شربل بعيني ظاهرة مميزة

مقدمة
بقلم شربل بعيني
ـ1ـ
ـ الحمد لله على خلاص الستّ رضا يا خواجه شيبان. ماذا ستسمّي الصبي؟
ـ بطرس.. على اسم جده.
ـ ألله يعيّشه..
   وعاش بطرس شيبان عنداري منذ لحظة مولده عام 1938، الى يومنا هذا، حياة ملؤها المحبة والعطاء والتفاني في خدمة الغير، فعشقه الجميع، وحام حول زهوره الأصحاب كقفير نحل، فمدّهم برحيقه الانساني، وأعانهم على فرزه عسلاً.
ـ2ـ
   "متريت" بلدة لبنانية تقع في منطقة "الكورة" الشمالية، المعروفة باخضرارها الدائم، وبزيتونها الذي تشتهي الخوابي احتباس زيته.
   قد تضاهي "متريت" بلدة "وادي شحرور" من حيث كثرة شعرائها، ومن النادر جداً أن تجد متريتياً واحداً ولم يعزف على أوتار المعنى والقرادي والعتابا، وهذه الأبيات للشاعر جورج منصور تثبت أن الطفل المتريتي مشهود له بالشعر:
ليالي ضيعتي أوّل زماني
وينك يا زماني الأولاني
يا أول حفلة معنّى حييها
شاعر طلّ من صفّ الحضانه
ويا أول كلمة الـ عنّي حكيها
الشعر.. عندو الصبي رقّة معاني
   إذن، فبطرس نشأ في بيت شاعري البيئة، زجلي القول. جدّه "المتريتي" مثلاً طبقت شهرته الآفاق، إلى أن توفـّاه الله في أوائل الخمسينيات. كما أن والده شيبان كان شاعراً معروفاً في شمال لبنان، رغم أن شعره اقتصر على المناسبات فقط.
   من هنا نقدر أن نستنتج سبب ثورته على "الشعر الخنفشاري":
   "لقد طال السكوت حول الكثير من الانتاج الشعري الفصيح والزجلي، ونشر منه ما يبكّي ويضحك، وأهمل معظمه. ويتشبثّ شعراؤنا الخنفشاريون بمفهوم واحد للشعر، هو أن ينظم أحدهم مجموعة من الأبيات يتألّف كل بيت منها من كلمات تتشابه نهايتها بحرف أو حرفين متشابهين.
وأرى نفسي مضطراً على نشر أجزاء من أي شعر يصلني تحت اسم أختاره في الوقت المحدد. واعتقد أن التنفيذ شبه مؤكّد بعد أن اطلعت على قصيدة وصفتها الصحيفة الناشرة بأنها "رائعة نالت الاعجاب، واستحقت التصفيق الحاد"، وكانت مسخرة تثير الضحك والشفقة والبكاء. آمين".
   هذه الصرخة المؤلمة تشبه الى حد بعيد صرخة معلم الجيل مارون عبّود في أوائل هذا القرن:
   "تعددت الصحف، وازداد عدد حملة الأقلام، فهبطت بورصة الكتاب هبوطاً عظيماً، كلهم يتسابقون على صفحات الجرائد آملين أن ينالوا قصب السبق".
   وبسبب نظرته الصارمة الى الشعر، فرحت كثيراً عندما أعلن بطرس في إحدى الندوات حول شعري أنني لست شاعراً عددياً: 
   "يعيش شربل بعيني شاعراً، عمله الشعر، حرفته الكلمة، هوايته إصدار أو تفقيس الكتب، ودغدغة الأوراق على المكتب، أو في الحديقة، أو في السرير.
   لقد أصبح شربل بعيني ظاهرة مميزة في مغتربنا بتعدد دواوينه في جالية كانت حتى الأمس القريب قاحلة أدبياً وفكرياً.
   في البداية كنت أظن أن شربل بعيني شاعر عددي بين مجموعة كبيرة من ناظمي الشعر الشعبي، الذي نعرفه باسم الزجل اللبناني، ومع مر السنين، ومواكبة انتاجه، تعرّفنا عليه وعلى دنياه الشعرية الواسعة، الشفّافة، الضاحكة أحياناً والواجمة الجامدة أحياناً أخر".
ـ3ـ
   بقيت بلدة "متريت" معزولة عن العالم، شأنها في ذلك شأن معظم القرى اللبنانية، التي لم يركض أطفالها وراء سيارة تجوب شوارعها الضيقة، حتى منتصف الخمسينيات. لذلك أمضى بطرس طفولته وسط سهرات قروية عامرة بالكيف والطرب والمساجلات الزجلية الرئعة، فنما حب الشعر في قلبه نمو شبابه الغض، واعتداده بنفسه الى أن تمكن منه:
من كورة الخضرا انطلق شعرك نسيج
مواسم حرير وزهر ليمون وأريج
ومتل الشتي ع ورود عطشاني انهمر
يحيي النفوس بلا عراك ولا ضجيج
   ولكي يحافظ على "حبّه" هذا، التحق بمعهد الكسليك منذ افتتاحه سنة 1950 لغاية 1953، فتمكن بهذه السنوات الثلاث من امتلاك زمام اللغة العربية وقواعدها، ومن الاطلاع على معظم تيارات الفكر والادب والشعر العربية والعالمية الرائدة وسبر أغوارها.
   بعد الكسليك، احتضنته مدرسة "عابا ـ الكورة" مدة عامين تقريباً، قبيل التحاقه عام 1955، بوالده في البرازيل، وهو لم يكمل بعد السابعة عشرة من عمره.
ـ4ـ
   يقولون:
ـ في الحركة بركة..
ـ قم كي أقوم معك.
ـ لو ما التنقل خير ما وصل هذا الطير..
   ولو لم يعشق أديبنا هذه الامثال، لما تنقل كل هذا التنقل من مدرسة الى مدرسة، ومن قرية الى قرية، ومن بلد الى بلد، بفترة زمنية قصيرة، كان مسك ختامها وصوله عام 1957 الى جزيرة عالقة بكعب الأرض تسمّى أستراليا.
   لماذا هاجر بطرس عنداري الى البرازيل ومنها الى أستراليا؟.
   سؤال لا بد من طرحه، ومن التفتيش عن إجابة له:
   هل لأن "الهجرة داء لبناني زمن سرت جراثيمه في دم القوم منذ دهور"، على حد تعبير مارون عبّود.
   أم لأنه "قلّ أن ترى الآن بلدة أو قرية من قرى لبنان البالغ عددها 1600 قرية، ليس فيها بيت مسقوف بالقرميد الأحمر. والشائع في القرى اللبنانية أن صاحب البيت المسقوف بالقرميد الأحمر، يجب أن يكون قد جمع ثورة في أميركا". كما قال فيليب حتي.
   قد يكون الاستنتاج الأول أقرب الى الصواب من الاستنتاج الثاني، لأن بطرس سافر الى البرازيل، ولم يسقف بيته بالقرميد الأحمر، حتى ولم يجمع "فلس أرملة" ليضعه في صينية احدى الكنائس. جلّ ما فعله هناك هو الاستفادة من الاطلاع على نتاج العصبة الاندلسية، ودراسته بعمق، وتحضير حقيبته لهجرة ثانية.
ـ5ـ
   أنا لا أعتقد أن انساناً مثل بطرس عنداري، رافقه الكتاب في جميع رحلاته، قادر على شراء قرميدة واحدة حمراء.
   فماذا جاء يعمل في أستراليا إذن؟
   بادىء ذي بدء، اتصل بمعهد الصحافة المصري وحصل منه على دبلوم رسمي، ثم بدأ يراسل كبريات المجلات العربية في الوطن الأم، كالصياد، الأسبوع العربي، الكفاح، الأحرار، وآخر ساعة.
   خبرته الصحفية هذه، شجعته على المشاركة بتحرير صحيفة "التلغراف" منذ تأسيسها عام 1970، ثم ترأس تحريرها مدة خمس سنوات، كانت بدايتها عام 1973.
   وفي العام 1974، أسس مع بعض الزملاء صحيفة "الشرق الأوسط" الاسبوعية.
   وفي العام 1978، بزغ فجر "نهاره" مع أنطوان مارون، وأسعد الخوري، وما زال ساطعاً حتى الآن.
   إذن، فأديبنا لم يحصد من هجرته قرميداً أحمر، بالقدر الذي حصد منها متاعبَ، وأدباً، وسياسة، و"صحافة لا تطعم همبرغر" على حد تعبيره.
ـ6ـ
متاعبه تكلّمنا عنها، وأدبه سنقرأه من خلال بعض المقالات التي خصني مشكوراً بها، وصحافته بإمكاننا الاطلاع عليها من خلال أدبه، أما سياسته فالله أعلم.
   هناك زاويتان أسبوعيتان كان، رحمه الله، يكتبهما في النهار، الأولى سياسية "نقاط على الحروف"، وقد اكون القارىء الوحيد في أستراليا الذي لم يقرأ هذه الزاوية، ليس استخفافاً بها، معاذ الله، بل ابتعاداً عن هموم السياسات المتقلبة، وبطرس يعرف هذا تماماً، وقد ألمح اليه في احدى دراساته حول شعري:
   ".. يقول شاعرنا انه يكره السياسة والتسيس الى درجة أنه يتجنب قراءة الأخبار والأحداث، وهذا حقّه، ولكننا نريد منه خوض معارك الحياة، ومرافقة التطورات والتحولات. فمثلاً لولا قراءة شربل لذلك الخبر في صحيفة لبنانية عن الجندي "خالد كحول" لما طلع علينا بتلك القصيدة في ديوان "مجانين".
   والثانية "كي لا ننسى"، التي يلجأ بها الى الدعابة بغية تمرير "ضربه"" كما يقولون بالعامية اللبنانية، وهو يدرك تماماً مدى تجاوب القارىء مع كتابات كهذه في مهجر كل ما فيه ومن فيه يركض في اتجاهات متعاكسة، فتأتي عندئذ "النكتة" لتريح القارىء، وتزيد بعمق طرحها وجديته من ثقافته.
