الكتاب باللغتين السريانية والعربية
**
مقدمة
**
اللغة الشعرية والادراك الحسي في معمار القصيدة الغنائية لدى الشاعر شربل بعيني
**
نبذة عن شربل بعيني
بعد هذه النبذة عام 2015 صدرت كتب كثيرة من وعن الشاعر
مقدمة
عام 1987 التقيته وجهاً لوجه في المربد الشعري في بغداد، وعام 2015 اجتمعنا معاً في كتاب يخلّد صداقتنا الى الأبد.
والصورة التي ترونها أمامكم هي الوحيدة التي جمعت بيني وبين هذا الشاعر السرياني العراقي الكبير، أحببت أن اطلعكم عليها، رغم قدمها، لتدركوا أن الصداقة المبنية على الاحترام والتقدير لا تموت. وكيف تموت وقد رافقتها الكلمة؟
”شربل بعيني ومعاناة الهجرة“ كتاب آخر للشاعر والأديب نزار حنا الديراني، أحد أشهر الاقلام السريانية في العالم، نقل به شعري إلى لغة تاريخية، فريدة، وخالدة، إلى لغة أبدع هو بها، فأهداها لي مع رسوم معبّرة للفنانين جورج حداد وميشال رزق.
والجدير بالذكر أن الديراني انتقى القصائد من جميع مراحل حياتي، من يوم كنت في بداية مشواري الشعري، أي في سني المراهقة، مروراً في الأربعينيات وانتهاء بآخر ما كتبت.
صحيح أن هناك تفاوتاً في مستوى قصائدي، بسبب الخبرة، ولكن الديراني أصر على أن يعرّف القارىء السرياني على شعري، كما تُعرّف الأم وتفتخر بمراحل نمو طفلها أمام عينيها. هكذا ولدت أشعاري، وهكذا كبرت، وهكذا شاخت وتعتقت، انها الحياة ومن يتلاعب بها ستنكره الى الأبد.. لا بل سيغش القارىء والناقد.
وبما أن الديراني يعيش بعيداً في قضاء زاخو في كردستان، تسلّم أول نسخة من كتابه القيم، من كان السبب في لقائنا الثاني عبر الانترنت، انه الدكتور الصديق موفق ساوا، وها هو الديراني يعترف بفضله في احدى رسائله الي:
"أخي وزميلي العزيز شربل بعيني
اشكر الله والزميل موفق ساوا لان اوردتنا وشراييننا قد اتصلت بعضها بالبعض الاخر لتربط قلبينا من جديد، صدقني حين نشرت صحيفة عينكاوة دوت كوم مقالاً لصديقك الذي اشار باني ترجمت قصائدك اتصلت بالاخوة ليرسلوا لي ايميلك او من كتب الخبر لاتصل بك ولكن لم احصل على نتيجة، وحين قدمت الى استراليا مشاركا في ملتقى ثقافي سرياني في ملبورن ومن ثم القيت محاضرة وقصيدة و.. سالت هناك عنك وكذلك في سدني بعض الاخوة اللبنانيين وعدوني بانهم سيزودونني برقم هاتفك ولكن لم احصل عليه، لذا شكري الى الله اولا والى الزميل موفق الذي استطاع ان يعيد مجرى حبنا الى قناته الطبيعية".
قد أكون محظوظاً في السابق يوم ترجموا أشعاري الى الانكليزية والفرنسية والاسبانية والاوردية والفارسية، ولكنني اليوم أكثر من محظوظ، فلقد ترجمت أشعاري الى لغة أجبرت على تعلمها في صغري، كي أقرأ السنكسار الى جانب جدي ووالدي في كنيسة مجدليا، وكي أفرح قلب جدي جرجس مارون العلامة الذي تحتفظ بمخطوطاته السريانية معظم الكنائس اللبنانية.
لن أشكرك يا أخي نزار بمقال، ولا بقصيدة، بل بقبلة أخوية أطبعها على جبينك الشامخ، مع همسة في أذنك: شكراً أيها الصديق المخلص.
شربل بعيني**
اللغة الشعرية والادراك الحسي في معمار القصيدة الغنائية لدى الشاعر شربل بعيني
بداية ، نشير إلى أن جمالية النسق اللغوي – عند الشاعر شربل بعيني سواء أكان نسقاً وصفياً أم سرديا، لا يتأتى من بداعة التشكيل اللغوي فحسب، وإنما من بداعة الرؤى المستفيضة التي توَلِدها مخيلته الشعرية حين تكون في حركة الأنساق؛ وما تثيره من مؤثرات ترفع وتيرة المتخيلات الشعرية جاذبية، فالشاعر يشتغل في مجاميعه الشعرية ( التي فاقت 40 مجموعة من بينها قصائد ريفية، ظلال، اوزان) على اللعب الشعري في إخضاع اللغة الى مراياه الشعرية من خلال الاحتفاظ باسلوب مرتبط بلغته الشعرية المصبوغة بطابعها الشخصي التي تتضافر مفرداتها وصورها فيما بينها مكونة مشاهده الشعرية المتلاصقة بروح الوطن والغربة دافعا بذاته الشاعرة المعبرة عن ذات الإنسان لتصور مشاعره التي تمتاز بالتدفق العاطفي والخلجات وكل الانفعالات كاشفا عن أصالته الشخصية لترتقي الى مصاف ذات الشعراء الكبار في التراث العربي، لذا شق الشاعر لنفسه أسلوباً يختلف عن أسلوب معاصريه من الشعراء اللبنانيين. فهو يضفي على معطيات الفكر ثوبا موضوعيا وعقليا بعيدا عن تحميل المفردة بشحنات تفوق طاقتها من خلال الرموز والأساطير والتزاوجات لتكون مطابقة قدر المستطاع للواقع، ولكنه – في أغلب الأحيان- يضيف إليها – بكثافات متنوعة- عناصر عاطفية قد تكشف لنا أناه، وقد تغيرها ظروف اجتماعية مردها حضور أشخاص آخرين، أو استحضار خيال المتكلم لهم كقوله في قصيدة بيروت من مجموعته أوزان:
بيروتُ يا بَيْروتُ.. لا تَتَرَدَّدِي
قولي: أحبُّكَ.. كَيْ يُعانِقَني غَدي
لَوْ تَعْلَمينَ كَمْ يُؤَرّقُني النَّوى
لَفَتَحْتِ حُضْنَكِ واخْتَزَلْتِ تَشَرُّدي
أَمْضَيْتُ عُمْرِي كالرياحِ مُشَرَّداً
لكنَّ وجْهَكِ كانَ دَوْماً مَقْصَدي
وبما أن النص هو محصلة تفاعل المتخيلات الشعرية ، فإن ما يحفز اللغة الشعرية أنها فضاءات متخيلة أولاً؛ وإيحاءات نصية مموسقة ثانياً، فالنص الشعري الذي جاء كنتيجة لانعكاس أنفعلاته الوجدانية وما يجيش في صدره من عواطف، يستمد قيمته الفنية من طريقة صياغته وائتلاف مكوناته التعبيرية ليفيد من خصائصها الإيحائية ليؤدي أقصى ما لديه من طاقات جمالية ليسمو في التعبير الناتج عن مخيلة الشاعر شربل وذوقه كونه لصيق بالإحساس بالنفس الإنسانية ولا يستطيع أن يتحرر من أحاسيسه في التعبير عن مكنونات نفسه ، بما ينعكس ذلك كله على نتاجه الإبداعي. فيقول في قصيدته بغداد من مجموعته الشعرية اوزان :
أحْبَبْتُ وَجْهَكِ.. وَالْغَرامُ حِكايَةٌ
مِثْلَ الدِّماءِ تَدَفَّقَتْ بِمَفاصِلي
لَوَّنْتُ بِالشَّفَقِ الْجَميل شَوارِعاً
خِلْتُ الشَّوارِعَ أمْسَكَتْ بِأنامِلي
كَمْ مِنْ قَصائدِ حُبِّنا غَنّى الْهَوَا
وَتَشامَخَتْ فَوْقَ الرُّبوعِ مَنازِلي
إن التماثل والقافية يعتمد كلاهما على تكرار الأصوات المتشابهة في لغة الشعر فتتفاعل مستويات الصوت والمعنى،ضمن منظومة الشعر الغنائي الذي يمتاز كغيره من أنماط الشعر كونه لا يقتصر على الجانب المادي وحده، لأن عاطفته تتجاوز الأحساس بالواقع، من خلال تشظيها وألتحامها مع عواطفنا مما يظفي على قصيدته طابع تأثيرها في المتلقي. حيث تُشكّل الذَّات لديه حافزَ انبنائها داخليًّا، فالذي يتكلم في القصيدة إنّما هو الشاعر نفسه وأناه المجروحة والّتي ترتبط بـ"ملفوظٍ واقعيٍّ" الذي ينشدّ إلى تلفُّظه من خلال الذّات الحقيقية والأصلية والتي هي الأنا الجمعي (الكل) كقوله لماذا أغني؟ من مجموعته ظلال :
غَريبٌ!..
وَخَلْفَ ارْتِحالي ارْتِحالْ
وَغَصَّةُ صَدرٍ،
وَحُلْمٌ بِبالْ..
وَأُمٌّ تَحوكُ أُلوفَ الْحَكايا
عَساها تَنالُ الْبَعيدَ النَّوالْ
وَتِلكَ الحَبيبَةُ.. سِتُّ الصَّبايا
يُعَانِقُ قَدَّهَا طيبُ الدَّلالْ
فَكيفَ أُغَنِّي؟..
وَكُلُّ الْبَرايا
تَرُشُّ بِعيدِها زَهرَ الوَبالْ
فَكَيفَ أُغَنِّي؟..
وَبُومُ المَنايا
نَعيقُهُ شُؤْمٌ..
وَبَدءُ زَوالْ
وَأَرضي تَغوصُ بِبَحرِ الرَّزايا
وَشَعبي يَعُدُّ حُبوبَ الرِّمالْ؟
علينا أن ننظر إلى هذا الشعر من حيث التَّمادِي في الخيال والتَّصوُّراتِ داخل اشتغاله كنصّ لغويّ وجماليّ، لنُدرك مدى أهمية الموسيقى والتي هي جوهر الغنائيّة لياخذ الإيقاع وضع الدالّ العضوي والجوهري بالمعنييْن الفكري والجمالي ليكون مركز الثّقل .
وبما أن الشعر الغنائي يختصّ بالأحاسيس، فهي مادّته وموضوعه الأساسي، ومن خلالها تمكن الشاعر من التعبير بوضعيّة خيالية أساسية للأحاسيس المعبَّر عنها، كي يوَصل قصيدته إلى النموذج المطمئنّ للحوار الداخلي المأساوي ذلك الفاصل من الخيال الّذي بدونه يستحيل تطبيق مفهوم المحاكاة على الشعر الغنائي، كما يرشدنا إلى ذلك جيرار جينيت. كما يتجلى في الشِّعْرِ الرُّومانِسيِّ الاندياحُ في عالم الطبيعة الواسع، والركون إلى أحضانها واستشعار حنانها وجمالها وروعتها ومناجاتها. وهذا ما عبر عنه أيضا في قصيدته البحر الأزرق من مجموعته قصائد ريفية:
أَمْسِ،
كُنْتِ هُنَا يَا حَبِيبَتِي،
ما الَّذِي أَبْعَدَكِ عَنِّي،
وَأَنْتِ الضَّوْءُ لِعَيْنَيَّ الزَّائِغَتَيْنِ؟
قُولِي..
هَلْ خَلْفَ الأُفُقِ أُفُقٌ آخَر؟
وَالْبَحْرُ الأَزْرَقُ،
هَلْ غَزَتْهُ مَرَاكِبُ الزَّهْرِ؟
وَهَلْ طَافَتْ عَلَى وَجْهِهِ
بَطَّاتُ الْمَوْسَمِ الْحَالِي؟
عَمَايَ جَعَلَنِي كَثِيرَ الْفُضُولِ،
فَاعْذُرِينِي.
