوراة، وإنها قد شيدت قبل ان يبني الملك سليمان قصره:
مِجْدَلَيَّا.. إِسِمْهَا: مَجْد وْحَنَانْ
مُشْ حَقّ.. لازِمْ تِذْكِرَا التَّوْرَاةْ
قَالُوا: انْبَنْيِتْ قَبلْ مَا سْلَيْمَانْ
قَصْرُو يْعَمِّرْ مِنْ خَشَبْ أَرْزَاتْ!
واظهر الشاعر "حبه لمجدليا" التي يعبدها رغم الضياع الذي عاناه في الغربة:
يا مجدْلَيَّا.. بْحِبِّك عْبادِه
رَغْم الضَّياع بْغُرْبِة الْمَجْهُولْ
يا أُم.. مَجْدِكْ طافِح زْيادِه
إِسْمِكْ عَلَمْ بِالْعاطْفِه مَغْزولْ
الْمِجْدلاوِي بْيِنْعَطَى شْهادِه
إِنْسانْ مُخْلِصْ بِالتّقَى مَجْبُولْ
بِالْمُغْتَرَبْ.. بِيشَرِّف بْلادِي
وأبى البعيني إلّا أن ..."تحمل مجدليا"... على ..."رموش الزنبق والغار"... ناهيك عن مدخلها الذي يكتسي بالشربين، والغار، والمجد، والبطولة، التي تزين اسمها :
وَين الضَّيْعَه الْمَحْمُولِه
عَ رْمُوش الزَّنْبَق وِالْغَارْ
وِالْمَرْجُوحَه الْمَجْدُولِه
مِنْ نُور نْجُوم وْأَقْمَارْ؟
قلتْ: فِي ضَيْعَه مْهُولِه
مَدْخَلْهَا شَرْبِينْ وْحَارْ
"مِيمَا".. مَجْد وبُطُولِه
و"جِيمَا".. يَا جْهَادْ الأَحْرَارْ
و"دَالاَ".. دْرُوب السّهُولِه
و"لاَمَا".. لا فِيها أَشْرَارْ
و"الْيَا".. يَا ما غَنُّولِي
ورفض البعيني المثابرة على ..."العيش في الغربة والهجران"... وأبدى اشتياقاً إلى قريته مجدليا ليزورها مجدداً ..."مقبلا حروفها زائراً لكنيستها"... بعدما اعتراه الندم على فراقها:
يَا مجْدلَيَّا مْحَبّتِي قِيسِي
رَغْم الْهَنَا.. رَغْم الْغِنِى بِالهَجْرْ
الدَّمْع بْعُيُوني.. وِالْقَلْب عَ نارْ
...
ما عادْ بَدِّي عِيشْ بِالْهُجْرانْ
قِرْفانْ مِنْ كِلْمِةْ هَجِرْ.. قِرْفانْ
إِبْنِكْ أَنا.. وْمِشْتاقْ تا شُوفِكْ
عَايِشْ وَحِيد بْغُربْتي ضجْرانْ
مِشْتاقْ إِتْمَرْمَغْ عَلَى كْفُوفِكْ
وْقِلِّكْ: بْحِبِّكْ.. وِالْقَلب فرْحانْ
مشْتاقْ إِرْجَعْ بَوِّسْ حْرُوفِكْ
وْأُوقَفْ عَ باب كْنيسْتِك ندْمانْ
سَاعْدِينِي رِدّْ مَعْرُوفِكْ
وْإِزْرَع تْرابِي بِـ جَبَلْ لُبْنانْ
وأفصح البعيني بأن ..."مجدليا قد ملكت دمه"... وجمعت شمل الأحبة في عيدها، وكم تمنى الشاعر لو يصل اليها ..."ليقبل ترابها"... ويزرع حياته فيها:
يا مِجدليَّا الْمالْكِه دَمِّي
بِـ عِيدِكْ الأَحْبابْ مِلْتَمِّه
ضِحْكاتْ تِمُّنْ رَيّحِتْنِي كْتِيرْ
تَرْكُوا الفَرَحْ قِنْطارْ عَ تِمِّي
...
سْنِينْ.. صَرْلي سْنِينْ ناجِيكِي
وْحَوِّش فَرَحْ زَيَّنْ لَياليكي
...
يا مجدلَيَّا.. كْتِيرْ مَحْبُوبِه
غِيَّابِك اشْتاقُوا لأَراضِيكي
...
يا رَيْت فِيِّي غَيِّر دْرُوبِي
وْأُوصَلْ لعِنْدِكْ بَوِّس تْرابِكْ
وْإِزْرَعْ حَياتي كِلّها فِيكي
وكم كان البعيني فخوراً بأنه قد جاء من قرية تعد ..."الأجمل"...، واسمها ..."راية للمجد"... وفي قلبها ..."أرزة لبنان"...:
مِنْ أَحْلى ضَيْعَه جَايِي
شَعْبَا مَحْبُوب وْإنْسانْ
مِتْل النَّجْمِه مْضُوَّايِه
مِنْ يَوْم الْـ كَوَّنْ أَكْوانْ
إِسْما لِلْمَجْد مْرَايِه
وِبْقَلْبَا أَرْزِة لُبْنانْ
...
مِجِدْلَيَّا. حْرُوف الْمَجْد
وِمْمَجَّدْ إِسْما عَ طُولْ
مِنْ سَهْلا بِتْشُوف الْجُرْد
وْبَيْنا وْبَيْن الْجُرْد حْقُولْ
مِجِدْلَيَّا.. جْنَيْنِةْ وَرْد
وْتا أُوصِفْها.. مُشْ مَعْقُولْ
وناشد البعيني المغتربين بأن ..."يعودوا الى مجدليا"... الذي وصفها ..." بأرض الجود والجميلة جداً"...:
مِجِدْلَيَّا.. الْحلْوِه كْتِيرْ
يَللِّي مِتْلاَ ما بِيصِيرْ
بَحِّةْ مجْوِزْ وِعْصَافِيرْ
عِشْقُوها وْما تَرْكُوهَا
يَا غَايِبْ يَلْلاَّ تَا نْعُودْ
عَ الضَّيْعَه.. عَ أَرْض الْجُودْ
وْكل ما عِمَّرْنَا عَامودْ
صَوْت بْيِصْرُخْ: آوِيهَا
وما أجمل الوصول إلى ..."مجدليا مع طير الغربة"... الذي صمّم على العودة إليها ليزرع دقات قلبه في ترابها:
طيْر الغربه رَحْ بِيعُودْ
عَ الضّيْعه.. عَ رْوَابِيهَا
عَ كْنيسه فِيهَا مَوْعُودْ
وْقَاعِد عَمْ بِينَاجِيهَا
وْمَهْمَا الْغُرْبِه تْحطّ حْدُودْ
بْيْنَاتُنْ.. مَا بْيِنْسِيهَا
قَلْبُو بْسَاحَاتَا مَوْجُودْ
بْيِزْرَعْ دَقَّاتُو فِيهَا
جنينة الشجر
"الطبعة الأولى ٢٠١٨"
استهل البعيني ديوان ..."جنينة الشجر"... بصوت صارخ للحب، والعشق، والهيام ..."لامراة"... استهوت القلوب، وامتلكت الأماكن، وسحرت الأنظار:
حينَ الْتَقَيْتكِ.. غارَتِ الشُّـهُبُ
وَتَطايرَتْ مِنْ حَوْلِكِ السُّـحُبُ
وَتَسـاءَلَتْ من حُـزْنِها قِـمَمٌ
هَلْ عَدَّدَتْ أَوْصَافَكِ الْكُـتُبُ؟
يا حُـلْوَةَ الْعَـيْنَيْنِ أَنْتِ هُـنا
مِثْلُ السَّـبيكَةِ صَاغَكِ الذَّهَـبُ
أَنْـتِ الْمَليـكَةُ عَرْشُها قَلَـمٌ
وَدِيـارُهـا التَّـكريمُ والرُّتـَبُ
أَهْدَيْتُـكِ الشِّـعْرَ الْجَميلَ كَما
أَهْـداكِ وَرْدَ حُـروفِـهِ الأدَبُ
كما عبر البعيني أيضاً عن حبه الجارف والعارم بجرأة مميزة تعكس صورة جنسية أهداها الى عشيقته المميزة والتي لا ينساها:
أخبرتُها عن حبّي
تَطايرَ الشرّرْ
وجلستْ بقربي
تناستِ الحذرْ
أمسكتُها..
