عزيزي شربل بعيني

إهداء
عصامي الحبيب
لن أهدي هذا الكتاب الى روحك الطاهرة، لأنك لم تمت، ولن تموت.
بل سأهديه الى خلّي الوفي، الذي ما زال يعيش معي، وينبش «كالخلد» في كياني.
هكذا كنت تشبّهني، وها أنا أنشر عباراتك، رسائلك، مقالاتك، لأثبت للعالم أجمع انك الصادق، المحب، الكريم، الشاعر، الأديب، الأخ، الصديق.. وانك العظيم دائماً وأبداً. ومن يدري فقد تصبح رسائلك هذه مدرسة للوفاء والتواضع والتضحية.
أغبطك لأنك تنام هناك في «أيكتك» الجميلة في عين كفاع، بينما أنا ما زلت أجترّ غربتي  الطويلة السوداء، التي لن تقدر بعد اليوم على محو ذكرياتنا معاً.
فتّشت عن عبارة أهديها لك مع هذا الكتاب، فلم تسعفني قريحتي، لذلك اسمح لي أن أردّ لك هذه العبارة التي لم أسمعها من أحد سواك: أحبّك والله.
شربل بعيني
سيدني ـ أستراليا
**
نبذة عن حياة د. عصام حدّاد
ـ مواليد بلدة "عين كفاع" قضاء جبيل.
ـ حمل دكتورة دولة في الآداب من السوربون، وإجازة في الفلسفة والتاريخ من الجامعة اللبنانية ومصنّف فيها كأستاذ درجة أولى.
ـ شاعر وأديب وباحث ومربٍّ. كتب الشعر وهو في الثالثة عشر من عمره، وكان يجيد لغات عدّة منها: الفرنسية والانكليزية والسريانية والعربية التي درسها على يد نسيبه رائد الروّاد ومعلم الأئمة الخوري يوسف الحدّاد.
ـ كتب في العامية والفصحى: الشعر والنثر والقصّة والدراسات والمقالة والنقد. وتتنوّع أغراض أدبه بين القومية والوطنية والغزل والمواضيع الانسانية والأدبية والاجتماعية وقضايا الأمة في الوطن والاغتراب.
ـ غنّت الإذاعات المحلية والأجنبية الكثير من شعره الغزلي والثوري والوطني.
ـ عضو في اتحاد الكتّاب اللبنانيين واتحاد الكتّاب العرب.
ـ شارك في مهرجانات شعرية، محلية وعالمية، منها مهرجان المربد في العراق. كما ألقى عام 1991 إحدى قصائده الوطنية في "الدارلينغ هاربر" أحد أشهر الأماكن السياحية في أستراليا، أمام الآلاف من اللبنانيين، بدعوة من فرقة أرز لبنان الفلكلورية.
ـ شارك في تأسيس وترؤس العديد من المؤسسات الثقافية منها: المجلس الثقافي في بلاد جبيل، نادي العلمين، منبر الأبجدية الثقافي، جمعية الأبجدية، معهد الأبجدية، مجلة بيبلوس، دار عصام حداد للتأليف والنشر، وأخيراً جائزة شربل بعيني التي ما زالت توزّع عبر العالم ولها موقع إلكتروني خاص بها تتصدره صورته وتهنئة منه للفائزين بها.
ـ له مشاركات ثقافية عديدة في مختلف وسائل الإعلام، وإسهامات لا تحصى في أمسيات شعرية ومباريات ومؤتمرات وندوات ومحاضرات.
ـ لقبّه العلامة الشيخ عبدالله العلايلي بـ "أمير الصناعتين"، وأطلق عليه الشاعر بولس سلامه لقب "شاعر الحب والجمال"، كما منحه الكاردينال البطريرك مار نصرالله بطرس صفير رقيماً رطريركياً عام 1962.
ـ كتب عنه الكبار من أهل الفكر والعلم، فحبّرت أقلامهم صفحات الصحف والمجلات في لبنان والوطن العربي والعالم أجمع. نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر: مي المر، نور سلمان، فاضل سعيد عقل، عبدالله القبرصي، فوزي عطوي، المطران يوسف ضرغام، غالب غانم، ميشال كعدي،  يعقوب افرام منصور، جورج غريّب، شربل بعيني، نسيب نمر، طوني شمعون، منير وهيبه الخازن، فوزي سابا، جوزيف الحايك، جوزاف الهاشم، سليم باسيلا، الشيخ حسن عوّاد، والعديد العديد من أصحاب الكلمة النيّرة.  
مؤلفاته: 
ـ مؤلفاته عديدة صدر منها حتى الآن: 
1ـ من جراحي
2ـ جداول الفيروز
3ـ صراخ في الضباب
4ـ أناشيد الروح
5ـ مهد الآلهة
6ـ أرض الفداء
7ـ أعياد الجمال
8ـ مناجم وأهراء
9ـ مرايا السماء
10ـ معالم النهضة الأدبية
11ـ حنظة المختارين
12ـ خواطر في الوطنية: جمار الخطايا
13ـ عصام حدّاد على ريشة أهل الكلمة، الجزء الأول.
14ـ عصام حدّاد على ريشة أهل الكلمة، الجزء الثاني.
15ـ عزيزي شربل بعيني
ـ له مخطوطات ودراسات وأبحاث عدة في الشعر والنقد الأدبي والسياسي والاجتماعي. أما في الرواية والأقصوصة فله: موتى بلا قبور، ريشات قنفذ، وشراع في الرياح.
ـ ترجمت الأديبة مي بركات بعض أشعاره الى الفرنسية، كما ترجم الأديب العراقي يعقوب افرام منصور كتابيه مرايا السماء ومهد الآلهة إلى الانكليزية.
جوائزه:
ـ حاز على جوائز محلية وعالمية منها:
1ـ جائزة الشعر عام 1961، بين 270 متباريا من لبنان والخارج.
2ـ جائزة الشعر عام 1976، في معهد الرسل جونية.
3ـ جائزة الشعر، الصمود اللبناني، عام 1979.
4ـ جائزة الأقصوصة عام 1981
5ـ جائزة جان سالمه
6ـ جائزة جبران العالمية، من رابطة إحياء التراث العربي، أستراليا 1991
7ـ جائزة الانتشار اللبناني 2002 من الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم، أوهايو، الولايات المتحدة الأميركية.
ـ شهادة تقدير من التجمّع الوطني للحفاظ على الفلطلور والتراث.
ـ شهادة تقدير من الجمعية اللبنانية لتكريم أب الكلمة.
تكريمه:
ـ كرمته رابطة إحياء التراث العربي والدولة الأستراليا عام 1991
ـ كرّمه المجلس الثقافي في بلاد جبيل 2011.
شذرات قليلة مما قيل فيه:
ـ جورج غريّب: الضيعة، أنت المعمّدها، أنت المُمَيْرَنَها، هي مدينة فاضلة.
ـ انصاف الأعور: يصوغ جواهر الحب.
ـ الشاعر القروي: كتابك النفيس آية على أنك سيد الحرف صورة ومعنى.
ـ جوزيف الهاشم: رائعة هي صلاتك حبّذا تتحوّل نشيداً.
ـ شربل بعيني: مفردات الدكتور عصام حدّاد معلّقة بالأعالي كالنجوم، لا يقطفها إلاّ من اعتلى بساط الريح، أو امتطى صهوة جواد عربيّ أصيل، فهي تتسامى كلغته الشعريّة، وتتعالى في أجواء كوثريّة خاصّة، لا يصلها إلاّ القلائل.
ـ وداد الأيّوبي: مفكّر تتجاذبه رهافة الشاعر ورصانة الواعي المدرك لأسرار الحياة.
ـ الشيخ حسن عوّاد: إذا كانت جبيل مصدّرة الأبجدية الى العالم فهي صانعة مجد الكلمة بعد الله، ولا أشك أن د. عصام حدّاد فارس من فرسان الكلمة بل أمير من أمرائها.
ـ ادمون رزق: صديقي د. عصام حداد فارس الأخلاق والمكرمات، وعاشف الكلمة، الشغوف بالجمال أعياد، جار "مهد الآلهة"، المتطلّع بعنفوان وإيمان في "مرايا السماء"، المالىء "الأهراء" قمحاً ذهبياً. هذا "الجريح" النازف محبّة، السخيّ عطاء وتضحيات، الدافق أدباً.
ـ أنطوان خويري: لو شئت أن أنقل ما في كتبك من روائع، لنقلتها كلها صفحة صفحة، سطراً سطراً وكلمة كلمة.
ـ سليم باسيلا: ان ملكك على الكلمة يدوم ما دام للأفلاك دوران، وللشمس مشرق ومغرب.
 مقتطفات من أدبه:
كذبة
أُحِبُّكَ؟ مَنْ قالَ؟ لا تَسْكُرِ
بِوَهْمِكَ، بالحُبِّ، لا تَكْفُرِ
حُلاكَ وَشَعْرُكَ، ما تَقْتَنِي
وَحُبُّكَ أَوْهَنُ مِنْ مِئْزَرِي
لِغَيْرِكَ هذا الحَلا، لِصَدٍ
بِغَيْرِ شِفاهِيَ لَمْ يُعْصَرِ
لِمَنْ يَسْتَقِي مِنْ هَوايَ الرُّؤَى
لِمَنْ لا يَقُولُ لِغَيْرِي: أْمُري
لِمَنْ لا يُحِبُّ سِوَى الْمَجْدِ مَنْ
بِغَيْرِ جِرَاحِيَ، لَمْ يُصْهَرِ
تُعَيِّرُنِي أَنَّنِي.. لُعْبَةٌ
وَلكِنْ لِكُلِّ هَوَىً عَبْقَرِي
تُعَيِّرُنِي أَنَّنِي.. لُعْبَةٌ
بِغَيْرِكَ، وَالْحُبِّ، لَمْ أَكْفُرِ
**
أنا أقاتل
هُمْ بِالسُّيُوفِ يُقاتِلُونَ
وَبِالْيَراعِ، أَنا أُقَاتِلْ
إِنْ غَمَّسُوها بالدِّماءِ
غَمَسْتُ فِي جُرْحِي الأَنامِلْ
دَمِيَتْ مِنَ الزَّحْفِ الْجِبَاهُ
وَلّوَّنُوها بالْمَهازِلْ
نَصُلَتْ مِنَ الْقَتْلِ الْوُجُوهُ
جَفَافَ أَضْلاعِ الْجَنادِلْ
وَتَمَوَّهَتْ سِحَنُ الْقُلُوبِ
فلا تُصَاغُ لها الرَّسائِلْ
سَأَبُثُّ مِنْ وَجَعِي الْهَناءَ
سَأَزْرَعُ الدُّنْيا خَمائِلْ
فَلَعَلَّ إِنْ مَرَّتْ عَلى
أَرْضِي جِراحاتٌ تُسَائِلْ
نَتَّفْتُ في فَمِها دَمي
أَطْعَمْتُ مِنْ كَبِدي السّنابِلْ
**
وعيتِ
وَعِيتِ؟ وَحَقِّ الْهَوى، لَمْ تَعِي
بِرَبِّكِ روحي ولا تَرْجِعِي
حَسِبْتُكِ، مِنْ عِزَّتِي، قِمَّةً
بِغَيْرِ الزَّواهِرِ لَمْ تُزْرَعِي
وَوَهْجَ الدِّنانِ عَلَى شَفَتِي
وَوَحْياً عَلى قَلَمي الْمُبْدِعِ
وَهَدْياً لِرُوحي وَرُؤْيا الْجَمالِ
تَرُفُّ وَتَغْفُو عَلى مَضْجَعِي
فَكُنْتِ الْفَراغَ عَلَى أَيِّ أُفْقٍ
تَطُوفينَ بِالْجَسَدِ الْمُتْرِعِ
تُعِلِّينَ مِنِّي بَقايا الشَّبابِ
وَأَحْمِلُ لِلْحُبِّ نَعْشِي مَعِي
بِرَبِّكِ رُوحي وَلا تَرْجِعِي
شَرِبْتِ دِمايَ وَلَمْ تَشْبَعِي
تَصَوَّرْتِ أَنِّيَ هِنْتُ، أَنا
لِغَيْرِ إِلَهِيَ لَمْ أَرْكَعِ
**
أنا أهوى
أَنا أَهْوَى كُلَّ ثائِرْ
لا يُخَاتِلْ..
في سَبيلِ الْحَقِّ وَالْمَجْدِ يُقاتِلْ
أَنا أَهْوَى النَّارَ والإعْصَارَ والشَّوْكَ الْمُناضِلْ
أنَا أَهْوَى السُّوطَ وَالرُّعْبَ بِأَسْنانِ الْخَناجِرْ
أنا أَهْوَى الْبَحْرَ غَضْبانَ وَأَهْوَى السَّيْلَ هادِرْ
أنا أَهْوَى الْجُرْحَ في صُدْغِ الْمُقاتِلْ
شَارَةَ الْمَجْدِ لِهُدْيِ الْحَقِّ وَالْحُبِّ مَشاعِلْ
يَقْضِمُ الْحِقْدَ بِأَنْيابِ السَّلاسِلْ
أَنا أَهْوَى.. أَنا أَهْوَى كُلَّ ثائِرْ
**
إلى المغتربين
حامِلْ مَعِي منِ الأَرْز بِحْروفي عَبيرْ
مْلَفْلَف بِرَهْجِةْ صُبحْ.. عَجْقِةْ مِهْرَجانْ
إِنْتُو لِهَالأَرْزاتْ أَكْتَرْ مِنْ سَفِيرْ
وْأَحْلَى أَغاني لِلْمَعاني وِالْبَيانْ
حْمِلْتُو الْوَطَن بِالْقَلْب أَنْقَى مْنِ الضَّمِيرْ
وْأَكْبَرْ مِنِ جْبالُو.. جْبالْ الْعُنْفُوانْ
لُبْنانْ ما بِيمُوتْ.. بِـ شَعْبُو كْبِيرْ
زَارِعْ مَجْد عَ شْطُوطْ ناسِيها الزَّمانْ
تْرَبَّى الْمَجْد بِبْلادْنا فَوْق الصّْخُورْ
نِحْنا الْحَقِيقَه بْهَالدِّنِي وْباب الْخُلُودْ
غَيْر التَّمَرُّدْ عَ الْجَهالِه وعَ الشُّرُورْ
ما تْمَوَّنُو الأَرْزاتْ مِنْ دَمِّ الْجُدُودْ
لُبْنان لِلتَّارِيخْ عَمَّرْلُو قْصُورْ
وِالضَّو مُشْ مَفْرُوض يِشْهَدْلُو شْهُودْ
حامِلْ نُسُور مْنِ الدِّني وْزّارِع نُسُورْ
ما لُو بِدايِه وْلا نِهَايِه وْلا حُدُودْ
**
أمير من أمراء الكلمة
  لا عجب أن يكرّم الإغتراب اللبناني الشّاعر شربل بعيني، فالجامعة الثقافيّة في العالـم، بالمجلس القاري، انتخب هذا اللبناني الكبير في عالـم الإنتشار  أميراً من أمراء الكلمة، حمل هـمّ الثقافة وهـمّ لبنان على منكبيه أكثر من ربع قرن.
   هذا الرجل المهووس بوطنه وبالفكر، لا يرتاح منذ أن هجر لبنان هجرة قسريّة، فما كلّ وما لان، لأنّه طُبع على التضحيّة والوطنيّة والإستشهاد في سبيل القلـم، وفي سبيل لبنان.
   فسبحان اللّـه كيف يبعث للأمـم، دوماً، رجالاً يمشون على الإبر والحراب، ولا يهابون الموت، لأنهم رسلٌ يؤاتيهم اللّـه القوّة ليتحمّلوا كلّ الصعاب.
   شربل بعيني الشّاعر المربّي الوطني الإنساني، هو مجموعة رجال كوّنت منه، على حدّ براءة الجامعة الثقافيّة، قدموساً آخر حمل التراث الحضاري اللبناني الإنساني إلى العالـم، يعلّم ويثقّف، يكتب ويحاضر، لكأنّه يحسب الدنيا كلّها عطاء لأمّته. يرى الكون من خلالها، ويراها من خلال روحه وقلبه وقلمه، كنوزاً لا تنفد وفولاذاً لا يلين.
   إن هذه النضارة في الروح، وهذا العنفوان الأرزي في الجبين، وهذا القلب كرواء تلالنا، عطايا كوّنت منه حبيباً إلى كلّ مغترب ومقيم.
   إن سرّ شربل بعيني هو بهذا الأنس الكامن فيه، بهذه الشفافيّة الرائعة، بهذه الصراحة والبثّ المحبّب الذي ألّب الكثيرين إليه، وألّب الكثيرين.. عليه!!
   إن الإنسان الذي يختلف فيه الحبّ والرأي، لهو من الكبار. وإننا، نحن الشرقيين، إذا نبغ واحدٌ منّا عِوضَ أن نكون كالغربيين نغار عليه فنغار منه.
   إن أحدهم يشبّه الغربيين طالعين السلّـم، يدفع بعضهم بعضاً للعلاء، وأما الشرقيون فيشدّون ببعضهم في السلّـم إلى تحت!!
   وأنا أريد، بل أحبّ، أن يؤتى الإنسان منافساً أو حسوداً عملاً بقول أبي تمام:
وإذا أراد اللـهُ نشرَ فَضِيلةٍ
يوماً، أتاح لها لسانَ حسودِ
   فالحسود لا يؤذي إلاّ نفسه، ولكن ينفع خصمه لأنّه يلفت إليه الخواطر والأنظار فيعرفون قدره. والجوهرة لا تعرف إلاّ بالمصهرة. فحذار أن يكون هناك حاسداً، أتمنى له أن يترفّع عن الأذِيّة كرمى لعينيه، لئلاّ يُتّهم بألف تهمة وتهمة، وبذلك أكون فضّلت كرامته أن تنحدر إلى أدنى الدركات.
   إن شربل بعيني مبدع، فاقت كتبه العشرين. لو كان بإمكانه أن يكون بائع ورد، أو قطع غيار، لملأ أستراليا مالاً، وعمّر قصوراً. ولكنه آثر أن يخدم وطنه لا نفسه، فانصرف إلى التعليم والتأليف. فكم من مهرجان ومسرحيّة ومؤتمـر جنّد شربل له كل قواه، فعمل ما لـم يعمله العديد من السفراء والقناصل الذين يهمّهم كلّ شيء ما عدا الوطن!
   كم من أناس يهاجرون، أو يحتلّون القنصليّات والسفارات والسرايات، هـم على شاكلة قرد ذلك الغيلـم في قصّة إبن المقفّع، ينزلون البحر وينسون قلبهم على الشاطىء، فيعيشون في الغربة أجساماً بلا فكر ولا روح، مأجورين في وطن لا يؤمنون بديمومته. وأما شربل، فحمل قلبه على كفّه ونزل إلى المعترك، سفارته النقّالة، ولبنانه الرسالة في الجبين، وفي القلب وفي الضمير. فلا كثير عليه الأوسمة والتكريم والبذل.
