شربل بعيني شاعر أمتي

مقدمة بقلم شربل بعيني
   لم أكن أدري أن اتصالي الأدبي بالراحل الكبير نعمان حرب، سيفرش طريقي بالورود، ويقودني للتعرّف على شاعر "محردي" شاب، اسمه مفيد نبزو.
   ومن الرسالة الأولى، أحسست أن "مفيداً" قد استوطن قلبي، ولن يهجره أبداً. 
   وها هي السنون تكرّ وتفرّ، ومحبة "المحردي" تنمو وتكبر لدرجة لم يعد يتسع لها صدري.
  وإليكم بعض ما كتب:
   "يسعدني جداً جداً أن أضمّ محبّتك إلى قلبي، ونكون جنباً إلى جنب في ميدان الكلمة، وحديقة الإبداع. فأرجو أن تستمرّ علاقتنا وأخوّتنا، لنكبر فيهما، ونفخر فيهما، ومن خلالهما يتفجّر ينبوع العطاء. فألف شكر للأخ الحبيب نعمان حرب الذي كان له الفضل الكبير في تعريفي لحضرتك: شعراً وروحاً، وإن شاء اللـه نتعارف بالذات بعد أن تعارفنا بالروح والعاطفة. بادرة الأستاذ نعمان لن أنساها إلى الأبد بإذن اللـه".
   فكيف لا تحبّ إنساناً "ضمّ محبتك الى قلبه"، وكيف لا تعشق أدبه، وهو القائل:
   "إنها ملاحم الغربة والتشرد والمآسي، يكتبها شاعر لبناني مهاجر احترق قلبه من مآسي وطنه، فأصبح يبلل ريشته بجرح غربته، وعذاب روحه، ومرآة نفسه المحطّمة، ليرسم الأفاعي تمتص من أغصان الأرز نسغها، بينما الغربان تكسرها وتنعب عليها أناشيد الجحيم، وترقص على بقاياها رقصة الموت.
   إنها الغربة وأسرارها. إنه السؤال المجهول عن مستقبل مجهول. فماذا يكمن وراء هذه الغربة الطويلة؟".
    أما عن شعره، فحدّث ولا حرج، فمفيد يملك زمام اللغتين: الفصحى والعامية، وبهما يتلاعب بالقوافي كما يشاء، ليشنّف الآذان بأجمل الصور الشعرية، وليهدي محبي قلمه أرق القصائد:
مجدليّا..
مطرح ما شمس معانقَه فيّا
مطرح ما في عْصافير عَ الميَّه
مطرح ما في همسات وغناني
مطرح ما في نسمات سكرانه
وشلال حب ونبع حنيَّه
   وأعتقد أنه صوّر قريتي مجدليا، دون أن يزورها، أفضل مما صوّرتها أنا.. وهذا دليل واضح على سعة خياله الذي ينقله الى حيث يشاء وهو جالس خلف مكتبه:
أشربلُ.. يا نديَّ الشعر رتِّلْ
على سحر الهوى بصلاةِ شاعرْ
فإن الشعر يخفقُ في ضلوعي
وينشده الفؤادُ من الحناجرْ
فهاتِ الشعرَ فخراً واعتزازاً
وفاخِرْ بالهوى والشِّعر فاخِرْ
أما هاجرتَ من بلد الأماني
ورحتَ تجوب في الدنيا مغامرْ؟
   بلى، والله، يا اخي مفيد، فما زلت أجوب الدنيا مغامراً، وكلما اقتربت من العودة، ازدادت الأزمات السياسية القاتلة في الوطن، فأنزوي بغربتي أكثر فأكثر.
   فمن هو هذا الشاعر السوري المحب المبدع؟ 
   ولد مفيد نبزو في مدينة "محردة" السورية عام 1963م، فمال، منذ طفولته، للمطالعة والمعرفة والكتابة.
   وما أن انهى علومه في مدارس "محردة"، حتى انتسب إلى كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة حلب، ليتخرج منها مجازاً بشهادة جامعية خوّلته بأن يصبح مدرساً لمادة اللغة العربية في ثانويات ريف دمشق.
   ولم يكتفِ بالتعليم، بل راح ينشر مقالاته وقصائده الرائعة في العديد من صحف ومجلات الوطن والمهجر، وفي مواقع الكترونية ومنتديات، وفيسبوك وتويتر، فذاع صيته في الأوساط الأدبية وأجريت معه اللقاءات الاذاعية والتلفزيونية، كان منها لقاء بعنوان "جسر المحبة" بين سوريا وتونس، حيث أذيع فيهما مباشرة.
   ولكي تدركوا قيمة مفيد الشعرية أخبركم أن عملاق الفن الدكتور الخالد وديع الصافي قد غنى له،  ومن منا لم يردد ذلك الموال الشهير الذي أهداه له مفيد: يا طائر الروح ع جناح الهوى ودني.
   وليس هذا فحسب بل أن "الوديع" عمّد أبناء مفيد، أي أنه أصبح عرابهم في الميرون المقدس، والعراب عند المسيحيين هو الوالد الثاني المسؤول عن تربية الأطفال في حال رحيل والدهم الحقيقي لا سمح الله.
    طموح مفيد الأدبي لا تحده حدود، لذلك انتقل الى عالم المؤلفات والكتب، فأصدر الدواوين التالية: "كرم الغزل"، "ناي بلا حنين" و"مشوار الحلا". وله قيد الطباعة في القاهرة: القدس.. صبارة الروح. الفائز بجائزة الشاعر عماد قطري دورة فلسطين.
   ومن المجلات والصحف التي أغناها بأدبه الخالد، نذكر على سبيل المثال لا الحصر: الثقافة الدمشقية، والسنونو الحمصية، والضاد الحلبية، والمعرفة الصادرة من وزارة الثقافة السورية، والمجلة العربية والمنهل وحسمى في السعودية، والشراع اللبنانية، وليلى والغربة المهجرية الأسترالية، والاعتدال العربية الأميركية، والفداء الحموية وملحق الثورة الثقافي، وجريدة حمص.
   وبسرعة زمنية فائقة انتقل مفيد نبزو من "محردة" المدينة السورية الهادئة، الى رحاب العالمية، فأصبح عضواً في حركة شعراء العالم في تشيلي، ودارة الشعر المغربي، ومستشار شبكة صدانا "الشارقة" في سوريا، كما وثق اسمه شاعراً في الموسوعة الكبرى للشعراء العرب، وفي الطبعة الثالثة من معجم البابطين للشعراء العرب المعاصرين، وأقام العديد من الأمسيات الشعرية وشارك في مهرجانات للشعر، وترجمت سيرته إلى الانكليزية، وكانت له وشائج وصلات محبة وصداقة ولقاء مع عدد كبير من الأدباء والشعراء في الوطن والمهجر أمثال: محمد الماغوط، إلفة الإدلبي، نعمان حرب، مدحت عكاش، عبدالله يوركي حلاق، عبد اللطيف اليونس، د. وجيه البارودي، وليد قنباز، نهاد شبوع، يوسف عبد الأحد، زكي قنصل، نبيه سلامة، روكس بن زائد العزيزي، وكاتب هذه المقدمة، وغيرهم الكثير ممن يدمنون الفن والأدب والجمال، ونذروا حياتهم حراساً لشعلته المقدسة.
   وها أنا أهديك يا صديقي الكبير مفيد نبزو، ضمن كتاب: "شربل بعيني شاعر امتي"، ما أهديتني، عبر سنوات غربتي، من مقالات وقصائد، ذللت مصاعب الغربة، وزينتها بالحب، وحوّلتها وطناً.
   فألف شكر يا ابن مدينة "محردة" عروس الكرم والعنقود، مدينة مشرق الشمس، مدينة السحر والعطر والنور، التي آخيتها مع بلدتي "مجدليا" اللبنانية الشمالية، بكلمات ولا أجمل، وتأكّد من أن اسمك سيظل يتردد مع كل نبضة حب ينزفها قلبي المهاجر.
   حماك الله.. حماك الله.
**
بارك الله فيك
   الأخ الحبيب شربل
   تحية طيبة وبعد :
   كنت قد أرسلت لك تهنئتي في صحيفة (الاعتدال) الصادرة في كليفتون ـ نيوجرسي ـ الولايات المتحدة الأميركية، التي عملت فيها كمدير مكتب محردة منذ 1986، متطوعاً لخدمة الصحافة المهجرية والأدب المهجري، الذي عشقته ونذرت قلمي وعمري له، إضافة لعملي الرئيسي في سلك التدريس لمادة اللغة العربية في ثانويات محافظة ريف دمشق، لمدة أربع سنوات.
   الآن، تركت صحيفة (الاعتدال) نهائياً لاسباب لا داعي لذكرها، وانتقلت للتدريس في محافظتي ـ حماه، وبهذا الشكل اكون قد استقريت وانهيت رحلة المتاعب والسفر والسكن بعيداً عن الاهل والخلان.
   رسالتك الحلوة الطيبة المؤرخة في 23 ـ 1 ـ 1996، مع مجلة ليلى، استلمتها وسعدت بها جداً جداً، واعتزيت كثيراً بهذا الانجاز الرائع، فبارك اللـه فيك، وفي دورك الفعّال في مضامير الكلمة المبدعة الحرة، ورسالتك السامية في الأدب المهجري المعاصر، وأيضاً مجلة شقت طريقها الوعر المغمور بالأشواك بكل ثقة واعتزاز لتكون الصوت المهجري المعبر عن الحب والتفاني، وعن الشوق المستعر للأهل والحنين الصادق للوطن الام.
**
رسالة
   أخي الغالي الأستاذ شربل بعيني
   وقفت بصمت وخشوع أمام كلماتك المقدسة التي لا يستطيع أن يصوغها غير صاحب القلب المحب بنقاء ونزاهة، وأحب أن أؤكد أن الذي يتعرف إليك لا يمكن أن يتخلى عنك بسهولة إذا كان يبحث عن صدى روحه وجمال جوهرها الذي لم يشوهه الزمن ولم تزوره الأنانية. 
   لك من محردة قلب محردة، وعاطفتها التي كلما ذكر اسمك تحلق فوق النجوم.
   تمنياتي ورجائي لك بكل الخير وبموفور الصحة والعافية والعودة إلى أرز الرب قبل أن ينقضي العمر وتنهش أيامك وحوش الغربة . سوريا - حماة – محردة 2010
**
شاعر الليل الشريد
ـ1ـ
رشرشِ الضوءَ على ليل النّوى
واقطفِ الأحلام من شفَقِ المساءْ
رصّع الأيّامَ وانثر في الهوى
بعضَ ألحانٍ يغنّيها الرجاء
ـ2ـ
عانق الصبح بزهوٍ ووعود
وانشرِ الطلَّ على كلّ الورود
ساهرِ الليلَ بصمتٍ وشرود
واغمرِ الكونَ بأنغام الخلودْ
ـ3ـ
لا تنمْ يا شاعر الليل الشريد
رتّلِ الأشعارَ.. رفرفْ بالمنى
وعلى صهوةِ ميعادٍ جديد
قمْ نسافرْ.. أنت لي لحنُ الهنا
ـ4ـ
قصقصِ الشمس وضمّ العندليب
لا تدعْ أجنحةَ الليلِ تغيبْ
وانسجِ الأحلامَ للكونِ العجيب
يا صديقَ الشاعر المضنى الكئيب
ـ5ـ
أنت يا شربلُ أنغامٌ ونور
أنت قلب عاطفي الخفقاتْ
أنت روحٌ.. أنت فكرٌ وشعورْ
أنت بحرٌ وسماء وصلاة
ـ6ـ
فرح تاهَ بأنّات الحزانى
ودواءٌ طيّبٌ يشفي الجراحْ
من سوى الشاعر في الأرض تفانى
يدمنُ الليلَ.. لكي يهدي الصباحْ
ـ7ـ
قدر الشاعر أن يهجرَ ظلّهْ
رغم أن الهجر، يا صاح، مذلَّه
ويرى العيش مع الأوطان عِلَّه
وطن الشمس.. يساوي الكونَ كلَّه
ـ8ـ
سأهاجر، يا صديقي، سأهاجر
قبل أن ينذرني صوتُ الردى
أنت تدري حين يحيا اليومَ شاعر
ميّتَ الحرف، ومخنوق الصدى
ـ9ـ
أنت لحنٌ من ينابيع ألأزلْ
زفّ، يا شربلُ، أشعاراً إليّا
كرمة العاصي عروساً لم تزل
تعشق الأرز الّذي في "مجدليّا".
محردة ـ سوريا ـ 1991
**
شاعرأمتي شربل بعيني
سليني يا ابنة العاصي.. سليني 
عن الأرزات في الوطن الحزينِ
سليني عن أخ قد راح يشدو
بأشعار التلوّع والحنينِ