قبّلتُها..
حبستها في قلبي
أهديتُها احترافي
بعالم التجافي
هنا، فقط، يا "فافي"
ستقتلُ الضجرْ
وتقطفُ الثمرْ
جنيّةُ الشجرْ
...
أغار من تراقص الألحان
فوق ثغرها المجبول بالإثاره
من دونك تخبو أمجادي
من دونك قلبي لا يحبو
رحماك،
حبيبي،
بفؤادي.
"الطبعة الثالثة ٢٠١٦"
السيدة الحالمة تعتلي غلاف الديوان وألوان جميلة وكثيفة تتراقص من حولها لتعطي الامل وتبشّر بالفرح.
في ..."مشي معي"... اكد البعيني أن ..."شعره هو إيمانه"... ووصف معناه بطريقة لافتة ونابعة من القلب:
قَالُوا: انْتِبِهْ.. فِي بْحُورْ فِي أَوْزَانْ
مِنْشَانْ يِبْقَى الشِّعْر بِقْصُورُو
قِلْتِلهُنْ: شِعْرِي أَنَا إِيمَانْ
وِسْع الْمُحِيطْ الْـ بَالِع بْحُورُو
...
الشِّعر عِنْدِي.. وْيِسْمَحُوا النّقَّادْ
أَهْدَاف تِتْفَاعَلْ بِلا تَفْعِيلْ
أَحْكَامْ تِخْلَقْ مُجْتَمَعْ وِبْلادْ
وِبْيُوتْ تِحْضُنْ أَلف جِيل وْجِيلْ
...
الشِّعر عِنْدِي.. كمْ بَوْسِه وْإِيدْ
تْغِلّ تِمْحِي مْنِ الصّدُور الْهَمّْ
...
الشِّعر عِنْدِي.. مِتل طَيْر حْمَامْ
رِجْعِ بْغُصنْ زَيْتُونْ مِنْقَارُو
...
الشِّعر عِنْدِي.. دْمُوعْ بَيّ وْأُمّْ
وْثَوْرِة شَعبْ بِـ وِجّْ ظُلاَّمُو
...
الشِّعر مَنُّو وَزنْ.. مَهْمَا يْصِيرْ
نِحْنَا الْـ خَلَقْنَا الْوَزن وعْبَدْنَاهْ
وناجت ..."الحبيبة"... الشاعر بكلمات رقيقة، ومدت يدها للبعيني بشوق، طالبة منه أن يتجاوب معها بلغة الحب:
مدَّيْت إِيدِي.. وْكِنْت عَنِّي بْعِيدْ
لا مْسِكِتْ إِيدِي وْلا الْفَرَحْ زَهَّرْ
يَا رَيْت فِيِّي إِرْجَع مْنِ جْدِيدْ
إِعْطِيكْ إِيدِي.. وِالْعُمرْ يِكْبَرْ
...
مِدَّيْتْ إِيدِي.. لَيْشْ
مَا خِدْتها بْإِيدَكْ؟!
ما عْرِفِتْنِي قِدَّيْشْ
مِتْشَوّقَه لْعِيدَكْ؟!
وكم هي جميلة ..."ساعات الكيف"... التي قضاها مع حبيبته على نغمات الحب، وهي تغني له بفرح عارم، وقلبها اسير للعشق، يشتاق الى ملامسة يد الحبيب، ويحن الى قضاء العيد معه:
سَاعَات الْكَيْفْ سَاعَاتُو
وْنَغْمَات الْحُبّْ
غَنِيلِي شْوَيْ كِلْمَاتُو
وْفَرِّحْ هَـ الْقَلبْ
وْعَ رَمْلِ شْطُوطْ عَتْمَاتُو
صَوِّرْلِي دَرْبْ
تَا قَضِّي الْعِيد وْسَهْرَاتُو
وِالإِيدْ بِالإِيدْ
أما ..."خاتم الزواج"... فكان له مكانة هامة في حياة الشاعر الذي حمله على جناح النسيم، ووصفه ..."بالسجن"... الذي يعطيه الفرح، وطلب منه ألاّ يفارقه أو ينساه :
لِمِّنْ حَبْسُونِي بْخَاتِـمْ
أَصْفَرْ وِزْغَيَّرْ نَاعِمْ
أُمِّي وْبَيِّي فِرْحُوا كْتِيرْ
وْحِسَّيْت بْحَالِي رَحْ طِيرْ
فَوْق جْنَاحْ النَّسَايِمْ
ونادى البعيني ..."الحبيبة"... التي ..."مرت من قربه ولم تأبه له"... وطلب منها أن تحن عليه، هو الذي ذاب غراماً وعشقاً بها وبعينيها الجميلتين :
يا مارْقَه حَدِّي
حْبَسْتِكْ بِـ عينَيّي
زِنْدِكْ عَلى زِنْدي
وْمُشْ حاسِّه فيّي
...
أَيْوَه.. أَنا مَفْتُونْ
بِعْيُونِك الْحِلْوينْ
...
حِنّي عَلى الْمَغْرومْ
عَمْ حَلّفِكْ حِنِّي
اللي بْيطْلُم الْمَظْلومْ
ما بْيِدْخُل الْجَنِّه
وأبدى البعيني ألماً شديداً عندما ..."سأل الورود"... التي أخبرته بأن حبيبته تهوى إنساناً آخر:
سْأَلْت الزَّهرْ عَنِّكْ
الْـ إِخْد السِّحرْ مِنِّكْ
قَلِّي الْوَردْ إِنِّكْ
لْغَيْرِي ضِحِكْ سِنِّكْ!
وهو الشاعر الذي قضى العمر بجانبها يعشقها بشغف، ويهديها قلبه المفعم بالحب لكنها كانت ..."خائنة"...:
قْضِيتْ الْعُمرْ حَدِّكْ
شَمْشِمْ هَوَا خَدِّكْ
نْسِيت الْقَلبْ عِنْدِكْ
سَرْق الْقَلبْ بَدِّكْ
رَمْيِ الشَّبَكْ فَنِّكْ
وها هو البعيني مغرداً ..."عائداً من الغربة الى وطنه الحبيب"... ليلتقي مع ..."حبه القديم"... مقدماً له باقة من الزهور، ومجتمعاً مع ..."اصدقائه القدماء"... ليشاركهم الدبكة، وشبك الايادي، ومن ثم يعود الى ضيعته مجدليا ليخبئها في قلبه:
رْجِعْت مْنِ الْغُرْبِه
زَلْغِطْ يَا قَلْبِي
بُكْرَا رَحْ إِرْجَعْ إِتْلاقَى
مَعْ حُبِّي.. وْقَدِّمْلُو بَاقَه
وْقِلّو: يَا حُبِّي
يِقْطَع الْغُرْبِه شُو صَعْبِه
يِقْطَعْ الْغُرْبِه
...
يَا مَحْلَى لْيَالِي السَّهْرِيِّه
نِدْبُكْ دَبْكِه بْعَلْبَكِيِّه
وْنِشْبُكْ إِيدْ.. وْيِتْكِي خَصْرْ
وْتِغْزُل مْحَارِمْنَا الْحُمْرْ
وِالضَّيْعَه اللِّي بَعْدَا هِيِّي
رَاجِعْ تَا حُوشَا بْعِينَيِّي
وْخَبِّيهَا بْقَلْبِي!
وثار البعيني على ..."الدنيا"... ومشاكلها، وخيانتها، وقلة الوفاء، وعدم الحب:
شُو هَـ الدِّنِي.. شُو هَـ الدِّنِي؟
تَا تْعِيشْ فِيهَا كْبِيرْ
صَعْب كْتِيرْ
وِالأَصْعَب مْنِ الْكِلّْ
إِنُّو تْضَلّْ
بِهَـ الدِّنِي عَايِشْ دَنِي!
...