فالكتابة على ذاتيتها هي استحضار للآخر المنفعل عن طريق جعل أناه تنطق بعد أن تقمطت الانا الجمعية... الشاعرشربل من خلال كتاباته يعي واقعه الموضوعي ولعل هذه الانفعالية الواضحة، دعته على اختيار مفردات بسيطة ومألوفة قادرة على استيعاب طاقاته الانفعالية، بما يثير المتلقي، وبمعنى آخر تصدمه بما تحمله من شحنة توترية، يقوم اساسها على محورين: محور الذات الشاعرة، المتأثرة، ومحور الموضوع، والعلاقة القائمة بينهما، التي إما ان تكون علاقة تنافر وخصام، واما ان تكون علاقة توافق وانسجام، وذلك حال العديد من الشعراء الذين صاروا يتجرعون الأحزان نتيجة لما لاقوه في وطنهم الأم او في المهجر عبر كلمات جريحة تشدو بموسيقى الحسرة ما ألم بهم من مفارقات استدعت هي الأخرى تتابع الإيقاعات الموسيقية على اوزان أحبار أقلامهم الممزوجة بدماء الأبرياء مما جعلت الشاعر شربل أن يمتطي قلمه ركبا لمواساتهم وتعزيتهم لينعي القلوب المليئة بالزفرات المقموعة والبيادر الجميلة التي تفوح منها عيق الطفولة، كما يقول في قصيدته مزرعة الشوف من مجموعته اوزان :
هذا أنا، يا شوفُ، هل ندمٌ
يكفي، لأنصبَ فيكَ أقبيتي
آتٍ كما الأطفالُ من سفرٍ
متلهّفاً، والريحُ أشرعتي
إنّي "بُعَيْنِيُّ" الهوى أبداً
أودعت فيها قدسَ أتربتي
يا "مجدليا" سجّلي فرحي
إلاّ لها لم تعلُ قبّعتي
نصوصه التي تحمل غنائية الحزن . الحزن الذي انكرته شواطئ الفرح وهي ذاتها التي عانقت المأساة حد أنفجار الأفكار وتشظي الخلجات وتشذر الأضلع ما بين جهات الاِختزال والترحال اللاهث صوب قيامة اليقظة ، اليقظة التي تحاول الرجوع للحلم الذي يعاود الاِحتراق لكن من دون جدوى الأمل .
نجد ان الشاعر شربل يميل الى استخدام المفردات ذات العلاقة الوطيدة بحياته اليومية، خصوصا عندما يتعلق الامر بالحضور المكاني، اذ تمتزج المفردات بلغة اكثر مباشرة، وقربا للفؤاد، مما يسمح للصور الشعرية بالتوالد والانصهار بتجربة الشاعر، وكما في قصيدته من قال؟ من مجموعته ظلال :
مَنْ قَالَ:
دِجْلَةُ
وَالْفُراتُ
يُغَذِّيانِ بِماءِ طُهْرِهِما الْعِراقْ
كَيْ تَشْمَخَ النَّخلاتُ
كَالأَبْطالِ؟
هَلْ فِي الْكَوْنِ أَبْطالٌ
كَأَبْطالِ الْعِراقْ؟
الزَّارِعِينَ الرُّوحَ
آياتٍ
وَراياتٍ
عَلَى شَطِّ الْعِراقْ
الْحارِقِينَ الْعُمْرَ إِيماناً
لِكَيْ يَتَطَيَّبَ فِيهِ الْعِراقْ..
وَالسَّاكِبِينَ دِماءَهُمْ
كَيْ تَمْحُوَ الآثَامَ
عَنْ وَجْهِ الْعُرُوبَةِ
.. وَالنِّفاقْ
وهكذا في قصيدته خريفي من مجموعته قصائد ريفية:
خَلَعَ الرَّبِيعُ عَبَاءَتَهُ وَمَشَى،
بَعْدَ أَنْ دَفَنَ بَقَايَاهُ فِي قَعْرِ ذَاتِه.
كُلُّ الْمُرُوجِ تَأَوَّهَتْ،
وَتَأَهَّبَتْ لِلسَّيْلِ الْجَارِفِ
الآتِي مِنْ مُحِيطَاتِ الْغَيْمِ الأَسْوَدِ.
خَيِّمِي عَلَيَّ..
فَخَرِيفِي يَتَلاعَبُ بِي،
يُثِيرُ أَعْصَابِي،
وَيَجُرُّنِي نَحْوَ الْمَجْهُولِ.
مُدِّي يَدَيْكِ وَأنْقِذِينِي.
إن هذا الوعي الإدراكي الذي يملكه الشاعر شربل بعيني بشأن العلاقة بين الشكل والمضمون واللغة لدليل على خبرة معرفية تتماثل تماما مع تأريخه الشعري الطويل الذي يمتد لعشرات السنين والتي من خلالها أطلع على تجارب المئات من القصائد الشعرية التراثيىة والمعاصرة مما مكنته من تطوير تجربته الشعرية ومرجعياته المعرفية والثقافية، ومعرفته أهمية التلاحم بين الشكل والمضمون في خلق الشعرية وخصوصا في القصائد التي تميل الى التراث شكلا، فلا شعرية للشكل بمعزل عن المضمون، ولا شعرية للمضمون بمعزل عن الشكل ، فكلاهما متلاحمان في اللغة الشعرية، لخلق مثيراتها الجمالية .
فإن ما يعزز شعرية المتخيل لدى الشاعر بداعة النسق الوصفي، وحيازته التصويرية المراوغة فالإحساس بالجمال، والوعي الجمالي بالأشياء هو ما يمنح الشعرية لدى الشاعر شربل خصوصيتها الفنية ومداركها الشعورية العميقة . كقوله في قصيدته حرجي الشّمالي من مجموعته قصائد ريفية:
إِحْمِلْنِي أَيُّهَا الضَّوْءُ إِلَى رُبُوعِ بِلادِي،
فَأَنْتَ أَسْرَعُ مِنَ الصَّوْتِ،
وَأَخَفُّ مِنَ الْهَوَاءِ.
مُشْتَاقٌ أَنَا لِتِلْكَ الأَرْضِ الطَّيِّبَةِ،
الَّتِي زَرَعْتُهَا بِأَشْجَارِ الزَّيْتُونِ الْخَضْرَاءِ.
قُلْ لِي، بِرَبِّكَ،
هَلْ شَاهَدْتَ حُرْجِيَ الشِّمَالِيَّ؟!
وَهَلْ أَعْطَيْتَ الْحَمَامَ بَعْضَ أَغْصَانِهِ؟!
أَنْتَ أَنَانِيٌّ أَيُّهَا الضَّوْءُ،
لأَنَّكَ تَسْتَأْثِرُ بِالسَّلامِ لِوَحْدِكَ.
ختاما اقول جاءت تجربة الشاعر شربل متميزة على الصعيدين الفكري والفني، فهي من ناحية الشكل تحمل نضجا فنيا واضحا في الصورة المعبرة الناضجة، واللفظة الموحية ذات القدرة على التأثير، وطرق وجدان المتلقي ، بعيدا عن تعقيدات اللغة، وانغلاق رموزها، ومن الناحية الفكرية ، تكشف عن حالة تأجج نفسي يحمل ملامح تجربة اغترابية واضحة إذ ان تناول العلاقات والانظمة اللغوية في النص، يكشف عن قدرة شعرية، أنتجت مجموعة من السياقات اللغوية ذات التراكيب الخاصة، التي تنطلق من حالة توتر نفسي، وتأزم وجداني، تسيطر على الشاعر، وتبدع ما يناسبها من الالفاظ.
إن الحضور المكثف لجملة هذه العناصر من الرويّ والقافية مرورا بالتفعيلة ساهم مساهمة فعالة في تأسيس شعريّة القصيدة الغنائية لدى الشاعر شربل بعيني، وخلق فضاء تتزاوج فيه العناصر بهدف تأسيس إيقاع القصيدة. وقد استطاع الشاعر بفضل براعته أن ينسج خيوطا من التّواصل الإبداعي مع الظّواهر الشّعرية القديمة ونحتها على نحو جديد في إطار من التّراكيب الحديثة.
نزار حنا الديراني
**
بعد هذه النبذة عام 2015 صدرت كتب كثيرة من وعن الشاعر
ـ1ـ
أَرْزَتُنا تَئِنُّ،
تَخْتَلِجُ،
تَمُوتْ
أَرْزَتُنا الَّتي سَقَيْناها دَماً تَخْتَلِجُ، تَمُوتْ..
يُحاكُ مِنْ أَفْنانِها لِلْمَجْدِ تَابُوتْ
ـ2ـ
أَرْزَتُنا..
تِلْكَ الَّتي احْتَلَّتِ الصُّدُورْ
وَرَافَقَتْ تَسَلْسُلَ الدُّهُورْ
بَاتَتْ بِلاَ جُذُورْ..
وَهَلْ تَعِيشُ نَبْتَةٌ بِلا جُذُورْ؟!
ـ3ـ
أَبْناؤنا يا صَاحِبي الْجَبَلْ..
قَالَتِ الأَرْزَةُ والدُّمُوعُ
تَنْهَمِرُ عَلَى عَجَلْ
تَنْصَبُّ فِي جَدَاوِلِ الأَزَلْ..
أَبْناؤنا مُنْقَسِمُونَ يا رَفِيقِيَ الْجَبَلْ
بَيْنَ يَمِينٍ وَيَسَارْ
يَشْتَرُونَ بِالسِّياسَاتِ الدَّمارْ!
ـ4ـ
واحَسْرَتاهْ..
أَكادُ لا أُصَدِّقُ
أَنَّ بِلاداً مِثْلَ لُبْنانَ الْحَبيبْ،
مِنْ لَفْظَةٍ مَحْمُومَةٍ تَحْتَرِقُ!
مِنْ لَفْظَةً مَسْمُومَةٍ عَلَى لِسانِ حاقِدٍ تَنْزَلِقُ
قَدْ يُحْرَقُ حُلْمٌ ما زالَ بُرْعُماً يَتَفَتَّقُ
وَاحَسْرتاهْ..
قَالَتْهَا وَهْيَ تَئِنُّ وَتَشْهَقُ!
**
أَرْزَتُنا تَئِنُّ،
تَخْتَلِجُ،
تَمُوتْ
أَرْزَتُنا الَّتي سَقَيْناها دَماً تَخْتَلِجُ، تَمُوتْ..
يُحاكُ مِنْ أَفْنانِها لِلْمَجْدِ تَابُوتْ
ـ2ـ
أَرْزَتُنا..
تِلْكَ الَّتي احْتَلَّتِ الصُّدُورْ
وَرَافَقَتْ تَسَلْسُلَ الدُّهُورْ
بَاتَتْ بِلاَ جُذُورْ..
وَهَلْ تَعِيشُ نَبْتَةٌ بِلا جُذُورْ؟!
ـ3ـ
أَبْناؤنا يا صَاحِبي الْجَبَلْ..
قَالَتِ الأَرْزَةُ والدُّمُوعُ
تَنْهَمِرُ عَلَى عَجَلْ
تَنْصَبُّ فِي جَدَاوِلِ الأَزَلْ..
أَبْناؤنا مُنْقَسِمُونَ يا رَفِيقِيَ الْجَبَلْ
بَيْنَ يَمِينٍ وَيَسَارْ
يَشْتَرُونَ بِالسِّياسَاتِ الدَّمارْ!
ـ4ـ
واحَسْرَتاهْ..
أَكادُ لا أُصَدِّقُ
أَنَّ بِلاداً مِثْلَ لُبْنانَ الْحَبيبْ،
مِنْ لَفْظَةٍ مَحْمُومَةٍ تَحْتَرِقُ!
مِنْ لَفْظَةً مَسْمُومَةٍ عَلَى لِسانِ حاقِدٍ تَنْزَلِقُ
قَدْ يُحْرَقُ حُلْمٌ ما زالَ بُرْعُماً يَتَفَتَّقُ
وَاحَسْرتاهْ..
قَالَتْهَا وَهْيَ تَئِنُّ وَتَشْهَقُ!
**
أَمْسِ،
كُنْتِ هُنَا يَا حَبِيبَتِي،
ما الَّذِي أَبْعَدَكِ عَنِّي،
وَأَنْتِ الضَّوْءُ لِعَيْنَيَّ الزَّائِغَتَيْنِ؟
قُولِي..
هَلْ خَلْفَ الأُفُقِ أُفُقٌ آخَر؟
وَالْبَحْرُ الأَزْرَقُ،
هَلْ غَزَتْهُ مَرَاكِبُ الزَّهْرِ؟
وَهَلْ طَافَتْ عَلَى وَجْهِهِ
بَطَّاتُ الْمَوْسَمِ الْحَالِي؟
عَمَايَ جَعَلَنِي كَثِيرَ الْفُضُولِ،
فَاعْذُرِينِي.
**
كُنْتِ هُنَا يَا حَبِيبَتِي،
ما الَّذِي أَبْعَدَكِ عَنِّي،
وَأَنْتِ الضَّوْءُ لِعَيْنَيَّ الزَّائِغَتَيْنِ؟
قُولِي..