   عرفت الكثيرين بعد سنين، نسوا وطنهم، حتى إنهم تنكّروا للغتهم، فيتربّى أولادهم على التنكّر للبنان. وها هو شربل بعيني في (هاريس بارك) يعلّم أولاد اللبنانيين لكي يندمجوا بوطنهم عن طريق اللغة. فهل من يدلّني على مثل هذا الإستشهاد الدّائـم في سبيل لبنان؟!
   وبالمناسبة، أقترح على الدولة أن تخترع وساماً تسمّيه (وسام الإغتراب اللبناني)، علّها تشجّع هذا وذاك ليحملوا في أجسامهم دماً نقياً للبنان، ويكون شربل أوّل حاملي هذا الوسام.
   وكم من ذوي مآرب وجشع ومصالح يخلّون وراءهم لبنان للذئب والغراب، يعيش كل لنفسه كأنه وحده في جزيرة. وأما شربل فهو (البرزخ) للمقيم والمغترب، كأنه واصل إلى أستراليا توّاً من مجدليّا، (خاص ناص) مادة خام.. فيها كل الحب والوطنيّة والتفاني بلا حساب.
   وأما أن نطعن بشربل بعيني الذي انتخب من بين 41 مرشّحاً، فهذا عين التجنّي والحقد والإجحاف. فالترفّع عن الحقد كبير والبغض جريمة. حرام أن تنهش قلوبنا الأفاعي، فالحقد حقير.
   وأمّا أنا فأقول لشربل ما قال ريشيليو: (لولا انتقاد أعدائي ولؤمهم، ما نجحت في كثير من أعمالي).
   ويقول الشّافعي في معنى آخر:
كلّ العداوات قد ترجى إزالتها
إلاّ عداوة من عاداك عن حسدِ
   وسلام اللـه عليك يا أخي شربل. 
بوركت لك الجائزة وهذا التقدير، 
فأنت كنت وتظلُّ رسول لبنان.
الأنوار البيروتيّة 2001
**
أحبك والله
   أكتب إليك على عجل، لأن آتياً الى أستراليا ينتظرني بإلحاح، أرجو بشوق لاهف أن أراك في "المربد".
   كتبت لك مراراً، وكتبت عنك في الصحف هنا، أحبك والله ولا تبرح من فكري.
   أرجو اذا حسن لديك أن تراسلني، وأنا بفارغ صبر أتعجّل "المربد" لأراك وأسمعك.. فلا تخذلني بغيابك.
   الرجاء أن تحضر.. وإذا لقيت من منفذ صغير أن أسافر الى أستراليا، فدلّني على الطريقة. وقد قيل لي ان الاستاذ يقدر ان يحضر عن طريق رجال الدين.
   ان الواقف قبالتي يتعجّلني.. وأنا أسبقه بالشوق والهتاف اليك.
جبيل 3/11/1988
**
احتفال رائع
  شربلي الحبيب.
     اجدد الشكر على ما تهتم به من نشر حفلة التكريم. وقريباً متى اجتمعت لديَّ كل الخطب والقصائد ابعث بها اليك.
    لقد كان الاحتفال رائعاً بمحتوى كلماته والعاطفة التي ابداها المتكلمون والحاضرون. والغريب في الامر انه، رغم الاجواء الانتخابية لم يتخلف واحد عن الاحتفال من المدعويين. لو تراهم كيف كانوا يقبلون بلهفة وحب. قدّرني الله على ايفاء ديوني العاطفية للجميع واولهم انت الذي، رغم انقضاء السنين الطويلة لم تزل مهووساً بمن يباهي فيك على الدوام.
جبيل 25/5/2009
**
أحلى عيد
بيت الحداد بعيّدوك بالميلاد وراس السنة، وانت عندن أحلى عيد.
   بيتمنولك تضل راس بكل شي ما بتهزك ريح.
   بيظهر من كلامك انو مش فرقاني معك الصعوبة.
   السر هوّي البطولة عندك ومحبة الناس تحمل عنك قسم وبتهوّن عليك. انشالله الفرج قريب.
   المهم انك عم تكتب. وهالقضيّة معاناة جديدة بتشعّل قريحتك وبتعطينا روائع عظيمة.
  انشالله تضلّ أحسن عيد للبحّبوك
جبيل 22/12/2010
**
أدمع وأدمع
 يا اطيب صديق..
   .. وهل تظن أن هناك أطيب من السانحات التي قضيتها في أستراليا؟ 
   لقد سمّرت في نفسي مدى العمر طابعاً لا يمحى، إذ وجدتني بين أهلي ألاقي كل حفاوة وتكريم. 
   انك لم تترك عملاً ولا حفلاً ولا تكريماً إلا وقمت به في سبيل عصام، الذي يرى فيك الخلّ الوفي، الذي يزعم الناس أنه غير موجود.. وها أنا أقسم اني وجدته.. يا أيها الحركة التي لا تهدأ في سبيل وطنك، وفي سبيل الشعر والفكر.
   أستعرض الآن كل مراحل الزيارة بلوعة وحنين، ومن تلقائي أدمع وأدمع وأدمع، ولاسيّما حين أتمثّل أمامي "أم أنطوان" في عمل مستمرّ لتوفير الراحة لضيفها وللجميع، حتى يظن كل وافد الى أستراليا أن بيته الثاني هو "بيت البعيني"، محجّة الأدباء والمفكرين والمشرّدين، ولا تضطرب اذا وجدت بينهم "بروتوس" ويوضاس، فذلك هو كمال الحياة والمجد، فلولا الليل لم يعرف النهار، ولولا الشوك لم يعرف الورد.
   لقد كتبت الى كل من اهتمّ بي في هذه الزيارة التاريخية، كل من أعطيتني عناوينهم، ولقد تعلّمت منك الكثير، وها أنا عامل بنصائحك، فقد صقلتك الغربة، وزادتك مواهب على مواهب، ومن الآن سأعمل بكل ما أشرت عليّ به، فإن ذلك عندان النجاح.
   ولا أقدر أن أصف شعوري نحو أنطوان الذي اهتمّ بي اهتماماً بالغاً، مع بقية الاخوة، الذين حاوطوني بعواطفهم هم وعيالهم، وتلك الرحلات المتواترة التي قمنا معاً، لكأنّ عصام حداد فرد منهم، وهو يحسب نفسه منذ الآن الأخ الآخر الذي يعيش معهم في الروح والفكر.
   سأواصل دائماً، ان شاء الله، رسائلي اليك على الورق، وعبر الهاتف، وان شاء الله أوفق الى "فاكس"، حيث تسهل لي المواصلات. فثق انك دائماً معي، وكلما اجتمع اثنان من بيتنا تكون أنت الثالث، وكلما طبع لك أثر، أو نشر لك مقال، ابعث به الي، وهنا فور حضور أي شخص الى أستراليا أبعث معه حصيلة ما قمت به من جهد واعلام. فإن الاعلام، على حد ما تقول أنت، خير وسيلة لنشر الكلمة.
   أكرر شكري وحبّي الدائم لما أبديته نحوي مع الاخوة الأحبّاء، ولاسيما "أنطوان"، مع تقبيل يد "أم انطوان" التي لا أجد بعد أمي أحن منها أماً، فقد حضنتني كولد وحيد، وكثيراً ما تترك مسبحتها وتهرع لترى ما يريد ضيفها، وما يتمنى، وما يحتاج اليه.
   وحين عرفتها، لم أعجب كيف، والحمد للرب، نجحتم، لأن هذا النجاح، وكل نجاح، وراءه أم عظيمة، ومن أعظم من أم أنطوان؟
   اخوتي.. أصبحت الهاجس الأهم عندهم، رسمك في بيتنا، وفي قلبنا، واللبنانيون يعرفون عنك الكثير، وأنا أوالي نشر اسمك وكتبك بينهم، عساهم يرونك مواجهة في لبنان الحبيب، عندما تسنح لك الفرصة، فنعمل معاً في سبيل الوطن والفكر.
   كل الذين يعرفونك هنا يسلمون عليك بلهفة واعجاب "فرداً وفردة"، مكرراً عاطفتي وشكري وامتناني للرابطة التي تحيي التراث تحت كل سماء، ولك، ولا شك، الفضل الأكبر.. متمنياً أن نتلاقى دائماً، ولاسيما تحت سماء لبنان.
جبيل 30/11/1991
**
أزمة ضمير
     يا شربلي الحبيب
    بيت الحداد في أزمة ضمير "فختولي دينيّي" تلفن لشربل، وانا حردان، زعلان، تلفان... شربل وينو؟
     سؤال هاجسنا ليل نهار. ولو كان يوجد آلات تسجل الهواجس الليليّة لتكسّرت من الضغط عليها بسبب هواجسنا فيك. والله وبالله وتالله عاملّنا مشكلة بالبيت.
     انا بقلُّن تلفنتلُّو ميّة مرّة ما بيصدقوا "تلفن بعد" يا ويل العاشقين قديش بيتعذّبو.... دخلك خبّرنا عنك لا الخلويّ بيرّد ولا العادي بيرد.
     هل اصبحت استراليا حقّاً القارة البعيدة ؟
جبيل 14/1/2010
**
أسلاك خفية
   شربلي الحبيب
    لاوَّل مرَّة تغلق بوجهي كل وسائل الاعلام: هل أنت خارج الزمن بين سمع الارض وبصرها؟! 
   منذ اول الاعياد وانا اتصل بك في البيت، وعلى الخلويّ ولا تردُّ.
   فاذا كنت مشغولاً فلا لوم عليك.. اما اذا اردت القطيعة فنحن الحدادون لنا اسلاك خفيّة يستحال قطعها بيننا وبينك.
     اين انت؟ فيما اي ارض؟ فيما اي جوّ؟ هل خطفتك الملائكة ام الجن؟
جبيل 11/1/2010
**
أطل شربل
   ها أنا في "أيكتي" المتصوّفة في عين كفاع بين الأزهار والورود والسنديان، أجلس لأتحدّث، وكلي عذوبة، الى روحك، لأنعم من مناعم نسيمات لبنان.
   لقد كان يلحّ هاتف ذات صباح، ويطرق عليّ من شركة "كتانة": لك كرتونة كتب من أستراليا. وهممت صباح اليوم التالي الى بيروت، فإذا المنطقة غارقة في القذائف، مما تعذّر عليّ تسلمها، إلا نهاية نيسان، حين عادت الحياة الطبيعية الى عهدها الأول، وفتحت الأسواق، ولشدّ فرحتي حين شرعت أفضّ الكرتونة، فكأني أفضّ كنزاً غالياً، أشده الى قلبي، فلقيت الكتب القديمة والحديثة مع الشرائط والتسجيلات المرسلة، فشرعت أستعرضها على المسجلات والتلفزيون، ولهفتي عارمة بطلعتك البهية، أدلّ اخوتي والآخرين كلما أطللت بقامتك الهيفاء، حتى صار الحاضرون يرددون: "هه، هه، طل شربل.. طل صاحبك".
   والحقيقة، بكيت مراراً لأسباب عدّة، منها حماسك المعهود في سبيل الوطن، وسبيل الفكر، والذي أبكاني من الفرح، هو النشاط المذهل الذي لم أكن أتوقعه في أستراليا، فبدل العمل المتواصل في الغربة القسرية، التي يعانيها اللبناني في سبيل كرامته، راح يعمل القلم في الاصلاح وخدمة الفكر والانسان.
   الواقع، لقد لفت نظري كتاب الاستاذ محمد زهير الباشا بما فيه من عمق وتحليل، وقد كنت أطالع له فيما مضى في المجلات اللبنانية، ولقد وقع بين يديّ أمس مقال له نشر في مجلة "الانطلاق"، السنة الأولى العدد 7 ـ 1961، وقيد قوله: "المرء الذي يتألم من فكره، يسير الى تحريره.. الانسان المثقف هو الانسان المتصل بالحياة، وبسبل الحياة.. المثقف يعيش مع سبحات البسمة الناعمة، ولا ينحني للآلة، أو يخاف فوران الصاروخ قبل اندلاعه.. قلبه يصلي لدفقة الروح، ولنغمة التردد، ولانتظار موعد". هذه النتف من مقال بعنوان "ثقافتنا المعاصرة".
   لقد عشت معك طوال هذه الأسابيع، أقرأك حرفاً حرفاً، وشرعت أتصل بالأدباء، أخبرهم عن نشاطك، ونشاط اللبنانيين في الغربة. كما أن كتبك تتصدر مكتبتي الواقعة في قلب جبيل، يؤمها الأدباء والمتأدبون. وبودي اهداء الصحفيين والكتّاب الذين ينوون الكتابة عنك، ولقد أهديت حتى الآن العلامة الأب لويس أبي عتمة، الكثير من كتبك، وطلبت منه كلمة ينشرها في الصحف، كذلك قدّمت كتبك للدكتور الياس الحاج، وهو دكتور في الفلسفة، يدرّس في مدارس عدّة، وله قلم بارع في اصطياد الكلمة الرائعة. وعما قريب أوقع بعضها الى الاستاذ "نسيب نمر"، وهو يكتب في الأنوار والنهار، ولا شك تعرفه من بغداد.
   جلّ ما أقول ان التحدّث عما تقومون به في الاغتراب سيكون شغلي الدائم، وعما قريب سأبعث اليك بمقال أصف به حفلة التكريم التي قمتم بها للاستاذ الباشا، متمنياً أن توافوني دائماً بمقالات وقصائد من جميع المفكرين والشعراء، فأنشرها لكم في صحفنا ومجلاتنا اللبنانية. 
   وبهذه المناسبة أعلمك أنني استحصلت على رخصة مجلة أدبية فنيّة اجتماعية، كل شيء ما عدا السياسة، باسم "بيبلوس"، للنشاط في اللغة العربية واللغات الأجنبية. وقد كنت عزمت على المباشرة بإصدارها مع نخبة من المفكرين، لكن الظروف المعهودة حالت دون تتميم الأمنية.
   لقد أدهشني أيضاً كتاب "يوم محمد زهير الباشا" وفوجئت بأدباء كبار، وشعراء كبار، لم أكن أسمع بهم من قبل، لا أقول انهم مغمورون، فلربما، قصر باعي في القراءة، حجبهم عني من قبل.
   أثرني فؤاد نعمان الخوري بقصيدته التي غنّى بعضها في التسجيل، أبكاني مراراً بصوته وعاطفته. إن فؤاد صديقي، ولنا معاً في "الأيكة" ذكريات، وله في عين كفاع، وفي صديقه عصام، أبيات كثيرة.
   وأذكر اني قرأت قصيدته في الأنوار، وصدقني كل مرّة أقرأها تدمع عيني للعاطفة التي في قصيدته، ولـ"مجدليا" التي صار حبّها يعمل في قلبي عمل الذرة. قبلاتي الى فؤاد واعجابي.
   بهذه العجالة، لا مجال للاشادة بالمفكرين والشعراء، فلسوف أتكلّم عنهم مسهباً قريباً في جريدة "الأنوار"، وارسل لك المقال مع فرقة مسرح نبيه ابو الحسن الآتية الى أستراليا خلال هذا الشهر، لأن حامل رسالتي اليك ينتظرني بفارغ صبر.
   اعذرني على السرعة. فالآن أتوقف عن الكتابة، وفي داخلي فيض عارم من الحب والكلام اليك يا شربلي الحبيب. جمعني الله بك ولو في جهنم. وصرت بعد الذي تعملونه وتعملونه في أستراليا أتمنى لو انضم اليكم أو تنضمون الينا.
   فعسى فرج من عند ربّك قريب. أعانقك بشوق أنت تعرفه.
عين كفاع 10/6/1990
**
أعجوبة شربلية
     كيف إمارتك في هذه الأيام.. إن شاء الله تكون على "قدّها"، وقد أضحت عالمية؟
   لا نجسر أن نكلّمك إلا ونحن لابسو "السموكن"، والكرافات، والكعب الواطي، خاشعين للعظمة "البعينية" العريقة التي لا ترى فوق سمائها سماء.
وصلت رسالتك الأولى بأعجوبة "شربلية"، طبعاً شربل بقاع كفرا، لا شربل مجدليا. 
   رسالتك لم تستغرق سوى خمسة أيام. فهل أن ساحراً ما قذفها على أجنحة الطيّارة؟ أم هي حرارة عواطفك جذّفت بها الى المقلب الآخر؟ المهم، ان البريد بخير.
   أما المجلّة، فقد ظننت نفسي خرفت لما وجدتها، لكن تراجعت عن تهمة نفسي لنفسي لما أدركتها في محفظة إحدى المعلمات. أرجّح، لا بل أؤكد انها أعجبت برسمك الساحر المسحور، وهيبتك "الدونكيشوتية ـ الفالنتينية، فقطعتَ رزقتنا، ولولا لطف الله، لما أفرجت هذه المصون عنها الى الابد.
   أما رسالتك الثانية، وفيها تخبرني أن المياه لم تزل مقطوعة.. رغم إني حمّست "ايلي ناصيف" على أن يعبّد القناة، وقلت له: مسيرتكم في الرابطة سيدوّنها التاريخ، فحرام أن يتخلّى عن الركب "زيد" أو "عبيد".
   وهنا يلومونني اني أنشر غسيل لبنان على سطوح الغير، والحجة ان علينا بالترغيب لا بالترهيب، فشعرت للوهلة الأولى اني ارتكبت جريمة هيروشيما أو ناكازاكي أو ناطحات بن لادن، ثم تراجعت لعلمي ان الغير يعرفنا كما نعرف أنفسنا، ولكن أنا باقٍ في غمي وهمي، ولن أخرس لساني إلا في التابوت، ما دام في البشرية انسان معذب، وفي وطني انسان مقهور، فبين ضلوعي مسامير ، وفي عيوني مخارز، وفي قلبي جراح، حتى يتعافى الوطن والانسان من القهر والعبودية والضياع.
   وقّاك الله، ووقّاني من أولاد الحرام، لا من الجراح، فالجراح تصفّي وتنقّي، وأما أنت، السيّال الدائم بلا جراح، فلا حرج عليك.
   أهلي.. بالجملة والمفرّق، يبسملون حولك وحواليك ليحفظك الله بكل خير وسلام.
الداعي لامارتك بالخير..
جبيل 18/9/2000
**
أكبر كنز
   لا أعلم بأية لغة أكلّمك.. وهل بيننا إلا لغة واحدة؟ أوَ تعطّل الكلام وكلّ ما فيه من لغات؟!
   واصل لك آخر رسم لمن تحبّ كنفسك، فإذا راقك أكون قد نفّذت المهمة، وإلا فعلى أجنحة السرعة أوافيك برسم آخر.
   وإذا كان من اعتراض على شيء، فأنا مستعد أن أوافيك بكل ما تطلب مني، مكرراً الشكر لعظمتك وامارتك.
   ثمّ أسائل ما الذي دفعك لتحبّني كنفسك، ولا مرة صدّقت ما قيل بأن الصديق مستحيل الوجود. ليس اليوم بل من زمان، فحين وجدتك أنت، وجدت أكبر كنز في الدنيا، يا أغلى كنز على قلبي.