ما عَادْ فِيك تْقُولْ: يَا قَلْبِي
رَحْ زَيّنَكْ بِالْحُبّْ
الْحُبّْ صَفَّى كِذْبْ
كِلُّو تْجَارَه وْمَنْفَقَه
وْأَلْف قِصَّه مْلَفَّقَه
يِعْنِي حَبِيبَكْ صَارْ مِتْل الْعَقِرْبِه!
ودعا البعيني الى السهر على ..."تربية الاولاد"... مع اخذ الحيطة والحذر:
الْـ قَالْ إِنُّو الْبِنْت أَغْلَى مْنِ الْجَوَاهِرْ
وْأَغْلَى مْنِ الْحَفِر بِـ قَصرْ عَامِرْ
كانْ قَصْدُو يْقُولْ لِلْعَالَـمْ بِأَسْرُو
رَبِّي وْلادَكْ.. وْخَلِّيكْ سَاهِرْ
وناجى الشاعر ..."امه بترونله"... التي أحبها كثيراً، وتذكر أقوالها ودعاءها له، وأكد بأنه لن ينسى فضلها عليه ما زال على قيد الحياة وحتى مماته.
أُمِّي.. يَا أُمِّي.. يَا فِكِرْ شَارِدْ
طُول اللَّيَالِي سَاهِر وْسَاجِدْ
ما بِنْسَى سَاعِة الْـ كِنْتِي تْقُولِي
إِلَهِي يِحِرْسَكْ مِنْ عَيْن حَاسِدْ
...
أُمِّي.. يَا أُمّي.. تِسْلَمِي لْطِفْلِكْ
تِسْلَمِي لِلصَارْ شَبّ كْبِيرْ
لا تْفَكّرِي رَحْ يِنْتَسَى فَضْلِكْ
مَهْمَا يَا ماما بِالدِّنِي بيصِيرْ
قِدَّامِك الْـ مَا بْيِنْحِني بْيِهْلِكْ
...
إِنْتِي الْفَرْحَه بْسَاعِةْ هَمِّي
وْضِحْكَاتِي كِلاَّ
وْحضْنِكْ مَمْلِكْتِي يَا أُمِّي
وِالْحَاكِمْ أَللَّـه
...
يا أُمّ مِتْلا ما انْوَجِدْ
يا جَفْن فَايِقْ لِلأَبَدْ
تَا غَمِّضْ الْعِينَيْنْ
بْعُمْرِي عَبْدْت تْنَيْنْ:
أَللَّـه الساكِنْ بِالسَّمَا
وْإِنْتِي يا نُور الْعَيْنْ.
قصائد ريفية
"الطبعة الرابعة ٢٠١٦"
ألجمال الريفي والطبيعة الخلابة يتربعان على غلاف الديوان. أكاد أشمّ عبير الزهر وأريج الطبيعة ينساب
الى مكتبي حيث أثابر على الكتابة.
أشعر بدفء غريب ينتابني عند النظر إلى الزهور التي تتموّج برقّة على أغصانها. كم أشتاق إلى ملامسة أزرارها الزهرية اللون، والتي تغازل الأشجار التي تحيط بها مؤكدة بأن عطرها سيبقى دوماً يختال خجلاً ودلعاً بينهما ليفرش نسائم الحب وعطر السعادة بين أرجائها.
في ..."قصائد ريفية"... ناجى البعيني ..."والدته بترونله"... بحنان وألم، ودعاها إلى إحضار الماء الساخن، وسكب الحساء، استعدادأ لاستقبال أخيه العائد مع القطيع قرب المنعطف الغربي:
أُمَّاهُ..
أُمَّاه..
هَيِّئِي الْمَاءَ الْبَارِدَ،
وَاسْكُبِي الْحَسَاءَ،
فَالشَّمْسُ اضْمَحَلَّتْ خَلْفَ الأُفُقِ الْبَحْرِيِّ،
...
أُمَّاه..
هَلُمِّي لِنَرْكُضَ مَعاً إِلَى الْمُنْعَطَفِ الْغَرْبِيِّ
حَيْثُ نَتَلَقَّفُ بِأَحْضَانِنَا أَخِي الْعَائِدَ مَعَ الْقَطِيعِ.
وكان ..."للعربجي"... الدعم الكامل من الشاعر الذي وصفه ..."بحفيد الشمس"... هذا الرجل الدؤوب الذي لا يهدأ حتى ينتهي من عمله المضني رغم إصابته بضربة شمس، التي هي بنظر الشاعر ..."جدته"...:
الْعَرْبَجِيُّ الْمُتَنَقِّلُ مِنْ دَسْكَرَةٍ
إِلَى دَسْكَرَةٍ،
أُصِيبَ بِضَرْبَةِ شَمْسٍ،
وَلَكِنَّهُ أَبَى التَّوَقُّفَ عَنْ عَمَلِهِ
الْمَجْبُولِ بِالْبَرِيقِ
وَالْحَرَارَةِ،
مَخَافَةَ أَنْ يُقَالَ عَنْهُ:
حَفِيدُ الشَّمْسِ خَافَ جَدَّتَهُ!
ولِمَ الفراق؟.. ولِمَ الهجران؟.. وما هو السبب الذي يبعد الحبيبة عن البعيني؟.. تلك التي كانت الضوء لعينيه الزائغتين .. أما هو فلقد أثاره ..."الشك"... عندما ظنّ أن مركب حبيبته قد غزته ..."مراكب الزهر وحب جديد":
أَمْسِ،
كُنْتِ هُنَا يَا حَبِيبَتِي،
ما الَّذِي أَبْعَدَكِ عَنِّي،
وَأَنْتِ الضَّوْءُ لِعَيْنَيَّ الزَّائِغَتَيْنِ؟
قُولِي..
هَلْ خَلْفَ الأُفُقِ أُفُقٌ آخَر؟
وَالْبَحْرُ الأَزْرَقُ،
هَلْ غَزَتْهُ مَرَاكِبُ الزَّهْرِ؟
وما أجمل ..."غروب الشمس"... عند البعيني الذي أشار إليه من البعيد، عندما عانق البحر ليودع النهار ويبشّر بولادة الليل الحالك:
مَنْ يَوَدُّ رُؤْيَةَ الشَّفَقِ الأَحْمَرِ
الْمُضَمَّخِ بِالْغَيْمِ الْهَائِمِ،
فَلْيَنْتَظِرْ غُرُوبَ الشَّمْسِ؟
هُنَاكَ، فَوْقَ الْبَحْرِ،
يُشْنَقُ الضَّوْءُ،
وَتَنْتَهِي أُسْطُورَةُ النَّهَارِ،
لِتَبْتَدِىءَ مَلْحَمَةُ اللَّيْلِ الْمُبْهَمِ
وتوسّل البعيني إلى ..."الرب الأله"... كي يعيد الحياة إلى زهرته التي ذبلت على فراقه، وحزن الجميع لأجلها:
الرَّوْضُ يَبْكِي..
الرَّوْضُ يَبْكِي..
فَزَهْرَةُ الْغَارْدِينْيَا ذَبُلَتْ،
وَجَفَّ الْمَاءُ فِي عُرُوقِهَا.
لِمَاذَا؟..
لِمَاذَا رَبِّي..
وَالْجَمَالُ هُوَ أَنْتَ،
وَالسَّحَابَةُ الْمَشْحُونَةُ بِالْمَطَرِ،
تَنْتَظِرُ إِشَارَةً مِنْكَ؟!
تَبَخَّرِي، قُلْ،
وَاهْطُلِي،
لِتَعُودَ الْحَيَاةُ إِلَى الزَّهْرَةِ.
وما أجمل ..."البيادر"... عند البعيني التي حوت عرق الفلاح الأسمر، وأنظار الطيور ودبيب النمل:
ما أَجْمَلَ الْبَيَادِرَ
عَرَقُ فَلاَّحٍ، وَجَنَى مَوْسَمٍ،
هِيَ الْبَيَادِرُ
مَحَطُّ أَنْظَارِ الطَّيْرِ،
وَدَبْدَبَاتُ جَحَافِلِ النَّمْلِ،
هِيَ الْبَيَادِرُ
وأبدى البعيني ..."اشتياقا جليا لأرضه"... وربوع بلاده مفعماً بالحب والأسى على فراقهما، وتمنّى لو ينقله الضوء إليهما بشكل سريع ليتنشق عشق هوائهما العليل:
إِحْمِلْنِي أَيُّهَا الضَّوْءُ إِلَى رُبُوعِ بِلادِي،
فَأَنْتَ أَسْرَعُ مِنَ الصَّوْتِ،
وَأَخَفُّ مِنَ الْهَوَاءِ.
