كلمات
يوبيل شربل بعيني الفضي
يوبيل شربل بعيني الفضي
عام 1993
**
كلمة د. علي بزي
لست بالأديب لأقيّم شاعراً كشربل بعيني أمضى ربع قرن من الزمن في النتاج الأدبي، فأغنى المكتبة العربية المهجرية بروائع شعره، لذا تراني أستعين بأقلام الأدباء الذين كتبوا عنه، ووجدت في كتاباتهم انصافاً للشاعر والقارىء على السواء.
كلمات الشاعر شربل فيها نسغ عبادة، رددها وأطلقها الى كل قلب ليغنّي في مواسم الربيع.
تسمع في شعره صوت الإزميل المتدفق بحنان ولهف.
في صوت الازميل يحيل كتلة الغربة ومآسيها الى ترنيمة عشق، تتكلم في صمت.
في شعره قطرات ندية من رحيق توزّع وتجسد قصيدة مضاءة ذات هندسة خطتها أنفاس الشاعر وهي تلهج بالحوار.
الشعر عنده لا موسم له، لا آنانية في أبعاده ومناخه.
الشعر عنده نفحة من سماوات، أو نبض من زلازل، أو رجفة تمجدها أمواج البحر على شفاه المنارة التي تشقى لتهدي وتشارك.
قصائده ليست ظاهرة فنيّة تمر بلا غيث، ولا وابل من لظى وحسب، بل هي حقيقة ملموسة تنقد وتتهجّم وتصارح وتفضح دون تشتيت وغموض.
انه يكتب هموم الجبل والسفح والوادي، وهو يستجيب لكل المؤثرات بفاعلية وتميّز، يفحص كل حدث، ويوجز كل خبر بإشراقة الانسان الواعي وإشراقة المتفائل.
هذا غيض من فيض يا شربل.. فالأقلام الثائرة الناقدة بهدف التصحيح هو ما نحتاجه في زمننا هذا.. فإلى مزيد من العطاء المستمر، طامعين إلى يوبيل ذهبي يكون به عصرنا الذهبي قد بدأ، وتصبح الحرية في بلادي كالخبز الذي نأكل والهواء الذي نتنشق.
لوحة جلدية:
بمعول فلاح وزنود عامل، ببندقية جندي وحربة مقاوم، ومع هؤلاء أم عطوف تحمل أطفال المستقبل.
وهناك على التلة تحت سنديانة عتيقة عجوز يستريح من عناء الماضي، جذوره ممتدة إلى الأعماق متشعبة بالأرض.
وعلى السفح الآخر أرزنا الخالد خلود الدهر، باسق حتى حدود الشمس.
وبين أولئك يقف شاعرنا شربل بعيني بيوبيله الفضي.
إنها لوحة جلدية صاغتها أنامل الفنان علي حبيب، ويقدمها للشاعر الدكتور خليل مصطفى رئيس جمعية أبناء بنت جبيل ممثلاً النوادي والجمعيات المشرفة على هذا المهرجان.
يوبيل شربل بعيني الفضي 1993
**
كلمة
سيادة المطران
يوسف حتي
"دعوا الأطفال يأتون إليّ"..
عبارة قالها السيّد المسيح، أردتها تاجاً لكلمتي هذه، لغاية سيكشفها لكم تسلسل كلامي!.
قبل مجيئي الى أستراليا، لم أكن قد سمعت باسم شربل بعيني. كنا، أنا وهو، نسير في طريقين متباعدين قد لا يلتقيان أبداً، إلا عند مفارق الغربة، عنيت بهما القانون الكنسي والشعر.
وفجأة التقيته، وأحببت شعره دون أن أقرأه.. ولكي لا ينتابكم التعجّب، سأخبركم ما حصل معي لدى وصولي الى أستراليا:
دعتني راهبات العائلة المقدسة المارونيات في هاريس بارك للاحتفال بعيد شفيعي القديس يوسف، وبعد القدّاس الالهي، دعونني للقاء أطفال مدرسة سيدة لبنان، في قاعة الكنيسة، ولم يدُر في خلدي أن احتفالاً غنائياً راقصاً قد أعدّ للمناسبة، ولكي لا أطيل الشرح، وتتلاعب بي الذكرى، أردد على مسامعكم كلماتٍ شنّفت، وقتئذ، سمع راعي أبرشية جديد، ومنحته الفرح في غربة لا ينقصها سوى الفرح:
يا سيّدنا وجودك هون
فرحه ما بيساعا الكون
مطران الحتّي إسمك
ملوّن بالتقوى رسمك
باركنا.. تا يفيض اللون
وناخد من إيديك العون
وفوق النجمه نتعلّى
وأهلا بقدومك أهلا
وصدقوني اذا قلت: ان هذه الكلمات العفوية البسيطة المتصاعدة من حناجر أطفال مدرسة سيدة لبنان تحمل صوراً شعرية رائعة لا يرسمها الا الشاعر الشاعر:
ملوّن بالتقوى رسمك
باركنا.. تا يفيض اللون
إنه مديح ينطوي على تهديد ما.. هكذا تخيّلته وأنا أستمع إليه.. وحسبت الأطفال يقولون لي: كن على قدر المسؤولية الملقاة على عاتقك. كن أباً لنا، باركنا كل حين، وإلاّ، لن يفيض لون صورتك.
وكقانوني، بدأت بالتفتيش عن الفاعل، عن الذي كتب وعلّم وأوصل تلك الكلمات الى أذنيّ.. فإذا به الاستاذ شربل بعيني.
وقد يفاجأ البعض إذا قلت: إن شربل بعيني الشاعر، في يوبيله الفضي، لا يهمني، بقدر ما يهمني شربل بعيني المربي، واضع العديد من الكتب المدرسية، التي تبنتها الحكومة الاسترالية، وتناقلتها أيدي الطلبة العرب في المغتربات. مؤلفاته المدرسية هذه، سدت فراغاً تعليمياً هائلاً، بعد أن شحّت بسبب الحرب الكتب العربية المستوردة، وعجز البعض منها عن استمالة الطالب المغترب وترغيبه النطق بلغته الأم، لو لم يتدارك شربل بعيني الأمر، ويتفرّغ كلياً لاعداد كتب مدرسية حديثة قد لا يخلو صف أو مدرسة منها.
وكقانوني، بدأت بالتفتيش عن الفاعل، عن الذي كتب وعلّم وأوصل تلك الكلمات الى أذنيّ.. فإذا به الاستاذ شربل بعيني.
وقد يفاجأ البعض إذا قلت: إن شربل بعيني الشاعر، في يوبيله الفضي، لا يهمني، بقدر ما يهمني شربل بعيني المربي، واضع العديد من الكتب المدرسية، التي تبنتها الحكومة الاسترالية، وتناقلتها أيدي الطلبة العرب في المغتربات. مؤلفاته المدرسية هذه، سدت فراغاً تعليمياً هائلاً، بعد أن شحّت بسبب الحرب الكتب العربية المستوردة، وعجز البعض منها عن استمالة الطالب المغترب وترغيبه النطق بلغته الأم، لو لم يتدارك شربل بعيني الأمر، ويتفرّغ كلياً لاعداد كتب مدرسية حديثة قد لا يخلو صف أو مدرسة منها.
شيء آخر لفتني في رحلة شربل بعيني التربوية: اهتمامه بالمسرح. وكلنا يعلم ما للمسرح الطفولي من تأثير على سلوك الآباء قبل الأبناء، فالموعظة المسرحية تأتي موجعة، مؤنبة، خاصة إذا كان الواعظ طفلاً صغيراً، وكانت اللغة لغته الأم، وكان المتلقون لموعظته أهله وأفرباءه وأبناء شعبه.
شربل بعيني في مسرحه الطفولي أقرب ما يكون لابن المقفّع، هذا استعان بالأطفال، وذاك استنطق الحيوان، والاثنان معاً نجحا أيّما نجاح في تنقية المجتمع من فساد قد لا تتفاوت تأثيراته الانسانية والسياسية والاجتماعية بين زمن ابن المقفّع وزمننا هذا.
فإذا كان الأدب لا يستقيم بدون قارىء، والقارىء لا يستقيم بدون مدرسة، والمدرسة لا تستقيم بدون معلّم، وجب على هذا المعلّم أن يكون مثل شربل بعيني.
يوبيل شربل بعيني الفضي 1993
**
كلمة
الشيخ تاج الدين الهلالي
أن نرى رجالاً ونساء وشباباً يقدّرون الأدب والأدباء، وحضروا في هذه الأمسيّة السعيدة، من أجل وقفة وفاء مع أديب أعطى. إنه شاعرنا وشاعركم الذي أحببتموه من قلوبكم الأستاذ شربل بعيني.
لا أملك من كلمات الشكر والإمتنان على من ملّكه اللـه، تبارك وتعالى، زمام البديع والبيان، فأعطى لأمته في نظمها ونثرها وشعرها المقفّى الموزون ما جعله يتربّع على عرش الشعراء:
بدأت مقالي مستعيذاً مبسملا
وأحمد ربّي رغبةً وتوسّلا
ومنّي صلاةٌ مع سلامٍ لأحمدَ
رسولاً من الرحمن للخلق أُرسلا
فهذا قريض للطويل مقلّداً
فعولن مفاعيلن ومرّتين تكمّلا
توخّيتُ أمراً لـم يكن من سجيّتي
ولست له قبلاً أرى متأهّلا
ولست لبحر الشعر أدري سباحة
ولكنني دخلته متطفّلا
وإني لدى النقّاد أرجو قبولها
على نقصها ولا أبالي بمن قَلا
لأن كريم القوم يستر عيبَها
وذا حسدٍ إن لـم يجده تقوّلا
فقد جئت في شوق حنينٍ وهمّةٍ
على أملٍ كي أحيّي شربلا
**
إنّ ذا يومٌ سعيد
هلا يا أحبّةَ عيني
إن ذا يومُ الوفاء
لك يا شربل بعيني
إن هنّأك الجمعُ مرّه
لأهنّأنَّكَ مرّتينِ.
يوبيل شربل بعيني الفضي، 1993
**
كلمة
د. خليل مصطفى
أصحاب السيادة والفضيلة
الآباء المحترمون
الأخوات الراهبات
ممثلو الاعلام
ممثلو الأحزاب والفئات الوطنية
الأخوة رؤساء الجمعيات والمؤسسات الخيرية
السادة الحضور..
شربل بعيني الذي يحمل في جذوره تراب بلدته، وفي قلبه لبنان الذي أحب وقدّس، وبين يديه إنتاج فكري غزير، تتأصّل فيه اليقظة المثالية، وتأخذ طابع الإلتزام منّا بالتراث الثقافي، والترابط والاتصال التاريخي بظاهرة الأدب الذي نعيشه في اغترابنا.
حصيلة خمس وعشرين عاماً بدأها "بمراهقة"، وتوّحها "بمناجاة علي"، وأسدل العنفوان عليها "بقرف".
وها أنا أيها الشاعر الكبير أقف أمامك في يوبيلك الفضي لأنقل إليك تحيّات أبناء بلدتي في بنت جبيل التي كان لها القسط الوافر من ديوانك الأخير، حاملاً إليك كمشةً من تراب باحة جامعها مفعمة ببخور كنيسة مجدليا.
حصيلة خمس وعشرين عاماً بدأها "بمراهقة"، وتوّحها "بمناجاة علي"، وأسدل العنفوان عليها "بقرف".
وها أنا أيها الشاعر الكبير أقف أمامك في يوبيلك الفضي لأنقل إليك تحيّات أبناء بلدتي في بنت جبيل التي كان لها القسط الوافر من ديوانك الأخير، حاملاً إليك كمشةً من تراب باحة جامعها مفعمة ببخور كنيسة مجدليا.
أحمل إليك قطرات من عرق فلاح مجبول بمرارة شتول التبغ، منبعثة منها رائحة الصعتر، مزينة بالزعفران الأصفر، متوجة بالأقحوان الأحمر في حقول بلدتي.
أحمل إليك رسالة شكر من قبر الشاعر الإنساني الكبير موسى الزين شرارة.
أحمل إليك قطرات من دم شرايين الأخضر العربي التي تفجّرت بوجه العدو الصهيوني دفاعاً عن القضية الفلسطينية.
أحمل إليك قطعاً من قميص طائر النورس الشهيد واصف شرارة الذي اغتلته يد العمالة.
أحمل إليك صورة القبور في بنت جبيل التي تضم مئات الشهداء.
أحمل إليك لائحة بأسماء الأسرى من بلدتي في سجون الخيام.
أحمل إليك ترنيمات الحسون وشدو البلابل مع نسمات الشعر والأدب لتدل على صحة أقوالك، وسلامة احساسك عن بلدتي التي تعض على جراحها تحت نير الاحتلال.
أجل ايها الحضور الكريم، احمل كل هذا ليكون عرفاناً بالجميل الذي خططته أصابع الشاعر شربل بعيني في سبك كلمات "قرف" التي اعتاد اطفال ونساء وشباب وشيوخ بنت جبيل أن يسموه "درراً".
أقدم لك هذا في يوم تكريمك ايها الشاعر الكبير كبر السنديانات في جوار بلدتي الت أقمتها من نفحك الأدبي وصولجان فكرك العملاق، وروح وطنيتك الصادقة.
أيها الشاعر الفذ.. ماذا اقول لك؟
هل يكفي أن أقدمك بكلام عادي مثل البشر؟ أم أرتقي الى منزلة المعصومين كي اوفيك حقك، أنت الذي يشهد لك القاصي والداني بأنك شاعر جريء، وصديق مخلص، وقلب محب.
أيها الينبوع المتفجر بالعطاء الانساني، المتميّز بالبذل والكرم. يا من تمتلك الحق في الرؤية الفنية، ويا من نذرت نفسك لخير البشرية، لذلك أنهي كلماتي فيك أيها الشاعر الساطع سطوع النجوم في الليالي الدامسة، بأنك ستبقى الصوت المدوي ليس في أستراليا فحسب بل في ارجاء المعمورة كلها.
ونتمنى من الله عز وجل أن يطيل في عمر شاعرنا حتى يكمل مشواره في دفاتر الأدباء، وفي قلوب الأصحاب والأحباب، وليصبح هذا اليوبيل الفضي ذهبياً وأبعد من العقيق. والسلام عليكم.
يوبيل شربل بعيني الفضي، 1993
**
كلمة وقصيدة
الشاعر نعيم خوري
الكلمة
بعض الناس يتحوّل ربيعهم العاشر إلى خريف، فيتوقّف نموّهم في ظلّ مزموم الأبعاد والطاقات.
وبعض الناس يبدأ ربيعهم ولا ينتهي أبداً، يشيب الزمن على أكتافهم، ولا تنحني رؤوسهم والقامات.
الصديق الشاعر شربل بعيني، الذي نحتفل الآن بيوبيله الفضّي، هو واحد من هذا البعض، امتشق الكلمة، واعتنق الشعر. فإذا الكلمة سيف، وإذا الشعر بركان، والموهبة شلال، يتميّز بالخصوبة، وصفاء الوجدان الأدبي.
بطريقة الصدفة تعرّفت إليه، والصدفة كاللحظة، تفلت وتمضي ليأتي غيرها. اللحظة تغيب، ولا يكتبها الزوال، لأن الغائب الحقيقي هو جسد اللحظة، وأما روحها فتبقى، وتنزرع في الذاكرة، والذي يتولّد منها يصنع طريقه إلى الحياة.
تدخل عالمه الشعري، فتراه يصوّر بلا مناقشة، ويناقش بلا مشاغبة، ويشاغب على غير مشاكسة، ويشاكس بلا فوضى أو غوغائيّة، وكعشب البحيرات يتماوج بلا رعونة. تطول بك الإقامة أو تختصر النزهة، إلاّ أنّك تنسلخ ولا تغادر، في كفّيك قوس قزح، وفي مخيلتك سحبة ضوء مترامية الآفاق.
دائـم الحضور، كلاماً وحركة وفعلاً. الكلمة رسالته وسلاحه، يغطّ قلمه في الدم أو في النار، ويبرمه في مكامن الوجع، ليغسل صدأ الأيّام عن أشجار الجراح، وهريان الموت عن جفون الريح.