ـ7ـ
   وبما أنني ذكرت الدعابة والفرح والمرح وجب علي أن أقول إن بطرس عنداري، سيدُ النكتة المرتجلة بلا منازع، فما أن يراك حتى يسلخَك واحدةً تضحكُك لمدة أسبوع، ولهذا سأتناول هذه الناحية المفرحة من حياته، لأن الابتسامة لم تفارقْ شفتيه أبداً. وها أنا أخبركم ماذا فعل بي عندما التقيته في إحدى الحفلات، وكان برفقته الصديق أكرم المغوّش، فلقد قال لي بصوتٍ عالٍ كي يسمعَه أكرم: انتبه من أكرم.. 
فسألته باهتمام بالغ: ولماذا يجب ان أنتبه منه؟
فقال بجديةٍ بالغة: بإمكانه أن يجعلَك درزياً بأقل من خمس دقائق.
   ومرّة، كنّا نستمع الى الشاعر الصديق فؤاد نعمان الخوري وهو يغنّي بصوته العذب إحدى قصائده الجميلة، فاقترب مني بطرس وقال: فؤاد يخوّف.. مركزُك الشعري مهدّد. فقلت له: فؤاد آدمي لا يخوّف. فقال: يا غشيم.. فؤاد شعره جميل وصوته جميل، أما أنت فشعرك جميل، وصوتك مثل الدبّور بالجرّة.
   ذات يوم سألته: لماذا لا تنشر صورتك مع المقال يا استاذ بطرس؟
فشذرني بغضبٍ وقال: تطلّع بي جيّداً.. هل أُشبه صوفيا لورين أو مارلين مونرو أو فاتن حمامة؟
فأجبته: بالطبع لا..
فقال: إذن.. سأترك مرض نشر الصور لغيري. 
   وكم كانت فرحته عظيمة عندما اعترفتُ له قائلاً: أنا معجب جداً بزاويتك "كي لا ننسى".
فضربني على كتفي وقال: وأنا معجب بشعرك.. والجريدة جريدتك.. أنشر معي، وسأطعمك كل شهر "همبرغر بيغ ماك" من ماكدونالد.. اتفقنا؟.
   وعندما بدأت أنشر معه، اختار لزاويتي اسماً لن يخطرَ على بال أحد: "قذائف ورد"، وبعد "القذيفة" الأولى دعاني الى العشاء في منزله، حتى أتذوقَ طعامَ "أم زياد" اللذيذ، فأعجبتني صورة له وضعت في إحدى زوايا البيت، فطلبتها منه، فضحك وقال: 
ـ رُحْ علّق صورة مار شربل.. واترك صورة مار بطرس هنا. 
   فلم ألتفت له، بل حمَلت صورته ووضعتها في مدخل بيتي، وكان كلما زارني يتطلع بالصورة ويرمي السلام على نفسه: "السلام عليكم". 
   وذات يوم انتقدني أحد الزملاء، فقررت أن أردّ عليه، ولكن بطرس، رحمه الله، رفض أن ينشرَ ردّي، فغضبت منه وقررت أن أضع صورتَه بالمقلوب، رأسه من تحت وقدماه من فوق، ولحسن حظّي وسوء حظّه، أتى لزيارتي في اليوم ذاته بغية مراضاتي، فما أن ولج عتبة الدار كي يرمي السلام على صورته، حتى وجدها مقلوبةً رأساً على عقب. فصاح بأعلى صوته: العمى بقلبك.. أرجعها كما كانت، معي ضغط دم.
   ومرة كتبت مقالاً أسخرُ به من جمعية نسائية قررت، أيامَ الحرب اللعينة، أن تهاجمَ المتاريس في لبنان بغية إزالتِها، وطلبتُ من النساء المرفهات إرسالَ خادماتِهن بدلاً عنهنّ، فقصّ بطرس المقال، وأرسلَه الى رئيسة الجمعية، التي حشدت، نكايةً بي، آلاف النساء وهاجمنَ المتاريس الموجودة عند المتحف اللبناني في بيروت، ليهاجمَني بطرس بمقالٍ عنونه هكذا: فقأنَ حصرمة بعين شربل بعيني.
   وأذكر عندما دعيت للمشاركة بمهرجان المربد الشعري في العراق عام 1987، كيف همس في أذني بجدية بالغة: أين ستخبىء مصرياتك اثناء السفر؟ فقلت له: في جيبي. فشد على يدي وهو يقول: أنت مسطول حقاً، ضعها في الكلسات التي تلبسُها، فتريحك وأنت تمشي، ولا أحد ينشلك كما نشلوني أنا. وعندما سافرت كنت أسيرُ طوال الوقت على الدولارات التي خبأتها في جواربي، وكنت الثاني، بعد بطرس، الذي يدوس على رقبة الدولار، ويمشي بأمان وفرح.
   وكما تعلمون، لم يكتب بطرس عنداري عن شاعر أكثر مما كتب عني، فقررت أن أردّ جميلَه، وأنشرَ أولَ كتابٍ له "كي لا ننسى"، وما أن حملَ نسخةً من الكتابِ بين يديه، وقرأ على غلافه أبياتي الزجلية هذه:
بطرس عنداري خْساره
يخلق منّو واحد بسّ
كاتب في عندو شْطاره
ما توقّف عَ حدود الأمس
جايي لهالدنيي زْياره
خلاّها تتحوّل عرس
وصفّى للحرف مْناره
زاغت منها عيون الشمس
حتى غمرني وقال: عندي "بورة" أرض صغيرة في لبنان، أحب أن أكتبها باسمك، شرط أن تنقلَ أوراقَ نفوسِكَ من "مجدليا" الى "متريت". 
   وصدقوني أن كنوز هارون وكسرى انو شروان لا تساوي عندي اعترافه بفضلي في مقدمة كتاب المجموعة الثانية من "كي لا ننسى" 2002 ، صفحة 7، فلقد قال: " ولعلّ الصديق الشاعر شربل بعيني هو صاحب الفضل الأول في اطلاق فكرة تحويل "كي لا ننسى" الى كتاب حيث تطوّع قبل 14 عاماً ونشر مجموعة منها، تصدرتها مقدمة رائعة، ضمّنها سيرة شخصية، اضافة الى قطعة أدبية كتبها الاديب العربي السوري نعمان حرب لمجلة "الثقافة" السورية، وتضمنت مقدمة شربل والاستاذ نعمان حرب تقويماً حاراً ومشجعاً لزاوية "كي لا ننسى"، ولا يمكنني الا أن أكرر الشكر والامتنان للأديبين". 
   والمضحك المبكي أنني عندما سألت فقيدَنا الغالي، قبل وفاته بأسابيع، ذلك السؤالَ الذي فاجأه: أين تريد أن تدفن، في "متريت" أم في "سيدني"؟ فما كان منه إلا أن ضحك وقال: بطرس عنداري لا يموت.
ـ8ـ
   روح المرح مع بطرس تبدأ من عنوان مقاله الذي غالباً ما يكون بحد ذاته نكتة.
ـ ميلاد بدون مسيح.
ـ أنكزلي بأنكزلك.
ـ أفلستنا التنابل.
ـ زمن الكلاب.
ـ جمعيات وتجمعات لضرر المجتمع.
ـ تعال ايها الحقد.
ـ الاكل اللبناني يبحث عن بطل.
   وتنتهي مع انتهاء المقال.
   وبسبب سعة اطلاعه، نراه يستشهد دائماً بكتابات أدبية، وابيات شعرية، بغية دعم ما يطرح من آراء.
   ويظهر جلياً من كتابات بطرس الكثيرة انه تأثّر صحفياً بسعيد فريحة، وأدبياً بمارون عبّود وسعيد تقي الدين، وشعرياً بنزار قبّاني، وربما قرأ، كي لا أبالغ وأقول: لا بل حفظ كل  كلمة كتبها هؤلاء.
ـ9ـ
   تزوّج من لمياء حبيب عبيد سنة 1969، فرزقهما الله على التوالي:
ـ زياد 1970
ـ حنان 1972
ـ عماد 1973
   ورزقنا نحن أديباً، كثير الأسفار، قوي الحجة والبرهان، سيّال القلم، واسع الثقافة، يعرف كيف ينال من أعدائه بتهكمات لاذعة، تصبح بين ليلة وضحاها حديث الشارع.
   أحبه الأصدقاء، واحترمه الأعداء، وكانت لي هذه المقالات الرائعة التي خصني بها، والتي لم أتمكن من جمعها كاملة لظروف قاهرة، فلقد خسرت، وللأسف، بعضاً منها، ولكنني أعدكم بنشر كل مقال اجده في المستقبل بنسخة هذا الكتاب الالكترونية، أو بطبعته الثانية ، إن شاء الله. 
   فألف تحية لروحه الطاهرة، وصدق حين قال: بطرس عنداري لا يموت.
مقدمة كتاب "كي لا ننسى، الطبعة الأولى 1988، مع بعض الاختصار والزيادة والتنقيح كي تتماشى مع هذا الكتاب.
**
عنداري ـ بعيني: العين المزدوجة
بقلم فؤاد نعمان الخوري
 أعترف أنني أحترم النقد، ولست بناقد، وأتذوّق المنهجية الأكاديمية، ولا أدعيها، فأنا مزاجي، انطوائي واجتماعي في آن، وللنقد أصول موضوعية ومدارس واتجاهات. ولقد "خربتني" المطالعة، وأنا طاحون كتب وجرائد، فأراني أحياناً متأرجحاً بين نزعتين: فطرية أصلية، ونقدية مكتسبة، وهنا السؤال: بأية عين أتطلّع الى كتاب كي لا ننسى؟ (1)
   في هذا الكتاب، الشاعر شربل بعيني، طاحون النشر في أوستراليا، يختار بعض مقالات للصحفي بطرس عنداري، ويقدّم لها، ويضمّها بين دفـّتين، وبين بعيني والعنداري، حرف "العين" مزدوج، ولعل نظرة "العين" مزدوجة أيضاً. فماذا يرى "أبو زياد" حتى يكتب؟ ولماذا تحمّس "أبو الهمّات" لكتابات "أبو زياد"؟.
