شربل بعيني شاعر العصر في المغتربات


**
مقدمة 
بقلم أكرم برجس المغوّش
   
   علم 1993، وعلى الصفحة الأولى من مجلة الثقافة السورية، أعلن الأديب السوري نعمان حرب أن شربل بعيني هو شاعر العصر في المغتربات، دون أن يخاف لومة لائم، أو مقصّ ناقد. ولماذا يخاف وهو أحد أهم الأدباء السوريين، وناشر سلسلة "قبسات من الأدب المهجري"، التي سلطت الأضواء على العديد من الشعراء والأدباء في كافة المغتربات.
   وكان، رحمه الله، يمنّي النفس بإصدار "قبسة" عن شربل بعيني، وقد ذكر هذا في معظم رسائله، وأعلن عنها في الصفحة الأخيرة من الكتاب الذي أصدره عن الشاعر جورج شدياق من فنزويلا، ولكن ظروفاً قاهرة حالت دون ذلك.
   صحيح أن الكتاب الذي كان يعده مع الأديب السوري الكبير محمد زهير الباشا قد رأى النور عام 1988 تحت عنوان: شربل بعيني ملاّح يبحث عن الله، ولكن اسمه لم يذكر فيه كمؤلف، وهذا يعني أن الباشا هو من ألفه، ونال عليه تكريماً تاريخياً رائعاً ما زالت أصداؤه تتردد على ألسنتنا جميعاً.
   في أحد مقالاتي بجريدة "الهيرالد"، ذكرت أنني مزمع على تنفيذ رغبة صديق العائلة ابن السويداء وجبل العرب الأشم فقيدنا الأديب نعمان حرب، وأنني سأقوم بمهمة أصدار الجزء 11 من سلسلة "قبسات من الأدب المهجري" عن شربل بعيني نيابة عنه، ولكن أنّى لي ذلك، وكل ما لديّ بعض مقالات كان قد نشرها في "الثقافة" السورية، لا تكفي فصلاً يتيماً في الكتاب.
   هناك أمل واحد فقط، ألا وهو رسائله الكثيرة لشربل، فاتصلت بشاعر العصر، وطلبت منه السماح لي بالاطلاع على رسائل نعمان، فوافق دون تردد، شرط أن أحذف منها أشياء خاصة، كان يطلعه عليها ناشر القبسات. فأحسست أن باب الفرج قد فتح أمامي على مصراعيه.
   ولكي أعرف كيف يبني نعمان حجارة قبساته، رحت أراجعها كلها، فوجدتها تحتوي على مقدمة لأديب يختاره، يتبعها "بتمهيد" له، ثم ينشر قصائد الشاعر في معظم الصفحات.
   كتابي هذا سيكون مختلفاً تماماً، إذ أن نعمان حرب هو من كتبه من الغلاف الى الغلاف، باستثناء مقدمتي، أما قصائد الشاعر شربل بعيني التي تغنّى بها نعمان فلا داعي لنشرها إذ أن بإمكانكم قراءتها، هي وغيرها، عبر الانترنت بمجرد وضع اسم "شربل بعيني" في محرك البحث "غوغل".
  في احدى رسائله عام 1986، ذكر نعمان انني كنت "واسطة خير" بينه وبين شربل، ولولاي لما تعرّف الأدب المقيم على الأدب الاغترابي كما ترون الآن، ولولا كرم شربل بعيني الحاتمي الذي كان يدفع أجور البريد الباهظة في أستراليا وفي سوريا أيضاً من أجل أن يتمّ التلقّح الأدبي على أكمل وجه، لما خصصت "الثقافة السورية" مئات الصفحات لنشر أدبنا والتحدث عنه.. وهذا ما لمّح إليه نعمان في فقرات كثيرة، طالبني شربل بحذفها، ولم أبقِ منها إلا تلميحات قليلة.
   كما أنني متّنت هذا التواصل الأدبي والاعلامي والانساني عندما كنت سكرتيراً لرابطة إحياء التراث العربي في أستراليا، واستلمت نيابة عن نعمان جائزة جبران خليل جبران العالمية التي منحته اياها الرابطة عام 1987، إضافة الى شربل بعيني وانجال عون ود. سمر العطّار. وقد قام بتسليم الجوائز، يومذاك، سعادة سفير لبنان الدكتور لطيف أبو الحسن.
   والجدير بالذكر أن شربل بعيني هو من أوجد وصمّم جائزة جبران التي ما زالت تمنح حتى الآن، وأعطاها العصر الذهبي.
   وها أنا أطلعكم على فقرات من رسالة بعثها لي نعمان بتاريخ 6/12/1987، لتدركوا صحة ما أقول:
   "عزيزي أكرم، حفظك الله..
   كنت أخبرتك في رسالة سابقة، بأن أنباء المؤتمر السادس لدراسات الشرق الأوسط سوف تنشر، وفي بريد هذه الرسالة تجد "الثقافة" قد صدّرت الرسالة باسمك، وعلى صفحتها الأولى، ومثل هذا النشر لا يتيّسر إلا لكبار الكتّاب، وللمواضيع الهامة، وموضوع المؤتمر مهم، لاسيما وانه جرى في سبيل القضايا العربية، لذلك وضع في المقدمة. 
   كما انه يهمني ويهم "المجلة" نشر كل ما يدور في أستراليا من ندوات أدبية وعربية ووطنية، فلا تبخل علي بقصاصات "النهار" الغراء وغيرها، وان الذين يهتمون بخدمة الادب والفكر، أمثالكم، لا يحسبون حساب النفقات مهما بلغت. وفي العدد الذي سبق نشرت مقال الكاتب الكبير جان بشارة في الصفحة الاولى، وهو من جملة المواضيع التي بعثت الي بها في السابق مشكوراً، وسوف أراجع بقية المواد المرسلة من قبلك في الماضي، ومواضيعها عامة لا تتأثّر بالزمن.
   وأعلمك بأنني أنجزت دراستي في كتاب ضخم يقارب الـ 500 صفحة عن الدكتور عبداللطيف اليونس ـ الارجنتين، وأعلنت في نهايته بأن هناك مؤلف سيصدر عن الشاعر شربل بعيني، وسأحققه ان شاء الله، لأنني أشعر بحب عميق للأخ شربل، وبعاطفة حميمية تشدني إليه".
     ولمن لا يعرف من هو نعمان حرب أقول:
ـ ولد في قرية المجيمر(السويداء) عام 1917.
ـ لم يتمكن من متابعة دراسته الثانوية لأسباب مادية. اذ لم يكن في السويداء الا الدراسة الاعدادية.
ـ عين معلماً ابتدائياً في ملاك التربية بالسويداء عام 1938، ومديراً لمدرستي سهوة الخضر وميماس. ثم نقل إلى ديوان محافظة السويداء برتبة منشئ رئيسي عام 1940. ثم نقل الى العدلية بالسويداء وتقاعد من الوظيفة عام 1967 برتبة رئيس دائرة.
ـ أصدر وشقيقه المرحوم نجيب حرب جريدة (الجبل) منذ عام 1942 حتى عام 1959. وشارك بالتحرير الدكتور امين حرب والاستاذ سلمان جابر ومجموعة من ادباء الجبل الكبار.
قام بجولة عام 1979 في فنزويلا والبرازيل والتقى أدباءهما وأقام معهم صلات ودية وحصل على نتاجهم الأدبي.
ـ عضو جمعية البحوث والدراسات.
ـ رئيس فرع اتحاد الكتاب العرب بالسويداء.
ـ أصدر مجموعة كتيبات بعنوان "ابطال منسيون".
ـ أسماء بعض مؤلفاته الأدبية منشورة على الغلاف.
   فإليك يا نعمان حرب، يا صديق والدي الغالي برجس المغوّش الذي أتيت على ذكره مراراً في رسائلك، أهدي هذا الكتاب، وأنا على يقين تام من أنك راضٍ عنه، وأنك في عليائك تشاركنا فرحة اصداره ورقياً وإلكترونياً، كيف لا، وقد تمكنا بعونه تعالى من حفظ رسائلك من الضياع في غربة لا ترحم.
**
شربل بعيني: شاعر العصر في المغتربات
    قررت الجالية العربية في استراليا، التي تتألف منها جمعية أبناء بنت جبيل، اتحاد عمال فلسطين، رابطة احياء التراث العربي، جمعية تضامن المرأة العربية في ملبورن، مثقفو الجالية العربية السورية، الرابطة القلمية للنساء العربيات في المهجر، الملتقى الثقافي العربي وجمعية المغترب الجنوبي، اقامة مهرجان ادبي كبير في مدينة سيدني الاسترالية، بمناسبة اليوبيل الفضي للشاعر المهجري الكبير شربل بعيني، وذلك لصدور اول ديوان شعري له عام 1968، ومرور خمس وعشرين سنة من العطاء الدائم.
    والشاعر المبدع شربل بعيني أغنى المكتبة العربيّة بمؤلّفاته الأدبيّة من شعر ونثر، وبجميع الألوان والأوزان، حتّى بلغت إصداراته الأدبيّة خمسين مطبوعة، وعشرة كتب مدرسيّة، أعيد طبع بعضها ثلاث مرّات، وكتب عنه الأديب المهجري كلارك بعيني سلسلة "شربل بعيني بأقلامهم" بلغت إحدى عشرة دراسة. وكتب عنه الأديب الكبير كامل المر مؤسس رابطة إحياء التراث العربي في أستراليا دراسة شاملة بعنوان "مشوار مع شربل بعيني". وكتب عنه الأديب العربي السوري محمد زهير الباشا دراسة بعنوان "شربل بعيني ملاّح يبحث عن اللـه". كما نشرت له مجلّة الثقافة في دمشق العديد من القصائد الوطنيّة ذات النهج العربي الإنساني والوطني والإجتماعي.. وما زال الشاعر الغرّيد يعلو بصوته في أعلى الأجواء المهجريّة، وينشد الملاحم المتميّزة من الإبداع في كافّة المجالات الأدبيّة.
   إنّني على صلة دائمة بأدباء وشعراء المهجر في كافّة أنحاء المعمورة، وأرى أن الشاعر شربل بعيني هو شاعر العصر في المغتربات، لا يوازيه أي أديب مهجري بغزارة الإنتاج الأدبي، ووضع مجهوده، وعبقريته، وماله، رهناً لإعلاء الأدب والفكر، وغرس الكلمة العربيّة في القلوب والنفوس، وبذل الذّات للحفاظ على ألق الحضارة العربيّة، وشدّ العلاقات والأواصر بين أبناء المغتربين وإخوتهم المقيمين.
   شربل بعيني، شاعر الغربة الطويلة، ينبوع متفجّر بالعطاء الإنساني والأدبي، وعربي متميّز بالبذل والكرم والسخاء، وبيته ملتقى الأدباء والكتّاب، وكأنّه (سوق عكاظ)، يجد فيه الزائر العربي، من أيّ مرتبة رسميّة وشعبيّة، الترحيب والعناية والنور المتفتّح من جوانبه، وهو كما قال عنه محمد زهير الباشا: "يحارب المجزرة بضمير ومثاليّة، يفتّت سيف شهريار بعبره ومروءته، يمتلك الحقّ في روايته الفنيّة، وتشدو صوره الشعريّة لخير البشريّة، وليتعمّد الإنسان وحده في صلاته باللـه".
   دخل الشاعر شربل في سفره الطويل في مواكب القريض، إلى داخل الإنسان العربي، وأصبح ذلك المسافر الأزلي في النفس البشريّة، وسوف يبقى صوته مدويّاً، ليس في سماء أستراليا وحدها، ولا في سماء البلدان المهجريّة، بل سيبقى مدويّاً في أرجاء شاسعة من المعمورة.
   إنّ هذا المهرجان الأدبي الكبير، الذي تقيمه الجالية العربيّة، بكافة منظماتها وهيئاتها المختلفة، لتكريم الأدب في شخص شربل بعيني، مساء يوم السبت في 18 كانون الأول 1993، هو مهرجان لكل أديب ينطق بالضاد في العالـم، وهو وسام شرف على صدر كل أديب عربي، ووشـم على غلاف القلب العربي، أينما كان، لا يمّحى ولا يزول.
   فألف مرحى للقائمين بهذا الإحتفال، وتحيّة إلى شاعر الغربة الطويلة، وتهنئة من الأعماق ترسلها دار الثقافة في سورية العربيّة.
الثقافة السورية، 1993
**
صوت عربي جديد في أستراليا
ـ1ـ
الشاعر المبدع شربل بعيني..
أبداً يفتّش عن المرتفعات،
ويغوص في أعماق الوجود،
باحثاً عن الأماني والاحلام ليوقظها، ويبعث فيها النبض والحياة، وأين تكمن الآلام والجراح، ليصف لها الدواء، ويوقف أوجاعها ونزفها.
ـ2ـ
أبداً.. يعود الى المنابع الاصيلة ليغب من الراح والكوثر، ويصطفي منها القلائد والعقود الحية المضيئة المشرقة.
لا يقف عند الحدود التي رسختها أجيال المبدعين والملهمين، وانما يتجاوزها ويبني على شموخها تماثيل الجمال والابداع في رؤياه الجديدة.
يحب باخلاص ما بناه أهله فوق سطح المجرات.
ويبقى وفياً لهذا الاشعاع المنبعث من خيوط الشمس.
لأنه تعبّد في محراب الكلمة الصادقة، وعاش في دنيا الحرف العربي العريق في تاريخه وحضارته.
لا ينكر الذين سبقوه على دروب الخلود.
ولكنه يتخذ منهم مثالاً وريادة.
ويستشف من بريقهم الالوان والانغام الحلوة.
ويضيف اليها الفريد الجديد المطرّز بالحبكات المذهبة، والخيال الرائع، والبلاغة في المضمون والاشراق في المبنى.
ـ3ـ
أبداً.. يحمل هموم الانسان العربي في وطنه وفي غربته.
ولكنه لا يركع ولا ينحني.
وتعلو الابتسامة المضيئة وجهه.
وينتصب في الأعالي، ويحمل راية التجديد بيد قويّة، ويدعو الى الخير، والمحبة، والفضيلة، وشعاره "الانسان اخو الانسان".
ـ4ـ
شربل بعيني شاعر ملهم، ويحلم.
وهذه الأحلام الجارفة تغبّ من خوابي الفكر المتفتّح، وتنشر في كل منحنى اعلامها وقوافيها، فتأتي تارة غاضبة ثائرة، وطوراً هادئة مرشدة.
والذي ينهل من روح الحياة طموحه، ويستمد منها غذاءه وضوءه، تلازمه هذه الرؤى، في حلّه وترحاله، في يقظته ونومه، في سعادته وبؤسه، ويصبح الشاطىء الهادىء، او الصاخب الهادر، يغترف من موجاته المداد الذي يغذّي منه شعره، كي يزرع في حقل الكلمة الحلوة حبّات قلبه، وقطرات روحه، وانوار عينيه.
والشاعر لا يرويه العطاء الذي رسمه على القرطاس، ولا المداد الذي اصطفاه من المحابر، ولا تكفيه الباقات الوردية التي يقطفها من جنائن فنّه، بل يطمح الى النجوم ليأخذ من بريقها، ويقدّم الى المجتمع الانساني أنقى ما في الوجود من معانٍ وبينات، وآيات وقصائد، فيغني نشيده الخافقان، ويجلجل صوته في كل الأوطان.
وقد يفتر ثغره عن ابتسامة صفراء، أو يجنح به خياله الى السماك الأعلى، أو يصطدم بجدران يصنعها الحاسدون، ولكنه يبقى منارة للأجيال، ومعلماً بارزاً من معالم الحضارة والانسانية والآداب في محيطه الواسع.
ـ5ـ
وشاعر "الغربة الطويلة"، ابن مجدليا البار، شربل بعيني، يغترب من بلاد الأرز الخالد الى أستراليا، شاباً في مقتبل العمر، يغمره الأمل الباسم في حياته الجديدة في بلاد تعيش فيها الحريّة بأمان، وينعم مواطنها برغدة العيش وهناء الحياة. لذلك تنفّس في مغتربه الجديد الصعداء، بعد أن جار عليه حكام ذلك الزمن، ومنعوا هذا البلبل الغريد من أن ينشد تغاريده في عالم محكوم عليه بالظلم. 
وبدأ هذا الصوت الجديد في أستراليا يرتفع في أجوائها الحرة، ويعبّر عن الآلام الحبيسة الماضية، وينشرها بين اخوانه في اللغة والاغتراب، ويبرهن على انه يحمل رسالة الأدب والشعر والفن منذ الطفولة، وهاجر ليكمل هذه الرسالة في الأجواء الحرة، ويجمع نتاجه في الشعر والنثر، وفي المسرحية، وفي كل مناحي العلم والمعرفة، ويطبعها على نفقته الخاصة، حتى بلغت أكثر من خمسين كتاباً في كل المناحي الأدبية. ويصبح شربل بعيني من شعراء العربية العمالقة في المهاجر والوطن، وينال الأوسمة والجوائز المتعددة، ويرأس أمانة سر رابطة احياء التراث العربي، ويحقق نصراً أدبياً، وينشر لغة الضاد في أقصى المعمورة، ويعزّز اللغة العربية بكل ما فيها من روائع وجمال وحضارة.
ـ6ـ
وكأني بهذا الرائد العربي، لم يكتفِ بما قدّمه للأمة العربية، وللأجيال المغتربة، من زاد شهي في هذا الغذاء الروحي، بل طمح، والطموح سمة الرجال العظام الذين يعتبرون أن أمانيهم لا حدود لها ولا مساحات، فقاده طموحه الى خطوة جديدة، تحف بها المصاعب، الى اصدار مجلة أدبية شهرية أسماها "ليلى"، وهذا الاسم الجميل كان لحبيبة قيس بن الملوّح، وكان أجمل اسم غناه وديع الصافي، وتناقلته شفاه الشعراء والمطربين والمطربات، وعزفته موسيقى الشرق قاطبة.
ـ7ـ
هذه بعض المرايا التي يرى فيها الناس وجه الشاعر الذي يتألق في مساحات بعيدة من العالم، ويخصب في ثنايا الضمائر ثورة على الظلم والرجعية والأنانية، وايماناً بالمثل العليا.
ذلكم هو الشاعر العربي شربل بعيني.
**
اتصالات هاتفية
   استلمت رسالتك الأخيرة، وقد حوت من العواطف أصدقها، ومن المشاعر أنبلها، وهذه سمات الشاعر المرهف التي تتبلور أحاسيسه عند ذكر الاخوة الأحباء، وتصبح رقراقة كالنمير، صافية بيضاء كالحليب.
   عرفت من الأخ مدحة عكاش أنكم اتصلتم "بالثقافة" في دمشق هاتفياً، ولسوء الحظ لم يكن موجوداً، وقد أظهر لي أسفه الشديد لهذه التجربة التي حرمته سماع صوتك المحبوب. أما بالنسبة لي، فإن إقامتي الدائمة في السويداء، ويكون وجودي الدائم في البيت ليلاً، والأخ أكرم الذي سبق واتصل بأهله يمكنه الايضاح ومعرفة التوقيت المناسب، فيما اذا رغبتم الاتصال بي، كي تلتقف أذناي الصوت الحلو الغالي. ولو كنت أعرف رقم هاتفك، والتوقيت المناسب للاتصال بك، لكنت قمت أنا بهذه المبادرة.
   أخي المبدع..
   في منتصف حزيران سوف تقام للاستاذ مدحة عكاش في دارة مكتبة الأسد دمشق، حفلة تكريم كبرى، تقديراً لأدبه وخدمته اللغة والأدب، وعلى مستوى العالم العربي، وما يقال فيه ويكتب عنه سوف يجمع في كتاب، فهل لديك أو لدى الأخ الشاعر الكبير نعيم خوري، شعراً أو نثراً، يتعلق بالاستاذ مدحة؟ وهل من الممكن اتحافنا بقصيدتين، على مستوى قصائدكما الرائعة، لتنشرا في المجموعة؟ ولو تأخر وصولهما عن موعد الحفلة، ولكن موعد نشرهما في الكتاب يبقى وارداً، وانت تنوب عنا في طرح الدعوة للاستاذ نعيم.
   ايها الحبيب..
   انتظر دائماً اخباركم ونشاطكم، كي يطلع عليه قراؤنا العرب، ويزداد جسر التواصل قوة، ادامكم الله مورداً عذباً للادب والفكر وسوراً منيعاً للغة الضاد، وللوطن وللعروبة.
السويداء في 27/5/1991
**
احتجاب ليلى
      تأخرت في الكتابة اليك بعد احتجاب "ليلى" عن الصدور، لأن هذا الاحتجاب أثار في نفسي الألم والحزن، لأن بقاء "ليلى" على قيد الحياة، كان بيرقاً خفّاقاً في سماء المهاجر، يمثّل الأدب العربي بكل أشكاله، والوانه، ومعطياته، ونقاء الفكر القومي بكل ما له من ميزات في عالمنا المطلوب لتفعيل الحياة. 
   وما أحوجنا الى مثل هذا الصوت يعلو بنبراته في بلدان الاغتراب، ويعبّر عن تاريخنا وحضارتنا وأمجادنا. وكانت "ليلى" تحمل هذه الرسالة، وتضيء كل الجوانب المعتمة من حياتنا.