في بهاء اللغة يتجاوز شربل بعيني الوهم العدمي، ولا ينبهر فتأخذه الدهشة، بل يتخطّاها إلى لحظات حليفة للشمس تتوالد وتتكاثر، ويعرف أن الشعر عمارة لا يبنيها إلاّ الشعراء الحقيقيّون، ولا يزيد من عمارها من لا سلّم عنده ولو حمل حجراً، وكذلك من بلغ أعلى السّلم ولا حجارة جديدة لديه. فالثقافة هي الحجارة، والموهبة هي السلّم، وكلتاهما ضروريّة في عمليّة البناء.
ليكن شربل بعيني حلم مجدليّا.. أو عقل مجدليّا.. ما همّ!! الصحيح أنه شاعر يجيد الأشياء، ويتقن ترجمة موهبته، ولا يرسب إلاّ في البهلوانيّة والزحلقة وانحناءة الكرامة.
سلّمه من ضلوع مجدليّا الطالعة صوب الشمس تحت جناحي أرزة، وثقافته مادة قراءات واهتمامات وتجارب قائمة بانخراطه في ورشة الحضور الإنساني.
القصيدة
لمحٌ على الريح، أم شالٌ من الشّهُبِ
يشتاقُ فوحُ دمي سيفاً من اللَّهبِ
يمضي به زمنُ الأحلامِ، يزرعُهُ
شيئاً من الصّوتِ، أو وهماً على السّحُبِ
حسبي من الشّعرِ أني حين يصلبُني
على الزمانِ، يطوف الحبُّ في هُدُبِي
فترقُصُ الأرضُ من حولي، كأنّ بها
رهجاً من الرّعدِ، أو وهجاً من الطَّرَبِ
فيستحيلُ صليبي في الهوى قمراً
وجرحي المزرقُّ منديلاً من العُشُبِ
وفي اغتسالِ الصّدى شفتانِ، أيّهما
تغامزُ المنتهى، يا شعرُ فاستجبِ
مرّت على الشّمسِ أجيالٌ مزرزرةٌ
وخاطرُ الشّمس شلاّلٌ من الذّهبِ
تمشي العواصفُ بركاناً إذا نزفتْ
فيها الجراحُ، وتحكي النّارُ في الكُتُبِ
الرّائدون هنا، والمبدعون هنا
وما تبقّى عناوينٌ بلا أدبِ
عصافيرها في دجى البلورِ زاحلةٌ
هاضت جناحاتها بالرّيش والزّغبِ
تموج في شجر الضوضاء صورتُها
كصورةِ المسخِ، لـم يرحلْ ولـم يَؤبِ
دَرْزُ الحروف كأوهامِ الأُولى دخلوا
مستنقَعَ الموتِ في شعرٍ من الخشَبِ
الرّيحُ تُقلِقُهُ والشمسُ تُحرِقُهُ
كتافِهٍ، في لهاثِ الغيمِ منسرِبِ
ثوبُ الحرير على ألأفعى، تدنّسُهُ
وبالحريرِ اهترار الذّئبِ لـم يَثِبِ
مرّوا على الأرضِ أشباحاً مزيّفةً
في صفحةِ الضّوءِ، لـم تكبر، ولـم تذُبِ
يستفظعون صدى الماضي ويبهرهم
من الوجوهِ، فقاقيعٌ من الشّغَبِ
كأنهم من لهيب الفكرِ ما اكتنزوا
إلاّ الدّخان، وقالوا: خارِقٌ ونبي
وصدّرونا إلى المجهولِ واخترعوا
للانتشارِ شجيراتٍ من الكَذِبِ
ويصرخ الوعد، كم وشوشتني، وأنا
يا ليلُ صومعتي نهر من الخطبِ
يا أنت.. يا وطني.. ساعي البريد هنا
سئمَتْ أصابعُهُ من رنّةِ التّعَبِ
مرحى طلائعكِ.. استفتي طلائعنا
يا شعلةَ الشّرقِ.. هذا شربلٌ عربي
صبّاً أتى الكونَ، غنّاهُ وأسكرَهُ
وشمخةُ الشّعرِ زلزالٌ من الغضبِ
ليغسل الكون عن كفّيه ثرثرةً
من الدّوارِ، وأفواجاً من الصّخَبِ
جنّيةُ الشّعرِ ربّته على يدِها
وليسَ كالشّعرِ مدعاةً إلى العجبِ
غادٍ إلى قلمٍ، من قلبه، أبداً
يستلُّهُ وجعاً في حومةِ النّوَبِ
يغطّه في نزيف الضّوء منتشياً
والرّعدُ مرتجفٌ، والليلُ في هرَبِ
كلّ السيوفِ نَبَتْ.. إلاّ قصائِدُهُ
فليمتطِ الحقدَ فرسانٌ من القصَبِ
ومجدليّا التي ما زال يحفظها
صوتاً يضيء على أوتار مغتربِ
غداً يعودُ قناديلاً مشرّعةً
ميناؤهُ الحلم، يا لبنان فالتهِبِ
هذا البعيني، حداثته، وطلّتها
من مطرحِ الشّمسِ، ما انهارت ولـم تغبِ
يوبيلُه الفضيّ بالعينين نكتبهُ
حتى يشعَّ غداً يوبيلُهُ الذّهبي
يا ساكن القمر الفضيّ، مدَّ يداً
للأرضِ، وازرع صدى الأحرار، وانكتِبِ
وعداً، يطوف على الدنيا، فإن سألتْ
تجسّد الوعدُ عملاقاً على الهضبِ
نهراً من النارِ، نخب الشعر يشربه
دم الفداء.. فيحيّا ميّت العربِ
يوبيل شربل بعيني الفضي، 1993
**
كلمة الشاعر
شوقي مسلماني
سعادةَ سفير لبنان الدكتور لطيف أبو الحسن الذي يرعى أدب العربية وأدباءها في المهجر الأسترالي.
سيادةَ المطران يوسف حتّي سامي الاحترام.
فضيلةَ الشيخ الإمام تاج الدين الهلالي سامي الاحترام.
الصديق القديم المتجدّد شاعر الغربة الطويلة شربل بعيني.
أهلَ الثقافة والأدب والكلمة الحرة دائماً. أيها الحفل الكريم.
إنها تجربة متواضعة على خشبة مرسح الحياة الواسع والضيّق معاً، ورغم ذلك فقد أوحت لي وأنا أحد أبناء الجالية اللبنانيّة في سيدني أنّ الحياة فعلاً وقفة عزّ، وأنّ شجرة الانسانية لن تزهر ولن تثمر بغير وجود أولئك المكافحين، الذين هم بالنسبة إليها بمثابة الروح للجسد، أو هم الملح الذي يداخل كلّ شيء ليعطيه نكهة ومذاقاً ومعنى.
والصديق الرفيق والحبيب شربل بعيني الذي نتقاسم الغربة الطويلة هو واحد من الضاربين في صخر الأيّام بمعول الكلمة نحو الإنسانية الأشمل والأعمق، لا رتوش فيها ولا تزيين، لا شريعة غاب يأكل فيها القوي الضعيف، ولا صحارى تنهش فيها الصقور والضباع لحمَ الضعفاء.
عرفت شربل بعيني منذ وصولي الى هذا البلد المتحضّر، أي منذ ستة عشر عاماً تقريباً، عرفته وقرأته، ومنذ اللقاء الأول تكشّفت الماسة حياته بكلّ لمعانها وصفائها.
شبّ وكبر ولم يتخلّ لحظة عن ملائكيّة الأطفال فيه. ثائر محرّض على كل متخثّـر وبالٍ، دون أن يفقد الخيط الفاصل بين الثورة والفوضى.
ومنذ اللقاء الأول أيضاً، لم يحد شربل بعيني عن صراط الأخلاق الرفيعة، صراط النّاجين، وكلّ واحد في موقعه، الفنّان، الرسّام، الشّاعر، الدبلوماسي، رجل الدّين. وقد نسمع حديثاً لا نفهمه عن فصل الأخلاق في مجالات ثقافيّة وسياسيّة وعلميّة، ولكنّ الحقيقة تأبى إلا أن تبقى. لا شيء بدون أخلاق جوهرها القول والعمل لا الكذب وإضمار شيء وإظهار خلافه.
وهل شغل الناس وملأ الدنيا شاعر العرب أبو الطيّب المتنبي بشعره العظيم فقط أم أيضاً بثورته وارتباط قوله بعمله؟.
وهل شغل الناس وملأ الدنيا الزعيم الهندي الراحل مهاتما غاندي بحنكته ودرايته السياسية أم أيضاً بأخلاقه السامية وارتباط قوله بعمله؟.
وهل كان الرسول محمد والسيّد المسيح ليُحَمّلا كلمة ربّهما لو لم يُعرفا بأمانتهما ومحبتهما وقولهما وعملهما في آن؟،
لكنّي في يوم صديقي الأغرّ لا بدّ من الإعلان أنّي لم أقرأ له يوماً ولم أسمع عنه أنّه انغمس في دورة الأحقاد المتبادلة التي دوّخت بلده الأمّ لبنان وأذهلته عن نفسه كأنّه في لجّة اليوم العظيم.
لم أقرأ له يوماً ولم أسمع عنه أنه تفتّت أمام صخرة غربته الطويلة أو سقط في محيط الكآبة والأحزان، كان دائماً هو هو، وما يزال شعلة وفاء، قريباً من أصدقائه، وفياً لهم، معتصماً بقلبه، محبّاً للجميع. فهل أنا أمام أخلاق شربل بعيني في مناسبة تكريمه لمضي خمس وعشرين سنة على صدور ديوانه الأول "مراهقة"، أم يفترض بي أن أتحدّث عن الشعر في أعمال الشاعر بعيني الذي دخل إسمه قلوب المهاجرين قبل بيوتهم كإنسان مرهف، حسّاس، أعطى وما يزال يعد بالكثير.
لا فرق بالنسبة لي أخلاقه وشعره قصيدة واحدة، لم يفرّط بوحدتهما، وربما عندي أنّ الأخلاق في المقام الأوّل، أرفع شأواً، وأشفّ من أي قصيدة كتبها أو يمكن أن يكتبها شاعر. وفي يوبيله الفضّي الذي هو مناسبة لتكريم الشعر والشاعر والأخلاق الرفيعة، هذه الأقانيم الثلاثة الموحّدة، ليست أقلّ من أن أحيي الشاعر المحبوب، وأن أقول له بإسمي وباسمكم: ألف وردة ومبروك.
يوبيل شربل بعيني الفضي 1993
**
كلمة المحتفى به
شربل بعيني
أيها الأحباء الكبار..
أتحتفلون بيوبيلي الفضي أنا المغمّس بالفقر وبالتشرّد.. الضائع بين وطنين أرى منهما وفيهما دنياي؟
أتأتون بالعظماء متحدثين، وبالأحباب من سيدني وملبورن وباقي الولايات مشاركين، وبيني وبين العظمة منأى؟
غريبٌ وضعي بينكم، وأنتم من أنتم، مركزاً، قداسة، أدباً ومحبة.
أفيكرّم من تكريمكم واجب عليه؟
أتيتم بالوطن سفيراً، وما علمتم أن حبي للوطن وسفيره الدكتور لطيف ابو الحسن أكبر من شرح المعاجم والموساعات، فهما الغاية ما دامت للشعر غاية.
أتيتم برجلي دين إذا ابتهلا ابتهلت الأرض والسماء، وإذا وعظا اشرأبت الآذان صاغية.. وما عرفتم أنني ما زلت أحبو في أروقة أدبهما حرفاً يعجز عن ابتكار كلمات شكر تليق بسيادة المطران يوسف حتي، وبفضيلة الشيخ تاج الدين الهلالي.
إتصلتم بالخارج، فوصلتكم كلمات الدكتور عصام حداد، والأديبين محمد زهير الباشا ونعمان حرب، وتهنئة الثقافة السورية، والرابطة الثقافية في معهد الأبجدية جبيل ـ لبنان، والحبيبين أنيس ونجاة مرسي ـ ملبورن، وما أدركتم كم أتعبت هؤلاء الأصدقاء طوال ربع قرن ونيّف، من أجل نشر أدبنا الاغترابي الناهض.
أتيتم بالدكاترة قاسم وخليل مصطفى، وعلي بزي، وبالشاعر نعيم خوري، وبالأدباء شوقي مسلماني ونبيل قدّومي ورفيق غنّوم.
أتيتم بالجمال الأدبي المتمثّل بشخص السيدة كارولين طاشمان، وبالجمال الفني المتمثّل بريشة الفنان علي حبيب، وضربتم عرض الحائط بتوسلاتي، بصراخي، وبعجزي عن رد جميل هؤلاء الأحبة.
فكيف أرد لأبناء بنت جبيل جميلهم، وقد حوّلوا "القرف" إلى شرف؟
كيف أرد لاتحاد عمال فلسطين، ورابطة احياء التراث العربي، وجمعية تضامن المرأة العربية في أستراليا، ومثقفي الجالية العربية السورية، والرابطة القلمية للنساء العربيات في المهجر، والملتقى الثقافي الاجتماعي، وجمعية المغترب الجنوبي، وأصدقاء شربل بعيني، وخاصة أولئك الذين تعبوا وضحّوا وزيّنوا بأزهارهم وكتاباتهم الرائعة.
كيف أرد لكل هذه الروابط فضلها، وقد زرعت الفرح في غربتي، وأهدتني وطناً من الكلمات نموذجياً، قد لا يسكنه إلا المحظوظون من أمثالي؟
أقف عاجزاً أمامكم، لا يشفع بي سوى عطفكم الانساني اللامحدود، وتشجيعكم للأدب والأدباء، فشكراً لكم جميعاً رجال دين ودنيا، إعلاميين صادقين، أدباء، شعراء، وأحباء كباراً.. فلولاكم لما كان الشعر، ولولاكم لما كان الفرح، ولولاكم لما كان هذا اليوبيل الفضي الرائع.
يا ذهب الجالية، يا ماس الكلمة، يا إعلام الحق، يا منظمي هذا اليوبيل، ماذا فعلتم بي في ذكرى "مراهقتي"؟ ماذا فعلتم بابن مجدليا؟ لقد فضحتموني، وقطعتم بنصيبي بعد أن بينتم عمري الحقيقي أمام الحلوين.. فسامحكم الله، وشكراً.
يوبيل شربل بعيني الفضي، 1993
**
شربل بعيني:
شاعر العصر في المغتربات
بقلم نعمان حرب
قررت الجالية العربية في استراليا، التي تتألف منها جمعية أبناء بنت جبيل، اتحاد عمال فلسطين، رابطة احياء التراث العربي، جمعية تضامن المرأة العربية في ملبورن، مثقفو الجالية العربية السورية، الرابطة القلمية للنساء العربيات في المهجر، الملتقى الثقافي العربي وجمعية المغترب الجنوبي، اقامة مهرجان ادبي كبير في مدينة سيدني الاسترالية، بمناسبة اليوبيل الفضي للشاعر المهجري الكبير شربل بعيني، وذلك لصدور اول ديوان شعري له عام 1968، ومرور خمس وعشرين سنة من العطاء الدائم.
والشاعر المبدع شربل بعيني أغنى المكتبة العربيّة بمؤلّفاته الأدبيّة من شعر ونثر، وبجميع الألوان والأوزان، حتّى بلغت إصداراته الأدبيّة خمسين مطبوعة، وعشرة كتب مدرسيّة، أعيد طبع بعضها ثلاث مرّات، وكتب عنه الأديب المهجري كلارك بعيني سلسلة "شربل بعيني بأقلامهم" بلغت إحدى عشرة دراسة. وكتب عنه الأديب الكبير كامل المر مؤسس رابطة إحياء التراث العربي في أستراليا دراسة شاملة بعنوان "مشوار مع شربل بعيني". وكتب عنه الأديب العربي السوري محمد زهير الباشا دراسة بعنوان "شربل بعيني ملاّح يبحث عن اللـه". كما نشرت له مجلّة الثقافة في دمشق العديد من القصائد الوطنيّة ذات النهج العربي الإنساني والوطني والإجتماعي.. وما زال الشاعر الغرّيد يعلو بصوته في أعلى الأجواء المهجريّة، وينشد الملاحم المتميّزة من الإبداع في كافّة المجالات الأدبيّة.