رماه الهجر في بلد بعيدٍ
فذاق المرّ من كأس السنينِ
متى ألقاه في وطني واشدو
لقد قرّت برؤيتكم عيوني

أخي، والله، ما أحسست فيه
يمزّقني، ويصفع لي جبيني
فمن لبنان متّ، وذاب عمري
ألم تسمع بأشعاري.. أنيني؟

ومن لبنان جنّ الشعر حتى
سمعت الربّ يبكي من جنوني
ففي لبنان أمنيتي بأنّي 
بها أحيا.. بها يرسو سفيني

مسيحيٌّ أنا، الإسلامُ وجهي
ودين الخير، دين الحقّ ديني
فلا تسأل أخي عنّي.. لأنّي
أنا من غصن زيتون وتينِ

أنا في الكرم.. في العنقود رحمي
وأرزك "مجدليا" من جنيني
سليني وارجعي بالردّ عنه
عن الأحوال والخبر اليقينِ

عرفتُهُ شاعراً.. ما كان يوماً
سوى البركان في الحقد الدفينِ
عرفتُهُ شاعراً.. غنَّى فأغنى
وهزَّ الأرضَ في شعرٍ متينِ

فَيَا أَمْواجُ هاتيهِ إِلَيْنا
وإلاَّ أَسرِعي ولَهُ خذيني
عروس الكرم قد تاقت إليهِ
تسائلني، أجاوبُها: دَعيني

أخافُ الشعر يُخجلُني فَهَيّا
أَعيني الشاعرَ المضنى أعيني 
ولا تنسَيْ غداً، إِنْ عادَ، غَنِّي 
فشاعرُ أُمَّتِي شربل بُعَيْني
محردة، سوريا، 1988
**
شربل بعيني ربان الشعر
يا مجدليّا.. الشاعر بحضنك رِبِي
تفتَّق شعر عَ شْفايفُو.. وبعدو صبي
الشين.. شاعر عانق نجوم السّما
والراء.. ربّان الشعر والموهبِه

والباء.. باني صرح للشعر الندي
وطار الشعر لفوق أعلى مرتبه
واللام.. ليل نهار بمْواسم شقا
يفرّق غْناني حدّ هاك المصطبه

والباء.. باني الحقّ تا يركّع ظلـم
والعين.. عرّاب الأرز.. قومي اخطبي
والياء.. ينبوع العيون الظامئة
الـ قللاّ: تعي من شعر وجداني اشربي

والنون.. ناقوس الهجر تا يرجعوا
يصلّوا سوا بلبنان.. لبنان الأبي
والياء.. يعمي الحقد.. يحرق هَـ الوحوش
يفقي بمخلب حرّ .. عينين الغبي

شربل.. يا شربل.. لا تقول: بغربتي
معذّب، الغربه كتير قلبي معذّبِه
ومصلوب من شوقي انا ع ضيعتي
اللي تركت امي واخوتي فيها وأبي