مُشْتَاقٌ أَنَا لِتِلْكَ الأَرْضِ الطَّيِّبَةِ،
الَّتِي زَرَعْتُهَا بِأَشْجَارِ الزَّيْتُونِ الْخَضْرَاءِ.
أما ..."أحراج الصنوبر"... فكانت الملجأ الوحيد للبعيني ليعود إلى نفسه ويتنشّق عبير الحب عندما يدخل حرم الجمال:
كُلَّمَا اشْتَدَّ الْحَرُّ،
فَزِعْتُ إِلَى أَحْرَاجِ الصَّنَوْبَرِ
الرَّابِضَةِ فَوْقَ الرَّابِيَةِ الْخَضْرَاء.
لِي هُنَاكَ عِرْزَالٌ
وَفِرَاشٌ مِنَ الْقَشِّ.
أَنْسَى ذَاتِيَ الْمَلِيئَةَ بِالْخَطَايَا،
وَأَسْرَحُ مَعَ الْلاوَعْيِ،
وَأَغْرَقُ بِالصَّمْتِ،
كُلَّمَا دَخَلْتُ حَرَمَ الْجَمَالِ هَذَا،
وَشَمَمْتُ رَائِحَةَ الصَّنَوْبَرِ.
امّا ..."الثقه بالنفس والاتكال على الله"... فكانا من مقدسات الشاعر الذي شرّع سفينته المستقيمة والمتينة الى طريق البر والنجاح غير آبه بالجهلاء، والحساد، وبغيرتهم العمياء، والذين لا عمل لديهم إلاّ أن يعرقلوا طريق نجاحه وإبداعه:
يَشْزُرُونَنِي بِخُبْثٍ..
يُشَكِّكُونَ بِي وَبِأَعْمَالِي..
يُطْلِقُونَ حَوْلِي الشَّائِعَاتِ،
وَيُثِيرُونَ غَضَبَ الأَمْوَاجِ وَزَوْرَقِي مُبْحِرٌ!
سَارِيَتُهُ مُسْتَقِيمَةٌ..
أَشْرِعَتُهُ مَتِينَةٌ.
وَأَخْشَابُهُ مَقْطُوعَةٌ مِنْ شَجَرَةِ الثِّقَةِ بِالنَّفْسِ،
الَّتِي لا تَقْتَلِعُهَا رِيَاحُ الثَّرْثَرَةِ،
وَلا تُحَطِّمُ أَفْنَانَهَا أَنْوَاءُ الرَّذِيلَةِ.
زَوْرَقِي..
سَيَصِلُ بِإِذْنِ اللَّـهِ،
لأَنَّنِي عَلَى مَوْعِدٍ مَعَ التَّارِيخِ.
وطالب البعيني ..."حبيبته"... بان ..."تنقذه من براثن الخريف"... الذي يتلاعب به ويجرّه نحو المجهول:
خَلَعَ الرَّبِيعُ عَبَاءَتَهُ وَمَشَى،
بَعْدَ أَنْ دَفَنَ بَقَايَاهُ فِي قَعْرِ ذَاتِه.
...
خَيِّمِي عَلَيَّ..
فَخَرِيفِي يَتَلاعَبُ بِي،
يُثِيرُ أَعْصَابِي،
وَيَجُرُّنِي نَحْوَ الْمَجْهُولِ.
مُدِّي يَدَيْكِ وَأنْقِذِينِي
أمّا ..."الانتظار"... فلا يحلو للبعيني إلّا على ..."أبواب حبيبته"... الذي تعلّق بأذيال ثوبها. هي التي رسمت على اوراقه وجهها، وسبحت في بحر حنينه:
وَحِينَ تَسَرْبَلْتِ زَهْرَ الأُنُوثَةِ،
تَعَلَّقَ رَوْضِي بِأَذْيَالِ ثَوْبِكِ
وَتَطَيَّبَ!!
يَا الرَّاسِمَةُ عَلَى أَوْرَاقِي.. وَجْهَكِ،
السَّابِحَةُ فِي بَحْرِ حَنِينِي،
الطَّالِعَةُ كَالْحُلْمِ مِنْ أَرَقِي الطَّوِيلِ.
عَلَى أَبْوَابِكِ يَحْلُو انْتِظَارِي.
ومهما بعدت الحبيبة ستبقى صورة في عينيه، ولحناً وابتسامة على شفتيه في غربته الحزينة:
مَهْمَا بَعُدْتِ..
وَابْتَلَعَتِ الْمَسَافَاتُ آثارَ قَدَمَيْكِ،
فَلَسَوْفَ تَبْقِينَ فِي الْعَيْنَيْنِ صُورَةً،
وَعَلَى الشَّفَتَيْنِ لَحْنَاً وَابْتِسَامةً،
تَتَتَلْمَذُ عَلَيْهِمَا ثُغُورُ الْفَتَيَاتِ.
لَقَدْ كَبُرَ الْقَلْبُ فِيكِ،
فَاحْمِلِيهِ ذِكْرى إِلَى الرُّبُوعِ..
هُوَ كُلُّ مَا أَمْلِكُ فِي غُرْبَتِي!.
ونادى البعيني ..."حبيبته بلغة الحب"... وطالبها بالبقاء الى جانبه لتزيّن غربته القاحلة بزهرة فاح عطرها:
يَقُولُونَ إِنَّ الْغُرْبَةَ قَاحِلَةٌ
كَصَحْرَاءَ يُخَاصِمُهَا الرَّبِيعُ..
وَلَكِنَّ غُرْبَتِي أَزْهَرَتْ
وَعَطَّرَتْ بِعَبِيرِهَا الْفَوَّاحِ
...
قُدُومِكِ إِلَيَّ..
كَانَ رَبِيعاً بِحَدِّ ذَاتِهِ،
فَلا تَرْحَلِي.
ونادي البعيني ..."جميع الخبثاء"... بأن ياتوا إليه لريحهم من الحسد والضغينة:
تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْخُبَثَاءِ
لأُرِيحَكُمْ مِنْ خُبْثِكُمْ،
مِنْ لَوْثَةِ النَّذَالَةِ،
الَّتِي تَجْتَاحُ قُلُوبَكُمُ السَّكْرَانَةَ بِخَمْرِ الْحَسَدِ
وَالضَّغِينَةِ.
تَعَالَوْا إِلَيَّ..
لأُرِيَنَّكُمْ نَمْلَةً تَجْنِي مَؤُونَةً،
وَنَحْلَةً تَفْرُزُ عَسَلاً،
بَعْدَ أَنْ أَرْضَعَتْهَا الزَّهْرَةُ رَحِيقَ بَتَلَتِهَا.
تَعَالَوْا إِلَيَّ..
فَحُضْنِي وَاسِعٌ، وَبَالِي طَوِيلٌ
وكانت ..."بترونله"... للبعيني ..."الأم والصلاة المقدسة"... إنها رسولة من عند الله لتتلمذ الأمم وتعدّ أجيالاً صالحة:
أَيَّتُهَا الصَّلاةُ الْمُقَدَّسَةُ ،
الَّتي أَتْلُوها دَائِماً ،
فِي الْيَقَظَةِ وَالْحُلْمِ
أَيَّتُها الرَّسُولَةُ مِنْ عِنْدِ اللَّـهِ ،
لِتُتَلْمِذِي الأُمَمَ ،
وَتُعِدِّي الأَجْيالَ الصَّالِحَةَ .
...
لَقَدْ كَبُرْتُ، وَكَبُرَ مَعِي حُبُّكِ ،
فَأَنْتِ بِحَدِّ ذَاتِكِ حُبٌّ، صَلاةٌ وَقَداسَةٌ.
وكان تأثير ..."البسمة"... على الشاعر كبيراً لأنها تروي غليله، وهو على أهبة الاستعداد لإعطاء النجم والقمر لحبيبته إذا أشرقت بسمتها:
لا شَيْءَ يَرْوِي غَلِيلِي كَالإِبْتِسَامَةِ.