إنّني على صلة دائمة بأدباء وشعراء المهجر في كافّة أنحاء المعمورة، وأرى أن الشاعر شربل بعيني هو شاعر العصر في المغتربات، لا يوازيه أي أديب مهجري بغزارة الإنتاج الأدبي، ووضع مجهوده، وعبقريته، وماله، رهناً لإعلاء الأدب والفكر، وغرس الكلمة العربيّة في القلوب والنفوس، وبذل الذّات للحفاظ على ألق الحضارة العربيّة، وشدّ العلاقات والأواصر بين أبناء المغتربين وإخوتهم المقيمين.
شربل بعيني، شاعر الغربة الطويلة، ينبوع متفجّر بالعطاء الإنساني والأدبي، وعربي متميّز بالبذل والكرم والسخاء، وبيته ملتقى الأدباء والكتّاب، وكأنّه (سوق عكاظ)، يجد فيه الزائر العربي، من أيّ مرتبة رسميّة وشعبيّة، الترحيب والعناية والنور المتفتّح من جوانبه، وهو كما قال عنه محمد زهير الباشا: "يحارب المجزرة بضمير ومثاليّة، يفتّت سيف شهريار بعبره ومروءته، يمتلك الحقّ في روايته الفنيّة، وتشدو صوره الشعريّة لخير البشريّة، وليتعمّد الإنسان وحده في صلاته باللـه".
دخل الشاعر شربل في سفره الطويل في مواكب القريض، إلى داخل الإنسان العربي، وأصبح ذلك المسافر الأزلي في النفس البشريّة، وسوف يبقى صوته مدويّاً، ليس في سماء أستراليا وحدها، ولا في سماء البلدان المهجريّة، بل سيبقى مدويّاً في أرجاء شاسعة من المعمورة.
إنّ هذا المهرجان الأدبي الكبير، الذي تقيمه الجالية العربيّة، بكافة منظماتها وهيئاتها المختلفة، لتكريم الأدب في شخص شربل بعيني، مساء يوم السبت في 18 كانون الأول 1993، هو مهرجان لكل أديب ينطق بالضاد في العالـم، وهو وسام شرف على صدر كل أديب عربي، ووشـم على غلاف القلب العربي، أينما كان، لا يمّحى ولا يزول.
فألف مرحى للقائمين بهذا الإحتفال، وتحيّة إلى شاعر الغربة الطويلة، وتهنئة من الأعماق ترسلها دار الثقافة في سورية العربيّة.
مجلة الثقافة السورية، 1993
**
كلمة وقصيدة
الدكتور أنيس مرسي
أخي وصديقي شربل
كم كنت أتمنى أن أكون معك في يوم عرسك الأدبي، ولكن ظروفاً قاهرة منعتني من المشاركة شخصياً بهذه الفرحة، التي لا أعتبرها تكريماً لك فحسب، بل تكريماً لكل أديب وشاعر وقارىء وذوّاقة للأدب العربي عامة، والادب المهجري خاصة.
لا البعد، ولا المسافات تقدر أن تفرّق بين قلبي وقلبك في هذه الليلة التاريخية، لذا قررت أن أكرّمك بلغتك الشعرية، مع أنني لست بشاعر..لا، ولكن شاعريتك أصابتني بالعدوى المحبّبة، فسطّرت أبياتاً شعرية للتعبير عن مكنون نفسي، وبعد الانتهاء منها، أحسست أن الأوزان تستغيث بي، فطلبت من الشاعر الملبورني حسّان السعافين إصلاح الإيقاع، دون الاخلال بمضمون ما نظمت، وأرجو ألا يصاب الأخ السعافين بنقد، إذ أنه بريء من أي خطأ أو نقص أو تقصير، وإليك ما كتبت:
ينبوع شعرٍ لا يجفّ فينضبُ
يشدو به قلبٌ كبيرٌ طيِّبُ
قرض المعاني في إطارٍ محكمٍ
بالصدقِ والإيمانِ فَهْوَ مذهّبُ
قد طار في دنيا الحقيقة مؤمناً
لـم يثنِهِ لومٌ حقودٌ غاضبُ
الحبّ مبدأه يدين بدينه
والحقّ في جنبيهِ دوماً مَذْهَبُ
ناجى عليّاً في قصيدٍ مشرقٍ
يحويه سفرٌ في المديح مبوّبُ
جمع البلاغة حكمةً وفصاحةً
يشفى بها القلبُ السقيمُ المتعبُ
أعطى الكثيرَ بروحه وفؤادهِ
فالكلّ ينهلُ من نداه ويشربُ
أدعوك ربي أن يظلّ مؤيّداً
تشدو (بشربلها) القلوبُ وتطربُ.
ملبورن 1993
**
كلمة الاديبة
نجاة فخري مرسي
ايها الحفل الكريم
في السابع من شهر آذار 1986 تفضّلت جريدة النهار المهجرية، التي كنت احرر بها صفحات "نهار ملبورن" لأكثر من عقدين من الزمن، تفضّلت بتكريمي والاحتفال بيوبيلي الفضّي في خدمة الصحافة، فكانت السبّاقة في هذا المجال.
وفي الحادي والعشرين من تشرين الثاني 1990، تفضّلت رابطة احياء التراث العربي بمنحي جائزة جبران التقديرية العالمية على كتابي الاول "المهاجرون العرب في استراليا".
واليوم، وبعد مرور سبعة اعوام على يوبيلي الفضي، ومرور ثلاثة اعوام على جائزتي الجبرانية، جاءت بادرتكم الكريمة في تكريم شاعرنا المحبوب شربل بعيني، والاحتفال بيوبيله الفضي، فذكرتني بذلك النوع النادر من السعادة الغامرة، التي يشعر بها المفكر في لحظات تكريمه، لان حامل القلم كحامل السيف، كلاهما يفني زهرة شبابه في سبيل رسالته الوطنية والانسانية وارساء قواعدها.. وان يكن للشعر اصوات البلابل المغردة، واجنحة الصقور الجارحة، يُطرب وهو يضرب، ويضرب وهو يُطرب، ولا تضعه في هذا المقام سوى الموهبة الكاملة المتكاملة.
كنت، بالأمس، أقرأ في مجلّة الحوادث اللبنانيّة ـ عدد أكتوبر الماضي ـ فاستوقفتني في باب (من المحرّر) عبارات حول الإقتباس والتقليد تقول: (في الفكر والأدب والصحافة لا مزاح ولا أنصاف مواهب، بل إنّه الجدّ حتّى تفضّل العين أختها، كما يقول المتنبي، وحتى يكون اليوم لليوم سيّدا). فإن العين لا يمكن أن تشبه العين مائة بالمائة، وكذلك نقطة الندى، وقطرة الماء. فمن قال إذن، إن كل شاعر يستحقّ التكريم؟!
وبما أن لشاعرنا شربل بعيني موهبته الكاملة، وله مستواه المتميّز بالصفاء والنقاء، الذي يؤثّر ويتأثّر، ولكن دون نقل أو تقليد، استحقّ تكريمكم وتكريمنا، وجعلنا نحتفل معاً بيوبيله الفضّي، بعد ربع قرن من العطاء، بعيداً عن الطائفيّة والعنصريّة، قريباً من قلوب قرّائه، بل كان ولا يزال إبن وطنه البار، وإبن جاليته المعطاء.
ويسعدني ان اتقدم، باسمي واسم جمعيتنا لتضامن المرأة العربية في ملبورن، من الصديق الشاعر شربل بعيني، بأحر التهاني وأصدقها، بمناسبة يوبيله الفضي، كما يسعدني أن أتقدّم من اللجنة المحتفية بوافر الشكر والتقدير على هذه البادرة الحضارية الكريمة.
ملبورن 1993
**
اليوبيل الفضي
لشربل بعيني
بقلم نجوى عاصي
خمسة وعشرون عاماً من العطاء.
خمسة وعشروت عاماً، سنة بعد سنة، وشهراً بعد شهر، ويوماً بعد يوم، يكتب، ينفعل، لنتفاعل معه. يروي لنا قصصاً وحكايات منا وإلينا.
تصادق شربل بعيني مع أحرف الهجاء، ليهجو بها ظلم الإنسان لأخيه الإنسان، وسلطها سيفاً على رقاب الظالمين.
استبدل حبر قلمه بدم شرايينه، وجعل بين الكلمة والكلمة مسافة أقصر مما نتصوّر.
فتح أعيننا، وفجّر بشعره الوعي داخل انفسنا.
نادانا إلى المحبّة، لنسير معه إلى نافذة النور.
يوم الثامن عشر من كانون الأول 1993، سترفل الكلمة بثوبها الأبيض المرصّع بألف لون ولون، المزنر بآلاف النقط اللامعة بوميض المحبة. وستخطو الملكة بيننا بدلالها وكبريائها، باسمة، مبتهجة، ومرحّبة بمحبي الأدب.
في مهرجان الفضّة، سوف يحلو الاستماع، وسترقص الأحرف القمرية والشمسية، وتغني الأفعال الماضية والحاضرة، مترنمة بأحلام المستقبل، وستطير كان وأخواتها مرفرفة بأجنحتها تشدو مغردة بلحن الحياة.
في يوبيله الفضي، كلنا مدعوون، وكجالية عربية نعتز ونفتخر بالقدرات الأدبية الخلاقة، ونحيي أصحاب الأقلام الحرة، المنتجين، المعبرين عن آمالنا وأحلام غربتنا، ونعتز بكتابنا وأدبائنا وشعرائنا.
نعتز ونفتخر بالطيبين والخيرين اللاطائفيين، الذين سخروا أقلامهم وجهدهم وأموالهم في خدمة الحرف من أجل الإنسان.
فإلى اللقاء في السابعة والنصف من مساء الثامن عشر من كانون الأول 1993، في قاعة بلدية غرانفيل تاون هول ـ غرتنفيل.
البيرق، العدد 739، 9/12/1993
**
أيها الحبيب شربل بعيني
بقلم نبيل عيسى
عزيزي شربل بعيني..
مرّة أخرى، تقف الكلمات حائرة أمام عظمة أعمالك.
مرّة أخرى، تتراكض الجمل على لساني، تتوثّب للتعبير عمّا يعتمل في قلوبنا من فخر واعتزاز بمشوارك الأدبي.
أقف حائراً أمام هذه الجمل، لأختار ما هو أبلغ، وما هو أعمق، ولكن سرعان ما يبعدها شعور داخلي خارج من الصميم، لأنك في مرتبة أسمى من أن تدوّن على قرطاس بواسطة يراع، ولأن عطاءاتك تبقى بمنأى عن جميع الكلمات.
بالأمس القريب، كان تكريمك على "مناجاة علي"، ويومها قلت فيك: "إن الروح الإلهية تتجسّد بكلماتك على الأرض".
واليوم، ماذا أقول؟ لا أعرف!
كل ما أعرفه أني لا أزال معك في الصفحة الأولى، ولم أصل بعد إلى النواة.
مراراً، قلت: وصل شاعرنا إلى قمّة المجد والعطاء، ولكن، ما أن يمر يوم جديد، حتى أراك تعطي أكثر وأكثر.
حقاً إنك ينبوع من العطاء لا ينضب.
في احتفالنا بيوبيلك الفضي، أرى كلماتك تنسكب في آذان الجميع ذهباً خالصاً، لتستقرّ في أعماق أرواحنا طمأنينة ورفاهية.
عذراً، أيها الحبيب شربل بعيني، فرغم كلامي الكثير، لن أجد الكلمة المعبّرة، التي تبلور فخرنا واعتزازنا بك. فاقبل منا أحر التهاني بهذا اليوم السعيد.
سيدني 1993
**
كلمة السيدة
كارولين طاشمان
أيها السيدات والسادة..
باسم الرابطة القلمية للنساء العربيات في سيدني، لنشترك معاً بتكريم الشاعر شربل بعيني، وبالتالي بتكريم الكلمة.
وما عسانا نقدّم لشاعر الغربة الطويلة في يوبيله الفضي؟
ما عساها تقدّم الرابطة القلمية للنساء العربيات في هذه المناسبة السعيدة؟
أننثر عليه زهوراً يفوح عطر نداها ليمتزج بعبير كلماته؟ وإن فعلنا إلا نكون مقلدات؟
أنقطف له قمراً وبعض الأنجم نرصّع بها جبهة الكلمة التي انطلقت منذ 25 عاماً على درب الآلام مراهقة، لتصل إلى مسامعنا وقد عركها الزمان، وأشبعها نضوجاً، ولا نكون مقلدات؟
إننا بالرابطة القلمية للنساء العربيات في سيدني نرى إنه: إن حق للشاعر شربل بعيني أن يفرح بيوبيل كلمته الفضي، فإن من يحق لها أن تفرح أكثر هي الأم التي أنجبت وتعهدت ورافقت درب الشاعر في كل مسالكها الصعبة، فسهرت تهذّب كلمات ابنها، وتسدي إليه النصح، وتسدد خطاه، ليصل إلى ما وصل إليه، وحتى يكون لكلمته وقعٌ يدفع هذا العدد من مؤسسات جاليته لإقامة هذا الاحتفال التكريمي.
على أننا نتمنى أن يستمر عطاء الشاعر كما عوّدنا، وأن يطيل الله بعمر أمه، لتظل ترعى خطواته، وتتعهد تهذيب عطائه، فالفرحة الليلة هي فرحة "أم شربل". نتمنى لها دوام الفرحة وطول العمر، لنشاركها فرحة اليوبيل الذهبي لابنها شاعر الغربة الطويلة.
ايها السيدات والسادة..
الكلام عن شاعر الغربة الطويلة يطول ويطول، والحديث عن نتاجه لا يعفينا من الحديث عنه منذ المراهقة حتى النضوج ان صح التعبير.
فما عسانا نقول عنه؟ وهل نستطيع الكلام عن الشاعر دون الحديث عن نتاجه؟
منذ 25 عاماً كان المراهق شربل بعيني يلاحق المراهقات، يضرب معهن المواعيد، يتخلفن عن المكان، ويراقبن الفتى من بعيد، تزوغ نظراته بين آلة الوقت وبين المدى، وتتعب منه القدمان، فيعود ليضرب المواعيد من جديد، ويسجل عهد المراهقة في "مراهقة".. وكان بين الموعد والموعد يراقب أتراباً يرحون ويجيئون وقد نبت على خدودهم الزغب، فيتحسس الخدين، ويتلمس شعرتين، فيستشعر الرجولة، فيقتلعهما، يتألّم، وإذا به يمد يده الطويلة الى ذقون كثيرة، يسحب من كل واحد منها شعرة، فكان لنا "من كل ذقن شعرة"، وتكر السبحة الى "مجانين" و"قصائد ريفية" و"كيف أينعت السنابل؟" فإلى "ألله ونقطة زيت"، ويكمل سن الخامسة والعشرين فإذا القرف قد بلغ منه مبلغاً فكانت "قرف".
وكم نتمنى أن ينجلي أفق عالمنا العربي وأفق العالم، حتى ينجلي أفق الشاعر شربل بعيني، علّه لا يبلغ اليوبيل الذهبي إلا وعاد إلى عهد المراهقة، ولكن مراهقة ناضجة هذه المرة، ويتحفنا بنتاج جديد، وشكراً لكم والسلام عليكم.
**
كلمة الاستاذ
نبيل قدومي
المحتفى به الاستاذ الشاعر الاديب شربل بعيني..
أيها الحضور الكريم..
سمّي بشاعر الغربة، البعد، الشقاء، والغربة ليست عن الأهل إنها عن الوطن.
سمّي بشاعر الغربة لأنه غريب عن بلده، في بلد يبعد أكثر من عشرين ألف كلم.
سمّي بشاعر الغربة، لأنه يتذكر ويحلم بالعودة إلى أرض بلده، إلى جبالها الشامخة، إلى روابيها اليانعة الاخضرار.