جبيل 19/3/2002
**
الحب الآسر
 قد نكون وحدنا سريعيْ الاندماج قلباً بقلب.. والأصح أنت المتفرّد بهذا الحب الآسر الذي ترعى به محبيك.
   من حين رجوعي الى وطن "الغربة الطويلة"، وأنت ملء قلبي، وفكري، وقلمي، وكم سررت حين وصلني كتابك، وكتبت مشاعري نحوك، فأبعث به اليك.
   أرجو أن نواصل الرسائل.. وقد أذهلني توثبك الدائم الى الأفضل، فكراً ووطنية وصفاء، ويا ليتني قربك لأساهم معك في عملك لأجل الفكر، ولأجل لبنان.
   أماشيك في كل ما تعمل من خلال أقوال الأدباء فيك.. وقد أذهلني أيضاً قلم وكلم من المقيمين في أستراليا الذين يقيمون النهضة اللبنانية، ويعلون مجد لبنان.
   ثق بوفائي الدائم، وحبي الوفي. أرجو أن تكون دائماً في صحة تملأ تلك القامة الجبّارة، مرحاً وزهواً وصفاء.
   حبّي وإعجابي بجميع الأدباء عندك، ولسوف يتاح لي إن شاء ربي أن أجتمع بهم رسل محبة ووطنية وسلام.
جبيل 25/4/1988
**
الخلّ الوفي
   أنت دوماً معي، تلازمني كالفكر والروح، ولا تهمّ بعد لا المسافات ولا الزمان.
   ثق أنه لا يمر يوم دون أن أتحرّق على أيام "سيدني" التي ودّعتها بالدموع.
   ولقد عرّفتني تلك السانحات، أن الحبّ لا يكون بطول العشرة دائماً، بل ربّ لحظة، نزلت فيك الى الاعماق، وسمّرتك على ذراعيْ من تحب الى الابد.
   أنادي بك حيث أحلّ، الخلَّ الوفي، وقد عدّ ظلماً، ثالثَ المستحيلات، فها أنا أقسم ويدي على كنيسة "مجدليا" أني وجدته فيك، آتانا اللهُ أمثالك، كثيرين.
   لقد أقامت الاذاعات هنا، الرسمية وغير الرسمية، معي مقابلات، وكل الصحف، واني سأبعثها إليك تباعاً، كما سأرسل المجلاّت والتسجيلات، فاذكر صاحبك بالخير، وراسله دائماً.
   لقد ذكرك رفيق روحانا في مجلّة "الشاعر"، والكل هنا أصبحوا يتشوّقون إليك. أرى من الضروري أن تواصلونا بنشاطكم، وأنا بدوري أمثّلكم لدى جميع المسؤولين، فإذا أمكن ارسال كل ما تكتبون لأنشره هنا في الجرائد.
   دعائي الى المسيح المنتصر يوم قيامته، أن يبقيك، كما أنت، مفخرةً لمحبيك ووطنك، وأن يزيد يراعتك خصباُ وعافية ومضاء.
جبيل 19/4/1992
**
السفر الى أستراليا
   "عدة مرات لمّح لي الدكتور عصام حداد برغبته في السفر الى أستراليا، وكنت في كل مرة أحاول جدياً أن أحقق رغبته، كان يقول: ولمين بدي أترك لبنان.. للوحوش والغربان. لا لن أسافر. وعندما جاء الى أستراليا لاستلام جائزة جبران العالمية عام 1991، سألته ان كان يريد أن يبقى معنا في سيدني. فأجابني وهو يضحك: أنا جايي آخدكم معي.. لبنان اشتاق لولادو".
   
   لا أذكر أن أحداً اجتاح قلبي بمثل ما اقتحمته أنت. وكنتُ فخوراً بأن بغداد كعبة المعرفة، عرّفتني بك، فحملتك في فكري وقلبي وعيني.. ولم يبرح صوتك يدوّي في كياني، وضحكتك تتمثّل أمامي، وطيفك يماشيني في ليالي بغداد الأنيسة، حيث كنا نتوكّل متسامرين فوق دجلة، ننشد الشعر ونروي الحكايات.
   حدث منذ شهور أن كان قاضي المدينة أنطوان الشدياق في زيارتي، وأنا أقرأ مقالي عنك في جريدة "العمل"، فقال ان نسيباً لي يسافر غداً الى سيدني. فأنا أودعه مقالك ليصل الى الاستاذ شربل.. وهكذا فعلت، وهللت للفكرة، وجئت اليوم صحبة أخ متوجه اليكم أخاطبك.
   وصلني كتابك بعد شهر من كتابته، فسررت جداً، وتمنيت لو كنت بقربك في أستراليا، فنقيم للأدب أعراساً، ونجعل نهضة أدبية عارمة للفكر.
   وها أنا ارسل اليك هذه الكلمة لاستفسر اذا كان بالامكان الذهاب لعندك بطريقة ما، وسألت فقيل لي يمكن عن طريق السفارة، تطلبك كأديب، أو عن طريق المطران أو الرهبان أو الراهبات بحجّة انهم بحاجة الى معلم او محاضر.. وأنا وانت التقينا وتصافينا الود، وان شاء الله سنلتقي دائماً.
   أتمنى أن أعرف اذا كان مرادك هذا العام الذهاب الى "المربد". أخبرني عن نشاطك، وارسل لي كتابك الجديد، وسوف لا أقطع بك أية صلة، فكتبك عندي، أقرأ بها هذا البواح العفوي، بواح رجل يحبّ أن يكون صاحب رسالة فكرية، والغربة تصقل، والعذاب يرهف، وانت لك كل المؤهلات لتكون الرجل القائد الذي يعمل من محيطه مدرسة وطنية، تنقل الوطن الى الاغتراب نضارة شباب لن يموت.
   أصافحك بحرارة أنت تعرف مقدارها.
عين كفاع 2/8/1988
**
ألم
   شربلي الغالي
   تحيّات أنت تعرف مقدارها وحرارتها باقية كما عرفتها، وستبقى لأنك أهل لكل محبة ووفاء.
   ها أنا أعود الى المعهد مستأنفاً حياتي العادية، شاكراً العناية على كل ما أولتني لخيري ونجاحي، مستفيداً من الألم الذي عرّفني ذاتي أكثر، وقرّبني من الله.
   أشكرك على اهتمامك بي، فكل ما أعمل لا أقدر أن أردّ اليك الجزء اليسير من أفضالك. كافأك الله، وحفظ لك فكرك وشبابك الدائم، وكل آل البعيني الذين يحملون بركة الأم القديسة. فإلى تراباتها المباركة صلاتي ومحبتي.
   بمناسبة الفصح المجيد، أتمنى لك ما تتمنى لنفسك، يشاركني بالمعايدة سلوى وسمير وسامي.
جبيل 18/3/2008
**
المربد
   على المرفأ التقيت أحد المسافرين الى أستراليا، فسألته عنك، وها أنا هنا على الرصيف في مرفأ جونيه، والشمس "الغزالة" طالعة من وراء جبل حريصا.. أكتب اليك:
   أنا مشتاق جداً لرؤيتك، وقد تسلمت دعوة الى "المربد"، وخفت ألا تحضر، لأن "المربد" بدونك لا يحلو، فالشعر يذوب من روحك عفوية، ورقّة، فيؤثر في كل قلب.
   أرسلت لك ضمن رسالة القاضي أنطوان الشدياق، مع قريب له، دراسة عن ديوانك "الغربة الطويلة"، فعسى هذا المقال الذي كتبته بمحبة قد وصلك أيضاً.
   اليوم أخاطبك، فأرجو أن تطمئنني عن نشاطك، ولا تتأخر عن "المربد" فأحب أن أراك.
   شوقي لك لا يحد.. فاذكرني.
جونيه 26/9/1988
**
الوطن الشهيد
 ما أن أفتح عينيّ على فجر بهي كروحك، مشرق كابتسامتك، والساعة هي الرابعة لبث خواطري في خيمتي العالية حد الأفق، تساعفني زغاريد العصافير المستفيقة في "أيكتي" لتبعث اليك معي أحلى مشاعر المودة والوفاء.
   ويا للمصادفة، وأنا راجع أمس من عند سميّك "شربل القديس"، ولقد ذكرتك بمناسبة عيده، وقلت له" احفظ يا شربلي القديس شربلك الشاعر، ولا تنسَ عبدك أنا التعيس. إذ بي أتلقّى مكالمة هاتفيّة بأن احد الذاهبين الى أستراليا على استعداد لتوصيل رسالتي اليك.
   واصل لك تسجيل لمقابلة اصطحبت معي بها الأديبة ابريزا المعوشي، أجراها الاستاذ الشاعر رفيق روحانا، عساها تعجبك. وقد وزعت معظم كتبك على الأدباء في كل لبنان.
   ولا شك أحبوك لأنك تحب وطنك، وتعطيه بعفوية وصدق من قلبك وروحك وبيانك، أرانا الله وجهك بخير مع كل الأدباء الذين يقيمون نهضة أدبية في أستراليا، يقيمون لبنان آخر حيث يحلّون، ويرفعون علمه فوق كل علم.
   اعذرني على كتابتي بسرعة هذه الوريقة، لأني متوجه حالاً لارسالها اليك مع الذاهب الى أستراليا، متمنياً دائماً أن تواصلونا كلكم، أدباء لبنان، بجديدكم، ونشاطكم، ومساعيكم لخدمة هذا الوطن الشهيد الأبوي.
   وفقكم الله بكل الحقول لتظلوا تعطون للأمة وللفكر.
   أعانقك بشوق مكرراً الدعاء لصحتك وخصب يراعتك.
عين كفاع 23/7/1991
**
الوفد الأسترالي
 من سنة الى سنة أنتظر "المربد"، فقد تحاببنا، ولم أعد الى بغداد هذا العام إلا أملاً برؤيتك، فقد ملأت قلبي وعيني.
   ولو كنت مصوّباً إليّ جهازاً تلفزيونياً ولاقطاً، لرأيتني أتنقل من فندق الى فندق، أسائل هذا، وأسلم على ذاك: دخيلك متى يصل الوفد الأسترالي؟
   ولكن الوفد وصل، ويا للمفاجأة حين اتصلت بالاستاذ جاد الحاج ويجيبني: شربل مش جايي هالمرة.
   على كل حال ربما أنت ارتحت، ولكن واحياة عينك أنا حزنت وحزنت وحزنت.. وأحسست أن "المربد" بدونك ناقص.
   المهم أن تكون على ما تحب من صحة وعمل. وقد بعثت اليك برسائل عديدة، بعدما تسلمت رسالتك، شاكراً على ما نشرت في الجريدة عندكم، وقد نشرت مقالاً عن "الغربة الطويلة" أبعث به اليك.
   أتمنى أن تراسلني كما وعدت، وتخبرني عن أحوالك، وأنا دائماً أتحيّن الفرص لأكتب اليك.
   أتمنى لك أن تظل في انطلاقتك لخدمة الفكر والوطن مع اللبنانيين عندك، وأعانقك بلهفة أنت تدريها.
بغداد 30/11/1988
**
أنت العيد
   شربلي الحبيب
ستبقى أنت العيد..
مهما كرّت سنون.
وليس غير الحب يبقى وغير الفكر.
لذلك أنت باقٍ في قلبي
وفكري، وعيني
نبضاتِ وصوراً الى الانقضاء.
جبيل 18/12/1992
**
أنتم أمه وأبوه وذووه
   يا أحلى من المواعيد وصحوة الخير في النفس الطهور، ما زال في حيّنا ظلّك، على الزنبقات يتساحب في الضحوات وعلى ضوء القمر. ها قد شرّعت لك القلوب، لتفلت لك من الحناجر كل الأهازيج على الرّحاب.
يا ضيعانك يا شربل بعيني، تخلّي لبنانك مسرحاً للخفافيش والوطاويط، أنت الذي ربيت هنا على رأرأة الضوء، ورقرقة الشلاّل، ومسار العبير.
أين تغنّيك بأرزات هذه الرواسي الطالعة إلى السماء، أنت يا أطيب من نغمة المنجيرة، وأحرّ من النبض، وأعزّ من المجد وفصاحة العنادل؟
بروحي تلك الأنامل المشيقة تسلخ من شرايينك الحروف، وتحبكها حكايات سنيّة، وترانيم لاهبة تُشَدُّ إلى القلوب والعيون.
لقد فرشت لك الأهداب: يا هلا بطلعة ذلك الوجه الرضيّ والضحكة الصخّابة كقصفة بريق وشهقة رحيق. ها إنّي أطرح الصّوت على العباهر وأطباق الحبق في الحيّ لتلتمّ في مهرجان ملاقاة الحبيب.
أضحى الوطن فعلاً ماضياً ناقصاً، إلَّـم يلتحم به شطره الآخر ليتمّ.
إنّه أليف كلّ همّ بلا أمّ، لأنكم أنتم يا أهله الطيبين، أمّه وأبوه وحموه وفوه وذووه الأحبّاء الأصفياء الأوفياء.
أما جبلتموه بالعرق، بالدمّ، بالدموع؟ أما حملتموه رايات على مفارق الأمـم؟ لينزلق من بين أصابعكم كالزئبق والماء والهواء؟
الأمهات على الموانىء في شواطىء لبنان اللاهفة إليكم، يلوّحن بالمناديل للعائد من الغربة المالحة، يكسرن على العتبة الرغيف، ويدلقن النبيذ المعتّق، وينثرن الحندقوق والياسمين، ويلبسن العيد.
ماذا تعمل أيّها الحبيب في بلادٍ تسوس الهررة والكلاب أكثر من الإنسان؟
كفاك تزهق العمر على الرماد مع أنفاث لهاثات المدنيّة المتوحّشة والتكنولوجيا العمياء.
إن لباس الجنفيص هنا أنعم من الحرير المستعار هناك. وإن المساميك العارية هنا أندى من الناطحات هناك.
حتّى مَ البحر يجوع ويجوع؟ ونحن نأكل المرارة على الشموع بعيون مطفأة ويباس هذه السّحن في غمرة الضباب؟
متى يجفّ سيل الدم عن البحر، وتزهر العظام النخرة تحت السنديانات العتاق، ويجبر خاطر هذا الوطن المسكين الكسيح؟
لا لـن تعيش هنا كالضبّ، يا من عمّرت لك حيث عشت، حدّ وطنك، وطناً آخر، ونسجت من رموشك وعروقك راية وراية، فمعك هنا زند آخر ينبت معك الربيع والدفء والخير.
يا هلا بك تفقأ حصرمةً في عين الدهر المشتّ.. فها إنّ قلبي المشلَّع المنعصر عليك، على التلّة الغارقة بالضوء والعبير، قرب ذلك المعبد العتيق، ها إنه يشفى من شماتة العوازل وتمزّق الوداع.
لا لن ينشرنّ أحد، بعد اليوم، على صنوبر بيروت، إفلاسي منك يا شربل، بل أنادي من ينادي معي، صبايا بيبلوس ليهيّئن لعشتروت وأدونيس، التاج والصولجان.
**
انخطاف وخدر
   أعيش هذه الأيام بانخطاف وخدر، فبمثل هذه الساعات الهانئات 1991 كنت في "سيدني"، في تلك اللحظة التاريخية من حياتي التي جمعتني بك.. أسمع كلماتك المعندلة في جوارحي، وأتلمّظ ضحكاتك وثورتك وتعابيرك وحركاتك، حتى صرت تعيش معي لحظة لحظة "وإذا بدّي قول أكتر بتصير منّي تقل دم".
   قرّب الله اليوم الذي يجمعني بك، ولو بجهنم موطن الحلوين، بعدما قرأت كتبك الأخيرة، صرت أغار من كل الذين يعشقونك.
   قرأت "قرف" فوجدتك فيها على أعلى قمم الثورة. وقرأت "قصائد ريفية" فأعجبت بأسلوبك الخاص الجديد المميز. كدت أقول في نفسي لنفسي: هذا ربما يكون في مقدمة كتب شربل النثرية في الفصحى.
   أتذكّر هذه الأيام ربيع سيدني، فأنعصر "كلّي سوا" يوم رحنا على شط البحر، ويوم كنت أنهض صباحاً على أصوات طيور الحديقة تقيم مهرجانات الى جانب مهرجاناتك الشعرية الدائمة المترقرقة على أفنان الأرز، رقرقة مياه قاديشا، وهديل الحمائم الزاجلة في ربوع "مجدليا"، حيث عشت في ذلك البيت الذي سيتحوّل مزاراً للشعر.
   أتمنّى لك دوماً وفرة الخصب والعطاء، مع جودة الصياغة المتجددة، متمنياً ليوبيلك كل النجاح، وهو ولا شك في أوج النجاح حسب الخطباء الذين سيتبارون في تكريمك، وهم على ما يظهر من أرباب الكلمة، وأتوقّع للاستاذ نعيم خوري قصيدة رائعة.
   أكرّر تهنئتي لك، ويشاركني بها اخوتي سلوى وسامي وسمير، وجميع أعضاء الهيئة التعليمية في معهد الأبجدية وطلابه، سائلاً الله تكراراً حفظك كما أنت "شبوبية، وصحة، وشعر.. ودقيت ع الخشب".
جبيل 24/11/1993
**
بالعامية
   أعجوبة إنو بعدني بحبّك!
   عادة اذا الانسان عندو مرا حلوي كتير بينفر منّا بعد عشر سنين، كيف اذا كان عندو دكر حرزان متلك. والله أكبر أعجوبة انو بعدني بحاكيك.
   بأيش ملهي بهالايام؟ ليش ما بدّك تجي ع لبنان؟ اشتريت الشقة تا تصير تجذبك. يمكن المشكله بالبوسطة فزّعتك. نحنا محتاجين ليك.
   رح بشّرك إني صرت عم انظم شعر عامي، انشالله قريباً ببعتلك شي يعجبك.
   العزيز الغالي جوزاف بو ملحم كان عندو يوم تاريخي بعيمار. ألوف البشر حضرت الاحتفال.
   أثرتني كتير عاطفة المغتربين نحو الوطن. ترك كل الناس، ورافقنا ع أكل الهريسي، لكن لحد هلّق ما قبل عزيمتي ع عين كفاع.
   يمكن المغتربين معجوقين فيه، ووقتو ضيّق. رح حاول بعد. وبكل مرة بتكون انت اللازمة او الردة.
   باعتلك كم "فشّة خلق". الشي الما بيعجبك لا تنشرو أحسن ما القراء ينشروني. على كل حال بتضل لساناتن أخف وطأة من لسانك. بتعجّب كيف خلولك هاللسان اللي بمليون فراشي.
   باعتلك "مناجم وأهراء"، عطي رأيك بصراحه، لا تنشر عرضي ولا توفّرني.