إِبْتَسِمِي.. وَخُذِي النَّجْمَ وَالْقَمَرَ،
وَشَالاً مَغْزُولاً مِنْ غُيَيْمَاتِ الصَّبَاحِ،
وَكَالْوَرْدَةِ السَّكْرَانَةِ بِالنَّدَى كُونِي..
وَبِالنَّسِيمِ،
لأَحْضُنَكِ بِرِمْشِي وَأَرْحَلَ..
أغنية حب الى استراليا
"الطبعة الثالثة ٢٠١٦"
في "أغنية حبّ إلى استراليا" تغني الشاعر ..."بالمدن الأوسترالية"... وامطرها حناناً وشعراً.
في بداية هذا الديوان خاطب البعيني أوستراليا عن ..."الحب"... الذي يكنّه لها، وعن آلام الهجر التي يعاني منها:
شو بْخَبّرِكْ عَنْ أَرْضْ أَبْعَدْ مِنْ خَيَال
عَنْ شَعْبْ عِنْدُو لِلْبَشَرْ قِيمِه
حِبَّيْتها.. وِالْهَجْر أَتْقَلْ مِنِ جْبَال
بْصَخْرِةْ هُمُومِي زَرْعِت الآمَال
وْسِهْرِتْ لَيَالِي تْزِيدْ تَعْلِيمِي
واشاد البعيني ..."بالمزايا"... التي تتزين بها اوستراليا:
شُو بْخَبّرِكْ عَنْ حُبّهَا وْإِحْسَانْهَا
تْجَمَّعْ بِـ قَلْبَا نَاسْ فِرْحَانِينْ
اخْتِزْلِي الْبَشَرْ.. بِتْكَوّنِي إِنْسَانْهَا
اخْتِزْلِي الإِيمَانْ.. بْتِحصْدِي إِيمَانْهَا
اخْتِزْلِي الدِّنِي.. تَا تَعِرْفِيهَا مِينْ؟
ووصف الشاعر مشواره الغرامي مع ..."عبلى"... على شواطئ ..."سيرفس برادايس"... الذي يعد من أجمل وأطول الشواطىء في العالم:
إِسْمَكْ جَنِّه.. وْشَطَّكْ جَنِّه
وْشَمْسَكْ عَمْ بِتْغَازِلْ شَمْسْ
وْرَمْلاتَكْ.. فِي إِلْهَا رَنِّه
عَ صَوْتَا.. شُو بْيِحْلَى الْهَمْسْ
تِبْرِ مْصَفَّى.. أَصْفَرْ .. بُنِّي
الْحِلْوِينْ بْعِبُّو بْتِنْدَسّ
يَا (سرفِسْ) رَح بِتْجَنِّنِي
حْبِسْنِي فِيكْ العمرْ.. وْبَسّ
مَوْجَكْ (آخْ) بْتِطْلَعْ مِنِّي
بْتِسْرُقْ نَفْسْ.. بْتِحْيِي نَفْسْ
...
زِرْتَكْ مَع "عبله" مِشْوَارْ
مَا حَبِّتْ تِرْجَعْ عَ الْبَيْتْ!
انْغَرْمِتْ فِيكْ!!.. وْقَلْبِي انْهَارْ
وْمَا عَادَتْ تِنْفَعْ (يَا رَيْتْ)
غِرْت كْتِيرْ.. وْلَمَّا بْغَارْ
دَمِّي بْيُولَعْ مِتْلِ الزَّيْتْ!
أمّا ..."بريزبن"... فكانت للبعيني ..."الكنز المرصود وشقيقة الشمس"... التي لا تغفو:
بِنْتِ الْبَحْرْ الْـ مَا لُو حْدُودْ
وْإِخْتِ الشَّمْسِ الْـ مَا بِتْنَامْ
بْرِزْبِنْ.. هَـ الْكنْزْ الْمَرْصُودْ
الْـ عَمْ تِحْلَم فِيه الأَحْلاَمْ
زِرْتَا مَرَّه.. قِلْتْ : بْعُودْ
وِبْكَحِّلْ عَيْنِ الأَيَّامْ
...
يَا بْرِزْبِنْ.. شَطِّكْ مَقْصُودْ
عم بيمثِّلْ فَوقُو الْجُودْ
وْنِحْنَا فِيلْم مْنِ الأَفْلاَمْ
أمّا..."اديلايد"... فكانت ..."الكرمة، والمدينة المصانة، والغنية بالزيتون والليمون"... ذات ..."احياء مضيئة"... على مدى الدهور:
جْيُوش مْنِ الْكَرْمِه بْتِحْكِيلَكْ
عَنْ هَـ الْمَدينِه المِنْصَانِه
والزَّيْتُونَاتْ بْتُومِيلَكْ
بِغْصُونَا الْـ تِكْيِتْ حِمْلانِه
واللَّيْمُونَاتْ.. مْقَابِيلَكْ
بِتْغَنِّي لِلرِّيح غْنَانِي
...
أَدَلَيْدْ.. مْرُوجَا زَهْرَه
وِشْوَارِعْهَا دَيْر مْضَوِّي
وِقْنَادِيلا شْمُوع الدَّيْرْ
و..."تازمانيا"... هي ..."الصخرة المنصوبة مزاراً"... الذي أنار له البعيني الشموع وملأ جيوبه من ..."التفاح الخروبي"...:
خَلِّيكِي الصَّخْرَه الْمَنْصُوبِه
مْزَارْ.. وْعَمْ إِحْرِقْلُو شْمُوعْ
وْرَتِلُّو آيِه مَكْتُوبِه
عَ صَفْحِةْ عُمْرِي بِدْمُوعْ
...
يا (تازمَنْيَا) عَبِّي جْيُوبِي
تُفَّاح مْحَمَّرْ خَرُّوبِي
عَ الْـ مِتْلِي.. قَطْفُو مَمْنُوعْ!
...
يا (تَازْمَنْيَا).. الْـ خِلْقِتْ مَطْرَحْ
مَا تْلاَقَى الصَّيْف بْشَتْوِيِّه
لا تْقُولِي: خَالِقْنَا زَيَّحْ
قُرْبَانُو.. لا تْقُولِي سَبَّحْ!
لازِمْ فِيكِي يْكُون الْمَذْبَحْ
وِيْكُونْ التِّقْدِيس عْلَيِّي!
وكان خوف البعيني جلياً من ..."بورت ماكواري"... التي من الممكن أن تفشي أسراره وتتحدث عن "القبل" التي بادلها لحبيبته:
بُورْتْ مَاكْوَارِي.. بُورْتْ مَاكْوَارِي
خايِفْ تِفْشِيلِي أَسْرَارِي
كمْ بَوْسِه بِسْتَا عَ الطَّايِرْ!
كِيفْ قِدَّمْتِلاَّ أَزْهَارِي!
الْبَحر مْزَنَّرْهَا عَ الدَّايِرْ
وْقَلْبِي غِرْقَانْ.. وْمُشْ دَارِي
حاسِسْ.. بَحْرَا مِنِّي غَايِرْ
حَاسِسْ.. شَطَّا لَـمّ خْبَارِي
...
بُورْتْ مَاكْوَارِي.. مْدِينِه.. وْحَايِرْ
كيف حِبَّيْتَا؟! .. كِيفْ حَبِّتْنِي؟
وْكِيفْ سَرْقِتْ مِنِّي أشْعَارِي؟
وطلب البعيني من ..."حبيبته"... أن ..."تدنو منه أكثر وأكثر"... على شاطئ ..."بونداي"... الذي عمّد جسدها، وقدّم لها أجمل هدية، وهو الذي اشتاقت يداه الى وجنتيها:
غِلِّي فِيِّي..
ناطِرْ حَتّى تْغِلِّي فِيِّي
وْتِشْهَقْ، مِنْ نُورِك، عِينَيِّي
وْ (بُونْدَايْ) الْـ عَمَّدْلِكْ جِسْمِكْ
يِكْسُرْ جِرْن الْمَعْمُودِيِّه
وْعَ ذَوْقُو يْنَقِّيلِكْ إِسْمِكْ
وِيْقَدِّمْلِكْ أَحْلَى هْدِيِّه:
شَطّ وْشَمْسَاتْ وْشَمْسِيِّه!