هذا هو شاعر الغربة الذي قرأت له شعراً منذ أن وطأت قدماي أرض هذه البلاد، في الصحف التي كانت تصدر في ذلك الوقت: صوت المغترب، التلغراف، النهار، الشرق الأوسط، والبيرق.
كل الصحف العربية كتبت عن شاعر الغربة، صاحب الحنين الى الوطن. وذات يوم كنت أزور رئيس تحرير جريدة "صوت المغترب" الاستاذ رفيق غنوم، فرأيته منهمكاً في قصيدة، إنه موجود بيننا ويشهد على ذلك، فقلت له: ماذا تعمل يا استاذ غنّوم؟
قال: والله بدّي حطّ هالقصيده وظبطها، وبعدين بقعد وبشرب أنا وياك فنجان قهوة.
قلت: اللي بيظهر انو صاحب القصيدة بيعز عليك؟ تطلعت فقرأت اسمه.
قال: يا نبيل هذا يجب أن نشجعه لأنه فعلاً له مستقبل باهر.
هذا الكلام منذ مطلع الثمانينات، ولكني قرأت شعره منذ عقدين ونصف، قبل أن ألتقي بالاستاذ غنوم. ومنذ ذلك اليوم وأنا أقرأ شعر الاستاذ شربل بعيني في جميع الصحف، وفي الكتب التي يصدرها.
لقد رأيت في شعره تنويعاً كثيراً، ليس فقط عن الآداب ولا عن التعليم، وإنما عن الثورة. رأيت فيه ثورة إنسانية، ثورة حق للأطفال، للكبارـ للوطن، لكل ما يدور في حياة الانسان. إنه شاعر الغربة الثائر.
عندما قام بملحمة شعرية هي "مناجاة علي" قلت في نفسي: هذا ابن البيت المسيحي ماذا يعرف عن الامام علي "كرم الله وجهه"؟ الذي هو عند المسلمين ابن عم الرسول محمد "صلعم"، وفي نفس الوقت قال عنه الرسول: "أنا مدينة العلم وعلي بابها". إنه فعلاً انسان يدرس فقه علي بن أبي طالب، ويجب أن يكون هذا الانسان قوياً، ويستحق التقدير. فمن كل قلبي أقدّر شربل بعيني.
أما قصيدته، أو ملحمته الأخيرة "قرف"، أحب أن أعلق عليها. هذه هي الثورة في الواقع، ثورة شربل بعيني، كل ثورته وضعها في هذه القصيدة.
قرأتها أكثر من مرة، نعم إني أتفق مع بعض النقاد الذين قالوا إن فيها بعض الكلمات اللاذعة، وبعض الكلمات القوية الحادة، إني أتفق معهم، ولكن هل تتفقون ان حدة هذه الكلمات هي ليست أقوى من حدة احتلال بيروت عام 1982.
هل حدة كلمات قصيدة "قرف" أقوى من حدة اغتيال كمال جنبلاط ورينيه معوض؟.
هل حدة قصيدة "قرف" أقوى من شخص المحامي الاستاذ محمود بيضون الذي قيلت هذه القصيدة بالمناسبة التي ودعناه فيها عندما غادر هذه البلاد الى الوطن، فلقد قضى خلف قضبان الزنازين عشرين عاماً. هذه هي حدة الكلمات في "قرف"؟.
وإذا كانت حدة الكلمات بهذه الدرجة، فما رأيكم بشعوب مقتولة؟
إني أهنىء شربل بعيني، وأقول إن الشعوب تحتاج إلى حدة أكثر من قصيدة "قرف".
ايها الحفل الكريم..
باسم دولة فلسطين، أحيي شاعرنا الكبير ختيار الشعراء، وشاب الشعراء، وعندما أقول ختيار كان ياسر عرفات رئيس دولة فلسطين يلقبونه بالختيار، وكان عمره 25 سنة، قائد ثورة، واني من شدة حبي لشربل القبه بختيار الشعراء ايضاً، فتحية لشربل.
في هذا اليوم، يوم اليوبيل الفضي لشربل بعيني، يجب علينا ان نعتز بشاعر قدم للانسانية، للمجتمع، للعلم، للأدب، للشعر والشعراء مدة عقدين ونصف من التعب والعطاء. فإني أهنئك، وقبل أن أهنىء شربل، أهنىء والدته التي حملته تسعة أشهر في بطنها. أهنىء لبنان الكبير بشربل، فتحية لشربل باسم فلسطين.
بهذه المناسبة الغالية، وعلى أمل أن نلتقي في يوم شربل بعيني الذهبي بعد 25 عاماً، في هذا المكان، أو في الوطن الغالي العزيز على شربل ان شاء الله.
هناك هدية لشربل بعيني من دولة فلسطين، قررت أن أزوره في بيته، واقدمها له هناك، حتى تكون الصداقة وثيقة أكثر.. وإني سأغادر بمناسبة حفلة اعلان الاستقلال الفلسطيني كما أخبركم الدكتور بزي، لأنهم ينتظرونني لافتتاح هذه الحفلة. فاني اعتذر منكم جميعاً، واني اعتز بكم جميعاً، لأنكم جئتم لتحتفلوا بإنسان فإن دل ذلك فإنه يدل على انكم تحبون شربل بعيني من قلوبكم. وشكرا لكم ولاصغائكم.
**
كلمة الاديب
محمد زهير الباشا
أخي شربل..
بعد التحية..
لعلّك تستأذن لي بكلمة متواضعة، أسهم بها في المهرجان الأدبي بمناسبة اليوبيل الفضي لبداية شعرك منذ خمسة وعشرين عاماً.
اذا نالت الموافقة فأهلا، وان كثر الخطّاب فأخجل، وأنست الى الحضور بقلبي ولو كنت على شاطىء الأطلسي.
فإلى الاخوة الحضور، والاخوة المتحدثين: لمّا كانت الدعوة مجانية أسرعت إليكم. مرحبا بكم. وها أنذا أخطو بينكم وأصغي إلى كلماتكم، واسجل همساتكم بقلبي، واحيي كل كلمة تجلى فيها حلو الحديث، وان لم يرد اسمي في زاوية من زوايا بطاقة الدعوة، ومن طبعي انني لا احب المزاحمة على شواطىء هاييتي او الصومال.. فليأذن لي سعادة سفير لبنان الدكتور لطيف ابو الحسن بدقائق أمتلك فيها حرية القول والجهر به.
فتحيتي إليكم.. عقب هذه الموافقة التي ألمسها في مسامع الحضور، تحية غمسها الشاعر شربل بعيني بذكريات الأحبة، وهو الأدرى، بأن المتنبي ما خلد سيف الدولة بالمدائح فحسب، بل خلده بهذا الحب بين الشاعر الفارسي والامير، اشجع بني حمدان، فكان هذا الحب مدعاة لتاريخ لا يفنى.
ومع تجوال الشاعر شربل بين جدائل الحسناوات الملهمات الصابرات على شهامة العاشق، كانت هي خمرته، التي أسكرته وما أخجلته وهي نبرته التي أنطقته في عيدها، وهي في غمزاتها التي ما هدأت على رموش قصائده ومواعيده، ربيع يسجل القبل الهاربة.
وحده الشاعر طبق بعفوية الارض مقابل السلام، وكان له الحب مقابل الشعر. اجتمع بالملهمة خلسة دون أي تدخل من وزير، وقرر معها المبادىء الأولى، فاحتكم الى كل ضمير، وطبع قرارته اتفاقاً، في ليلة، في سمر، في رقصة، في انتهاز لمبادىء الحب، فكان للشاعر أقصر طاولة جمعت عاشقين وحقق منذ عشرين وخمسة من أعوام، اصعب القرارات انسحب من لقاء الجسد، ثم عاد وما تراخى عن أي لقاء ثم الى الروح، بالموافقة الاجتماعية بين شفاه أربع، وكرر ما قاله المتنبي:
وعذلت أهل العشق حتى ذقته
فعجبت كيف يموت من لا يعشق
لكن الشاعر شربل فتت الازهار على جمرات النبض، وتمحصالامر البنك الدولي بغية التدخل وفرض شروط الآخرين، وما عرف أن العشق حرية، وان مشروعات الحب لا تقبل اي تدخل من اي نظام عالمي. الحب لا يرضى بالتضليل ولا بالتزلف، انه الحب، وليس صاروخاً عابراً للبنوك والثروات. الحب يحارب بلا مهادنة، يستبد دون دماء يصغي لكل موقف على انوار الشموع، يقتني ولا يرهب السياط والجوع.
وها هوذا صوت الشاعر شربل بعيني ينادي بسقوط الباستيل، فترتفع في شوارع مدينة النور اغنيات الحب، وتلتهب الانفاس، فتحنو على الصدور آهات المعذبين، خاصة وهو الذي قطف من رؤوس "المجانين" موسماً رصّع به "خزانته" التي أثمرت "الريف" "وأينعت أوراق السنابل".
وبإباء السيف المرهف، رفض أن ينصب خيمة لاجىء، ولما احتج عمر الخيام على ازدحام الجائعين، ضاعت منه شعرة من ذقن أبي نؤاس، فطالت غربة النفس.
ولجأ الشاعر الى كل ريف، ومعه قطرات من زيت مقدس يشفي به الهائمين نحو الحرية والحب، ليبعد عنهم الاغتصاب لكل جسد، والاستلاب لكل ثروة، وظل الوطن دمعة وأملاً.
لكن الشاعر تسامى، بعد أن قبض على قطرات الزيت، وناجى علياً، كرّم الله وجهه، ونحن ما زلنا نستنير بالشعر وان قتلتنا في الوطن مجازر الشعارات.
ولنتوجه الى قلوب الشعراء، وهم ينهلون، مع الشاعر ومع الحضور الكرام، كأس هذا المهرجان كي تبقى لكل عاشق ملهمته، منسوجة ضفائرها على صفحات دواوينهم.
قبلاتي لكم دون عنصرية، والى اللقاء.
فرجينيا، الولايات المتحدة الاميركية 1993
**
كلمة المهندس
رفيق غنّوم
أيها الحفل الكريم..
لمن دواعي الغبطة والسرور والعزة والفخار أن نحتفل اليوم باليوبيل الفضي للشاعر شربل بعيني.
اليوم، قدس الكلمة الهادفة، وما تحمله من مضمون إنساني اجتماعي وطني، تدعونا بنفس صافية ووجدان صادق، وضمير حي، الى الخير والمحبة والاخاء في زمن أصبحت فيه هذه المفاهيم خطراً على حياة كل من ينادي بها.
وها هو شاعرنا شربل بعيني يدفع فاتورة الحساب منذ ان كان ابن العشرين عاماً، عندما طرق الخوري باب بيتهم في الليل ـ حتى ابونا الخوري لم يتجرأ أن يدق باب الدار في النهار ـ ليقول لوالدته: هرّبوا الولد لأنهم سيرمونه في الجب، اي البئر، ولن يستطيع احد العثور عليه. كان هذا في احدى ليالي كانون الاول الباردة من عام 1971.
جريمة شربل بعيني الفتى انه لبّى دعوة المحبين ليقف امام حشد كبير من محبي الادب، ومتعاطي السياسة، ويلقي يومياته: "يوميات مراسل أجنبي في الشرق الأوسط"، التي هاجم فيها تجار العشائر، وشيوخ القبائل، وسلاطين السلطة السياسية، منبهاً جماهير شعبه، داعياً الى اليقظة والحذر مما يدبر في السر لكارثة تهدد الوطن. وقد هدّت الوطن فعلاً، فاختار منفاه للمحافظة على الحياة، والمنفى قسراً كان أم اختياراً، ألم يحز في النفس، وشعور بالمرارة يجتاحها. لكن ألم الغربة عند شربل لم يكن حنيناً وبكاء يائساً بل وعياً وجلداً وصبراً وتفاؤلاً بالمستقبل بكل الكبرياء والشموخ مؤمناً بوطنه، بإنسانه، الذي منحه كل العطاء بضمير حي، ومشاعر صادقة، تتدفق بعفوية عذبة الالحان بالفصحى والعامية، تلامس النفوس البشرية من "مراهقته" حتى "قرفه" بحيوية لا تنضب.
ان شربل بعيني طوال ربع قرن من العطاء المتجدد رفض إلا أن يكون صوت الناس المظلومين المقهورين المشتتين مثلنا على طرقات المنافي، وهذا هو سر ديمومته وتكريمه المتواصل من قبل شرفاء الكلمة في كل مكان، فهو دائماً يأمل أن تنمو وتتجدد أهدافه الانسانية لتخترق الحواجز، وتحملها رياح غربته الى شرقنا العربي سنابل قمح وشذا ورود ربيع دائم، وازاهير محبة تعانق مواقع ارزه الصامد لتعود من جديد دورة الحياة الى طبيعتها، ولتنبت اليوم في مدينة جبيل، وفي معهد أبجديتها بالذات جائزة شربل بعيني السنوية، فهنيئاً لنا كوننا نحيا وشربل بعيني في منفى واحد. والسلام عليكم.
**
أديب متجدد
بقلم المهندس حميد عوّاد
أخي شربل،
أنت فلذة عزيزة من كبد لبنان فُصلت عنه عنوةً لتكابد شظف هجرة روّضت معاناتها بنضالك الدؤوب وأطفحتها بتعاظم وجدك وهدهدتها بترانيم نبض محبتك قصائد شعر وخواطر نثر.
لقد فتحت منافذ مواهبك ووجدانك وبُحت بمكنوناتها بأمانة وبلاغة وتشويق لتدغدغ مشاعر قرّائك وتوقظ فيهم نهم تذوّق الصيغ الأدبية المبتكرة. تكريم قطاف ثمار أفكارك السخيّة يستمرّ متنقلاً بين دفّات كتبك المرصوفة جسراً يربط خمسة عقود.
هنيئاً ومريئاً لمن تذوّق "أطباقاً شهية" من مائدتك الأدبية الغنية والطيّبة والشكر الجزيل لك أنت معدّها، الأديب المتجدد والألمعي شربل بعيني
**
كلمات
اليوبيل الذهبي للشاعر شربل بعيني
2018
**
كلمة الشاعر
شوقي مسلماني
صديقاتي أصدقائي
الحضورُ الكريم..
النسورُ تحلّقُ طويلاً وعالياً، ومن مكانِها تُشرِفُ.. وترى. خمسون عاماً منذ "مراهقة" ـ الزغبِ الشعريِّ الأوّل، والإنتاجُ كلّما يكبر إلى سربِ حمامٍ من المؤلفاتِ في الشِعرِ العاميِّ والفصيح، في المقالةِ وفي مسرحِ الأطفال، إنّه شاعرُ الغربةِ الطويلة، شربل بعيني الوفي والأمين. وكانت رابطةُ إحياء التراثِ العربي، أقدمُ مؤسّسةٍ أدبيّة في سيدني، والتي كسبت كثيرَ الإحترام، وكان شربل الناشط فيها أيضاً. وكانت الصحفُ المحليّة، من "صدى لبنان" إلى "صوت المغترب"، إلى "البيرق" ـ "المستقبل و"النهارِ" و"التلغراف" وغيرها، وكانت المحطّاتُ الإذاعيّة العربيّة، وشربل بعيني في التغريدِ الدائمِ شعراً كريماً وأقوالاً كلّها وفاء وحبّ للإنسان الإنسان.