هَلْ خَلْفَ الأُفُقِ أُفُقٌ آخَر؟
وَالْبَحْرُ الأَزْرَقُ،
هَلْ غَزَتْهُ مَرَاكِبُ الزَّهْرِ؟
وَهَلْ طَافَتْ عَلَى وَجْهِهِ
بَطَّاتُ الْمَوْسَمِ الْحَالِي؟
عَمَايَ جَعَلَنِي كَثِيرَ الْفُضُولِ،
فَاعْذُرِينِي.
**
.. وَصَعِدْتُ الْجَبَلَ الأَكْبَرَ بِقَدَمَيْنِ عَارِيَتَيْنِ،
دُونَ خَوْفٍ أَوْ رِعْدَةٍ،
وَالشَّوْكُ الْمُشْرَئِبُّ بِفُضُولٍ
يَلْسَعُنِي بِأَلْسِنَتِهِ الْحَادَّةِ،
وَلَـمْ أَحْفِلْ بِهِ..
كُنْتُ أَتَطَلَّعُ إِلَى الْقِمَّةِ،
وَالْقِمَّةُ عَالِقَةٌ بِالْفَلَكِ الضَّائِعِ.
مَنْ يَسْتَرْخِصْ ذَاتَهُ يَشْقَ.
**
دُونَ خَوْفٍ أَوْ رِعْدَةٍ،
وَالشَّوْكُ الْمُشْرَئِبُّ بِفُضُولٍ
يَلْسَعُنِي بِأَلْسِنَتِهِ الْحَادَّةِ،
وَلَـمْ أَحْفِلْ بِهِ..
كُنْتُ أَتَطَلَّعُ إِلَى الْقِمَّةِ،
وَالْقِمَّةُ عَالِقَةٌ بِالْفَلَكِ الضَّائِعِ.
مَنْ يَسْتَرْخِصْ ذَاتَهُ يَشْقَ.
**
أيا أمّاهُ.. ما بَرِحَ الرّحيلُ
يُدّمرُني.. أنا قلبي عليلُ
أعيشُ الهجرَ سَكراناً بدمعي
ظلامُ الليلِ أرّقه الْعويلُ
أجلْ أشتاقُ للحُبّ المُصفَّى
لضحْكةِ ثغرِكِ الجذلى أميلُ
أريدُ الزّندَ يغمرُني بعطفٍ
وَدِفْءَ الصّدرِ غَفْواتي يُطيلُ
لقدْ كُنْتِ الحياةَ لكلّ طفلٍ
رعيلٌ يَنْزوي.. يأتي رعيلُ
شعوبُ الأرضِ قدْ أهدتكِ مجداً
شبيهُ الأمّ، يا أمي، قليلُ
رأيتُ الناسَ تفتخرُ بطولٍ
وطولُك، كم تَمنّاه النخيلُ
حبيبُ الزّهرِ إنْ أعطوْهُ إسْماً
فزهرُ الأمّ للدنيا خليلُ
إذا قلتُ الإلهَ.. أقولُ أمّي
فعندي حبُّها ربٌّ جليلُ
وعندي حُضنُها جنّاتُ خُلْدٍ
لماذا الهجرُ، يا ربّي، طويلُ؟
أعِدْني.. لا تُطِلّْ فيَّ اشْتياقاً
جميلٌ قربُها منّي.. جميلُ
**
يُدّمرُني.. أنا قلبي عليلُ
أعيشُ الهجرَ سَكراناً بدمعي
ظلامُ الليلِ أرّقه الْعويلُ
أجلْ أشتاقُ للحُبّ المُصفَّى
لضحْكةِ ثغرِكِ الجذلى أميلُ
أريدُ الزّندَ يغمرُني بعطفٍ
وَدِفْءَ الصّدرِ غَفْواتي يُطيلُ
لقدْ كُنْتِ الحياةَ لكلّ طفلٍ
رعيلٌ يَنْزوي.. يأتي رعيلُ
شعوبُ الأرضِ قدْ أهدتكِ مجداً
شبيهُ الأمّ، يا أمي، قليلُ
رأيتُ الناسَ تفتخرُ بطولٍ
وطولُك، كم تَمنّاه النخيلُ
حبيبُ الزّهرِ إنْ أعطوْهُ إسْماً
فزهرُ الأمّ للدنيا خليلُ
إذا قلتُ الإلهَ.. أقولُ أمّي
فعندي حبُّها ربٌّ جليلُ
وعندي حُضنُها جنّاتُ خُلْدٍ
لماذا الهجرُ، يا ربّي، طويلُ؟
أعِدْني.. لا تُطِلّْ فيَّ اشْتياقاً
جميلٌ قربُها منّي.. جميلُ
**
أَنْتَ الحبيبُ الأَرْوَعُ
وَأنا بِحُسْنِكَ مُولَعُ
مُتَكَبِّرٌ.. لكِنَّني
قُدّامَ عَرْشِكَ أركعُ
مِنْ كَثْرَةِ الإشراقِ قلْ:
بالشمسِ ماذا أصنعُ؟
قد تَنْزَوي في بُرجِها
مَغمُومَةً تَتَلَوَّعُ
إنّي أُريدُكَ سيِّدي
مثلَ الشَّذا تَتَضَوَّعُ
فَالْحُبُّ أَدْمَى مُهْجَتِي
وَبَصِيرتِي تَتَصَدَّعُ
أَصْحُو.. وَعِنْدي رَغْبَةٌ
صَوْتَ الأَحِبَّةِ أَسْمَعُ
لكِنَّ صَوتَكَ غارِقٌ
في صَمْتِهِ.. لا يَشْفَعُ
أحبَبْتُ فيكَ رجولةً
ما خِلْتُها تَتَدَلَّعُ
أضْنَيْتَني وسقيتني
صدّاَ.. وَقلبي موجَعُ
أنتَ البدايَةُ في الهوى
والمُنْتهى والمَرْجَعُ
خُذني إلى حُضنِ الهنا
مَنْ حقِّنا نَتَمَتـَّعُ؟
آتيكَ كالحُلمِ البهيْ
ما السِّرُّ.. لا تَتَطَلَّعُ؟
غَنَّتْ جمالي وردةٌ
أَتريدُني أَتَضرَّعُ؟
أَخْبِرْ عُيُونَكَ إِنَّنِي
عَنْ لَحْظِها أَتَمّنَّعُ
لا لمْ يَمُتْ فِيَّ الهوى
لكنّني أَتَرَفَّعُ
قُلْ لي كَلاماً مُفْرِحاً
شَيْئاً جَميلاً يَنْفَعُ
أَرْجُوكَ قُلـْهُ مقنِعاً
خَيْرُ الكلامِ الْمُقْنِعُ
أَهْدَيْتَني نَجْمَ الْغِوَى
ما بالُهُ.. لا يَسْطَعُ
إنْ قُلْتَ: لَيْلِي مُعْتِمٌ
فالفَجْرُ دَوماً يَطْلَعُ
**
وَأنا بِحُسْنِكَ مُولَعُ
مُتَكَبِّرٌ.. لكِنَّني
قُدّامَ عَرْشِكَ أركعُ
مِنْ كَثْرَةِ الإشراقِ قلْ:
بالشمسِ ماذا أصنعُ؟
قد تَنْزَوي في بُرجِها
مَغمُومَةً تَتَلَوَّعُ
إنّي أُريدُكَ سيِّدي
مثلَ الشَّذا تَتَضَوَّعُ
فَالْحُبُّ أَدْمَى مُهْجَتِي
وَبَصِيرتِي تَتَصَدَّعُ
أَصْحُو.. وَعِنْدي رَغْبَةٌ
صَوْتَ الأَحِبَّةِ أَسْمَعُ
لكِنَّ صَوتَكَ غارِقٌ
في صَمْتِهِ.. لا يَشْفَعُ
أحبَبْتُ فيكَ رجولةً
ما خِلْتُها تَتَدَلَّعُ
أضْنَيْتَني وسقيتني
صدّاَ.. وَقلبي موجَعُ
أنتَ البدايَةُ في الهوى
والمُنْتهى والمَرْجَعُ
خُذني إلى حُضنِ الهنا
مَنْ حقِّنا نَتَمَتـَّعُ؟
آتيكَ كالحُلمِ البهيْ
ما السِّرُّ.. لا تَتَطَلَّعُ؟
غَنَّتْ جمالي وردةٌ
أَتريدُني أَتَضرَّعُ؟
أَخْبِرْ عُيُونَكَ إِنَّنِي
عَنْ لَحْظِها أَتَمّنَّعُ
لا لمْ يَمُتْ فِيَّ الهوى
لكنّني أَتَرَفَّعُ
قُلْ لي كَلاماً مُفْرِحاً
شَيْئاً جَميلاً يَنْفَعُ
أَرْجُوكَ قُلـْهُ مقنِعاً
خَيْرُ الكلامِ الْمُقْنِعُ
أَهْدَيْتَني نَجْمَ الْغِوَى
ما بالُهُ.. لا يَسْطَعُ
إنْ قُلْتَ: لَيْلِي مُعْتِمٌ
فالفَجْرُ دَوماً يَطْلَعُ
**
حينَ الْتَقَيْتكِ.. غارَتِ الشُّـهُبُ
وَتَطايرَتْ مِنْ حَوْلِكِ السُّـحُبُ
وَتَسـاءَلَتْ من حُـزْنِها قِـمَمٌ
هَلْ عَدَّدَتْ أَوْصَافَكِ الْكُـتُبُ؟
يا حُـلْوَةَ الْعَـيْنَيْنِ أَنْتِ هُـنا
مِثْلُ السَّـبيكَةِ صَاغَكِ الذَّهَـبُ
أَنْـتِ الْمَليـكَةُ عَرْشُها قَلَـمٌ
وَدِيـارُهـا التَّـكريمُ والرُّتـَبُ
أَهْدَيْتُـكِ الشِّـعْرَ الْجَميلَ كَما
أَهْـداكِ وَرْدَ حُـروفِـهِ الأدَبُ
أَلثَّـغْرُ أَدْمَتْــهُ شَـقائِـقُـهُ
وَالْخَـدُّ تـاهَ بِلوْنِـهِ العِـنَبُ
وَالريـحُ تَسْـألُ عن مُتَيّمَتـي
هَلْ تَلْتَوي؟ هَلْ قَدُّها قَصَـبُ؟
غَنّـاكِ بُلْبُـلُ حُـبِّنا نَغَــماً
جَـنَّتْ بِـهِ الأوْتـارُ والطَّرَبُ
حَتـّى الْمُرُوجُ تَحَوّلـَتْ قَمَراً
لَمْ تَعْرِفِ الأَزْهـارُ ما السَّبَبُ؟
أَهْـواكِ.. إنـّي قُلْتُـها فَرِحاً
أَهْـواكِ، أينَ الكُفْرُ وَالْعَجَبُ؟
**
وَتَطايرَتْ مِنْ حَوْلِكِ السُّـحُبُ
وَتَسـاءَلَتْ من حُـزْنِها قِـمَمٌ
هَلْ عَدَّدَتْ أَوْصَافَكِ الْكُـتُبُ؟
يا حُـلْوَةَ الْعَـيْنَيْنِ أَنْتِ هُـنا
مِثْلُ السَّـبيكَةِ صَاغَكِ الذَّهَـبُ
أَنْـتِ الْمَليـكَةُ عَرْشُها قَلَـمٌ
وَدِيـارُهـا التَّـكريمُ والرُّتـَبُ
أَهْدَيْتُـكِ الشِّـعْرَ الْجَميلَ كَما
أَهْـداكِ وَرْدَ حُـروفِـهِ الأدَبُ
أَلثَّـغْرُ أَدْمَتْــهُ شَـقائِـقُـهُ
وَالْخَـدُّ تـاهَ بِلوْنِـهِ العِـنَبُ
وَالريـحُ تَسْـألُ عن مُتَيّمَتـي
هَلْ تَلْتَوي؟ هَلْ قَدُّها قَصَـبُ؟
غَنّـاكِ بُلْبُـلُ حُـبِّنا نَغَــماً
جَـنَّتْ بِـهِ الأوْتـارُ والطَّرَبُ
حَتـّى الْمُرُوجُ تَحَوّلـَتْ قَمَراً
لَمْ تَعْرِفِ الأَزْهـارُ ما السَّبَبُ؟
أَهْـواكِ.. إنـّي قُلْتُـها فَرِحاً
أَهْـواكِ، أينَ الكُفْرُ وَالْعَجَبُ؟
**
بيروتُ يا بَيْروتُ.. لا تَتَرَدَّدِي
قولي: أحبُّكَ.. كَيْ يُعانِقَني غَدي
لَوْ تَعْلَمينَ كَمْ يُؤَرّقُني النَّوى