أولا العين الواحدة:
   العين مرآة النفس، وانعكاس العالم في النفس، في وقت واحد. انها طريق معرفة باتجاهين: داخلي وخارجي. ومع أنها أداة للذهن، فقد تنزلق أحياناً الى شهوة القيادة، وتورط صاحبها، حتى قال فيها الكتاب المقدّس: "اذا شككتك عينك اقلعها.."، وقد تعود المسكينة الى وظيفتها الأصلية "كاميرا" من لحم ودم، لكنها غالية كثيراً، وإلا، فكيف تنادي حبيبتك "يا عيني"؟.
   وعين بطرس العنداري ثاقبة ومنقبة، محبّة ومسؤولة، حنونة وقاسية، وذكية بامتياز، فهي تتنقل بصورة "بانورامية" من أخبار الحرب في لبنان، الى مفارقات السياسة الاسترالية، الى مآقي أهلنا في سيدني، الخ.. 
   ومن عناوينه تعرفه: الشعر الخنفشاري، انكزلي بأنكزلك، زمن الكلاب، بخور الخوري شلهوب أو "المونسنيور يا بطرس"، تعال ايها الحقد، وهلم جراً..
   وفضل العنداري انه تخطى مرحلة التلقي السلبي لمظاهر أوستراليا "الحضارية"، فأمعن في نقدها وتشريحها وكشف خفاياها، وهكذا اصبحت العين سلاحاً اصلاحياً وواسطة وعي والتزام. هذا الملتزم بآلام شعبه، في الوطن والمهجر، يقول: "أبحث عن موضوع لهذه الزاوية، أعثر على الكثير من مواضيع النقد الاجتماعي، التي تطال شعبنا ومهاجرينا، ولكن لا يجوز أن تكتب عن الفكاهة والخمريات، والجمال الصارخ، عندما تكون المناحة قائمة، والجثث تملأ الساحات" (2)، هو يكتب، اذن عن هموم الناس الحقيقية، فما هو رأيهم؟ وكيف تنظر اليه عيونهم؟.
ثانيا: العين المزدوجة:
   قد لا يهم عدد الذين قرأوا مقالات "كي لا ننسى" على صفحات "النهار"، فأنا من المؤمنين بالجودة وبالنخبة ـ الخميرة. وأذكر هنا قولاً لرئيس وزراء تونسي سابق هو الهادي نويرة: "الديمقراطية لا تعني حكم الأكثرية الجاهلة".
   ولكن يهمني صدى "كي لا ننسى" في نفوس أدباء المهجر، أو من يدّعون. هنا أرفع قبّعتي لشربل بعيني، الذي حضن هذه المقالات، بعفويته المعهودة، وعرّفني، أنا المضروب حديثاً "بزلطة" الغربة، على حياة بطرس العنداري، الصحافي المعتصم بحبل الصمت الشفهي، إلا اذا داعبك أو "ناقر" أم العيال.
   عين شربل بعيني رديفة لعين بطرس العنداري، شريكتها في النظر، والاعتبار، و"نشر الغسيل على السطوح".. والنظر بعين مزدوجة أخطر، والقضية أبعد من تصوير فوتوغرافي بكاميرا متريتي ساخر.
   لماذا يرى بطرس العنداري ويكتب؟
   لماذا لا "يطفش" كسائر الناس؟
   لماذا يدعمه "شربل" ويزكي مقصده؟
   وتكرّ الأسئلة، حتى نصل الى سؤال أساسي: لماذا يكتب الكتـّاب؟
   بصراحة، لا أملك جواباً واحداً ونهائياً على هذا السؤال ـ المعضلة. وأستعير هنا جملة من الشاعر الألماني الراحل "هلدرلن" الذي أوصى كل شاعر من بعده بقوله: كن كالكأس التي لا تتعب من الرنين.. الكتابة فعل تحدٍ للموت، ومقارعة للزمان، وتمرّد على الغربة والقهر والحزن والاحباط، وتجاوز لمحدودية العمر الى لا نهاية العطاء.
   هكذا قال شربل عن بطرس:
جايي لهالدنيي زياره
خلاّها تتحوّل عرس (3)
   باختصار، المشهد ينتقل من عين الى عين، وقد تكون عيني ثامنة أو رابعة، المهم "أن نعرف الحق، والحق يحررنا"، وأن نعتبر صدور كتاب هنا في أرض القحط الأدبي والادعاء الفارغ، عملاً بطولياً.
   وكم تمنيّت لو حملت المقالات المنتقاة تاريخ صدورها في "النهار"، اضاءة للنص، وشهادة للتاريخ، وأراني أحلم يمجموعة كاملة تضم هذه المقالات في مجلد واحد، فهل أدعو، من غير أن أدري "أبو زياد الى الاستشهاد؟
   أين أنتم يا اصحاب الملايين من أبناء جاليتنا الميامين؟ وأين دار النشر العربية في أوستراليا؟ أين.. أين؟
   رحمة الله على فلوسك يا شربل، وهنيئاً لنا بكتابك.
المراجع:
1) كي لا ننسى، مجموعة مقالات للصحافي بطرس العنداري، اختيار وتقديم الشاعر شربل بعيني. 104 صفحات من القطع الوسط، سيدني 1988.
2) كي لا ننسى، صفحة 39
3) كي لا ننسى، الغلاف
النهار، العدد 595، 16/6/1988
**
بعد نظر
   عندما أهداني المرحوم بطرس عنداري كتابه الضخم "كي لا ننسى" عام 2002، الذي أصدره، بعد الطبعة الأولى التي نشرتها له عام 1988، بـ 14 سنة تقريباً. رحت أقلّب صفحاته وهو ينظر الي بعينين فاحصتين، وقبل أن أصل الى آخر المقالات، ضحك وقال: لا يوجد أي مقال عنك.
فشذرته بغضب وقلت: أنت قليل الوفاء..
فتابع ضحكه وهو يقول: أنا بعيد النظر.
فصحت: لا.. بل أنت شحيح النظر؟
   فاقترب مني وقبّلني على جبيني وقال: ستجمع أنت، أجل أنت، كل ما كتبته عنك في كتاب واحد. هذا "بزّك" يا شربل.. وأنا أعرفك جيّداً.
   وبعد مرور 12 سنة على هذا الكلام، ها أنا أنشر مقالاته عني في كتاب ورقي والكتروني، وصوته ما زال يرن في أذني: أنا اعرفك جيداً. 
شربل
**
التشريع والاجتهاد بين شربل بعيني وميشال حديّد
   أحبّ الكتابة عن كل شيء، وأطمح أن أطرق جميع الأبواب من غزل وفلسفة وأدب وسياسة واقتصاد وزراعة وعلم فضاء وكومبيوتر وطبّ.
   ولا يعيقني عن التطرق الى هذه الابواب سوى الافتقار الى المعلومات.
   ولكنّي أتهيّب موضوعاً واحداً، ولا أفضل أن أكون كاتباً ومنظّراً فيه: انه موضوع الدين والقضايا الغيبية والايمانية.
   والأسباب هي حساسية هذا الموضوع وانقسام البشرية الى اديان متعددة، وتفرّق كل دين الى شيع وطوائف، مما جعل البشرية في صراع فكري، وغير فكري أحياناً، بسبب هذا الموضوع منذ وجود سفر التكوين.
   وقد حسدت الصديقين ميشال حديّد وشربل بعيني على شجاعتهما ونزولهما الى ساحة التشريع والاجتهاد حول شخصية الامام علي الذي كنت القيت كلمة حول اقواله ونهجه منذ اكثر من عشرين عاماً بدعوة من حركة الشباب المسلم العلوي في ردفرن، وركزت تلك الكلمة على عظمة علي كقائد فاتح، وحكيم انساني، كما ورد في نهج البلاغة.
   ولكن ميشال وشربل تركاني وراءهما عدة اميال، وغاصا في بحور الاجتهاد والتحاليل الدينية الدقيقة، والويل لطائفة تستقي تشريعها من ميشال وشربل، وعلى صفحات جريدة يملكها بطرس.
   ولو عرف المجتهدان ميشال وشربل بان نجاحهما لن يكون افضل من فشلهما في هذا المجال لكانا كرّسا ما صرفاه من وقت على كتابة الشعر المنثور والمنظوم والمصفّح.
   ويسأل سائل: ماذا تفعل لو طلب منك ان تلقي كلمة في مناسبة دينية؟ هل تتهرب أم تتجاوب؟
   الجواب: لا للتهرب ونعم لكلمة تركّز على ما في الدين من فضائل وقيم انسانية خيّرة، دون التطرّق الى الماورائيّات، واثارة الجدل.
   لسنا ندري اذا كان شربل وميشال يطمحان الى دخول التاريخ بالغوص في هذا الموضوع الذي يخيفني الغوص به، وأتهيّب التطرق اليه. إذا كان الأمر كذلك فعلينا ان نقرّب بين وجهتيْ نظرهما ليعدّا لنا تفسيراً نسميه تفسير "شرشال" للجليلين شربل وميشال، ورحم الله المحلّي والسيوطي.
النهار: العدد 785، 21/1/1993
**
الكشف عن كي لا ننسى
   وهنا، لا بدّ لي من أن أشكر الأخ العزيز الشاعر والناشر الاستاذ شربل بعيني على اقتحامه فكرة نشر كتاب حول "كي لا ننسى"، تضمن مقدمة، ومجموعة مقالات، نشرت بخامتها الأصلية، وبشكلها الصحفي. وقد قدّم الأخ شربل ريع الكتاب لرابطة إحياء التراث العربي، وهذه أريحية تستحق الشكر، كما انها دعم لمسيرة الأدب والكلمة.
مقطع من خطاب ألقاه بطرس عنداري في الندوة التي دعت اليها رابطة احياء التراث العربي حول كتابه "كي لا ننسى" عام 1988، ونشره في النهار، العدد 568، 15/9/1988
**
أمراء الشعر من أحمد شوقي الى شربل بعيني مروراً برشيد نخلة وغيره
   يعود تاريخ الأدب العربي الى أكثر من ألفي عام، وهذا أطول تاريخ أدبي لم تتغيّر معالمه ولغته خلال عشرين قرناً، واستمر الطلاب والأدباء عبر العصور يدرسون الشنفري وطرفة كما يدرسون الجاحظ وأبي تمام وطه حسين وجبران وأنسي الحاج.