لبنان ضاق به، إنتقل إلى أستراليا، تغيّر الوطن جغرافيّاً، إنّما الشاعر الثائر شربل بعيني لا يتغيّر، ليس لا يتقدّم، بل لا ينقلب على مبادئه في حبّ الحياة وحبّ الإنسان، في عدم الرضوخ لإرهاب السلطات المدنيّة والدينيّة معاً، في رفضِ الفساد وهدرِ المال العام والتفرقة الدينيّة أو المذهبيّة أو الإثنيّة، في إعلاءِ كلمةِ الحريّة لكلّ ما يمثّل اليومَ ويمثّل الغد ـ المستقبل ويعدُ بالزهور والأجمل. مناسبات كثيرة، وأحداث كثيرة، وأحلام كثيرة، وآمال كثيرة، مبثوثة هنا وهناك، في أشعار شربل بعيني، وخيبات أمل كثيرة، وآلام كثيرة، وانكسارات كثيرة، وأسف كثير، في قصائد شربل بعيني، ما دام الشاعر هو الحياة ببساطتها وتعقيداتها، بحصادها وبيادرها، وبالفقد الذي فيها. يفرح لفرح الناس، يتألّم لآلامهم. هو ذاته في مسيرة الحياة يفوز هنا وتكون كبوة هناك، يبتسم مزهراً هنا وينطوي متأثّراً حزيناً هناك، وفي كلّ أحواله يكون متمسّكاً بوجوب الإستمرار، بوجوب الإنتصار للحياة، وبإعزاز العِلم ـ سفينةِ النجاة.
بمناسبة اليوبيل الفضّي لأوّل مجموعاته الشعريّة كنتُ بكلمة إلى جانبه مع المطران الراحل يوسف حتي، ومع الإمام تاج الدين الهلالي، الذي أدعو له بالعمر المديد، بالأمان والعافية. وبمناسبة اليوبيل الذهبي لا أزال إلى جانبه بحضور الجمع ـ أهلِ الكلمة والفنّ والثقافة والعلوم. وكما تمنّى لي شاعر الغربة الطويلة أن نكون معاً أيضاً بمناسبة اليوبيل الماسي، وهي أمنية طموحة بحقّ، وأنا فرحتُ بها عندما قالها لي قبل أيّام، لا يسعني إلاّ أن أكون على هديه في الطموح والتفاؤل، أن نكون جميعاً معاً في اليوبيل الماسي لصديقي الشاعر المعطاء والمبدع شربل بعيني، وهو بالعنفوان ذاته والغزارة الإنتاجيّة ذاتها والوفاء ذاته للإنسان وأمّنا الطبيعة الغنّاء، وليس ذلك على الإرادة التي لا تعرف الفتور يوماً إلاّ باليسير وليس أبداً بالعسير.
وبالأصالة عن نفسي وبالنيابة عن الصديقات والأصدقاء في "لقاء الأربعاء" سلام الورود عليكم، سلام الأريج الفوّاح، والشكر الجزيل لإصغائكم.
**
كلمة الدكتور
قاسم مصطفى
عمل رائع أن نضيء في هذه الامسية من لقاء الاربعاء وفي قاعة صديقه د خليل مصطفى وبهذا الحضور الراقي على رائد من إعلامنا الشعريه. كانت له اليد الطولى في تطور زراعة الحرف والقصيد وسط الجاليه... إنه الشاعر شربل بعيني في يوبيله الذهبي بصدور اول ديوان شعر له (مراهقه) سنة 1968... والروعة تتجلى كون الشاعر بيننا وفي ذروة عطائه. لا بعد......
خمسون سنة... من مجدليا الي سيدني. رحلة شاعرنا مع الحرف والكلمة.. رحلة طويلة بالزمان والمكان. غنية بالعطاء بدأت مع أول زهرة تفتحت في روضته الغناء.. وان قيل أجمل الشعر اكذبه. فإنه في مراهقه أجمل الشعر اصدقه. بحروفها الغنية بعبق اللغة رسم ونقل لمشاعر ونزوات الشباب. في سن "التعش". بتصوير واحساس صادق لرغبات الجسد والنفس. وهي اسم على مسمى. نراه في الصفحة 40 في قصيدة "صدرك" يستعين بالمصطلحات الجغرافية في تصويره لصدر الحبيبة قأئلا:
صدرك صخر مرمر
وفي تلتين بروح
ترابن جلد اسمر
عليهن تجي وتروح
نسمة هوا شمالي
وفي الصفحة 65 في قصيدة "انتبهي" تصوير رائع لحال الحبيبة مع امها قائلا:
معلمه البوسات ع خدودك
ع شفافك الحمرا وع زنودك
انتبهي ما امك تشتلق ليها
ويادل دلك كيف راح بيصير
بحوالك وشافت بعينيها
بقايا حبيب مقطف ورودك
لا شك أن شاعرنا في "مراهقه" تحلى بالجراة والشجاعه في زمن تميز بالثقافة المحافظه. لذلك لم ينجُ من الانتقادات لبعض عباراته. وان كان هذا لمصلحته بنفاذ الطبعة سريعا من الاسواق.
اليوم..... وبعد نصف قرن ما زال شاعرنا الفارس الذي لا تتسع له الميادين.. يمتطي صهوة الحرف والكلمة.. يصول ويجول في منتديات الجالية... لم يفارقه عزم ولا غزاه وهن... ولأن الشعر سجل أحداث الأمة والشاعر صوت وضمير الناس. يحكي اوجاعهم كتب شاعرنا للأرض والإنسان. لقضايا الامه الكبرى لوطن الأرز وأستراليا. للجنوب وبنت جبيل ومجدليا حيث مراتع الطفولة والصبا وملح الذكريات... وهو بيننا الآن وفي يديه حزمة من ضوء السنين عطاءً والقاً.
خمسون كتابا له وأربعون عنه. ست وثلاثون جائزة تقدير وعشرون تكريما... مسرحيات... كتب مدرسية ومترجمة. تلفزيون والقاب عدة... فهو كالشجرة المثمرة تنوء غصونها وتنحني بتواضع من حمل الثمار....
استاذ شربل شاعر الغربة الطويلة... قامة وقيمة ادبية واعلامية مشهود لها.. من الذين حفروا ايقونة حرفهم بالجهد والتعب... شق طريقه بفخر واعتزاز...
رائد في حياكة الأبجدية. يغزل منها حروفا زاهيه بالجمال. مغسولة بالضوء والحب. ممن خدموا المحابر فخدمتهم المنابر. لمثلك تفتح قاعات التكريم وتقام الندوات.. لعطائك ونقائك وتاريخك....
دمت نجما ساطعا للشعر في سمائنا الاسترالية تضيء عتمة ليالينا بجميل الحرف.... أبدعت فأغنيت المكتبة العربية والاغترابية.. وبذلك تذكرنا بشعراء المهجر الكبار الذين أعطوا للوطن المجد والشهرة.
بورك يوبيلك الذهبي وعقبال الماسي... بورك مكرموك وهذا الحضور الكريم واهلا وسهلا.
**
كلمة الدكتور
رامز رزق
بين الله وبين المؤمن كلمة التوحيد لأنه في البدء كانت الكلمة.
وبين اللبناني والمجد قصيدة حب ورسالة عشق. فما وقف جبل ولا انبسطت أرض ولا اضطرب بحر ليمنع لبناني من الوصول إلى غاية حيثما كان في ارض الله الواسعة مهاجراً فيها، فيذلل الصعب ويضيء الظلمة بما يبدع وما ينجز. وشاعرنا الكبير شربل بعيني واحد من هؤلاء .
شربل بعيني الإسم الذي قيل فيه الكثير ومدح من رجال الفكر والأدب في لبنان والمهجر، ولن يزيد تكريمه اليوم على ما سلف من تكريم.
لكن المناسبة عزيزة، أو هي تصبح كذلك حين ترتبط بمرور خمسين سنة على أول مجموعة شعرية مطبوعة. يشبه الكتاب الأول عند جمهور الكتّاب المولود الاول الذي تظل له صفة البكورية وما يلحق بها.
في مجموعة مراهقة همسات تمردت على الواقع فارتسمت في الاحلام، كلاماً يخرج عن طوع التمني ويستقر في روح التمرد. صورة مراهقة سكرت بذاتها لتهرّج مرحاً بين عشق مراهق يهوى جسداً بشكل ما ، يراها ملتهباً شبقاً، وبين فتى لبناني يظل الحياء ملازماً لأحلامه فيخجل أن تلتقي عيناه بعني حبيبته . فتى مراهق ينتهي به الخيال الجامح إلى تصور نفس المراهقة قريبة من القلب لتصبح حلماً في عرس طفولي. يناجيها ببراءة الترجي التائب من خطايا عادة ما يعبر عنها بمفردات السهر وااليل والخمر. فيناجي المراهقة تائباً:
كرمال عينك شمعتي ضَوّيت
وتركت عيش الليل يا عيوني
وما عدت إسهر يوم برا البيت
ولا عدت إشرب خمرة جنوني
شربل بعيني لا يبقى مراهقاً إلى الآخر فالعمر يسير به إلى تعقل فلسفي، يبحث عن الحقيقة فيكتشف، كما اكتشف ذلك كثير من المبدعين، أن القداسة شيء واحد مستقر ومستمر، قديم ومتجدد، يتجسد في قديسين وأولياء تختلف أسماؤهم وتختلف أزمنتهم لكنهم يبقون هم هم بأي إسم نناديهم. هكذا يجد أن الإمام علي بن ابي طالب عليه السلام هو تجسد للسيد المسيح عليه السلام. فيعترف للإمام بما في عقله قبل أن يكتشف وجوده في قلبه:
بفتح قلبي ت حاكيك
بلاقيك بقلبي موجود
بأسهل كلمات بناجيك
ت يحفظ كلماتي وجود
ثم يقارن بينه وبين المحبة التي تعلمها من يسوع الناصري فيعلنها أمامه:
يسوع لْ علمني حب
يا علي متجسد فيك
شاركتو بآلام الصلب
وخففت عذابو يا شريك
شربل المبدع كثير العطاء غزير المادة، مناضل أدبي حقيقي في سلك الحياة التربوية. أستاذ ومربي ومؤلف كتب تعليمية تعتمد اليوم في كثير من المدارس التي تدرس العربية في استراليا.
ما قيل فيه أقل مما فيه، وما يذكر عنه الآن لا يكفي. فليكن تكريم الشاعر شربل بعيني تكريماً رمزياً لاسمه ومن خلال شخصه لكل ابداع إغترابي. وليكن هذا اليوبيل الذهبي لمجموعة "مراهقة" مناسبة لتقدير كل عطاءات الأديب الكبير والمربي الفاضل شربل بعيني.
وشكراً
**
كلمة المهندس
علي حمود
اول قصيده
بكتبا بإيـدي،
بدمـعي اليتيــم،
بألــف تنـهيـده،
عمـري مرق
فوق الورق
صرت القديم
وبعدك جديده
ما أجمل ما صنعت يداك أيها المراهق...
مراهق ذهبية سنينه ابيّضت في الرأس أيامه همسات بين السطور مراهق بنبضات الصبا، تروي الورق الجاف بين الطفولة والشباب بين الوجع والوجع حتى سمت سماء الشعر والنثر بقصائده المكنونة بأحرف تنسدل بزفرةٍ نبض المشاعر والروح متفجرة العواصف جامحة ملتهبة، بأحرف ذهبية تلوذ بفيء ظلك وروحك التائهة بين شهقة القلب ونبض الروح ينبلج فوحها المتدثر في خزائن معلقاتك جامعا فيها كل المرارات كثالوث المواجع تمضي على عقرب تائه هائم تتمايل الألحان بين يديك تحاكي اللامتناهي وكأنك بوصلة الشعر في يم الحروف المزركشة بالوان الشفق المرسومة على قرص الشمس المكنوزة في ذرات العتمة وكأن الكون أضيق من شلال قوافيك الصارخة دوما في أروقة المقامات بآيات الخلاص تضيئ مدار العمر على معابر الخمسين والأنام شاهدة على الف بائك الشعري كرذاذ الندى على بساتين الجنة بأحرف أبدية مفاعيلها بعد طي الأيام والسنين.
تغفو الكلمات بين أنامله ويكتب القلب بالحبر والتبر قصائد مطرزة من بالماس متوجة بأريج آهات جراح من منجم الوجع الجميل على مقاعد الخيال والسراب مراهق بصمت قيثارة لحن الحنين على سجيته بسجود مشاعره بإبداعٍ وجُنون ينسج على الأرائك شعرا ممنوعا متمرد على ذاته ينحت الكلمات من صرير الروح أغنيات وأناشيد... مزامير وأهاجيز...... ويرقص البحر على أوتار أمواجه بحنين مرنم الطوايا والعبارات تهطل جراراً وازهاراً يجاذب المدد بيراع تُعيد للألوان فتنتَها وللزهرة اريجها وللفراشة حريتها هو حقا شاعرنا المهجري، المجبول حبا المتوهج شهامة ورقي الساطع بقلمه الوهاج الشاعر شربل بعيني.
يستشف جمال الروح وينزف قلبه شجىً كقطرات الندى وينتشي بعبق المعاني فيسموا كالأهرام بأعمدة ماردة شامخا كارز صنين معريا ظلال الصمت مجترحا ذاته قصيدة تحضن المطارح والاشياء يلاطم الكون بملاحم الحروف يكتب للخير والجمال... للصمت ..... للوجوه والألوان للثوار والثوار ......للعشاق والاحباب يبكي وينوح ويفوع بلون الريح كالنعناع يستيقظ الجرح ممجوج الجنا ويرنو كزيتونة تنفخ الحياة فينا من كل فج عميق من بحة صوت الأرض كحشرجات الصدى يتجلى روعة في الكلام والهمسات متجذرا في ثرى القصيدة كنملة تخرق الارض بثقب يسير بك في سراديب الشعر بكل الألوان واللغات والأحرف، واللغة هي واحدة وألوان الدماء في عروقهم واحدة، وصلاتهم واحدة، مسكوكة في ألواحـه وحياً في سكرة الأحاسيس هو بركانٌ لا يهدأ مشتعل، هائج، عاشق، متيم، بارع، أديب، شاعر، فيه نفحات من علي، ساحر الكلمات..
هو شاعرنا المهجري، المجبول حبا، المتوهج شهامة ورقي، الساطع بقلمه الوهاج، السائل بحبر من مداد القلب الذي اثخنته الأيام مرتويا من منجم الأبهرين شداً على الكلمات تتيه الحروف في كنه وصفه هو شاعرنا شربل بعيني في يوبيله الذهبي والى ان نحتفي بك في عيدك الماسي لك محبتنا وتقديرنا والمنبر لك.
**
أسير الكلمة
بقلم محفوض جروج
مشاركة بمناسبة الاحتفال باليوبيل الذهبي لصدور ديوان شربل بعيني "مراهقة" عام 1968.
أحب شربل بعيني عالم الأدب منذ نعومة أظفاره ،وكان على يقين صادق بأن للأدب رسالة نبيلة،خلاقة في غاياتها،ولكي يستطيع ان يقوم بتأدية هذه الرسالة الإنسانية على وجهها الصحيح والكامل، وجب عليه الكدح المستمر، والعمل المتواصل المقرون بصدق العزيمة، ونبل المبدأ. ومع ذلك فهو أشبه بنبع الماء الصافي الذي يتدفق من تلقاء ذاته. فلم يكن عالم الأدب في ارثه، ولكنه استذاق له تهيؤا واكتسابا. بدأ كتابة الشعر، مثل كل بدايات الشباب الأولى، وهذه الأشعار تواكب مرحلة المراهقة، وهي مشحونة بانفعال المراهق الذي كله أحلام وأماني. فقد اكتشف فجأة اسرار لعبة الكلمات المنغمة،فأخذ في تفريغ هذه المشاعر المتضاربة في نفسه من خلالها .كما بهرته الأصوات الأدبية التي سيطرت على الساحة في ذلك الوقت، فاستمر في ممارسة هذه اللعبة الجميلة، وعكف على تدبيج القصائد ، متوكئا على بعض الأشعار العربية آنذاك. وكان فرحا جدا في كتابة القصائد. كان فرحه مثل طفل اكتشف نشوة المشي للمرة الأولى. فكتابة الشعر عنده كانت للخلود، وليس الشعر الضائع العابث ، لأن الزبد يذهب جفاء ، أما ماينفع الناس ويكون محل استحسانهم يمكث في الأرض ويبقى.
فغدا الشعر صوته الذي لايهجره أبدا، وتمسك بهذه اللغة الشعرية التي هي أقرب اللغات الى نبض الطبيعة، انها لغة الماء في جريانه، ولغة القمر والنجوم في الفضاء اللامتناهي. فدخل الى عالم الحرف العجيب، هذا الحرف الذي سحره ولا يزال. كما سحرته اللغة الشعرية بما فيها من طاقة على الخلق لا نفاذ لها.