...
غِلِّي فِيِّي..
اشْتَاقُوا لِخْدُودِكْ إِيدَيِّي
لْجَدُّولات الشَّعْر الْجَعْدِي
الْـ نِشْفِتْ عَ شْوَاطِيهَا الْمَيِّي
حُورِيِّه!!.. وَرَحْ تِبْقِي عِنْدِي
أمّا ..."ملبورن"... فكانت للشاعر الجنة المفعمة بأجمل البساتين، والنجمة السحرية ذات الإطلالة المشرقة:
جَنِّه.. وْمَا أَحْلَى بْسَاتِينَا
تْفَنَّنْ خَالِقْهَا بْتِكْوِينَا
(يارا) بْيِهْدِيهَا مَيَّاتُو
وْهِيِّي الْخَيْرَات بْتِهْدِينَا
...
(مَلْبُورْن).. النِّجْمِه الْمَسْحُورَه
بْطَلِّتْهَا الْمُضْوِيِّه بِسْكَرْ
شَوْقِي بْيِدْبَحْنِي تَا زُورَا
وْإِتْكَحَّلْ بِاللَّوْن الأَخْضَرْ
وما أجمل الحب اذا أشرق من ..."برج سيدني"... حيث اعتلاه البعيني ليرى جمال المدينة:
مِنْ بُرْج سِيدْنِي.. وِالْمَسَافِه لَيْلْ
شِفْت الأرْض بِالنُّورْ مَزْرُوعَه
وْشِفْت الصُّبحْ رَاكِبْ عَ ضَهْر الْخَيْلْ
وْدَعْسَاتْ خَيْلُو نْجُومْ مَطْبُوعَه
وكانت ..."عيون البعيني"... تراقب حبيبته من أعالي البرج:
وْشِفت الْقَمَرْ عَمْ يِغْمُز الْمَوْجَاتْ
وِيَرَقِّص الأَنْوَارْ عَ الْمَيِّه
وْإنتي قْبَالِي تْصَوّري اللَّوْحَاتْ
وْآلة التِّصْوِيرْ.. عِينَيِّي
وخاطب الشاعر البرج الذي ظنّ بأنه ..."ثمل"... طالباً من حبيبته أن تخبئه في قلبها:
مِدْرِي أنا.. مِدْرِي الْبُرج سَكْرَانْ
وْكلّ الدِّنِي عَمْ تِكْرُج قْبَالُو
رَاسُو انْتَلَى.. هَزُّو هَوَا ضجْرَانْ
وْحَيَّكْ بِغَيْمَاتْ الْمَسَا شَالُو
وكانت ..."لرائحة التراب"... التي تحيط ..."بكانبرا"... أثراً جلياً على صدر الشاعر الذي أكّد بأن الرائحة عينها قد ..."عطّرت الغابات وأشعلت الحنين"... كما وصف كانبرا ..."بحرش المدينة"...:
عِلَّقِتْ حُبِّي عَ الشَّجَرْ زِينِه
يَا كَانْبرا.. يَا حُرْش بِمْدِينِه
وْفِكَّرْتْ حَالِي (غريفِنْ) الرَّسَّامْ
وْأَرْضِكْ اللَّوْحَه.. عْمَايْرِكْ الِقْلامْ
وْمَا قْدِرْت إرسُمْ.. لا تْوَاخْذِينِي!
...
رِيحة تْرَابِكْ عَطّرِتْ غَابَاتْ
مْسَيّجِه بِجْبَالْ مَا بْتِرْكَعْ
غَطّ التّلج عَ صْخُورْهَا وْصَقَّعْ
شَعَّلْ حَنِينُو.. فَيْلَت الآهَاتْ
تْدَفِّي بُحَيْرَه مْنِ الْبَحِرْ أَوْسَعْ!
...
بْيُوتِك الشَّقْرَا.. تْحَمَّمِتْ بِالْفَيّ
وِتْنَشَّفِتْ بالأَخْضَرْ الْفَاتِحْ
نَفَّضْ شَجَرْهَا وْرَاقْ كِلاّ مَيّ
عَمَّدْ شَوارِعْ.. مَا انْوَجَدْلا خَيّ
فَلْشِتْ كْفُوفَا لِلْهَوَا مْسَارِحْ
وكانت ..."سيدني"... للبعيني الحلم الذي عاشه بعقله لسنين عديدة، وكانت دوماً تناديه على شاطئها الذي قبّل الشاعر غباره، وأبى إلاّ أن يبوح بحبه لها:
إِنْتِي الْحُلْم الْـ عاش بْعَقْلِي
سْنِينْ.. وْمَا انْمَحْيِتْ آثَارُو
حوَّشْتِكْ مِنْ ضحكةْ أَهْلِي
مْنِ صْلاوَاتْ عْيُون احْتَارُوا
يَا سِيدْنِي.. الْـ وِقْفِتْ تِنْدَهْلِي
عَ الشَّطّ الْـ بوَّسْتْ غْبَارُو
حِبَّيْتِكْ.. يَا جْنُون السَّهْلِه
يَا جْبَال.. الْـ مِنْ جِهْلُنْ طَارُوا
اما ولاية ..."فيكتوريا"... التي عاش فيها ..."والدا الشاعر"... فكان لها الفضل الأكبر لإزالة القهر والخوف، وزرع الفرح بين شعوبها:
بَيِّي وْأُمِّي عَاشُوا فِيكي
شِرْبُوا مِنْ مَيَّاتِكْ.. عُمْرْ
شَلْحُوا خَوْفُنْ عَ شْوَاطِيكِي
وْعَنْ وِجُّنْ نِفَّضْتِي الْقَهْرْ
يا (فِيكْتُورْيَا) الْـ عَمْ حَاكِيكِي
وْإِسْمِكْ فَوْق شْفَافِي زَهْرْ
...
وِزَّعْتِي الْفَرْحَه عَ شْعُوبِكْ
مَا نْسِيتِي مْنِ شْعُوبِكْ فَرْدْ
كِرْمَالُنْ.. فِضَّيْتِي جْيُوبِكْ
شِبَّعْتِيهُنْ عِزّ وْمَجْدْ
وهل أجمل من ..."عصافير نيوكاسل"...التي كانت ..."كجوقة شعراء"... تغنّي لهبوب الرّيح بسعادة جلية:
نْيُوكاسِلْ.. مِنْ عُمْر الْمَوْجْ
الْـ عَمْ يِرْكُضْ عَ شْوَاطِيهَا
فَوْجْ.. وْعَمْ بِيسَابِقْ فَوْجْ
تَا يْغَرِّقْ حَالُو فِيهَا!
...
عْصَافِيرَا.. جَوْقِةْ شِعَّارْ
بِتْغَنِّي لْهَبَّات الرِّيحْ
طَعْمِيهَا.. بْتِشْلَحْ زِنَّارْ
مْنِ الْفَرْحَه.. وْبِتْصِير تْصِيحْ
وما أنبل ليالي الحب في ..."غولبرن"... هذه المدينة الريفية المشهورة ..."بتربية الخراف والبرد القارس"... فلقد كان نوم البعيني فيها قصيراً من شدّة البرد، الذي لم يؤثر إطلاقا على ..."عبلى"... التي أطالت النوم كعاشقة للورد:
لَيْلِه مِنْ لَيْلات الْحُبّ
وَقْعِتْ فيكي مْحَطِّتْنَا
يا (غُولْبِرْنْ).. وِيْدِقّ الْقَلْبْ
كِلْ مَا تِطْوَلْ سَهْرِتْنَا
الْبَرْد الْكاسِرْ غَطَّى الدَّرْبْ
وْشَكّ قْرُونُو بْغُرْفِتْنا
...
وْكلّ مَا الْبَرْدْ يْجِنّ ، يْصِيرْ
النَّوْمْ يْقَصِّرْ سَاعَاتُو
وْ"عبله" مَا بْتُوعَى بَكِّيرْ
وْلَيْلِي طارِتْ غَفْوَاتُو
فقْتْ.. وْمَا فَاقُوا عْصَافِيرْ
غُولْبِرنْ!!.. مِدْرِي وَينْ بَاتُوا!