   لماذا توقّفت "ليلى" عن الصدور؟ 
   لماذا توقف البلبل الغريد عن الشدو على افنان الغربة؟ 
   لماذا احتجبت "ليلى" وهي كانت المرآة الصادقة للأدب والفن والتاريخ؟
   كل هذه التساؤلات أحاطت بي، لأنني أجهل السبب المقنع، ولا أظن أن النفقات المادية قد حالت دون الصدور، ولا النبع الفيّاض بالابداع والفكر قد توقّف. أحتار في السبب، واحتار كيف أفسّر تراجع الفرسان في حلبة الخلود القومي.
   حبيبي شربل..
   حاول أن تقنعني بالاسباب التي أدت الى احتجاب صدور مرآة الأدب والعروبة والفكر عن الاستمرار في حلبة الحياة، كي لا يستمر قلقي وألمي لغياب نجمة وضاءة من سماء الاشعاع.
السويداء في 7/1/2001
**
أرض العراق.. أتيتك
    الأخ الحبيب الاستاذ شربل بعيني المحترم
   قبلات حارة واشواق لا يعلم مقدارها الا الله.
   تلقّيت رسالتك الأولى وفي طيّها قصيدتك الأخيرة "أرض العراق.. أتيتك"، وقد قرأتها مرّات، وأعجبت بها إعجاباً شديداً، لأنك تسيّر كل البحور الشعرية الى المحور الذي ترنو إليه، كما يقود الربّان سفينته بمهارة فائقة، ويتجه بها الى اليم الهادىء على الشاطىء الآمن.
جمعت الخليلي مع السيّاب، ونازك الملائكة وادونيس ورشيد نخلة، في وحدة فنيّة متكاملة، تلتصق كل أجزائها وتتماسك، ولكل منها روعة، ونغمة، وحبكة، لا تستطيع أن تفرّق الواحدة عن الأخرى لشدة العلاقة الروحية بينها، كما أنك كنت بارعاً وناعماً، بعيداً عن الوخزات الظاهرة، محلّقاً في الافق البعيد، مجانباً الانواء والعواصف، داعياً الى وحدة الوميض في رؤياك البعيدة، تنعش ولا تخدش، تلامس وجنة الواقع كالنسيم العليل، ولقد كنت ناجحاً جداً في رسم الصورة، مجلياً في التعبير عن الحس العميق، وجاءت أقوال النقّاد تعزّز هذه الروعة، وتشيد بهذا الابداع، ولسوف أحتفظ بهذه الرائعة الى أن يحين الوقت الذي يبيح النشر.
ثم تلقيت رسالتك الثانية، قبل أن أجيبك على الأولى، وفيها مجموعة الصور عن حفلة توزيع الجوائز على أصحابها، وكذلك نسخة من جريدة صدى لبنان التي نشرت وصف حفلة توزيع الجوائز، وكذلك قصيدة الشاعر الكبير نعيم خوري، وقصيدتك الرقيقة المعبّرة عن أسمى المشاعر، وأصدق العواطف، والتي خصصتني بها بأربعة ابيات كالعطر من قارورة الطيب، يفوح بالشذى والعنبر، فإليك أوفر التقدير، وأغلى المحبة، وقد كتب الأخ أكرم المغوّش رسالة في وصف هذه الحفلة، سوف تنشر في صدر العدد المقبل من "الثقافة"، وكذلك قصيدتك، وقصيدة الأخ نعيم خوري.
انني احار كيف أوفيك وأجزيك، وقررت والأخ زهير الباشا إصدار كتاب عنك، في سلسلة "قبسات من الأدب المهجري"، على أن يكون صدوره بعد كتاب جورج شدياق من فنزويلا، وقد أغنيتني بمؤلفاتك، من شعر ونثر، وكذلك الاخ كلارك بعيني، الذي أقدر جهوده حق التقدير في كتبه عنك، ودراستنا عنك تختلف عن دراسة الأخ كلارك، وسوف نبدأ بها قريباً، لأن ديوان جورج شدياق جاهز لديّ، إنما الذي يحول دون صدوره أزمة الورق الخانقة، إذ أن جميع التآليف متوقفة عن الظهور الى النور بسبب انعدام الورق، والدولة تسعى جاهدة لسدّ هذا النقص. إما متى تنفرج الأزمة بالورق فعلمها عند الله.
لقد قضيت أربعة أشهر وأنا أعدّ كتابي عن الدكتور عبد اللطيف اليونس، الأديب والسياسي والصحافي في الارجنتين، وهو صاحب جريدة "الوطن" الارجنتينية، وتبلغ صفحاته 560 صفحة من القطع الكبير، ويحتاج الى 35 ماعون ورق. وتمّ تنضيده، وتصحيحه، وتهيئته، ولكن اصداره غير ممكن بسبب انعدام الورق. ومتى؟ لا أعلم.. وأنا في حيرة من أمري، وأتألم، وأسعى، وأكلّف شخصيات كبيرة مسؤولة للحصول على الورق، ولكن بدون جدوى، وما عليّ سوى الانتظار، وقد ألجأ الى بيروت لعلني أجد فيها الورق بسعر معقول.
أخي شربل، ما كنت أودّ أن أشركك في همومي ومتاعبي، ولكن الواقع المرير قادني الى وضع الصورة واضحة أمامك.
الأخ أكرم المغوّش تسلّم الجائزة عنّي، ولعله يرسلها لي في المستقبل، لأنها وسام رفيع جاد به علي اخوة أكارم أعزاء غمروني بفيض من الفضل والمحبة، وخلعوا عليّ ثوباً فضفاضاً من مكارم أخلاقهم، وحسن تقديرهم، وسوف أزيّن بها صدري، وأعمّر بها نفسي، وأكون سعيداً أكثر إذا تفضّلتم بإرسال شريط الفيديو الذي صوّر حفلة التوزيع، ليشاهده الأهل والأصدقاء والمثقفون في محافظة السويداء.
انهي رسالتي اليك بعبطة برازيلية أضمنها كل ما في صدري من شوق إليك.
السويداء 18/1/1988
**
إصدار الكتاب
   في الأسبوع الماضي، بعثت اليك برسالة مطوّلة، حول الأنباء السارة التي حملها بريدك إليّ، وقد نشرت قصيدة الشاعر المبدع نعيم خوري في العدد ما قبل الذي صدر، وفي هذا العدد رسالة باسم الأخ أكرم المغوّش حول مهرجان الادب الذي أحيته الرابطة بمناسبة توزيع جائزة "جبران" الأدبية لعام 1987 على أصحابها. 
   وأنت أيها الأخ الحبيب، تغمرني دائماً بأنبل العواطف، واسمى المشاعر، وتضفي عليّ أثواباً هي من مكارم شيمك وأخلاقك، ومن عصارة محبتك وودادك، وقد غمرتني كثيراً بوفائك واخلاصك، وجمعت الى شاعريتك المبدعة، الفيّاضة، كل المواصفات التي يعتز بها الانسان ويفاخر. سلمت يداك اللتان تبذران حبوب المحبة والانسانية في كل أرض، وحماك الله من الحسّاد والكارهين.
   في رسالتي أعلمتك بأنني قررت اصدار كتاب عنك، يشمل كل ما قدمته للأدب العربي من أعمال غزيرة مبدعة، وسوف يشترك معي في اعداد الكتاب الأخ الزميل محمد زهير الباشا، وقد بدأنا العمل، ولدينا من مؤلفاتك ومؤلفات الأخ الأديب الاستاذ كلارك بعيني عنك، ما يغنينا، ويحقق دراستنا. وهذا الغنى الفكري، والنبع الغزير الفيّاض، يكفي لاصدار أكثر من كتاب، فكيف في المستقبل المشرق الذي أصبحت وإياه على موعد في الابداع والانتاج، ولا احسب شاعراً يضاهيك في الانتاج الشعري، وفي الابداع في كل فنون الشعر. حفظك الله يا اخي من الحاسدين.
   ليس عامل المحبة الذي يدفعني لاصدار الكتاب عنك، بل هنالك عامل آخر يضاهي الأول، هو تقديري لمواهبك، وإعجابي بالتقنية الشعرية التي تجيدها، وبالحس الموسيقي الذي يرافق نغماتك. وقد كنت أوضحت لك عن رأيي في شعر النثر، وحرام أن يسمى شعراً، ولكن أنا معك بأن الشعر هو الشعر، حسب المصطلحات التي يطلقها الناس، عندما تهزهم الكلمة الحلوة المموسقة، وعلى كل فإن الدراسة سوف تتناول هذه الامور كلها، والقارىء هو صاحب القرار، وقد يكون بجانب الشاعر ولا يهتم ببقية الآراء.
   سررت بتكريمك من سفير الأدب والفكر الدكتور لطيف ابو الحسن، وهذا التكريم، وان يكن باسمك، ولكنه لكل أديب يعشق الحرف، ويحب الكلمة الصادقة، وسوف أشير الى هذه المناسبة في المستقبل ان شاء الله.
السويداء في 4/2/1988
**
الجواهري
   استلمت رسالتك الحلوة، وفيها قصاصات من الصحف العربية في أستراليا، التي نشرت أنباء الحفلات التي أقيمت للدكتور عبداللطيف اليونس وغيرها، وشكراً على هذه العناية بأخبارنا. وعند عودة الدكتور اليونس الى دمشق سوف أسلمه المطبوعات.
   كما تلقيت في نفس الرسالة رسالتين موجهتين من الرابطة الى كل من الشاعرين الكبيرين الجواهري وشدياق، أما رسالة الأخ جورج شدياق فقد بعثتها الى فنزويلا، وسوف يتصل بكم هاتفياً أو خطياً.
   أما رسالة الشاعر الكبير الجواهري، فقد ذهبت الى منزله بدمشق، بتاريخ 10/9/1993، والتقيت به، وقضيت في التحدث اليه ساعة بحضور ابنته وهي دكتورة في الفنون، ومدرسة في الجامعة السورية.
   الجواهري تقدّم في السن، وبوادر العجز والشيخوخة ظاهرتان عليه، شرحت له المعاني الكبيرة في ترشيحه لنيل جائزة جبران الادبية، كما قدّمت له صورة مكثّفة عن الرابطة وأعمالها، وأثرها الرائع في ذلك المنقلب النائي، وما قدّمته للحضارة العربية واللغة والادب من جهود، وكيف أن هذه الرابطة المؤلفة من كبار الادباء والمثقفين العرب المغتربين في استراليا، قد جمعت تحت لوائها هذه النخبة من أدباء وشعراء ومدرسين، للحفاظ على التراث العربي واحيائه، وتمنيت أن يحضر متنبي العصر حفل توزيع الجائزة، فوعد بدراسة الطرح، كما وعدت ابنته وزوجها الحاضرين، بالعمل على القيام في هذه السنة برحلة الى أستراليا، ولا يوجد لديهم أي حائل، سوى الناحية الصحية للشاعر الكبير، وشرحت لهم أن الرابطة تستضيف الوافدين الى مثل هذه المهرجانات، ولا أعلم اذا كان سيحضر الى أستراليا لاستلام الجائزة، ولقد وجه لكم الشكر الجزيل على هذه الالتفاتة، وعلى هذه المنح من قبل النخبة الأدبية العربية في أستراليا، وسوف يتصل بي قبل الموعد بمدة أو يتصل بكم.
   بلغوا تحياتي الى السادة رئيس وأعضاء الرابطة مع شكري لترشيح الاستاذ جورج شدياق، وارسل اليك مع هذه الرسالة ديواني الذي أصدرته عنه.
السويداء في 13/9/1993
**
الحبيب الأنقى
  الحبيب الأنقى الشاعر شربل بعيني حفظه الله
   قبلات حارة وتحية من الأعماق.
   عندما كتبت هذه الرسالة وردت في ذاكرتي كلمة "أنقى"، وهي مشتقة من النقاء، وتعني الصفاء والطهارة والشفافية. وعدت الى "الصحاح" فوجدتها كما وصفت، وتبعتها جملة بليغة هي "هنئت ولا تنكأ" أي هنّأك الله بما نلت، ولا أصابك بوجعك. فكانت هذه البلاغة ترجمة لما في قلبي من محبة لك، وما في مشاعري من شفافية نحوك.
   أنت الشاعر الأنقى من كل بسمة على شفاه العذارى، والأنقى من الثلج على قمة صنين، والأنقى من الطهر عندما يطل الطفل على عالم النور، والأنقى في مثاليتك، وانسانيتك، وخواطرك، وأنا لا أمدحك لأنك فوق المديح، بل أصفك في حقيقة شعرك، في سفرك الطويل في دنيا الفكر والكلمة.
   ويكفيك نقاء اصدارك "مناجاة علي" الذي صغت فيه من حبّات قلبك الصافي أناشيد الصفوة المختارة من أبناء الحياة التي تقدّس المثل الانسانية، وتعيد نبضات الخير والهدى، وسعادة بني البشر، فإذ أكرمك القوم في أستراليا على هذه النغمات العلوية، ورصّعوا صدرك بأوسمة الكمال والعفة والطهر، فهم لا يوفونك حقك من التقدير والاشادة بهذه الموهبة الروحانية التي جمعت الابداع والنقاء كي تصيغ أنشودة ملائكية، تعلو وتعلو حتى السماك. وأكرر تلك الجملة "هنئت ولا تنكأ".
   كتبت اليك أطلب وصفاً شاملاً لحفلة تكريمك في 7/11/1992 التي أقامها الاخوة العرب في أستراليا، لنشرها على صفحات "الثقافة"، وأكرر هذا الطلب.
   يا حبيبي شربل..
   أنا أدرك بأنك تحمل على عاتقك أعباء كبيرة في مسيرة الادب العربي في أستراليا، وتبذل من ثمار عملك الخاص الكثير الكثير، وانك العمود الفقري في جسد الرابطة، وهذا البذل مع الابداع في الانتاج، لن يمحوه الزمن بل سيبقى خالداً على لوحته.
السويداء في 25/11/1992
**
الرابطة
   كنت أرسلت اليك بالبريد المسجل الكتاب الذي وضعته عن الدكتور عبداللطيف اليونس، واقترحت اضافة اسمه الى لائحة المرشحين لجائزة جبران لهذا العام. واعتقد انه بعد اطلاعك على أعمال الدكتور اليونس الأدبية والقومية والفكرية، وبصورة خاصة في مجال الأدب المهجري، توافقني على استحقاقه للحصول على الجائزة.
   أرجو أن تكون "الرابطة" قد صدرت، وأرجو أن أتلقى أعدادها مهما كلف الأمر، وفق ما كتبت للأخ الاستاذ كامل المر، وذلك لاشهارها في قطرنا العربي السوري.
   ربطاً عنوان الأخ يوسف عبد الأحد، وهو أحق الناس في الحصول على مؤلفاتك، لضمها الى الارشيف الاعلامي، الذي لا يوازيه أي أرشيف في سورية.
   أرجو اجابتي عن وصول كتاب اليونس، وعن مدى اقتراحي بمنحه الجائزة هذا العام.
السويداء في 13/9/1992
**
السجل الذهبي
   تلقيت هديتك القيّمة "لينا.. لوحة فتاة دمشقية"، وهي النسخة الوحيدة الباقية لديك، فكان سروري عظيماً، لأنني أتشوّق للاطلاع على أدبنا في أستراليا بصورة خاصة.
   قرأت الرواية قراءة أولى، ويقرأها الآن بعض الأدباء الكتّاب، ومن الطبيعي أن نكون متفقين على سمو الهدف، وسلامة الاسلوب، وعمق الفكرة، وحسن الديباجة، وأن نكون معجبين بالجرأة الأدبية وصدق الصورة التي رسمتها المؤلفة الأديبة الدكتورة سمر العطّار، وإن شاء الله، سأتناول بالدراسة بعض الجوانب البارزة في الرواية، والتي يمكن نشرها في صحفنا ومجلاتنا، وكذلك سيكون دور بعض أصدقائي من كتّاب القصة عندنا.
   وفي هذا اليوم تلقيت رسالة من الدكتورة سمر مع صورتها ونبذة عن سيرتها الذاتية، وهي سيرة غنية بالعطاء والفكر والعلم، وكتبت اليها رسالة مطوّلة، ومن المؤكد بأنها ستطلعك عليها.
   وكما أصاب الدكتورة سمر بشأن روايتها وعدم وجودها، أصابني أيضاً بنفاد الدراسة الأولى من القبسات، وقد طلبت من مكتبة حسين النوري في دمشق، وهي أكبر مكتبة، أن يبعث إليّ بالنسخ الباقية عنده لإرسالها إليك مع الدراسة الثانية عن الشاعر حنا جاسر، وسوف تصلك النسختان قريباً جداً.
   تساءلت عن سبب عدم نشر محاضرة الدكتورة سمر العطّار بكاملها والاقتصار على دور المرأة العربية عبر التاريخ، فأجيبك بأن ضيق المجال في هذه المجلة "الثقافة" هو الذي حال دون نشر الدراسة بكاملها عن شعرك، لأن هذه المجلة هي المنبر الحر الوحيد للأقلام الحرة في القطر، ويساهم في الكتابة فيها كثير من ادباء الأقطار العربية الأخرى.
   وأعتقد بأن البارز في الدراسة المنشورة هو دراسة شعرك، والقارىء يدرك ذلك، أما لجهة الشعر العامي، ونظرتي إليه، فإنني أحب هذا الشعر، شعر الشعب، شعر كل الناس، وهو أقرب إلى قلب الجماهير وعواطفهم من الشعر الفصيح. هذا رأيي الخاص، وهذه قناعتي، ولكن نشر الشعر العامي في الصحف والمجلات الصادرة في القطر فهذا قليل.. قليل جداً، ومن النادر أن تنشر مجلة أو دورية عربية قصيدة عامية مهما بلغت من العمق والجودة والفنيّة.
   ان مجموعة الشاعر الكبير الاستاذ نعيم خوري "قال صنين" لم تصل حتّى الآن إليّ، ولعلها تعثّرت في الطريق المجهول!. أرجو إرسال نسخة أخرى، كي تكون واسطة دراسة مكثّفة عن شاعرنا الكبير، وفي نفسي توق لنشر دراسة شاملة عنه.
   كتابي الأخير "السجل الذهبي" سوف يصدر قريباً، وسوف ارسل اليك طرداً بريدياً في عدة نسخ هدية للاخوان الأكارم في أستراليا، وهو سجل توثيقي يقتصر على نبذة واسعة عن حياة الشاعر والكاتب كما كتبها، وعلى ايراد عملين أدبيين: شعراً أو نثراً لكل أديب.
   ولعلي في المستقبل ان أتمكن من اصدار كتاب آخر عن أدبائنا المعاصرين في أستراليا شبيهاً بهذا الكتاب، وسيكون ذلك موضع بحث ودراسة بيننا.
   لك تحيتي القلبية، ومودتي الصادقة، وسلاماتي المعطّرة أبعث بها إليك. واسلم لمن يعتز بك دائماً ويفاخر.
السويداء في 24/3/1987
**
الشعر العامي والفصيح
   إخي الأحب الشاعر المبدع الاستاذ شربل بعيني
   تحية الأدب، تحية المحبة والوفاء.
   تسلمت رسالتك الأخيرة وفيها ما تفضّلت به من المساهمة المادية في نفقات البريد، فأشكرك على هذه المشاركة، وأنت يا أخي الشاعر الملهم، ولك هذا الحس المرهف الشفّاف، ولم تكن المادة، في يوم من الأيام، سوى واسطة لأداء رسالة يعشقها الأديب، وبها يستطيع الاداء. 
   كما تسلمت قصاصات "النهار" وفيها وصف الحفلة التذكارية لأمير الشعراء، وخبر عن مسرحيتك الناجحة "فصول من الحرب اللبنانية".
   حفلة ذكرى شوقي، ونجاح مسرحيتك، وبعض الأخبار الأدبية الواردة إليّ سوف تنشر في العدد المقبل من "الثقافة"، وفي هذا العدد مقال افتتاحي للأستاذ مدحة عكاش حول أدب المهجر.
   هناك فكرة لإصدار عدد اليوبيل الفضّي لمناسبة انقضاء ثلاثين سنة على صدور "الثقافة"، وأرجو مساهمتكم.
   مؤلفاتك وصلت الاستاذ مدحة عكاش، ولم تصل لأحد سواه، وسوف ننشر دراسة عن شعرك، وفقك الله.
   تفضّلت برسالتك ببدء جدل حول الشعر، وهذا يطول ويتشعّب. واذا كان الفراهيدي قد مات، فإن ما تركه من المأثورات لا يموت. وأسألك، لماذا أطلقتم على الرابطة الأدبية في أستراليا اسم رابطة احياء التراث العربي؟
   أنا معك في كل تجديد، وفي كل تطوير، وأرى أن لغتنا العربية الغنية لا يمكن أن تغيب عن كل ابداع، وهي من ركيزة حياتنا ووجودنا. واذا أهملناها فقدنا حضارتنا، وفقدنا وجودنا.
   أنا مع كل جديد، ومع كل تطوير، على أن يبقى تراثنا حياً، وتهمني اللغة الصحيحة في كل عمل ابداعي.