   سلم لي ع الاساتذه بطرس عنداري واكرم المغوّش وايلي ناصيف، كان واعدني انو بدّو يجي ع لبنان ويفتح شغل. مأكّد انت غيرتلو فكرو، وصرت تخبرو عن الشوفاريي بطرابلس، ومشاكل البوسطات، وسواقة محسوبك، اللي انت وحدك ما عجبتك، وهون عجبت كل الرجال والستات.
   أيش عم تكتب بهالأيام؟ مين لاهيك؟
   سلوى وسمير وسامي بيسلمو عليك. لا تطوّل علينا.
جبيل 8/9/2000
**
براءة شربل بعيني المحببة
   لعلّ شربل بعيني من القلّة من الناس الذين يمدّون للحال أسلاكهم من قلب لقلب.
   عرفته صدفة في "المربد" مهرجان الشعر في العراق، يباهي بانتمائه إلى شعراء المهاجر، وبأن الإنتشار يحمل مشعل الرسالة الوطنيّة على أوفى ما تكون الأمانة، ويكون الإيمان بالوطنيّة والمجد والخلود، فأكبرت فيه هذا الهوس الفريد في حبّ لبنان، يجنّد له كل قوى الفكر والعطاء في أستراليا مع كوكبة مختارة من أهل القلم الذين رفعوا علمهم فوق كل علم. 
   وكم أصابتني قصيدته المربديّة عندما تحدّث عن غربته وقهره واحتراقه، لكن هذه الغربة، وهذا القهر، وهذا الإحتراق، كوّنت منه شاعراً يحس آلام الآخرين. 
   ولا عجب، فقد عمل ويعمل في سبيل أمتّه، ومتى كان المهاجر غير قلب لبنان النابض وشطره الأحبّ؟
   الشعر هو إخلاص ومعاناة، وقد لمستهما فيه، وأعوذ الشعر من الهذيان، والمذاهب المصطنعة، فمهما أطلقوا عليه من تسميّات تبقى أحلى تسمية له "الشعر" فقط، لا قبل ولا بعد، ولا فرق بعدئذ كيف جاء لباسه، شرط أن يدخل القلب، ويدعو إلى رسالة وتجدد ومجد.
   قرأت له "الغربة الطويلة"، فأصبت للبناني متوثّب شرّدته الأيام عن وطنه الأم، ولكن الجراح كوّنت منه لحناً شاعرياً كالغدير المترقرق على هوس ومباهاة بحبه الوفي، بقلبه المعطاء، بلبنانه المجروح.
   ولا يتورّع أن يدلّ على عورات وهنات، وهذا هو الصدق، فالدلالة على الخطأ للاصلاح رسالة المفكر الذي يريد أن يكون شاهداً على عصره، وصدى لشعبه، ومرآة لبيئته، وعصباً ودما في جسده، وظلاً يقيه العاديات.
   وقرأت له "كيف أينعت السنابل؟"، فلمست براءته المحببة في إظهار مكامنه كيف جاءت، شرط أن يفهم الجمهور قصده، ولا فرق عنده كسر بيت أم رثّ تعبير، ويقول إن هذا تجديد في الصياغة العربية، وإنه لا يريد من أدبه إلا أن يكون واضحاً، والحال إنه كالشمس وضوحاً، وكالبراءة صفاوة، وكالجدول عطاء.
   شربل يعطي من قلبه بعفوية الينبوع والورد، وتقع على شطحات من قلمه رائعة، تبشّر بغدٍ مثمر، يعد له مجداً أدبياً في عداد أدبائنا الكبار.
   وحسبه انه يبذر في روح طلابه ومعارفه الروح الوطنية والروح الانسانية البعيدة عن روح التفرقة، التي كثيراً ما تستفيق في شرقنا الملوّع، فتحط به عن الرفعة بمصاف الأمم.
   كم أتمنى أن يقرّب الله ذلك اليوم نتلاقى فيه كلّنا تحت سماء لبنان فنبنيه آية في الأمم.
 صوت المغترب ـ العدد 974 ـ 18/12/1988
**
بساط الصيف
 من هدأة "الأيكة"، من عين كفاع، وأنا مستقلّ فيك، مستلقٍ على حصيرة مفروشة على أوراق السنديان، أحتويك بعيداً عن كل الكائنات، إلا عن طيفك وضحكتك ونبرات صوتك، لأكتب ما تمليه عليّ إحدى الحلوات التي دفعت إليّ هذه الورود.
   سررت جداً برسالة الرئيسة الحبيبة كونستانس باشا، لما فيها من تقدير ومحبّة لشخص عصام حدّاد، طبعاً، الحامل جائزة جبران، وتأكدت أن قلبي لا يغلط في حبّه، وأنا دائماً أذكرها بإعجاب، وأذكر على مسامع معارفي الأدباء، كل من عرفت وأعجبت بهم في أستراليا.
   وبما أن بساط الصيف واسع، سأوافيك بأخباري مع من يأتون للصيف في لبنان. ولا أعلم لماذا ترفض المجيء، ولو بزيارة، مع التأكيد لك بأن كل ما ومن كنت تتخوّف منه وتشمئز، زال أو كاد أن يزول.
   فهلاّ جئت ولو لشهر واحد لدرس الوضع؟ وأنا أطمئنك انك ستكون مسروراً جداً، ولاسيما بالحياة التي تنوي أن تعيشها في لبنان.
   الجائزة هذا العام ستوزع على ثلاثة:
ـ الآنسة رلى فراعة من ضهر العين، طالبة في علم التجميل.
ـ الآنسة كريستيان عقل.
ـ الطالب طوني القصيفي.
   وعندما نقيم حفلة التخريج سأبعث لك بالفيديو.
   لا أعلم لماذا عندما أتذكر "أم أنطوان" تزدحم الدموع خلف جفني، فبحياتك قبّلها عنّي عشرين بوسة على يدها.
   بودّي أواخر هذا الصيف طباعة كتاب على غرار "أعياد الجمال" الذي أعجب به الأستاذ فؤاد نمّور، واسم الكتاب "مهد الآلهة"، وفور صدوره أبعث بعض النسخ اليك.
عين كفاع 17 تموز 1993
**
بوركت لك إمارتك
 لم نكن ننتظر، لا من الشرق ولا من الغرب، ليطوّبوك الأمير، فأنت مطوّب على قلوب محبّيك من زمان.
   يكفي هوسك الدائم بلبنان، وجهدك المستمر في سبيل الفكر، وعملك ليل نهار، في الخفاء، لتنشىء طلابك على التشبّث بوطنهم الأم.
   من قال، إن الذي، منذ ثلاثين سنة، يسكن أستراليا وكأنه نازل لتوّه من مجدليّا، ببراءة الروح، وحلاوة القلب، وصفاوة الفكر، ونضارة الأدب؟.
   تلك هي الأصالة فيك، تبقي على معدنك الأصيل.
   ومهما سبكتك الحادثات، تبقى، الإبريز في مصهرة الأيام، خالصاً نقيّاً لا يشوبه تراب.
   يكفيك أنك حامل في الغربة، همّ الشعر ومجد الوطن. تدلّ على العورات للاصلاح والصلاح، تحفز هذا، تؤنب ذاك، ودائماً، في هيصتك المعهودة، ولجاجتك المحبّبة، واسلوبك القاسي اللذيذ.. إذ أن وراء ضلوعك قلباً لا يعرف الحقد، ونيّتك دائماً، ننتحل لها آلاف الأعذار، ونفترض لها دائماً البراءة. إذاً مغفورة لك خطاياك، فلا لزوم لكرسي الاعتراف.
   أتمنّى ألاّ تبهرك الامارة، فترمي منجلك أيها الحصّاد الماهر، الذي تحصد الأخضر واليابس، ولا تخلّي وراءك إلا كما تريد، أو العفير أو الاخضرار.
   لقد أضحت مسؤوليتك أكبر، وعيون الشعر والأدب عليك، ليس عشرة عشرة، بل ألف عين وعين.
   وقّاك الله من إصابة العين، يا من أنت في قلب وعين صديقك عصام حدّاد.
جبيل 11/4/2001
**
بيبلوس
  شربلي الحبيب
    ربما تقول عصام نساني وقطع بيننا كل صلة. لكني طوال هذا الصيف كنت في عزلة دائمة في عين كفاع واليوم عدت الى المعهد .
    قرَّرنا اصدار مجلَّة كما اخبرتك سابقاً اسمها "بيبلوس" ثقافية جامعة. 
   كثيرون يلومونني على المغامرة ولكن ما يدفعني اكثر هو انَّ احدهم اعجبه الاسم فصادره. وقد طرحت الصوت على جميع وسائل الاعلام فلاموه، ولاسيما لا يوجد لديه ترخيص ولا يمكن لاحد ان يصدر مجلّة بهذا الاسم، لذلك اقدمت على المغامرة ساعياً متكلاً على الله .
     كيف حالك بعد هذه المدة الطويلة؟ وهل تحب ان اختار بعضاً من شعرك المطبوع؟ .
      جميعنا بخير مشتاقون اليك... سلم على الجميع...
جبيل 12/10/2009
**
بيت الحداد
    شربلنا الحبيب
   هكذا كان يحلو له أن يستهلّ رسائله إليك.
   إنك الحبيب الدائم، فلا ننساك أبداً.
   نشكرك على كل ما فعلته، وما ضحيّت به. اننا لا ننسى علاقاتكما، ومحبتكما لبعضكما البعض. أنت باقٍ معنا، تحيا معنا. كما أننا لا ننساه في كل لحظة: بحركاته، بصوته، بأشيائه، بكتاباته، بخط يده.. لم نصدّق كيف اقتلع من بيننا. انهدت زاوية البيت. سقط العمود.
   نفتّش بين أوراقه، لنرسل لك ما تريده، وسوف نطبع كتاباته، ونخصص مكاناً معيّناً ليصبح متحفاً دائماً متى تيسرت الأمور.
   قد نستعين بك ببعض المقالات والرسائل..
   نرسل لك طي هذه الرسالة فيديو قداس ذكرى الأربعين، وسنرسل لك ما كُتب وقيل فيه، إن شاء الله,
   أما الكتب التي طبعت حديثاً إن لم تصلك بعد فسوف نرسلها قريباً بالبريد، أو مع أحد الأصدقاء الآتين اليكم.
   كلنا بشوق إليك، والى الأهل والأصدقاء، وشكراً لكل الأدباء الذين تكلّموا عن عصام حداد بجميع وسائل الاعلام، وشكراً خاصاً لك يا أوفى صديق.
                        إخوانك بيت الحداد
               سلوى، سمير، سامي وطوني حدّاد
جبيل 8 تموز 2013
**
تكريم مدروس
   .. دائماً عندنا شيء نقوله، وشيء نردّ عليه:
   التكريم بمناسبة "مناجاة علي" مدروس.. مدروس جداً. كعادتك لا تعمل إلا الرائع. "شكرك" ممتاز فيه "حربقة". وأدهشني الخطباء بفصاحتهم وثنائهم عليك.. "صرت هلّق ملك كل الطوايف، ومالك الشرق والغرب".
   بمناسبة تكريمك، "مش معقول إلا ما يكون لي فيك شي".. ولكن قاتل الله المواصلات.
   بعثت برسالة سريعة بواسطة "طيران الشرق الأوسط" على أساس أنهم "أوادم"، ولي بينهم أصدقاء، تحتوي على برقية هذا نصّها:
   "السادة أعضاء لجنة تكريم الشاعر شربل بعيني المحترمين  سيدني.
   أنضم اليكم بالقلب والروح والفكر، من وراء الطلول والرحاب، لأعيّد معكم في مهرجان الحبيب، الكثير الهوس بالوطن والشعر والانسان، الزائب الرائب بحروفه ونبضاته على لسانه وقلمه، هدياً للأمة والفكر.
   انه الصوت الصارخ، والسوط القارع، والسيف القاطع، يهدم ليبني، ويبني ليهدم ويدك الحصون على رؤوس ذوي الظلم والالتواء والرياء. ولذا خُلق الأبطال والشعراء والمصلحون والمفكرون والاولياء.
   نفعنا الله بعطايا الله فيه.. وأعاد الانسان الى هداه.. والى الأمة القيادة والايادة والصفاء، وأبقاكم نصراء الفكر، بناة الحضارة، رسل العطاء.
             عصام حداد. من المجلس الثقافي في بلاد جبيل".
هذه، وحياتك، البرقية، لا زيادة ولا نقصان. ولعلها تمشي اليك مشي السلحفاة فوق الموج.
   أهنئك بالمهرجان، وأهنىء كل الأهل، ولاسيما :أم أنطوان": شاعرها المجنون باستمرار، ولكنه جنون العبقرية. فهل كان يجب أن توضح التواريخ عبر العصور أن لا بد للعبقرية من جنون؟!
   زرت مجدليا مراراً، وآخر مرة مع أخي "سامي"، ولا أعلم لماذا أتته الفصاحة باللغة الانكليزية عند أول "مجدليا"، فسأل أحد المارين: Mejdlaya here?
   فأجابه المسكين:
ـ لا يا خيي لا.. أنا من بقرقاشا.
   غداً الساعة الخامسة، سأقدّم أمسية شعرية في البيت الثقافي زغرتا، وسأمر على مجدليا، وأوعد المختار بالحضور.
   بعثت إليك ريتا بواري بطاقة معايدة، ورسالة شكر، إن شاء الله تكون وصلتك. 
      أنا فرحان جداً أن اسم شربل بعيني بدأ يجتاح لبنان، ولاسيما بعد "مناجاة علي". لقد أبكيتني كثيراً عندما سمعتك تقول بكلمة الشكر أنك تتحرّق لزيارة لبنان.
   سلوى وسمير وسامي يهنئونك تكراراً، ويهنئون "أم أنطوان" وكل الأهل.
جبيل 18/12/1992
**
تهنئة باليوبيل
   أعضاء لجنة تكريم الشاعر شربل بعيني المحترمين
   إن تكريمكم الشاعر الكبير شربل بعيني، هو تكريم الشعر والوطنيّة والأمّة ولبنان.
   منذ ربع قرن، وهو يذوب قرباناً على مذبح الغربة في هيكل الفكر، حاملاً في قلبه وروحه وعينيه همّ الفكر والأمّة، وهمّ لبنان، وهمّ الإنسان، بشفافيّة إطلالات الصباح على تلالنا، وطيبة نفحات عبير الأرز في رحابنا، وحنين رقرقات الينابيع في وهادنا، وبعنف زفير النّار وثورة الإعصار على كلّ دمار، للتقويم والتثقيف والبناء.
   آتانا اللـه دوماً رجالاً ذوي أصالة وإبداع وفداء، رسل الكلمة والحب والعطاء.. فبمثلكم تحيا الأمم ويعزّ الفكر.
جبيل، 1993
**
.. وأيضاً تهنئة
   حضرة الشاعر الكبير شربل بعيني المحترم
   بمناسبة اليوبيل، الذي تنادى أهل الفكر في أستراليا، من كل وطن وأمّة، لإحيائه، تقديراً لشاعريتك المبدعة، ووطنيّتك الرائدة، وثورتك على الإعوجاج والطغيان في كل كتبك، التي تربو على العشرين، لإعادة الإنسان إلى أصالته.
   يطيب لنا، بكل فخار واعتزاز أن نبعث إليك بأصدق التهاني وأحرّ الأمنيات، متمنين لك دوام الصحّة والعطاء، خدمة للإنسان والفكر ولبنان.
الرابطة الثقافيّة في معهد الأبجديّة ـ جبيل
1993
**
وأيضاً.. وأيضاً تهنئة
   من جبيل الحرف، من مهد الحضارات، نرسل التهنئة لشاعر الغربة الطويلة الاستاذ شربل بعيني، بمناسبة يوبيله الفضي، ونخبره بأن القائمين على معهد الأبجدية عصام وسامي وسمير وسلوى حداد، سيواصلون زرع رسمه في قلوب طلاب معهدهم من خلال الجائزة السنوية التي تحمل اسمه، فألف شكر للجنة التكريم، وألف مبروك لشربل.
**
تهنئة لجميع الفائزين بجائزة شربل بعيني
  أولاً، تهنئتي الجبيلية اللبنانية أقدّمها لجميع الفائزين بجائزة شربل بعيني، وأطلب منهم أن يكونوا دائماً وأبداً على قدر المسؤولية، فمن يحمل جائزة كمن يحمل جبلاً.. إما أن يمشي مرفوع الرأس وإما أن يرزح تحته.
   ثانياً، يبهجني جداً أن أراك وأسمعك وأتلمّس نبضات حروفك في مجلتك (خلية المحبّة)، وبتلك الهيصة والثورة والإقدام والعطاء، كأنّك وحدك حامل، وحدك همَّ الوطن، وهمّ الفكر، وهمَّ الإنسان. لا ضنى يردك ولا حاجز يصدّك مهما صعبت المسالك ووعرت الدروب، ودرزت بالشوك والإبر والحراب.
   أصررت وراهنت ونفّذت.. عدَّتك الإرادة الفولاذية والتفاؤل والثقة بالنفس والمغامرة..
   ولكم يدهشني التفاف هذه القلوب (الليلية) حولك، نسبة لمجلتك (ليلى)، فتؤلّف معك وحدة مرصوصة من المشاعر والقوى والفكر. فسبحان ما تفعل المحبة في البشر من عظائـم ورؤى وجمال!..
   آتاك اللـه النصر، لتنشط (ليلاك) دوماً كالسهم، فتصير بمصاف الصحف العالمية الداعية إلى كل فكر وبناء.
   راقتني (رسالتها) في الصفحة الأولى ـ العدد 35 ـ (والحصرمة) الدائمة التي تقذفها في العيون.. وكلمة الذي وقف جهوده على نشر مآثرك الاستاذ كلارك بعيني، وقد زادت محبّته في قلبي حين قال: (قضيت في لبنان ستة أسابيع كانت من أجمل ايام حياتي).. عليَّ أن أسعى لتمنحه الدولة وسام الاستحقاق الوطني. فيا ليتني عرفت بقدومه الى لبنان لجنّدت الدولة كلها لاستقباله. إن رجلاً له مثل هذا الشغف بلبنان، علينا أن نفرش له الورود من المطار الى البيت.. والظاهر انك أنت وعصمت تتباريان في ضرب السهام، هو في جوز الهند، وأنت في المخارز والنبال والحراب. إن شاء اللـه، بالتعاون مع محمد زهير الباشا الثائر الدائـم، تؤلفون كلكم عصبة حافزة للجمود والانتفاضة فتدسّون حبوب (فياغرا) في الفكر الخانع، والأعصاب المخلّعة، واللحوم الهشّة التي أنتنت عالمنا الضائع في مفاوز الطارئات العصرية الملتوية والبوار.
   أنا متهلّل بتغزّلك بملحمة ثانية (ببنت جبيل) فيها (حكي ناعم مسمّ)، إن شاء يظل لجبيل بنون وبنات.. فما أعظم قولك:
يا دل الما بيحمي أرضو
يا دل العايش جبان
يا دل المسترخص عرضو
وعم بيبيعو لمين ما كان..