   ولم يعرف الأدب العربي في تاريخه المعارك والصراعات حول تزعم الشعر والأدب، بل كانت هناك معارك الجفاء والهجاء التي مثل قمتها الفرزدق وجرير.
   ولكن المعارك "الزعامية" اشتعلت في القرن العشرين عندما أجمع عدد من الشعراء البارزين في مصر والعالم العربي على مبايعة أحمد شوقي إمارة الشعر.
   لا شك أن شوقي هو أحد كبار الشعراء العرب قديماً وحديثاً، ومن القمم الشعرية الثابتة، ولكن لقب الامارة لم يعطه أهمية إضافية، ولم يزد على شعره شيئاً، وقد تسببت إمارة الشعر لأحمد شوقي بمعارك جانبية من قبل شعراء وأدباء كبار داخل مصر وخارجها، كما سبب لقب "عميد الأدب العربي" الذي أعطي لطه حسين مشاكل مشابهة.
   وقد اطلع أحمد شوقي ذات يوم على بعض قصائد شاعر شاب في العشرينات من عمره يدعى أمين نخله، وقرأ له قصيدة مطلعها:
أحبك في القنوط وفي التمني
كأني صرت منك وصرت مني
   فأعجب بشعره، وعندما علم أنه نجل الشاعر رشيد نخله واضع النشيد الوطني اللبناني، الذي كان يحمل لقب "أمير الزجل" قرر شوقي أن يختار أمين نخله خليفة له، فكتب أبيات هذا مطلعها:
هذا ولي لعهدي
وقيّم الشعر بعدي
وكل من قال شعراً
في الناس عبد لعبدي
   وحمل أمين نخله لقب خليفة أمير الشعراء، وثبّت الأبيات التي نظمها شوقي في صدر ديوانه "دفتر الغزل" مما عرّضه للانتقادات والسخرية أحياناًً.
   ولكن أمين نخله لم يدّعِ بعد وفاة شوقي عام 1932 انه امير الشعر، ولم يستعمل اللقب اطلاقاً، بل كتب وقال ان ما نظمه شوقي كان عاطفة وتقديراً وليس رتبة، إذ من المستغرب أن يقدم شوقي على تعيين خليفة له بعد أن كان حصل على ذلك اللقب بالمبايعة.
   عند هذا الحد طويت قضية إمارة الشعر، ورفض الأخطل الصغير مبايعته لقب "أمير الشعراء" عام 1964، مكتفياً بتقبّل حفل تكريمي قال فيه عمر أبو ريشة:
أيقولون أخطل وصغير
أنت في دولة الشعر أمير
   وكانت هذه القصيدة أعدت لمبايعة الأخطل إمارة الشعر، ولكنه رفض ذلك، وبقيت "الإمارة" في القصيدة فقط.
   ومن إمارة الشعر الفصيح ننتقل الى امارة الزجل اللبناني، أي الشعر الذي يكتب بالعامية اللبنانية.
   بعد أن نهض الشاعر رشيد نخله بالشعر الزجلي، وجدد به ورفع مستواه من قول في مناسبات الحزن والفرح الى قصائد رائعة تداولتها الطبقة المثقفة والراقية اجتماعياً، والتي انتمى اليها رشيد بك، قرر الشعراء الزجليون بشكل إجماعي مبايعة رشيد نخلة إمارة الزجل، وكانوا تأثروا بـ "إمارة" شوقي، التي سبقت مبادرتهم بعدة سنوات.
   لم يعارض أي من شعراء الزجل مبايعة رشيد بك، بل أجمعوا عليه، وبما أن شوقي كان اختار أمين نخلة ـ نجل رشيد ـ ولياً للعهد ليكون أميراً للشعر بعده، أقدم رشيد نخلة على اختيار أسعد الخوري الفغالي الذي عرف بلقب شحرور الوادي خليفة له وولياً لعهده.
   ولكن الموت داهم شحرور الوادي وهو في السابعة والثلاثين، وقبل وفاة رشيد نخلة بعام واحد، فرحل نخلة وولاية العهد شاغرة.
   ودارت معركة حامية حول إمارة الزجل، فاختار عدد من الشعراء الشاعر وليم صعب أميراً، واختار آخرون رامز البستاني، واستمر الجدل لعدة سنوات طويت بعدها معركة "الإمارة" حين برز شعراء كبار مثل أسعد السبعلي، أسعد سابا، خليل روكز، وغابي حداد، وإيليا أبو شديد وغيره، تحول لقب الامارة الى "مزحة" بعد أن أصبح الانتاج الشعري هو الحكم والميزان، وبعد أن بدأ كتاب النقد الأدبي يتناولون الزجل الذي تطور الى مدرسة شعرية راقية.
   ومنذ نصف قرن طويت صفحة الجدل حول إمارات الشعر والأدب، ولم يعد يكثرث بهذا الموضوع أي ناقد أو مفكر لأن مستوى الانتاج والابداع هو الحكم وحمل اللقب لا يعني شيئاً.
   وقد عادت الأحاديث حول إمارة الشعر مؤخراً بعد أن بدأ الصحافي المخضرم العتيق جوزيف الحايك، الذي يتفرّد برئاسة أحد فروع الجامعة الثقافية اللبنانية في الولايات المتحدة، يمنح ألقاباً تقديرية سنوية، بدأها العام الماضي باختيار الفنان إيلي عاقوري شخصية العام في عالم الانتشار اللبناني، مع عبارات التقريظ والتبجيل، التي لم تؤذِ أحداً، ولم تثر أي جدل في أوساطنا، كما أنها لم ترفع إيلي عاقوري ولم تقلل من أهميته الفنية.
   وهذا العام اختار الكاتب العتيق في صحيفة "الهدى" الزميل جوزيف الحايك صديقنا شربل بعيني "أمير الأدباء اللبنانيين في عالم الانتشار".
   لا نعتقد أن هذا اللقب سيؤثر على شربل بعيني سلباً أو إيجاباً، بل سيبقى شربل كما هو بعطائه ومستوى إنتاجه. ويمكننا أن نوافقه القول على أن مبادرة الاستاذ الحايك هي عاطفة وتقدير للذين يحافظون على التراث اللبناني في عالم الانتشار، والمعروف عن الحايك انه لبناني عتيق متمسك بلبنانيته الى حدود التعصب.
   وليعذرنا الاخوة الذين أرسلوا إلينا بعض التعليقات الساخرة والجديّة، ان نعتذر لهم عن عدم نشرها لأن مبادرة كهذه تبقى في حجمها، وليس من الضروري أن نعتبر أن شربل بعيني أصبح أميراً وصاحب دولة، وبقية الشعراء أقل منه شأناً وأهمية.
   والجدل القائم حول لقب إمارة الشعر حالياً ليس بجديد في عالم الاغتراب اللبناني، فقد سعى الشاعر جوزيف الهاشم الملقب بزغلول الدامور في منتصف الخمسينات الى منح شاعر مهجري في البرازيل يدعى رامز لطف الله لقب أمير الزجل في البرازيل، وقد ثار لغط واسع حول تلك الحادثة لأن لطف الله كان قليل الانتاج ومن المستوى التقليدي جداً.
   وفي مطلع العام 1967 قام زغلول الدامور بجولة في أستراليا، وسعى مع شعراء آخرين الى مبايعة الشاعر الراحل يعقوب عبيد امارة الزجل في أستراليا بإجماع تام بين الشعراء المحليين آنذاك دون إثارة أي جدل لأن يعقوب عبيد كان طليعة الشعراء وأبرزهم.
   وبعد وفاة الأمير عام 1977، فشلت محاولات الاجماع على شخص آخر وطوي هذا الموضوع منذ سنوات.
   كان شيخ النقّاد مارون عبود يقول بأن أي شاعر مهما بلغت عظمته لا يقدر أن بلغي أصغر شاعر، حيث لكل شاعر وأديب حجمه وموهبته وعطاءاته ومجالات ابداعه.
   إننا في مجتمعاتنا العربية وفي تقاليدنا الاجتماعية والادبية والسياسية نعشق ونمارس منح الألقاب، فعلى سبيل المثال النائب هو "بيك"، وكل من لبس ربطة عنق هو "أستاذ"، وكل من كتب كلمة أو صفّ قصيدة هو عبقري وشاعر كبير، وكل سخي وفاعل خير هو ملك، وكل صاحب صوت هو أمير الطرب، وكل متغلب على الفشل هو مفخرة في دنيا الاغتراب، وكل أمي وجاهل يملك وجهاً جميلاً ويمتلك طموحاً ومالاً يتحول الى شيخ شباب الحفلات والمناسبات وسلطان الطاولات.
   أضف إلى كل هذا أن مؤسساتنا وجمعياتنا تهوى التكريم ومنح الألقاب، وتأتي هذه البوادر جيدة حيناً وفارغة أحياناً ومجاملاتية غالباً.
   ولكن هل غيرت هذه الممارسات من الحقائق الراهنة؟
   لا أعتقد ذلك!
   الحقائق ثابتة لا تتغيّر، وإذا رأى البعض الحقيقة بغير واقعها فالحقيقة باقية ولن تتغيّر.
   لذلك لا خوف على شربل من الجائزة، لأنه لن يستعمل اللقب الجديد عندما يوقّع الرسائل، وكذلك لا خوف على الشعراء والأدباء الآخرين، لأن كل واحد منهم باقٍ في مكانته وله حجمه ووزنه، وأصداء انتاجه باقية كما هي وكما تستحق.
   كل شيء في مكانه أيها الأحباء، لا تخافوا وابقوا الحوار أدبياً منطلقاته الحب والفكاهة والبساطة.
الشرق، العدد 85، 29/11/2000
**
إيّاكم ووقف هذه الحرب
   تشهد مدينة سيدني، حالياً، معركة ضارية، قد تتطوّر إلى حرب ضروس، تحرق في أتونها الدواوين، وتسيل دماء القصائد، وتتشرّد الأبيات الشعريّة، وتتهجّر الكلمات من أقفاصها ومخازنها.
   ما زالت المعركة مقتصرة على التلاسن عبر الهاتف، والخشخشة على أوراق الفاكس، وتسخير البريد لنقل العواطف المهترئة، مع قليل من التسلّل إلى صفحات الجرائد، والكثير من الثرثرة في أوساط الجرائديين من أمثالنا.