وما ألذ ..."الكرز"... في مدينة الكرز ..."أورنج"... المتواجدة في ..."الجبال الزرقاء"... والتي عشقها البعيني وتخايل نفسه في وطنه لبنان عندما وطأ أرض حدائقها:
كَرْزَاتِكْ.. حَلْقَاتْ جْبَالْ
زَرْقَا.. عَمْ بِتْقَاوِمْ رِيحْ
بْتِتْزَيَّنْ فِيهَا.. بْتِخْتَالْ
قَمُّورَه.. والشَّكْل مْنِيحْ
يَا (أُورِنْجْ).. صُبْحِكْ بِالْبَالْ
غِنِّيِّه.. وْلَيْلِك تِسْبِيحْ
...
جْنَيْنَاتِكْ.. بَاقِة أَلْوَانْ
بْتِفْرُشْ قِدَّامِي لُبْنَانْ
بِتْرَجِّعْنِي طِفل زْغِيرْ
عَ ضَيْعَه بْيُوتَا مِرْجَانْ
بِتْطَيِّرْ حَوْلِي عْصَافِيرْ
رَقْصِتْ عَ صَوْتَا الأَلْحَانْ
ونادى البعيني ..."تاري"... المدينة الريفية البحرية الجميلة بلغة الحب، وأخبرها أن حبيبته عبلى تنوي زيارتها برفقته ليعيشا لحظات الحب السرمدي في أحضانها:
حَبِّتْ "عبلى" تْمَحِّي اللَّيْلْ
فِيكِي.. وْتِفْرُشْ إِيدَيِّي
وْتِتْمَرَّى عَ نِجْم سْهَيْل
الْـ جَمَّعْ حَالُو بْعيِنَيِّي
افتَكْرِتْ مَوْجِكْ ضَهْرِ الْخَيلْ
وْصَدْرِي سِرْج وْطَاقِيِّه
طارِت فِينَا لْتَانِي مَيْلْ
وْعَ نِتْفِه.. غِرْقِتْ فِيِّي!
وأبى البعيني إلاّ أن ..."يتعمد"... في بحور ..."داروين"... التي تعدّ أصغر عاصمة لولاية أسترالية، علّه ينال الدفء من نور شمسها:
دارْوين.. حابِبْ إِنّي زورا
وْناطِرْ حتّى تْناديني
بَرْكي بِتْعَمَّدْ بِبْحُورا
وِبْمَوْجاتا تْخَبّيني
وْكل ما الشمس تْوَزّعْ نُورا
بْنُورا بَدّا تْدَفّيني
وأبدى الشاعر حنينا لمدينة ..."برث"... عاصمة ولاية غرب أستراليا، وأخبرها بأنه سيبقى معها الى الأبد ..."ليمسح الوجع عن مدمعها"...:
بيرث.. انْدهيني بِسْمَعِكْ
ساكبْ شعر بِـ مَسْمَعِكْ
وينْ ما تْكوني بْهالدِّني
رَحْ كُونْ، يا عْيُوني، مَعِكْ
إمْحي سْنين الْوَلْدَني
وإمْسَحْ وَجَع عَن مَدْمَعِكْ
الاسلوب الفكاهي
في شعر ونثر شربل بعيني
لقد جرى العرف أن يبرع الشاعر في الغزل، أو الهجاء، أو الرثاء، أو المديح، أو في أي نوع من أنواع الشعر، لكن العجب أن يبرع الشاعر في أكثر من نوع وبالأخص ..."الاسلوب الفكاهي"... الذي استوقفني في شعر ونثر الشاعر شربل بعيني، وعلى مثال الذكر ..."السوشي والكدوشة" و"الشويعر"... وغيرهما.
هذا الأسلوب يحبب القارئ بالشعر والنثر، ويجعله يتذكر تفاصيل القصة بحذافيرها وبفرح عارم.
والأهم أن هذا النوع من ..."الشعر الفكاهي"...
يحثّ القارئ على ترديده بشكل دائم، وأمام الجميع، وبفرح وغبطة، ودون عناء، وتصبح لغه الشعر..."الفكاهة السائدة"... بين أفراد المجتمع بما فيهم الاطفال.
**
قصائد مسلية
في هذا الديوان تطل علينا ..."لبيبة"... التي تبحث عن..."العريس"... الذي تريده ..."مفصلا"... على قياسها وهي التي ..."تزن قنطاراً واحداً فقط"... إذن فمن الضروري أن يكون العريس بوزن ..."قنطارين اثنين فقط لا أكثر"... ونرى هنا بطرافة الشعر كيف بدأت النساء بقياس ..."القَدّ غير الممشوق"... للبيبة من أعلى رأسها حتى أخمص قدميها. أما المصيبة الكبرى فكانت الأشغال الشاقة التي اعتمدتها النساء لتامين ..."السرير الزوجي لعصافير الحب"... أي العروسين اللذين أنعم الله عليهما ..."بالخيرات البدنية الفائقة"... والذي يجب أن يتسع ويحمل بمتانته غير المعهودة ..."الزير"... فتؤمن السرير الرومنسي لكنه ما لبث ان تعرض ..."للكمات الوزن الثقيل"... مما جعله ..."يتفكك بقوة الحب"... ليصبح ..."معاقا في جميع اطرافه"... وليرمى اخيراً على باب النجار من جراء الزخم والقوة والوزن الثقيل للحبيبين العاشقين.
لبيبه بَدّا عَريسْ
يْكُون مْفَصَّلْ ع قْياسا
صارتْ هالنسوان تقيسْ
من كْعاب جْرَيْها لْراسا
حِضْيُولا بْواحد تَعيسْ
بْيِسْكَر وبْيِشْرَب كاسا
......
وْلَبيبه بْتُوزن قنطارْ
وْعريسا شي قنطارَيْن
عَ تَخْتُنْ وَصّوا السّمسارْ:
بدّنا تَخْت يْساع تْنيْن
لمّنْ قاسُنْ فكرو احْتارْ
......
وبعد جمعه جاب سْريرْ
مش معروف عرْضو مْن الطّولْ
قَلُّنْ: تَخْتي بْيحمل زيرْ
قالولو: من شو معمول؟
قلّن: خشَبْ.. فرحوا كْتير
وْنطّوا فوقو ومش معقول
ما سمعوا غير التكسير
وغولي عم بِتْدَحْرِج غولْ
أما ..."النساء"... اللواتي يلقبن أنفسهن ..."بالقديسات والطاهرات والعفيفات"... ولا يتأخرن يوماً عن ترداد كلمة ..."آمين"... ليرضين الرب، فقد وصف البعيني ألسنتهن بالـ ..."سكاكين"... لأنهنّ يتمتعن ..."بقوة لسانية جبارة"... يستعملنها في كل حين ليضربن بثرثراتهن أي إنسان وقف في طريقهن، ناهيك عن تلفيق القصص الكاذبة التي تتراقص في خيالهن لتزهر خبراً كاذباً يطلق كشرارة شيطانية من ألسنتهن الطويلة:
بساحة الكنيسه النسْوانْ
لساناتُن متل السّكينْ
بْيِحْكوا عَ فلانه وفلانْ
عن حنّا اللاحِقْ فُوتين
جابْ منّا بْنات وصبيانْ
أَزْغَرْهُن عمرو عِشْرينْ
عن سامي الْمتل الشّيْطانْ
عنْ اخْتُو ستّ الحلوين
بدّو يْزَوّجها وْطمعانْ
بدوطه بْتِحْرُز وِبْساتينْ
بْزَنْكيل مْعَبّى وْحِرْزان
يْكُون عمْرو فوق السبعينْ
نسوان لسانُن فلتانْ
وتا حتّى يرضوا الدّيّان
ما بْيِنْسوا يْقُولوا: آمين
**
اضحك ببلاش
هذا المقال نشره الشاعر شربل بعيني في كتابه النثري ..."إضحك ببلاش الطبعة الثانية ٢٠١٦"... تحت عنوان ..."شاعر السوشي والكدّوشة"...:
دخل الى مكتبي شخص لم أره من قبل، فصاح حين شاهدني:
- الحمد لله لقد وجدتك!....