جبران ما حلّق بشعرو ولا سَما
لولا الهجر.. لولا الموت الخلّبي
وقديش نادى بالفرح رغم الأسى
قومي يهود الحقد جبران اصلبي

يا طيور ربّي من القلب لا تهربي
ويا شمس حبّي من السما لا تغربي
مات الأمل، مات الفرح، مات الندى
تا ولد من جبران.. جبران النبي 
صدى لبنان، العدد 686، 20 آذار 1990
**
شربل بعيني ملاّح في جزيرة الله
   من على الشاطىء تنذر صفّارة الرحيل، 
فيقف الشاعر يصغي لنبضات قلب 
يطفق بشتى الانفعالات وألوان المشاعر، 
بينما بصره يجول في مساحات شاسعة 
من العالم اللامتناهي، 
وبعدئذ يقترب رويداً رويداً بتأمل عميق 
الى القارب الخشبي، 
والمجذافين المرهقين، 
والقلم في رأس الشراع منارة 
تعلن عن رحلة الشعر 
في بحار المجهول 
لعله ينهي مشقة البحث بدون جدوى، 
لعله يلتقي بالحقيقة الأزلية والأبدية.
   تحرّك القارب على أمواج هادئة في غروب هادىء، أيقظ شفق المساء وسافر الى شروق جديد، وبعد أن تحرك القارب كانت الرحلة وكان البحث العشوائي عن الله، ورغم كل ما ينجم عن البحر ويلفظه البحر من مخاطر، ورغم كل ما تحتويه السماء من مصاعب وحواجز تابع الملاح، وتابع بإصرار لا يحده حد، وعزيمة وإرادة لا تعرفان للاحباط واليأس سبيلاً.
   وتعرّض الملاح الشاعر للعواصف الهوجاء، والفيضان الحسّي، والزلازل العصيبة، والبراكين الانفعالية، ومع هذا تابع رحلته وأبى الا ان يكون نوح الشعر وأيوب الكلمة، وفي سبيل الأهداف يحلو المر وتُعشق الأهوال.. وها هو الشاعر الملاّح يعبر من أزماته ومآزقه وآلامه الى سراديب النور، ومن هناك ينثر حبّات قلبه:
لا تسلني يا حبيبي
كيف أينعت السنابل؟
رغم رحيل الشمس عن أرضي
وأنات البلابل..
   رحلت الشمس عن لبنان، ومع الشمس رحل الشاعر وفي حقيبته رؤاه الحزينة وأغانيه الموجعة. رحل من الموت الى الحياة، ومن الجحيم الى النعيم، وفي رحلته لا بد أن يمر في مراحل وبتجارب عديدة:
قررت أن أحارب القبور والأكفان
وأطعن الموت الذي يجترّنا 
في رحلة الأزمان
   ويمر الزمن والقارب يمخر عباب المجهول، والشاعر الملاّح ينثر رذاذ حروفه على صفحات الغربة، ولكن الحيرة ما تزال والشوق ما يزال، الحب ما يزال والكره ما يزال، البركة ما تزال واللعنة ما تزال، الظلمة ما تزال فأين النور؟ إذا كان النور ظلمة فالظلمة كيف تكون؟
  وتستمر رحلة البحث عن نور يختصر كل ما في الكون، وعن جزء دنيوي يسأل ويلح في البحث عن مطلق الرحمة وقاهر الألم والموت:
يا ضمير الرأفة المطعون بالخنجر
في ليلة حب وهوى
أذكر يوم جئتك منحنياً،
كاللعنة أدبدب،
وقلت لك:
أريد منك رحمةً..
   وتتشابك الهواجس ويوهن النظر، والملاح ينزف على الدفاتر، ويرسل ما يراه في نفسه:
إنّي وجدت مذ خلقت
كي أكون النور
في عرس الدفاتر
   وعند المساء يضع الملاح الشاعر صوت فيروز الملائكي في رحلته، وعندما تؤثر به وترفد روحه بالعبق الروحي، وتحرض مشاعره، وتضفي عليها نبلاً جديداً، ووحياً جديداً من فوق الأمواج المترجرجة المتعانقة بفرح طفولي مع قارب يتهادى ويتراقص على لحن الرجاء وعزيف اللقاء، فيقول:
عاشت الأسماء، يا فيروز،
يا لؤلؤة البحور
من غيرك يزرعنا أزهار حب ووفاء
في مروج الخلد..
في أزقّة السماء؟
   وبعد تعب طويل وسفر طويل يضني ويؤرق لا بد أن ينشد موال الغربة الجريح:
أين يسوعي الصغير
فإنني قد ذقت صلبَه؟
أين الرسول محمد؟
أين الحسين والحسن؟
أين الصحابه؟
قد هجرت الدار مثلك يا رسولي
ولم أجد تلك المدينه..
كل المدائن في بلادي
توحّدت بحروف غربه..
   ويبقى القارب جاداً في البحث والتفتيش عن المحبّة والعدالة والجمال والعقل والارادة والضمير، وعن المعرفة والحقيقة المطلقة، عن الرجاء المطلق والمرفأ الأخير:
ليست الأحلام ما أبغي
أنا التوّاق دوماً للحقيقه..
   ويخطر في الذهن سؤال يراود البال: لمَ اختار هذا الشاعر البحر في رحلته المبهمة؟ ألأن البرّ أمسى جحيماً حارقاً، وأطفال البراءة براعم المستقبل بحاجة الى عطف وحنان كي يترعروا وينضجوا في ظله:
البحر يندهني فهل من مانعٍ
أن يرتمي الأطفال في الأحضانِ
قد حوّلوا الدنيا جحيماً حارقاً
والطفل لا ينمو بغير حنانِ
   وهكذا تستمر الرحلة شيئاً فشيئاً حتى تتلاشى خيوط الليل، وتتمخض عنها أحلام فجر جديد في انسلال سحري وفرح إلهي وخلاص أبدي من عذاب المتاهات والآمال التي تثمر عن وهم وسراب:
أغمضت عينيّ 
وطرت في فضاء أزرق الحلم جميل
فتراءت قمم عالية
تحسبها الجفن الكحيل
لعيون زيّن الله بها وجه أميره
لم تلدها امرأة
ولم تدس أرض عشيره
وليس من صنو لها أو من بديل..
   وتتراءى مظاهر الطبيعة المقدسة والمعابد المقدسة:
ثم بانت تحتها أودية الطهر العميقه
عمق الصلاة والقداسة
في معابدنا العتيقه
   فيكبر قلب الشاعر وينتعش، وتتراقص ألوان الضياء في مقلتيه، ثم يشعر بالصفاء الروحي والنقاء الفكري والطهر الجسدي، وتؤوب الى راحتيه حمائم السلام، ثم يتّحد بصوفية اللحظة السامية، ومن ثم بسر الخلود ولغز الوجود، وينعتق من كل ربقة في الكون العجيب الذي أصبحت نهايته على مدى أميال قليلة منه، وتلوح من خلف الأفق جزيرة مضيئة خضراء، وصغيرة جداً جداً، في منتصفها على كتف السماء ضوء بسيط بسيط جداً على شكل قوس قزح، فينتشي الملاح بالظرف المنشود، ويولد من جديد بعمق جديد ورؤى جديدة، وقبل أن يربط أربطة القارب على شاطىء الجزيرة المتلألىء بحروف الحياة، يسمع صوتاً مشين البحة، ممتعاً في الأذن، لذيذ السماع: قف، أيها الغبي، من أنت؟
   فيرد الملاح الشاعر.. إسمع:
من حزني الطويل يا حبيبتي
ومن نمو الذكريات العالقه بالبال
تفتّقت آمال..  
كبرعم الأشجار..
كالنبع الذي يكوّن الشلال..
الحزن مشّاني خطى تقود للكمال
   فيختفي ذلك الصوت المحمل بالاختناق، والمعبّأ بالظلمة التي تستلّ اليقظة، وينفث سموم الغدر، وينزل الملاّح وصوته يردد بعفوية اللقاء وترنيمة الايمان:
هزّني شوق الرجوع إليكِ
يا أرضي الرحيمه
...
أنا الذي قوّضت بالشعر 
رموز الحقد والضغينه
   ويستيقظ الشاعر يقظته الخالدة من إغفاءة الحلم المقدّس، وتتفتق عيناه على ثمار الحقيقة في فردوس ساحر، وينهل بعذوبة بعد ظمأ الموت من ينبوع المسرة الحقيقية وشلال الحياة الخالد:
أنا من عاش مصلوباً
على خشبات إحساسه
وجرحه نازف أبداً
ولا جرح بمقياسه
أنا من عضّه الشوق
ولحمه بين أضراسه
   وهكذا يرسو القارب بعد ذوبان روحي والتحام مع الوعي السماوي، وبعد أن عبرت الرحلة جحيماً من نار ومطهراً من الشرور والآثام، لتشرق الشمس وتنضج السنابل"1"، 
وتدب روح العبقرية والابداع في المجانين"2"،
 ويتعانق الأحباب"3"، 