   أمّا أسباب المعركة، فهي الصراع حول:
   ما هو الشعر؟
   من يستحق أن يكون شاعراً؟
   ما الفرق بين الجذّاب والبذيء؟
   هل يجوز نشر الكلام الجامح أو السفيه قليلاً؟
   لماذا يحق لنزار قبّاني أن يقول في مقال سياسي "أن بعض شيوخ النفط يلعبون بخصياتهم"، ولا يجوز لشاعر محليّ (هو شربل بعيني) أن يتحدّث، في قصيدة ترفيهيّة، عن علاقة وديّة بين سيّدة وكلب؟
   من هو الأشعر والأقول والأفصح؟
   من على حق ومن على خطأ؟
   ليطمئنّ الجميع بأن كل واحد منهم على حقّ، لأن الساحة مفتوحة والحريّة للجميع، والنشر مباح دون تحفّظ، ودائرة الضرائب لا تحاسب على الحكي.
   لنقل ما نريد، وننشر ما نريد، دون أن نوفّر شيئاً من الأبجديّة، حتى حروف الطاء، الزاء، الخاء، الراء وغيرها.
   لماذا نخاف نشر الكلمة أو ألقاءها؟ أما زال في دنيانا هذه، من يقدر أن يميّز بين الالماس والزجاج؟ أو بين الجوهرة والمزبلة؟ أو بين الصاروخ الموجّه والخيار؟
   من قال لنا إن الشعر نوع واحد، هو النوع الذي يدغدغ الإحساس، ويريح النفس، ويقتصر على الإبداع وتصوير الجمال الإنساني والطبيعي؟.
   ألـم نعرف أنواعاً أخرى من الشعر المنظوم هدفها الترفيه وإضحاك الناس، أو هجو الآخرين ونشر أعراضهم، وقد أضيفت مادة جديدة إلى قاموس الشّعر، هي شعر تسييل المعدة؟
   لا تتعجّبوا.. فالملح الإنكليزي وزيت الخروع نوعان من الأدوية لهما مهمّة خاصّة، كما لهذه المادة الشعريّة الجديدة مهمّة خاصة أيضاً.
   إيّاكم ووقف هذه الحرب، بل اتركوا القارىء يطّلع ويحكم ويختار أو يرفض ويتسلّى. لقد نشر جرير والفرزدق روائعهما، كما نشرت مشاحناتهما، واستطاع أهل الوعي تفهّم، هذا وذاك، في مستوى الإنتاج.
   لتبقَ، إذن، المعركة مستمرّة.
النهار، العدد 810، 15 تمّوز 1993
**
تقدير جديد للشاعر شربل بعيني
   تلقى الشاعر شربل بعيني تقديراً جديداً من الصحافي المخضرم الاستاذ جوزيف حايك رئيس المجلس القاري للجامعة اللبنانية الثقافية في العالم، وهي مستقلة عن الهيئة العالمية للجامعة الثقافية.
   وجاء في بيان للمجلس القاري انه انتخب الشاعر شربل بعيني " أمير الأدباء اللبنانيين في عالم الانتشار" "تقديراً لعطاءاته الشعرية والتربوية في عالم الانتشار طوال 30 عاماً".
   وقال الشاعر شربل بعيني لـ "الشرق": "انه يعتبر المبادرة من جانب الاستاذ جوزيف حايك والمجلس القاري الأميركي عاطفة تقدير ومحبة، ويعتبرها تشجيعاً للأدب والشعر في عالم الانتشار اللبناني، وهو لا يؤمن بألقاب الامارة والرئاسة في الأدب والشعر، ولكنها عاطفة من شخص لا يعرفه ولا يستطيع إلا أن يشكره.
   تهانينا للشاعر شربل بعيني على هذا التقدير.
الشرق، العدد 84، 22/11/2000
**
جولة سريعة في شعر شربل بعيني
   لم يسمح لي الوقت للقيام بجولة شاملة على كل ما كتب الشاعر شربل بعيني، إن كان في الصحف أو ما نشره في كتب، ولذلك من غير الممكن إجراء جولة نقدية شاملة لانتاج شاعرنا.
   ولكني سأحاول في هذه الأمسية الممتعة أن ألقي نظرة، وأقدم رأياً بإنتاج هذا الشاعر الشاب، صاحب القلم الدفـّاق، المتواصل العطاء.
   يعيش شربل بعيني شاعراً، عمله الشعر، حرفته الكلمة، هوايته إصدار أو تفقيس الكتب، ودغدغة الأوراق على المكتب، أو في الحديقة، أو في السرير.
   لقد أصبح شربل بعيني ظاهرة مميزة في مغتربنا بتعدد دواوينه في جالية كانت حتى الأمس القريب قاحلة أدبياً وفكرياً.
   في البداية كنت أظن أن شربل بعيني شاعر عددي بين مجموعة كبيرة من ناظمي الشعر الشعبي، الذي نعرفه باسم الزجل اللبناني، ومع مر السنين، ومواكبة انتاجه، تعرّفنا عليه وعلى دنياه الشعرية الواسعة، الشفـّافة، الضاحكة أحياناً والواجمة الجامدة أحياناً أخرى.
   وتعرّفنا الى شربل بعيني شاعراً بلغتنا الفصحى، وقرأنا له مما قرأنا قصيدة "بهيسة"، وقصيدة "كيف أينعت السنابل؟" ووجدنا عنده الاصالة الشعرية ونبرة التجديد. ولا أخفي اني افضل اللغة الفصحى على العامية، ولكن الزجل تراث دخل صميم الناس، وصور حياتهم، وعزف على أحاسيسهم وعواطفهم، ولم نعد نخشى في هذه المرحلة على لغتنا الفصحى الجميلة، أو على قواعدها من أن تلتهمها اللغة العامية، بعد أن فشلت محاولات متعددة، وبرهن الانسان العربي حرصه على لغته، كما أكد تعلقه وحبّه للشعر الشعبي أو الزجل.
   وسأركّز في كلمتي هذه على اللون الزجلي عند شربل بعيني، تاركاً شعره الفصيح ونثره لغيري أو لمناسبة أخرى.
   كما قلنا سابقاً، يعيش شربل بعيني في صومعة شعرية، وجو شعري يرافقه أينما حلّ وتوجّه. القصيدة عنده تولد يومياً، والكلمة ترى النور بين أصابعه كل دقيقة. انتاجه لا ينضب، وقريحته لا تتعثّر.
  ومن يطلع على قصائده، ويدقّق بتركيباتها وصيغتها، وبالمشاعر التي تثيرها، يشعر بأن هذه القصائد متفاوتة بولاداتها، متفاوتة بأصدائها ونكهتها، الى درجة تشعر فيها احياناً بأن الشاعر كتب قصيدة وكان في حالة انسلاخ عن شاعريته، وأحاسيسه، وكل شاعر، أو الأكثرية الساحقة من الشعراء تعمد أحياناً الى تركيب قصيدة، أو قصائد، بعيداً عن الشاعرية، وربما يمكننا أن نسمي هذه الحالة حالة مكانيكية الكلمة، وليس الكلمة الشعرية.
   وقلّما عرفنا شاعراً قديماً أو حديثاً إلا وتعرّفنا عنده على قصائد مركبّة ومطرزة ومزخرفة، وخاصة في أشعارنا العمودية ذات النبرة الموسيقية المثيرة.
   بدأت رحلة شربل بعيني مع الزجل في ديوان "مراهقة" عام 1968، وأعتقد أنه كان دون العشرين من العمر، وربما في سنّ المراهقة.
   لا يخرج ديوان "مراهقة" عن أجواء شاعر مراهق تربّى على ورود وأوتار "قالت لي السمراء" للشاعر نزار قبّاني، ويتنقل شربل من محطة الى أخرى في سيرة تجربته الشعرية حيث يصل الى ديوان "الغربة الطويلة" بعد 17 عاماً من صدور ديوان "مراهقة".
   في "الغربة الطويلة" يولد شاعر جديد بنغمته وامتداد آفاقه، متجاوزاً ديوان "مجانين" ، مبتعداً حتى عن الصيغة التركيبية السابقة.
   ان قصائد "الغربة الطويلة" تختلف عن سائر الدواوين والقصائد، حيث تشعر ان الشاعر بدأ بدخول تجارب الحياة، وهموم الغربة، ورحلات الآلام. لا نجد أية مراهقة في "الغربة الطويلة".
   ولكني أرى أن ديوان "مراهقة" هو أفضل دواوين الشاعر بلغته الزجلية البسيطة، وبأوزانه المحافظة على العمود التقليدي. اني لا أرى، ولا أعرف شاعراً زجلياً كبيراً قدر أن يكون خارج أوزان الزجل التقليدية، واستعمال اللغة المفهومة من قبل الأكثرية، أي خارج نطاق مدرسة سعيد عقل وموريس عواد الزجلية التي لا نفهمها.
   ربما تأثّر شاعرنا بهذه المدرسة بعد ديوان "مراهقة"، ولكنه تطوّر بالانتاج الشعري، والنضج الحياتي، فمن رقص "الجيرك" الى "الغربة طويلة"، و"رجال القوافل" الذين:
زرعوا المواسم والمواسم خير
ونصبوا خيامن بوطن تاني
زعل الندي وانبح صوت الطير
وتكيت غصون الحور دبلانه
الى قصيدة "الشهيد":
لولا الشهيد ما انسقيت أراضي
ولا الزرع فرّخ بين ايدينا
   الى جنوب لبنان، ومعايشة آلامه، وبطولات أبنائه:
لَوْ كَان الشِّعر بْواريدْ
كِنت بْشِعْري سِلَّحْتَكْ
وِرْسَمْتِلَّكْ مَلْيُونْ إِيدْ
تَا تْدَافِعْ عَنْ مَصْلِحْتَكْ
......
بَدِّي عَ أَرْضَكْ يْمُوتْ
الْغَازِي الْـ بَعْدُو مُحْتَلاَّ
وْإِعْمِلُّو بْإِيدي تَابُوتْ
مِنْ لَعْنَاتْ وْلاد زْغَارْ
شبْعُوا حْرُوبْ وْدَم وْنَارْ
وِاشْتَاقُوا لْرَحْمِةْ أَللـه..