وغيرها:
حكّامك منشور وكلمه
لا تصدّق كلمة حكّامك
الحاكم ما في بقلبو رحمه
قاعد ع كرسي من عضامك
   سلمت يداك.. سلمت يراعتك.. وإلى اللقاء.
جبيل 1998
**
جائزة شرف
   أعانقك بلهفة "عصامية" أنت تعرف حرارتها ووفاءها.
   لا يكاد يمرّ علينا يوم، إلا ونتذكرك.. صورتك أمامنا.. كتبك على متناول يدنا.. خيالك بعيوننا.. ضحكاتك.. نكاتك.. كلّك بكل ما فيك.
   أهلى ومعارفي والمعجبون، ولاسيما الحسناوات، صاروا يزاحمونني عليك. صار لي ألف ضرّة وضرّة، وبمقدار ما "بينمى" في القلوب والعقول اسم شربل بعيني "بقشع حالي".
   أجدد شكري على القصيدة، أو البرقية، أو المقال المنشور في جريدة "الأنوار"، وتلقيّت تلفونات عديدة تهنئة بالمقال.
   قدّمنا في معهد ألأبجدية "جائزة شربل بعيني" على مجموعة كتبك لإحدى الآنسات واسمها ريتا بواري، وهي "جائزة الشرف" على مجمل سلوك ودروس الطالبة.
   أرى أن لبنان متشوّق كثيراً لاستقبالك استقبال الفاتحين، لا بالسيف، يل بالقلم، والناس يتوافدون بالالوف لزيارة الوطن الأم، فهل أنت الآتي قريباً الى قلوب محبيك باسم الفكر والأدب؟.
   سأواصل رسائلي إليك مع أي شخص آتٍ الى أستراليا، وسأوافيك دائماً بالجديد.
   أجدد شكري وامتناني لك، ولأم أنطوان، وجميع الاخوان وأهل الفكر في رابطة إحياء التراث العربي، سائلاً الله أن يعيدكم الى الوطن لنبني معاً لبنان الجديد أدباً وروحاً وعطاء.
جبيل 21/8/1992
**
جبّار
   يا شربلنا الحبيب
   خبّرتنا إنك ارتحت ورجعت عَ البيت، منشوفك اسم الله جبار مثل سنديانه لبنانيه ما بتهزَّك ريح.
   ما راح نسألك عن التفاصيل المهمّ صحتك وراحة فكرك.
  بكل الظروف.. كلّ صعوبة مادَّه خصبه للشعر.
  من الآن وصاعداً رح بتكون شربل جديد ولو خسرت ماديَّات ربحت كثير. عندما كنا نشوفك كنا نظن انك اسعد انسان. قديش في عندك بطوله انك تخفي ألمك.
  منطلب من العدرا تكون دايماً معك بشفاعة أم انطوان بالسما وصلوات محبّيك. اكيد الروح القدس بيلهمك قرارات المستقبل.
  بوسات ع قد حبات رمل لبنان
جبيل 12/4/2011
**
جعبة المحبة
(هوّذا الحبيب الذي به ارتضينا)..
   هذا ما يصرّح به علناً عصام وسلوى وسمير وسامي بعد زيارتك لبنان..
   لقد رأت العين من كانت تحلم به. لقد رأينا شربل الذي يفعل فعل الذرّة، في القلوب.
   كيف حال (ست الحبايب) التي يقال لها: (مباركة ثـمرة بطنك).
   أخاطبك من على شرفة الطبقة العالية التي رأت طلعتك البهيّة، والتي سمعت هيصتك المهووسة بالوطن والفكر.. نخاطبك كلنا بلهفة وحب وإعجاب، مجددين الشكر على زيارتك وما تتحفنا به من محبّة وإطراء ووصف في مجلّتك التي أطلقت عليها: (جعبة المحبّة).
   ها أنا مرسل لك بعضاً من الموضوع العام الذي اخترته بعنوان (فشّة خلق)، عساك أن تأنس بها ويأنس بها القرّاء.
لقد أطلقتها على علاّتها تبوح بما يقضّ مضجعي كل يوم من بشاعات تتداول أمام عينيّ، لذلك (فشّيت خلقي) بعيداً عن كل الفذلكات البيانية، فإذا هي كلمات عفويّة صريحة ثائرة تدعو الى التثقيف والتقويم. وربما تكون فيها سهام تجرح، ولكنها بمثابة الوجع عند القابلة، التي ترتاح بعد المخاض، للولادة بسلام.
   لقد أفجعني جداً رحيل المربي الكبير فؤاد نمور الرجل المميّز خلقاً وأدباً ومعرفة.
   لقد أفضل عليّ جداً عندما كان يثني في كل مجتمع فكري وأدبي على كتابيّ: (أعياد الجمال) و(من جراحي)، ويلحّ عليّ أن أكتب بمثل هذا الأسلوب الذي كان يعدّه (مميّزاً) في الصياغة والصورة والجمال.
   إن شاء اللـه تكون بخير مع (ست الحبايب) والأهل وجميع القرّاء.
مجلة ليلى، العدد 45، تموز 1999
**
جوهرجي
   يا أحلى شربل بعد القديس شربل. 
اشتقنالك..
فرحنا بنشاطك الإعلامي الجديد.
صحتنا منيحه، أنت كيف حالك؟ طمنا عنك.
 وأنت يا شربل باقي ب عينيّ الحدّاد.. جوهرجي               
اخوانك وأحبابك بيت حدّاد
جبيل 2/11/2011
**
حضور تاريخي
 قربت الايام التي كنّا نجتمع حولك، فما أنت فاعل هذا العام؟
   نحن نؤرّخ السنين والساعات بحضورك التاريخي الى لبنان، فنقول مثلاً: حدث كذا قبل أن جاء شربل، أو صار كذا بعدما جاء شربل. فما هو الدافع الذي يحملك على عدم حضورك؟ هل ما زلت تذكر حادث البوسطة.. أو عرقلة السير في طرابلس.. أو سواقة عصام.. فتبصر بمنامك خيالات مرعبة، فتمتنع عن الحضور؟.
   على كل حال تظل أنت حاضراً معنا في الغياب وفي الذهاب، فإذا أكلنا، أو شربنا، أو نمنا، أو قمنا، نتذكرك، والى حدّ اليوم لم نأكل فطاير كشك "ناطرينك".
   المقالات التي أرسلها اليك هي كما ترى عفوية، حتى بدون مسودة، حتى تكون فعلاً "فشّة خلق"، ليس فيها ما ترى في كتبي من صياغة ونحت واختيار الألفاظ، لأنك أنت تريدها كذلك.. هي ولا شك قريبة في حلّتها الحاضرة من مفهوم الناس ببساطتها.
   لكن الذين اعتادوا لغتي في كتبي السابقة ربما يلومونني على هذه "السندويشات" السريعة، خبّرهم وقل لهم: أنا أريد ذلك "ومتل ما بدّي عصام بيعمللي"، فاحذف ما تراه غير مناسب، وزد ما تراه مناسباً، فأنت شيخ الذواقين.
   اخوتي يسلمون عليك، وتراب لبنان يحييك.
جبيل 1/12/2000
**
خطوة خطوة
   شربلي الحبيب الى الأبد
   تحيات من جبيل على قدر رمال شواطئها.
   صدفة يصلني شاب من "حامات" مسافر الى ملبورن، ليودّع تلميذاً في معهد الأبجدية، فأخبرني بسفره صباح غد، فرحت أحمّله ما يعتلج بي، وما يأتيني عفو الخاطر، مما تيسر من عاطفة وكلمات.
   كنا نرافقك يوم مهرجان التكريم، لحظة بلحظة، فنقول بعد ساعة أو ساعتين أو الآن يبدأ مهرجان شربل، وقد أرسلت بواسطة طيران الشرق الأوسط رسالة الى الاستاذ كامل المر، وفيها برقية بمناسبة تكريمك. لا أعلم لماذا تعثّرت.
   المهم أننا كنّا حاضرين معك.. والعام الماضي في مثل هذه الأيام كنت في الغرفة المطلّة على الحديقة، أسمع صباحاً تغريد عصفور لا تزال نغماته في أذني، لأنها تحمل نغماتك.
   أتذكر خطوة خطوة، في هذه اللحظات من حياتي، ولا تبرح من مخيلتي، يوم كنت تغدو الى سريري، توقظني على نغمة من صوتك، أو زكزكة من نوادرك.
   الاستاذ نعيم خوري سررنا به جداً. حقاً انه شخص موهوب، لكنه كان كثير المشاغل، لم نتمكن كثيراً من الاجتماع به، فترك لنا قصيدة عن جبيل، سوف نجد لها مناسبة لنشرها.
   التلميذة ريتا بواري تشكرك هي وأهلها، وسوف ترسل إليك رسلة شكر. 
   قريباً جداً، نرسل الفيديو الخاص بالاحتفال، ونحن أيضاً بانتظار الفيديو الخاص بتكريمك.
   أريد أن أستفيض بعد، لكن "المسافر" يستحثّني للاسراع، فأستودعك كل محبتي واحترامي للوالدة.
جبيل 17/11/1992
**
ذكراه السنوية
 أيها العزيز شربل 
   يا خيِّنا وحبيب قلبنا. 
   نحنا منتذكرك دايماً وما مننسى محبتك وإخلاصك وتضحياتك وتفانيك بسبيل عصام. 
   كنا نحنا وايّاه دايماً ننطر كل يوم الصبح خبر منك نطمن فيه عن أحوالك منترجاك ما تغيّر عادتك. 
   نحنا بالبيت ورشة عمل كلنا وخصوصاً طوني بتنسيق مخطوطات عصام للطبع.
    نحضر الآن فيلم slideshow لعرضه أثناء الذكرى السنوية.
   أنت خيّنا وحبيب قلبنا شو بتنصحنا منحب ناخد رأيك ونصيحتك.
   نحنا بلشنا نحط من أقوال عصام على facebook .
   طمّنا عنّك . كيف أحولك والعيال كلّن؟ 
   يا أحلى وأخلص خي دايماً منقرا مكاتيبك ومنتذكّرك ومنشوف تلفزيون الغربة وإنشألله ما تطول هالغربة  ونلاقيكم بخير.
   أخوتك اللي بحبوك 
عيلة عصام حداد 
آذار 2014
**
رسالة من طوني
"عظمة الدكتور عصام حداد لم تكن بمحبته الغامرة لأصحابه، بل بزرع تلك المحبة في قلوب كل فرد من أفراد عائلته.. وهذه الرسالة تثبت ذلك"

أهلي ربوّني ع الحبّ
والحب عندن تاني ربّ
وقالوا: أكتر من شربل
ما فينا وما بدنا نحبّ
حبيبنا شربل
اليوم عيد الحبّ عيدك حبّينا نعيّدك يا أحلى حبيب أنشاله أياّمك بتضلّ أعياد حبّ وفرح مع الليّ بتحبّن                  
طوني سمير حدّاد
الأحد13\2\2011 
**
شاعر الخافقين
   في دماغ العظماء خلدٌ ينبش، وما برح هذا الخلد ينبش في دماغ "شاعر الخافقين" شربل العظيم الذي حمل لبنانه في قلبه وعينيه وراح يزرعه في كلّ أرض وتحت كلّ سماء.
   ولو قدّر لكلّ وطن، لركّز لك تمثالاً لا من حجارة، على مفارق الأمم، بل من أرواح وقلوب لأنّ "بليل الأرق" فيك لا ينبت إلاّ العظائم، وعظائم الرجال لا تضاهيهم كنوز الدنيا، فهم والخلود صنوان.
   رائعة بادرتك بمنحك "جائزة شربل بعيني" للوردة الشماليّة سوزان بعيني.
   هذه الأديبة التي أغدقت عليها السماء الكثير من النعم من أدبٍ وجمالٍ وذكاء، حتّى لقد بلغ بي يومًا الهوس أن أضع أمام خطواتها على كلّ مفرقٍ "خرزةً زرقاء" تفقأ قناطير الحصرم في أعين الحاسدين.
   فالى الغالية سوزان إعجابي وإحترامي ومحبّتي. إنها تستأهل الجوائز والنياشين.
   وإليك أيّها الحبيب من الأهل والهيئة التعليميّة وطلاّب معهد الأبجديّة الذين شهدوا طلعتك البهيّة، إليك من جميع محبيك أطيب العاطفة لتظلّ سيّد الروائع في كلّ زمان ومكان.
جبيل معهد الأبجديّة صباح 6/6/2012    
**
شاغل الناس
   أعانقك بحبّ عصامي، وأؤكد لك أنك أنت دائماً معي، روحاً وقلباً وفكراً وعطاء.
   أقرأك، وأنشر أدبك على الجميع. أمس، كان لقاء المجلس الثقافي، وزعت كتبك على المتفوقين، صرت هنا كما أنت هناك مالىء الدنيا وشاغل الناس.
   أكتب إليك بهذه العجالة مع وافد الى أستراليا، يستعجلني، وأنا أهرع وقلبي وروحي يتزاحمان على السباق اليك.
   أتمنى، وليس ذلك بصعب أن آتي الى أستراليا، لنساهم معاً في كل عمل فكري، ويكفيني قناعة أن أراك.
   أسمعك بالشريط والفيديو بمسرحية الطربوش، وإن شاء الله تكون قد تسلّمت مقالي الطويل عنك. وسأواصل الكتابة اليك.
جبيل 12/1/1991
**
شربل بعيني قلم مبدع في المهجر
شعره دعوة مستمرة لبقاء الوطن
   حلاوات المربد في بغداد أنه يجمعنا بالعديد من شعراء الأرض، من كل الملل وكل اللغات. وحلاوة المربد هذا العام كانت تعرّفي بشربل بعيني، وهو شاعر لبناني يعيش في أستراليا من نحو ربع قرن.
   شربل سريع الإندماج بالناس، ولعلّه أكثر الشعراء المربديين الذين كسبوا حبّ أكبر عدد ممكن من الوافدين على عاصمة الرشيد.. وذلك لأنه جذاب خلوق ذو ثقة فائضة في النفس، حتّى ليؤمن "بطريقة" خطّها لنفسه في التعامل مع الشعر، على أنها "دستور"، ويريدك أن تحذو حذوه في اقتفائها بلا مماحكة ولا جدال.
   يؤمن مثلاً في "التعبير" كيفما جاء، ممزوجاً بالفصحى أم بالعاميّة، في أبيات على بحور عدّة كما القصيدة الواحدة. شرط أن يؤدي المعنى الذي يريد. وهو يأنف أن ينقّح شعره، فإنه يرسله بعفويّة وبساطة وحرارة ودفق، ولكنّك تحبّه لطيبته المتماديّة وإنسانيته ووطنيّته وتغتفر له خطاياه.
   أهدى إليّ الكثير من كتبه، وقد أربت على العشرين.. يحب أن ينشر، شرط أن يصل فكره إلى الناس. وها أنا أتداول كتابه "الغربة الطويلة"، وقد أصابني بغربته، مشاعره، وحبه لوطنه، وثورته البانية، ولهفته في الحب الإنساني، وقد تلاقينا في هذا التعاطف، ولا سيما في آونة يتفتت بها الوطن.
صحيح أن:
العمر ابتلى..
ومن عرق صلاواتنا شرب كتاب الصلا..
   لكن البيت الذي ربيت فيه يا شربل، وعمرت مداميكه، وغزلت ساحاته برجليك، لم ينسك. وإن كان "سبب" ما أبعدك عن وطنك، فقد دفعت ثمن الغربة.
   هذه الخطرات، وهذا التوثّب البركاني الذي عندك، ففجّر منك هذه الأبيات، وكنت في الغربة التي لا نريد أن تكون طويلة، كنت وما تزال "البوصلة" التي تستقطب الأوفياء للبنان، فتبنون كلكم لبنانكم الآخر خلف الرياح الهوج، على أعظم قاعدة، وهي الوطنية الحقة، فكراً وتضحية وعطاء في كل مجال.
   وبعد أن يعاتب "شربل" الأيام التي أبعدته عن وطنه، وظن أن وطنه نساه، يهتف:
لا تموت، هون، بغربتك لا تموت
وتترك ترابك يلعنك بالقبر
روح قضّي عمرك ببيروت
ونفّض جناحك من غبار القهر
   لكن شاعر "الغربة الطويلة" يريد أن يعود لطرد الغريب، وتنقية لبنان من أدران السياسات التي باعت لبنان لهذا الغريب، وراحت تشحذ اللقمة والسراب على أبواب الغربة والقهر والعذاب:
يللاّ سوا نطرد غريب الدار
الـ ولّع بقلب الدار حقد ونار
الـ خلاّ السما تسودّ بسمومو
وخلاّ بكذبو الجار يدبح جار
..
نحنا اللي كنّا عايشين بعزّ
نتغندر ونمشي متل طاووس
غدرنا ببلدنا وبشموخ الأرز
وبعنا الكرامه بكمشتين فلوس
   ثم يعدل عن رجوعه، إذ يتمثّل وطنه على حاله من السياسات العقيمة، ويمعن الشاعر في حرب سجال بينه وبين الغربة القاتلة والمحبّبة معاً، تتجاذبه معاناة الهجرة والعودة، فيقول:
واللي هجر بكّير
صعب تا يرجع
هربان من تهجير
بقوّة المدفع
من سياسة حزازير
من ظلم أوسع
من تم بحر كبير
أطفال عم يبلع
   ولكن يكبر فينا الأمل بأن الشاعر لا يلين، إذ ندرك بأن جنونه الوطني أقوى من كل جنون يحيده عن وطنه.. حين يؤمن بأن الشهادة قوام الوطنيّة، ودم الشهيد حياة للأحياء تنمو على زروعه هويات يختمها شعب بخاتم المجد والانتصار والكرامة والحرية والعدل.
   ولا سيما، بهذه النظرة الانسانية التي يعيش ويريد لها سواه:
حوّشت نار ونور من عمري
ووزّعت باقات الزهر ع الناس
   ونمسك عن ذكر البيت التالي، لأننا نأبى أن ييأس، لأنه يقول:
الناس خانوا ويبّسوا زهري
هالـ كنت حاسب صعب إنّو يباس
   شربل بعيني مثل كل المصلحين، يأمل أن تنمو رسالته، ويصاب إذا خيّل إليه أن تعبه هدر جزافاً، ولكن ليطمئن، فإن الذي أعطى مثل هذا العطاء لا بد أن تنمو زروعه، وقد نمت في الغربة والوطن، ولن تأكلها الغربان، ولن تيبس لأنها في تربة مقدودة من قلب وروح ما عايشت غير العنفوان.