   أما الأوزان الشعرية فأراها ضرورية في الايقاع، وفي الموسيقى، وفي المضمون، وقد تعوّدها وألفها العرب منذ الجاهلية حتى عصرنا هذا، ويحدون فيها تلك النسمة المنعشة التي تدخل الى اعماقهم.
   وفي مهرجان شوقي إشارة الى أن قصيدتكم كانت باللغة الفصحى، فطربت، وانتظرت ورودها إليّ.
   أنا أحب الشعر العامي، وأعرف أن له جماهيره، ولكنني أرى أن الشعر الفصيح أقرب الى البقاء والخلود، ولأن العرب في كل أقطارهم يحفظون المعلّقات، والمتنبي، وشوقي وغيرهم كثيرون.
   والشعر الزجلي لا يحفظه العرب في كل أقطارهم لاختلاف اللهجة العامية، على الرغم من حلاوته وعمقه وموسيقاه. فأنا لا أستطيع أن أفهم الشعر العامي في مصر، أو في الخليج، أو في السودان.
   في العدد الماضي رائعة لفدوى طوقان عن المناضلة الفلسطينية، وهي من أبدع الشعر العربي مبنى ومعنى، وإليها ألفت نظرك.
   ان الموهبة تغمرك من الرأس حتى الأخمص، والأجواء الرحبة تحيطك، والارض الخصبة في متناولك، فليكن الجنى مستطاباً، ولتبقَ السنابل يانعة، ولتحلّق كالنسور في أجواء الدنيا العربية الواسعة، ولا يقتصر تحليقك على مساحة لبنان، فالسماء العربية واسعة، وأرجو أن أراك محلقاً كنسر لقمان، حتى إذا عجز جناحاه عن التحليق استعان بقوادمه.
   هذا ما أرجوه من شربل الحبيب، وعليك أعقد الآمال.
**
القروي الجديد
   الأخ الحبيب الأعز الاستاذ شربل بعيني المحترم
   تحيّات قلبية صادرة من الأعماق، وسلام أرق من هبّات النسيم العليل في مطلع الفجر.
   منذ عشرة أيام استلمت المجموعة الثمينة "شربل بعيني بأقلامهم"، كتبها وجمعها الأديب كلارك بعيني. أعجبتني فكرة المجموعة، كما أفرحني التقدير العارم الذي تلاقيه من حملة الأقلام وأصحاب الأفكار النيّرة، وأنت جدير بهذا التقدير، وأهل لهذا الثناء. 
   ومما أسعدني أكثر تعرّفي على هذه المجموعة الخيّرة من الأدباء والكتّاب والمفكرين من خلال أقلامهم، ومن وضوح أفكارهم وصدق آرائهم.
   هذه الفئة الكريمة التي قدرتك وأعطتك جزءاً من حقّك، أصبحت معروفة لديّ بأسمائها وآرائها، وأنا بحاجة الى مثل هذا السجل التوثيقي.
   وعلى الرغم من مرور عشرة أيام، فإن رسالتك المضمونة لم تنتهِ إليّ بعد. ولربما تقوم برحلة سياحية بين الأيدي والأنامل الكثيرة التي تفحص وتدقق، وسوف ينتهي بها المطاف الى الشاطىء، وقد ترسو سليمة معافة، أو عليلة مهشمة.
   عدد مجلة "الوفاق" الأخير طافح بالمواضيع القيّمة، والابداع في الشعر والنثر، وكذلك العدد الذي سبقه.
   اخترت من الأول رائعتك "صدّقيني يا بهيسة" ونشرتها في "الثقافة"، وسوف تنشر في جريدة "حمص". وكذلك مقال الشاعر الكبير الاستاذ نعيم خوري عن الشعر والشعراء، نشر في نفس العدد، وسوف ينشر أيضاً في جريدة "حمص". 
   كذلك، اخترت قسماً كبيراً من محاضرة الأديبة الكبيرة صاحبة القلم المتفتّح والفكر الحر الدكتورة سمر العطّار، عن دور المرأة في الحرب والسلم في المجتمع الأبوي، وسوف تنشر في عدد "الثقافة" الأسبوع المقبل، وفي جريدة "حمص"، واذا أمكن، أكون شاكراً، اذا بعثت الدكتورة إليّ بسيرتها الذاتية، وبصورة لها، وبنسخة من روايتها "لينا، لوحة فتاة دمشقية"، لكتابة دراسة عنها في الثقافة، لاسيما وقد حظيت باهتمام الأدباء والمثقفين، وتدارسوها بما تستحق من الثناء والتقدير.
   تفضّلت علي بهالة من أنوارك، وغمرتني بفيض من شعاع شمسك، وهذا وسام لي، فألف تحية وألف شكر.
   وكما قلت لك في رسالتي السابقة، سوف أتابع نشر لواء الأدب المهجري في أستراليا، وتعريف القارىء العربي على هذه النخبة الكريمة التي تعتز بها العروبة وتفاخر.
   إنني أفاخر بك، يا أخي، باعتبارك من شعراء العرب المبدعين، ولا يقف شعرك عند حدود لبنان، بل يمتد الى كل الساحات العربية، ولعلّ الايام تعطينا "القروي" الجديد المؤمن بقوميته العربية، وبوحدة أمته من المحيط الى الخليج، فيملأ دنيانا ألحاناً وأنغاماً.
السويداء في 18/1/1987
**
إلى أديب عربي في أستراليا
   خمس دراسات اصدرها الكاتب الاديب كلارك بعيني من القطر العربي اللبناني الشقيق، والمغترب في أستراليا، تحوي ثمرة أقلام الأدباء والكتّاب العرب في أستراليا، ورؤيتهم النقدية في شعر الشاعر العربي اللبناني المغترب في أستراليا شربل بعيني.
   ولم تكن الغاية من هذه الدراسات الخمس، والسادسة سوف تخرج الى النور قريباً، التبشير بولادة شاعر عربي، أطلّ على الحياة من جبين الفجر في لبنان منذ عدة سنوات، وراح يصدح بشعره الغنائي بالفصحى والعامية، في ذلك المغترب النائي، وبتدفق الحنين الى الوطن من قلبه المدنف، واضعاً آلامه وشوقه في غربته عبر القصائد الرقيقة الشجية.
   أجل، لم تكن الغاية من نشر هذه الدراسات، والانفاق عليها بسخاء، من أجل كتابة اسم الشاعر شربل بعيني في قائمة الشعراء المهجريين المبدعين، وانما كتبت، ونشرت على نطاق واسع، كي يقرأ أبناء العروبة في أستراليا، وفي بقية البلاد العربية، الانتاج الادبي الرفيع المستوى، في كافة ألوان الأدب والفكر، الذي يبدعه المغتربون، وفي مقدمتهم رئيس وأعضاء رابطة إحياء التراث العربي في أستراليا، الذين يعيدون مسيرة الرابطة القلمية في أميركا الشمالية، والعصبة الاندلسية في أميركا الجنوبية، وكأنهم في شعرهم ونثرهم وفكرهم امتداد لأولئك النوابغ الذين جددوا في الشعر والنثر، وأنشأوا مدرسة أدبية جديدة لا تزال أعمدتها عالية وشامخة وخالدة حتى الآن.
   وليس الأديب كلارك بعيني الوحيد الذي نهج مثل هذا المنهج في خدمة الادب العربي ورفع رايته، ونشره في الساحة العربية، بل سبقه كثيرون من كتّاب العربية، وأرخوا للفكر والادب بأساليب ومناهج مختلفة، لأن رحاب أدبنا واسعة الارجاء، جزيلة الاخصاب، متعددة الالوان.
   لقد كتب أدباء العربية في أستراليا عن شربل بعيني، الشاعر الفنان، الفصول الطوال، وكانت كلها أضواء خضراء مشرقة، لا سيما دراسة كل من الأدباء محمد زهير الباشا وكامل المر وبطرس عنداري، وبيّنت هذه الدراسات الكنوز الأدبية العربية الدفينة في أستراليا، وما يدور في هذا المجتمع من شؤون وشجون، وما يعتمل في داخله من نشاطات واتجاهات.
   والادب تعبير عن رؤية الكاتب بما يدور حوله، إذ انه يشعر بها أكثر من غيره، ويعبّر عنها بصورة شفافة تنطبع في نفس المحيطين به، وتفرض آثارها على كل شرائح المجتمع.
   وكل عمل أدبي يصبح صحيحاً ومشروعاً إذا صوّر جانباً واقعياً من الفترة التاريخية التي عاش فيها الكاتب، وتزداد أهمية العمل الأدبي بقدر رسوخ أصوله في وعي العصر الذي كتب فيه، وعلى قدر تصوير الكاتب لهذا المجتمع الذي يحيط به تصويراً فنياً غنياً في واقعته، يكون أثره وتأثيره في الترسيخ والبقاء.
   والشاعر شربل بعيني يحتضن هذا الأدب، وينفق عليه بسخاء، ويعمل لنشره في الأقطار العربية، على الرغم من الغلاء الفاحش في الطباعة، وفي التوزيع، لأنه يعيش ليكتب لا ليكسب، وكأنه ينشد دائماً أغنية الشاعر الفرنسي بيرانجيه:
"أنا لا أحيا إلا كي أنظم أغاني
فإذا انتزعت مني مكاني، يا سيدتي
فإنني سأنظم أغاني كي أحيا".
   وبهذا عبّر عن سقوط الشاعر إذا أصبح شعره بالنسبة له وسيلة لكسب المال.
   وفي عصرنا هذا، سقط كثيرون من أساطين الشعر وفحول الكتّاب في هوة سحيقة، لأنهم غرقوا في وحول المادة، وسخروا أدبهم للتكسّب.
   أخي كلارك، سلمت يداك التي كتبت، وتباركت روحك النيّرة التي أوحت.
الثقافة السورية، السنة 22، العدد 17، 5/5/1990
**
أنبياء وشعراء
   تلقيت بطاقة الدعوة التي تعلن قرار الجالية العربية في أستراليا، بكافة هيئاتها وأنديتها ومنظماتها الأدبية والاجتماعية، عن اقامة مهرجان أدبي كبير في مدينة سيدني الاسترالية تكريماً لكم بمناسبة اليوبيل الفضي الذي تحييه لكم لمرور 25 سنة على صدور أول ديوان شعري من نظمكم خرج للنور، وكان القبسة الأولى التي أضاءت حياتكم بالعطاء الأدبي المتميّز.
   ومن حقّ العربية أن تفاخر بولادة شاعر جديد في هذا المنقلب البعيد من العالم، يجسد الحرف العربي، ويعلي الكلمة العربية، ويملأ الأجواء صداحاً وتغريداً.
   ولو لم يكن الانبياء أنبياء.. لما كانوا إلا شعراء.
   مقولة أدبية مشهورة وردت في كتب الادب منذ زمن بعيد.
   فالشاعر هو ضمير الامة، وقلبها الخافق، وصوتها المدوي، ومصباحها المنير.
   وعندما يولد شاعر جديد نحس بأن عبقرياً جاء الى هذه الدنيا، يحمل بين يديه مشعلاً، وترتسم على شفتيه آيات، ويشع من عينيه نور.
   وتشترك الطبيعة بهذه الولادة، فيزهر الورد، وتورق الاشجار، وتحتفل السماء بالنغم الساحر، وتنتشر الرسالة، ويضوع شذاها في كل دروب الحياة.
   وأكبر حافز للوثوب الى الأعالي، وأعمق صيحة للتضحية والفداء، هي الكلمة المجنحة، الرافلة بوشاح العزة والكبرياء، المستنفرة كتائب الثائرين الى حلبات الصراع من أجل الحرية والسيادة.
كم أمة خسرت حرباً فأنهضها
مع الرصاص نشيد يرفع المحنا
   وأنت، يا شاعر الغربة الطويلة، امتشقت حسام الدفاع عن الفكر والأدب، وارتديت عباءة العطاء الأمثل لخير الانسانية والمجتمع، وأصبحت ذلك الصوت الشجي في بلاد الأعاجم المعبر عن جمال الكلمة العربية، وطويت اثنين وأربعين صفحة من كتاب العمر، منها خمساً وعشرين في العطاء الأدبي المتميز، ولم تقتصر سيرتك على لون واحد من ألوان الكلمة، بل كان عطاؤك جميلاً في الشعر والنثر والمسرحية.
   هذه المؤلفات القيّمة التي كتبتها بحبر دمك، وزيّنتها بحبّات قلبك، وذرفات دموعك، وتزرعها في جبين الأفق أوزاناً حلوة، وصوراً مشعة، وقوافٍ حانية.
   انك لم تقدم على انتقاء رفيقة الحياة، لتكمل بها الشخصية الذاتية، على الرغم من انقضاء هذه السنوات الطويلة والعنيفة في عمر الانسان، بل اخترت أن تبقى في رحاب الروح والفكر، تجزي الأدب والانسانية والحضارة، بما تزخر به هذه الروح من صوفية ومثالية وانارات.
   ولا أدري اذا كانت هذه الصوفية، أو هذه الهبة الالهية، تستمران في تحنيطك في قوالب الأدب والفن، أم أنك سوف تعود لمحاسبة الذات، فتثري، بعد طول المطاف، زوايا البيت، وتقول "أكبادنا تمشي على الأرض"، كما أثريت دنيا الأدب والفكر بالابداع، لأنك خلدت اسمك في سدرة المنتهى، وصنعت موسوعة بليغة مشرقة يفيد منها ابناء الاجيال الصاعدة، وأخشى عليك أن تنسى نفسك بين هطل المداد وصرير القلم، ولعلي أبرق اليك في القريب العاجل: هنيئاً ضلعك الثاني.
   كم كنت أتمنى أن أكون شاهداً في هذا التكريم لأنشد مع الحاضرين قصائد التهنئة باليوبيل الفضي، ودعاء العمر الطويل، مكللاً بتاج الصحة والصفاء، حتى تبلغ صدر اليوبيل الذهبي.
   مع بريد هذه الرسالة ثلات حلقات من "أبطال منسيون" ونسخة من "الثقافة" وفيها خبر تكريمك.
السويداء في 20/11/1993
**
انتظار في السويداء
   كم كانت فرحتي عارمة، عندما انتهت إليّ مجموعتك الشعرية "مراهقة" الطبعة الثالثة، وفيها خبر زيارتك السويداء، بعد عدة أسابيع، وفي نهاية الدعوة الموجهة اليك من احدى الدول العربية. 
   هذا الخبر أفرحني، وجعلني أنتظر بشوق ولهفة الساعة الجميلة الحلوة التي ألتقي فيها بأخ حبيب، عزيز على قلبي، محبب الى نفسي، فعاطفتنا الرقيقة متلاقية، وقلبنا الخافق موحد، وأرجو أن تعلمني مسبقاً عن موعد وصولك للسويداء، ومن الطبيعي سوف تمر في دمشق، وعند وصولك دمشق، تخاطبني هاتفياً للسويداء، وتخبرني عن مكان وجودك، وأنا أكون في البيت دائماً من بعد الظهر حتى صباح اليوم الثاني.. ولقد أصبحت بانتظار عناقك وتقبيلك، والترحيب بك. أرجو أن يتحقق الحلم.
   أرسلت اليوم الى الدكتورة سمر العطار عدد مجلة "الثقافة" الشهري، الذي نشر فيه مقال الاستاذ محمد زهير الباشا حول رواية "لينا.. لوحة فتاة دمشقية".
   قد يطول الجدل بيننا حول الشعر الفصيح والشعر العامي، وأنا أتفق معك بأن الشعر الجيّد يبقى شعراً، ولكنني أختلف معك من ناحية خلود هذا الشعر، وبقائه عائشاً على مرّ الأجيال. ولنا جولة طويلة عند اللقاء حول هذه المواضيع.
   أنا بالانتظار أعد الأيام والساعات، مع قبلات حارة.
السويداء في 7/10/1987
**
انسانية فائضة
   لا أحب المديح، لي أو منّي، ولكنني الآن مكره على مديحك والثناء عليك، والاعجاب بك، وبمواهبك، وبإنتاجك، وبإنسانيتك الفائضة، وبمبادئك التحررية من كل نزعة طائفية أو مذهبية.
   فكم أدهشني "مناجاة علي"، وكم أغراني عمقك ورؤيتك، وأنا من المؤمنين بالانسانية المجردة البريئة بكل مفاهيمها ومعانيها، والكارهين للمذاهب والأديان، ولكنني أقدّس الامام علي كرّم الله وجهه، لأن تاريخه الناصع يشهد له بانسانيته، وتعبّده في كل هياكل ألأخلاق، من صدق ونزاهة ومعرفة، والتمسك بكل القيم العليا، وعدم الانحراف عن الصراط المستقيم مهما كانت الظروف والمناسبات، وعظمته في فلسفته وعلمه وفكره. انني أقدسه وأتعبّد في محرابه.
   قدّمت نسخة من "مناجاة علي" الى العلامة الدكتور عبداللطيف اليونس، وأرجو أن يعطي هذا المؤلف حقّه من البحث والتقدير والوصف، ولن أتأخر عن كتابة دراسة عنه وعن انتاجك الأدبي واغنائك المكتبة العربية بالابداع.
   الطرد البريدي استلمته سالماً، ونشرة الرابطة قرأتها كلها، جاءت خالية من وصف حفل توزيع الجائزة، ولكن من برنامج حفل التوزيع المسجل فيها، استوحيت هذه الكلمة، ووزعتها على كافة الصحف، ومن جميل الصدف أن يكون زكي قنصل في دمشق، وكل يوم تقام له حفلة تكريم، أو أمسية شعرية، في دمشق وغيرها من المدن. وسوف يأتي دور زيارته للسويداء والاحتفاء به. سلمت عليه في دار شقيقه، ومن ثم التقيته، وذكر الرابطة وأعضائها ومكارم أخلاقهم على شفاهنا ونطقنا.
   روائع في الأشرطة لا توصف، وجمالات في المسرحيات تبلغ القصوى، سأكتب عنك الكثير الكثير يا حبيبي شربل، لأنك نذرت نفسك للأدب والفكر والانسانية، وتربعت في صدارة الاخلاص والوفاء والابداع.
   أرجو أن ترسل اليّ نسخة عن كل ما قيل في حفلة توزيع الجائزة لنشرها، لأنه بفضلك وفضل الأخ أكرم المغوّش، ورئيس وأعضاء رابطة احياء التراث العربي في أستراليا، أصبحت هذه البلاد في قمة التاريخ، والعرب في أستراليا في مقدمة المغتربين العرب في كل أنحاء المعمورة. واني أؤمن بأنه سيأتي يوم تزورون واخوانكم العرب سورية فنتعارف ونحتفل، ونستعيد هذه الذكريات.
   تحيّتي الحارة الى السيدة الوالدة.
السويداء في 3/2/1992
**
أي رسول انت؟
   انتهت الى مجلة "الثقافة" نسخات الجرائد التي نشرت وصف الاحتفال الرائع الذي أقيم في سيدني بتاريخ 9/12/1990، لتوزيع الجوائز على الفائزين، كما وصل شريط الفيديو، والنسخة المطبوعة لقصيدة الشاعر الملهم الكبير نعيم خوري.
   أنباء الاحتفال أوجزتها في العرض الذي كتبته في "الثقافة"، وهو مرسل مع بريد هذه الرسالة.
   خطاب السفير لطيف ابو الحسن سأنشره في العدد المقبل بكامله مع مقدمة.
   قصيدة الشاعر المبدع نعيم خوري، سينشر قسم منها مع مقدمة تتفق وعظمة هذه القصيدة في العدد الذي يلي، وسوف تطبع بصورة مستقلة، وتوزع على الادباء في القطر.
   شاهدت شريط الفيديو المتضمن نقل صورة الاحتفال، وكان شريطاً ناجحاً في توضيح كل حركة في الاحتفال. وشاهدت الأدوار التي اضطلعت بها، وجهودك المشكورة، وكرمك الحاتمي، وشعرك الرائع، وهذه كلها شاهدة على الدور الرئيسي الذي يقوم به الشاعر شربل بعيني، على كافة الصعد.
   ان شربل يعطي من روحه لاضاءة قناديل الشعر والفكر، ويعطي من عرق جبينه، وبسخاء، وبتضحية، كل الوقود التي تشعل مصابيح الأدب والوطنية.
   انه يقدم من تعبه مواد البناء، ويشمر عن ساعديه ليكون أول البنائين في قصر الثقافة والتراث العربي الماجد.
   يعطي من روحه وعقله كل دفقات الابداع، ومن كل الألوان، ويقدم من تعبه كل نفقة لنشر هذا الابداع، لا يستقل به لوحده، ولكنه يتساوى مع غيره في الدفقات الشفافة، التي يتلقفها المجتمع العربي في أستراليا، وان جاءت كلها على حسابه وعلى عرقه.