والصدى يتردد في وديان الطهر: إلهي جديد عليكم"4"، 
تشعل شموع جديدة"5" بلهب جديد، 
وتؤرق المراهقة"6" بشباب متجدد مدرك، 
وتكف الغربة الطويلة"7" عن البحث اللامجدي، وعند أول وعاء مغمور بالحق، 
مفعم بالجمال، 
تحت أرزة تنبض بعروقها المحبة، 
وترفرف على أغصانها المعرفة، 
يصلي الشاعر صلاته لراحة النفس البشرية واستمرار الحياة، 
فيقطر زيت من زيت الحياة، يوقن بعدها الملاح الشاعر"8"،
انها الراحة المنشودة، 
واللقاء الأخير،
والخلاص الأبدي، 
الذي يكون به: ألله ونقطة زيت"9".
ملاحظات:
1ـ2ـ3ـ4ـ6ـ7-9 مجموعات شعرية للشاعر
5ـ عنوان قصيدة للشاعر
8ـ الشاعر شربل بعيني من مواليد 1951 لبنان، مجدليا. هاجر الى أستراليا في 21 كانون الأول 1971 وهو أول من بذر حروف الشعر العربي هناك.
الثقافة السورية، 16/5/1992
**
شربل بعيني: قيثارة تعزف في رحاب الله
حيّوا بشربل أبناء غطارفة
أحيوا تراثاً لنا 
فاختال ماضينا
يا شربل الشعر، 
يا أرزاً يعانقنا
نحن نغني لكم أحلى أغانينا
في غربة مرّة 
تبنون رابطة
تزهو بحرف 
وتسمو في أمانينا
ناداكم الحب من عاصي الهوى، فدعوا
من مجدليا الهوى منكم ينادينا
   وتسأل القلوب عن هذا اللحن الذي انساب إليها بعذوبة السحر، فأورقت الأغاني، وانتشت الآمال، وزفت للربيع مواسم الورد، ثم ترقرقت بالجداول الطليقة الثرية، ونسجت من خيوط القمر ثوباً مخمليّ الكلمات لعذارى الفجر وحوريات الوطن.
   تسأل القلوب عن قيثارة سماوية اللحن أبدعت موسيقاها في رحاب الله المطلقة، فإذا هي تتماوج بالشوق وتتلوّن بالحنين. 
   إنها قيثارة شاعر تسافر مع الزمن بأنامل شاعر وإحساس شاعر، وذوبان شاعري رؤيوي روحاني الجمال، ولقاء انعتاق سرمدي روحي في الحب الذي يتحد بالوجدان، ويسمو إلى حد العشق، بل الى صوفية الحب.
   إنها قيثارة شاعر محب هائم، موله بالسحر، متيّم بالصدق والحقيقة، ومولع بمرارة الحزن التي تقطر فرحاً.
   إنها قيثارة شاعر محب.. وكيف يكون الشاعر بدون حب، والحب دينه وديدنه؟ والغزل سلسبيله المترقرق بالعذوبة والعفوية والنقاء؟
   كيف يكون الشاعر بلا هوى؟ وفي أنفاسه عبق الوجد، وفي عينيه زفة عذارى الفجر للشعر، وترتيلة العشاق في صلاة الليل العذري.
   هكذا شربل بعيني الذي زارنا في هذا الكون المتناقض واللامتناهي بعد تفتّحه ونموّه في رحم لبنان الأخضر الزاهي.
   زارنا شربل زيارة شاعر مرهف يتحسّس الطبيعة فتولد منه بعد أن ولد منها، وينتشي من كأس الهوى، فيذكرنا بأخطل الغزل:
خلق الهوى والسحر ليلة مولدي
وسيحملان معي على ألواحي
   إنها أنفاس شاعر طالما تغنّى بالسحر الساحر، والجمال الأبدي:
الشعر منّو شعر من دوني
ولا كان هزّ مشاعر الإنسان
   ويبقى الهوى الذي يتنفسه العاشق وينشق عطره بلهفة الشوق ونشوة الفؤاد:
شو خبّر العصفور هاك السوسنه
عن حبّنا.. عن طيش عهد الولدنه
   وما أروعه عندما يخاطب "نجلا" بشاعرية رقيقة وغنائيّة عذبة:
ياما وياما صرخت يا "نجلا" تعي
نمشور ع درب الليل شي مشوار
وإسقي زهورك من حنايا مدمعي
وعلّق ع صدرك كم نجمه زغار
   آه ما أصفى هذا النفس يا شربل، وما أطهر هذه الكلمات الرشيقة، إنني أكاد أذوب في غزلياتك المنثالة بعفوية ورقة وسلاسة.
   وإذا كان لا بد من الشرط الانقلابي في الحب، لا بد من المغامرة، فحب شاعرنا هكذا أيضاً.. نيران وجنون وخطر:
حبي أنا نيران وجنون وخطر
ومفقود يللي بيسكن بقلبي
   ويبقى التألق الشعري والتعبير الإبداعي الجميل من خلال أسماء لا ندري مدى مساسها بالشاعر، ولكنه دفق من أجلها دفقات شعرية مضمخة بالعطر، مزوزقة بالابداع:
كرمال عينك.. هالورد رح إقطفو
وإشلحو ع درب بيتك يا ندى
وإتركو للريح حتى تصفصفو
متل النجوم الما بيقشعها حدا
   كم هي سماوية هذه الموسيقى! كم هو منسجم لقاء القافية بالإيقاع! كم هي حلوة على الأذن هذه الحروف البسيطة بوقعها وجمالية لفظها وسحر مغزاها: اشلحو، تصفصفو. 
   وللهوى والجمال ثغر يتلظى بحرقة الوله ولوعة القبلات، أتراه ظمأ لا يرتوي أم نيران لا تنطفىء:
شفافك نبع مهما شربت منّو
عم ضلّ حسّ بنار تكويني
   ولكن الحب المنسي على مرافىء النوى وشواطىء الحرمان، لا بدّ أن يترك في النفس المتيقظة آثار الشوق والحنين:
شو بعمل؟ حبّي نسيني
ع شطوط الدني
وعم يكبر فيي حنيني
من سنه لسنه
   وحب الشاعر أسمى وأقدس من أن ينساق وراء ملذة آثمة أو شهوة دنيئة:
لو كان عندي للخطيّه ميْل
كنت سبحت ببحور عينيكي
وكنت وصلت ع شط هاك الليل
مطرح ما فيني إحصل عليكي
   وعن جمال الطبيعة، بدعة الخالق، أعجوبة هذا الكون، يتجلى اندماج الشاعر بالحمى والرؤية مع لبنان من خلال الكرزة والدالية:
معوّد أنا صيّف بأعلى حرود
فيها الكرز محمر
ومنو لحالو بيستوي العنقود
   وتورق شاعريته لوحة زاهية فنية التعبير:
وبالآخره لقيتك
ناي وموسيقى وعطر
وألف قطعة شعر
   لأنها الفرح والسحر والأخلاق العطرة.. لأنها الشعر وهو الشاعر:
ولهالسبب يا نور عينيي
انكان بدك تشفقي عليي
لا تسأليني ليش حبيتك
   وتبرز صوره في الحب والجمال واضحة من خلال الحب العميق للوطن، ولكل ذرة من ذرات ترابه، وفي كل أحواله وتقلباته:
بحبّك بربيعك
بحبّك بخريفك الـ فجّر ينابيعك
بحبّك بشتويتك
بحبّك بصيفيتك
بحبّك من كانون ولغاية كانون 
بحبّك يا حبيبي
لأنك حبيبي
كيف ما كنت تكون
   ولا بد أن نسأل الشاعر عن لبنان الحب والجمال، ليحدّثنا بشاعرية تتعانق فيها الأرض والسماء، وخيمة الناطور، والطيور، والله، والطبيعة، والشعر، والضياء والمطر:
لبنان فيه الطير عم يسكر
ويشرب خمر عرزالنا الأخضر
...
لبنان شهقة أوف من موال
لبنان زورق والبحر آمال
   أليس هو القائل:
أنا شاعر الحب والهوى والجمال
أعيش بالجمال
وأفنى بالجمال
   حقيقة إنه شاعر.. ويكفيه انه شاعر في زمن البعد عن الروح، وتشويه الذوق والجمال، والنفور من الكلمة التي ترتقي إلى كلمة الله، والنغمة التي تفرح قلب الله:
فجّرني حب وإحساس
وترتيله ع شفاف الناس
...
وحمامه تبشّر بالسلم
يا رب القاعد بالبال
   هكذا يكون الايمان بالحب والحب بالايمان. 
  هكذا تعزف القيثارة تراتيل السماء. 
  هكذا يمجّد أرز لبنان.      
  هكذا يدرك المرء يقيناً أن الأبقى مع الدهر وجه الله والشعر.
  وهكذا نعلم أن قيثارة شربل بعيني لا تموت، ولا تتحطّم.. لا تذوي أوتارها ولا تذبل أنغامها. صوتها وعزيفها مطر، قوسها قزح، تصدح بقدسية وإيمان في رحاب الله للفرح الأبدي.
النهار، العدد 732، 19/11/1991
**
شرف القوافي
عيون الشوق تهفو للمرافي
فعُد للأرز.. يا شرف القوافي
أشربل.. يا عريس الشعر خذها
عروس الشعر تحلم بالزفافِ