هذه اللغة التي لاتصل مباشرة الا من حيث وسائط أخرى ، صور داخل صور، اللغة التي لاتكشف اسرارها بسهولة. انها كالحب الذي لايستسلم في أول لقاء، انها الحب الصعب.ومع هذا وذاك فالصعب هذا غدا لذيذا جدا لديه.واستمر في ممارسة هذه اللعبة الجميلة حتى أخرج ديوانه الأول فسماه ((مراهقة)) الذي أيقظ فيه كل الأحلام، وأضاء قمر الحب في عينيه، وامتلأت جوانحه فرحا وزهوا بهذا الانجاز. فهذه الخطوة الأولى فتحت أمامه مساحات شاسعة مضيئة خضراء كحقول القمح في فصل الربيع. ورفرفت طيور الحظ على حقوله، عندما انتخى عمه الكبير المرحوم بطرس يوسف الخوري البعيني، ذا الأيادي البيضاء، والذي كان سابقا لعصره. لتشجيعه حملة الأقلام، ومن يتمسكون بعالم الأدب، فطبع ديوان شربل البكر ((مراهقة)) على نفقته الخاصة. وهذا كان دافعا قويا له في ان يمد ظله الأدبي على الوجود، يمده بغير حدود.
فأخذ يجتاز رحلة الحياة وليس معه من زاد سوى استعدادا ذاتيا، وتجربة يحاول ان يجعلها غنية، بمطالعة متنامية، فقد وجد في الأدب ضالته المنشودة وعلى الأخص الشعر، لأن في الأدب روح رائدة، والريادة تطلع الى البعيد، الى الأمام دائما. الى افق ارحب واكثر ضوءا وبهجة، وجمالا وإنسانية. كان يظن بأن وطنه بأمس الحاجة الى ما يعتمل بداخله من امكانيات. ولكن وجد بأنه هش وبسيط ، فقد لفظته تربة أرضه كما تلفظ التربة البركانية اية نبتة هزيلة .
فشد رحاله الى ارض الغربة، فغدا شتلة غرست في غير ارضها، وعبثا تعيد انغراسها في تربتها الأم. فقد اصبح غريبا مشردا ووحيدا بين ناس لا يعرفهم . فأخذ يشعر بأن ثعبان اليأس بدأ يتلوى ليخنق الأمل في قلبه، ولكن الطاقة الكبيرة التي يمتلكها، والتي كانت جذوتها اكثر توهجا حالت دون زحفه.
فكرس حياته للشعر الذي وجد فيه متاعه، وحقائب سفره، وبيته الآمن حين يكون شريدا. كما شعر بالحاجة الى تثقيف نفسه فأكب بصبر وثبات وبحيوية خارقة. فأخذ ينهل من الكتب لأن الكتاب هو مستودع المعرفة، والأداة المؤدية الى الثقافة، والى توصيل الخبرة الإنسانية في الزمان والمكان. فكان يلتمس مباهج الحياة في تضاعيف الكتب. ولا يغريه منها الا حديث اولي العقل الراجح، والفكر النير. فقد قدم أصحابها فكرهم وتجربتهم ورسالتهم. ليست بأية حال بمعزل عن الحياة الصاخبة من حولهم. فكان الكتاب له دفئا وأنسا وشعاعا. وكانت كتب الشعر كنزه الأثير. واستمر في كتابة القصائد الشعرية، لأنه لا يستطيع ترك الشعر، ولا يمتلك القوة في التخلص من أسر الكلمات. فغدا كالنحلة يحوم على أزهار الأدب الجميلة يمتص منها خير ما فيها لينتج في النهاية عسلا أدبيا طيبا فيه لذة ومتعة، وفيه دواء وشفاء. وأخذت دواوينه تظهر تباعا الواحد تلو الآخر. فجعل من دواوينه التي خطها قلمه الخصب مبدأ انسانيا خيرا. فغدت اداة الفة ومحبة وتعاون بين الناس.
ولا يزال حتى الآن مستمرا في كتابة القصائد. لأنه لا يستطيع ان يتخلص من أسر الكلمات، وسحر القصائد.
أمنية قلبي الكبرى ان اراه وهو يتوج بجائزة نوبل الأدبية.
**
قصيدة الشاعر
روميو عويس
ـ1ـ
تلفنت يا شوقي .. وانا ما صْفَنت
جاوبتك: عْلى الراس سؤالك
يارفيق بحقوق البشر آمنت
ونشر الثقافه والوعي مجالك
ومطرح ما في مظلوم عَنّو حزنت
متل لكأنّو الظلم عا عيالك
ـ2ـ
مرّه جديده .. هالمسا برهنت
الاخلاص ابنك.. والوفا خالك
عا قد مقدرتي الحكي دوزنت
كرمال لبعيني.. وكرمالك
ياشربل.. بنات الشعر جنَّنت
تلال القصايد.. ملعَب حجالك
ـ3ـ
وانت؟؟ ما بتقول مينك انت..
ولا بتسجد مقابيل تمثالك
وما بتدّعي انّك الشعر عجَنت
وبتْعَلِّق نياشين لَـ حالك
ـ4ـ
انت شعرك بالدهب ما وْزَنت
نحنا منعرِف كَمّ رسمالك
انت شاعر وقت ما تكوّنت
موزون شعرك.. والمدى خيالك
ـ5ـ
وشيخ التواضع والوفا برهنت
بسيرتك.. وبكل افعالك
لا الوطن خنت.. ولا الصداقه خنت
ولا في حدا يْغَبِّر على ديالك
ـ6ـ
بشعرك فرضت وجودك وبيّنت
وتكَرّمِت من فَوق اعمالك
انت ساحات الادب لوِّنت
بكتبك.. بوقفاتك.. بأقوالك
ـ7ـ
خمسين سنه .. تاج الشعر زِيَّنت
وبَعدو بذات النور مشعالك
ولما كتاب "مراهقه" عنونت؟
قال القلم.. للادب: نيّالك
ـ8ـ
ومراهقه عا ايدها تمرَّنت
وبعدو هواها معمشق بشالك
مراهقه لقلمك لوصفا رهنت
شاخت.. وبَعدا مراهقه ببالك
ـ9ـ
كان الربيع!.. سكرت وتشيطنت
وللهوى شرَّعت عرزالك..
وشاب شَعرَك.. قَلب؟ ما تشرنت
كبر العمر ما غَيَّر حوالك..
قلبك حِلي من كِتر ما تحلونت
وريقا الحلو بعدو بيحلالك
ـ10ـ
بيوبيلها الخمسين.. شاهد كنت
عيد الهنا.. لباكورة طفالك
ليوبيلها.. كل الدهب خزَّنت
تعيش ميّة عام بدْلالك..
ـ11ـ
من القلب بدعيلك: الف مبروك
ويوبيل ماسي تشْهَدو قبالك
ويضَل يدفق شعر شلاّلك
**
لقاء على متن الشعر
ويوبيل ذهبي
بقلم لورا القطريب
جمع أمس بين صاحب اليوبيل الذهبي، الشاعر شربل بعيني، الذي قضى حياته في الغربة منذ عام 1971 وهو يفكر ويكتب ويعيش ليسكب قلبه على الورق، ليملأ قلوب عشاق الشعر والأدب بمواهبه المتعددة، وبين من يشهد ولادة عصر أدبي ثقافي كانت قد حرمتنا منه أزمنة الحروب.
حضر اللقاء الذهبي هذا نخبة كبيرة من محبي الشاعر شربل بعيني من الأدباء والشعراء والكتاب وأصحاب المناصب الثقافية والسياسية والإجتماعية والشعب العام.. محبي الشعر، في قاعة لقاء الأدب والثقافة والشعر والفن - لقاء الأربعاء.
شهدنا معالي السيناتور شوكت مسلماني، بعد ان ألقى كلمته الجميلة، يسلّم اليوبيل الذهبي للشاعر الأديب والإعلامي شربل بعيني وأضفى هذا الحدث على القاعة وجميع المتفرجين وعبر شبكات التواصل الإجتماعي نوعا من البهجة والفرح وصفق الجميع بحماس.
وبعد ذلك، أهدى السيناتور شوكت أخاه الشاعر الأديب شوقي مسلماني قلما. وهو بفنه الفكري (بنظري سوف يكون يوما فيلسوفا) بقدرته على عنكبة الفكر مع الكلمة لغويا وفنيا، وتقديمها بشكل كهربائي عبر خيوط الخيال، دون أن يكون بعيدا عن الواقع.
وألقى شعراء محترفون أشعارا جميلة. أشار كل بكلمته الى الشاعر شربل بعيني بالإنسان المحب والمتواضع الذي لا يقيم بشعره وبأدبه نفسه، بل يترك التقييم للقراء. وبوفائه للوطن الأم لبنان كما للوطن الذي يحتضنه استراليا، وبعشقه للمرأة التي تحتل قلبه وخياله. وبشقاوته الطفولية بغض النظر عن عمره.
الذي جعل الحفل ناجحا جدا هو قلوب المحبين للكلمة الذين ملأوا القاعة. ولم يبخلوا بتعبيرهم المعبر بتصفيقهم له.
أخيرا هنأنا الشاعر المحبوب بيوبيله وعدنا الى البيت حاملين كتابه "مراهقة" لننتظر وصول الصور من المصورين العديدين الذين كانوا قد التقطوا صورا للجميع مع شاعرهم المبتسم.
ألف مبروك أخي وصديقي شربل ايها الشاعر المحبوب. هنيئا لك يوبيلك وفرحتك؟ إن شاء الله تكون جميع ايامك القادمة مملوءة بالنعمة والسعادة وهذه المحبة بقلوب الناس لك.
ننتظر الآن يوبيلك الإلماسي يا شاعرنا المخضرم شربل. فعليك ان تسهر وتكتب وتدعونا لنحتفل. الله يكون معك في مسيرتك الشعرية والأدبية والشخصية.
لك محبتنا الأخوية وإحترامنا وتقديرنا لأتعابك وإنجازاتك العدة الجميلة..
**
كلمة معهد الابجدية
الشاعر شربل بعيني المبدع المهووس بوطنه وبالفكر طُبع على التضحية والوطنيّة.
حمل التراث الحضاري اللبناني الأنساني الى العالم يعلّم، يثقف يكتب يحاضر لكأنه يحسب الدنيا عطاء لأمته يرى الكون من خلالها ويراها من خلال روحه وقلبه وقلمه كنوزًا لا تنفد وفولاذٌا لا يلين .
مبروك اليوبيل الذهبي وع قبال الميّة.
جبيل معهد الأبجدية
دار عصام حدّاد
**
قصيدة الشاعر
لطيف مخائيل
ـ1ـ
يا مجدليّا اتذّكري من سنين
شربل هجر ارضِك اِلو مدّه
وبعدو وفي لدروبِك الحلوين
وللورد عند الصُبح بيندّي
وبيحّن قلبو للعنب للتين
ولكركة الضيعه وللمهدّي
للمدرسه للسطح للشربين
لوهج القصيده ولمعة الردّه
لختيار عمرو لامس التسعين
وعَ العصا تاكي وعم يهدّي
للوراق الصُفر بتشارين
للصاج يلمع رغم ما مصدّي
للحلوة اللّي بصَوتها تلاحين
ياما حلم فيها عَ المخدّه
و"مراهقه" الـ كاتبلها دواوين
وسطّر شعر ع الف مسودّه
وديوانك الخمسين في محبّين
منهم انا بضمرلَك مودّه
بطلب لالله يدوبل الخمسين
وغير هيك لا بطلب ولا بدّي
ـ2ـ
يا شربل بعيني انتْ رسّام
رسّام بالاشعار فوق رخام
بتحفر حروف القافيه بالسيخ
تا تخلّد الكلمه مدى الاعوام
شعرك يا نجم استوطن المرّيخ
وبسّام اكتر ما القمر بسّام
شو قيمة الاشعار والتاريخ
لولا ما شربل زيّنو بوسام
شو صار؟ ما بتغفى ولا بتشيخ
قلّي اذا نام السمك بالبحر
معقول عيني يا لطيف تنام
ـ3ـ
شعرك يا شربل باقة رياحين
مقطوف من وديان اوطاني
ومن روحك الاشعار مسحوبين
ومن دم قلبك حبر القناني
جيت على سدني باوّل السبعين
وجلت الدني وضلّيت لبناني
معصور خمرك من عنب تشرين
وبيادرك بالخير ملياني
وهالحلوة الحبّيتها من سنين
وكتبت فيها شعر وجداني
جهّلتها بتمانيه وستين
وبعدها لليوم جهلانه
ـ4ـ
وانا شاعر زجل ما خلقت فَوقي
ما برضى غير ربّي يكون فوقي
اذا غيري على القمه تسلّق
انا بعنق الزمن حطّيت طَوقي
الطبيعه وحسنها قلبي بيعشق
من حساسينها كوّنت جوقي
تغنّي شعر للجمهور يلبق
ولشربل شعر عم يكتب ع ذوقي
ومتل شوقي لا خْلق ولا بيخلق
تاسمع كلمتو ع يزيد شوقي
سبع قصدان ع الكعبه تعلّق
وقصيده تامنه من عمق قلبي
جايي قولها بشُكْرك يا شوقي
**
كلمة الدكتورة
بهية ابو حمد
مساءَ الخير..
هنيئاً لشاعرٍ مُخضرمٍ وجليلٍ أعطى الأدبَ والشعرَ والثقافةَ زهواً جديداً، ونفحةً سحريةً، تنسابُ في صميمِ الروحِ، لتُزهرَ وردةً جوريةً عابقةً بعطرٍ فريدٍ يرنو اليه كلُّ امْرِىءٍ تاقَ الى الشعرِّ وعَشِقَ مُرادَهُ.
هنيئاً لشاعرٍ غرَّدَ للحبّ، وأغنى الأدبَ المهجريَّ بلوحاتٍ تُراثيةٍ تألَّقتْ منْ وهجِ شِعرِه، وتهادتْ تراتيلَ صلاةٍ، تُرنمُّ للربِّ وتَنْقُلُنا الى عالمِه.
هنيئاً لابنِ مجدليا الّذي انحنتْ لهُ القوافي، واختالتْ لهُ طرباً ودلالاً وعِشْقاً، وغَدَتْ ثَمِلَةً من رحيقِ شعرِه.
إنَّه البعيني الذي اضاءَ بشعرِهِ سرابَ الليل، وأوقدَ حفيفَ القوافي، ليُرَصِّعَ بوهْجِ قِنديلِهِ ماسةً شعريةً على تاجِ الكلمة.
انَّه الحبقُ والمنثُور العابِقانِ بأريجِ الغزلِ ومَواويلِ السَّهرِ، كوردةٍ ضمَّتْ برحيقِها الوفَ العاشقين، ثم اتْكأتْ خجلاً على كَتِفِ حبيبِها لتَغْفُوَ على أريكةِ شعرِه في أيكِهِ المهجورْ.
انه أبو القوافي الذي تَمَخْطَرَتْ كلماتُه على أبوابِ الشِّعْرِ، وسافرتْ في شراعِ العمرِ، ولَمْلَمَتْ عناقيدَ الهوى، لتَقْطِفَ ورداً جورياً من بيادرِ الحرفِ، وزهوِ المْعنَى، وتختالَ دلعاً وهُياماً في رسائلِ العاشقين، لتذوبَ تَيَمُّناً على شفتينِ أضاءَتا قناديلَ الروحِ، وَنَهَلَتا من رحيقِ الحنايا، وارْتَشَفَتا الحبَّ شعراً.
كلامُكَ جميلٌ وساحرٌ يا شاعرَنا الجليل، يُشْرِقُ نورُهُ علينا عندَ بزوغِ فجرٍ جديدٍ، وأدبُك نِبْراسٌ للحقِّ، نَتَمَثَّلُ به في احْلَكِ المَواقِفْ.