لَفَتَحْتِ حُضْنَكِ واخْتَزَلْتِ تَشَرُّدي
أَمْضَيْتُ عُمْرِي كالرياحِ مُشَرَّداً
لكنَّ وجْهَكِ كانَ دَوْماً مَقْصَدي
واعَدْتِنِي!.. ما زِلْتُ أَنْتَظِرُ اللِّقا
وَتَتُوقُ نَفْسِي لاحْتِضانِ الفَرْقَدِ
تَحْنُو إلى لَمْسِ النُّجومِ أناملي
هَلْ فِي الفَضاءِ يَكونُ أَوَّلُ مَوْعِدِ؟
منذُ احْتَرَفْتُ النُّطْقَ أنتِ قصيدتي
هَيَّا انْشُدي.. ما الشّعرُ إن لَمْ تُنشِدي؟
شَعَّتْ فُنُونُكِ كالشُّموسِ تَأَلُّقاً
هُمْ قَلّدوكِ.. وأنتِ لَمْ تَتَقَلّدي
نامتْ حروفي واستفاقَتْ أَنْجُماً
يا دُرَّةَ الإبداعِ.. إِسْمُكِ سُؤدَدي
كلُّ الْمَدائِنِ ضيّعَتْ عِنْوانَها
إلاّكِ يا بيروتُ.. يا وَشْمَ الْيَدِ
الدّينُ عندَكِ رَحْمَةٌ ومَحَبَّةٌ
مَنْ ذا يلُومُ إذا اتَّخَذْتُكِ مَعْبَدي؟
سَجَدَتْ مدائنُ لِلطّغاةِ تَمَلُّقاً
إلاّ لربّ الكونِ.. لا لَمْ تَسْجُدي
أخْفَتْ تَواريخُ الشّعوبِ نُصوصَها
لَمّا رأتْ فيكِ احْتِفالَ تَمَجُّدي
إنّي أُحِبُّكِ.. منذُ أَشْرَقَ مَبْسَمي:
كُنْتِ الغرامَ وكانَ حُبُّكِ سيِّدي
**
قولي: أحبُّكَ.. كَيْ يُعانِقَني غَدي
لَوْ تَعْلَمينَ كَمْ يُؤَرّقُني النَّوى
لَفَتَحْتِ حُضْنَكِ واخْتَزَلْتِ تَشَرُّدي
أَمْضَيْتُ عُمْرِي كالرياحِ مُشَرَّداً
لكنَّ وجْهَكِ كانَ دَوْماً مَقْصَدي
واعَدْتِنِي!.. ما زِلْتُ أَنْتَظِرُ اللِّقا
وَتَتُوقُ نَفْسِي لاحْتِضانِ الفَرْقَدِ
تَحْنُو إلى لَمْسِ النُّجومِ أناملي
هَلْ فِي الفَضاءِ يَكونُ أَوَّلُ مَوْعِدِ؟
منذُ احْتَرَفْتُ النُّطْقَ أنتِ قصيدتي
هَيَّا انْشُدي.. ما الشّعرُ إن لَمْ تُنشِدي؟
شَعَّتْ فُنُونُكِ كالشُّموسِ تَأَلُّقاً
هُمْ قَلّدوكِ.. وأنتِ لَمْ تَتَقَلّدي
نامتْ حروفي واستفاقَتْ أَنْجُماً
يا دُرَّةَ الإبداعِ.. إِسْمُكِ سُؤدَدي
كلُّ الْمَدائِنِ ضيّعَتْ عِنْوانَها
إلاّكِ يا بيروتُ.. يا وَشْمَ الْيَدِ
الدّينُ عندَكِ رَحْمَةٌ ومَحَبَّةٌ
مَنْ ذا يلُومُ إذا اتَّخَذْتُكِ مَعْبَدي؟
سَجَدَتْ مدائنُ لِلطّغاةِ تَمَلُّقاً
إلاّ لربّ الكونِ.. لا لَمْ تَسْجُدي
أخْفَتْ تَواريخُ الشّعوبِ نُصوصَها
لَمّا رأتْ فيكِ احْتِفالَ تَمَجُّدي
إنّي أُحِبُّكِ.. منذُ أَشْرَقَ مَبْسَمي:
كُنْتِ الغرامَ وكانَ حُبُّكِ سيِّدي
**
ـ1ـ
قولي: أُحبُّكَ..
لأَخْلَعَ جارَةَ التَّايْمزْ
وَأُتَوِّجَكِ مَكانَها مَلِكَةً
عَلى بَقايا الشَّمْسِ وَالضَّبابِ..
ـ2ـ
بلاطُ بَاكِينْغَهامْ يَتُوقُ لِمُوسيقى الدَّلَعِ
الْمُنْطَلِقَةِ، كَنَبَضاتِ قَلْبِي،
مِنْ وَقْعِ خَطَواتِكِ.
أَحْذِيَتُكِ الْمُطَعَّمَةُ بِوُرودِ سِيدْنِي
سَتَغْزُو إِمْبَراطورِيَّةً لَمْ يَغْزُها ابْنُ امْرَأَةٍ..
وَحِينَ تَلْتَقِيكِ،
سَيَلُفُّ لُنْدُنَ الْهُتَافُ،
وَتُسْكِرُها النَّشْوَةُ.
حَتَّى سَناجِيبُ حَديقَةِ هَايدْ بَارْك
سَتَهْجُرُ أَوْكارَها،
لِتَعيشَ زَمَنَكِ الْمُضِيءَ.
ـ3ـ
قُولِي: أُحِبُّكَ..
لِتَتَراقَصَ عَقَارِبُ ساعَةِ بِيغْ بَانْ
بَعْدَ حِدَادٍ طَوِيلٍ..
وَتُعْلِنَ أَمامَ حُرّاسِ قَصْرِكِ
إِنَّ ساعَةَ دُخولِي عَلَيْكِ قَدْ حانَتْ.
**
قولي: أُحبُّكَ..
لأَخْلَعَ جارَةَ التَّايْمزْ
وَأُتَوِّجَكِ مَكانَها مَلِكَةً
عَلى بَقايا الشَّمْسِ وَالضَّبابِ..
ـ2ـ
بلاطُ بَاكِينْغَهامْ يَتُوقُ لِمُوسيقى الدَّلَعِ
الْمُنْطَلِقَةِ، كَنَبَضاتِ قَلْبِي،
مِنْ وَقْعِ خَطَواتِكِ.
أَحْذِيَتُكِ الْمُطَعَّمَةُ بِوُرودِ سِيدْنِي
سَتَغْزُو إِمْبَراطورِيَّةً لَمْ يَغْزُها ابْنُ امْرَأَةٍ..
وَحِينَ تَلْتَقِيكِ،
سَيَلُفُّ لُنْدُنَ الْهُتَافُ،
وَتُسْكِرُها النَّشْوَةُ.
حَتَّى سَناجِيبُ حَديقَةِ هَايدْ بَارْك
سَتَهْجُرُ أَوْكارَها،
لِتَعيشَ زَمَنَكِ الْمُضِيءَ.
ـ3ـ
قُولِي: أُحِبُّكَ..
لِتَتَراقَصَ عَقَارِبُ ساعَةِ بِيغْ بَانْ
بَعْدَ حِدَادٍ طَوِيلٍ..
وَتُعْلِنَ أَمامَ حُرّاسِ قَصْرِكِ
إِنَّ ساعَةَ دُخولِي عَلَيْكِ قَدْ حانَتْ.
**
الْعَرْبَجِيُّ الْمُتَنَقِّلُ مِنْ دَسْكَرَةٍ
إِلَى دَسْكَرَةٍ،
أُصِيبَ بِضَرْبَةِ شَمْسٍ،
وَلَكِنَّهُ أَبَى التَّوَقُّفَ عَنْ عَمَلِهِ
الْمَجْبُولِ بِالْبَرِيقِ
وَالْحَرَارَةِ،
مَخَافَةَ أَنْ يُقَالَ عَنْهُ:
حَفِيدُ الشَّمْسِ خَافَ جَدَّتَهُ!!
**
إِلَى دَسْكَرَةٍ،
أُصِيبَ بِضَرْبَةِ شَمْسٍ،
وَلَكِنَّهُ أَبَى التَّوَقُّفَ عَنْ عَمَلِهِ
الْمَجْبُولِ بِالْبَرِيقِ
وَالْحَرَارَةِ،
مَخَافَةَ أَنْ يُقَالَ عَنْهُ:
حَفِيدُ الشَّمْسِ خَافَ جَدَّتَهُ!!
**
خَلَعَ الرَّبِيعُ عَبَاءَتَهُ وَمَشَى،
بَعْدَ أَنْ دَفَنَ بَقَايَاهُ فِي قَعْرِ ذَاتِه.
كُلُّ الْمُرُوجِ تَأَوَّهَتْ،
وَتَأَهَّبَتْ لِلسَّيْلِ الْجَارِفِ
الآتِي مِنْ مُحِيطَاتِ الْغَيْمِ الأَسْوَدِ.
خَيِّمِي عَلَيَّ..
فَخَرِيفِي يَتَلاعَبُ بِي،
يُثِيرُ أَعْصَابِي،
وَيَجُرُّنِي نَحْوَ الْمَجْهُولِ.
مُدِّي يَدَيْكِ وَأنْقِذِينِي.
**
بَعْدَ أَنْ دَفَنَ بَقَايَاهُ فِي قَعْرِ ذَاتِه.
كُلُّ الْمُرُوجِ تَأَوَّهَتْ،
وَتَأَهَّبَتْ لِلسَّيْلِ الْجَارِفِ
الآتِي مِنْ مُحِيطَاتِ الْغَيْمِ الأَسْوَدِ.
خَيِّمِي عَلَيَّ..
فَخَرِيفِي يَتَلاعَبُ بِي،
يُثِيرُ أَعْصَابِي،
وَيَجُرُّنِي نَحْوَ الْمَجْهُولِ.
مُدِّي يَدَيْكِ وَأنْقِذِينِي.
**
ـ1ـ
دَرَّاجَاتُ أَمِسْتِرْدَام
تَحْفَظُ دَوْرَها جَيِّداً:
تَرَاكَضِي أَمَامَ عَيْنَيْها،
لِتُعْجَبَ بِكِ!!
ـ2ـ
دَواليبُها الْهَوائِيَّةُ
تَلْتَقِطُ عَنِ الطُّرقاتِ ظِلالَ جَسَدِكِ
لِتَنْصُبَها في الرِّيحِ خَيْمَةً
تَأْوي إلَيْها عَصافِيرُ الْحُقُولِ
الْمُجَرَّحَةِ بِخَنادِقِ الْمِياهِ.
ـ3ـ
رُكّابُها يَتَسابَقُونَ نَحْوَكِ..
يُلَوِّحُونَ لَكِ بِقُبَّعاتِهِم
الْمُرَقَّطَةِ كَجُلُودِ أَبْقارِهِم،
وَيَدْعونَكِ لِلتَّنَزُّهِ فَوْقَ صَفْحَةِ الْمَدينَةِ
على بِسَاطِ رِيحٍ جَديدٍ،
لَـمْ تَرْكَبْهُ شَهْرَزاد،
وَلَـمْ تَلِدْهُ مُخَيّلَةُ أَديب.
ـ4ـ
يا ابْنَةَ الشَّرْقِ..
يا حَفيدَةَ الشِّعر والسّهر..
هُولَنْدا سَتَحْتَفِظُ بِحُبَيْباتِ الْعَرَقِ
الْمُتَصَبّبَةِ مِنْكِ،
لِتُنْعِشَ بِها أَزْهارَ الْعاشِقيَن
ساعاتِ الْجَفاف.
**
دَرَّاجَاتُ أَمِسْتِرْدَام
تَحْفَظُ دَوْرَها جَيِّداً:
تَرَاكَضِي أَمَامَ عَيْنَيْها،
لِتُعْجَبَ بِكِ!!
ـ2ـ
دَواليبُها الْهَوائِيَّةُ
تَلْتَقِطُ عَنِ الطُّرقاتِ ظِلالَ جَسَدِكِ
لِتَنْصُبَها في الرِّيحِ خَيْمَةً
تَأْوي إلَيْها عَصافِيرُ الْحُقُولِ
الْمُجَرَّحَةِ بِخَنادِقِ الْمِياهِ.
ـ3ـ
رُكّابُها يَتَسابَقُونَ نَحْوَكِ..
يُلَوِّحُونَ لَكِ بِقُبَّعاتِهِم
الْمُرَقَّطَةِ كَجُلُودِ أَبْقارِهِم،
وَيَدْعونَكِ لِلتَّنَزُّهِ فَوْقَ صَفْحَةِ الْمَدينَةِ
على بِسَاطِ رِيحٍ جَديدٍ،
لَـمْ تَرْكَبْهُ شَهْرَزاد،
وَلَـمْ تَلِدْهُ مُخَيّلَةُ أَديب.