يذوب القلب من شعر رهيفٍ
إذا ما مسّ أعذبه شفافي
زرعت الحرفَ في روْض الأماني
متى تأتي المواسمُ بالقطافِ

أشربل.. يا عفيف الشعر رنّم
وصلّ الطهر واصدح بالعفافِ
على نهر الخلود عشقتَ نبعاً
يغذّي الروح في قلب الجفافِ

أشربل.. قم وهاتِ الشعر خصباً
يكاد القفر يهرب من ضفافي!
غريبٌ.. لم أزل في نأي روحي
ألا يا روحُ، مهلاً، لا تخافي

فللشعراء بالآلام بعثٌ
وطهر الشعر عاطفة التجافي
أشربل.. يا أخي بالروح رنّم
وهاتِ الكأس، واشربْ من سلافي

هيَ النجمات قد هبطت وقالت:
لشربلَ جئتُ.. كي أبدي اعترافي
فلو أني أتوّجُه بنورٍ 
وأدنيهِ السماء، فليس كافِ!

سأهتف بالمحبّة كلّ يومٍ
ليسمع كل مغتربٍ هتافي
إذا ما عدتَ.. تختال الأماني
متى للأرز والعاصي توافي؟

فدُمْ بالشعر شعراً عبقرياً
يسلسلُ كلّ عذبٍ.. كلّ صافِ
فأنتَ الحرّ يزهو في الأعالي
يضمّ الكنزَ ما بين الخوافي
أشربل.. يا أخي بالروح إنّي
أجلّ الشاعر الفذّ.. الصحافي.
محردة ـ سوريا 1991
**
عقد الياسمين
   أخي الحبيب الغالي شربل
   كنت قرأت المقدمة ولا يمكن لأحد أن يضيف حرفا ً على كلماتك، فأنت المجلي الفارس في حلبة البلاغة والبيان، وقد طوقتني بعقد من الياسمين الدمشقي والأرز المقدس لا أنساه ما دمت في هذه الحياة .
   لكم تحياتي ومحبتي من محردة عروس الكرم والعنقود والدالية، وتمنياتي لكم بكل الصحة والسلام والسلامة، عسى أن يتحقق الحلم باللقاء والأمنية التي ما بعدها أمنية. دام لشاعريتك الألق، ولقلبك نبض الشعر والعشق والحياة.
أخوك المخلص مفيد نبزو 
ـ محردة، حزيران 2014
**
عيد مجلة ليلى
مبروك ليلى عيدها
ويا رب تبقى تزيدها
أهديتها حبر العيون
ورصَّعتْ ماس بجيدها
بين الوعي وبين الجنون
صارت أميره متوجه
وشربل أميرا وسيدها
**
لسان الحريّة
ـ1ـ
يا شربل.. نبزو وجرّوج
حبّوا هالإنسانيه
اللي فيها شعرك ممزوج
وكلاّ رقّه وحنيّه
ـ2ـ
صوتك، يا شاعرنا، حرّ
إنت لسان الحريّه
وفي عندك كامل المرّ
مشوارو أحلى هديّه
ـ3ـ
وشو منقول لهالأحباب
عن كلارك البعيني
من سلسلتو كل كتاب
أحلى زهره بجنينه
ـ4ـ
وأما زهير الباشا
سافر عَ مواج النيّه
كل عمرو بيْك وباشا
سآل عنّو الأبجديّه
ـ5ـ
وبالدراسه الـ فيها اعتزّ
قدّم صوره قويّه
عن شاعرنا إبن الأرز
الـ عاش بغربه منسيّه
ـ6ـ
ونعمان الشامخ ع طول
كان قدّ المسؤوليّه
بقبسات المهجر بيقول:
أرضي خصبه وغنيّه
ـ7ـ
رح إبقى ناطر عَ الدرب
بقبساتي المهجريّه
ونحنا منقلّو: يا حرب
كتابك أحسن من ميّه
ـ7ـ
يا شربل.. نبزو وجرّوج
بيهدولك هالتحيّه
لتراث الأرض المنسوج
بالرابطه الأخويّه
ـ8ـ
تا تحيوا تراث الأمّه
بروح الكلمه الأبيّه
أللـه يخلّي هالهمّه
للأمّه العربيّه
صدى لبنان، العدد 678، 13/2/1990
**
لقاء الأحبّة
   التقيت في الجبل الأشم، السويداء، بالأخ الأديب الكبير نعمان حرب، وزرت برفقته الشاعر الكبير سعيد أبو الحسن ونخبة من إخوة أعزاء.. وكنا قد اتصلنا هاتفياً بالأخ الشاعر المهجري شربل بعيني في أستراليا:
ـ1ـ
لمّا التقيتُكَ يا سعيدْ
أحسست ذاك اليوم عيدْ
فأنا سعيد باللقاءِ
وأنت للملقى سعيد
كنت القريب من الفؤاد
ولـم تكن أبداً بعيد
هذا نشيد محبّتي
أيزفّ أفراحي النشيد
ـ2ـ
نعمان يا نعمَ الرؤى
وأمين يا نعم الأدب
أكبرت فيكم اخوتي
يا آل معروف النّسبْ
لو لـم يكن قلبي لكم
ما مال منكم واقترب
يا دار سلطان افرحي
بوركت يا جبل العرب
ـ3ـ
يا صوت شربل جدول
عذب يفيض بمائهِ
يفدي العروبة حرفه
وطن المنى بدمائه
غنى الهزار غناءه
ونما الرجا بنمائه
بوركت نجماً سرمدياً
يهتدى بسمائه
**
محبة الكلمة
   أجمل ما في العمر لقاء الأدب. وأسمى محبّة محبّة الكلمة. لأنه في البدء كان الكلمة، والكلمة من عند اللـه.
   لقد استلمت من أخي الحبيب نعمان حرب مجموعتين شعريتين كنت قد خصيّتني بهما. تلقّيتهما فشممت فيهما رائحة حبّك، وعبق مودّتك. ففرحت جداً، وقرأتهما بلهفة وشوق. فأعجبت بهذه الشاعرية الأصيلة، وهذه الطاقة الشعريّة، والصور الجميلة، والسلاسة اللغويّة التي تميّزت بها هذه القصائد.
   يسعدني جداً جداً أن أضمّ محبّتك إلى قلبي، ونكون جنباً إلى جنب في ميدان الكلمة، وحديقة الإبداع. فأرجو أن تستمرّ علاقتنا وأخوّتنا، لنكبر فيهما، ونفخر فيهما، ومن خلالهما يتفجّر ينبوع العطاء. فألف شكر للأخ الحبيب نعمان حرب الذي كان له الفضل الكبير في تعريفي لحضرتك: شعراً وروحاً، وإن شاء اللـه نتعارف بالذات بعد أن تعارفنا بالروح والعاطفة. بادرة الأستاذ نعمان لن أنساها إلى الأبد بإذن اللـه.
   أخي الحبيب شربل بعيني..
   نحن هنا في محردة، عروس العاصي، ندعوكم، وفي أوّل زيارة لعندنا في سوريا، لزيارة محافظتنا الكريمة حماة ـ مدينة محردة، ليتمّ اللقاء بكم، ونفرح بوجودكم بيننا.
   لا أدري إذا كنت قد عرفتني من قبل، أو سمعت عنّي من خلال الصحف والمجلاّت أو الأخ نعمان. فأنا أكتب الشعر والزجل والمقالات والدراسات، وأنشر في عدد من الدوريّات في سوريا وبعض الأقطار العربيّة، وأنا مراسل لمجلة الشراع اللبنانيّة، ولمجلّة الضاد الحلبيّة.