   فأي رسول هذا الوافد الى أقصى المغتربات كي يعيش براحة وطمأنينة، ينذر نفسه وماله وتعبه لاعلاء شأن الكلمة، وترسيخ المحبة في قلوب القوم، وبذر حبوب الانسانية في سهول الحياة العربية الواسعة في المغترب الاسترالي؟
   انه شربل بعيني، الشاعر المبدع، والانسان المثالي، ولا أخشى عليك وعلى الناس من إثارة روح الكبرياء والتعالي والغرور، فقد لمست وشعرت وانا أشاهدك في الحفلة، في غدواتك، وفي حركاتك، براءة الطفل، وتواضع الحكماء، وسخاء الطائي، ومن يكون مثلك يا شربل، يؤمن بالله، وبالانسانية، وبكل المثل العليا، فانني أنتظر له محبة كل الناس، والارتقاء بالكرامة والاحترام الى المدى البعيد، وبالعطاء المتكامل حتى مرحلة الخلود. فاكرم بك من انسان يختزل الزمن، وينأى عن السفوح، وسوف يبلغ القمة.
   أخي شربل..
   لقد أصبحت جائزة جبران من الجوائز العالمية، وأصبحت سمعتها، واهدافها، والاعجاب بإيحائها، تشمل بقعة كبيرة في الوطن المقيم، وفي المغترب البعيد، وقد تنقل عن الرابطة هذه الطريقة المثلى لتخليد الأدب والأدباء. ولديّ ثلاثة أسماء أرجو أن تبقى مكتومة بيننا، لأنني كتبت الى الأخ كامل المر، وأبديت مثل هذا الاقتراح، وأعلمته انني أنتظر موافقته على الترشيح قبل أن أسميهم. أما بالنسبة لك، فلا تحفّظ بيننا، والأسماء هي: الشاعر الكبير زكي قنصل، وهو رئيس ندوة الأدب العربي في الارجنتين، والشاعر الكبير شفيق عبدالخالق رئيس عصبة الادب العربي في البرازيل، والآنسة نهاد شبوع، الأديبة الكبيرة، والمعيدة في قسم الادب العربي في حمص الجامعة، ورئيسة رابطة المغتربين العائدين الى القطر.
   فهل توافقني على طرح هذه الاسماء عند بحث موضوع منح الجائزة؟
   وأعود لأقول لك، بصدق، ان جائزة جبران التي تقترحها الرابطة كل سنة، أحدثت دوياً في المجتمعات الأدبية والفكرية.
   لم أشاهد الأخ أكرم المغوّش في مهرجان توزيع الجوائز، فهل هنالك أسباب مانعة؟
   أطلت عليك الاسئلة في هذه الرسالة، فهل أتلقى جوابها قريباً؟
السويداء في 10/3/1991
**
بوركت يا شربل
   كتبت إليك منذ أسبوعين من وصول الطرد البريدي اليّ، وعن محتوياته التي تشبه وشوشة الزهور في الحديقة الغنّاء، تفوح منها العطور، ورائحة البيلسان، وتندلق منها أقنية الطيب والعنبر، وتتصاعد موجات الحنين الى الوطن، ومحاكاة الاهل الاعزاء الغائبين عن العين، الجالسين في القلب.
   مزاميرك العشرون لا أروع ولا أصدق، وايمانك بالانسانية سيرة وعملاً، لا أنبل ولا أشرف، وارتهان حياتك بالانتاج الفكري وإغناء المكتبة العربية بمؤلفاتك من شعر ونثر ومسرح، يرتفع الى القمة.
   بوركت يا شربل، وبورك قلمك، وبوركت روحك الانسانية، ومبادؤك الشريفة، ولا عدمتك العربية شاعراً مجيداً، وعضواً كريماً في مجتمعها المنظور.
   قدّمت كتابك "مناجاة علي" الى العلامة الدكتور عبداللطيف اليونس، الموجود في دمشق، وقد سألني عنك، فأجبته بمواصفاتك، ووعدني في كتابة مقال حول مؤلفك هذا، وهو سيّد من يمسك القلم،  ورسول الأدب والوطنية الى المهاجر الجنوبية. أسس صحيفة "الانباء" في البرازيل، وانتقل الى الارجنتين، فأسس جريدة "الوطن"، وما تزالان تصدران. وألّف الكتب الأدبية والاجتماعية، ومن قراءة مؤلفي عنه، تدرك من هو عبداللطيف اليونس.
   نشرت الصحف في دمشق اليوم خبر منح الشاعر الكبير الاستاذ زكي قنصل جائزة جبران لعام 1991 المقدمة من قبلكم. الكلمة جاءت مقتضبة. وفي "الثقافة" سأنشر قرابة صفحة عن هذه الجائزة، وعن رابطة احياء التراث العربي في أستراليا، وأنتظر منك صورة عن كلمة زكي قنصل وتاريخ حفل توزيع الجائزة.
   الاستاذ زكي قنصل في دمشق، وسوف يقضي الى آخر آذار في سورية، سلمت عليه مع فريق من أعضاء "الثقافة"، وسوف يزورني في السويداء.
   تحياتي القلبية، والى لقاء قادم في رسالة قريبة.
السويداء في 15/2/1992
**
ترشيح للجائزة
    أخي وحبيبي وشاعري شربل بعيني
   تحية..
   تسلّمت اليوم رسالتك. وهذا هو الكتاب الفخم الذي ألفته عن الرجل العظيم الدكتور عبداللطيف اليونس، وعندما تقرأ محتواه، تعرف من هو هذا الأديب الكبير الذي يعد بحقّ من أعمدة الأدب العربي في المهاجر الأميركية في هذا العصر.
   وأرى أن تكون الأولوية في منح جائزة جبران الأدبية لأولئك الذين خدموا وأعلوا شأن الأدب المهجري، وعبداللطيف اليونس في الطليعة. ألا يمكن الاضافة؟ ألا يمكن التبديل؟ وأرجّح الاضافة، ولا نعلم في السنة المقبلة ماذا يحدث لنا.. وخير البر عاجله.
   أنا أعتبر نفسي من أفراد "رابطة احياء التراث العربي في أستراليا"، ولا أغالي اذا أعلنت أنني أعتز بهذه الرابطة، وأفاخر بأعضائها الذين يحملون لواء الحرف العربي والحضارة العربية في بلاد الاغتراب.
   أرجو ألا أكون قد أزعجت الاخوة بطرح اسم الدكتور اليونس، ويحق لأهل البيت أن يقترحوا المناسب لاعلاء جدران هذا البيت، ولست الا واحداً منهم. وتحيّاتي للجميع.
السويداء 19/8/1991
**
تطلعات كثيرة
   تلقيت رسالتكم الأخيرة، وفيها نسخة من جريدة "النهار" التي نشرت حواركم مع الأخ أكرم المغوّش، وقد جاء حديثكم عن مسيرة الأدب العربي في أستراليا، ونظرتكم المستقبلية في احياء هذا الأدب وتطويره، وعقد الندوات حول بعض أعلامه، شاملاً وممتعاً، وهو يدل على اطلاعكم وتفانيكم في تعزيز الكلمة، والحفاظ على الحرف العربي، فحيّاكم الله، وأبقاكم ذخراً للأدب واللغة.
   أما ما تفضلتم به عن نشاطاتي نحو هذا الأدب، فإن مصدره المحبة والوفاء "وعين المحب عن كل عيب كليلة"، فأنا أعتبر نفسي من أولئك الذين يقومون بواجب وطني، ويحملون رسالة الاسهام في اعلاء شأن الأدب، وتعريف القارىء العربي على أبنائه الغيّب، الذين يضحّون في سبيل أمتهم ووطنهم ولغتهم. وسوف ينشر حديثكم في عدد "الثقافة" المقبل كما ورد.
   ولقد سرني خبر اقامة ندوة أدبية حول أمير الشعراء شوقي، ومن الطبيعي أن تكون هذه الندوة قد أقيمت، وقد اتفقت مع الاستاذ مدحة عكاش على نشر ما قيل فيها في عدد خاص من المجلة الشهرية، لذلك أرجوك إرسال كل ما قيل، مع وصف الحفلة، لاصدار العدد باسم ادباء أستراليا، على أن يكون ذلك في القريب العاجل.
   لا نزال في صدد الدراسة حول رواية الدكتورة سمر العطار، وعند استكمالها سوف أعقد ندوة أدبية في منزلي لقراءة ما كتبه الأدباء في دمشق والسويداء، ومن ثم سأرسله بكامله الى "الوفاق" لتختار نشره.
   لديّ تطلعات كثيرة حول نشر وتعميم الأدب العربي في أستراليا، وتعريف القارىء العربي على النخبة الأدبية في هذا المهجر، وسوف يكون الحديث عنكم مفصّلاً في لقائي مع الاستاذ علي عقله عرسان رئيس اتحاد الكتاب العرب، وعما اذا كان من الممكن تنسيبكم أعضاء في الاتحاد. وبذلك نكون قد اجتزنا خطوة ممتازة، وأقمنا جسراً قوياً يكون له شأنه في المستقبل، لأن مؤسسة اتحاد الكتّاب العرب من أكبر المؤسسات الأدبية في البلاد العربية كافة.
   الأستاذ مدحة عكاش يقريك تحيّاته، وقد أعلمني بأنه سيبعث ديوانه "يا ليل" الى كل أدباء أستراليا هدية.
   أرى من المناسب، على الرغم من التكاليف البريدية الباهظة، ارسال مجموعاتكم الى السادة: مدحة عكاش، محمد زهير الباشا، عيسى فتوح، حسين حموي، مفيد نبزو، وعبدالله يوركي حلاق.
   ان هؤلاء الادباء المعروفين سوف يتلقون انتاجكم بكل تقدير، ولن يتأخّروا في الكتابة عنه. وأرجو أن يكون الارسال بالبريد المضمون.
السويداء في 14/7/1987
**
تكريم
   انتهت الي منذ أسبوعين مجلة "المناجاة" المرسلة الى الدكتور عبداللطيف اليونس، وقرأت ما جاء فيها من أنباء سارة عن عزم الجالية العربية اقامة حفل تكريم لكم بتاريخ 7/11/1992 لمناسبة صدور دوانكم الرائع الأخير "مناجاة علي"، وأنتم جديرون بهذا التكريم، وأهل لهذا التقدير، لأنكم أسبغتم على قصائد هذا الديوان ما تكنّه نفسكم الشريفة، وما يحمله قلبكم من نزعات إنسانية صادقة، نحو شخصية تاريخية ندر مثيلها في العالم. وأرغب أن تبعثوا اليّ وصفاً مسهباً عن هذا الاحتفال لنشره على صفحات مجلتكم "الثقافة".
   وكم أسعدني قرار "رابطة احياء التراث العربي" منح الدكتور العلامة عبداللطيف اليونس جائزة جبران العالمية لهذا العام، وبناء على ترشيحي له.
   انكم والاخوة الأفاضل أعضاء الرابطة قد أضفتم الى مآثركم الغراء مأثرة جديدة، كان لها أعظم الأثر في قلوب ونفوس عارفيه الكثر في سورية والمهاجر، والذين يعتبرون هذا التقدير هو لكل اديب ومفكر على امتداد وطننا العربي.
   ان النخبة الكريمة من الأدباء الذين تألفت منهم الرابطة في هذا المغترب النائي، تحتل مكانها الأسمى في مجتمعنا الأدبي والوطني، وبها تعتز العروبة، وبها يفاخر الوطن، وبها تشمخ لغة الضاد، وبها يخلد تراثنا، فأكرم بأعضائها، وأنعم بهذا العطاء الأمثل.
   أعلنت وسائل الاعلام المسموعة، والمقرؤة، والمرئية، عن منح هذه الجائزة، ومن المنتظر أن يقام للدكتور اليونس حفلة تكريم، يسلم فيها الجائزة بعد وصولها من يد وزير الثقافة، وتلقى فيها كلمات وقصائد من أدباء معروفين، وستكون كلمتي في هذا الاحتفال عن الرابطة في أستراليا، ودورها الرائد في الحفاظ على التراث والأدب واللغة.
   تحيتي الحارة لكل الاخوة، رئيس وأعضاء الرابطة، الذين حملوا الراية العربية، وعززوا الادب واللغة، داعياً الى الله أن يأخذ بيدهم لما فيه خير العروبة، ومجد الانسانية، وعزة الوطن.
السويداء في 9/11/1992
**
تهنئة
   تسلمت رسالتك الأخيرة التي ترفل بالفل والياسمين، ويفوح من ثناياها الشذى المعطّر، والمحبة النقية الصافية، ولا غرو أن تضوع من سطورك التي تكتب كل معاني الوفاء، وهذه سيماء الملهمين أمثالك.
   أشكرك على تهنئتك لي برئاسة فرح الاتحاد في السويداء، وأرجو أن أساهم في رفع وتيرة العطاء بين أدبائنا، وان يزداد العطاء الأدبي في هذه المحافظة.
   أطلعت في رسالتك على تكليف الهيئة الادارية لرابطة احياء التراث العربي في أستراليا، وقد نشرت كلمة في العدد المرفق عن الهيئة الادارية الجديدة، ولمحة عن الرئيس الجديد، مربي الأجيال، وأستاذ الفكر والمعرفة، الأخ فؤاد نمور، وهذا ما عرفته عنه من خلال ما كتب عنه في "شربل بعيني بأقلامهم" للأستاذ كلارك بعيني، ولا شك بأن الاستاذ نمّور سوف يحمل الرسالة الثقافية التي أسسها ورعاها الأديب الكبير الاستاذ كامل المر.
   ونحن نؤمن بأن "الرابطة" في حلّتها الجديدة، ستزيد على مآثرها السابقة، وتواصل بناء الجسور بين المغتربين والمقيمين.
   إني أقدم للاستاذ فؤاد نمور تهانيّ الحارة، والى الاخوة بقية أعضاء المكتب الاداري، وسيبقى أمين سرّها شربل بعيني في مكان القلب والروح، وفي قمة العطاء والابداع والتجديد.
   أرسلت اليك حلقتين "أبطال منسيون" وكلما صدرت حلقة سوف أوافيك بها.
   بالمصادفة، كان الأخ الحبيب مفيد نبزو في السويداء، واطلع على هذه الرسالة، ونفى وصول اي رسالة منك، كما أن الحلقتين 6 و7 من مؤلفات الاستاذ كلارك عنك لم تصلا اليه. وكذلك مقال ريما الرحباني ابنة فيروز، وهو يهديك أحر التحيات والسلام.
   الف قبلة من أقرب الناس الي، روحاً، وفكراً، وعاطفة.
السويداء في 27/6/1993
**
حبيبي شربل
   في هذا اليوم، زالت كربتي، وانفرجت أساريري، وذهب عني القلق الذي لمّحت إليه في رسالتي الأخيرة للأخت سمر العطّار، بسبب انقضاء مدة زمنية طويلة على ارسالي كتابين مسجلين لك، واعتقادي باحتجازهما، ضارباً أخماساً بأسداس، ولكن وصول الطرد البريدي اليوم مع رسالتك التي توضح لي فيها عن وصول رسالتي اليك، قد أزال عني الحسبان والاستنتاج.
   أشكرك على هديتك "ألله ونقطة زيت"، قرأت المقدمة الرائعة التي كتبها سيادة المطران عبده خليفة رئيس الأساقفة في استراليا، وتتجلى فيها روح سيدنا ابن مريم، وتعاليم الناصري بدعوة البشر الى المحبة والتسامح والصلاح. وإن شاء الله، اذا وافق المسؤولون عن النشر، سأنشر هذه المقدمة، مع الاشارة الجديرة بالديوان الجديد، على أن يكون باسم رئيس أساقفة العرب في أستراليا، لأنني أسمو بهذا الحبر الجليل الى ما فوق الاديان والمذاهب.
   تنشقت في كتابك رائحة الله، وأعجبتني استشهاداتك بآيات من الانجيل والقرآن، وأقوال الرسل والأنبياء والأئمة، وهجومك على اليهود الذين صلبوا السيد العظيم، وكأنك تقضي ليلك في التعبّد والركوع أمام السيّدة العذراء، فإذا كان ذلك من أجل العبادة والخشوع فبوركت النفس النقية الطاهرة. أما إذا كان ذلك من أجل الاصلاح والخير والمحبة بين بني البشر، فبوركت الدعوة الصادقة الصالحة، وفي كلتا الحالتين كنت مجلياً، ولم يعد ينقصك سوى ثوب الكهنوت، وعصاة الاحبار الاجلاء، وعمائم مشايخنا الاجاويد، فتكون موزعاً بين كل الأديان السماوية، ودين الله واحد ولو تعددت المسالك.
   أنا أحب الله، جل جلاله، وأحب أن يكون الانسان أخاً للانسان، وأحب مجتمع المحبة والخير، وأن أعيش في مدينة الفارابي، ولكنني لا أهتم بالاديان، ولا أتمسك بها، متمثلاً بقول الياس فرحات:
أنت أخي ما دمت محترماً حقّي
آمنت بالله أم آمنت بالحجرِ
   حبيبي شربل..
   هذا بحث يطول، وجدل مطاط، يبدأ ولا ينتهي، فلنترك ما لله لله، وما لقيصر لقيصر، ولنعد الى موضوع اصدار الكتاب عنك بالاشتراك مع الأخ محمد زهير الباشا.
   أدعو لك من صميم قلبي أن تبقى بالصحة التامة، وأن تلاقي النجاح في عملك، وقد كرّست تعب يمينك وعرق جبينك لخدمة الأدب، وتعميم الثقافة، وإكساء الساحة الثقافية بالعطاء المبدع، وانارة الطريق أمام الضالين، وما أكثرهم، في كل مكان وزمان، وهذا الفيض الوافر من الانتاج الخالد خلال فترة زمنية قليلة يشير الى النبع الغزير الذي لا يتوقّف عن الدفقات العذبة.
   لقد قررنا، أنا والأخ محمد زهير الباشا، أن يكون الكتاب عنك برقم 11 من سلسلة "قبسات من الأدب المهجري"، ولقد بدأنا به، وأعتقد بأنه سيكون شاملاً، وان كنا نقتصر بالوصف والبيان، وأنت جدير بكل تقدير وثناء، ومواهبك يجب أن تصل بإبداعها الى أبعد مدى.
   لا شيء، يا أخي، يخلّد الانسان سوى هذا المداد الذي يكتبه على القرطاس، فهو يتكلّم باسم الانسان مدى الدهر، وينطق بلسانه، ما دامت الدنيا قائمة. لا بأس من التضحية بالمادة الزائلة في سبيل الخلود، ولكي تجد الأجيال الصاعدة صورة الماضي على مرايا صافية نقية.
السويداء في 17/3/1988 
**
حلم اللقاء في السويداء
   اليوم، تلقيت رسالتك المعطّرة، المؤرخة في 31/10/1987، مع قصاصة الجريدة التي نشرت كلمتك عنّي وعن "الثقافة"، وكنت قد تلقيتها سابقاً، وضمّت الى الملف الذي سيكون مدار عدد "الثقافة الشهري" الذي سيصدر في نهاية السنة عن صاحب "الثقافة" وجهاده في الحقل الأدبي والفكري طيلة ثلاثين سنة.
   أخي شربل..
   المسافات لا تقاس بين الاخوة الاحباء، وقد فسرت بأن ستكون بالسويداء، فغمرتني الفرحة، لأن كلمة "سأكون على مقربة منك"، تعني بأن اللقاء سيتم. أما أنت فإنك بالقرب مني دائماً، ولو بعدت عني بالمسافات، فأنت حاضر في قلبي وأعماقي، ولو كنت بعيداً في جسمك وصوتك.
   وقد أفرحتني دعوتك للاشتراك في مهرجان "المربد" هذا العام، وستكون باذن الله من المجلين بين أدباء العربية الذين سيشتركون في المهرجان. ويظهر أن هذه الرحلة ستبدأ في أواخر هذه السنة.
   ان حلم اللقاء في السويداء سوف يصبح حقيقة، ان شاء الله، لاسيما وان الارتحال الى عوالم جديدة تمد الشاعر والكاتب بعطاآت كثيرة، وتوسع آفاق معرفته، وتنمي الهامه وابداعه، وتزيد في خصوبة فكره ورؤياه.
   انني متعب هذه الأيام، فقد عكفت منذ شهر ونيّف على اعداد دراسة عن الأديب والسياسي والصحافي الدكتور عبد اللطيف اليونس، صاحب جريدة "الوطن" في الارجنتين، وصاحب المؤلفات العديدة في كل فنون الأدب والسياسة، وقد يزيد عدد صفحات هذه الدراسة على اربعمائة صفحة من القطع الكبير، فالرجل غني بكل هذه الألوان، واعتقد بأن الدراسة سوف تصدر في نهاية العام الحالي.
   عندما أستلم كتاب "شربل بعيني بأقلامهم" سأنقل احد مقالاته ومقدمته لنشرهما في عدد "الثقافة" الشهري.
   من الطبيعي أن أرسل كلمة شكر للرابطة لتفضّلها بمنحي جائزة "جبران خليل جبران"، وكذلك جائزة الأديبة أنجال عون، وقد نشرت الصحف البرازيلية عن هذه الجائزة، وقد تحتفل بوصولها اليها في مركز اتحاد الكتاب في البرازيل.
   أضمك الى صدري "عبطة برازيلية: واسلم.
السويداء في 2/11/1987
**
خدمة للرابطة
   منذ مدة كتبت إليك عن المقابلة التي أجريتها مع الشاعر العربي الكبير، متنبي هذا العصر، محمد مهدي الجواهري، وعن تسليمه الرسالة بالترشيح لنيل جائزة جبران العالمية من قبل رابطة احياء التراث العربي في أستراليا. كما أرسلت إليك، وفي نفس البريد، ديوان الشاعر جورج الشدياق، ولا أعلم اذا كانت هذه الرسائل قد انتهت اليك، لأن مسافة البريد شاسعة بيننا وبين أستراليا.