   ورسالة "شربل" هي الانسانية واللاطائفية، التي باسمها علينا أن نتعمد من جديد، بعدما لوثتنا الحرب، وهو يدين بدين الحب الذي هو وحده الدين:
نحنا شعب واحد بأرض الشرق
عشنا العمر نشرب سوا بالكاس
والمادنه تنده جرسنا يدق
تا نأدن الإنجيل بالجامع
ونرتّل القرآن بالقدّاس
   ولكن يستدرك الشاعر فيقول:
شو بتنفع الطوايف
والخالق منها خايف
لو تركع وتتعبّد
وشو بتنفع السعاده
بالصلا والعباده
وشعبك عم يتشرّد
   ويعزو الشاعر "بعيني" هذا التشرد الوطني لشيئين:
بيني وبين الربّ
درجتين زغار
أول درجة: الكذب
والكذب أكبر عار
وتاني درجه: الحب
الـ بايعني للدولار
   والواقع، لو لم يكن معظم اللبنانيين "دكنجيي" كذابين لما وصلنا إلى ما وصل إليه لبنان اليوم. ولكن لنا الأمل أكبر نعمة وأعظم حصناً، بأننا سنتعلم من الوجع، ونرمم ما هدم ونعيش.
   والوجه الآخر "لشربل بعيني" هو شعر الحب، هو فيه كشعره الثوري الوطني: حار عنيف له صراحة الشمس وعفوية العبير، فهو حيناً "يدوخ" من الركض في أثرها، ولو كانت هي الظل، وحيناً آخر يتحاشى وهجها، وفي الحالين يذوق القهر وبعطينا بمثل هذه الرائعة:
معوّد ع شرب نبيد أحلى خدود
معوّد أنا صيّف بأعلى جرود
فيها الكرز محمّر
والعنب مشقرّ
ومنّو لحالو بيتسوي العنقود
   وشربل مؤمن صاحب ضمير، يريد أن يحب بعفّة، خائفاً من الخطيئة، ولكنه حائر قدام "المهوار"، مرتبك، تحمله حبيبته على أجنحة الأحلام وتغريه بالضحك والسلوى، وهي تنكّل فيه، وتزرعه شكوكاً وأوهاماً، وفيما يقول منتهى حبه ليعطيها وسعه من العشق:
خدوني زرعوني بعينيها
صلبوني ع ديها
حبسوني بـ قلبا
وارموني ع دربا
هالبنت اللي بحبّا
   ويعود يتأبّى بعنفوان:
لو كان عندي للخطيّه ميل
كنت سبحت ببحور عينيكي
وكنت وصلت ع شطّ هاك الليل
مطرح ما فيني إحصل عليكي
    والنتيجة أن شربل بعيني شاعر متوثّب، يقول كلمته ويمشي سواء فهمت حبيبته أم لـم تفهم، وسواء أعجب أهل الفكر بقلمه أم لـم يعجبوا، فهو يريد أن يقول حقيقته، ويفهمك روحه ورسالته متجاوزاً بعض تعابير أو أفكار ربّما يتعّمدها، أو لا جلد له على تنقيتها. لا يهمه وزن وصياغة بقدر ما يهمّه بث فكره ومشاعره، فالأسلوب عنده ثانوي نسبة للفكرة والرسالة. وهو يؤمن أن أسلوبه سيتحوّل في الغد مدرسة. ورغم كل بشاعات الحرب والغربة الطويلة التي يقاسيها، فهو دائم التوثّب للغد، كثير الإيمان بنفسه وربّه ووطنه.
العمل البيروتيّة ـ 26/4/1988
البيرق، العدد 91، 29/4/1988
**
شربل بعيني كما يراه عصام حداد
 شربل بعيني العفوي أدباً وخلقاً ومسلكاً وحياة، يأنف حتى الساعة، بعد إصداره ما يربو على العشرين كتاباً وهو دون الأربعين، يأنف أن يُعمل في شعره، مذراة التشذيب، لأنه يؤمن أن للأدب عوراته وإبداعاته، الشوكة الى جانب الوردة، والقصبة المرضوضة إلى جانب السنديانة الباسقة، وكل ذلك التباين يجسّد الجمال.
   وكل مرة يصدر كتاباً نرى فيه كوكباً أفضل بشعر هادف ثوري عملاً بقوله: "لقد سخّرت مالي في خدمة حرفي، وجندت حرفي في خدمة الانسانية، فساعدني يا رب كي أمتلك الحقيقة".
   بهذه العبارة يصدر كتابه الجديد "مناجاة علي" قسّمه إلى عشرين مزموراً يطلعك بتساؤل مرّ عنيف:
سألتك عن حالي.. جاوبني
كيف بخلّص حالي.. وكيف
بهرب من عالم تاعبني
ما بيتلاقى فيه نضيف؟
   تساؤل مجروح حتى الثمالة، يستنجد به بطلعة الشاعر، يتوسل بايمان المستسلم لمشيئة ربّه، بتواضع التقي كي ينتشله الإمام من أوجاع عالم طاغٍ لا يرحم نفوس العظماء المرسلين. يشعرنا معه بالمأساة حتى تكاد كل كلمة تكون صرخة من حنجرة مبحوحة لا تقوى على الوقوف في درب المأساة الجارفة، فكان لا بدّ من الارتفاع الى القوة الخارقة للتخلص من المأزق القاسي المريع.
   ولكن القول:
ما بيتلاقى فيه نضيف
    تشاؤم مر لا يوافقه احد عليه، حتى الإمام ذاته، ولا أحد من الأولياء ولو كان دلالة على عظم المرارة والتبرّم من الحياة، لأنه تصميم مطلق وتقرير لا يترك لنا مجالاً ولا منفذاً لتساؤل وتحاور.. لأن التفاؤل أغرودة العمر وقيثارة الهناء.
   وأما قوله: 
حقنوا الكذبه بشراييني
خلّصني من الكذبه إنت
شكٌ بالناس ويقين بالولي الإمام، صحيح أن هذا التشاؤم المطلق ينغّص العيش ولكنه دليل على أرواح العظماء التي تعاني التناقض في انفعالاتها من رهافة الحسّ وطول التأمّل والاستجابة لتفاعلات الحياة. 
   من يصدّق أن شربل بعيني "الأهزوجة الدائمة" يضمّ في شرايينه هذا الضجيج المحشو بالتشاؤم والمرارات. هل في أعماق أعماقه نزف جرح خفي؟ أم أنه، لصراحته المعهودة وعفويته، يقشعر لأي طارق عليه كما تقشعر إبرة الحاكي من أي نشاز؟.
   وبعد أن يبالغ شربل، معجباً إلى أبعد من الدهشة بالإمام فيسميه "قديس القديسين"، ويصمم تصميماً لا مردّ له ولا جدل فيه:
كل الناس اعترفت فيك
ومتلك ما عرفت هالناس
   يلطّف من غلوّه ويحصر إعجابه:
حرقتلك عمري بخّور
وكل ما بينقص عمري يوم
العمر بيطول فيك دهور
   وما الباقي من المزمور الثالث والمزمور الرابع، إلا عرض لأفكار "علي"، ونقل حكمه ونصائحه نقلاً أميناً يهيمن فيه المنطق أكثر من الشعر إلى أن يخرج بنتيجة حكمية من حصيلة اختبارات:
ما بدّك يانا نزغر
ونزحف خلف جنون المال
أعمار الكلّ بتقصر
وما بيبقى غير الأعمال
   ويراه "أكبر من إنسان" "ووحده الغاية" ويسأل أن يهبه التقوى والتواضع والصدق بهذا القول الرائع:
علّمني سامح أعدائي
الْـ طعنوني بخنجر مسموم
وإفلش صوتك ع أشيائي
وإرجع متل المارد قوم
   ويحصر الشاعر فضل القيم الانسانية في الانسان "بالإمام" وحده، حتى دفعته عاطفة الإعجاب إلى حدّ أنه لم يعد يرى إلاّه، بتقرير تجريدي لا مردّ له ولا حوار به:
مين غيرك خلاّنا نحسّ
بقيمتنا الإنسانيّه
ووحَّدنا بكلماتو بس
بشخصيتو الربانيّه
   ويؤمن شربل بأن كل الكتب قبل "الإمام" تزوير بتزوير، إلى أن نصل إلى مبالغة أخرى بها يصر "كل الإسلام بالإمام وكل الحقيقة به":
منّك كان البدُّو يكون
ومن دونك ما كان الكان
محّيت بإيديك ظنون
مدِّت إيدا ع القرآن
   ويرى الشاعر بعيني أن لا بد من إشراك "يسوع" بعظمة الإمام، وانه تعلم منه عظمة الحب المتجسدة فيه:
يسوع الـ علّمني الحب
يا علي.. متجسّد فيك
شاركتو بآلام الصلب
وخفّفت عذابو يا شريك
   فجاءت كلمة "شريك" تؤكّد بتجسّد يسوع بالإمام، فيصل شربل إلى قمة الإعجاب والنقمة على الاحتيال والتزوير والنفاق، ملخصاً بالطلب إلى الاثنين ليسعفانه على خلق إنسان جديد لا تحدّه حدود، ولا تردّه سدود، لأن الدين لم يخلق للتنافر والتناحر بل لصهر الانسان بروح كونية ووحدة، وذلك لن يكون إلا بعلمنة شاملة نسخّر بها كل شيء في سبيل إسعاد الانسان، فينتفض شربل بعيني إلى حلّ رائع بدين يوحّد الكل في الحبّ:
لازم إخلق عالم تاني
يفهم كلماتك كلاّ
يوحّد أديانو بديانه
بترفض نتقاسم ألله
   ويجد شربل أسباباً تخفيفية لقول الإمام "المرأة كلها شر"، بأنه قول عفوي، فيصل إلى المزمور الحادي عشر الذي يشبه المزمور الخمسين من مزامير داوود:
إنسان.. وعم شوّه عمري
يا علي.. وإتعذّب فيه
خلصني.. محّيلي قهري
مين غيرك قادر يمحيه
ما بدي إخطى وإتعذّب
بدي إتطهر بكلامك
إتقدّس فيك وإتهذَّب
وإيامي تصفّي إيامك
   والشاعر الذي يكتب ليمحو الغربة من روحه الكبيرة، مع أنه محاط بالحب والإعجاب، لا يرى الناس إلا أهل تزوير ومراء شأن النفوس الكبيرة القلقة، التي لا ترتاح حتى تستقر بالغبطة الكبرى، فيسب شربل رجال الدين ويصمم مرة بعد غضبه ونقمته:
ألله واحد.. واحد بس
اختلفوا فيه لصوص الدين
افتكروا فيهن يطفوا الشمس
بكذبن.. ويغشّوا مساكين
   ويزيد غاضباً:
حرقوا الأرض وداسوا العرض
   ويصل به الهوى إلى حدّ أنه يطلب من "الإمام" ألا يسامحهم ويعزّي نفسه مقنعاً بأننا تراب وإلى التراب نعود:
لا فهمناها ولا فهمتنا
كمشه من ترابا عطيتنا
جتّه.. كل ما انتهيوا سنينا
بترجع لترابا جتّتنا
   ويُنفس عنا ونرتاح عندما نرى شربل بعيني يتلاقى بصلاّح من الشرق، وأظنهم تلامذة الإمام:
تركوا الخير غمار غمار
...
ولو ما بنورن ضوّوا الشرق
ما انفتحت للشرق بواب
   فإذا بالمزمور السادس عشر قمّة في الإبداع، جرّحني فيه القول:
ما شافت ايامي العيد
ولا نشفت بالليل دموعي
...
لا الماضي بعدّو من الماضي
ولا الحاضر قادر يشفيني
عشت الغربه ومنّي راضي
قللي شي كلمه تراضيني
   بهذه اللوعة يتركك شربل إلى حدّ أن يستنزف دموعك إذ يصل بك إلى حائط مسدود، فيذكرك ببعض شعراء العصبة الأندلسية والرابطة القلمية الذين عانوا الشك بالمصير فكثرت تساؤلاتهم حول الوجود والنهاية أمثال إيليا أبي ماضي وشكرالله الجر ونسيب عريضة:
ليش خلقنا والآثام
عم تحصدنا بمنجلها
ولذّتنا نسخّر أرحام 
تا نتجمّع داخلها
نهايتنا ما منعرف وين
وبدايتنا نسيناها
وكل ما نفّض حالو البين
بيلغي دروب مشيناها
مش مسموح نعيش كتير
يومين تلاته ومنموت
مين محّى خوف التفكير
مين حبّبنا بالتابوت؟
   بعد المزمور السابع عشر، مزمور الحيرة والشكّ بالمصير، وبعدما يتلاعب شربل بعواطفنا تلاعباً مثيراً، يطمئننا بإيمان قوي ينبعث من نفسه العاتية:
مش خايف.. إيماني أقوى
بوحدة أديان سْماويّه
 بوحدة ألله الـ خلاّ التقوى
تجمّعنا بهالأرض سْويّه
   هذا هو شربل بعيني الذي عرفته مرآة صافية تعكس ما في الوجود، بعفوية وصدق ووفاء وعطاء، هو دائم الهوس والتحفز للبذل كالوردة في دفاق العبير، لا يهمه كيف يعطي، يهمه أن ينفّس عما يحسّ به، وأن تصل كلمته البناءة إلى كل إنسان، يريد أن يكون مصلحاً ويهمل أحياناً الصياغة فيسخّرها للفكر مع أن الصياغة وعاء ذهبي للفكر الذهبي.
   هو يعرف أن الطبيعة وهاد وجبال، ورد وشوك، قضبان مرضوضة وباسقات، نهارات وليال، عسر ويسر، لذلك يأنف أن يمحّص ويشذّب وينقي، كل همه أن يكون الهادي والرسول.
النهار، العدد 730، 5/12/1991
**
شربلنا
   شربلنا الحبيب..
   أقول "شربلنا" بالجمع، لأن الكثيرين صاروا يزاحمونني عليك. وأنا لو كنت أغار، والمحب كثير الغيرة، أتذرّع بالصبر لئلا أكون أنانياً. فقد قال يوحنا ليسوع في الأردن: عليّ أن أنقص وعلى يسوع أن يكبر. فكم بالحري شربل بعيني الذي خلق كبيراً من بطن أمه. فما علينا إلا أن نقول كلنا لأم أنطوان: مباركة ثمرة بطنك.
   صار في "تربيح جميلي" وثرثرة، اذا قلت لك: أنت دائماً معنا وفينا. إن زيادة الحكي لإثبات شيء، كثيراً ما يكون تأكيداً لوجوده. وأنت "ما في لازم نأكّد وجودك معنا".
   أيضاً وأيضاً أستعمل صيغة الجمع. هل اشتلقت لكلمة "معنا" و"شربلنا"؟. الضمير راجع لكل لبنان، وأنا على ما قال يوحنا الذي يمهّد للمسيح: أنا صوت صارخ في البرية.
   صار عنّا رخصة مجلة، فيها كل شيء ما عدا السياسة. اسمها "بيبلوس"، وباللغتين العربية والانكليزية. سنحاول اصدارها لأن القضية يلزمها درس، لأن أكثر المجلاّت لا تعيش في لبنان أكثر من زهرة الأقحوان.
   سنتابع هذا العام منح "جائزة شربل بعيني" لأفضل متفوقين، وسأبعث اليك بالفيديو عند أول مناسبة بعد اقامة حفلة التخريج.
جبيل 20/5/1993
**
شعراء مسوخ
   أشواق عصامية، أنت تعرف مقياسها وحدودها وضخامتها..
   مجلتك تزداد حلاوة، لأن "ست الحبايب" الراسخة كسنديانة هازئة بالأعاصير، تتداول، مع حبّات مسبحتها، اسمك، فإذا هي بين شربلين: شربل "مجدليا"، وشربل "بقاع كفرا"، الأول شرارة من جهنم، والثاني شيخ القديسين.
   راقتني جداً فكرة عدد خاص عن شاعرنا الحبيب "نزار قبّاني"، ولاسيما ان الصحافة اللبنانية حتى الآن، لم تنشر سوى متفرقات، وأما أنت، فكالعادة، سبّاق في كل مكرمة وميدان.
   عوّضنا الله عمّن فقدناهم بأقل من نصف عام: ميشال طراد، نزار قبّاني. والاسبوع الماضي: ايليا ابو شديد، الذي أعرف أنك تحبّه.
   حرقتي لا تبرد بعد الساعات الأخيرة التي ودّعت فيها آخر نبضات إيليا وحشرجاته ونبراته. كنت آخر من ألقى عليه قصيدة "حياتي"، التي أبعث بها اليك.
   لا أعلم يا شربل إذا كنا من نفقدهم، نعوّض عنهم؟!
   يجب أن نتفاءل، وإلا، ننهار الى افلاس مريع.. ولا سيما عندما نرى "التنانين" و"الضفادع" تنسرّب الينا من مستنقعات الغير. شعراء مسوخ يظنون أن "كل فرنجي برنجي"، يتنكرون لهذه السماء المشرقية، وهذا البهاء الالهي.
   لا أريد أن أقول: "اللي عم بيروح ما عم يجي غيرو"، بل أريد أن أصدّق أن "الله يضرب بيد ويستلقي بيد". 
   عليك أنت وأمثالك مسؤولية الريادة والابداع والهم الفكري. سأظل أقنع نفسي أن الحياة لا تتوقف، وان البطون ستظل تحبل بالكبار.
   أبعث اليك بالكلمة التي قدمت بها الشاعر الكبير نزار قبّاني في جبيل، وهي من مخطوطة "قضبان الورد". 
   اطلب من الله، ومن القيمين على الفكر، أن يفهموا وينشئوا أصيبة الأدب. ان الابداع مزيج من ثقافة وأصالة ومعاناة ولغة وفكر، ليكتب له الخلود.
جبيل 28/5/1998
**
شهادة
   شربلي الحبيب                 
   وصلت الصور وسأعمل بنصيحتك لأنَّ الاعلامية مي منصور ستحضر الى بيتنا في جبيل وتجري معي مقابلة ساعة ونصف في 29 نيسان وتريد صوراً كثيرة . 
   أشكرك على ما تفضّلت به من صور وقد طلبت مني الاعلامية شهادة من اصدقائي فلا اريد ان ازعجك وآخذ من وقتك فاذا حسن لديك تسجيل شهادة بصوتك عن صديقك عصام باللغة العامية ننشرها مسجّلة في تلفزيون TL. LUMIERE  اثناء المقابلة.
وشكراً
1/4/2009
**
طفولة العباقرة
   شربل.. 
   أيها الحبيب الدائم..
   من قلوب مفعمة بك، نهتف بهذه الأعياد المباركة ليسوع، أن يجعل من حياتك سعادة لا تنفد لذاذاتها، خاصة من بركة "ست الحبايب" أم أنطوان.
   وأن يحفظ لك طفولة العباقرة، وهزج الضحكة القيثارية، التي تحمل البشائر كفراشات الربيع.
   وأن يديم لك تلك الطلّة المميزة الأندى من الطلّ على الأزاهير.
   وأن ينثر ضياءك على كل الملأ، كما أنت مضيء الى الأبد في كل قلب وروح وضمير وفكر.
   جعل الله المولود في المغارة، بك ولادةً لجيل جديد، وفكر نيّر، ورسالة، وعطاء للأمة والفكر.
                             الحدادون
                  عصام وسلوى وسمير وسامي
جبيل 15/12/1997
**
عداوة كذابة
   يا شربل الكل..