   يشاركني في التحيّة والمعايدة أخي الأديب محفوض جرّوج، الذي قرأ معي شعرك الحلو العذب، ويسعده التعرّف لحضرتك أيضاً. فأنا وهو نعمل مشتركين في حقل الأدب.
محردة ـ سوريا
**
محردة ومجدليا
ـ1ـ
اليوم التقوا الأرزات بالكرمات
لما التقوا الأحباب من مدّه
وجنّت عذارى القمر والنجمات
لمّا التقوا وبعيونهن ورده
ـ2ـ
الورده زغيره لو عطرها فاح
بالحب بالإخلاص بتندّي
وفي طير بالغربه ما عاد لو جناح
إمتى لعنا بفرح بيهدّي
ـ3ـ
شربل شو غنّى للوطن أشعار
وقلّن: يا ويلو اللي بيتعدّي
ولبنان لمّا شعّلوه بنار
صار الشعر للنار يتحدّي
ـ4ـ
نحنا ع حبّك رح منبقى دوم
إخوة حرف بمزالق الشدّه
وصرخه قويّه محمّله باللوم
رح نصرخا بوجوه مرتدّه
ـ5ـ
الليله يا شربل هالقمر شو قال:
يا رب تبقى هيك المودّه
اليوم الغزاله معمشقه ع جبال
وعروس هالعاصي معا بالبال
وطيور تنسج من الزنبق شال
وورقات دالي تفرشا مخدّه
ـ6ـ
سألت طيور الكرم والعنبات
غير مجدليّا الأرز ما بدّي
وبمجدليّا سألت الأرزات
عن قلبها المشلوح بِمْحَرْدِه
ـ7ـ
مجدليّا..
مطرح ما شمس معانقَه فيّا
مطرح ما في عْصافير عَ الميَّه
مطرح ما في همسات وغناني
مطرح ما في نسمات سكرانه
وشلال حب ونبع حنيَّه
هونيك والعشاق والأشعار
عم تسكر بمليون جنيَّه
وهونيك شلحت شالها الأزهار
ولبست قميص الفجر حوريّه
مطرح ما في عَ غصون أرز حْمام
ولوحات.. ألله حلا محليَّا
هونيك غزلت هالشمس أحلام
وغطّ الفجر بعيون خضرا ونام
وخلق الشعر والوحي والإلهام
ولوّن قمر بالمجد.. مجدليّا
محردة، حماه، سوريا 1988
**
هاجس الحب والحرب والوطن عند الشاعر شربل بعيني
 كل من يسافر على أمواج الشاعر المهجري 
الأستاذ شربل بعيني، 
لا بد أن يلمح هذه القضايا 
التي شغلت حيزاً كبيراً في شعره. 
ففي سفينته الشعريّة 
مرساة بانتظار شاطىء الوطن، 
وحمامة بانتظار السلام للوطن، 
ووردة تنتظر لحظة زفافها للحب.
إنه الشعر، لغة اللـه على الأرض. 
إنه الشاعر الذي يقف أمام اللـه وجهاً لوجه،
وينقل إلينا منه الكلمة التي كأنها في البدء، 
وكل شيء به كان، 
وبغيره لـم يكن شيء مما كان، 
فهل سمعته يرتّل صلاته للـه؟.. إنها صلاة حبّه:
بْحِبَّكْ.. مَهْمَا كِتْرُوا ذْنُوبِي
بْحِبَّكْ.. مَهْمَا اللَّيْل يْجِنّْ
بْحِبَّكْ مَاشِي فَوْق دْرُوبِي
بْحِبَّكْ ضِحْكِةْ خَدّ وْسِنّْ
وْإِيدَيْن تْسَتِّرْلِي عْيُوبِي
وِتْآسِينِي لَمَّا بْعِنّْ
يَا أَجْمَلْ سَطْر بْمَكْتُوبِي
يَا أَوّل كِلْمِه بِسْمَعْهَا
وْبَعْدَا بْدِينَيِّي بِتْرِنّْ
   ويكون جمع القلوب بقلب واحد عندما يكون الاتفاق، ونصبح اخوة بالربّ:
خَلِّينَا بْهَـ الدِّنْيِي إِخْوِه
نْعِيش وْنِحْنَا مِتِّفْقِينْ
مْنِ مْحَبِّتْنَا بْتِخْلَقْ قُوِّه
كِلْمَا بْإِيدَكْ بِتْبَارِكْهَا
بْتِتْلاشَى الأَدْيَان بْدِينْ!!
   وينظر الشاعر بعمق إلى المأساة اللبنانية، فيرى بإحساسه المرهف مدى بشاعة الناس الذين أصبح بهم لبنان ملعباً للشياطين:
ما إلنا غيرك.. نجّينا
من مْصايب عم تنزل فينا
من حروب تفرّق وتبعّد
بين الناس الـ باعت دينا
   ثم ينتقل ليرجو من الرب أن يبدد الظلمة، ويشعل شموع النور التي كانت تمجّد أرز لبنان:
يا رب العم بتآخينا
هالعتمات السودا بدّد
عنّا.. عن هالأرض الـ صارت
تتلاعب فيها شياطينا
   ورغم كل الشهوات والمغريات، رغم كل المساوىء التي تشدّه إلى الانزلاق لأسفل الدرك، يبقى معمّداً بالحب:
مهما الغيره تدقّ بْوابي
مش رح إفتحلا يا رب
ومهما الشهوه تغرّ شْبابي
بستبدلها بكلمة حبّ
   ولكن هاجس الغربة يشده للتعلّق بسراب العودة، فقد أصبح رفيق الغربة منذ زمن بعيد:
الشاعر والغربه عَ طول
رفاق من سنين بعيده
من وقت الـ عطيتنا حقول
بلادي، أزهار جديده
   وإذا كانت المدن تبنى بالحجارة، فبيروت التي يحاول الغدر أن ينال منها مبنية بالياقوت:
يا ما بشر صلّوا تا حتّى تموت
هاك المدينه الساحره بيروت
كل المدن بنيانها من حجار
وهيّي الوحيده معمّره بياقوت
   ويطلق السؤال باحثاً عن الحقيقة، فإذا بها تشرق من عالم فيه من ضحّوا بدمائهم من أجل اتفاق ذئاب المكر، التي تبث حقدها وشرورها بين الشعب:
لا تصدّقوا الأخبار.. كلاّ كذب
نحنا الـ دفعنا دمّنا بهالحرب
مات منّا ألوف خلف ألوف
وعَ ضهرنا اصطلحوا دياب الشعب
   وتسمو المحبة عن الغيرة والحسد وشهوات الجسد عندما يحضنها القلب بطهره وعفّته:
محبّتي ما ببيعها بغيره وحسد
ولا بوسّخا بشهوات فجّرها الجسد
ما دام لبس الطهر بدلات الفنا
رح خبّيا بالقلب ع طول الأبد
   ويلتقي الوطن بالحب عندما تتفتح قرنفلات الحب، وتزهر نجومه، وترتوي القلوب الظامئة بماء الوطن:
كل شربة مي من نبع الصفا
بتسوى الدني من شرقها للغرب
جنّة وطنّا صعب حتّى نعرفا
إلا ما نزرع قلبنا بالحب
   ويكبر الشوق في مساحة العاطفة وحدائق المشاعرـ فإذا بلبنان المقدس يشع ببراءة أطفاله:
اشتقت يا لبنان عَ ربوعك
عَ أرضك اللي مقدّسه بدمّات
أطفال.. لولا بتنطفي شموعك
متل النجم بتشع بالعتمات
   ويبقى السؤال المحيّر "ليش؟". هل هو القدر المحتوم؟. أية مشيئة تلك التي تقبل أن ننسلخ عن جذورنا، ونرمى وراء البحار، حيث الغربة والعذاب والقهر:
ليش صرنا بهالدني مسبّه
وتشرشحت بالكون قيمتنا
وليش انسلخنا عن أرض خصبه
وجينا انزرعنا بأرض غربتنا
   والغربة لا تكتب إلا ما تريده، فهي لا تكتب الفقر والعذاب، ولا السهر والشوق والحنين:
لا تقول إنّي كتبت بالغربه
الغربه بتكتب شعر عَ ذوقا
بتمحي بإيدا الكلمة الصعبه
وبتحطّ كلمه هيّنه فوقا
   وبالرغم من الغربة القاهرة، بالرغم من المصاعب، يزرع الشاعر وروده الشعرية التي يفخر من خلالها ببلاده، ويرفع من شأنها:
كرمال عينك بس يا بلادي
زرعت بالغربه شعر وزهور
وضلّيت طول الوقت عم نادي
يدوم عزّك.. والقلب مقهور
   ويبقى هاجس الغربة والضياع في دنيا غريبة الوجه واللسان والفؤاد:
غريب.. وضايع بدنيي غريبه
ملانه همّ
ملامح وجّها الأسمر كئيبه
بلون الدمّ
   وينظر الشاعر إلى بطولات الجنوب اللبناني بقلب يغمره الفرح، فينتشي من انتصاراته، ويطالبه، ويطالب الشرفاء في لبنان، على التكاتف معه، من أجل مصلحة لبنان وسلام لبنان:
من دونك شو نفع الأرض
اللبنانيه.. بطول وعرض
لازم نتكاتف يا جنوب
ونمحي عن وجّك حروب
خلّت طفلك يتشرّد
ويمشي بالعتمات دروب
   إنها ملاحم الغربة والتشرد والمآسي، يكتبها شاعر لبناني مهاجر احترق قلبه من مآسي وطنه، فأصبح يبلل ريشته بجرح غربته، وعذاب روحه، ومرآة نفسه المحطّمة، ليرسم الأفاعي تمتص من أغصان الأرز نسغها، بينما الغربان تكسرها وتنعب عليها أناشيد الجحيم، وترقص على بقاياها رقصة الموت.
   إنها الغربة وأسرارها. إنه السؤال المجهول عن مستقبل مجهول. فماذا يكمن وراء هذه الغربة الطويلة؟:
يا غربة الإيام الطويله
يا غربة الشقا والضنا
قبل ما تحكيلن احكيلي
شو اللي متخبالي أنا؟
   ونصل الى قمة المأساة، فيصرخ الشاعر بوجه الظلم:
وآخرتها شو؟
ساعه بيرضى فلان
وساعات بيهاجم
وعم يحترق لبنان
وتتطاير جماجم
   هكذا نجد شحوب في النفس، وسواد قاتم في العاطفة، ورؤية غائمة في العيون:
وآخرتها شو؟
قرفنا الحكي يا ناس
قرفنا الشرب والكاس
قرفنا المحبّه والزهر
قرفنا نأدّن بالفجر
أو نحضر القدّاس
قرفنا نكمّل هالعمر
الخالي من الإحساس
   إنها السوداوية المغرقة بالتشاؤم. إنه القرف من الجمال، الحب، الحياة.
   وإذا كان لنا من قول: لِمَ كل هذا التشاؤم؟ أنظر إلى وراء النجوم ستجد نوراً مفعماً بالأمل.. إلى عيون الغيوم ستجد مطراً له رائحة الحياة، فما عليك إلا أن تتفاءل، وبدلاً من أن تقرف من الحكي، يجب أن تقول: لا مجال الآن للصمت، وبدلاً من القرف من الكأس، يجب أن تقول: هيّا لنفرح في عمق المأساة، فما عرف لبنان إلا الفرح. وبدلاً من القرف من المحبّة والجمال، يجب أن تقول: ذرة محبة وجمال تشرق وتورق لهي أفضل من آلاف الأشجار والجبال المكللة بالحقد والقبح والضغينة، وأسمى من الظلمة إذا لم تحبل بالنور.
   لا.. ما كنا نريد منك أن تقرف من العمر، بل أن تكمل المشوار، وتزرع بذور الخير والسلام في بلد الخير والسلام. لأن كلمة الحب أقوى من كل ما في الحياة من قوى. إنها مندمجة بالخالق. فلنحب في زمن تتكالب عليه قوى الشرّ، ومن ثغر ضوئي بسيط ننشر النور الذي كان وما زال وسيبقى.
   أجل، هكذا وصلت الذروة الشعرية عند الشاعر المحب، المتشوّق، العاشق. لقد سئم من كل شيء عندما شاهد الشياطين يعيثون فساداً، ويغتالون لبنان باسم الدين:
وبعدو بإسم الدين 
عم يخلق سلاطين
شكلا شكل إنسان
وفعلا.. فعل شيطان
ولهالسبب لبنان
عم تحصدوا النيران
وتستملكو شياطين
   ومن عمق الحب يصبح قلب الشاعر وطناً، والوطن قلب الشاعر:
ليش دخلك ليش يا ربي
تركت قلبي يولع ويسودّ
وغيرك يا ربي ما سكن قلبي
ولا يوم جرّحتو بشوك البغض
ولا زرعت بحواضو زهور الحقد
قلبي وطن مزروع بمحبّه
حْرام يا ربي الوطن ينهدّ
   وأخيراً يتوصّل الشاعر إلى الجواب الشافي عن أسئلته المحيّرة: ما هو سبب الحرب؟ ما هو سبب غربتنا؟ ما هو سبب الكراهية والبغض؟ إنه الجواب الأخير الذي فيه الحل والخلاص:
هات إيدك هات يا خيّي
بإيدك وإيدي السحر متخبّى
تنياتنا بقوّه إلهيه
منقضي عَ زمره مضيّعا ربّا
سمومها نعرات دينيّه
وزهور سودا مزيّنه دربا
لازم نحارب هالزعامه كتير
ونشك سيف حقوقنا بقلبا
   وبهذا يكون الخلاص والفرح، فيعود المهاجر إلى وطنه المعلق بخيوط النور، والمتوّج بالنجوم، الشامخ للأعالي، المكحل عيونه بلون الشفق، والنائم بحضن الفجر:
إنت وأنا الـ منخلّص الأجيال
من ظلم شتتنا بهالغربه
والهم فوق صدورنا أحمال
والنار تاكل قلبك وقلبي
يللا سوا تا نحقّق الآمال
ونمسح غشاوة حقدُن الملعون
ونفلح ونزرع أرضنا محبّه
   ومن يفلح ويزرع أرضه محبّة، لا بد أن تثمر ثمارها محبّة.
   إنه هاجس الحرب والوطن عند الشاعر المهجري الاستاذ شربل بعيني. هاجس العودة إلى الوطن بعد تطهيره من الفساد، وإعادته أرزاً شامخاً، وقمراً مشرقاً، وأغنية أبدية. إعادته الى الله بعد إعادة الله إليه.
صدى لبنان، العدد 616، 4/10/1988
**
وجع المشاعر
أشربلُ قد عرفنا اليوم شاعرْ
يذيبُ الحرفَ من وجع المشاعرْ
وينسج حلمه المجدول سحراً
ليزهو في العيون وفي الضمائرْ