   وقد نشرت اليوم، في كل الصحف الصادرة في القطر، خبر هذا الترشيح، وأرسل اليك طيه قصاصة من جريدة "تشرين" التي نشرت الخبر بتاريخ 26/9/1993.
   واني لأرجو أيها الأخ الحبيب أن أكون قد أسديت خدمة للرابطة وللأدب العربي في أستراليا، وان تبقى مسيرة الرابطة الظافرة في الأوج، وقد يتنادى أدباء القطر بعد استلام الجائزة، لتكريم الجواهري، كما جرى للدكتور اليونس.
   مع بريد هذه الرسالة الحلقة الثالثة من سلسلة "أبطال منسيون"، وارجو ان تنال استحسانك وتأييدك في هذا المشوار الذي سيطول.
   كلمة الأديبة نجاة مرسي ستنشر في عدد "الثقافة" الأسبوعي، وسوف تصلها النسخة مع الحلقة الثالثة قريباً.
عبطة برازيلية حارة.
السويداء في 27/9/ 1993
**
خطوات جديدة
   في رسالتي الأخيرة التي بعثت بها مع أعداد "الثقافة" التي تحوي قصيدتكم، ومقال الشاعر الكبير نعيم خوري، ومن ثم عدد الثقافة الذي يحمل قسماً من محاضرة الأديبة الكبيرة الدكتورة سمر العطّار، كنت أعلمتك بأن جريدة "حمص" سوف تنشر هذه الأعمال الثلاثة، وهي جريدة واسعة الانتشار لاسيما في المهاجر الجنوبية.
   وقد تفضلت بنشر رائعتك "صدقيني يا بهيسة"، وقسماً من محاضرة الدكتورة العطار، وأرسل إليك مع هذه الرسالة العدد الذي حواها، على أن ينشر في العدد المقبل مقال الشاعر خوري.
   لا أزال أنتظر عدد "الوفاق" الذي صدر عن فقيد الادب الكبير المغفور له مارون عبّود، وسوف أنتقي منه ما كتب فيه لنشره في الجريدتين.
   اني لأرجو أن ينتشر الأدب العربي في المهجر الأسترالي على أوسع مدى في الأوساط الأدبية المقيمة. وسوف أقوم بخطوات جديدة، إن شاء الله، لنشر هذا الأدب الرائع، آملاً أن أوفق بتعميم ونقل نتاج الأدباء في أستراليا الى دنيا الأدب الواسعة الممتدة من المحيط الى الخليج.
السويداء في 9/2/1987
**
دراسة وتخليد
   تلقيت يوم أمس الطرد البريدي الذي يحوي نسختين من كل من الاصدار الجديد "شربل بعيني بأقلامهم 5" و"معزوفة حب"، وطبعة من مجموعة "يوم محمد زهير الباشا"، وقد وصل الكتابان الى الأخ برجس المغوّش.
   قرأت رسالتك المكتوبة على صفحات احد الكتب، ودهشت لعدم وصول جوابك على رسالتي التي بعثت اليك بها منذ سنة تقريباً، وفيها أعلمك عن استعدادي لارسال الدراسة التي هيّأت عناصرها عن شعرك الجميل الرائع، على أن تكون تابعة لسلسلة "قبسات من الأدب المهجري" لطباعتها في أستراليا، لأنه يتعذر علي الطباعة عندنا لغلاء أسعار الطباعة وفقدان الورق أكثر من ألف بالمئة. وانتظرت الجواب، وتأثّرت لعدم وروده، واعتبرت نفسي فضولياً باهتمامي بهذه الدراسة طالما أن صاحب الدراسة لا يكلّف نفسه عناء الرد على رسالة لأخيه الذي يريد تخليده، وتعريف القارىء العربي على بلبل غريد يصدح في ديار الغربة بأجمل الالحان. حتى وردتني رسالتك الأخيرة في صفحة كتابك، وأنا لا أشك في قولك، وكنت أتمنى أن ترسل الرد بالبريد المضمون، وأن تكون المراسلة بيننا بواسطة البريد المضمون، ويظهر أن أوضاع البريد بين بلدينا خاضعة لممارسات عديدة، ولا توحي بالثقة.
   شكراً لكم على "يوم محمد زهير الباشا" وما قيل فيه من نثر وشعر بلسان الادباء، وقد كتبت عن هذا اليوم في "الثقافة" ولسوف يصلك العدد الذي ينشر فيه.
   هل يمكن أن تتفضّل بإعلامي عن الصحف والمجلات العربية الصادرة الآن في أستراليا، لأنني سألقي محاضرة في مكتبة الأسد، وفي المركز الثقافي في دمشق، وفي اتحاد الكتاب العرب، عن الحركة الثقافية العربية وعن الأدب في أستراليا، وسيكون لك نصيب في هذه المحاضرة، ومن الضروري معرفة الاصدارات الأدبية من صحف ومجلات وكتب.
   تحيّاتي لكل الاخوة في رابطة احياء التراث العربي وخصيصاً للدكتورة سمر العطار، وسأكتب لها غداً، وللأخ أكرم المغوّش.. والله يحفظكم.
السويداء في 5/2/1990
**
ذكريات قاتلة
   تحية الشوق والمحبة، وألف سلام معطّر يحمل أنسام الغوطة، وبردى، وهواء جبل "القليب" في جبل العرب، العليل الساحر.
   أكتب اليك بعد غربة عن الكتابة استغرقت سنتين ونيّف، ولكن غربة الكتابة لم تؤثّر على دفء العاطفة، وحنين القلب والروح، ولم تنزع منها جبال الشوق والوداد.. وقد جار عليّ الزمن، واختطف من بيتي ابني عادل، وهو في الخامسة والاربعين، في آخر يوم من كانون الأول سنة 1995، ثم اختطف من جانبي شقيقي الأكبر مني، في شهر كانون الأول عام 1996، ثم اختطف خلال عام 1997 ثلاثة شباب من أبناء العم. 
   هذه المصائب المتلاحقة كادت أن تفقدني ما أملك من صبر عليها، وتلجمني، بل وتوثق أصابعي عن الامساك بالقلم، لأنها أقوى وأعنف ما يستطيع الانسان أن يواجهه في حياته.
   قد يكون وضعي مخالفاً ولا يتفق مع العقل والمنطق، ولكنه قد طغى على كل مشاعري، وهذه أول رسالة أكتبها للاخوة الكثيرين في انحاء المعمورة، وكانت الاولى لك، بعد أن استعدت قواي الفكرية، وقررت أن أعود الى لقاء الاخوان المحبين، على صفحات القرطاس، وأنت في طليعتهم.
   أرجو ألاّ تحزن، وأن لا تكتب إلي كلمة رثاء، كي لا تعود الذكريات القاتلة، وكذلك مثل هذا الرجاء للأخ الحبيب أكرم المغوّش.
   يوم الخميس الماضي صدرت جريدة "تشرين" الدمشقية، وفيها حديث لي عن مؤلفاتي الجديدة، وعنوانها "أبطال منسيون"، ولدى الاطلاع عليها تظهر الغاية التاريخية من نشرها، وسوف أتابع مثل هذه الحلقات لاغناء الثورة السورية الكبرى التي نشبت عام 1925 ضد الاستعمار الفرنسي، ونشر هذه الحلقات في مسيرتنا التاريخية يوثّق الصدقية في حياة الأمة العربية النضالية.
   ولعل تجد لها مكاناً على صفحات "ليلى" الغراء، كما أتمنى أن أتلقى أعدادها الصادرة بعد عدد أيلول 1997، وهو الأخير الذي وصلني، لاسيما وانني في النتيجة سوف أقوم بتجليد الاعداد وضمها الى مكتبتي الغنيّة، والتي تزيد محتوياتها على ثلاثة ألف مجلد.
   انني بشوق لسماع أخبار الاخوة الادباء في أستراليا، وهم كثر والحمد لله، وأتمنى لكم أيها الحبيب، وللأخ أكرم، كل السعادة والمحبة مني بكل حدودها وأبعادها.
السويداء 21/4/1998
**
رسالة مفرحة
   تلقيت رسالتك الجميلة المفرحة المؤرخة في 1/9/1991، وكم سرني قراركم بمنح شاعر العروبة في أميركا اللاتينية الاستاذ زكي قنصل جائزة جبران العالمية، وكان اسمه في مقدمة الادباء والمفكرين الذين منحوا هذه الجائزة.
   ان الجائزة التي تقدمها "رابطة احياء التراث العربي في أستراليا" أصبحت من الجوائز المشهورة، ولها الصفة العالمية، والحفلة التي أقيمت للاستاذ مدحة عكاش على مسرح مكتبة الأسد، قد أضافت الى المعاني السامية الكبيرة معانٍ أخرى من الاهمية والتقدير لأولئك الذين يعيشون بأجسامهم بعيدين عن الوطن الأم، ولكنهم بقلوبهم وأرواحهم يعيشون في بلدانهم، وبين أهلهم واخوانهم. فبوركت النفوس الكريمة التي تزيد التراث العربي غنى ورفعة.
   اتصلت بشقيق الاستاذ قنصل في دمشق، وقدم لي رقم هاتفه، وتجدونه ربطاً مع عنوان الاستاذ زكي.
   أسفت جداً لعدم تيسير الاتصال الهاتفي بي في السويداء، وقد أعلمني الأخ مدحة عكاش عن اتصالكم به، فشكراً.
   تحيّاتي القلبية ومحبتي للأساتذة كامل ونمور وبطرس مع تهاني القلبية بالجائزة، وأنتظر أشرطة المسرحيات التي قمت بإخراجها وتأليفها، لأن الأدب يفاخر بك أيها الأخ الأعز.
السويداء في 19/9/1991
**
رقم 11
   كنت اليوم في دمشق، وأطلعني الأخ زهير على كتابكم الذي وصل اليه منذ يومين، وقد تدارسنا قضية اصدار الدراسة عنكم، وعقدنا العزم على اصدار دراسة واحدة، لأننا نتعاون في جميع أمورنا، ولا فارق بيننا، ولا يضايقني أو يؤثّر في نفسي إذا كان الأخ زهير يشترك معي في كتب "القبسات" لأن الغاية التي نهدف اليها هي خدمة أدب المهجر، وتعريف القارىء العربي على هذه النخبة الكريمة أمثالكم.
   أنهيت الكتاب عن الدكتور عبداللطيف اليونس، واستلمت قسماً من النسخ، وسوف أبعث إليكم طرداً بريدياًمسطحاً بالبريد الجوي، نسخة هدية، وفيه إعلان بأنه سيصدر قريباً كتاباً عنكم في السلسلة بالاشتراك مع الأخ زهير الباشا.
   كما أنني أنجزت تنضيد وتصحيح الكتاب عن الشاعر جورج شدياق من فنزويلا، وسيصدر في الاسبوع الاخير من شهر أيار المقبل، وهو يحمل الرقم 10، وكتابكم سيحمل الرقم 11 ان شاء الله.
   أرجو أن تطمئن بأن الدراسة عنك التي أعددناها، ووضعنا خطوطها الرئيسية، ستحدث دوياً في ساحة الأدب، وأنت والحمد لله غني بالمواهب، غزير بالانتاج، وتتمتع بشعبية كبرى في أستراليا، وسيكون لك مثلها في سورية ولبنان، إن شاء الله، لأن من حق أي شاعر مثلك أن يتبوأ مكانه في القمة.
   لك مني ألف قبلة حارة، يفوح منها عطر الربيع ورحيق الندى.
السويداء في 16/4/1988
**
سفيرنا الكبير
   الحبيب شربل،
   ألف قبلة حارة..
   قبل أن أتلقى ردّك على رسالتي الأخيرة، أبعث إليك مع بريد هذه الرسالة بنسختين من مجلة "الثقافة الاسبوعية"، نسخة لك، ونسخة الى سفيرنا الكبير الاستاذ لطيف ابو الحسن.
   وكنت أرغب أن أرسلها اليه مباشرة مع رسالة محبة وتحية وتقدير، ولكنني أجهل عنوانه، وانت تنوب عني في تبليغه هذه الرسالة.
   وبالاضافة الى رابطة الانتماء العربية التي تجمعني به، فان هنالك أيضاً رابطة القربى والأسرة الواحدة، وقد نشرت في افتتاحية الجريدة تقديراً لصاحبها واعجاباً بمحتواها.
   في العدد المقبل تقديم لقصيدة الشاعر الكبير نعيم خوري، وأرجو أن نبقى على صلة، وان نطلع على نشاطات "رابطة احياء التراث العربي".
   تحية للاخوة ولجميع من تود، وارجو الأخ أكرم المغوّش ان يكتب لي عن نشاطاته.
السويداء في 16/3/1991
**
شاعر الغربة
   منذ يومين تلقيت الطرد البريدي الذي تفضّلتم به، ويحوي كاسيت الاحتفال بتوزيع جائزة جبران العالمية عام 1991، كما يحوي بعض المطبوعات والأشرطة والجزء السابع من سلسلة "شربل بعيني بأقلامهم" تأليف الاستاذ كلارك بعيني.
   ولا أملك أيها الحبيب سوى الشكر الجزيل، والتقدير العظيم لهذه المنح الفكرية والأدبية، ولهذا العطاء الخيّر الذي تغنون به المكتبة العربية، والأدب والفن.
   إنكم، يا شاعر الغربة، تكرسون جهودكم ومالكم لخدمة الحرف العربي، وللدعوة الى الخير والمحبة والانسانية. فبورك العطاء، وبورك القلم، وبورك القلب الكبير الراعف بأعذب المبادىء الانسانية.
   رسالتكم للدكتور عبداللطيف اليونس سلمت اليه، وكذلك الشريط، ويشكركم من أعماقه، وسوف يكتب اليكم قريباً.
   ولا أعلم اذا كان اقتراحي سيلاقي لديكم قبولاً بترشيح الدكتور اليونس لجائزة جبران الأدبية لعام 1992 من القطر السوري، وهو جدير بها وأهل لها. وقد عرفتم عنه الكثير الكثير من خلال الكتاب الذي أصدرته عنه، وقد يلبي دعوة تسلم الجائزة، ويسافر الى أستراليا، لأن أوضاعه المادية تبيح له مثل هذه الزيارة.
   طلب مني الأخ يوسف عبدالأحد، وهو من الأدباء البارزين، مجموعتكم مع المجموعات التي كتبت عنكم كي يضمها الى الببلغرافيا الكبيرة الموجودة لديه، والتي تجمع كل المعلومات عن الادباء والشعراء العرب، الأولين والمعاصرين، وهو أكبر مرجع لتأريخ الأدباء العرب في هذا القطر، فلا تبخلوا عليه بهذه المنحة، وانتم مؤهلون للتخليد بين شعراء العربية.
السويداء في 25/7/1992
**
شاعر مرهف الحس
   كنت استلمت من فترة ثلاث نسخ من كتبك الشعرية والنثرية، وفي كل منها مقدمة إهداء، وهي صدى النفس الصادقة، وصوت القلب الحبيب، وعبق الورد المعطّر، ولا غرابة في ذلك، فأنت شاعر مرهف الحس، عميق الوجدان، حي الضمير.
   تباركت مجموعاتك الشعرية التي تختصر المسافات الطويلة لترينا الجديد من حولنا، وتنقلنا الى عوالم لا تحدّ، لأن الحدود في الشعر غير موجودة، وكل ما أرجوه الانطلاق الى أبعد من حدود لبنان، والى التحليق في سماء الدنيا العربية الزاخرة بالمآثر والأمجاد، مثلما هي سابحة الآن في بحور القهر والانفصام والآلام. 
   أرجو أن تغني العرب والعروبة، ولا يقتصر نغمك الشادي على حدود لبنان، وكلنا بحاجة الى مثل هذا الحداء الوحدوي العربي الأصيل.
   قصيدتك "دعوة الى الجنون" عميقة وجميلة معنى ومبنى، وقد نشرتها في "الثقافة الاسبوعية" مع مقدمة موجزة مني، لتعريف القارىء، الذي لم يقرأ لك حتى الآن، عليك وعلى هذه النغمة الباسمة العابسة المتماوجة في سماء لبنان، بعد أن وفدت من مغترب بعيد، تعلن أن الوطن لا يزال في القلب والعين.
   أرسلها اليك مع هذه الرسالة، حرصاً مني على وصولها اليك. وسوف أتابع نشر ما وعدت به من دراسات ومقالات عن الادب العربي في أستراليا.
السويداء في 6/9/1986
**
شاعر مناضل
   استلمت مجموعتك الشعرية الجديدة "كيف أينعت السنابل"، فأكبرت فيك هذا الجهد، وحييت هذا العطاء، وازداد أملي بشعرك المجنّح الذي يشقّ طريقه في زحمة القريض، ويعطي لوناً خاصاً، وطعماً متميّزاً، وقد كتبت الدكتورة العطّار حياتك الذاتية، وسيرتك الشخصية، بأسلوب شيّق، ولم تتطرّق الى شعرك ونبضك في قصائدك. وسوف أدخل في أعماق قصيدتك "كيف أينعت السنابل" وأنشرها في عدد مقبل من الثقافة، وأنت يا أخي شاعر ومناضلٌ، تبصر بعين الغد، وستظل أغنية الملايين من أبناء هذه الأمة العربية الظامئة الى النور والحرية.
   أعتقد أنك لاحظت التكثيف عن أدباء أستراليا في الأعداد الأخيرة، ولن يخلو أي عدد بالمستقبل من دراسة أو خاطرة لأحد الأدباء.
   لا أرى موجباً لإرسال مؤلفاتك في هذا الظرف الخانق الذي تستنفد فيه أجور البريد الجوي مبالغ طائلة. وسوف أختار ألأشخاص الذين تهديهم مؤلفاتك.
   صدر "السجل الذهبي"، وهو مرسل إليك، وكذلك ديوان حنا جاسر، والاستاذ مدحة عكاش أهداك ديوانه "يا ليل"، ووقع على عبارة الاهداء المكتوبة. وأهديك ديوان أكبر شاعر زجلي في جبل العرب المرحوم سليمان الأطرش، وأرجو أن تجد فيها متعة.
   ديوان فارس بطرس سأرسله اليك فيما بعد، لأن نسخه فقدت من عندي، وأفتّش عن نسخة لدى الأصدقاء.
   اتفقت مع الأديب محمد زهير الباشاعلى كتابة دراسة عن رواية الدكتورة العطّار. وسوف ارسل 15 نسخة من "السجل الذهبي" هدية للاخوة الأدباء في أستراليا، وأكلّف الأخ أكرم المغوّش بايصالها الى أصحابها.
السويداء في 20/5/1987
**
شاعرية خصبة
   الأخ الأديب الشاعر المبدع الاستاذ شربل بعيني المحترم
   تحية العروبة الصادقة..
   تحية المحبة والتقدير والاخلاص..
   تلقيت منذ يومين بريدك الغني، الثمين، وفيه جزء من فيض شاعريتك الخصبة، في العامية والفصيح، وفي النثر المرصّع البديع، فشكرت لك هذه البادرة الكريمة، وهذه الثقة الغالية، إذ قدّمت لي كنزاً ثميناً يدلّ على أصالتك العربية، ومواهبك الأدبية، وإبداعك في كل لون من ألوان الشعر والنثر. وانني، كلما طال بي الزمن، كلما اكتشفت في اتصالاتي الفكرية كنوزاً أدبية رفيعة المستوى، تغصّ بها مهاجرنا البعيدة النائية. هذه الكنوز قد كانت معروفة في الساحات المغتربة، ولكنها بقيت تتلظّى وتهدر في منابعها البعيدة، فلا يعرف عنها المقيم، ولا ينهل من عذوبتها إلا القليلون الذين توفّرت لهم سبل الاتصال بالمصادفة.
   فأنت يا أخي صاحب الفضل الأول، والأخ أكرم المغوّش هو واسطة خيّرة لعقد فريد سوف يبرز على مسارح الوجود، بكل ما فيه من ألق وبهاء.
   لقد عرفت من قريب هذه المواهب المتفجرة من اخوتنا في استراليا، وأصبحت مشدوداً الى هذه الاشعاعات الفكرية الضخمة، والتي ما تزال حتى الآن حبيسة في قصورها الشامخة، وكلما مرّت فترة زمنية، كلما ازداد إعجابي وتقديري لهذه الطاقات المتفجرة، وأرجو من الله أن أتمكن في المستقبل من مواصلة نشر الأدب المهجري في الدنيا العربية، وأرى في أستراليا فيضاً عارماً من الابداع والتجديد، قد يفوق في زخمه وبهائه بقيّة المغتربات.
   وسوف ألتقي معك قريباً على صفحات "الثقافة" وفي غيرها من الصحف والدوريات التي تصدر في القطر.
السويداء في 29/1/1986
**
شربل بعيني: قصيدة غنّتها القصائد
  صدرت في استراليا دراسة موجزة لشعر الشاعر شربل بعيني، وهو من أبرز الشعراء العرب في المهاجر، بقلم الأديبة المعروفة الآنسة مي طبّاع، المغتربة في أستراليا منذ ست سنوات.