ـ4ـ
يا ابْنَةَ الشَّرْقِ..
يا حَفيدَةَ الشِّعر والسّهر..
هُولَنْدا سَتَحْتَفِظُ بِحُبَيْباتِ الْعَرَقِ
الْمُتَصَبّبَةِ مِنْكِ،
لِتُنْعِشَ بِها أَزْهارَ الْعاشِقيَن
ساعاتِ الْجَفاف.
**
جَارِي..
رَجُلٌ زَحْلاَوِيٌّ عَجُوزٌ،
تَقْدِرُ، إِذَا أَرَدْتَ،
أَنْ تَقْرَأَ فِي عَيْنَيْهِ مَلْحَمَةَ شَعْبٍ!!
عَائِلَتُهُ هُنَا: تَهُزُّ الأَرْضَ،
كَمَا يَقُولُونَ،
وَتَمْتَلِكُ الأَحْلامَ وَالْيَقَظَةَ!!
وَعَائِلَتُهُ هُنَاكَ: قَبْوٌ،
وَعِشْرُونَ رَأْساً مِنَ الْمَاعِزِ،
وَشَجَرَةُ خَرُّوبٍ وَارِفَةُ الظِّلالِ..
وَمَعَ ذَلِكَ تَرَاهُ يَهْتِفُ كُلَّ يَوْمٍ:
"أَيْنَ مِنْ عَيْنَيَّ هَاتِيكَ الرَّوَابِي؟!"
**
رَجُلٌ زَحْلاَوِيٌّ عَجُوزٌ،
تَقْدِرُ، إِذَا أَرَدْتَ،
أَنْ تَقْرَأَ فِي عَيْنَيْهِ مَلْحَمَةَ شَعْبٍ!!
عَائِلَتُهُ هُنَا: تَهُزُّ الأَرْضَ،
كَمَا يَقُولُونَ،
وَتَمْتَلِكُ الأَحْلامَ وَالْيَقَظَةَ!!
وَعَائِلَتُهُ هُنَاكَ: قَبْوٌ،
وَعِشْرُونَ رَأْساً مِنَ الْمَاعِزِ،
وَشَجَرَةُ خَرُّوبٍ وَارِفَةُ الظِّلالِ..
وَمَعَ ذَلِكَ تَرَاهُ يَهْتِفُ كُلَّ يَوْمٍ:
"أَيْنَ مِنْ عَيْنَيَّ هَاتِيكَ الرَّوَابِي؟!"
**
الرَّوْضُ يَبْكِي..
الرَّوْضُ يَبْكِي..
فَزَهْرَةُ الْغَارْدِينْيَا ذَبُلَتْ،
وَجَفَّ الْمَاءُ فِي عُرُوقِهَا.
لِمَاذَا؟..
لِمَاذَا رَبِّي..
وَالْجَمَالُ هُوَ أَنْتَ،
وَالسَّحَابَةُ الْمَشْحُونَةُ بِالْمَطَرِ،
تَنْتَظِرُ إِشَارَةً مِنْكَ؟!
تَبَخَّرِي، قُلْ،
وَاهْطُلِي،
لِتَعُودَ الْحَيَاةُ إِلَى الزَّهْرَةِ.
**
الرَّوْضُ يَبْكِي..
فَزَهْرَةُ الْغَارْدِينْيَا ذَبُلَتْ،
وَجَفَّ الْمَاءُ فِي عُرُوقِهَا.
لِمَاذَا؟..
لِمَاذَا رَبِّي..
وَالْجَمَالُ هُوَ أَنْتَ،
وَالسَّحَابَةُ الْمَشْحُونَةُ بِالْمَطَرِ،
تَنْتَظِرُ إِشَارَةً مِنْكَ؟!
تَبَخَّرِي، قُلْ،
وَاهْطُلِي،
لِتَعُودَ الْحَيَاةُ إِلَى الزَّهْرَةِ.
**
لِمَاذَا لا نَشْعُرُ بِالدِّفْءِ
مَا لَـمْ تُشْرِقِ الشَّمْسُ،
أَوْ نُضْرِمِ النَّارَ؟!
هَلْ أَنَّ فِي أَجْسَادِنَا ثَلْجاً؟!
لِمَاذَا لا نَشْعُرُ بِالإِرْتِوَاءِ
مَا لَـمْ نَعُبَّ الْمَاءَ عَبّاً؟!
هَلْ أَنَّ فِي أَجْوَافِنَا صَحْرَاء؟!
وَلِمَاذَا لا يَعْشَقُ بَعْضُنَا بَعْضاً
مَا لَـمْ تُحَدِّقِ الْعُيُونُ بِالْعُيُونِ،
وَتَرْتَعِشْ فِي الصُّدُورِ قُلُوبٌ؟!
هَلْ أَنَّ فِي ذَوَاتِنَا مِرْآةً؟!
**
مَا لَـمْ تُشْرِقِ الشَّمْسُ،
أَوْ نُضْرِمِ النَّارَ؟!
هَلْ أَنَّ فِي أَجْسَادِنَا ثَلْجاً؟!
لِمَاذَا لا نَشْعُرُ بِالإِرْتِوَاءِ
مَا لَـمْ نَعُبَّ الْمَاءَ عَبّاً؟!
هَلْ أَنَّ فِي أَجْوَافِنَا صَحْرَاء؟!
وَلِمَاذَا لا يَعْشَقُ بَعْضُنَا بَعْضاً
مَا لَـمْ تُحَدِّقِ الْعُيُونُ بِالْعُيُونِ،
وَتَرْتَعِشْ فِي الصُّدُورِ قُلُوبٌ؟!
هَلْ أَنَّ فِي ذَوَاتِنَا مِرْآةً؟!
**
أُمَّاهُ..
أُمَّاه..
هَيِّئِي الْمَاءَ الْبَارِدَ،
وَاسْكُبِي الْحَسَاءَ،
فَالشَّمْسُ اضْمَحَلَّتْ خَلْفَ الأُفُقِ الْبَحْرِيِّ،
وَالنَّسْمَةُ الْعَلِيلَةُ أَحْدَثَتْ بِي شِبْهَ قُشَعْرِيرَةٍ،
وَثُغَاءُ الْخِرَافِ يَنْسَابُ إِلَى أُذُنَيَّ
انْسِيَابَ الضَّوْءِ مِنْ طَاقَةِ كُوخِنَا الظَّلِيلِ.
أُمَّاه..
هَلُمِّي لِنَرْكُضَ مَعاً إِلَى الْمُنْعَطَفِ الْغَرْبِيِّ
حَيْثُ نَتَلَقَّفُ بِأَحْضَانِنَا أَخِي الْعَائِدَ مَعَ الْقَطِيعِ.
**
أُمَّاه..
هَيِّئِي الْمَاءَ الْبَارِدَ،
وَاسْكُبِي الْحَسَاءَ،
فَالشَّمْسُ اضْمَحَلَّتْ خَلْفَ الأُفُقِ الْبَحْرِيِّ،
وَالنَّسْمَةُ الْعَلِيلَةُ أَحْدَثَتْ بِي شِبْهَ قُشَعْرِيرَةٍ،
وَثُغَاءُ الْخِرَافِ يَنْسَابُ إِلَى أُذُنَيَّ
انْسِيَابَ الضَّوْءِ مِنْ طَاقَةِ كُوخِنَا الظَّلِيلِ.
أُمَّاه..
هَلُمِّي لِنَرْكُضَ مَعاً إِلَى الْمُنْعَطَفِ الْغَرْبِيِّ
حَيْثُ نَتَلَقَّفُ بِأَحْضَانِنَا أَخِي الْعَائِدَ مَعَ الْقَطِيعِ.
**
مَنْ يَوَدُّ رُؤْيَةَ الشَّفَقِ الأَحْمَرِ
الْمُضَمَّخِ بِالْغَيْمِ الْهَائِمِ،
فَلْيَنْتَظِرْ غُرُوبَ الشَّمْسِ؟
هُنَاكَ، فَوْقَ الْبَحْرِ،
يُشْنَقُ الضَّوْءُ،
وَتَنْتَهِي أُسْطُورَةُ النَّهَارِ،
لِتَبْتَدِىءَ مَلْحَمَةُ اللَّيْلِ الْمُبْهَمِ،
الْحَاضِنَةُ الرُّعْبَ وَالْجَمَالَ،
الْمَكْتُوبَةُ بِرَذَاذِ النَّدَى
عَلَى وُرَيْقَاتِ الْحَوْرِ وَالزَّيْتُونِ،
الْمَنْشُورَةُ كَالنَّجْمِ السَّاجِدِ لِلْقَمَر.
**
الْمُضَمَّخِ بِالْغَيْمِ الْهَائِمِ،
فَلْيَنْتَظِرْ غُرُوبَ الشَّمْسِ؟
هُنَاكَ، فَوْقَ الْبَحْرِ،
يُشْنَقُ الضَّوْءُ،
وَتَنْتَهِي أُسْطُورَةُ النَّهَارِ،
لِتَبْتَدِىءَ مَلْحَمَةُ اللَّيْلِ الْمُبْهَمِ،
الْحَاضِنَةُ الرُّعْبَ وَالْجَمَالَ،
الْمَكْتُوبَةُ بِرَذَاذِ النَّدَى
عَلَى وُرَيْقَاتِ الْحَوْرِ وَالزَّيْتُونِ،
الْمَنْشُورَةُ كَالنَّجْمِ السَّاجِدِ لِلْقَمَر.
**
ـ1ـ
شارِعُ الشّانْزَليزِيهْ مُثْقَلٌ بِمَقاهِيهِ،
بِزُجاجاتِ الْعِطْرِ،
وَبِتَصْفيفاتِ شُعورِ نِسائِهِ.
تُزَيِّنُهُ أَجْسادُ الْعاشِقِينَ،
وَتُفْرِحُهُ أَنّاتُهُم.
ـ2ـ
تَعالَيْ نَدْخُل (اللِّيدُو)
لِنُغْرِقَ أَعْيُنَنا بِصُدُورِ فَتَياتِ (الْكَانْ كَانْ)،
وَنَجْمَعَ مِنْ تَحْتِ أَقْدامِهِنَّ
رَقَصاتٍ تَناثَرَتْ كالزُّجاج.
لَقَدْ تَغَزَّلْتُ بِصَدْرِكِ كَثيراً،
فَحَقَّت لَكِ الْمُقارَنَةُ..
وَحَقَّ لي الإدْراكُ أَنَّهُ الأَجْمَل،
وَأَنَّ النِّساءَ الْبَارِيسِيّات تَعَلَّمْنَ مِنْهُ الشُّموخَ
وَالْعِفَّةَ.
ـ3ـ
شامِخٌ صَدْرُكِ كَبُرْجِ إِيفِل..
وَمُسْتَديرٌ كَساحَةِ قَوْسِ النَّصْر..
وَأَنا ضَائِعٌ بَيْنَ الاسْتِدارَةِ
وَالشُّموخِ،
تُقَزِّمُنِي الظُّنونُ،
وَيُرْكِعُنِي الْخَوْفُ..
هَلاّ اقْتَرَبَتْ ساحَةُ الْكُونْكُورْد مِنّي..
هَلاّ أَشْفَقَتْ عَلَيّ..
حُبّي لَكِ أَوْسَعُ مِنَ السَّاحاتِ،
وَأَعْلى مِنَ الْبُرْج.
**
شارِعُ الشّانْزَليزِيهْ مُثْقَلٌ بِمَقاهِيهِ،
بِزُجاجاتِ الْعِطْرِ،
وَبِتَصْفيفاتِ شُعورِ نِسائِهِ.
تُزَيِّنُهُ أَجْسادُ الْعاشِقِينَ،
وَتُفْرِحُهُ أَنّاتُهُم.
ـ2ـ
تَعالَيْ نَدْخُل (اللِّيدُو)
لِنُغْرِقَ أَعْيُنَنا بِصُدُورِ فَتَياتِ (الْكَانْ كَانْ)،
وَنَجْمَعَ مِنْ تَحْتِ أَقْدامِهِنَّ
رَقَصاتٍ تَناثَرَتْ كالزُّجاج.
لَقَدْ تَغَزَّلْتُ بِصَدْرِكِ كَثيراً،
فَحَقَّت لَكِ الْمُقارَنَةُ..
وَحَقَّ لي الإدْراكُ أَنَّهُ الأَجْمَل،
وَأَنَّ النِّساءَ الْبَارِيسِيّات تَعَلَّمْنَ مِنْهُ الشُّموخَ
وَالْعِفَّةَ.
ـ3ـ
شامِخٌ صَدْرُكِ كَبُرْجِ إِيفِل..