سِرْ على دربِ الشعرِ والأدبِ والثقافةِ، وانْصَهِرْ جَلِيّاً في كيانِها، انَّك حقاً تاجُها، وإيمانُها، وصوتُها، وحقُّها، ونورُها، وكلمتُها، وحِكَمُها.
حلِّقْ في عالمِ الثقافةِ والشعرِ والأدبِ كَنَسْرٍ جبّارٍ وكاسرٍ، يَعْشَقُ الحريةَ، ويَتَعَطَّشُ لبيتِ غزلٍ من ابياتِ شعرِك الجميل، ليَرْقُدَ بِسَلام الى جانِبِ حبيبتِه مُردِّداً اسمَ شربل بعيني في كلِّ يومِ عِشْقٍ امْتَلأ بالحَنانِ والشعورِ والغرامْ.
مبروكْ وألفْ مبروكْ يوبيلْ "مراهقة" الذهبيّ 1968ـ 2018، بِكْرِ كتبِكَ، فبعدَ خمسينَ سنةٍ من العطاءِ المستمرْ ما زلتَ تسيرُ ملكاً وبِخُطىً واثقةٍ على دربِ النجاح والله ينصرُكَ في كلِّ حينْ. وشكراً.
**
كلمة وقصيدة الشاعر
شربل بعيني
مسا الخير
أول شي لازم إشكر ألله اللي عطاني العمر تا عيش فرحة اليوبيل الذهبي معكن.. إنتو اللي مش عارف كيف بدي إشكركن.. محبتكن هيي الدهب.. وجودكن حدّي الليله هوّي الدهب.. ومن دونكن ما في دهب.
أنا وعم إتطلّع بوجوهكن الحلوه.. سمعت قلبي عم يذكر أساميكن.. مسؤولين سياسين، رؤساء جمعيات، شعراء، أدباء، فنانين، إعلاميين، أصدقاء أحباء، وصدقوني إنو أساميكن أكبر من كل الأسامي.
شكري الخاص للقاء الأربعاء.. اللي جمعنا سوا الليله.. بسهره أدبيه رح تبقى خالده ع مر التاريخ.
من ربع قرن، أي من خمسه وعشرين سنه، سنة 1993، قررت جمعية بنت جبيل الخيريه بالاشتراك مع جمعيات عربيه كتيره.. إنو تحتفل بيوبيل "مراهقه" الفضي، وكان رئيس الجمعية بهيديكي الإيام الغائب الحاضر الدكتور خليل مصطفى، وبذكر لمن انتهى المهرجان كيف قرب صوبي وغمرني وقللي: منلتقي بإذن ألله باليوبيل الذهبي.
وبتمرق خمسه وعشرين سنه وبيغيب "الخليل"، بس بيطلع صادق بكلامو ومنلتقي سوا، متل ما قال، باليوبيل الذهبي سنة 2018، بقاعه بتحمل إسمو " قاعة الدكتور خليل مصطفى".. ألله يرحمك يا كبير.
ـ1ـ
يا "مراهقه" قلبك عم يقللي:
ليش الدّهب سمّوه عثملّي؟
وكل المناجم فتّحوها رفاق
ما يوم عرفوا البخل والقلّه
إلماز حبُّن صار بالأسواق
وتا إشتري الإلماز يا دلّي
لكن رفاقي كلّهُن أخلاق
قالوا: اللي بدّك خود.. ما تخلّي
وع قد ما قلبي إلُن مشتاق
تركت النجوم عليهن تدلّي
"شوكت" علم بالجاليه خفّاق
أشرف سياسي.. برفقتو ضلّي
و شوقي بـ قلبي غاص للأعماق
الغربه الطويله.. قاعد يحلّي
وكلمات قاسم بالمحبه عتاق
بمعبد إيمانو بتركعي تصلي
و"رامز" رمز للحب والأذواق
خلّى الجواهر.. تغمر السلّه
وخيي "علي حمّود" شو سبّاق
بالتضحيّه.. تا راسنا يعلّي
و"روميو" بشعرو مبدع وخلاّق
عندو نبع للشعر تا نملّي
ولطيف إبن اللطف والأشواق
متل العلم واقف على التلّه
يا "مراهقه" لو يوم صدرِك ضاق
طلّة "بهيه" بتطرد العلّه
خلت أدبنا يسوسح الآفاق
الفله ع طول بتقطف الفلّه
يا "مراهقه".. بهاليوم مجدك فاق
وعم يفرحوا الأحباب بالغلّه
رشّي الفرح.. صار الإسم عملاق
وغلّي الدهب يا "مراهقه" غلّي
ـ2ـ
تعبوا وإجوا من كافة الأقطار
أحباب حبّوا يوسّعوا مجالي
طلّي شوفيهن ضحكتن قنطار
هودي رفاقي، فرحتي ومالي
هودي بشر أكبر من الدولار
منروح.. وبيبقى الإسم عالي
يا "مراهقه" وقت اللي كنّا زغار
تنامي ع صدري ولفّك بشالي
لا تقوليلي صرت ختيار
بشِعري أنا وقّفتك قبالي
رسمتك قمر.. أجمل من الأقمار
تا توشوشيني: إنتْ رجّالي
وما رضيت مرّه إكشف الأسرار
وشو شفت مع هبّة هوا شمالي
وكيف كنّا بآخر المشوار
يتوحَّد خيالِك مع خيالي
بتتذكري بهاك المسا شو صار
عيب إحكي.. السَّكت أحلالي
هيدا أنا اللي قطّع الأزرار
ببلوزتك.. تا صدرك يلالي
ولِكْ بعدني عايش على التذكار
عم غار من حالي على حالي
يا "مراهقه" الشاعر إذا بيغار
بيطفي النجوم بعتمة ليالي
خمسين سنه عم إحترق بالنار
ولنّو شي مرّه ريّحي بالي
خسرت عمري.. غرقت بالأشعار
وما رضيت إخسر حبّك الغالي
**
كالنجم تختال
بقلم البروفسور آميل شدياق
الى الشَّاعر والصديق شربل بعيني بمناسبة مرور خمسين سنة على نشـر أول كتاب له "المراهقة" عام 1968.
مَـــا حَقَّـــقَ اليُوبيـــلُ فـــي دُنْيَــــا الفُنُــــونْ
أَغْنَـــى تُـرَاثـــاً تَـزْدَهـــي فيــــهِ القُـــــرُونْ
أَعْطَيْـــتَ فـــي الشِّـــعْـرِ كُنُــــوزاً لِلثَّــــرَى
يَبْقَـــى شَــــذَاهَـا عَابِقــــاً بَيْـــنَ الغُصُــــونْ
يَـــا شَــــاعِـراً أَغْنَــــى القَوَافــــي بِالمُنَــــى
دَعْ عَنْــــكَ كَابُــوسَ الضَّنَــا عَتْـــمَ الظُّنُــونْ
لا تَتْـــــرُكِ الحُسَّـــــادَ تَجْتَـــــازُ الغِـــــــوَى
قَلْـــــبُ الحَسُـــــودِ شُــــعْـلَةٌ فيهَـــا أَتُـــــونْ
يَــــــا رَائِـــــــداً أَتْحَفْـــــــتَ دَاراً خَالِـــــــداً
بِالشِّـــعْـرِ وَالنَّثْـــــرِ وَفـــي كُـــلِّ الشُّـــؤُونْ
أَدْهَشْــــــتَ كُتَّابــــــاً بِشِــــــعْـرٍ خَالِـــــــــدٍ
حَلَّقْـــتَ فَـــوْقَ الغَيْــــمِ أَطْلَقْــــتَ المتُــــونْ
يَـا مَـنْ سَــكَبْـتَ العِطْــرَ فـي حَـرْفِ الهُـدَى
بِالفِكْـــــرِ وَالأَشْــــعَـارِ جَنَّنْــــتَ الجُنُـــــونْ
كَالَنَّجْــــمِ تَخْتَــالُ وَفــي عَــــرْضِ السَّــــمَـا
فَانْعَــــمْ بِمَجْــــدٍ خَالِــــدٍ يَسْــــبي العُيُـــــونْ
**
الاعلامية ليليان اندراوس
واليوبيل الذهبي لديوان مراهقة
ـ1ـ
وْلِكْ.. قَصّرِي الْفُسْتَانْ
يَا مْرَاهْقَه أَكْتَرْ
تَا تْكَزْكِز الأَسْنَانْ
وِالْقَلْبْ يِتْحَسَّرْ
وْلا تْغِرِّكْ الشُّبَّانْ
وِخْصُوصاً الأَسْمَرْ
الْـ مِنْ حُسْنِك الْفَتَّانْ
عِينَيْهْ عَمْ تِسْكَرْ
ـ2ـ
يَا مْدَهّبِه الشَّعْرَاتْ
وْلابْسِه الأَحْمَرْ
لا تْغَنْدرِي الْمَشْيَاتْ
بْتِسِحْرِي الأَشْقَرْ
وْيَا حُلْوِة الْحُلْوَاتْ
لَيْلِيِّه عَمْ إِسْهَرْ
تَا إِكْتُب حْكَايَاتْ
حُبِّك بْدَفْتَرْ
بعدها طلبت مني أن أسمعها قصيدة "عهد التميمي" التي أصبحت على كل شفة ولسان، وتمنت أن يقوم احد الفنانين بغنائها، نظراً لقوة معانيها.
أخيراً سألتني ماذا سأقول لكتابي الأول بعد خمسين سنة من صدوره، وهو الذي أحدث ضجة اعلامية كبرى بسبب اباحيته اللامحدودة، فقلت:
وهلّقْ، بعد ما كْبِرتْ، يا كْتابي
لْبِستْ الدّهَبْ بِسْنينَكْ الْخَمْسينْ
في ناسْ ما حَبُّوكْ.. نِصّابِه
بالسّر عَمْ تِزْنِي بْإسْم الدّينْ
قالوا حَكي.. ما بْيِنْحكى بْغابِه
قالوا: الجنس بيفَرّخ شْياطينْ
هَيْدا شُعوري بْزَهْرِة شْبابي
وْبَعْدُو شُعوري بْشَيْبِة الستّينْ
متْل الكذبْ دِقَّيْت عَ بْوابي
شِفْتَكْ طفلْ.. ما عرفتْ إنتَ مينْ
تْلاعَبتْ فيّي متل شي طابِه
وْقِلّقِتْني بِعْيُون نِعْسانين
أكْتُبْ شعرْ تا فَرّح حْبابي
بْخيطان شِعري حَيِّك فْساتين
ما في وْلا كلْمه فيكْ كذّابه
زِعّلْت حالي كْتيرْ تا إرضيكْ
وما رْضيتْ مَرَّه زَعِّل الْحلوين
ولكي لا تمر المناسبة دون توجيه شكري لهذه الاعلامية المميزة، ارتجلت لها هذه الرباعية:
يا ليليان الكلك ذوق
ما بتنسينا بالغربه
مهما إسمك يعلا لفوق
بعدو محفور بقلبي
شكراً ليليان، شكراً اذاعة لبنان، وشكراً لكل المستمعين.
**
لقاء الأربعاء في سيدني كرم الشاعر شربل بعيني في يوبيله الذهبي
وطنية – سيدني –
كرم "لقاء الأربعاء الثقافي" في سيدني الشاعر والأديب شربل بعيني لمناسبة اليوبيل الذهبي لصدور اول ديوان شعري له بعنوان "مراهقة"، في احتفال في قاعة الدكتور خليل مصطفى، في حضور عضو المجلس التشريعي شوكت مسلماني وحشد من الأدباء والشعراء والاعلاميين والمثقفين.
وقدم للاحتفال علي حمود، وتحدث فيه شوكت مسلماني فنوه بدور "لقاء الأربعاء الذي قدم اكثر من 120 ندوة ثقافية وأدبية". وهنأ الشاعر المكرم في يوبيله الذهبي . وقدم هدية رمزية الى منسق "لقاء الأربعاء" الشاعر شوقي مسلماني وهدية الى الشاعر المكرم.
ثم توالى على الكلام: المحامية بهية ابو حمد، الدكتور قاسم مصطفى، الدكتور رامز رزق، الشاعر لطيف مخايل، الشاعر روميو عويس، الدكتور رفعت عبيد، الشاعر شوقي مسلماني والقنصل الفخري أنطوني خوري.
ونوه المتكلمون بـ"عطاءات الشاعر بعيني الأدبية والفكرية والشعرية وخصوصا انه يعرف بشاعر الغربة الطويلة الذي يواظب حتى الآن على العطاء كأنه في بداية الطريق".
ثم شكر الشاعر بعيني "اللقاء" على التكريم، والقى قصيدة شكر فيها الحضور والمتكلمين وتحدث عن ديوان "مراهقة".
وختاما، أقيم كوكتيل.
سايد مخايل/ مارون العميل
**
الجالية العربية بأستراليا تحتفل باليوبيل الذهبي لمؤلف أغنية (يا مصر)
محرر الاقباط متحدون
احتفلت الجالية العربية مساء اليوم الأربعاء (25 تموز 2018) باليوبيل الذهبي للشاعر والمؤلف والكاتب الصحفي الاسترالي من أصل لبنانى شربل بعيني وذلك فى ذكرى مرور خمسين عاماً على صدور اول كتاب له فى لبنان عام 1968 بعنوان (مراهقة).
حضر الاحتفال الذى قدمة الاستاذ على حمود العديد من أبناء ورموز الجالية العربية بأستراليا، منهم السيناتور شوكت مسلماني الذي كرم البعيني بشهادة تقديرية، وقنصل بنغلادش العام ورئيس جمعية مجدليا الخيرية الاستاذ انطوني خوري، والدكتورة بهيه أبو حمد، والكاتب الصحفي أشرف حلمي، والموسيقار مجدي بولس، والشعراء شوقي مسلماني، ولطيف ميخائيل، ورميو عويس، والدكاترة قاسم مصطفى ورامز رزق ورفعت عبيد.
ومما يذكر ان السيد بعينى قدم للعرب بوجه عام والمصريين بوجه خاص العديد من الاعمال الوطنية والدينية منها قصيدة (يا مصر)، التى لحنها وتغنى بها الفنان أسماعيل فاضل. كذلك قصيدة (يا مار جرجس) التي رنمتها ميرنا نعمة حباً فى الشهيد العظيم مار جرجس، كما تضامن ايضاً مع العديد من الكتاب التنويريين الذين واجهوا بقوة أصحاب الفكر الظلامي: منهم الكاتبة فاطمة ناعوت، واصفاً إياها بالجبرانية بعد ثورة يونيو.
ومن المعروف ان شربل بعيني له العديد من الأمسيات الشعرية والاعمال الأدبية والفنية إضافة الى عمله الصحفي حيث أصدر صحيفة “صوت الأرز” ومجلة “ليلى” الورقيتين، ويشرف الآن على مؤسسة الغربة الاعلامية التي تضم تلفزيوناً وإذاعة ومجلة ما أدى الى حصوله على الكثير من الجوائز والدروع من جهات عديدة داخل وخارج إستراليا.
وقدم المحتفى به السيد بعيني الشكر للحاضرين كما وزعت نسخة تذكارية لأول كتاب له.
أشرف حلمي
نقلاً عن عدة مواقع إلكترونية
**
كلمة البروفسور
رفعت عبيد
أيها السيدات والسادة،
السانتور شوكت مسلماني،
الدكتورة بهية ابو حمد،
الحضور الكريم..
اسمحوا لي أن انتهز هذه الفرصة، على غير استعداد، لأكرّم زميلاً شاعراً قديراً يستحق كل التقدير.
كم تغمرني السعادة أن اشارك معكم في هذه الأمسية، وأعترف على غير استعداد.
أشكر أولاً الدكتورة بهيّة ابو حمد، التي أتاحت لي هذه الفرصة، وأقف أمامكم، كما ذكر الأديب شوقي مسلماني، وأحد الشعراء في هذه الأمسية، شاهد عيان عما أنجزه شاعرنا "بعيني".