   والأديبة مي خريجة جامعة دمشق، حيث تلقّت علومها فيها، وحازت على اجازة في آداب اللغة العربية بدرجة متفوّقة. وهي تنتمي الى أسرة كريمة مثقفة، ومن بيت عريق في الأدب والعلم، ابنة شاعر معروف هو حنا الطبّاع، مؤسس منتدى عكاظ الأدبي في الساحل السوري، والذي هزّت كلماته الهادرة ضمير الأمة العربية ووجدانها.
   تميّزت المؤلفة بإجادتها في إلقاء الشعر العربي، فكم هزّت مشاعر الجماهير عندما تصعد المنبر، وكم نالت الجوائز التقديرية في محاضراتها المتعددة عن المرأة في المجتمع العربي، وكم قدّمت في البرامج الاذاعية من مساهمات فعّالة في تشجيع الحركة الأدبية في أستراليا، والحفاظ على التراث العربي الأصيل، كما كتب عنها الصحفي جوزف خوري على غلاف الكتاب.
   هذه المقدمة كان لا بد منها، ليعرف القارىء العربي، ولو لمحة موجزة عن هذه الأديبة الكبيرة، التي أصدرت دراستها المتميزة عن شاعر عربي كبير، يغترب في أسنراليا منذ أكثر من أربعين سنة، وقد أصبح من الشعراء العرب البارزين الذين أعادوا سيرة جبران ونعيمة والقروي وفرحات وغيرهم من الرعيل الأدبي الذين رفعوا راية الأدب العربي في كافة انحاء المهاجر، وخلدوا لغة الضاد بكل ما فيها من جمال وفصاحة وبلاغة، وأبرزوا بمآثرهم الحضارة العربية وأصالتها وشموخها.
   شربل بعيني أحد العباقرة العرب في أدبه وعطائه الوفي، ونهجه الجريء، في كل ما يعطيه من نثر وشعر، ومن اخلاص للعروبة والوطن، ومن تقديس للانسانية والمثل العليا.
   والمؤلفة الأديبة مي الطبّاع، ذات باع طويل في دراسة الأدب العربي، وذات نغمة حلوة وصافية عندما تكتب عن أدب وعن أديب، فهي تحيط دراساتها بهالة من اشعاع تقود القارىء الى آخر المطاف، وتسبغ على أسطرها حلة مشرفة وجميلة، تضعها في قوالب أخاذة، وتنسجها من أعماق أعماق البحوث لكبار النابغين في المعرفة والاداب، من عرب واجانب، مما يدل على ثقافة عالية، وعلى مواهب متميزة، وعلى شمولية وافرة في البحوث والدراسات الأدبية في كافة اللغات العربية والاجنبية.
   ان هذه الدراسة المكثّفة التي بلغت مائتين وخمسين صفحة من الحجم الكبير، قد جمعت بين أسطرها وصفحاتها سبعاً وسبعين صفحة كمقدمة للمؤلفة حول كافة الجوانب المضيئة من شعر الشاعر شربل بعيني، ثم أتبعتها بالقصائد لعدد من الشعراء العرب في المهجر الأسترالي، خلّد كل منهم الشاعر البعيني برؤيته، ومن وجهة نظره في ابداعه وعطائه.
    وبعد أن ألمت الكاتبة بأكثر الاتجاهات الأدبية في الشعر المهجري، واسبابها وعواملها المتعددة، والتجارب التي عاشها الأديب في غربته، تنتقل الى وصف الأزمات الموجودة في العالم، من اجتماعية واقتصادية وسياسية وأدبية، وأن مرد هذه الأزمات هو الفساد وانعدام الديموقراطية والابتعاد عن الله، وفقدان الانسان لمعنى الحياة الحقيقي، وتقول ان التنافس بين أهل الفكر ليس عيباً بل إذكاء للقرائح وإثارة للنقد، فإذا جاء النقد بناء مخلصاً، حضارياً منفتحاً، حفظ أدبنا من التدهور، إذ أنه أصل الحياة.
وتقول الأديبة مي حول النقد الموضوعي: "من منا يعترض على النقد الموضوعي؟ بالطبع لا أحد. لقد جرى الحديث بين الشيطان وإيفان في رواية "الاخوة كرامازوف" للقصصي العظيم دستويفسكي، فقال الشيطان لايفان: يجب أن تشك وتجحد، فبدون الشك والجحود لا نقد، وبدون النقد كيف تنقّح وتهذّب؟ اذا توارى النقد لم يبقَ إلا أوصاف. وهذا لا يكفي، يجب أن نضع التقريظ والنقد في كفتي الميزان، ومع ذلك فما أنا الذي اخترعت النقد، لست أنا تيس الخطيئة. يجب أن انتقد لأن النقد أصل الحياة.
فالنقد ضرورة ملحة، ولكن ما نعترض عليه مدية الجزار.. فباسم النقد والحرية ننهال على الادباء والشعراء بالتجريح والتشهير الشخصي، ومرد ذلك غاية في نفس يعقوب، بينما النقد يكون للاعمال وليس للاشخاص، والناقد الحقيقي هو الناقد المطبوع منذ ولادته على النقد، ويملك ذوقاً وحساً نقديين سليمين، فلا أطنان الكتب تصنع منه ناقداً، ولا الجامعات تخرّج نقاداً. الا ان الناقد الموهوب تصقله المعرفة والمطالعة، فهو كالمرشد الامين والراعي المخلص، الذي يقود خرافه بمحبة وامانة يدور بهم من مرعى الى مرعى، فإن ضلّ أحدهم ركض وراءه ليعيده الى القطيع، ولكنه لا يفرض عليه ماذا يأكل، وماذا يشرب، فالطبيعة هي التي تعلمه مسيرة الحياة بتلقائية لا تفسير لها.
   كذلك الشاعر، لا يمشي في تبعية أحد، ولا يفرض عليه موضوعه، فله ملء الحرية في اختيار الموضوع الذي يؤمن به، ليضيئه بعفوية وفرح، قال الناقد مارون عبود: الأديب هو تلك الشجرة التي يطعن جذعها فتدر عصارة يصنع منها السكر والشراب، انه يتألم ليسعد اخوانه، لنتركه يسمعنا تغريده ونواحه، فالطيور الفصيحة لا تقترح عليها الأغاريد. وليس في الادب الرفيع أدب لا يتصل بالحياة، ولكنه يتنوّع بتنوّع الحياة. فما تراه أنت بعيداً عن حياتك، فقد يكون في صميم قلب غيرك. ان الاديب لا يدل على واجبه، فالحياة التي تضج فيه، هي التي توجهه في طريقه لا نحن.
   وقال ملتون: الذين يريدون توجيه الشعراء والأدباء لأنهم الطبيعة، فإنها قامت بواجبها وعليك أن تقوم بواجبك.
   الخطر الفادح الذي يقع فيه نقّاد اليوم هو النقد العشوائي، وتعثّرهم بالحرف، وتحليل الكلمة تحليلاً كيمائياً علمياً فلسفياً، فيسقطون لأنهم يجهلون ما للبيان من أسرار.
   كما ان اعتماد النقاد على النظريات الغربية وتطبيقها بشكل حرفي تعسفي، بعيد عن طبيعة أدبنا وشعرنا، إجحاف بحقهما، ولا سيما شعرنا القديم، الذي نحن بأشد الحاجة الى اعادة دراسته بمنهجية تنبع من تربته وذاتية طبيعته، لادراك كنه خصائصه، وتلمس مواطن الجمال والابداع فيه. 
وما يصح قوله في الشعر القديم نقوله أيضاً بالشعر المعاصر، فتطبيق المذاهب العربية في دراسته، أبعدتنا عن فهمه واستيعابه أشواطاً، وأغرقتنا في التعقيد، كأنه يؤمن بأن عملية التفاعل الثقافي الهادفة الى تكامل الفكر الانساني هي ضرورة لا بد منها.
فباسم التطور والحضارة نبيع القدس والعروبة، نتمغرب ونلحق بركاب النظريات الغربية المفسدة المتعبدة للعقل والعلم والمادة.
   وتواصل الاديبة الطبّاع معالجة الكثير من قضايا المجتمع، وكيف يجري الانحراف باسم المساواة ونشر الثقافة، وكيف يتاجر المدعون بالكلمة، وكيف تكون رسالة الادب في الانارة والهداية وبث الوعي، ونشر الخير والفضيلة، والتمسك بمكارم الاخلاق، وتكريس المثل العليا في كل مجاري حياتنا.
   وتصف بدقة ورقابة المناهج السليمة التي اتخذها الشاعر شربل بعيني قاعدة لفكره وطرحه وايمانه بالمبادىء الانسانية، كما عرفته الكاتبة، هزاراً غريداً، ونفحة غربية متوقد، ونغمةشعرية صافية فريدة متوقدة، ونغمة شعرية صافية فريدة. وانه شاعر حقيقي ، موهوب، أصيل، صوت حق مجلجل، ملأ دنيا المهجر، وزرع في كل روض زهراً حلواً، عطّر أجواء المغترب بمسك أريجه وعنبره.
البيرق، العدد 960، 11 ايار 1995، نقلاً عن الثقافة السورية
**
شعرك خالد
   وصلتني رسالتك الوضّاءة، التي تشبهك في ضياء القلب ونقاء المشاعر، ترافقها المجموعة السادسة من سلسلة "شربل بعيني بأقلامهم". كما فيها الدعوة لحضور الاحتفال بتوزيع جائزة جبران العالمية على مستحقيها. وكان حظ الاستاذ مدحة عكاش بالحصول على هذه الجائزة، والكلمة التي نشرتها عن حفل تكريم الشاعر جورج شدياق في فنزويلا، لمناسبة ضدور دراستي العاشرة عنه في سلسلة "قبسات من الأدب المهجري".
   هذه الأنباء كانت كلها مدعاة للفخر والاعتزاز والشكر على هذه النشاطات المتميّزة.
   وأريد أن أجيب على ما ذكرت:
1ـ المجموعة "شربل بعيني بأقلامهم 6" كانت غنية بموادها التي ادرجت فيها، وتبويبها يدل على حس أدبي سليم، ومواضيعها وحسن انتقائها تعلن عن يد الفنان البارع التي نسقتها، وسوف تتصدر المكتبات العربية الحديثة، كي يقرأ فيها أبناء الأجيال الصاعدة ما كان عليه أهلوهم من مواهب وقدرات وحضارات. هذه السلسلة، وأرجو أن تستمر، كتاب أدب وتاريخ وحضارة، ويبقى شربل بعيني الشاعر الأنقى في ذلك المنقلب البعيد عن أوطاننا، وسيبقى شعره، الفصيح والعامي، خالداً على مدار الزمن.
2ـ شكري الجزيل مع الاستاذ مدحة لمنحه هذه الجائزة التقديرية، وهو أهل لها وجدير بها. وقد نشرت الصحف السورية خبر منحه هذه الجائزة، واليك بقصاصة من جريدة تشرين وفيها خبر الجائزة.
3ـ كنت أتمنى حضور الاحتفال بتوزيع الجوائز على مستحقيها، ولكن عوامل عديدة تحول دون هذه الأمنية المنشودة منذ زمن بعيد، كي اتعرّف على الاخوة الأحباء في أستراليا.
4ـ أشكرك لنشر المقال عن الاحتفال بتكريم الشاعر جورج شدياق في فنزويلا، والقصاصة أرسلتها اليه يوم أمس.
   الأخ الأعز شربل..
   أتمنى لك كل الرفعة والتكريم، وسأبقى من جنود الأدب المهجري الى الأبد. ومنذ خمسة عشر يوماً حضرت بعثة التلفزيون العربي السوري الى بيتي في السويداء، وأجرت معي لقاء تلفزيونياً استمر بثّه مدة نصف ساعة، تكلّمت فيه عن أدب المهجر، قديمه وحديثه، وعن الشعراء والأدباء المعاصرين، وعن الدراسات التي أصدرتها عنكم، سواء كانت في كتب مستقلة، أو على صفحات المجلات والجرائد العربية. ومن الطبيعي أن يكون لرابطة احياء التراث العربي في أستراليا، ولأعضائها، ودورها في الحفاظ على التراث العربي، واحياء التاريخ والحضارة واللغة، وسميت الاشياء بأسمائها، من شعراء وكتّاب وصحفيين، والذين شاهدوا اللقاء على شاشة التلفزيون في سورية ولبنان والاردن، اتصل بعضهم بي هاتفياً، وكتابياً، مهنئين. وأنا بدوري لا أعرف اذا كنت أفلحت في حديثي، لنه جاء مفاجأة لي، ولكن المشاهدين كتبوا اليّ معجبين، وزارني كثيرون شاكرين.
   الأخ شربل، لا بد أن تصفو الأجواء، وتعود الأمور الى طبيعتها، ونكتب بحريّة تامة، وبإرادة غير مقيّدة، ونحن في طريق الاستقرار في لبنان قريبون.
   أطلت عليك، وأقبلك في الختام بحرارة وشوق.
السويداء في 22/11/1990
**
عالم مجهول
   عندما وصلت إليّ الدراسة القيّمة التي كتبتها عنك الأديبة المعروفة مي الطبّاع، وعنوانها "شربل بعيني: قصيدة غنّتها القصائد"، بعثت اليك برسالة شكر وتحية على هذا الانجاز الأدبي الممتع، ولا أعلم إذا كانت هذه الرسالة قد وصلت اليك، لأن أكثر الرسائل مني وإليّ تختفي في العالم المجهول.
   وقد كتبت هذه الكلمة عن الدراسة في "الثقافة الاسبوعية"، وفي هذا العدد المرسل اليك مع هذه الرسالة بالبريد المضمون.
   لا أعلم عن مسيرة أعداد "الثقافة الشهرية" التي ترسلها الادارة اليكم، وهي مستمرة حتى الآن، فهل تتفضّل ان تعلمني عما اذا كانت الاعداد تصل الى المشتركين، ام انها لا تصل؟ وذلك من أجل تخفيف نفقات البريد عن المجلة، لاسيما وان تكاليف البريد أصبحت باهظة جداً جداً، وتشكل عبئاً ثقيلاً على المجلة.
   أرجو عدم المؤاخذة لعرض هذه القضية، وأن أتلقى منك جواباً سريعاً.
   كتبت للأخ أكرم برجس المغوّش معزياً بوفاة والده.
   تحياتي الى من تحب، والله يحفظك.
السويداء 12/4/1995
**
عروس من الجبل
   رغبت يوم أمس، الاثنين، أن أتصل بك هاتفياً، لأسمع صوتك الحبيب، وأهنىء الرابطة بشخصك على حسن اختيارها الشاعر الكبير زكي قنصل، وترشيحه للحصول على جائزة جبران الأدبية لعام 1991. هذا الشاعر العربي المبدع الذي كرّس ابداعاته لمصلحة أمته.
   ومن حسن حظّي أن السيدة الوالدة كانت في المنزل، ولم يقل سروري بسماع صوتها ومخاطبتها، عن سروري لو كنت أنت بالذات.
   أليست هي التي أنجبت شاعراً عبقرياً تفاخر به لغة الضاد؟. وهي التي ربّت ابناً مطبوعاً بالجمال، وحب الانسانية، والعطاء اللامحدود؟. وسررت انني حرّكت أوتار مشاعرها بالدعاء لك بالزواج العاجل، قبل أن يفوتك قطار الشباب، ولأنني أعلم أن أقصى أمنيات الأمهات الاحتفال بقران أبنائهن. 
   أدعوك لزيارة "السويداء" مدينة السحر والجمال، بأبنائها وفتياتها، لعلني أستطيع مد جذورك من لبنان الى الجبل. وإن تكن هذه الجذور ممتدة عبر الزمن والتاريخ، ولا بأس من تمتين عروقها. وأؤكد لك بأنها ليست مزحة، أو خاطرة عابرة، فإنني على استعداد، إذا حضرت، أن أقيم لك ولعروسك المنتقاة، حفلة عرس رائعة، لا تقل روعتها عن أعراس أمراء العرب في عصر العباسيين. المهم أن تقرر اختيار نصفك الآخر من جبل العرب.
   لقد كانت المخابرة سهلة المنال، اذ انني طلبت من ادارة الهاتف الاتصال بأستراليا، وحسب رقم الهاتف المثبت في رسالتك الاخيرة، سجلت الطلب في الثامنة ليلاً، وجرى الاتصال في الحادية عشرة والربع، أي بعد ثلاث ساعات وربع من الطلب، وكنت خلال هذا الانتظار أكتب كلمة عن مجلة "غربة" التي يرأس الاستاذ زهير الباشا تحريرها، ورضيت عن هذا المقال الذي كتبته خلال فترة الانتظار، وكانت الساعة السادسة والربع صباحاً عندكم، فيكون الفارق سبع ساعات.
   في المستقبل، اذا رغبت الاتصال بي هاتفياً، فاجعله ليلاً، وأفضل أن يكون ليلة الجمعة، لأنني لا أخرج فيها من البيت.
   أيها الأخ الحبيب..
   تحياتي اليك بمقدار شوقي، وانتظرت "كاسيت" مسرحياتك، وأفضل أن ترسلها مع أحد القادمين.
   كل يوم جمعة أقضيه في دمشق، في دار الثقافة، حيث نقضي يوماً جميلاً مع رهط من الأدباء والشعراء. ويوم الجمعة الماضي كان اللقاء في السويداء، وسأبعث أليك بعدد "الثقافة" الاسبوعي الذي حوى وصف اللقاء.
   كان الأخ برجس المغوّش يسهر معي ليلة طلب الاتصال الهاتفي، واطمأن عن ابنه أكرم، وهو يهديك وأكرم تحيّاته.
السويداء في 1/10/1991
**
علم من أعلام الأدب
   قبلات من الأعماق، وأشواق لا يعلم مقدارها إلا الله.
   مع بريد هذه الرسالة عددان من الثقافة، الأول يحوي مقالاً قيّماً للأديب العلامة الدكتور عبداللطيف اليونس عن كتابك "مناجاة علي". والثاني يحوي مقالاً للأديب الاستاذ مفيد نبزو عن مؤلفاتك. 
   المقالان فيهما ما أنت له، وجدير به، ويستحقّان النشر في أستراليا. وهذا أتركه لك.
   إنك في كل عطائك الأدبي متميز في الضمون والشكل، وقد أصبحت علماً من أعلام الأدب والشعر في المهاجر والبلاد العربية.
   أدعو لك من الصميم بالصحة والسعادة والتوفيق، وإلى الأمام أيها الأخ الأنقى.
السويداء في 16/5/1992
**
غرسة يانعة
   تلقيت الجزء الرابع من سلسلة "شربل بعيني بأقلامهم" والذي جمعه وقدمه الأديب الكبير الاستاذ كلارك بعيني، فشكراً لكم وله على ما أغدقتم عليّ من فيض معدنكم الاصيل، ومن نبل مشاعركم ومحبتكم، وأنت، يا أخي شربل، غرسة يانعة نبتت في لبنان الحبيب، وأكملت نموّها في بلاد الاغتراب، وأعطت أحسن الثمار، وتفيّأ ظلّها الوارف المغتربون العرب، يقطفون منها الشهي، وينعمون في ظلها بالدفء، أدامك الله للأدب العربي نبعاً ثراً، واشعاعاً ساطعاً.
   كنت وعدت نفسي، وأعلنت في كتابي الأخير من أنني سأكتب دراسة وافية عنك، وما زلت عند وعدي، وسوف أبعث بها إليك، كما فعل الأخ الاستاذ محمد زهير الباشا، وقد لا توازي دراستي ما أفاض به الباشا من بلاغة وعمق وأناقة، ويندر مثيلها في أدبنا النقدي المعاصر، ولكنها ستكون من جهد المقل، ومن نتاج هذا القلم المتواضع، ويكفيني كوباً من البحر المتموّج.
السويداء في 1/5/1989
**
قرف
   انتهى اليّ الملف الكامل الذي يحوي وصفاً شاملاً لحفل تكريمك بمناسبة اليوبيل الفضّي. وقرأت ما جاء فيه من نثر وشعر حول رحلتك في دنيا الادب والشعر، وما قدّمته للانسانية وللمجتمع وللعلم على مدى عقدين ونصف، وقد أجادوا في الوصف، وتمنوا لك يوبيلاً ذهبياً زاخراً بالعطاء الأمثل. قال الخطباء كلمة حق، وأجادوا.
   فأنت أيها الحبيب شاعر العصر في المغتربات، وأنت الينبوع الذي عمّ نميره الخافقين، وروت مياهه أرض المشرقين، فكنت النسر الذي حلّق في كل الاجواء، والقيثارة التي عزفت ألحانها الساحرة في كل الربوع، وجمعت الى الشعر العربي الأصيل ميزات قل نظيرها، ففي مجال التربية ساهمت، وعلى خشبة المسرح لمعت، ولخير الانسانية دعوت، وكانت قصيدتك الأخيرة "قرف" أصدق صورة عن الواقع الذي تعيشه أمتنا العربية من الشرذمة والتخاذل، وكم نحن بحاجة الى كلمة حرة هادفة، والى فكر يدعو الى التصحيح، والتأنيب، والتهذيب، وكم نحن بحاجة الى ثقافة للتوعية وللتعرية في آن واحد.