   تحية عصامية حدادية أحرّ من كور الحدادين في كل زمان ومكان.
   كنت فكّرت وقلت: إذا افترّ غرامي بشربل، سأستعمل طريقة جديدة، لكي أحمّي قلبي من جديد. سأفتعل العداوة الكذّابة، حتى ينبري الجمهور من شرق وغرب ليصالحونا. نتغنّج بعض الشي، حتى اذا تمّت المصالحة، ننقضّ على بعضنا انقضاض الصواعق. لكن، كلما فكّرت أزداد لهيباً وحماوة، وعدلت عن افتعال العداوة لأن قلبي لا يطاوعني.
   "فشّة خلق" مستمرة استمرار الله في سمائه، ولكن وخزني ضميري ذات ليلة، إذ تماديت في النقد والثورة. ربما شككت المغتربين، عوض أن أحبب اليهم الوطن، فما رأيك؟
   لقد بعثت اليك "بـفشة خلق" إحصائية عن رواتب موظفي الدولة، لم تنشرها، ربما لم تلقَ اعجابك، فعلى كل حال احتفظ بها، وإذا حسن لديك ابعثها مع مجلة "أميرة" لأن ليس لديّ نسخة عنها.
   عليك أن تصارحني، لا أن تشجعني، بخصوص "فشة خلق" فأنا يهمني خدمة وطني لا تشويه صورته.
   أنشر الرسائل التي تراها تشرّف "عصامك"، واحتفظ لي بالثرثرات، فأنا أريد أن أكون مثل الهر، لا بل أفضّل أن أكون مثل الذي يعملها ويطمر، لا مثل هذا.. وذاك.. من الادباء والشعراء: يعملها وينشر، كما قال أحد المفكرين.
   حقاً ايلي ناصيف رجل مميّز، كل مرّة أعرفه أحبّه، لذلك أنت تحافظ على صداقته.
   أريد أن أبعث اليك فطائر كشك بالطائرة، بعدك حرّمت على نفسي أكل الكشك، لأن ذكرياته تؤلمني وأنت بعيد.
   إن شاء الله يكون احتفال تكريمك رائعاً كالعادة.
   أبعث إليك بمقالات "شيل وحطّ ونسّق" على ذوقك، كتبتها بمستويات عدّة لترضي جميع الأذواق. أصدقني رأيك.
جبيل 20 ايلول 2001
**
قلم وهمة
وحياة عينيك اشتقنا اليك..
   أتعجّل الايام لكي أراك. أنت دوماً في أدعيتنا ومجالسنا، وقيامنا وقعودنا.. والضمير "نا" عائد الى بيت الحداد المعجوقين فيك.
   كيف حال قلمك وهمتك؟
   كلما نتنفس نذكرك. تلّة مار سمعان، وسندياناتها، وطلاتها على الشاطىء، تذكر طيفك الحلو. وأعمدة بعلبك، والبردوني، واخضلال سهل البقاع الذي نعم بطلعتك البهية.
   أبعث اليك بكتابي الجديد "مرايا السماء"، عساك ترى فيه ما رأى كبار أهل الكلمة من خطوة. فهل طبعت الباقي من مجموعتك؟
   وأبعث اليك برسالة أرجو أن تسلمها الى الاستاذ أنطوني ولسن، لأني أجهل عنوانه، ولك الشكر.
   تحيّات بيت الحداد اليك، والى بيت البعيني، والى كل من أنت راضٍ عنهم "فرداً وفردة". حفظك الله لصديقك.
جبيل 19/11/2004
**
قنبلة ذرية
 شربلي الحبيب.. دمت كما أنت.
   تحية "عصامية أنت أدرى بحرارتها.
   قال ربّك يسوع" "كلما اجتمع اثنان أنا الثالث بينهما"، وأنت يحق لك أن تقول: كلما اجتمع صديقان، فالثالث هو شربل بعيني.
   من خلالك، أرى كل سكان أستراليا متقمّصين شخصيتك المميّزة، لذلك أحبهم، والذي يحبّ إنساناً ما، يحب كل ما يمت اليه بصلة.
   فعلت بقلبي خلال أسبوعين ما تفعل الذرّة، فإذا أنا أنفجر كهيروشيما وناكازاكي، ولا أعلم إذا داهمتني إحداهن. هل ترى غير الريش والعظم بعدك؟!
   أعيش معك، وأستعيد اللحظات التاريخية بحرقة الولوع الموجوع.. فكنت وما زلت إيّاك، وأتمنى أن تبقى للوطن وللفكر ذلك "الدينمو" الذي يحرّ حيث يكرّ ويفرّ.
   الحبيب إيلي ناصيف ما زال على أصالته، قضينا معاً أويقات أشهى من الحلم، ولكنها ما طالت، شأن كل سعادة. وعدنا خيراً بخير وفير.. حقّق الله أمانيه.
   وصلني عدد من مجلة "ليلى" بالبريد، ولفتني السجال حول نزار قبّاني، فهممت أن أرد أيضاً، لكن امتحانات المعهد أخّرتني. سوف أوافيك بمقالات عدة لاحقاً.
   البارحة اتصل بي إيلي عاقوري، ووعدته بنشر ريبورتاج عن الفرقة بالأنوار.
   كيف حال "ست الحبايب" أم أنطوان، وجميع بيت البعيني. سلّم على كلّ من يمتّ إليهم بصلة.
   سلوى وسمير وسامي يسلمون عليكم جميعاً. أراني الله وجهك في لبنان على خير.
جبيل 26/6/1997
**
قيدوم الشعراء
   تملأ الدنيا وتشغل الناس من شعرك وجهدك في المجلَّة والتعليم وفي الحياة.
   طالعت ما أفضلت عليّ به من التجديد في المتحف ودائمًا أفضالك عميمة عليّ بحبّك، بمشوراتك، بكلّ ما تغمرني به من حين تعارفنا في بغداد. وكنت في الوفد الزائر قيدوم الشعراء، فقد فعلت بهم فعل الحصاة بالماء. وحين دعوتني الى سيدني لم تخلِّ زيادة لمستزيد إلاَّ وفعلته لأجل عصامك.
   شربلي الحبيب 
   لا أقدر على وفائك بشيء إلاَّ بالحبّ، يكفي ما ضحَّت لراحتي الفقيدة الغالية "ست الحبايب" أذكرها دومًا في صلاتي وأطلب شفاعتها من السماء.
     أثَّرني جدًا رحيل بطرس عنداري، لقد عمل لأجل وطنه الكثير. رحمه الله وعوّضنا أمثاله رجال معرفة وجهاد.
     أكرر شكري وحبّي واعجابي لوفائك وحبّك واتمنى أن يُزرع في كلّ أرض شربل بعيني.
جبيل 2012
**
لا أحب عليك
   كيف حالك؟
   كيف حال امارتك في هذه الايام؟
   بعثت اليك برسالة طويلة عريضة دسمة فيها من كل فاكهة، الحامض والمر. لا شك، تكون قد وصلتك مع الاستاذ ايلي ناصيف، فقد أعجبتْ مَن حولي.. لذلك أرجو أن تسحب لي نسخة عنها، وترفقها مع مجلة "أميرة".
   كيف رأيت المقالات المتنوعة التي أرسلتها اليك؟ أليست ترضي الأدباء والمتأدبين وأنصاف المتعلمين، حتى محبي الطقاطيق والكلمات المتقاطعة؟
   قلت لي: "هل تعبت من الكتابة؟". لا، لا تخف عليّ. دائماً لديّ شيء أقوله، وموضوع أعالجه، إنما أحمل همّ قراء "أميرة" وأشفق عليهم، لأن "أميرة" تتوجه الى الجمهور، وهذا لا شك فيه، حذق في الصحافة ومراعاة شعور الاغتراب.
   أما أنت، فتكتب كعادتك، بلباقتك المعهودة.. لم يبقَ سواي "ثقيل الدم" لأن مقالاتي تتوجّه الى "القلّة"، وتخز الضمير، وفيها عنف الثورة والقساوة على الظالمين.
   أما مقالاتك، فتسلّي وتحلّي.. سأبقى معك "مثل الصبي مع خالته"، أرجوك أن تحذف كل كلمة تراها نافرة، ولا توافق قراء "أميرة"، فرأيان أفضل من رأي واحد.
   تجد طي رسالتك رسالة الى "الرابطة"، أتمنى تسليمها الى "إيلي" لأني سهوت عن عنوانه.
   أنا تعرّفت الى "الرابطة" بواسطتك، فمهما اختلفت الظروف لا "أحبّ عليك".. أما سمعت الشاعر اللبناني ماذا يقول؟: "حبّي علينا بس حبّي متلنا".
   ولكني أعتقد أن "الرابطة" إذا تطوّرت واستمرّت، ستكون على غرار "الرابطة القلمية" و"العصبة الأندلسية"، لذلك ألححت عليك أن تظل "الزنبرك" و"الدينامو". 
   لقد تطفّلت على "امارتك" فأعتذر، ولا تنسَ أن الرجال العظام يحتاجون دائماً الى مستشارين.
جبيل 12/10/2001
**
مجد الشعر
  يا شربلنا الحبيب
    اذا كنا من زمان ما اتصلنا فيك، فلكي لا نزعجك بالأسئلة ونخاف ان تكون الأجوبة سلبية لأنك آخر مرة كنت متشائم. 
    ما رحت من فكرنا.. كل يوم نتساءل وايدنا عَ قلبنا. يهمنا ان يكون شربل مرتاح سعيد. يكفيه مجد الشعر. المصاعب بتزيد العبقرية والقريحة. 
   دايماً منقول ايش لازم نعمل تا نساعد شربل.
    سلوى وسمير وسامي وطوني كلّن بسيرتك. منصلّيلك لسميّك القديس شربل تا يعمل اعجوبة معك.
   اشواقنا وحبنا الدائم للحبيب الدائم
جبيل 24/11/2010
**
مسرحية هنود من لبنان
   النهضة الأدبية والاجتماعية والتربوية في أستراليا اليوم، ملتفت أنظار العالم، لأن كل هاجس هذه الكوكبة من اللبنانيين البررة، ان يزرعوا لبنان حيث يحلون، لا بل أن يعوّضوا عن صوره المشوهة، التي أحدثتها الحروب فيه وعليه، بجهد مضاعف، ليظهروا وجه لبنان الحق، وجه العطاء والنور والفداء.
   ومن هذه الأعمال الجبارة، المسرحية التي مثلها صغار من طلاب مدرسة سيدة لبنان ـ هاريس بارك، لراهبات العائلة المقدسة المارونيات في الآونة الأخيرة بعنوان "هنود من لبنان"، تأليف واخراج شربل بعيني، الشاعر الذي تفوق كتبه العشرين، وهو لم يتجاوز بعد الأربعين، وهو في أستراليا مالىء الدنيا، وشاغل الناس، يعمل في حقل التعليم والصحافة، حتى لا يدع سانحة وزاوية في مجلة أو جريدة وحفلة ومنتدى، إلا ويملأها بجهوده ومعارفه.. يتمنى لو أن يومه وليله أكثر من 24 ساعة ليفعم أستراليا بكل عطاء.
   ان 300 طالب وطالبة من الصفوف الابتدائية، حفزها شربل بعيني للتمثيل بلغة وطنه الأم، بحضور العديد من رجال الدين والسياسيين والصحفيين والدبلوماسيين والشعراء والادباء ورجال الاعمال، أخص هؤلاء الحضور: سيادة المطران يوسف حتي، وقنصل لبنان العام الاستاذ سليمان الراسي، واعضاء الجالية اللبنانية، وأهل الطلاب، ولفيف الراهبات.
   أول ما يدهشك في هذه المسرحية طفلة اسمها ريما الياس، تذكرك بـ "ريمي بندلي"، وهي رائعة في ادائها، تغني حتى تسحر، وترفع الحضور الى ملأ أثيري احياناً يستنزف الدموع، وغالباً تصفق لها بكل الجوارح، وتنجذب الى المسرح بقلبك وروحك وعينيك، وتؤخذ بمناظر الديكور والازياء والرقصات التي صممها طلاب المدرسة. عدا الالحان المبدعة في أغنية "غريبه" التي لحنها "ادغار بازرجي" وهو صاحب موهبة خلاقة، وأغنية "جايي عيدي" التي لحنها "الياس اخوان"، الواعدون بنهضة فنية، وأغنية "لا تمنعوني حب" لمجدي بولس، الدائب ليل نهار لاعطاء فن رائع جديد. يهندس كل هذه الأصوات الفنان سامي هيفا. حتى لتشدك المسرحية بكل ما فيها في نفس واحد رائع تبارك المواهب اللبنانية التي تعكس وجه لبنان، ووجه الله عليه.
   يبدأها شربل بقوله: "اذا الطفل ما بيعرف يحكي بالعامية، بلسان امو وبيّو، كل كتب المدارس ما راح تفيدو ولو صار بالجامعة". بهذه الرسالة يبشّر الشاعر حتى لا تغيب في خضم الغربة سحنة لبنان، وتبتلع لجة الاغراب الدم اللبناني النقي.
   "هنود من لبنان" يركّز بها شربل على ان التفرقة التي عصفت ببني لبنان مصدرها الحكّام الذين لم يحسنوا اداء الرسالة. يلومهم بعنف لأنهم شردوا شعبهم الى أصقاع الأرض، فجاع وهرب يطلب لقمة العيش الكريمة تحت كل سماء. ويرجّع اهل هذه التفرقة الى الطائفية الحقيرة، وينذر بالخراب اذا بقي هذا الوطن يدّعي انه يمدّن الكون، وهو أعجز من أن يوحّد بنيه.
   يهتف شربل من أعماق أوجاعه: "لقمة الخبز ببلادنا صار حقّا دم. يخرب بيتو اللي خرب بلادنا.. اذا حكينا مره بيسدّوا بوزنا بالمرّه".
   هذا الدم الذي هرق لأجل اللقمة، ولأجل الحقيقة، ولأجل الكلمة، أرادوا من ورائه ازالة الوطن من الوجود، ولكن ارادة بنيه أقوى، وارادتهم أعجز من أن تزيل هذا الوطن من الوجود. لذلك سكت أهل الكلمة في لبنان، وكموا افواههم، وكان شربل من هؤلاء الذين شردوا بسبيل الحقيقة.. ولكن في الغربة أتيح له أن يقول كل ما في قلبه وعقله بإبداع لفت أنظار لبنان المغترب والمقيم بنهضة فكرية يذكرها تاريخ الاغتراب بأحرف من ذهب.
   ويصرخ من أعماقه" "لحماتي ما بيكفّوا" ليدلل على تمادي الظلم والقهر اللذين جرّدا حتى العظم أهل لبنان.. ولكن لا يلين، فيطلق هذه الحكمة الرائعة البسيطة: "التاريخ متل راس البطيخ ع طول لونو أحمر". 
   ولكن شربل رغم ايمانه بدور الوطن، يلهب بقلمه الثورة فيقول:" دود الخل منّو وفيه.. وكل عمرا عوجا".
   هل حان أن نتعلم أن نقضي على هذا الدود، هل تظل "المقتايه عوجا"؟
   يا للعجب، كيف لا نعرف قدر لبنان، أو أننا خلقنا للتفرقة، ولا نستطيع أن نبدّل من طبيعة هذا اللحم والدم؟.
الأنوار ـ العدد 10996، 29 تشرين أول 1991
**
مجدليا
 كم أنا مشتاق اليك بعد اللقاء السريع في "المربد"، الذي سمّر في ضلوعي حبّك الى الأبد، إذ لا تقاس الحياة بالساعات بل بالطلات والتجارب والتعاطف بين متحابين جمعهما الأدب.
   يطيب لي ذكرك، كلما شئت أن أرتاح الى الحب الشريف الوفي، وأتلمظ اسمك، كلما جلست الى صديق أو أديب، أو حين يذكر شاعر مهووس بوطنه وبالعطاء.
   منذ وصلتني كتبك، جعلت أهديها الى الادباء مشفوعةً بأحاديث كثيرة عنك أثناء لقائنا في "المربد"، ولاسيما عن روحك الناعمة، وهوسك المتمادي في حب لبنان.
   والآن، فيما أنا في قمّة الوجع لسماع المآسي عن الوطن، أنصرف للجلوس اليك مرتاحاً لذكراك تفرّج عنّي سائلاً الله أن يرأف بهذا الوطن ويهديه ويحميه.
   وأغتنم فرصة شخص متوجه الى أستراليا لأرسل اليك ما كتبته في "الأنوار" معجباً بنشاطكم كلكم في الشطر الآخر، كما اني ذهبت الى "مجدليا"، وتحدثت طويلاً مرتين الى الأديبة سوزان بعيني، وكنت أنت الوصلة في كل حديث، وحين وطأت أرض مجدليا تصورت شربل الطفل واليافع والشاب يعدو في ربوعها، وبين أشجارها، وخلف صباياها، وعلى منابرها، ورجعت بمشاعر شاعر لا أقدر على وصفها، أترك لك أنت تقديرها.
   بفكري المجيء الى أستراليا وسأسعى، واذا قدر لي أن أنضم الى نهضتكم الأدبية، فأكون سعيداً، ولاسيما لوجودي قربك، فأحس بهناء واكتفاء.
جبيل 17/10/1990
**
مشكلة
 شربلي الحبيب
   كيف حال قلبك الكبير؟ وكم ينبض في الدقيقة؟ هذه مشكلة تقضّ مضجعي. أظن أنه ينبض 24 ساعة على 24، بل على قدر قلوب كل العاشقين.
   أرسلت لك كتاباً مع كامل المر مودعاً في حناياه عواطفي اليك. ففتّش في الحنايا والزوايا علّك تجد ما يرضيك.
   وصلني الفيديو، فسررت به كثيراً، ودعوت الجيران والأهل لمشاهدته. انك دائماً تبدع، وتعمل شغلتك باتقان.
   سلامي الى "ست الحبايب"، أعطاها الله العمر الطويل، لتظل فرحة بعائلتها بيت البعيني، ونقول لها: مباركة ثمرة بطنك.
   مجلتك أطلع عليها طلابي والاساتذة والاصدقاء وأهلي على ما فيها، وشموليتها، واستقطاب الاصدقاء حولها.
   سمير وزوجته الشمالية وسلوى وسامي وداعيك يسلمون عليك، وعلى كل بيت البعيني.
جبيل 23/1/1998
**
مغارة علي بابا
   شربل الكل قد الكل..
   وصلت رسالتك جواباً على المعايده. بعتنالك جواب انا وطوني.
  اسبوع العيد كنا بعين كفاع، الطقس عنا اليوم بكانون، حار مثل طقس السياسة. لكن طقس الطبيعة بدفّي. أما طقس السياسة  "بيـ ..." وفهمك كفاية.
  هالوطن اللّي حبّيتو صاير مغارة علي بابا وكل شي باباوات تافهة.