كنت في أوائل الثمانينات من القرن الماضي، بعد وصولي الى أستراليا، والى جامعة سيدني بالتحديد، أحد مؤسسي لجنة احياء التراث العربي، ومن أولى الأوائل والموضوعات والمهمات التي قمت بها، انني توليت إنجاز "كيريكيلوم ـ منهاج تعليمي" لإدخال اللغة العربية في أستراليا، هذا كان في أوائل الثمانينات، ولهذا أقف أمامكم شاهداً: كنا حريصين في لجنة اختيار التراث العربي، وكنا سعداء جداً بما أتحفنا به شربل بعيني في ذلك الوقت.
أكرر الآن تأكيدي، كرئيس لجنة وقف المناهج العربية، وكل الامتحانات العربية في أستراليا، خلال العقدين الأخيرين، إن لم يكن أطول من ذلك، على اننا حرصنا أن نستخدم، او نستعمل، أو ندخل شعر شربل بعيني في مواضيع المناهج العربية، مع باقة كبيرة من شعرائنا العرب الأجلاء: نزار قباني، دريد لحام، جبران خليا جبران والكثيرين من الشعراء الأجلاء.
هنيئاً يا شربل بعيدك الذهبي، وأتمنى لك من كل قلبي عمراً طويلاً، وانجازاً كثيراً في السنوات الخمسين القادمة.. وشكراً.
**
كلمة السانتور
شوكت مسلماني
مسا الخير..
وأهلا وسهلا فيكم..
رح إحكي بالعاميّه، لأن شربل كتب الشعر بالعاميه، وبدأ بالعاميّه، وبالعاميّه بقدر عبّر شوي عن شو حابب قول، أحسن ما إحكي بالإنكليزي.
قبل ما إبدأ كلمتي عن شربل بعيني الرفيق، الصديق، الأخ المحبوب من قبل الجميع. حابب كرّم الإخوه في لقاء الأربعاء على عملهم المجاهد.
بالسنه حوالي أربعين إجتماع أو حلقات.. بآخر تلات سنين عملو أكتر من 120 حلقة من الحلقات المهمه بمجتمعنا العربي الأسترالي، اللي اشتقنالو.
أنا جيت زغير، حوالي سنة 1977، كان عمري 11 سنه وشوي.. كان في أدب وشعر واحتفالات ومسرحيات وغيرو، بس هلق انشالله بتعود ترجع من خلال لقاء الأربعاء، والكتّاب والشعراء الموجودين هون.. بيقدروا يعيّشوا هالجانب المهم لمجتمعنا العربي اللبناني اللي نحنا عم نعيش فيه.. ومنحب كمان، مش بس نحنا، أبناءنا وأبناؤهم يعيشوا بهالمجتمع المهم. لأن لمن بتضيع الكلمه ضاع المجتمع، والمهم انو تكون كلمتنا موجودة.
حابب اهدي قلم زغير لمنسق "لقاء الأربعاء" الأخ شوقي مسلماني.
أنا مش رح إحكي كتير عن شربل بعيني. بعرف إنّو في ست سبع كلمات رح تنقال وتنحكى بطريقه صحيحة لغوياً وشعرياً. بس أنا رح عبّر بطريقتي الخاصه، واذا غلطت سامحوني.
حقيقة.. أنا قريت شوي من كتابات شربل بعيني، وقبل ما أحكي رح إحكيلكم شوي عن لغتي العربية: نحنا لمن جينا لهون بالـ 77، ما كان في مدارس عربية، أي بعد تلات سنين من الحرب الأهليه اللبنانيه كنّا نهرب من بيروت ع الجنوب، واسرائيل بالجنوب كنا نهرب ع بيروت. يعني تلات سنين من دون مدرسه.. بس قدرت بسنتين هون بمنطقة "روكدايل"، والشكر للأخ شوقي وللمرحوم عبدالله سليم، فتحوا مدرسه، ومن خلالهم أنا تعلمت القراءة. يعني قراءتي ولغتي من وقتها، وانشالله إقدر إحكي بعدل للأخ الشاعر شربل بعيني.
لكل إنسان مراهقة.. أي بيمر بهالمرحله بين الـ 15 والـ 16 سنه، متل ما مرّ شربل. وفي منهم بيمروا بالأربعين، ومنهم بالسبعين أو بالتسعين.
كتابة شربل بعيني سهلة القراءة، لأنو بيكتبها بالعاميه اللي نحنا منعرفها ومنفهمها، مليئة بالخيال والحب، وخاصة كتاب "مراهقة" الملآن بالرومانسية.
كتابة واضحة عن الواقع.. عن الحالة العم بيمر فيها المراهق. بتقول انطوانيت عوّاد:
"كتب الشاعر بأسلوب سهل خاصة بالعامية، كي يدخل الى قلوب المواطنين المغتربين الذين لا يفهمون اللغة الفصحى".. متلي أنا.
كتاباتو عديدة.. عندو كتب شعر.. كتب مدرسية.. مسرحيات وحتى مقالات.. خمسين سنه من التقديم.
وشربل بدأ مسيرته الشعريه وعبّر فيها عن مشاعر سن المراهقة بصدق وجرأة.
تقول انطوانيت:
"اعتمد في قصائده على الغزل الاباحي المتجرد من العاطفة والحب، ووقف على حاجات الجسد ليس إلا.. ممثلاً بذلك ثورة على التقاليد القديمة، ومطلقاً العنان للتعبير عن المشاعر الصادقة دون خوف او تردد.
لاقى الكتاب إعجاباً كبيراً، رغم نقد الناقدين، ورغم اعتباره مهدداً للقيم الأخلاقية".
حابب إقرا قصيدة من ديوان مراهقة:
ـ1ـ
كِرْمَالْ عَيْنِكْ شَمِعْتِي ضُوَّيْتْ
وِتْرَكِتْ عَيْش اللَّيْل يَا عْيُونِي
وْمَا عِدْتْ إِسْهَرْ يَوْم بَرَّا الْبَيْتْ
وْلا عِدْتْ إِشْرَبْ خَمْرِة جْنُونِي
وِبْشَبَابِي كْتِيرْ شُو انْغِرَّيْتْ
وْغَامَرْتْ مَعْ حِلْوِينْ غَشُّونِي
وْأَمْوَالْ بِسْبَاق الشَّقَا زِتَّيْتْ
خْسِرْتْ مَالِي.. وْخَابِت ظْنُونِي
وْعَ حَصِيرِه عَارْيِه صِفَّيْتْ
الأَصْحَابْ وِالأَحْبَابْ تَرْكُونِي
وْمَا يْئِسْتْ مَرَّه بْهَـ الدِّنِي تْرِبَّيْتْ
وِعْرِفْت لَيْش كْتَارْ نِسْيُونِي!
ـ2ـ
وْضِلَّيْتْ جَاهِدْ تَا رْجِعْت بْنَيْتْ
مَجْدِي الْـ فِقِدْ وِتْحَسّنِتْ حَالِي
وْيَا حَيَاتِي كْتِيرْ شُو انْحِبَّيْتْ
وْشُو كِتْرِت الأَصْحَابْ مَعْ مَالِي!
وْقِرَّرْت أَسِّسْ لِلسَّعَادِه بَيْتْ
حِبَّيْتْ حِلْوِه خِلِقْهَا عَالِي
وْلا تِسْأَلِينِي مِينْ هَـ الْـ حِبَّيْتْ
بْتَعِرْفِيهَا وْشَاغْلِه بَالِي؟
هَيْدِي الْحَقِيقَه وْسِرّ مَا خِبَّيْتْ
حْكِيتْ الصَّرَاحَه وْهَيْك أَحْلالِي
وْيَا مَا بْلَيَالِي بَارْدِه صِلَّيْتْ
تَا إِحْتِفِظ بِـ حُبِّك الْغَالِي
ألف مبروك إلك خمسين سنه من الشعر، وانشالله الجميع بيكونوا موجودين بالخمسين السنه التانيه. وحابب قدملك هديه.. رمز تكريمي إلك عن هالخمسين سنه المرقت.
**
شربل بعيني
وين تمثالو؟
بمناسبة يوبيله الذهبي
شعر عصام ملكي
ـ1ـ
يا مجدليا كبارنا قالو:
شربل بعيني وين تمثالو؟
شاعر قدير وجبلتو إلهام
بغير العطا ما بينشغل بالو
بفكرو ما عندو ربع ساعه صيام
مجلّة "الغربه" جامعه غلالو
مليون مرّه بقول: عزّو دام
حروف الهجا عم ينسمو رجالو
عا طول كانت فشختو لقدّام
وشهدت إلو عا الأرض أعمالو
وبمجدليا "بتسأل الإيام":
تمثال شربل وين؟ قولي وين؟
وبعدو الجواب محيّر قبالو
ـ2ـ
يا مجدليا بقول وبتنـّي
بشربل بعيني ألف تتهني
إسمك رفع بالمغترب تا صار
عا كل منبر للدني يغنّي
إبنك بسيدني متل نور ونار
وجودو بكل مواقفو تبنـّي
للجهد عندو كل استمرار
ومنـّي أنا عم زيدها منـّي
بيدير غيرو.. وصعب تا يندار
شعرو بليغ وطابعو فنـّي
عندو نثر.. عندو دني أشعار
هنيّال قلبك ألف مرّه فيه
ترانزيت بدّو يروح عا الجنّه
**
لقاءات سريعة
بعد اليوبيل
أجراها الاعلامي خليل جابر
الشاعر سايد مخايل:
تحيّة للقاء الأربعاء اللي أحدث تغيير بالحياة الثقافية بأستراليا، وتحديداً بسيدني.
تحيّة للصديق الشاعر الحبيب شوقي مسلماني.
تحية لكل أعضاء اللقاء.
واليوم بالنسبه إلي هاللقاء مميز، لأنن كرّمو علم من أعلام الشعر اللبناني، هوي الشاعر الصديق شربل بعيني.
وشربل بعيني بيستاهل تكريم كبير. وإجا اليوم هاللقاء تا يكرّم هالشاعر الكبير.
وأنا بعتبر تكريم شربل تكريم للشعر اللبناني، والشعر الاغترابي، ولكل شاعر بأستراليا. وشكراً.
**
الدكتور عماد برّو:
الليله رح نهنيه للأستاذ شربل بعيني باليوبيل الذهبي، وهيدي التهنئة مش بس للأستاذ شربل، بل لما يمثله من ثقافة وشعر وأدب مهجري.
وهيدي تحية كمان للأدباء الآخرين اللي عم يحافظوا على تراثنا في الاغتراب، وتحية للقاء الأربعاء اللي جمعنا اليوم.
تحية للاستاذ شربل ومنقلو ألف مبروك.
انشالله بتضل الثقافة جسر بيوحّد الاغتراب ببلادنا وبأي مكان نحنا متواجدين فيه. وكل الشكر للجميع.
**
المهندس علي حمود:
كانت أمسية أدبية بامتياز بمناسبة اليوبيل الذهبي للشاعر الكبير شربل بعيني.
كان الحضور ممتاز، وكمان نوعية الاستماع. والشعراء والادباء اللي شاركوا بالمناسبة أعطوا أدب جميل جداً.
كلمات معبرة يستحقها الشاعر شربل بعيني الذي يعتبر قاموساً في اللغة والشعر والعطاء.
هو شلال لا ينضب من الشعر بكل انواعو: الغزلي، السياسي، الثوري او شعر الرثاء والمديح.
بالمناسبة، منهني الشاعر شربل بعيني، وانشالله منعملو احتفال باليوبيل الماسي بعد خمسين سنه، ومنرجع نشوفو.
ألف شكر لحضوركم.
**
الاعلامي ممدوح سكرية:
نلتقي اليوم بمناسبة تكريم الشاعر الكبير شربل بعيني على اول اصداراته وهو كتاب "مراهقة"، الذي وضع فيه كل أحاسيسه ومشاعره على الورق، يوم كان عمره 17 سنة، حتى يوصّل رسالته، رسالة الحب، رسالة الأمل، رسالة المستقبل، من خلال كتاب "مراهقة".
شربل بعيني ليس شاعراً فحسب، بل هو مربٍ ألّف الكثير من المسرحيات للأطفال في المدارس، وعلّم أيضاً.
شربل بعيني كاتب..
شربل بعيني إنسان..
ولقد التقينا اليوم حتى نتمنى له ليس 50 سنة فقط، بل 100 سنة. لأن كلماته انحفرت على جدار الثقافة في سيدني.
نتمنى له كل التقدم والعطاء لخير هذه الجالية، وخير الثقافة.
نشكر لقاء الأربعاء الذي أتاح الفرصة لشربل كي يعطينا ما عنده اليوم، وكي يكمل مسيرته الابداعية.
وشكراً استاذ خليل.
**
الاعلامي سركيس كرم:
أستاذ شربل بعيني أستاذ الكل.. أستاذ الكلمة والشعر والفكر والأخلاق.
وبمناسبة يوبيله الذهبي أنا أعلق إسم شربل بعيني على صدري وساماً، فلقد شجعني في كثير من المراحل ووقف الى جانبي.
كما انه ضوّى على أعمالي، ولن أنسى له هذا الجميل.
أستاذ شربل، بالفعل انت أستاذ الكل. ألله يقويك وإلى مزيد من الابداع.
**
الدكتورة بهية ابو حمد:
أشكر جمعية بنت جبيل التي أعطتنا الفرصة كي نحتفل بمرور خمسين سنة "اليوبيل" على صدور ديوان "مراهقة" للأستاذ شربل بعيني الشاعر المخضرم بالجالية الاسترالية.
الشاعر الذي أعطى الأدب والحرف والشعر ثقافة معينة، وزهواً معيناً.
نحن نفتخر به، لأن أدبه أغنى الجميع، ومسرحياته أغنت المدارس، ودخل أدبه برنامج الثانوية العامة في أستراليا.
أتمنى كل الخير للأستاذ شربل بعيني، وأن يوفقه الله بكل أعماله.
انسان أعطى الأدب حتى أصبح هو الأدب بحد ذاته، واللغة بحد ذاتها.
إن شاء الله نبقى على تواصل دائم.
**
مغتربون لبنانيون في أستراليا يحتفلون مع الشاعر شربل بعيني بمناسبة مرور 50 سنة على طباعة كتابه الشعري "مراهقة".مجلة صوت الشاعر ـ لبنان:
في أستراليا جرى مطلع هذا الشهر تكريم الشاعر اللبناني المغترب شربل بعيني في منتدى "لقاء الاربعاء"، لمناسبة مرور 50 سنة على طباعة كتابه الشعري "مراهقة"، وقد أعيدت طباعته لتوزيعه في الاحتفال المذكور.
حضر الاحتفال الذي قدمه الاستاذ علي حمود العديد من ابناء ورموز الجالية العربية في أستراليا، منهم السانتور شوكت مسلماني الذي كرّم البعيني بشهادة تقدير، وقنصل بنغلادش العام ورئيس جمعية مجدليا الخيرية الاستاذ انطوني خوري، والدكتورة بهية ابو حمد، والكاتب الصحفي اشرف حلمي، والموسيقار مجدي بولس والشعراء شوقي مسلماني، لطيف مخائيل وروميو عويس، والدكاترة قاسم مصطفى ورامز رزق ورفعت عبيد الذين ألقوا كلمات وقصائد.
وفي الاحتفال ألقى الشاعر شربل بعيني قصيدة من وحي المناسبة.
**
Charbel Baini
50th. Anniversary Celebrations
By Anthony Khouri OAM
Please forgive me but I wish to speak in English.
The Late John F. Kennedy was attributed with saying these very famous words.
‘Ask not what my country can do for me but rather ask what I can do for my country’
Those words were in fact the words of Gibran Khalil Gibran, a man for Lebanon.
We have such a man from our village in Mejdlaya, North Lebanon and I just wanted to say that everyone from Mejdlaya is very proud of you Charbel and what you have achieved in recording your voice and your heart and your culture in the history of this country, in Lebanon and indeed the world.
We wish you every success and every happiness for another fifty years of allowing the world to enjoy the magic of your words.
You have a lot of friends behind you here today but I can assure you that you have many thousands of friends outside who did not have the opportunity to be here with you tonight.
Congratulations on achieving fifty years. It’s a great milestone and I am sure that you still have a long, long way to go.
Well done Charbel and we wish you all the very best for the future.
**