وَمُسْتَديرٌ كَساحَةِ قَوْسِ النَّصْر..
وَأَنا ضَائِعٌ بَيْنَ الاسْتِدارَةِ
وَالشُّموخِ،
تُقَزِّمُنِي الظُّنونُ،
وَيُرْكِعُنِي الْخَوْفُ..
هَلاّ اقْتَرَبَتْ ساحَةُ الْكُونْكُورْد مِنّي..
هَلاّ أَشْفَقَتْ عَلَيّ..
حُبّي لَكِ أَوْسَعُ مِنَ السَّاحاتِ،
وَأَعْلى مِنَ الْبُرْج.
**
ـ1ـ
لا أَدْرِي كَيْفَ أَبْدَأُ، فَخامَةَ الرَّئِيسْ
هَلْ بِالْكَلامِ وَالسَّلامِ
أَمْ بَقَرْعِ النَّواقِيسْ؟
لا أَدْري يا فَخامَةَ الرَّئيسْ..
ـ2ـ
وَحْشُ الْهَلاكِ بَيْنَنا
نَراهُ فِي أَعْيُنِنا
نُطْعِمُهُ دُونَ وَجَلْ
نَسْقِيهِ مِنْ جَدَاوِلِ الأَمَلْ!
ـ3ـ
قَدْ مَلَلْنا الْعَيْشَ يا فَخامَةَ الرَّئيسْ
بَيْنَ مَنْبُوذٍ وَبَيْنَ نابِذٍ
بَيْنَ مَغْمُورٍ وَبَيْنَ بارزٍ
بَيْنَ سِنْدانٍ
وَبَيْنَ مِطْرَقَه
فِي وَطَنٍ مُأَلَّهٍ يَكَادُ أَنْ يُخْنَقَ!
ـ4ـ
فِي الْبَرْلَمانْ..
حَيْثُ الْكَراسي مُصَفَّفَه
مُهَفْهَفَه..
مُنَظَّفَه..
حَيْثُ الضَّمِيرُ يَحْلُمُ
أَقُولُها بِأَسَفٍ.. أَتَأَلَّـمُ
نَحْنُ في مَجْلِسِنا رَبُّ الشَّائِمِ يَحْكُمُ!
ـ5ـ
أَهْلُ السِّياسَةِ عِنْدَنا،
إِنْ صَحَّ تَعْبِيري،
يَتَقَاذَفُونَ الشَّتائِمَ
يَتَلَفَّظُونَ دَائِما
بِحُرُوفِ الْكُرْهِ وَالتَّحْقِيرِ
ـ6ـ
نَحْنُ..
أَجَلْ.. نَحْنُ
مَصَادِرُ الْخَطَأْ
لأَنَّنا انْتَخَبْنا مَنْ
مَشَى عَلَيْهم الزَّمَنْ
وَدَبَّ فِيهم الصَّدَأْ
ـ7ـ
بُطُونُنا مُهَدَّدَه
بِالْجُوعِ وَالْخَوَرْ
وَالدَّاءُ فِي أَمْعائِنا يَرْتَعُ وَالصَّدرْ
دَواؤُنا..
أَغْلَى مِنَ الْمرْجانِ والدُّرَرْ
مَنْ غَيْرُك، رَئيسَنا، يُبعِدُ
عَنْ عِيالِنا الضَّرَرْ
ـ8ـ
إٍِسْأَلِ الْبَرَّادَ عَنْ مَواسِمِ التُّفَّاحْ
عَنْ جَنَى الْمَلاَّكِ وَالْفَلاَّحْ
وَاسْأَلِ الْقُلُوبَ عَنْ تَمَلْمُلِ الْجِراحْ
لِتُدْرِكَ، في الْحالِ، كَمْ نَجْني مِنَ الأَرْباحْ
ـ9ـ
بِلادُنا، فَخامَةَ الرَّئيسْ..
بِحاجَةٍ إِلى قِدِّيسْ
لا يَسْمَعُ
فِي كُلِّ وَقتْ
لا يَنْظُرُ
في كُلِّ وَقتْ
لا يَدْري ما السِّياسَةُ
وَما التَّسْيِيسْ!
**
بعض من رسائلي لشربل بعيني
ـ1ـ
**
لماذا ترجم الديراني قصائد شربل بعيني للسريانيّة؟
بقلم الأب يوسف جزراوي
فصل من كتابه: شربل بعيني رسّام الكلمات
**
لا أَدْرِي كَيْفَ أَبْدَأُ، فَخامَةَ الرَّئِيسْ
هَلْ بِالْكَلامِ وَالسَّلامِ
أَمْ بَقَرْعِ النَّواقِيسْ؟
لا أَدْري يا فَخامَةَ الرَّئيسْ..
ـ2ـ
وَحْشُ الْهَلاكِ بَيْنَنا
نَراهُ فِي أَعْيُنِنا
نُطْعِمُهُ دُونَ وَجَلْ
نَسْقِيهِ مِنْ جَدَاوِلِ الأَمَلْ!
ـ3ـ
قَدْ مَلَلْنا الْعَيْشَ يا فَخامَةَ الرَّئيسْ
بَيْنَ مَنْبُوذٍ وَبَيْنَ نابِذٍ
بَيْنَ مَغْمُورٍ وَبَيْنَ بارزٍ
بَيْنَ سِنْدانٍ
وَبَيْنَ مِطْرَقَه
فِي وَطَنٍ مُأَلَّهٍ يَكَادُ أَنْ يُخْنَقَ!
ـ4ـ
فِي الْبَرْلَمانْ..
حَيْثُ الْكَراسي مُصَفَّفَه
مُهَفْهَفَه..
مُنَظَّفَه..
حَيْثُ الضَّمِيرُ يَحْلُمُ
أَقُولُها بِأَسَفٍ.. أَتَأَلَّـمُ
نَحْنُ في مَجْلِسِنا رَبُّ الشَّائِمِ يَحْكُمُ!
ـ5ـ
أَهْلُ السِّياسَةِ عِنْدَنا،
إِنْ صَحَّ تَعْبِيري،
يَتَقَاذَفُونَ الشَّتائِمَ
يَتَلَفَّظُونَ دَائِما
بِحُرُوفِ الْكُرْهِ وَالتَّحْقِيرِ
ـ6ـ
نَحْنُ..
أَجَلْ.. نَحْنُ
مَصَادِرُ الْخَطَأْ
لأَنَّنا انْتَخَبْنا مَنْ
مَشَى عَلَيْهم الزَّمَنْ
وَدَبَّ فِيهم الصَّدَأْ
ـ7ـ
بُطُونُنا مُهَدَّدَه
بِالْجُوعِ وَالْخَوَرْ
وَالدَّاءُ فِي أَمْعائِنا يَرْتَعُ وَالصَّدرْ
دَواؤُنا..
أَغْلَى مِنَ الْمرْجانِ والدُّرَرْ
مَنْ غَيْرُك، رَئيسَنا، يُبعِدُ
عَنْ عِيالِنا الضَّرَرْ
ـ8ـ
إٍِسْأَلِ الْبَرَّادَ عَنْ مَواسِمِ التُّفَّاحْ
عَنْ جَنَى الْمَلاَّكِ وَالْفَلاَّحْ
وَاسْأَلِ الْقُلُوبَ عَنْ تَمَلْمُلِ الْجِراحْ
لِتُدْرِكَ، في الْحالِ، كَمْ نَجْني مِنَ الأَرْباحْ
ـ9ـ
بِلادُنا، فَخامَةَ الرَّئيسْ..
بِحاجَةٍ إِلى قِدِّيسْ
لا يَسْمَعُ
فِي كُلِّ وَقتْ
لا يَنْظُرُ
في كُلِّ وَقتْ
لا يَدْري ما السِّياسَةُ
وَما التَّسْيِيسْ!
**
بعض من رسائلي لشربل بعيني
ـ1ـ
أخي العزيز شربل بعيني
أمامي الآن دواوينك الأربعة، والفرح ينزلق على شفتيّ بسمةً معسّلة، وقد تجرّعت نصف الكأس كدفعة واحدة من العرق والليمون تخليداً لتلك الكأس التي قدّمتها لي في فندق شيراتون يوم التقيتك في المربد، وتجديداً لصداقتنا.
كم تمنيّت لو استطاع العرق أن يرفع بعض الفقّاعات على سطح الكأس تعبيراً عن مجده. لا زالت الكلمات تنساب على الورق وابلاً من الخلجات، كالرصاص، وكأسي قد أشرفت على الإنتهاء. ولكن آه من القلم!.. لقد تساءلت مرّات ومرّات: لماذا لا ينساب حبّي على الورق من غير قلم؟.. أتذكر كم مرّة حاولت أن أعبّر لك عن شعوري، ولكن، وللأسف، يبدو أن الرسالة كالقصيدة، لا يأتي مخاضها إلاّ في الوقت المناسب؟.
أخيراً، أرجو أن يحالفني الحظّ للحصول على جميع مؤلفاتك المقبلة، وأعاهدك بأني سأرسل لك نتاجي حال الإنتهاء من الطبع. متمنيّاً لك الصحة والعافيّة.
بغداد 1988
**
ـ2ـ
من الشعر السرياني المعاصر
كتاب جديد للأديب نزار حنا الديراني
عنكاوا كوم – خاص
ضمن منشورات اتحاد الادباء والكتاب السريان وعلى نفقة مؤسسة الهدف للصحافة والطباعة والنشر، صدر، حديثاً، للأديب نزار حنا الديراني، كتاب الجديد حمل عنوان "من الشعر السرياني المعاصر – ترجمة".
يقع الكتاب في 96 صفحة من حجمA5 ويضم بين دفتيه ترجمة للشعراء، وديع سعادة ، سعدي يوسف، نزار قباني، سعاد الصباح، ياسين طه حافظ، سامي مهدي، علي جعفر العلاق، الفرد سمعان، زهير بردى، شربل بعيني.
جدير ذكره ان الشاعر نزار حنا كان قد اصدر ترجمة لمجموعة شعرية اخرى للشعراء العرب، وُسمت بـ "من الشعر العربي الحديث" بالاضافة الى 15 كتاب اخر، تفاوتت بين مجموعات شعرية ودراسات ادبية واخرى متفرقة.
**
ـ3ـ
أخي الحبيب شربل بعيني
ارجو ان تكون بخير وبصحة جيدة..
يسعدني جدا ان اراسلك من جديد بعد انقطاع دام عدة سنين بسبب الاوضاع المأساوية.
1- في السابق كنت قد هيأت كتابا يضم مجموعة قصائدك التي اخترتهم من دواوينك التي ارسلتها لي وانتهيت من ترجمتها وتنضيدها وسلمتها الى جهة لطبعها الا انها وبسبب الاحداث التي مرت بنا لم يطبع الكتاب وفقد النص.
2- بعد ذلك كنت قد هيأت كتابا اخر (من الشعر العربي المعاصر) بعد ان نشر لي قبله من الشعر العربي الحديث (شعراء جيل السياب وادونيس و....) وفي حينها كنت قد تركت بغداد بسبب اعمال الخطف والارهاب تاركا بيتي واثاثي ومكتبتي ومسوداتي في بغداد والتجأت الى شمال العراق (اقليم كوردستان / محافظة دهوك) ولرغبتي ان اعوض جزء مما وعدتك به ولأني لا املك دواوينك لذا اضطريت ان اعتمد على الانترنيت واخترت بعضها لضمها الى كتابي هذا الذي ارسله لك.
3- ساحاول جمع بعض قصائدك الاخرى وترجمتها سواء نشرها في مجلة او ... وانشاء الله ستصلك طالما حظيت بعنوانك.
مرة اخرى تحياتي واشواقي اليك وانشاء الله ستصلك بعض كتبي التي هي دراسات ادبية عبر الانترنيت
زميلك نزار حنا الديراني
**
ـ4ـ
اخي وزميلي العزيز شربل بعيني
اشكر الله والزميل موفق ساوا لان اوردتنا وشراييننا قد اتصلت بعضها بالبعض الاخر لتربط قلبينا من جديد، صدقني حين نشرت صحيفة عينكاوة دوت كوم مقالاً لصديقك الذي اشار باني ترجمت قصائدك اتصلت بالاخوة ليرسلوا لي ايميلك او من كتب الخبر لاتصل بك ولكن لم احصل على نتيجة، وحين قدمت الى استراليا مشاركا في ملتقى ثقافي سرياني في ملبورن ومن ثم القيت محاضرة وقصيدة و.. سالت هناك عنك وكذلك في سدني بعض الاخوة اللبنانيين وعدوني بانهم سيزودونني برقم هاتفك ولكن لم احصل عليه، لذا شكري الى الله اولا والى الزميل موفق الذي استطاع ان يعيد مجرى حبنا الى قناته الطبيعية..