عرفنا اليوم حسّوناً جديداً
يحنّ إلى الحدائق والأزاهرْ
فرتِّلْ يا سخيَّ الشِّعر لحناً
فإنَّ الهجر يحرق كالمجامرْ

وزفَّ الحبَّ أمنية الأماني
لأنَّ الفجر في شفتيك ساحرْ
أما أهديتَ للإنسان نوراً
فأمسى النورُ في الدنيا منائرْ؟

أما أهديتَ للإيمان ورداً
وأطياراً تزفّ لنا البشائرْ؟
فأينعت السنابلُ وهي شعرٌ
جميلٌ.. أين عصفورُ البيادرْ؟

أشربلُ.. يا نديَّ الشعر رتِّلْ
على سحر الهوى بصلاةِ شاعرْ
فإن الشعر يخفقُ في ضلوعي
وينشده الفؤادُ من الحناجرْ

فهاتِ الشعرَ فخراً واعتزازاً
وفاخِرْ بالهوى والشِّعر فاخِرْ
أما هاجرتَ من بلد الأماني
ورحتَ تجوب في الدنيا مغامرْ؟

فذقتَ من العذابِ المرِّ مرّاً
وصرتَ ولـم تزلْ في الهجر حائرْ
فهاتِ الشعرَ بالأشواق يهفو
إلى لبنانَ.. أو أمِّ الضفائرْ
وهاتِ الشعرَ أصدقُه حنيناً
فما عَرَفَ الهوى صدقَ المهاجر.
محردة، سوريا، 1991
**
صدى المحبة
رد على قصيدة الأخ الشاعر المهجري الحبيب عصام ملكي رئيس عصبة الزجل اللبناني في أوستراليا والتي فاضت بها قريحته الشعرية بعد صدور كتابي :  شريل بعيني شاعر أمتي:

بعرف عصام الزجل خيَّالو   
وفارس طموحو فوق آمالو
فارس بإيدو شعلة الفرسان    
ع صهوتو ما في حدا يطالو
صحَّى بصوتو غفوة الوجدان  
وزلزل رموز الشر زلزالو
ورتل تراتيل السما بإيمان 
بلكي بيزهِّر حلم أجيالو
وبعدو ابن ملكي صدى لبنان    
صوت القداسة بطهر إجلالو
غنى بأشعار الزجل ألحان
وسكرت طيور السما بموَّالو
ويا ما غمس من ريشة الألوان   
يرسم وطن بخيوط مغزالو
حارس الأرزة وعبقر الوديان   
ياما القمر زارو بعرزالو
وكل همُّو راحة الإنسان 
ينعمْ ولا يعكِّر حدا بالو
بعرف عصام الشاعر الإنسان   
يِّلي فعالو بتسبق قوالو
الشاعر ابن ملكي إلو عنوان    
صَّياد ربَّات الوحي خيالو
ياما بخيالو رافق الميزان       
ويا ما دفق بالعطر شلالو
وبالليل في لو بالسما جيران    
نجمات شعوا بهالدني وقالو
شاعر الغربة وعاشق الأوطان   
من غربتو شو حنّ ع جبالو
ع الأرز ع الموجات ع الشطآن 
ع الذكريات ال صورتا قبالو
لو كان ملكي الأمر عندي كان   
لزرع بحضن الأرز تمثالو .
**
أرزة
شربل يا أرزه من أرز لبنان
انزرعت بغربة قاسية بعيده
شاعر كبير وللشرق عنوان
ومع كل غصة ألف تنهيده
لا فيسبوك ولا تويتر كان
بيرد أفضالك عليِّ دوم
لو بشكرك يا شاعر الإنسان
بمليون بوست وألف تغريده
**
ترنيمة حب
أحلى طلة يا عيني
فيها الحب بترنيمه
وما في متلا تقسيمه
بتسعدني وبتهنيني
بتسكرني وبتصحيني
رنمها وصلى للرب
وسمّأها ترنيمة حب
بنشوة شربل بعيني
**
فارس الالهام
يا مجدليا العاشق الملهوف داب
من لغز عينيك وبدا بمراهقة
وبعدك عروس الأرز في أول كتاب
شربل الهام بعشق أحلى عاشقة
داق المرارة والهجر داق العذاب
واكتوى بنيران غربة حارقة
شربل الشاعر من جنون الاغتراب
يغزل قصايد بالمحبة عابقة
وبعدو أمير الشعر في عز الشباب
عم تغزل حروفو المعاني الصادقة
شربل يا شربل يا ورد والورد طاب
بعدك علامة والعلامة فارقة
لولا ينابيع الحلا وعذب الشراب
ما تفجرت كل النبوع الدافقة
يا ما غزلت الشعر من نار العتاب
ويا ما كنت متل الرعد والصاعقة
حلقت متل الشمس فلفشت الضباب
وتركت للتاريخ كلمة واثقة
حاربت فيها الجهل وشْريعة الغاب
تا تنجلي عنا الحروب الخانقة
وغرست من غرساتك وهلّْ السحاب
تالخير زهَّر بالغصون السامقة
شربل حبيب القلب من وهج الغياب
صغت القصيدة والقصيدة خارقة
ياشاعر الإلهام ما عندي جواب
إلا بأنك صقر شامخ كالعقاب
جار الشمس فوق الجبال الشاهقة
**
كاس الاشعار
شربل سركيس بعيني
يا مجد مكلل بالغار
مش بس بقلبي بعيني
أنت مْحردة وأهل الدار
ومجدليا بتعنيني
كيف ما بدي منها غار
ال فيها مرفوع جبيني
بأرزتها وشاعرها البار
من شربلها بيرويني
مش كاس معتق بالخمر
الكاس معتق بالأشعار
**
شربل مجدليا
متل ما جبران ببشري
بشربل مجدليا بتتمري
أنتي الصبية العاشقة الأرزات
ومسمحلك تغري وتنغري
يا مجدليا العاشقة الكلمات
شربل بعيني الصخر بيطرِّي ..
مرِّي على خيالو مع النسمات
بيلبسك عقد السما الدري،
وبيسرق الخاتم من النجمات
تا تفرحي بالخاتم السري ..
شربل قصيدة جرح بالآهات
وهيهات عنك يوم يتبري.
**