   ومن واجب المثقف أن يغضب لأي انحراف يحدث في مجتمعه. المثقف هو ضمير الأمة، وهو وجهها، ولسانها، والشاعر هو صوتها المدوي، فإذا سكت عن الانحراف خان الأمانة، واذا وقف موقف المتفرج في النائبات، وما أكثرها في عصرنا، انتفت عنه صبغة الرسالة المقدسة التي يحملها.
   الأمة العربية تعيش في رحاب "قرف"، وتسكت عن المآسي التي تعيشها في أكبر مساحاتها، وقلّة هم الذين يقفون في حلبة الصراع، يقاومون هذه الانتكاسات التي يحشدها الغرب، وتقودها أميركا والصهيونية، وقد أخطأ الذين وجهوا اليك الملامة، واعتبروا قصيدة "قرف" فيها خروج عن آداب الكلمة.
   أرجو أن تتوقّف هذه المشاحنات بين أفراد الجالية العربية في أستراليا، وبصورة خاصة الطبقة المثقفة فيها، لأن مثل هذه الخصومات لا يستفيد منها إلا العدو الرابض في كل الارجاء، العامل بكل قواه للنيل من وحدتنا، وثقافتنا، وحضارتنا، والذي يسعى لاختراق الصف العربي، وتمزيقه، وتوسيع الخرق فيه.
   انني بدأت بكتابة عرض مفصّل عن حفلة التكريم، وأرجو أن تنشر في أحد أعداد "الثقافة" الاسبوعية المقبلة، كما سأكتب عرضاً مفصلاً متخيلاً عن توزيع جائزة جبران العالمية لسنة 1993، مع مقدمة كامل المر لقصيدة الجواهري، وكذلك لقصيدة شدياق، ولا أعلم اذا كانت الجوائز قد أرسلت لأصحابها.
   سوف أشاهد الحفلة كما وصفتها جريدة "العالم العربي"، وأرجو ألا يكون قد أمحي مثلما حدث للشريط السابق.
   تحيّاتي لكل الأخوة في أستراليا، وخصيصاً للحبيب أكرم المغوّش، وحضر والده عند كتابة هذه الرسالة، وهو يسلم عليه وعليك، ويشترك معي في تقديم التهاني اليك.
السويداء في 12/2/1994
**
قليلون هم أمثالك
   بعد غياب عدة أشهر في الكتابة ـ لا في القلب والمشاعر ـ تلقيت رسالتك الأخيرة مع ست نسخ من دراسة الاديب الناقد الاستاذ محمد زهير الباشا عن "شربل بعيني: ملاح يبحث عن الله"، ونسخة عن كل دراسة عن الأديبين كامل المر وبطرس عنداري.. فشكرت لك هذا النشاط المتميز، وهذا العطاء المستمر. 
   كما أعجبت بشجاعتك وإقدامك على التضحية بثمار جهودك وتعبك، من أجل تعزيز الأدب، ونشر الكلمة المجنحة الحلوة، وبذل المال الوافر في طباعة واصدار هذا الانجاز الرائع، وأنا أتصورك وأنت تناضل في حقل الحياة، لا من أجل الاثراء وجمع المال، بل من أجل تقديم الحرف العربي الى الناطقين بالضاد في أستراليا، ومن أجل استمرار التواصل مع اللغة الأم. وقليلون هم أمثالك الذين يبنون صرحهم الأدبي بجهودهم، قبل أن يبنوا صرحهم المادي.
   ما أجمل الحياة اذا كانت تتجسد وتترسخ في عطاء أدبي جديد، وتبشّر بمستقبل مضيء وضاح. وانك في مدة قصيرة قدمت للمكتبة العربية نماذج وابداعات تجعلك في الصفوف الأولى من المجلين البارزين.
   أما دراسة الاستاذ الباشا، فسيكون لها فسحة كبيرة على صفحات "الثقافة" الاسبوعية والشهرية، وستصدر قريباً ان شاء الله، وكذلك شأن كتابيك عن أديبين كبيرين مرموقين هما الاستاذان المر وعنداري.
   لا يعرف قلبي انتقاد الاخوة اذا بدر منهم صدود أو تغيير، بل يبقى مفتوحاً للنسائم المعطرة مهما غابت، وانقطاعك عن مراسلتي ـ أعرف السبب ـ وأعرف أنها غلطة غير مقصودة ـ لم تؤثر في صفاء القلب، وحميمية الأخوة، ولهب المحبة، فسوف أبقى محباً لك الى الأبد، وعاذرك عند النسيان بالمصادفة.
   النسخ المرسلة منك الى الاستاذ مدحة وصلت وتوزعت على من يلزم من الأدباء، كما أن الاستاذ محمد زهير الباشا كتب الي عن وصول النسخ اليه.
   انني شخصياً لا علاقة مادية لي بمجلة "الثقافة"، والاستاذ مدحة لمّح أمامي بشأن الاشتراكات في أستراليا، وقد انتهت السنة التي دفعتم عنها، فهل من الممكن ارسال قيمتها من الاخوة المشتركين في أستراليا مع الأخ الاستاذ برجس المغوّش، وبذلك تساهمون في تخفيف أزمة المجلة المادية.
   تحياتي لجميع الاخوة، وللأخ برجس وابنه أكرم المغوّش.
السويداء في 17/12/1988
**
كلمات وكلمات
   عزيزي شاعر الغربة الطويلة الاستاذ شربل بعيني المحترم
   تحية الشوق والمحبة..
   أشعر من أعماقي بأن هنالك هاجس يشدني اليك، ويدفعني لمتابعة الاتصال عبر السطور على الورق. فأكتب اليك كلمات وكلمات لعلّها تكون الشريط الروحي الذي يصلني بك. وأكتب بعد انقطاع غير قصير، لم يصلني منك خلاله أية رسالة. لعلّها الاعمال التجارية، أو لعلّها طياف بين غياض الشعر وأنسام القريض، أو.. أو.. الخ.
   بعثت اليك بطرد بريدي فيه أربعة كتب: السجل الذهبي، حنا جاسر، يا ليل، الشاعر سليمان الأطرش. أرجو أن يكون قد وصل اليك.
   كما انني كتبت ونشرت لعدد من الأدباء والأديبات في أستراليا، وأعتقد بأنك قرأت ما كتب عنهم ولهم، ولا أزال في بداية المشوار، وفي المرحلة الأولى للتعريف بالأدب العربي في المهجر الأسترالي.
   كما انني لا أزال أنتظر ورود ديوان الشاعر الكبير الاستاذ نعيم خوري، وعلى ضوئه سأقدّم دراسة شاملة عنه، هو جدير بها وأهل لها، وأرجو أن تعاد التجربة مرة أخرى، ويرسل اليّ بالبريد المضمون.
   منذ عدة شهور لم أتسلم اي عدد من مجلة "الوفاق"، وهي ضرورة قصوى بالنسبة لي كي أنقل عنها ما يمكن نشره.
   الأخ السيد أكرم المغوّش لم يكتب الي منذ عدة شهور، وأنا عاتب عليه.
   تحيّتي القلبية الى كل الأصدقاء الأكارم الذين تعرّفت اليهم بالمراسلة، والى من ترغب من الأصدقاء.
السويداء في 22/6/1987
**
لا تحنِ هامتك الصغرى
   استلمت النسخ الأربع من كتاب "شربل بعيني بأقلامهم"، وهو الجزء الثالث من هذه السلسلة القيّمة، مع قصيدتك الرائعة الجديدة "لا تحنِ هامتك الصغرى"، وقد لاحظت أن الفارق الزمني بين الرسالة المسجلة والرسالة العادية هو 15 يوماً، فالرسالة العادية أسرع.
   الكتب: أهديت لكل من الاستاذين مدحت عكاش ومحمد زهير الباشا، وقد قرأت هذا الانتاج الجديد للأخ الاديب الاستاذ كلارك بعيني، فوجدت مقدمة الكتاب التي وضعها بدون توقيعه شاملة وممتعة، وكذلك بقيت المقالات المكتوبة، لأنها كانت معبرة عن مشاعر أصحابها، وفي نفس الوقت تعطي صورة صادقة عن شاعريتك الخصبة، والموهبة المتفجرة في نفسك، والمبادىء القويمة الفاضلة التي تعيش بها، والممارسات الفكرية الدافئة التي تتعامل بها.
    والحق يقال، ان مثل هذه الاصدارات ثروة لا تزول ولا تفنى، فالانسان سائر الى زوال مهما كان من ذوي الجاه والسلطان، أو من ذوي الثروات والمال. أما المداد الذي يسجل على القرطاس، فهذا لا يزول ولا يفنى على مدى الأجيال. انه ينطق باسمك ويتكلّم بلسانك، ولو مرّت آلاف السنين، فالادباء الذين يدخلون التاريخ الأدبي من بابه الواسع الصادق هم الخالدون، وهم المثل الأعلى للأجيال الصاعدة.
   ان انتاجك في هذا المجال، وبروز موهبتك وعبقريتك في الأدب العربي، وفي كافة مناحيه المتعددة، وألوانه المختلفة، قد جعلتك من الشعراء الذين يشار اليهم بالبنان، وكلما تقدمت الايام، كلما صقلت الموهبة، وغنيت العصامية.
   أدعو لك بالصحة والتوفيق في استمرار العطاء، ولا موجب لاعادة التذكير بما كتبته في رسائلي السابقة حول اصدار الدراسة عنك، بالاشتراك مع الاخ محمد زهير الباشا الذي يتعاون معي بصدق وأمانة.
   رائعتك الجديدة "لا تحن هامتك الصغرى" قد أثلجت صدري، لأنك انطلقت في الدنيا العربية، وتخطيت الحدود، وقد كنت موفقاً في المبنى والمعنى، في الاسلوب والتفعيلة، وفي المنحى والرؤية. قلت انها أثلجت صدري، لأنني أدعو دائماً أن يكون الشاعر غارقاً في قضايا أمته، ملتزماً في مصيرها القومي، مدافعاً عن حقوقها وكرامتها، مشيداً بماضيها الزاخر، عاملاً في سبيل وحدتها الكبرى، وحدة الأرض والانسان والهدف.
   سوف تنشر هذه القصيدة في عدد "الثقافة" المقبل، وقد نشرت قصيدة شاعرنا الكبير الاستاذ نعيم خوري في عدد اليوم، وأرسلت له نسخة في البريد، وكذلك اللقاء مع المربي الفاضل الاستاذ فؤاد نمور، وعددكم سيرسل اليكم بالبريد.
   كل ما أرسله إليّ الأخ أكرم المغوّش سينشر بالتتابع في العدد الاسبوعي، والبعض في العدد الشهري.
   أرسلت قصيدتك، وقصيدة الاستاذ نعيم الى جريدة "حمص"، وعند نشرها سأبعث إليك بصورة عن الجريدة.
   مؤلفي عن عبداللطيف اليونس سأستلمه في مطلع هذا الأسبوع، وسوف تصلكم نسخة منه، وكذلك كتابي عن الشاعر جورج شدياق من فنزويلا سيظهر قريباً ان شاء الله، ويكون الاستعداد لاصدار كتابك قد أنجز بعون الله. كما أن هناك ديوان شعر بالاسبانية للاستاذ حنا جاسر ـ الارجنتين ـ قد ترجمه الى العربية، وسوف نطبع هذه الترجمة ان شاء الله.
قبلاتي الحارة، وأشواقي الكثيرة.
السويداء في 2/4/1988
**
مستقبل أدبي زاهر
   تلقيت رسالتك الأخيرة، وفيها من الصدق والمحبة والعواطف لا أعمق ولا أجمل، وفيها من مكارم الأخلاق وطيب المحتد لا أسمى ولا أنبل. فشكراً هلى هذا الوفاء، والعربي هذه شيمته، وتحية لك على هذا الصفاء، وابن الأرز هذه وروده وأنداؤه، وأنا ألتقي معك في مناحٍ كثيرة لا عدّ لها ولا حصر: رسالة واحدة في الحياة، وآمال مشتركة في تحقيق المسار، ورؤية منسجمة في الشكل والمضمون، ويشدنا الى بعضنا لغتنا الخالدة، ودمنا العربي الأصيل، ووطننا العربي الكبير من المحيط الى الخليج، وسوف تبقى هذه النغمات العربية والانسانية منطلقة من أعماق الاعماق.
   إني أتنبأ لك بمستقبل أدبي زاهر في مجالي الشعر الفصيح والزجلي، وأن يكون امتداد هذا الشعر على الساحات العربية الواسعة، وأن يتغنّى الناس بأناشيدك العربية دون أي فارق بين قطر وآخر.. لأن هموم الوطن العربي متشابهة، ومصير الأمة العربية مشترك.
   قرأت في كلمة رئيس تحرير "النهضة" لمحة عن الندوة التي أقامتها رابطة احياء التراث العربي، وهذه اللمحة لا تحيط احاطة كافية بآراء المشتركين، وبانتظار مجلة "الوفاق" التي قد أجد فيها مكاناً لرفع اشارة مرور على طريق المتحاورين.
   الهدية الرمزية وصلتني، وقبلتها شاكراً، وأرجو أن تقبل مني هدية بالمقابل، وهي اشتراك سنة في مجلة "الثقافة"، بدءاً من هذا العدد، ولم تكن المادة، في يوم من الأيام، تشكل رابطة بين عشاق الكلمة، انما رابطة الروح والقلب والهدف الأسمى تبقى أقوى من كل الروابط، وهذه تجمعنا في محرابها، وتظللنا بجناحيها.
   سوف أوافيك، في أقرب فرصة، ببقية الكتب التي أصدرتها، وفي القريب العاجل يصلك كتاب عن الشاعر الشيخ شكيب تقي الدين ـ البرازيل.
السويداء في 1/10/1986
**
مشاعر رقيقة
   استلمت رسالتك الأخيرة مع محتوياتها من الصحف وقصاصات بعضها، وثلاثة كتب للأخ الاستاذ مدحة عكاش، وقد وصلت الكتب الى صاحبها، ويشكرك جزيل الشكر على هديتك الجميلة، وعلى هداياك القيّمة التي بعثت بها في الماضي وفي الحاضر.
   أما أنا، فأراني مغموراً دائماً بغيثك المدرار، وبعاطفتك السمحاء، وبكرم خصالك وسجاياك، إذ انك لا تبخل بكل مناسبة عن التعبير بمشاعرك الرقيقة، والاشارة الى غيض من فيض أدبك شعراً ونثراً، وكأن الينبوع الثر يزداد عطاء، والقلب المحب يتابع خفقاته على مدار العمر.
   و"معزوفة حب" التي أصدرتها أخيراً، تزرع في الخافق اللهب، وتستوطن بسرعة الهدب. وشعر الغزل، يوقد الجذوة في الفؤاد، سواء كان بالفصحى أو العامية، وينقل القارىء الى مكمن اللوعة، وسرّ الدمعة. وكل غزل لا يصبغ بدمع العين، ووجيب القلب، وزفرة النفس، أعتقد بأنه يكون صورة للاطار، ويجب أن يكون من الروح مستمداً مداده، وعليه أن يستعرض كنوز حبّه، وأن يجثو على جبينه هنا، ويمرّغ خدّه على الصدر هناك، ويسكب عصارة فؤاده على مبسم، وعصارة عينه على زند، وعصارة أحلامه في موعد، ويسامر النجم، ويحاكي البدر، ويصب في أذن السحر أجمل أغنيات البكاء، وأحلى آيات الحزن، وأقدس ما في الأمل من زهو واشراق ونشوة.
   هذا ما قاله أحد أدبائنا، وهكذا أفهمه. ورحم الله الحسين بن منصور - الحلاج:
ما لي وللناس لم يلحونني سفهاً
ديني لنفسي ودين الناس للناس
ولي عودة الى ديوان "معزوفة حب" ولن أعبأ بمن قال:
لم أدرِ هل شاب الهوى أو اننا
شبنا ولم نحفل بذات تودّد
   أخي شربل،
   لفتة كريمة، ووفاء يعلو ويعلو الى السماك، ما كتبتموه بمناسبة وفاة عقيلة الاستاذ محمد زهير الباشا، وقد كتبت كلمة في الثقافة عن هذه المشاعر النبيلة. بوركت يا ذا الوفاء والخلق العربي الأصيل.
   الأخ الاديب كلارك بعيني له مني كل التقدير والاعجاب على السلسلة التي يكتبها، وقد صدر منها خمسة أجزاء والسادس على وشك الصدور. "صدر منها حتى الآن 11 جزءاً".
   بعثت إليه برسالة، مع بريد هذه الرسالة، أشكر له جهده في خدمة الأدب العربي في أستراليا، والتعريف بأدباء العربية في هذا المغترب النائي، بواسطة هذه السلسلة، وستصدر لي قريباً كلمة عن مجهوده الأدبي الرائع في "الثقافة".
السويداء في 14/4/1990
**
مصائب جسام
   قبلات حارة، وأشواق لا يعلم مقدارها الا الله.
   أطلّت عليّ مجلة "ليلى" يوم أمس، بعد انقطاع عدة أشهر، وفيها، وعلى صفحتها الأولى التي تحمل كلمتك الرقيقة، ذلك الدفق الأصيل، المنبعث من نفس أصيلة كريمة، وقد لبست ذلك الثوب الشفاف الذي يعبّر عن طهارة القلب، وصفاء النفس، ونبالة المشاعر. وهذه السمات التي غمرت نفحات قلمك بسبب ما ألمّ بي من مصائب جسام، وفقدان أحبة وخلان، وهي عناوين النفس الملهمة، والحس المرهف، والعاطفة الصادقة، ولقد كانت دفقة سامية تنداح في القلب الجريح، كي تطفىء ما فيه من حزن وجوى.
   أيها الأخ الحبيب..
   أرجو ألا تصاب بمكروه، وأن تبقى "ليلاك" في أوج العطاء الأمثل.
   طيّه صورة من حديث نشر لي في صحيفة كويتية، وقد اختصر منه الكثير، ولعل نشره في "ليلى" فائدة للقراء.
السويداء في 19/6/1998   
**
معايدة
   الأخ الحبيب الاستاذ شربل بعيني المحترم
   أغتنم مناسبة حلول السنة الجديدة، لأبعث الى الأخ الحبيب شربل بأحر التهاني، وأعمق المشاعر، في إطلالتها الجديدة علينا.
   وأرجو من الله أن يرعى شربل بعين عنايته، وأن يسبغ عليه الصحة والعافية، وأن يغمره بالنعمة والخيرات، ويزيد في الهامه، وعطائه الادبي والفكري.
   وكل عام وأنتم بخير.
   السويداء في 24/12/1987
**
ملاح يبحث عن الله
    صدرت في أستراليا الدراسة القيّمة التي كتبها الأديب العربي السوري محمد زهير الباشا عن الشاعر المبدع شربل بعيني بعنوان: "شربل بعيني: ملاح يبحث عن الله"، تتألف من 176 صفحة من الحجم المتوسط، وقد وزعت كلمات هذه الدراسة على تسعة فصول، ولكل فصل دلالة خاصة وطابع متفرّد وهي: حروفها "زغيرة" هذه الكلمة، في البدء كان الشعر، لبنان، شربل: ملاح يبحث عن العقل، شربل: ملاح يبحث عن آلامه، شربل: ملاح يبحث عن الله، شربل واستدارة التوهج في فنّه.
   وهذه الدراسة التي كتبها الأديب محمد زهير الباشا تتميّز بالعمق والبلاغة، وتدل على ثقافة أدبية رفيعة المستوى، وعلى دراسات علمية، وتحاليل موضوعية، وتشير الى عبقرية الدارس، وحسن تعبيره وابداعه في التأثير، وكأن هناك قرابة روحية تربطه بأدباء أستراليا وشعرائها.
   هذه الدراسة أضافت الى "أبجديات" محمد زهير الباشا درة جديدة في قلائده التي طوّق بها جيد الأدب العربي، ووضعته في طليعة جهابذة النقاد العرب، لأن ما تضمنته من مفردات وإبداعات في التحليل والمقارنة قلّ مثيلها في أدبنا المعاصر. والشاعر شربل بعيني المعني بهذه الدراسة ما زال يسجل رحلته في كل يوم يمضيه في أرض الغربة، كما سجل دانتي رحلته في عوالمه الثلاثة: الجحيم والمطهر والجنة. ودواوينه ومؤلفاته أصبحت ملكاً لتاريخ الأدب والفكر، ووثيقة تدخل التاريخ، وتخلد صاحبها ليكون من الشعراء في الأدب العربي المعاصر.
   ولم ينسَ الأديب الباشا من اعطاء أدب المهجر حقه في صدقه وروعته، لأنه صور يتدفق بالحنان والحرص على تراث الأمة العربية، وصوت يعلو كما الأمواج في عصر رزح فيه الوطن بالمتاهات، وفقد ترانيمه بين طعنات التمزق والتشرذم وصراعات أبناء العمومة والخؤولة.
الثقافة السورية، السنة 22، العدد 26، 8/7/1989
**
موهبة خلاّقة
   منذ يومين أرسلت اليك كتاباً، جواباً على الاسطر المدوّنة في الصفحة الأولى من مجموعة "شربل بعيني بأقلامهم"، واليوم استلمت مجموعة "رباعيات" الطبعة الثانية، سلمت يداك، وانعم بالموهبة الخلاّقة.