1- في البدء اعتذر عن التاخير لاني لم يسمح لي المجال ان افتح الايميل الا متاخرا
2- لا للتعب فيما اقدمه لك، وان شاء الله حين انهي ما موجود من متعلقات بين يدي (كتاب انطلوجيا الشعر السرياني من سنة 1900 وليومنا) وكتب اخرى ساحاول ترجمة مجموعة اخرى لقصائدك الفصيحة وساحاول نشرها). حقيقة مشكلتي الان ليست في التاليف بل في النشر فلي (2) مجموعة شعرية بالسريانية ودراسة ادبية (الحلقات المفقودة في تاريخ الشعر السرياني والعربي والعبري والتركي والفارسي والكوردي واوزانه الشعرية ـ دراسة مقارنة بين الشعر السرياني، العربي، الكوردي استنادا الى الشعر العراقي القديم) وكتاب اخر ترجمة الى السريانية (من الشعر العراقي المعاصر) وكتاب اخر اريد اعادة طبعه لاهميته (القصيدة السريانية المعاصرة) حيث طبع ونشر في نهاية التسعينات. هذه الكتب وغيرها جاهزة للطبع وبسبب الظروف لا اجد من جهة لطبعها ونشرها كي اتفرغ لاخرى.
3- عنوان صحيفة عينكاوة دوت كوم هي http://www.ankawa.com/ منشورة بالسريانية نزار حنا الديراني/شربل بعيني) وصورتي موجودة.
زميلك نزار حنا الديراني
**
ـ5ـ
تحيّاتي لكم جميعاً من كوردستان ـ العراق
اشكرُ القائمينَ على منحِ الجائزةِ، والاساتذةَ العاملينَ في معهد الأبجدية في مدينة جبيل اللبنانية التاريخية، ومؤسسةَ الغربةَ الاعلاميةَ في أستراليا لمنحهِم لي الجائزةَ التي أعتزُّ بها، كونَها قد مُنِحَتْ للُغتي السريانيةِ التي كانتْ في السابقِ بمَثابة الجسرِ الذي يربط الشرق بالشرق ويربط الشرق بالغرب. وتراثي السرياني الذي أعتزُّ به، هو ايضاً، كان بمَثابةِ ينبوعِ ماءٍ ارتوتْ منه الكثيرُ من الامم، فلولاهُما ومحبةُ أصدقائي لما حصلتُ على تلكَ الجائزة، وخصوصاً انها تحمل اسمَ زميلي الشاعرِ اللبناني شربل بعيني الذي التقيتُه يومَ شارَكْنا في مهرجانِ المربد عام 1987 واستمرت مراسلاتُنا لغاية 1991 وبسببِ الظروفِ انقطعتْ اخبارُنا الاّ انّه كان يواكبُ سيرَ صداقتِنا ويتابعُ سيرَ أعمالي. فلهُ منّي كلَّ الحبِّ والتقدير.
كما اشكرُ القائمينَ على صحيفةِ عينكاوة دوتْ كومْ التي يترأسُها زميلي في الجامعةِ المستنصريةِ امير المالح ورغم فراقِنا الا انَّ صداقتَنا ومحبتَّنا كانتْ دائمةَ الخضرة.
شكرا لكلِّ الزملاءِ الذينَ ارسلوا تهانيهم لي. وكلُّ ما استطيعُ انْ افعلَه لردِّ الجميلِ هو المزيدُ منَ العطاءِ لابقى دائماُ قريباً الى قلوبِهم فللجميع كل الشكر والتقدير.
وتهنئتي القلبية لزملائي الفائزين بالجائزة لعام 2015.
نزار حنا الديراني ـ كردستان العراق
**
لماذا ترجم الديراني قصائد شربل بعيني للسريانيّة؟
بقلم الأب يوسف جزراوي
فصل من كتابه: شربل بعيني رسّام الكلمات
منذ عصور سحيقة والأدب السرياني هو النافذة الضوئيّة في ليل المعرفة الإنسانيّة، وقد لا يخفى عن أحد أنّ الأدب السرياني وحركات الترجمة لدى السريان قديمة كقدم التاريخ، لكنها نشطت في أزمنة كثيرة ولنا أسماء لامعة في هذا المجال نذكر منها على سبيل الذكر: مار افرام السرياني الملقب بـ (كنارة الروح)، حنين بن إسحق الطبيب والأديب السرياني، يعقوب السروجي، أبو الفرج عبد الله بن الطيب الكاهن والمترجم العلاّمة.
ومن المعاصرين: يونان هوزايا، بنيامين حدّاد عادل دنو، نزاز ديراني، أديب كوكا، نمرود صليوا، شاكر سيفو، زهير بهنام بردى...، وقد لا يختلف القرّاء على قولي: إنّ بغدادَ في عهد خلفاء بني العباس كانت ملتقى لمحبي الثقافة والعلم والحكمة، ومن يتتبع تاريخ تلك المرحلة سيرى أنّ كلّ شيء كان يبدو مهيّأ لافتتاح عهد حضاري جديد، فانفتحت الأبواب على مصراعيها أمام أصحاب الفكر والعلم والأدب وتمكنوا من الكشف عن مواهبهم وتطوير علومهم بفضل احتضان بعض خلفاء بني العباس لهم.
ويشهد التاريخ أيضًا بأنّ العالم اجمع مدين لبغداد التي اصبحت إبّان تلك الفترة أمّ الدنيا ومحط الانظار، فقد كانت جسر الصلة بين ثقافات عدة منها: اليونانيّة والسريانيّة والعربيّة، ولا عجب أنْ قلت إنّ الفضل في ترجمة الكتب الفلسفيّة والتاريخيّة والأدبيّة والطبيّة من اليونانيّة إلى السريانيّة ومن ثَمَّ إلى شقيقتها العربيّة يعود إلى الفلاسفة والأدباء والأطباء السريان.
وهنا نود تعميم حقيقة جليلة مفادها: إنَّ كلّ تقدم وازدهار حصل في تلك الفترة لهو بفضل الجهود الجبارة التي بذلت من قبل أبناء بغداد من علماء على اختلاف مللهم ونحلهم ومذاهبهم، وبشكلٍ خاص السريان منهم، وذلك خلال حُقبتين مرّت بهما بغداد في العهد العباسي، أكملت احداهما الأخرى:
الحقبة الأوّلى اشتهرت بعصر الغرس وبذر البذور.
أما الحقبة الثانية، فكانت للحصاد وجني الثمار. أقول هذا وعيني موجهة صوب الديراني في محاولته المعاصرة الخلاّقة ولكن بشكلٍ معكوس!، إذ من المعهود والمألوف أن تتم الترجمة من اليونانيّة أو السريانيّة إلى العربيّة، وليس من العربيّة إلى السريانيّة، وكأني وجدته يُجسّد شعريًا ترجمة مأساة لبنان التي سبقت كوارث بلد الرشيد ومنارة المجد التليد.
لقد بهرني الأمر وأدهشني حين علمت من صديقنا وأستاذنا الشاعر شربل بعيني عن مساعي صديقنا المشترك الأديب العراقي السرياني نزار حنّا الديراني، بترجمة بعض أشعاره من العربيّة إلى السريانيّة.
في عمرٍ مبكر عرف الديراني كيف يغرس جذور قصيدته في تربة الوطن، ويسقيها من الحياة. قصيدة بشَّرت بشاعرٍ قد وِلد وبرزت ملامح شاعر قد تمكن من ادواته.
ونزار الديراني لمَن لا يعرفه، هو أديب سرياني مرموق، عراقي الهوية، إنساني الجنسيّة. اسمه وصورته رافقا اسمي وصورتي في بعض المجلات والنشرات الصادرة في العراق إبّان دراستي اللاهوتيّة ومطلع رسالتي الكهنوتيّة.
ولا زلتُ أذكر أنّني ذات يوم استلمت هوية إنتماء إلى اتحاد الكتّاب والأدباء السريان في العراق برقم عضوية 41 مؤرخة في 15/8/2004 الصفة كاتب، تحمل توقيع نزار الديراني رئيس الإتحاد.
مضت سنوات طويلة على مغادرتي العراق وانقطاع وسائل الاتصال بيننا. مطلع عام 2015 عادت المراسلات بيننا بواسطة صديق مشترك وهو الشاعر اللبناني شربل بعيني، عسى أن تكون بداية عهد جديد لصداقتنا الأدبيّة والشخصيّة. ويطيب لي أنْ أدرج هنا مقتطفات من رسالة صغيرة أرسلها لي في الاونة الاخيرة، جاء فيها:
"الأب يوسف الجزيل الاحترام..
حين كنت في بغداد وقبولك عضوا في اتحادنا انقطعت اخبارك عني، في حينها سالت بعض الاباء ممن كانوا في دورتك، فعلمت انك مسافر، ولكن لم أدر ألى أين. أرجو أن تكون هذه فاتحة الاتصال بيننا . تحياتي واشواقي".
ولا اخفيكم سرًا في هذه العجالة: حين جاءني صوت الديراني عبر الهاتف شعرت أن صوتًا من عصر الثقافة وزمن الحلم الجميل قد دغدغ مسامعي، سيّما حين حدثني عن فاعلية عضويتي في الاتحاد المذكور وتكليفي بالتشاور مع الاديب العراقي السرياني عادل دنو لمناقشة السبل الانجع لفتح فرعٍ للاتحاد في أستراليا.
عرفتُ نزاراً عن طريق رسالة الأدب وميادين الكلمة، وتوطدت المعرفة بيننا بواسطة الأب سامر صوريشو الراهب، ومع كرّ الأيام وفرّها لمست في جعبته كلمة مرموقة كلّما كتبَ عن أدب أو عن أديب، لا يمشي في تبعية أحد، ولا يُفرض عليه موضوع. عرفتُه حرًا في اختيار الموضوعات التي يؤمن بها، يحلق بعفوية وقناعة وجرأة في سماء الشعر والأدب.
إنّه العراقي المتألم، يؤرقه حُبّ العراق، الكتابة متعته ووسيلته في اسعاد القارئ، يكتب عن الحياة، لأن الحياة تضج فيه وتدله على كتاباته.
أبصر الديراني النور في منطقة دير ابون- زاخو 1956، حاصل على بكلوريوس إدارة واقتصاد- الجامعة المستنصريّة / بغداد. عضو اتحاد الادباء والكتّاب السريان، عضو اتحاد ادباء العرب منذ عام 1985.
عضو جمعيات أدبيّة وثقافيّة عديدة، منها: عضو مكتب الثقافة السريانيّة في الاتحاد العام للادباء والكتّاب العراقيين، جمعية آشور بانيبال، رئيس اتحاد الأدباء والكتّاب السريان منذ عام 2003- 2010 وعلى مدى ثلاث دورات متتالية. نائب الأمين العام لاتحاد الأدباء والكتّاب في العراق منذ عام 2004- 2010.
كما عمل عضوًا في تحرير مجلة (قالا سوريايا، الأديب السرياني ومديرًا للتحرير، ربانوثا، الأديب العراقي). القى العديد من المحاضرات والندوات، واشترك في العديد من الاماسي الشعريّة داخل العراق وخارجه.
له عشرون مطبوعًا، يعدّ كتاب (شهيد من ديرابون) باكورة أعماله 1984، كما يعدّ كتاب (شربل بعيني ومعاناة الهجرة) اخر مطبوعاته الحالية 2015.
يهرب الديراني بشكلٍ متواتر إلى عزلته، بين جوانحه تتراقص كلماته، يمتشق القلم حين يجد دموعه تجري مع مداده، لتخط فوق القرطاس حكاية وطن يدعى العراق. ينسج في مهجره وغربته الاليمة داخل الوطن قصيدة الدهر على جبين الاتقياء، فهو يخشى أن يدخل الوطن في متاهات الذّاكرة ليصبح مجرد ذكرى.
لقد كتبتُ هُنا كلّ ما اعرفه عن الأستاذ نزار حنّا يوسف الديراني، الكاتب العراقي والشاعر السرياني والأديب الإنساني، إذ أنّني أحتار من أين آتيه وكيف أجازيه، لأنه وبِلا مغالاة أحد أشهر الأقلام السريانية في العالم.
أما الشاعر الكبير شربل بعيني فهو غني عن التعريف، إنه لبناني المولد، عراقي الدم، أسترالي الجنسية، ألتقى بالديراني في عروس الشرق بغداد عام 1987، التقيا وجهًا لوجه في المربد الشعري فابتدأ الودّ بينهما. ذلك هو الشاعر الإنسان الذي امتدحه كبار الشعراء بدءًا من نزار قباني، مرورًا بالبياتي والجواهري، وصولاً إلى الكبير يحيى السماوي الذي اطلق عليه لقب عميد الأدب المهجري في استراليا.