   إني أراها مرحلة تحوّل بارزة، لكنها لا تكفي، ولا تشفي غليل عشّاق الشعر والادب في هذه المرحلة المميزة بالآلام والقساوة، والتراجع، ونحن نرى شعر شربل بعيني مقصّراً بمشاركته بآلام شعبه وتصوير مآسيه.
   ويقول شاعرنا انه يكره السياسة والتسييس، الى درجة انه يتجنب قراءة الأخبار والاحداث، ولا يهتم بها، وهذا حقّه. ولكننا نريد منه خوض معارك الحياة، ومرافقة التطورات والتحولات، فمثلاً لولا قراءة شربل لذلك الخبر في صحيفة لبنانية عن الجندي خالد كحّول، لما كان طلع علينا بتلك القصيدة في ديوان "مجانين".
   اننا نريد ان نخوض عالم القنّاص المحترف شعرياً، وعالم رجال العصابات والميليشيات، وعالم الذين يفخّخون السيارات، ويشاهدون دماء ولحوم الابرياء تتطاير، عالم الذين غير قادرين على شراء كيلو اللحم بـ 200 ليرة.
لقد حاول شربل أن يخوض في هذا المجال، ولكنه لم يحقّق نجاحاً كبيراً. لنسمعه في قصيدة "المغول" من ديوان "مجانين" حيث يحاول أن يروي لنا حكاية مجموعة مجرمين اغتصبوا فتاة ثم قتلوها. وهذا هو نص القصيدة بأكملها: 
بَسّْ.. بَسّْ..
هَيْدَا كذْب.. مُشْ مَعْقُولْ
بِنْتْ قَتْلُوهَا وْصَارُوا
يِتْبَادْلُوا عْلَيْهَا الْمَغُولْ
شُو ذَنْبَا.. يَا سَامِعْ قُولْ؟!!
شُو ذَنْبَا.. يَا سَامِعْ قُولْ؟!!
رُوحَا عِنْد الْخَالِقْ فَوْقْ
وِاللِّي مَا فِي عِنْدُنْ ذَوْقْ
شِي بِالعُرْض.. وْشِي بِالطُّولْ
وْشِي مِنْ تَحْت.. وْشِي مِنْ فَوْقْ
وْشِي.. يَا أَللَّـه كْفَرْنَا بَسّْ
رِجْعُوا قَصُّوهَا بِالنِّصّْ!!!
   انتهت القصيدة. إني أشعر أن هذه ليست قصيدة بل برقية أو بطاقة استنكار ضد هذا العمل الوحشي.
   هناك قصيدة اسمها "مجانين" في الديوان الذي يحمل نفس الاسم، وكان يجب أن تكون هذه القصيدة من خيرة قصائد الديوان الذي حمل اسمها. ولكنها جاءت سرداً كلامياً مملاً تعوزه الشاعرية والحس المرهف. لنقرأ هذا المقطع من قصيدة مجانين:
تَا نِرْجَعْ مُدِّه لْوَرَا
وْنِحْكِي بِاللِّي كَانْ يْصِيرْ
عَ إِيَّامْ عَبْدِ النَّاصِرْ
زَعِيمْ الشَّعْب الِكْبِيرْ
كَانْ مِنْتِصر وْثَائِرْ
فَافْتَكَرْ إِنُّو قَدِيرْ
يْزَوِّجْ وِيْطَلِّقْ بُلْدَانْ
مِتل الرِّجَّالْ وِالْمَرَا
وْحَبّ يْجَرِّب بْلُبْنَانْ
وْيِقْدُفْ بِإِجْرُو الْكُرَه
وْبَعد مُدِّه مْنِ الزَّمَانْ
اعْتَرَفْ بِأَنُّو لُبْنَانْ
كِلُّو أَحْزَاب وْأَدْيَانْ
مِتِلْ عَرْنُوس الدَّرَه!!
وفي مكان آخر:
"بِـ بَلَدْ إِسْمُو لُبْنَانْ
عَمْ بِيصِيرْ إِجْرَام كْتِيرْ
جِهَّه قَتْلُوا إِبْنِ فْلاَنْ
وِالظَّاهِرْ زَعِيم كْبِيرْ
رِجْعُوا تَانِي جِهَّه كْمَانْ
رَبْطُوا وْلَقْطُوا طفل زْغِيرْ
وْعَ كَعبْ أَحْلَى أَرْزِه
دَبْحُوهْ مِتْلِ الْعَنْزِه!!!"
   هذا سرد قصصي ممل، أكثر منه شعر. اننا نريد البناء الشعري الذي قرأنا في "مراهقة" أن يسبك بروح جديدة، وعبارات مموسقة، لأن وقع الكلمة يؤثّر على النفس، ويدخل القلب حتى اذا خلت الكلمة من الشعر أحياناً.
   ان الشاعر شربل بعيني قادر على اعطاء القصائد المتكاملة الناضجة ببنائها وروحها ورموزها، ولا تعوزه الشجاعة والمعرفة أو الانفتاح.
   يجب أن لا ننكر أن الشاعر خاض جميع المجالات، وتسرّب الى حقل الزارع، وزريبة الراعي، وقصر الظالم، وبرج المسرف، ولكننا نريد القصيدة المتكاملة التي أشرنا اليها.
   لقد قلنا هذا الكلام، وقرأنا هذه المقاطع غير الشعرية برأينا، لأننا نطمح ان يصدر عن شربل شعراً يصوّر آلام المواطنين، عذاب الكادحين، مشاعر المهجرين، دون أن ينغمس بالسياسة التي لا نلومه اذا ابتعد عنها. ونحن على ثقة بقدرة الشاعر وطاقاته لبلوغ مرحلة جديدة.
   وفي النهاية.. أشكر رابطة احياء التراث العربي، ورئيسها الزميل الاستاذ كامل المر على هذه الفرصة، كما أشكر الشاعر على رحابة صدره. وشكراً لاصغائكم.
صوت المغترب، العدد 907، 16/10/1986
**
سهرة أدبية في دار شربل بعيني يرعاها سفير لبنان
   لبّى عدد من الأدباء والشعراء والمهتمين بشؤون الفكر دعوة الشاعر شربل بعيني مساء الجمعة الماضي.
   وقد حضر السهرة بصفته الشخصيّة سعادة سفير لبنان الاستاذ لطيف أبو الحسن وعقيلته السيّدة سميرة، كما حضر المطران يوسف مرعي رئيس أساقفة الموارنة في مصر، وراهبات العائلة المقدسة، وحوالي 50 شخصاً من الأسرة الثقافية في سيدني.
   كانت السهرة مميزة بعدة أمور، منها، السفرة السخيّة التي أشرفت على إعدادها السيّدة أم أنطوان، والدة شربل، وضمّت أشهر المأكولات اللبنانية، بالاضافة إلى منوعات الأدب والشعر، وأحاديث الفكر والفكاهة.
   وقد تضمنت لائحة الفاكهة الأدبية كلمات وقصائد قدمها عدد من الادباء الذين حضروا، نذكر منهم: فؤاد نمور، نعيم خوري، كامل المر، جميل الدويهي، شوقي مسبماني، جورج منصور، عصمت الأيوبي وغيرهم..
   كما ارتجل العلامة المطران يوسف مرعي كلمة أكد فيها انه سيّد من أسياد الكلمة، وكانت كلمة الختام لسفير الأدباء وأديب السفراء لطيف أبو الحسن، الذي أكد مواصلة تبنيه ورعايته للفكر والكلمة، ودعا إلى رص صفوف المعنيين بالأدب لخلق حركة أدبية مهجريّة تفخر بها الأجيال القادمة، كما افتخرت أجيالنا بالأدب المهجري في الأميركيتين.
   وقدّم الشعراء والأدباء صاحب الدعوة الشاعر شربل بعيني بمقتطفات من شعر اختاره من ديوانه الجديد، الذي قدّمه للضيوف في تلك السهرة، وأطلق عليه اسم "أحباب".
   وجرت على هامش السهرة أحاديث متعددة من أجل النهوض بالحركة الأدبية المحلية، ودعا السفير أبو الحسن الى تعاون جميع الكفاءات لرفع مستوى الأدب والشعر، واستجاب الجميع لدعوته بإكمال الجهود لمواصلة النشاط الفكري.
النهار، العدد 649، 26/4/1990
**
شربل بعيني المسرحي الناجح مع الأطفال
   قدمت مدرسة راهبات العائلة المقدّسة على مسرح قاعة كنيسة سيدة لبنان، مسرحيّة بعنوان "فصول من الحرب اللبنانية"، أعدها وكتبها وأخرجها الشاعر شربل بعيني.
   وقد شارك بالتمثيل حوالي 300 طالب وطالبة، وهذا حدث هام بحد ذاته، ولوحظ ازدحام القاعة الكبرى بالحضور، الذي زاد عن الألف نسمة.
   جاءت المسرحية بشكل لوحات مختلفة، تحكي براءة الطفولة والمظالم التي لحقت بأطفال لبنان الأبرياء، وكيف أدت الأحداث الى الانحرافات والفوضى والعنف.
   وتخلل اللوحات المسرحية الحية سهام نقد اجتماعي، باسلوب أدبي، مع التزام جميع ألأدوار والعروض بلبنان الشعب والوطن الهادىء المحب للسلام.
   ولم ينسَ البعيني أن يوجه المجموعة الكبرى من الطلاب والطالبات نحو هدف توحيدي لبنانياً، يرفض منطق الطوائف والعشائر والمناطق.
   ولوحظ أن المسرحية التي استغرقت ساعتين، أخذت جهوداً كبيرة لإعدادها وتنفيذها، كما أن الملابس المختلفة للأطفال كانت خاصة بالمسرحية، وهي باهظة التكاليف، وتستغرق الكثير من الوقت لتجهيزها.
   كما أدخلت هذه المسرحية العفوية الفرح إلى قلوب الأطفال، ونقلتهم إلى أجواء وطنهم الأم، كما أفرحت وأثارت إعجاب جميع الحضور.