   ورداً على الاسطر المدوّنة في الصفحة الأولى من المجموعة، أعلمك بأنني لم أتلقَّ "الوفاق" العدد الذي تضمن الاحتفال بالذكرى المئوية لولادة الأديب العظيم المغفور له مارون عبّود. ويهمني جداً الاطلاع على هذا العدد لأنقل منه الى "الثقافة" و"حمص" ومجلة "الضاد" في حلب. لذلك أرجو التكرّم بإرساله.
   سلامي وتحيّاتي للاستاذ كامل والى من ترغب من الاخوة الذين تجمعني واياهم رابطة الفكر والقلم والقومية.
السويداء في 21/1/1987
**
نفحة مهجرية: دعوة الى الجنون
   تنكبّوا سلاح الاغتراب، ومضوا الى أقاصي المعمورة يخوضون معركة الحياة، فما شغلتهم قسوة التجربة في ميادين النوى، ولا صعوبة الكفاح في سبيل العيش الأفضل، ولا أكاليل الفوز والنصر، وغزارة المادة، وبهرجة المجتمع، والضوء الجديد الباهر عن أن تظل قلوبهم مشدودة النياط الى الوطن الاول والأهل، وأن تظل نفوسهم ملتصقة بالأرض الطيّبة، التي حضنوها بأهداب العيون، وسقوها من عصارة القلب والروح.
   لم ينسوا الاخوة الاحباء، ومرابع الصبا، ومطارح العزة، وسحر اللغة، فتسلّقوا أعمدة الشجرة النامية في بحور الشوق الى الوطن، وأخذوا يغرّدون كالبلابل في صبحهم ومسائهم، ويحومون كالنسور، في علوهم وهبوطهم، ويرسلون الألحان الشجية الممزوجة بالألم والمرارة.
   شرارات نارية كانت تخرج من النفوس، كأنها خيوط تطل على أرض الآباء والأجداد في لبنان، تبعث فيها المحبة والوفاق. 
الأرض في القلب.
ودفقات من الحنين والشوق، تتزاحم على جسور الوطن، لترأب الصدوع، وتلملم ما انفرط من العقود، وتعيد الى الأهل وحدة القلب والأرض.
الوطن في بؤبؤ العين.
   منذ الأزل، تعانقت فيه قباب الجوامع والكنائس، وتناغمت في سمائها أصوات المؤذنين مع أصوات النواقيس، وشعاره "الدين لله والوطن للجميع".
   ولم يكن الشاعر الرقيق شربل بعيني، ابن لبنان البار، المهاجر الى أستراليا، إلا واحداً من تلك البلابل المغردة، التي خطت بأجنحتها الارجوانية على أغصان شجرة العروبة الشامخة في المغارس الاجنبية، يزفرون ويتألمون، وترى أوراق هذه الشجرة تتساقط الواحدة تلو الاخرى، على ارض ممزقة تئن من جروحها، وتندب أبناءها المتخاصمين المتباعدين.
   وصوت الشاعر العربي هو صوت الأمة وضميرها.
   هو نفحة علاء، وثورة شرايين، وصرخة حق.
   هو لهيب النزوح المستعر، وصدق التوجّع والغربة.
   وأطل الشاعر شربل بعيني على أرض الوطن، يحمل ريشة فنان، ويراعة ابداع، وكلمة حق، فرسم لوحة الارض الممزقة، وحمل اليها شوقه وحنينه، وأسند رأسه الى حضنها، وخاطب الذين شوّهوا الصورة، وتحالفوا مع الشيطان، بأن مصيرهم الى القبر، ومن القبر الى البحر..
   هل يفقهون سر الألم الكامن في هذه القصيدة الرائعة التي تنضح سماً مذيباً: "دعوة الى الجنون"؟.
   هل يعرفون كيف يعودون الى رشدهم؟
   فصرخة الشاعر هي صوت الأمة، ودمعة الشاعر هي دمعة الأمة، وايمانه هو ايمان كل ذي ايمان.
   ان الفجر يشرق من خاصرة الليل..
   والامل يطل من أنات الجريح..
   والى الشاعر شربل بعيني تحية الفجر والأمل، وبسمة الأرض والوطن.
الثقافة السورية، العدد 23، السنة 22، 6/9/1986
صوت المغترب، العدد 910، 6/11/1986
**
نقطة البيكار
   إذا كانت رسائلك تغيب عنّي، ولمدة طويلة، فإن صورتك وشخصك وعاطفتك ومحبتك لا تغيب عني مطلقاً.. وأنا الذي أمنحك المعذرة عندما تنقطع رسائلك عني، لأنني أثق بأنك تحمل هموم الدنيا، بكل ما فيها من أحلام وآلام، وروحك الشفافة، وأنت الشاعر الملهم، تستيقظ كل صبح على هذا العالم بكل ما فيه من مآسٍ وملامح.
   وعندما أكتب إليك مستوضحاً عن بعض النقاط، لا أحس بأنني أضعك في نقطة البيكار، بل أعتقد بأنك تقف في مختبر الحياة، لتوزع ظلك في الأجواء المتحالفة مع الخلق والابداع، فلا تبخل، وأنت النهر المتدفق في أرض المغتربين، كي يصل رذاذه الى نفوس المقيمين.
   بالأمس، وردت الي رسالة من الاخت الاديبة نجاة مرسي، وفيها قصاصات من جريدة "البيرق" عن الندوة التي أقامتها في ملبورن لمناسبة تأسيسها وزوجها شركة "الندى" للنشر. والكلمات التي قيلت بهذه المناسبة، وكم أفرحني قيام هذه الشركة بنشر الأدب والفكر في تلك الربوع النائية، وأتمنى لها التوفيق، وسوف أنشر على صفحات "الثقافة" الأسبوعية ما قيل في هذه الندوة من شعر ونثر. كما سأنشر الاستطلاع الذي أجرته السيدة نجاة حول نشأة الأدب المهجري في أستراليا، وقدمت قصيدتك "أطفال الحجارة" وقصيدة الاستاذ نعيم خوري للنشر في العدد المقبل، أما باقي الاستطلاع فسوف ينشر على حلقات.
   أبارك هذه الجهود الأدبية والفكرية والوطنية في أستراليا، وفي هذه المرحلة تصدرت رابطة احياء التراث العربي الصدارة في المهاجر، بعد أن خبا صوت الأدب المهجري في البرازيل والارجنتين، وتراجع كثيراً عن الماضي، وكذلك في أميركا الشمالية، وأصبحت أستراليا بفضل الأدباء والشعراء المقيمين فيها في موقع الصدارة في هذا العقد.
   الحفلة التي أقيمت لتكريم الدكتور اليونس في مكتبة الأسد لمناسبة منحه جائزة جبران بالغة الروعة. كانت تظاهرة ثقافية كبيرة، احتشد فيها أكثر من ألف شخص يتقدمهم الوزراء والشعراء وحملة الأقلام ومديرو المؤسسات الاعلامية والثقافية، نقل قسماً منها التلفزيون العربي السوري، وأذاعتها المحطات المسموعة، واستمرت أربع ساعات.
   وفيت بوعدي الذي نوهت عنه في رسالة سابقة للاستاذ كامل المر، من أن كلمتي ستكون عن الرابطة وجهودها وفعاليتها، وأرسل اليك نسخة عنها، وأرجو أن تنشر في صحافة أستراليا، ولك الحرية بنشر خلاصة عن حفلة التكريم. وقد اتفقت مع الاستاذ اليونس على ارسال شريط الفيديو عن الحفلة خلال هذا الاسبوع بعد اعادة نسخه.
   تحياتي ومحبتي للجميع.
السويداء في 2/5/1993
**
هموم ومتاعب الأديب
   تلقيت بالأمس الطرد البريدي المتضمّن نسختين من كل واحدة من المجموعات الشعرية التي أهديتها الى كل من الأديبين محمد زهير الباشا وعيسى فتوح، ولسوف يقدران هذه الهدية، ولا يتأخران عن كتابة دراسة وافية عن هذا الشعر المجنّح البديع.
   وكذلك قرأت رسالتك، وأشكرك على ارسال سلامك اليّ مع الدكتور حسام الخطيب، الذي يعتبر من أعلام الادب والفكر في البلاد العربية، وسوف أزوره قريباً للاطلاع منه على مشاهداته في أستراليا.
   ويسرني أن أتلقّى ديوانك الجديد "مراهقة"، وأن أقرأ فيه شعرك العامي او الفصيح على حد سواء، لأن الشعر الجيّد يبقى جميلاً ومؤثراً ولو بأي لغة كتب.
   وقد سبق لي، في أعداد سابقة، أن نشرت لقاءكم مع الاستاذ أكرم المغوّش، كما نشرت أنباء المسرحية الناجحة التي قدمتها مؤخراً. وأنباء الاحتفال بإحياء ذكرى أمير الشعراء الذي لا توفيه الكلمات في المجلدات.
   أسفت كثيراً لاحتجاب "الوفاق" وبيع مطبعتها، وهذا يشير الى محل في عدد القراء العرب، والى أن الكلمة الادبية لا تلاقي الدعم المطلوب من القارىء لاستمرار نشرها، ولا سبيل للمقارنة بين "ديالا" و"الوفاق"، وأرجو أن تعود الى الصدور. فكل الذين يتعاملون مع الكلمة ويتعشقون الفكر، يتحملون من الهموم والمتاعب ما لا تحمله الجبال.. كان الله في عونهم.
   ان ادباء العربية في استراليا يحتلون الآن قلوب وصدور القراء العرب في قطرنا، وأرجو أن أوفق في متابعة نشر أدبهم على كافة الصعد، وانك يا أخي تأتي في المقدمة، والمستقبل القريب يثبت ذلك.
   أنا معك في كل خاطراتك، ومعك في هواجسك، وأرجو استمرار العطاء حتى تبلغ الذروة التي تنتظرها، وليس بلوغ الذروة هو انطفاء الشعلة والتوقف عند حدودها، بل ان كل أديب يشعر بأنه لم يصل، واذا شعر أو فكّر بأنه وصل، فقد حكم على نفسه بالاعدام. 
   فالى المزيد الجديد، والى الوزن واللغة الفصحى في أناشيدك المقبلة أدعوك، وان غداً لناظره قريب.
السويداء في 6/9/1987
**
وسام جديد
   حبيب الروح شربل
   قبلات حارة..
   منذ خمسة عشر يوماً أرسلت اليك المقال الذي كتبته عن صدور مجلة "ليلى"، هذه القبسة المهجرية المشعة، التي أضاءت سماء الأدب العربي في أستراليا، وأرفقته بصورة عن هذا المقال، ولعلّه تناهى اليك، واستقر بين يديك.
   وقد نشرت نفس المقال على الصفحة الأولى من مجلة "الثقافة" الاسبوعية في عددها المؤرّخ في 2/3/1996، ويسعدني أن أرسل اليك هذا العدد مع هذه الرسالة، آملاً أن يصلك وأنت بالصحة التامة.
   انني انتظر للمجلة انتشاراً واسعاً، ومؤازرة من قراء العربية في أستراليا، وكل عدد جديد يصدر فيه الجديد المفيد.
   هذه الرسالة التي تقوم بأدائها مجدداً في بلاد الاغتراب، تضيف الى ما أصدرت من ابداعات في الأدب والشعر وساماً جديداً، وسوف يبقى متألقاً على صدرك الى ما لا نهاية.
   كم أنا بشوق الى لقياك، فهل يسمح الزمن بهذا اللقاء؟
   أرجو لك، وادعو الى الله أن يأخذ بيدك لمتابعة المسيرة الجديدة التي نذرت نفسك من أجلها.
السويداء في 2/3/1996
**
وعد بالدراسة
   وصل اليّ كتابك الرابع عشر في سلسلة نفثاتك الرائعة وعنوانه "أحباب"، ويحوي عطاآت فكرية، مع تحيات عطرة لفريق كبير من "أحباب" الشاعر في المهجر والوطن. وكأنما هذا الديوان قد انتظم عقده حول عدد من عشّاق الكلمة، ورواد الأدب، مع هواجس الشاعر الوطنية في غربته الطويلة، ونقده للأوضاع القائمة من الاقتتال والتفرقة في لبنان.
   هذا الجهد في العطاء سيتحول في المستقبل الى قلائد من الاعتزاز والافتخار تزيّن صدرك. وهذا الاسلوب الذي تتبعه في شعرك، ليس أهزوجة زجل فقط، ولكنه ذبذبات روح متوثبة تعاني الكثير الكثير في غربتها من جراء ما يجري على مسارح بلادها.
   "اكتب ففي شعرك عزاء تقطف ثماره من فردوس الروح"
   لن يحول أي مانع مهما كبر من أتمام دراستي عن شعرك، وارسالها اليك، وقد وعدت ولن أرجع عن وعدي.
   أشكرك على اهتمامك بكل ما أكتبه عن الادب العربي في أستراليا، وأرجو نشر ما يكتب عندنا كي يتأكد القارىء العربي في أستراليا بأن أبناء الوطن العربي لا ينسون اخوتهم في المغتربات.
السويداء في 15/7/1990
**
يوم محمد زهير الباشا في أستراليا
   سبق للأديب المعروف الاستاذ محمد زهير الباشا ان كتب في عام 1988 دراسة أدبية متميّزة عن الشاعر المهجري شربل بعيني المغترب في أستراليا، على أثر إصدار ديوانه الشعري الثاني عشر بعنوان "ألله ونقطة زيت".
   وصدرت هذه الدراسة بعنوان: "شربل بعيني.. ملاّح يبحث عن الله"، بكتاب مستقل طبع ووزع في أستراليا، وفي عدد كبير من الأقطار العربية، وبلغت صفحاته 176 صفحة من القطع المتوسط.
   جاءت الطباعة الأنيقة والتنضيد الجميل، والتبويب الفني المبتكر، بالاضافة الى المحتوى الرائع، والاسلوب الدراسي الادبي الرفيع المستوى، لتسبغ على هذا الكتاب قيمة جمالية، وتجعل القارىء العربي ينهل من الأدب العربي في أستراليا كما نهل من قبل من أدب المهجريين الأوائل في الأميركيتين، ويؤمن بأن هذه النخبة من الأدباء والمفكرين في أستراليا تثبت هويتها الأدبية وتضع أقدامها على الطريق بعزم وايمان وتفوّق لتعزيز هذه الهوية.
   قال محمد زهير الباشا عن أدب المهجر: 
"تسابيح قلب على كوكب هذا الكون.. 
جمع الغربة في كأس كان مَواجُها ترنيمة عذاب وترتيلا..
مناخه جديد جوهره الصدق،
ظاهرته حب يجابه طغيان الزعامات،
بيادره قمح نقي مزروع في عيون الفقراء،
والشاعر شربل بعيني:
يحارب المجزرة بضمير ومثالية،
يفتت سيف شهريار بصبره ومروءته،
يمتلك الحق في رؤيته الفنية،
وتبدو صوره الشعرية لخير البشرية،
ويتعمّد الانسان وحده في صِلاته بالله،
وصَلاته لرب الاكوان".
   لقد قدّر الشاعر شربل بعيني وأبناء قريته مجدليا اللبنانية المقيمين في أستراليا، وأقروا اقامة حفلة تكريم للأديب محمد زهير الباشا، وعيّنوا موعد الحفلة في 30 حزيران 1989، وأطلقوا على هذا اليوم اسم: "يوم محمد زهير الباشا"، وأصدروا وصف هذا اليوم وما قيل فيه من خطب وقصائد واحتفالات فنية، من رقص وموسيقى، في كتاب خاص طبع في أستراليا، بلغت صفحاته مئة صفحة من القطع المتوسط، وأدرجت فيه الكلمات من شعر ونثر والرسوم المتعددة للمهرجان.
   وكتب مقدمة الكتاب في وصف هذا المهرجان الأدبي الاستاذ انطونيوس بو رزق، ومنها يطّلع القارىء على تفاصيل هذا المهرجان، قال:
"30 حزيران لا أدري ماذا أسميه، أهو يوم الأديب محمد زهير الباشا أم يوم المغترب اللبناني في أوستراليا؟
والحق.. انه يوم الاديب الباشا، ويوم الشاعر شربل بعيني، ويوم المغترب الأوسترالي، انه يوم الادب والشعر. 
فكل اجتماع باسم الحرف مساهمة في وضع حجر في بناء الانسانية في كل زمان ومكان ولغة.
30 حزيران.. يوم الادب المهجري في استراليا، كان عرساً رائعاَ، تعانقت فيه الكلمة والنغم والصوت، فارتاحت له العين واستهواه القلب، وهفت اليه المشاعر والحواس.
30 حزيران.. يوم لن يدخل متاهات الذاكرة ليصبح مجرد ذكرى، بل ليبقى ابداً شعاعاً ينير المستقبل، وحافزاً للعمل الجاد والبناء لاستمرارية الحرف وتألق الكلمة.
ان الادب المهجري هو وليد جهود وتضحيات جمة، مادية ومعنوية، ورغم العقبات والصعوبات، استطاع ان يكمل مسيرته، ولو بخطوات بطيئة، وان يكوّن شخصيته، الى حد ما، ويحقق بعضاً من ذاته.
واذا كان ادب المغترب، وخاصة الاميركي الشمالي منه، في النصف الاول من هذا القرن، قد طبع الادب العربي الحديث بطابعه، واثر بمبادئه ومفاهيمه وموضوعاته، فان ادبنا المهجري الاوسترالي ما برح يضع قدمه على الطريق بغية اثبات هويته في عالم الفكر والادب.
ولا ابالغ اذا قلت ان الشاعر شربل بعيني يحتل طليعة الذين ساهموا في ارساء اساسات الادب المهجري، فقد استطاع شعره ان يطوي المسافات ويحطم الحدود ويصل الى البلاد العربية عامة ووطنه الام خاصة، وان تشغل مؤلفاته حيزاً مهماً بين اخواتها المقيمات، فانبرت الاقلام، المقيمة منها والمغتربة، تتدارسه وخير شاهد على ذلك الاديب محمد زهير الباشا الذي احتفل بيومه في 30 حزيران تكريماً من اهالي مجدليا المقيمين منهم والمغتربين على دراسته القيّمة "شربل بعيني: ملاح يبحث عن الله" التي تعد باكورة الاهتمام الفعلي والجدي بأدبنا المهجري الاوسترالي.
لقد كان يوماً ادبياً مهجرياً بكل معنى الكلمة، حيث ضاقت صالة "تاون هول" غرانفيل، على وساعتها، بحشد غفير فاق كل تقدير وتوقّع، كما حضرته ايضاً غالبية الوجوه الادبية والفنية والصحفية والاجتماعية من ابناء الجالية، كذلك نقلت بعض وقائعه اذاعة الـ تو اي آي المتمثلة بالسيدة ماري ميسي.
وميزة 30 حزيران كونه يوماً متعدد الجوانب بما يلائم سائر الميول والاذواق، فمن مهرجان ادبي وشعري الى موسيقى وغناء وتمثيل، الى معرض لنتاج الادباء والشعراء المحليين، وآخر للوحات فنية رائعة للفنانين والفنانات، جورج يمين، رنده عبد الاحد، تجمع المسنين العرب، انور يوسف، نجوى عاصي، سايد الحايك، اضافة الى عرض نماذج تنمّ عن تقنية عالية لمطبعة "راليا برس"، كما قام الاستاذ سليم الزبّال بالعرض الاول لبعض مقتنيات مركز المعلومات والدراسات العربية في اوستراليا، ونماذج لاكثر من 74 جريدة ومجلة عربية صدرت في اوستراليا مع كشف باسمائها.
ورغم غياب الاديب الباشا عن يوم تكريمه، فقد كان حاضراً من خلال الرابط الادبي والشعري الذي يجمع كل اديب او شاعر في العالم بنظيره، بغض النظر عن تشعّب المدارس الادبية واختلاف النظرة الى الامور والقضايا الانسانية.. ومن خلال تمثيله الرسمي بالاستاذ فؤاد نمور الذي القى كلمته".
افتتح المهرجان السيد الياس ابي خطار، مختار بلدة مجدليا، ثم تتابع على منبر الخطابة الادباء والشعراء: كلارك بعيني، أكرم المغوّش، أنطونيوس بو رزق، جميل م. الدويهي، جوزاف بو ملحم، راشد الحلاب، زين الحسن، عصمت الايوبي، عصام ملكي، فؤاد نعمان الخوري، كامل المر، نعيم خوري وفؤاد نمور.
وشارك في المهرجان، اضافة الى كلمات الادباء والشعراء، مطربون مع فرقهم الموسيقية وفرقة مدينة الشمس.
   ثم أعلن الاستاذ فؤاد نمور ان رابطة احياء التراث العربي في أستراليا منحت الاديب الكبير محمد زهير الباشا جائزة جبران الادبية تقديراً له لجهوده الجبارة في حقل الادب عامة والمهجري بخاصة. 
وقد استمر هذا الاحتفال مدة تزيد على اربع ساعات.
الثقافة السورية، السنة 33، العدد 6، 10/2/1990
**