- أنت لا تعرفني، ولكنني أعرفك من خلال كتاباتك، لذلك جئت أطلب مساعدتك.....
- لقد كتبت مطلع أغنية أكثر من رائع، صدقني سيعجبك، ولكنني لم أتمكن من كتابة باقي المقاطع. هل لك أن تساعدني؟.....
فقلت له: تفضل، أسمعني.
فصاح بأعلى صوته، ويداه تجوبان الفضاء بحثاً عن الموجات الصوتية:
ع السوشي السوشي السوشي
أنا بحبّك مطووشه
بوّست بنات الجيران
وما لحقني طرطوشه
وراح يشرح لي أن ..."السوشي"... أكلة يابانية يتناولها الجميع في كافة بقاع الأرض. أما كلمة ..."طرطوشة"... فتعني أنها لم تحصل منه على قبلة ترطب شفتيها الظامئتين. وفجأة ذبّل عينيه، ومطّ شفتيه وقال:......
- آه لو تعلم يا أستاذ كم أخذني من الوقت حتى آتي بهذا البيت الذي قد يضاهي جميع أبياتك الشعرية:
بوّست بنات الجيران
وما لحقني طرطوشه
بربك، هل سمعت من قبل شعراً رائعاً كهذا، كل ما ينقصني مقطعان فقط وسألهب الأرض بأغنيتي.
ومن دون أن أنظر إليه كي لا تفضحني ابتسامتي الساخرة، قلت:
- خذ المقطع الثاني:
أنا بنيّه مغشوشه
فردّي بدّو خرطوشه
حابّه قدّام الجيران
قوّص إبن المحلوشه
وما إن انتهيت من القاء المقطع حتى حملني وراح يدور بي في أرجاء المكتب وهو يصيح:
- عظيم، عظيم، هذه هي عاداتنا الشرقية، نطلق النار على كل من يرمينا بنار الغيرة، والله والله أنت شاعر كبير. ليتك تتحفني بالمقطع الثالث كي تكتمل الأغنية.
- أنا تحت أمرك. خذ المقطع الثالث:
شعرك متل المنقوشه
أو شي أكلة مرشوشه
كل ما يكدش منّو حمار
بيتشردق بالكدّوشه
ومن دون أن يتلفظ بحرف واحد، فتح باب المكتب وولّى هارباً، وأنا أركض خلفه وأصيح:
لم تخبرني ما اسمك.. ألا تريد أن تسمع المقطع الرابع؟
ع السوشي السوشي السوشي
شعرك طبله مبخوشه
كل ما تطبل فيها قول:
طوشي يا دنيي طوشي
**
من كل ذقن شعرة
وهذا المقال أيضاً نشره الشاعر شربل بعيني في كتابه النثري ..."من كل ذقن شعرة ـ الطبعة الخامسة ٢٠١٦"... تحت عنوان ..."شويعر"...:
البارحة اجتمعت بشاعر مشهور، فخفت منه بادىء ذي بدء، ورحت أقيس كل كلمة أنطقها بمقياس أطول من الكابل البحري، وفضائحه الملغومة. ولكنه ما أن فتح حنفية برميله الشعري، حتّى وجدته قزماً لا يستحقّ لقب شويعر، والدليل على ذلك هذه الأبيات الشعرية الموزونة بقشّة مكنسة، كما تفضّل وقال لي:
1ـ في وصف الطبيعة:
يا أيّتها الشجيجرات
ألله، ألله كم فيكنّ من جمال وروعة
وحياة!
2ـ في وصف الأعمى:
يا صاحب العينين اللتين
كنت تفاخر بهما البشريّة
عيناك، لست أدري،
في أيّة سلّة للزبالة مرميّة
ولكن قمّة أعماله الشعرية الملأى بالأغلاط النحوية والإملائية، التي يعرفها ابن الصفّ العاشر، هو هذا البيت الذي يرثي به ميتاً لو لم يكن أطرش، خلقة ربّه، لقام من قبره، وأكله بدون ملح.
قال لا فض فوه:
إنّ الطيورُ (بضمّ الراء)..
على القبورُ (بضمّ الراء)..
تغني وتقولُ:
رحمة الله عليك يا محمّد علي باشا الشمخرورو
وأُهدي لكم بكلِ فخرٍ واعتزازْ
عُصارَةَ دراسَتي هذه
هنيئا لشاعر مخضرم وجليل أعطى الأدب والشعر والثقافة زهواً جديداً، ونفحة سحرية، تنساب في صميم الروح، لتزهر وردة جورية عابقة بعطر فريد يرنو إليه كل امرىء تاق الى الشعر وعشق مراده.
هنيئا لشاعر غرد للحب، وأغنى الأدب المهجري بلوحات تراثية تألقت من وهج شعره، وتهادت تراتيل صلاة، ترنم للرب وتنقلنا الى عالمه.
هنيئا لابن مجدليا الذي انحنت له القوافي، واختالت له طربا ودلالاً وعشقاً، وغدت ثملة من رحيق شعره.
إنه البعيني الذي أضاء بشعره سراب الليل، وأوقد حفيف القوافي، ليرصع بوهج قنديله ماسة شعرية على تاج الكلمة.
إنه الحبق والمنتور العابقان بأريج الغزل ومواويل السهر، كوردة ضمت برحيقها ألوف العاشقين، ثم اتكأت خجلاً على كتف حبيبها لتغفو على أريكة شعره في أيكه المهجور.
إنه الشاعر والفارس المتمرد الذي ثار على تدني الوزن، والحرف، والكلمة، والادب، والشعر، والمعنى وكان لها الحارس الامين في الغربة الموحشة والحزينة، وزنرها بقوة الحرف، وكللها بالمجد ليرعاها الحب، كندى الربيع الذي سبق الحارث الى البيادر ليعانق مواسم الحصاد قبل قطافها، وكالشتاء الصاخب والغزير الذي يؤنب الزرع ليلمع نوره مجدداً عند شروق الشمس مكللاً بمجد الرب الذي يرعاه دوماً.
إنه ابو القوافي الذي تبخترت كلماته على أبواب الشعر، وسافرت في شراع العمر، ولملمت عناقيد الهوى، لتقطف ورداً جورياً من بيادر الحرف، وزهو المْعنَى، وتختال دلعاً وهياماً في رسائل العاشقين، لتذوب تيهاً على شفتين أضاءتا قناديل الروح، ونهلتا من رحيق الحنايا، وارتشفتا الحب شعراً.
إنه الشاعر الذي أضاء مشعل الحرف وبريق القافية.
إنَّه الحارسُ الأمينُ عندما تعصفُ رياحُ الجُهلاء.
إنه البرج الصامد الذي حمل الشعر وغرسه في جذوع الأرز حافراً مجده في دهر الغربة، ناحتاً بصمته في تاريخها، ناقلاً إياه الى ظهور الخيل ليوصله الى المجد، ليبقى متألقا على مدى الدهور.
كلامك جميل وساحر يا شاعرنا الجليل، يشرق نوره علينا عند بزوغ فجر جديد، وأدبك نبراس للحق ، نتمثل به في أحلك المواقف.
سر على درب الشعر والأدب والثقافة، وانصهر جليا في كيانها، إنك حقاً تاجها، وإيمانها، وصوتها، وحقها، ونورها، وكلمتها، وحكمها.
حلق في عالم الثقافة والشعر والأدب كصقر جبار وكاسر، يعشق الحرية، ويتعطش لبيت غزل من أبيات شعرك الجميل، ليرقد بسلام الى جانب حبيبته مردداً اسم ..."شربل بعيني"... في كل يوم عشق امتلأ بالحنان والشعور والغرام.
مبارك وألف مبارك يوبيل ..."مراهقة"... الذهبي
١٩٦٨- ٢٠١٨، بِكرُ كُتبِكَ ، فبعد خمسين سنة من العطاء المستمر ما زلت تسير ملكاً وبخطى واثقة على درب النجاح والرب ينصرك في كل حين.
******
احتفالات توقيع الكتاب
اضغطوا على الرابط للقراءة
اضغطوا على الرابط للقراءة