   ولا بد من الاشارة الى قوة شخصيات بعض الطلاب والطالبات خلال تأدية أدوارهم، ومن الضروري تشجيع بعض هذه العناصر باتجاه العمل المسرحي، الذي ما زال بدائياً في جاليتنا.
   مبروك لراهبات العائلة ولشربل بعيني على هذا النجاح المفرح.
النهار، العدد 547، 9 تموز 1987
**
شربل بعيني والتعقّل والهوس
   من مشاكلنا الحضارية أننا شعب فوّار العاطفة، قريب من الضحك والبكاء والغضب والتسامح في لحظة واحدة. وهذه صفات إنفعاليّة تتركنا دائماً في السجلاّت المتدنيّة للمدنيّة والوعي.
   لقد أقيمت ندوة ثقافيّة حول إنتاج الشاعر الشاب شربل بعيني، وما قيل فيها كان واضحاً، وبلغة عربية مفهومة المعاني والعبارات.
   ولكن الشارع الذي لـم يحضر الندوة، أو حضر بعضه، ولـم يشأ أن يفهم ما قيل، خلق نوعاً من التشويش الواسع النطاق، قلّما وصل إلى هذا الحد سابقاً.
   الإشاعات تملأ أوساط الجالية عن حملة تبخير ومديح لشربل بعيني، وعن إعطائه مركزاً شعرياً أكثر ممّا يستحق. وإشاعات أخرى تقول إن المشاركين بالندوة ـ أو بعضهم ـ تحاملوا على شربل بعيني، وأقوال أخرى حول عدم أهميّة الندوة وشاعرها والمشاركين فيها.
   وقد وجّه الأستاذ جبران مخايل رسالة إلى رئيس تحرير هذه الصحيفة يقول في صدرها: هناك لغط قويّ في أوساط الجالية بأنّك شتمت الشاعر شربل بعيني، واتهمته بنقل قصائده عن نزار قبّاني حرفاً حرفاً. ويقول جبران مخايل أيضاً: من الأقوال التي سمعتها أيضاً، أن شربل ألقى قصيدة شتم فيها الجميع، بما فيها المقاومة اللبنانية البطلة.
   إن كلام السيّد جبران مخايل تعبير صادق عن موجة التلفيق، ولكنّه يبرّىء نفسه حين يقول: الخطيئة خطيئتي لأنني لـم أحضر الندوة.
   إننا لا نستغرب موجة الإشاعات هذه في جالية ترى الأمور الثقافيّة والأدبيّة جديدة عليها، وترى قضيّة النقد الأدبي حالة مثيرة تعني الشتم أو المديح فقط، وهذا بسبب محدوديّة مستوى الوعي في أوساطنا.
   إن ندوة رابطة إحياء التراث العربي حول إنتاج شربل بعيني، كانت ناجحة وقيّمة بمواضيعها، وخاصّة الموضوعين اللذين قدّما من قبل الدكتورة سمر العطّار والأستاذ كامل المر.
   لقد أعطي شربل بعيني حقّه: شاعر أصيل قادر على التحليق وتصوير المشاعر بالصناعتين الزجليّة والفصحى.
  وإذا قال أحدهم أن الشاعر تأثّر بنزار قبّاني في شعره المبكر، الذي نظمه في سنّ المراهقة، فهذا ليس بعيب!.. وإذا قيل إن الشاعر قادر على إنتاج القصيدة المتكاملة، أو أن بعض قصائده تمتاز عن الأخرى، فهذا مديح لشاعريته وليس شتماً. وإذا قيل إن بعض أوزانه الشعريّة تحتاج إلى صياغة أفضل، فهذه قالها أحمد شوقي للأخطل الصغير والياس أبي شبكة ولـم يعتبر قوله شتماً!.
   فالذين يريدون الإطلاع على ما قيل، عليهم الحصول على نصّ الكلمات من مراجعها، وليس من إشاعات الشارع. 
   ونقول للأستاذ الأديب جبران مخايل: إن تساؤلك حول تلاعب الصحف المهجريّة بقرّائها، يجب أن يتحوّل من تساؤل إلى اتهام، لأنه واقع مؤلـم.
   إن التعقّل والهوس أمامنا، وعلينا أن نختار بينهما.
النهار، 25 أيلول 1986
**
شربل بعيني: وفاء لأمومة لا تنضب
   شربل بعيني شاعر اختصر في شاعريته وفاءه للإنسان الأحب الى قلبه، الى أم افتقدها دون أن تغيب، وسافرت دون أن ترحل، وأغمضت العينين لتحبس في أنظارها فلذات الأكباد والأحفاد وكل الذين كانوا يرون في أم أنطوان "أم الجميع".
   والرحيل الباقي في أعماق شربل جرحاً ينزف حباً ووفاءً لأمومة لا تنضب، لم يكن هذه المرة "صباح الخير" يا أم أنطوان، أو قبلة يطبعها على يد ربّته، أو على وجنتين كانتا شمس الحياة، بل عبّر عنه الشاعر الجريح بتخصيص العدد الأخير من مجلته الشهرية الثقافية "ليلى" الى روح "بترونلة مارون بعيني أم الجميع".
   وقد تكون المجلة المكللة بسواد الحزن، تضم بين صفحاتها صورة الفرح للأم الغائبة الحاضرة، ومقالات للذين أوفوها فكتبوا عنها يوم رحيلها من قادة روحيين وأبناء وأهل قلم وأدباء وشعراء. ولكنك وأنت تقلّب الصفحات واحدة تلو الأخرى، تشعر أن الأمومة تتخطى الوجود، فهي الروحانية الأسمى، وهي العاطفة الأبعد، وهي الحضور الذي انتصر على الماورائيات وعلى الماديات، وكان أغلى من كل الثروات.. وتشعر أيضاً أن شربل مع اخوته موجود بين ضلوع كل كلمة، وفي كل صورة، وفي كل نبضة، وكأنه ولد من جديد ليلامس عبر الوريقات ـ الذكريات أماً عَبَد، وإنساناً باقياً في الأعماق أقوى من القدر، لأنها الحب والقصيدة.
   وإضافة الى الاقلام العديدة التي طرّزت تاريخ أم أنطوان بما تستحق، فقد نشر شربل في المجلة قصيدة "أمي" ويقول مطلعها:
مشتاق لعيونك أنا
مشتاق للضحكه
لشفاف عم تقطر هنا
من دون ما تحكي
يا نظرة الـ كلاّ أمل
محروق قلبي من الزعل
وفزعان تا إشكي!
عم يلعب بعمري القدر
وصوتك بدنيي هدر
لا تصرّخ وتِبْكي.
   وشربل كل ليلة، ما زال يزيد الطبخة في "قضرة" الفخار التي تركتها وراءها أم أنطوان، لعل الوالدة تطل فجأة على الدار، وتريد، كعادتها، أن تتناول العشاء مع فلذات الأكباد، ولكن هذه المرة زادها ليس من ماديات بل هو من خميرة انسانية تركتها وراءها "أم الجميع".
   وإذا كان شربل عنون العنوان الأخير بكلمة واحدة "شكراً"، فإلى الأمومة التي أعطتنا "أم الجميع" نقول ايضاً: شكراً.
النهار، العدد 1305، 11/11/1999
**
فقأن حصرمة بعين شربل بعيني
   تمنينا منذ عدة أسابيع لو تتحرّك السيدات والفتيات في لبنان ويخترقن الحواجز المزوّة التي تقسم البيت اللبناني في بيروت وسائر انحاء لبنان، على غرار ما قامت به نساء قبرص باقتحامهن حدود التقسيم في نيقوسيا العاصمة، وتحديهن لبنادق الجيش التركي وقوّات الأمم المتحدة وغيرها.
   ولكن صديقنا الشاعر شربل بعيني ضحك من مقترحنا وقال في "ستوبّه" الاسبوعي في الزميلة "صدى لبنان" ان نساء بلادنا مرفهات، مدلعات، مائعات، لن يقدمن على عمل كهذا، وربما يرسلن خادماتهن السريلانكيّات للإنابة عنهن باقتحام قصر بعبدا من أجل اشعال "ثورة جياع" تقهر التقسيم وتهدم الحواجز.
   يبدو ان الاتصالات السلكية واللاسلكية اشتغلت بحرارة بين سيدني وبيروت، وتبلّغت السيدة لور جوزف مغيزل زعيمة "حركة لبنان الحب" ما ألحقه شربل بعيني ببنات جنسها من إهانات وسخرية، فأسرعت الى الانتقام العملي والتنفيذي.
   لم تكتب المحامية الأديبة لور رداً على اهانات وسخريات شربل، بل دعت سكان بيروت الاسبوع الماضي الى التظاهر بمسيرة ضخمة تنتهي قرب ممر المتحف الذي يمثّل الخنجر المغروز في قلب بيروت، ورفع الصوت عالياً ضد تقسيم العاصمة والوطن.
   وجه النداء الى الجميع، الى الرجال والنساء والاطفال والشيوخ، ولبّى الكثيرون الدعوة، ولكن الاكثرية الساحقة كانت من النساء والفتيات من قطاعي بيروت، التقوا قرب الممر الفاصل، وتبادلوا القبلات والعناق، وذرفت الدموع من القهر، الذي فرضه الواقع المأساوي الذي أدى الى شبه مجاعة شاملة.
   هكذا تحرّكت سيداتنا وفتياتنا، وفقأن حصرمة بعين شاعرنا شربل بعيني، الذي بات مضطراً الى اعادة تقييم شاملة لنساء لبنان، وتقديم اعتذار علني من الوالدة "أم انطوان" ومن جميع النساء اللواتي فضّل عليهن السريلانكيات.
   ولن يقدر شربل أن يتهرّب من هذه الفضيحة، لأن أجهزة التلفزيون والصحف والوكالات العالمية نقلت أنباء وصور التظاهرة، وليس عليه أكثر من أن يراجع صحيفة "سيدني مورننغ هيرالد" تاريخ السبت 22/8/1987، ليشاهد الصورة وتبادل القبلات والدموع تعبيراً عن التقسيم القسري.
   علمنا ان الميليشيات وبعض القوى الاخرى هددت باطلاق النار على المسيرة الغاضبة، وحاولوا منعها، ولكن السيدة مغيزل تحدتهم، وسارت في المقدمة، وهي سيدة في العقد السادس من عمرها.