  عندي كتاب مسبّات للسياسيين. ما بعرف اذا بطبعو قريباً.     كيف حال صحتك وصحة كل بيت البعيني؟
  انشاالله قضيتك قربت تنحلّ مثل ما انت بدك.
  نحنا بها لوطن بدنا نضل عا وطنيتنا وايمان جدودنا مهما صار.
     وبدنا نعمل بقول المتل: الحجر مطرحو قنطار . بدنا نضل نكافح تا نرد لبنان الأصالة والجمال نحنا وياك.
     ما خبرتني شي عن كتاباتك؟ هل ما زلت تعطي دروس عند الراهبات؟
     انت بتضل انت.. سنديانة ما بتهزك العواصف. ومارشربل سميّك دايماً معك.
جبيل 24/1/2011
**
مفاجأة
   وصلتني "المفاجأة" مع الشاعر نعيم خوري، وانك مثل العادة، توافي محبيك بالجديد، من كل فن ونوع.
   قريباً نعيّن موعداً لتسليم الجائزة التي كلفت الشاعر نعيم خوري بتسليمها، وحسب اشارتك، سنأخذ معاً رسماً ونبعث به اليك.
   قلت لنعيم: "شربل وصّاني فيك، وأنا مستعد أن أرافقك الى حيث تريد".
   ولقد زارني مرتين، وقدّمته للطلاّب والأساتذة والحاضرين، فكان مسروراً، ووعد باللقاء قريباً عندما ينهي أشغاله العقارية.
   سألته عن الجميع بدقّة، وتحدثنا عن الأدب، وسأجري معه مقابلة أنشرها في الصحف، أنت لو وصّيت بالشيطان نقدّسه، أليس الشاعر شيخ الشياطين؟
   صدقني لا تروح من بالي رحلة "سيدني"، أستعيد لحظاتها لحظة بلحظة، وأذكر عندما كنت أقوم صباحاً، وأرى "أم أنطوان" تصلّي مسبحتها، وإذ يطلب احد منها شيئاً تخلّيها بين أصابعها، ولعلها كانت أكثر ما تصلي الى القديس شربل كفّارة عن "خطايا" ابنها شربل.
   أجد عذوبة بمخاطبتك والكتابة اليك، لذلك تراني كثيراً ما أثرثر.
   حاولت مراراً الاتصال بك، ولأول مرة يخذلني الهاتف. سأكرر دائماً لعلي أفلح.
   ها أنا أكتب اليك آخر الليل، وقد عدت متعباً من نهار طويل استعداداً لحفلة تخريج دفعة من تلامذة "الأبجدية": تصميم أزياء، ماكياج، دكتلو.. برعاية وزير التربية. وستقام الحفلة على مسرح سينما "لاسيتدال" جبيل في 25/9/1992، مساء الجمعة، الساعة السادسة، وسألقي كلمة عن برنامج المعهد في العام القادم.
   صار اسم شربل بعيني في لبنان مقروناً باسم عصام حداد، فما أحلى أن نلتقي معاً في هذا الوطن، على علاّته، ونبني معاً، والضمير راجع الى الادباء، وطناً متجدداً قوامه الفكر، فهل أنت فاعل؟
   أذكر كل الأحبة في سيدني، كل الذين التقيتهم، وسأكتب لهم لاحقاً، لأن إحدى السيدات تنتظرني غداً عند الفجر، كي ابعث رسالتي معها.
   أجدد لك شكري، ولكل الذين أتعبتهم بزيارتي من أفراد البيت الى الأصحاب، الى أصحاب الجرائد والاعلاميين، ولاسيما الاساتذة ايلي ناصيف، كامل المر، فؤاد نمور، جوزاف بو ملحم، بطرس عنداري الذي أفضل علي كثيراً بنشر الكثير في جريدته، والأم كونستانس الباشا، والسيدة ماري ميسي، والفنانة نجوى عاصي.
   لقد كتبت الي منذ مدة والدة المطربة الحبيبة ريما الياس جواباً على كتابي اليها، ونسيت أن أخبرك، فها اني أمهّد لهذه الفتاة المعجزة بنشر صوتها، حتى يعرفها الناس هنا، حتى اذا أحبت زيارة لبنان، تكون شهرتها قد سبقتها، لأن الفوضى بالاغاني وغزو المطاعم بالسخافات كثيرة كثيرة.
   وعلى سبيل المثال، دعوت فنانين للسهرة، فرحت أندد بالاغاني والمغنين والملحنين، وبلغت بي الجرأة أن قلت لهم: لو ألفت أغنية "العنزة ركبت ع الصاروخ" أجد لها رواداً ومريدين، فقهقهوا كلهم استحساناً، وفي آخر السهرة، انتحى بي أحد كبار الملحنين وقال: "دخيلك كمّلي العنزه ركبت ع الصاروخ.. بدي لحنها". هذا هو الواقع اليوم، ولكن لنا الأمل بالتغيير.
   أكتب سريعاً اليك، لقد أطلت عليك، وأنت لا تحب الاطالة، لكن أستلذ مخاطبتك، ولا أقدر أن أغيّر هذه الخصلة.
   اخوتي صاروا يسابقونني عليك، وكلما زارني أحد الأدباء، والمكتبة صالون أدبي في جبيل، يسألني أول سؤال: كيف حال صاحبك؟ والجميع يعرفون انه هو هو.. صار معرفة، لم يعد نكرة، حتى على الشياطين.
   اسلّم على الجميع بحرارة مكرراً دعائي لكم بالعافية والرخاء والهناء.
جبيل 24/9/1992
**
ملاحم حنين
  "مقتطفات خاصة بشربل بعيني من مقال طويل بعنوان "لبنان الثقافي من القارة البعيدة أستراليا.. ملاحم حنين وأشعار تنزل في الوطن، مذكرة بحافظ ابراهيم والمهجريين الاوائل".
   ما أعظم اللبناني! حيث يُزرع، يركز لبلاده بلاداً، ولأدبه حضارة، يروح ويرجع، ودائماً في فمه غصن زيتون، وفي قلبه حصن للمحبة، وعلى جبينه غار مجد وعنفوان.
   ولكم دهشت باللبنانيين في أستراليا يلهفون ليل نهار، لا لخدمة لبنان فحسب، بل الانسانية والفكر الذي لا وطن له ولا حدود ولا سدود.
   عرفتهم بواسطة الديناميكي المهووس بوطنه الى حد الاسراف، الذي ينبش في دماغه ألف خلد وخلد، الشاعر شربل بعيني، الذي أقام الأرض وما أقعدها بعد في أستراليا، وظل هذا الرجل المعطاء، بعد معرفتي به، يمدني بأخبار الأدباء هناك، فتسنى لي الوقوف عن كثب، من وراء الابعاد على نشاطات هؤلاء العنادل من اقامة حفلات وجوائز، ومهرجانات أدبية وغنائية وفنية، بالاضافة الى صحف ومجلات عدة، ومؤسسات للرسم والموسيقى وشتى الفنون، وقد عرفت بالكتابة حتى الآن: عصمت الأيوبي، شربل بعيني، كلارك بعيني، أكرم المغوّش، أنطونيوس بو رزق، جميل م الدويهي، فؤاد نعمان الخوري، نعيم خوري، جوزاف بو ملحم، راشد الحلاب، زين الحسن، فؤاد نمور، عصام ملكي وكامل المر.
   واليوم، تصلني معلقة بعنوان "بحيرة الضوء"، صادرة عن منشورات شربل بعيني، تأليف نعيم خوري، الغلاف للفنان العالمي "لاموس"، والديكور للفنانة ماري آن، وفيها يصف الشاعر الاحتفالات التي تقام في "رابطة احياء التراث العربي"، قدّمها شربل بعيني بكلمة، منها:
   "بحيرة الضوء.. ستبقى القصيدة الأكثر توهجاً، الأبعد خيالاً، الأمتن سبكاً، الأعمق محبة، والأصدق تعبيراً لفترة زمنية ستطول وتطول الى ما لا نهاية، خاصة وانها تستمد ديمومتها من مخيلة عملاقة قد لا يهبها الله إلا للانبياء.
   137 بيتاً شعرياً هي معلقة تتشاوف على المعلقات السبع، شرّعت أبوابها مساء التاسع من شهر كانون الأول سنة 1990 لاستقبال عشرين جبرانياً منحتهم رابطة احياء التراث العربي "جائزة جبران العالمية" على مدى أربع سنوات، بعد أن استضاء الكون بنور كلماتهم، فاستحقوا بذلك ثناء شاعر مهجري عظيم لم يعرف قلبه الا المحبة، ولم يبشّر قلمه الا بالمحبة، فكان النعيم لكل من عرفه، وكان اسمه نعيم خوري".
.......
   وينتقل الى شربل بعيني الذي فاز بالجائزة على ديوانه "كيف أينعت السنابل" فيقول:
هذا بعيني شعره وحنينه
وتر يغنّي للهوى وربابُ
ما كان يرسم بالدموع وإنما
بدم الشهادة فنه المسكابُ
غدرت به الدنيا وصوت رصاصها
ليل أصمّ ومخلبٌ قصّابُ
في عتمة التاريخ كل جريمة 
يطفو على بصماتها "الإرهابُ".
   وفي هذه الأبيات يختصر الشاعر نعيم تاريخ هجرة شربل بعيني التي لا يعرفها الا من يعرف تاريخها، ومصدرها، وواقعها، وأسبابها. هذه الأبيات أبدع بها الشاعر أيما إبداع، فقد سجل بأبيات معدودة سجل شربل بصور رائعة، إذ أن "البعيني" كله قصيدة رقة وحنين، و"للهوى رباب" في شعره، ولاسيما الغزلي.. وفي شعره الوطني الثوري يرسم بالدم كلماته، وهذا ما يذكرك بقول "هوغو": الشعر كلام يصور أو صور تتكلم.
   وكيف غدرت به الدنيا؟ هذا يطرح للمناقشة. شربل سافر الى أستراليا تحت وطأة التهديد، تاركاً أهله وهو ابن عشرين سنة، على أثر قصيدة ثورية ألقاها.. فجلبت النقمة عليه الى حد أن أنذر مرتين ان "أعادها" يرمى في البئر، فإذا بالفتى يخاف على جلده ان يسلخ، ويا ليت "بمخلب قصاب"، ففر مع الليل، وكان صباح أستراليا البهيج يطلع عليه بإشراقات وبدائع وشموس.
   أما أنا فأبارك تلك الليلة التي ولد فيها شاعر اسمه شربل بعيني، يوم هدد بالقتل، وانذر بواسطة خوري الضيعة "ليرحل".. لقد ولد وتعمد على يد هذا الخوري، وفي آن معاً ثبّت في ملكوت الشعر على عرش كبير.
   ويا ليتني أعرف أولئك الذين هددوه لكي أقبّلهم في عيونهم قبلات الشكر.. فقد خلقوا من غربة شربل بعيني شاعراً ثورياً مبدعاً. وهذا ما يذكرني أيضاً بقول انطون الجميل في خليل مطران عند وصوله الى بيت في قصيدة "المساء" يقول فيه:
ثاوٍ على صخر أصم وليت لي
قلباً كهذي الصخرة الصماء
   يقول الجميل ما معناه متمنياً على الشاعر أن يجرح لا أن يكون صخرة صماء، لأن الشاعر لا يسيل شعره إلا من جراحه، كالشجرة لا يسيل سائلها إلا من جراحها.
   ونحن لقد ربحنا شربل الشاعر الفذ الحامل لواء بلاده والشعر، ولواء العطاء والوفاء والفداء.
الأنوار، العدد 10981، 14 تشرين أول 1991
**
مهارة بارزة
 شربلي الحبيب.. 
   زادك اللـه طموحاً وتألّقاً وعطاء.
   كيف حالك؟ يا من تعيش معي كما يعيش الضوء والفكر والضمير.
   طالت الأيام، زدت شوقاً إليك واشتعالاً بروحك وحبّك.. فإذا أنت على حدّ قول الشاعر ( كلما زدتني حسناً زدتك نظرا..
لا شك أنك طالع، هذه الأيّام، من (همكة) عيد مجلة (ليلى)، وقد طالعت الإعلان عنها في العدد الأخير، فشاركتك الفرحة بالعيد، وطلبت لك المزيد من النجاح.
   اللافت أن المجلة تجمع حولها الحبين، فدائماً أقرأ لهذا أو لذاك أو لتلك.. وفي المجلة مهارة بارزة في جذب المريدين على اختلاف اهتماماتهم، من رجال فكر وعمل وتجارة وفن مما يوفّر لها التقدّمم المستمر.
   والمدهش انك أنت تبقى الشاعر المميز رغم مشاغلك. 
   أتخيلك بتلك الهيصة الدائمة والضحكة المجلجلة.. كأن في رأسك ينبش ألف خلد وألف ألف شيطان يحرّ.
   وكأني بالشاعر العربي كان، منذ قديم السنين، يعنيك:
وإنك من كل القلوب مركّبٌ
فأنت إلى كل القلوبِ حبيبُ
   ما تعرّفت بإنسان إلا ويذكر اسمك مشفوعاً بالحب والشكر والثناء.. ومنذ أسبوع التقيت السفير (لطيف) إنه فعلاً أبو الحسن.
   مذ وقعت عيني عليه وعرّفته بنفسي، هتف من أعماقه ( من زمان وأنا أحب أن ألتقيك، خبّرني شربل عنك، يجب أن نتلاقى).. لقد تحققت من إعجابك به وحبك له.
   ثـم لست أدري إذا كنت ما زلت مصراً على هجر لبنان إلى الأبد.. أخشى عليك من أستراليا يا شاعر الغربة الطويلة.
   ونسيت أن أخبرك أن شعبيتك الانتخابية في بيتنا قد زادت، فأخي سمير لـم تعجبه غير فتاة شمالية، فهو اليوم عائـم في العسل.
   ست الحبايب أم أنطوان لا تبرح من بالي، فإن شاء اللـه تكون صامدة كسنديانة لبنانية في وجه الأعاصير.
تحيّاتي إلى كل بيت البعيني.. وإلى أصدقاء مجلة ليلى.
   سلوى وسمير وسامي أصبحوا يغارون مني.. أنت صاحب مشاكل عاطفية في أستراليا ولبنان، ويمكن في جهنم والسماء!!
   أتمنى لك ولجميع الفائزين بجائزتك لعام 1997 دوام النجاح والعافية.. وكل عيد وكل عام وأنتم وقراء مجلة ليلى بألف خير.
مجلة ليلى، العدد 28، شباط 1998
**
وطن الأرز
   يا شربلنا الحبيب الدائم
   لماذا أنت مهتم كل الإهتمام بصديقك عصام حدّاد؟ أما تعبت بعد من المحبّة؟. أتظلّ تفدي ذاتك في سبيل الآخرين؟
   أخي سامي يقول: "توجعني كثيرًا كلمة الغربة التي تقض مضجع شربل بعيني. أتمنى منذ الآن أن ينشر في كلّ وسائل الإعلام تحت عنوان "وطن الأرز". 
   هل انت عازم على خوض النيابة سنة 2013 حيث تتيح الدولة للمغتربين للمشاركة في الإنتخاب وفي الترشيح للنيابة؟".
   فمن مثلك وقدّك أولى بهذا المنصب للتواصل بين لبنان المغترب ولبنان المقيم.
  تمنى أن تستجيب الى رغبتنا وانت المنتصر.
 ملاحظة: هل وصلك فيديو التكريم مع الصور في عين كفاع والتكريم في نقابة الصحافة في بيروت فقط ؟
جبيل 14/5/2012
**
وعكة
   يا شربلي وشربل كلّ الأوادم..
   بعيدك بعيد الفصح وانت عيدنا الدائم. كيف حالك بعد هالوعكه؟! ان شاء الله بتبقى سبع ما بتهزَّك عواصف.
   بعتلَّك CD عن الحفلات اللّي خبّرتك عنا. رجع اليوم CD انك غيّرت عنوانك. الرجاء معرفة العنوان الجديد.
  تحيات ومعايدات لجميع الأهل.
جبيل 4/4/2012
**
آخر رسالة
    شربلي.. 
    أنا  معك وعندك.
   تعوّدت متلك خوض المعارك.
   أنا  اليوم أمرّ في أزمة  صحيّة عابرة ان شاء الله. 
   أدع لي بالتوفيق
جبيل 21/4/2013
**
مقطتفات من مقال:
"انطباعات شاعر في رحلة بعيدة.. إلى قارة بعيدة"
   فلنقرأ بعض ما كتب:
   "ثلاث  ساعات من بيروت إلى دبي، و7 ساعات من دبي إلى سنغفورة، ومن سنغفورة إلى سيدني 8 ساعات، وأنت على رحمة القدر وبركة اللـه، معلّق بين الأرض والسماء"..
  وبعد أن يخبرنا بأسلوبه الساخر عن رجرجات الطائرة وإقلاعها وهبوطها، وعن تلك الحيزبون المتصابيّة التي أعمت بصره بدخان سيجارتها طوال الرحلة.. يصل إلى مطار سيدني:
   "ها هم الإخوان اللبنانيون يعانقونك بلهفة وحنين، يشمون فيك رائحة الليمون والزعتر والوزّال، يبكون ماضيهم المجيد ولكنهم يتأوّهون تأوّه الآمل بالفرج والعودة إلى ذراع الأم والأب والأهل والصديق..".
   ويبدأ عصام بإجراء مقارنة بسيطة بين الحال التي وصل إليها وطنه الغالي لبنان، وبين الرفاهية التي تنعم بها أستراليا، وكيف تغرّد البلابل في سيدني، بينما الصيّاد اللبناني القليل المذاق يقتل بلابل الأيكة تقتيلاً بلا هوادة ولا حياء.. إلى أن يصل إلى بيت القصيد، صديقه شربل بعيني:
   "تنزل صبحاً إلى الحديقة فترى شربل الخل الوفي الذي يحسبه الشاعر العربي ثالث المستحيلات، تراه في انتظارك، يحيطك بكل عناية وراحة وحفاوة، بجانبه أم أنطوان وأنطوان ليوفّروا كل ما يسر ضيفهم الحامل لهم من لبنان العبير والضوء ورائحة الزعتر والخضرة وعنفوان الجبل، ويهرع إلى خزانته "هذا ما فيها لي من لبنان كمشة تراب" أوصى شربل أول راجع من وطنه أن يحملها إليه من أرض بلاده، فاحتضنها كأثـمن ما لديه.
الحقيقة تبكي وتبكي لهذه الوطنيّة الرائعة وتبكي بعد، إذ تعرف كيف أن شربل بعيني الشاعر الذي ينبش في دماغه ألف خلد، ويحرّ فيه ألف شيطان وشيطان، لا يهدأ ولا يدع أحداً يهدأ في سبيل مجد بلاده ومجد الفكر. لقد هرب ذات ليلة إلى سيدني بعدما هدّد بالقتل لأنه يقول الحقيقة، ويريدونها أن تظلّ مخبّأة، لينطلق بها اليوم".
جريدة الأنوار البيروتيّة الصادرة بتاريخ 24/12/1991
**