انقطع ودّ الإتصال بين الشاعرين منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي إلى قبل سنوات خلت، تجددت الصداقة بواسطة صديق ثالث وهو: د. موفق ساوا. وإذا بالديراني يفاجئ البعيني بكتابٍ جمع بين دفتيه إنتقاءات شعريّة، حيث انتقى الديراني جميع مراحل حياة الشاعر اللبناني شربل بعيني وقصته مع الوطن وقرفه من الغربة. وكأن قصائد البعيني كانت لسان حال الديراني في غربته عن بغداد. لقد كتبَ شربل ما بقي من ذكرياته مع المعاناة في ذاكرة الجسد ، أما نزار فقد برع في ترجمة تلك الذكريات، كيف لا. وهي ذكريات عمر اكلته الغربة، غربة بسبب ساسة بلداننا الذين يبدون كالملائكة وفي حقيقتهم ابالسة بهيئة بشر، يتغنون بالوطنية وهم عملاء، لا يملون من استعراض حرصهم على دمائنا وهم يتاجرون به في سوق الحروب!. والحال، إنّ ساسة الاوطان العربية يريدون لنا مزيدًا من الوجع والحزن، وكمًا أكبر من الخنوع والدما، أجل يودون جعلنا أرقامًا في معادلة الوطن، تستشهد رقمًا بعد رقمٍ، لنكون خبرًا عاجلاً على قنواتهم الإخبارية ليس إلّا!.
والآن أدفع للقارئ الكريم الأسباب التي حفزت الديراني للقيام بمحاولته الخلاّقة:
يقول الديراني :
"منذ مطلع السبعينات وحين استهوتني الساحة الثقافية وبالاخص الشعر، اطلعت على الكثير من الشعر العربي بدءا" من المعلقات فتلمست في حينها ان غالبية الشعراء المتميزين هم اللذين اطلعوا على الشعر العالمي اعني قصائد الشعوب الاخرى ، فبدأت اقرأ الكثير مما يترجم الى العربية وعلمت في حينها كم نحن بأمس الحاجة الى ان ترجمة ذلك الى لغتنا السريانية التي كانت يوما الجسر الذي يربط الشرق بالشرق والشرق بالغرب.. والتاريخ يشهد على المساحة التي احتلها السريان في علم الترجمة فكان هذا الشعور ينمو في داخلي، ولان بدايتي كانت كتابة الشعر العربي فسهل علي تذوق هذا الشعر وترجمته.
في الثمانينات حالفني الحظ ان التقي واصادق شاعرا لبنانيا قادما من استراليا في مهرجان المربد الذي كان ما يميزه وما يشجعنا المشاركة فيه هو التقاء شعراء من خارج العراق لنتعرف على تجربتهم الشعرية وخصوصا كنا نحن اغلبية شعراء العراق نعيش في قفص كبير ، ولم اكن ادري في حينها لماذا تميزت صداقتي مع الشاعر شربل بعيني اكثر من الاخرين علما انني كنت احاور واتعرف على العديد من الشعراء الاخرين من امريكا وكندا ومصر وتونس و...
وحين تناولنا اول كأس من مشروب العرق تمازجت عناصر الكتابة لدينا وتحول الشعور والدافع للكتابة الى جسر يربطنا وحتى بعد ان عاد الى وطنه الجديد استراليا، فتبادلنا مطبوعاتنا وكانت اول بادرة منه حين كتب في صحيفة استرالية بالعربية عن كتابي (الكيل الذهبي في الشعر السرياني) وحين قرأت قصائده عرفت السر الذي دفعني باتجاهه اكثر من غيره، وكيف لا يتمازج شعورنا ان كنا معاً نرى مصيرنا ومصير الانسانية في الشرق الاوسط واحد، وكلانا يتحدر من جذر عميق لالاف السنين لشجرة عملاقة تنتشر جذورها ما بين العراق ولبنان وسوريا وجزء من تركيا وبلاد فارس و... وكنت اعرف ما الذي يعني ان يحضر الشاعر جزءا من تراثه الى عصرنته فكان زميلي ينقل جزءا من هذا التراث من خلال لغة شعبية بسيطة كنت اتلمس فيها العديد من مفردات لغتي فاحسست برسالته التي يريد ان يلفت انظارنا بها الى جذورنا وهذا كان من بين العناصر التي جمعت معاناتنا رغم الاف الكيلومترات التي تفصلنا ...
وبسبب المأسي التي حلت بالعراق بعد مطلع التسعينات انقطعت اخبارنا ومراسلاتنا .... فبعد طبع ترجمتي الاولى (من الادب العربي الحديث) التي كانت تجمع بين دفتيها اسماء كبار الشعراء العرب من جيل السياب بادرت لترجمة قصائد لجيل ما بعدهم وكانت قصائد زميلي شربل تدغدغني ولكن بسبب الظروف التعيسة التي حلت بالعراق بعد الاحتلال الامريكي جعلتني اترك بيتي ومكتبتي ومسوداتي في بغداد واعيش الفصل الثاني من معاناة الغربة في قرية تقع في اقصى الشمال (المثلث الحدودي تركيا سوريا العراق ــ وهي مسقط راسي حيث كانت قبل ان تسلبها منا الحكومة بسبب التعريب اية من الجمال)، بعد ان عشت الفصل الاول من هذه المعاناة في بغداد وهذا ما كان يجمعني وزميلي شربل . لذا التجأت الى الانترنت لاستل بعض قصائده وخصوصا الجديدة منها فتلذذتها اكثر من السابق لاني وجدت في غربته الثانية (المهجر) جبلا من المعاناة فكان لي بمثابة مرآة كبيرة اجد فيها معاناتي الحالية والمستقبلية فترجمت بعضها في كتابي (من الشعر العربي الحديث)
ولكن طالما كان يعيش احدنا في الاخر ويتذوق مأساة الغربة حالفنا الحظ ان نلتقي من جديد ولكن في هذه الحالة من خلال الانترنت، فطلبت منه ان يرسل لي بعض قصائده لاترجمها بديوان مستقل، فمثلما اجد نفسي فيها هكذا سيجد القارئ من بني قومي نفسه فيها...
عندما كنت اقرأ قصيدته (ارزتنا) كنت اجدها وكأن شاعرنا يريد ان يقول عوضا عني ها هي رموزنا (الثور المجنح، اسد بابل، الجنائن المعلقة...) تئن وتختلج وتتنفس انفاسها الاخيرة وهذا ما حصل بفعل داعش وبسبب الهجرة والانقسام ففقدت ما كان يربطها بصلابة جذورها وارضها لذا ارتجفت امام الريح وكأن الشاعر قد رأى وتنبأ بمستقبل حضارتنا وتراثنا العريق.
وحين كنت اترجم قصيدته (رسالة الى فخامة الرئيس) كنت احس وكاني انا الذي يكتب الرسالة لا مترجم لها، فكل واحد منا يحتاج ان يكتب رسالة كهذه الى فخامة الرئيس على شرط ان لا يكون من بين الذين يصفهم الشاعر بانهم يَتَقَاذَفُونَ الشَّتائِمَ ، يَتَلَفَّظُونَ دَائِما بِحُرُوفِ الْكُرْهِ وَالتَّحْقِيرِ ، وكيف لي ان لا اجد نفسي في شعره وهو يقول ما يقوله ابناء شعبي وهم يتظاهرون ( بِلادُنا، فَخامَةَ الرَّئيسْ..بِحاجَةٍ إِلى قِدِّيسْ) وهذه رؤية ثانية . وكم نحن اليوم نتشوق لنقول لوطننا وحكومننا ما قاله الشاعر في قصيدته حب في لندن (قولي: أُحبُّكَ..) وهكذا حين كنت اترجم قصيدته دراجات امستردام تيقنت فعلا ما الذي جمعني واجتذبني الى الشاعر شربل بعيني في منتصف الثمانينات، حيث نتقاسم كلانا نفس الشعور فهو يكتب في المهجر قصيدته (دراجات امستردام) وانا اكتب في بلدي الذي اصبح هو الاخر مهجرا لي قصيدتي (مهدي) سوى انه استخدم مفردة الدراجة والدولاب كويسلة لحفظ ونقل حُبَيْباتِ الْعَرَقِ الْمُتَصَبّبَةِ من عرق جبين اجداده وهم يصنعون التاريخ في لبنان ،لِتُنْعِشَ بِها أَزْهارَ الْعاشِقيَن ساعاتِ الْجَفاف. اما انا فقد استخدمت المهد وعقرب الساعة لاعكس صور حبيبات الدم وصور السيف الذي كان يقطع رؤوس اجدادي ... وهكذا في بقية قصائده لذا حين كنت اترجم قصائده لم اجد نفسي غريبا عن شعره ولم احتاج الى قاموسٍ لانه لم يكن يصنع الكلمة بل ينحتها.."
- ما سطرته أنامل الزميل الديراني لم تشفِ غليلي ولم تروِ ظمإي، فعاودت الإستفسار بهذه الرسالة:
عزيزي استاذ نزار المحترم
لقد ايقنتُ من أجوبتك السابقة بأنَّ المعاناة المشتركة كانت سببًا دفعك للترجمة، أو بمعنى آخر انَّ معاناة شربلنا وهمه الوطني وهو يعيش لبنانيته من قارة تقبع في آخر العالم،، قاداه للحنين والتغني بوطنٍ هرب من ساسته وحكّامه إلى غربةٍ جعلته يتعلق بمرابع صباه أكثر من أيّ وقتٍ مضى، ولعلّه سبقكَ في ترجمة تلك المعاناة والمشاعر إلى صورٍ شعريّة وزجليّة. وكأني بك وجدته يُجسد شعريًا مأساة بلد الرشيد ومنارة المجد التليد. ولكن الّا يوجد بعد أدبي أو بلاغة صوريّة حفزتك لتخطو مثل هذه الخطوة؟ فربّما الكثير من الشعراء الشرق اوسطيين المغتربين كتبوا عن هول الازمات في بلدانهم ومعاناة غربتهم؟. فلماذا قصائد شربل بعيني تحديدًا؟. ما الذي وجدته في أدبه؟، فمثلا شاعر العرب الاكبر نزار القباني سبق تجربة عميد ادباء مهجرنا الاسترالي شربل بعيني بهذا المجال بقصيدته عنترة.
ودعني أكون اكثر وضوحًا: ما الذي عثرت عليه في أدبه ليكون مغايرًا ومتميزًا عن شعراء كتبوا عن التجربة ذاتها؟
فجاءني الجواب كالاتي:
عزيزي الأب يوسف الجزيل الاحترام
"أنا لم ادخل في التفاصيل، فما قلته يحمل بين طياته حداثة بمعنى الكلمة، فعندما قلت انه استخدم تعابير شعبية في قصائده هذا يعني انه مازج البعد الواقعي مع الرؤية المستقبلية، وهذه احدى معالم الحداثة في الشعر، فهي تشبه عملية استخدام القناع والاسطورة، وعندما اقول انسجامه مع معاناة الانسان فهذا يعني انه ارتقى لمرحلة اعلى من المدرسة الغنائية من ذوات الانا. وهكذا.. ترجمتي هذه لم تكن دراسة نقدية بل هي بداية الانجذاب، فعندما تجد لوحة تستهويك الصورة أولا لتقف ومن ثم تتأمل ...ما قصدته كان يشمل البعد الحداثوي في اللغة التي خلصها من كلاسيكيتها الممقوتة والشكل الذي اعطاه فضاءً واسعا ومضمونا جديدا واقعيا".
والحال بين العربية والسريانية كان تلاقح للروئ وتنقيح للأفكار بين شاعرين من العراق ولبنان، كلاهما لخص المأساة بطريقته الخاصة. إنّها محاولة رائعة آمل أن تلحق بها وتتبعها محاولات أخرى في المستقبل إن قيض لك الله الأمر.
في الختام أمضي للقول:
حقًا غريبة هي الغربة، تجعلنا نحّن لوطنٍ هربنا من جحيمه إلى قرفها؛ غربة تجعلك مزروعًا في كلّ فضاءات العالم؛ ولكن ماذا ينفع المرء لو انتشر في كلّ الأوطان وخسر وطنه! فيقيني أيها العزيزان الديراني والبعيني، أننا لم نخلق لنكون شتاتًا في الأرض ولم تلدنا أمهاتنا لنوقد شمعة عن روح الوطن في صومعة التشرد.
طوبى للعراق وللبنان اللذين انجباكما وهنيئًا للكلمة بكما. وشكرًا لمحبوبتي بغداد التي جمعتكما.
**