   لقد أقامت نساؤنا عدة تظاهرات سابقة، وطالبن بإنهاء الحرب، وتوحيد العاصمة والوطن، ولكن مسيرة الاسبوع الماضي كانت معبرة عن ارادة كل مواطن لبناني، وكل صاحب ضمير وطني، ولم يجرؤ حامل المدفع والرشاش على مجابهة الفتاة حاملة الزهر والقبلات والدموع باسم شعبها المقيم والمغترب.
   بورك لبنان الحب..
وبوركت 
نساء 
بلادي.
النهار، العدد 554، 27 آب 1987
**
في واحة الشعر
   الحديث عن الشعر وتحديد حالاته، حديث مريحٌ في هذا الزمن الذي تحوّل فيه الأدبُ الى واحة بعيدة لا يقصد ماءها، واخضرارها وجمالها إلا الذين ما زالوا "تقليديين" بعفوية أحاسيسهم، وخفقان قلوبهم، وعشقهم لأهازيج التراث، ولرفة كل جنح أو رمش يداعب الأنسام.
   يبدو من الصعب على من امتهن الصحافة أن يعود الى واحة الشعر بعد عقد ونيّف من الكتابة عن الحديد والنار والسيّارات المفخخة وتطاير الجثث مع تفجير الأحقاد والكراهيات.. ولكنه مفرح أن تتحرر الكلمة من عقال الخوف وان تخرج من حقل الالغام الى دائرة الانفراج والتنفس من الاعماق.
   وبعودتي الى مناخ الشعر عثرت على حقيقتي وأصالتي وعفويّتي المطلقة، عثرت على مبادئي القومية الانسانية الملتصقة دائماً بالاصالة والتراث من عصر الجاهلية وعمرو بن كلثوم وطرفة بن العبد، الى عصر نزار مروراً بأبي العلاء وأبي الطيّب، وبالذي "رأى السيف أصدق انباءً من الكتب".
   ان الحديث عن الشعر مريحٌ للنفس، لأن الشعر لا أعداء له، بل كيف يكون للابداع والحب والجمال أعداء ومنافسون؟
   الشعر حالة وجدانية لدى الشاعر يصوّر خلالها أحاسيسه المرهفة، ويضمّنها نبضات قلبه. وعن هذه الحالة الوجدانية تنتقل الصور والتجارب الحياتية، وهنا يكمن الابداع، وتظهر القدرة، حيث أصبحنا نطلب من الشعراء، اليومَ، أن يعالجوا معاناة المجتمع، ويصوّروا ما يدور حولهم من عذاب وهناء، أو كدح ورخاء.
   ومن هذه المحطة ننطلق لالقاء نظرة تقييمية على ديوان شربل بعيني الجديد "الغربة الطويلة" المكتوب باللهجة اللبنانية المحكية، المتفق على تسميتها بالزجل اللبناني.
   والزجل تراث قديم تطوّر بسرعة منذ مطلع هذا القرن، وكان وما زال له قممه وروائعه، والزجل لم يعد أهازيج فلكلورية ومداولات فطرية فقط، بل أضاف الى ثروتنا الشعرية الحديثة اثراء اضافياً من مستوى رائع، فمع رشيد نخله، وأسعد السبعلي، واميل مبارك، واسعد سابا، وخليل روكز، وايليا ابو شديد، ويونس الابن، عاشت وتعيش جمهرة كبيرة من الشعراء الزجليين المبدعين.
   ونؤمن ايماناً قاطعاً بأن شعراء القمة، في أي عصر وجدوا، غير قادرين على إخفاء وتحجيم أي شاعر، لأن الكلمة الشعرية نفحة عطر لا تحجبها الشواهق والقمم. والمؤسف هو أن نقرأ لبعض النقّاد والمعلقين أشياء تحاول مسخ بعض الشعراء وأصحاب المواهب، لأنها ليست بنظرهم من مستوى انتاج يعتبرونه مثالياً لمفكري شعراء القمّة.
   قرأت منذ سنوات ديواناً صغيراً لشربل بعيني أسماه "إلهي جديد عليكم"، واستغربت التسمية، ولكنها كانت تؤشّر وتبشّر بجديد قادم، وقد شعرت خلال اطلاعي السريع على "الهي جديد عليكم" بأنه تضمّن عينات مشجعة لمنجم شعري قريب الغلة والمواسم.
   سنوات قليلة بين "الهي جديد عليكم" و"الغربة الطويلة" ولكن رحلة الشعر تبدو طويلة باتجاه نضج التجربة، وتحويل العينات الى قيمة ذات شأن، وكلامنا هذا لا يعني بأن الديوان الجديد يلغي الذي سبقه، ولكنه مكمل له باضافة لبنات البناء الشعري المنشود لعالم يحلم كل شاعر بتشييده.
   ان الشعر الذي نعدّه شعراً، وخارج رصف الكلام، ورنّة الأوزان، هو ذلك الذي تجاوز البناء العمودي التقليدي بمعانيه، وليس بالخروج على القافية. ولا أخفي بأني من المتمسكين بالوزن، ولحلاوة الأوزان وموسيقاها وقع في نفسي، يضاهي روعة الشعر. ومن مهمات الشاعر الاساسية في هذا العصر، وفي كل العصور، هي "أنسنة" الشعر، أي تحويله الى معالجة وتصوير قضايا الانسان، ومشاكله، والتصاقه الدائم بالمجتمع، وإلا تحوّل الشعر الى قوالب جامدة ورصف كلامي لا دور له في مجتمعنا.
   وبهذا المفهوم ندخل ديوان "الغربة الطويلة"، الذي تتصدره قصيدة بنفس الاسم، هي في الواقع نقوش في ذاكرة جيلنا المعاصر، ومعركة لتحديد الغربة، غربة المواطن في وطنه، وخارج وطنه. الغربة عن النفس، الغربة عن التقاليد الدافئة، وهنا تبرز صدمة الشاعر:
وِبْيُوتْنَا اللِّي فِيهَا تْرِبَّيْنَا
وْعِمَّرْنَا مْدَامِيكَا بْإِيدَيْنَا
وِغْزَلْنَا سَاحَاتَا بْإِجْرَيْنَا
نَكْرِتْنَا!!
وِالأُم اللِّي بِكْيِت علَيْنَا
وْخِبَّيْنَا صُوَرْهَا بْعِينَيْنَا
قَبْل الشَّمِسْ مَا تْغِيبْ
وِدَّيْنَالاَ مْكَاتِيبْ
لاَ فَتْحِتُنْ
لاَ قِرْيِتُنْ
وْبِالْمَوْقَدِه الْـ قِدَّامْ بَابَا حَرْقِتُنْ
   وتكمل قصيدة "رجال القوافل" رحلة الغربة والاغتراب، ويبدو التواصل جلياً:
زَرْعُوا الْمَوَاسِمْ.. وِالْمَوَاسِمْ خَيْرْ
وْنَصْبُوا خْيَامُنْ بِـ وَطَنْ تَانِي
زِعل النِّدِي وِانْبَح صَوت الطَّيْرْ
وْتِكْيِت غْصُون الْحَوْر دِبْلانِه!!
   وأتوقّف عند قصيدة "ألف حجه" التي تقتحم موضوعاً انسانياً يواجه البشرية منذ أقدم العصور، وأحاسيس جامحة، ورؤيا عقلية للصراع بين عواطف المرأة وكرامتها وواقعها، هذا الصراع المتزايد في عالم اليوم، نرى شربل بعيني يحلّه بالنموذج الشرقي، وربما يكون ذلك من التقاليد الخيّرة، التي تحفظ الرباط الاجتماعي والعائلي في زمن بتنا فيه بحاجة ماسة الى التماسك العائلي، والتمسّك بأهداب تقاليدنا التي نعتبرها تراثاً أخلاقياً حميداً.
   هكذا يعطينا شربل امرأة "تحدق بالشمس بأجفان جامدة"، كما يقول جبران، وقلب متسامح ملتصق بدفء البيت وكرامته، متجاوزاً الآلام والمعاناة:
شُو هَمّنِي؟.. مَعْلَيْشْ
لَوْ خَانْنِّي نِتْفِه
وْعَ دْرُوبْ الطَّيْشْ
يِدْبَحِ الْعِفِّه
الِمْهِمّْ يِبْقَالِي
أَطْوَعْ مِنِ خْيَالِي
وِيْحِطّْ رَاسُو بْغِنْجْ عَ كِتْفِي
وْغَطِّيهْ بِـ شَالِي
وِيْقُولْ: مِتْلِكْ بِالدِّنِي مَا فِي
يَا مْرَيْحَه بَالِي..
وْرَغِمْ شَكِّي وْصِدقْ إِحْسَاسِي
قِرَّرْتْ إِمْحِي الْوَهم مِنْ رَاسِي
وْطَيّرُو عَ جْوَانِحِ الصِّدْفِه
وْإِضْحَكْ بْعِبِّي وْتَمْتِمِ لْكَاسِي:
وْجُودُو مَعِي بْيِكْفِي!!
   هذا الخروج عن عالم الزجل التقليدي، والولوج الى حالات "البيت الشرقي"، يذكّرنا بنزار قبّاني عندما نشر ديوانه الثاني "أنتِ لي" منذ ثلث قرن، وتطرّق الى حالات اعتبرها بعض النقّاد مراهقة، ولكنها كانت صوراً لتجارب البيت الشرقي، وحالات معيّنة يعيشها مجتمعنا وما زال.
   وبعد هذه العينات القليلة من ديوان "الغربة الطويلة" لا يسعني إلا أن أشير الى أن الديوان، مثل غيره من المؤلفات الشعرية، لا يخلو من القصائد التقليدية، وهذا لا نعتبره عيباً أو نقصاً، حيث من الصعب جداً أن يجيء أي ديوان إبداعاً متكاملاً، ومجموعة روائع شعرية.
   ولا أخفي بأنني لا أستسيغ في اللغة الشعرية عبارات مثل: 
"الوحل اللي 
مغطّى جريي" 
"بحبّ الإشيا المجويّه"، 
   كما لا يمكن أن تدخل دنيا الشعر، التي هي دنيا جمال وأزهار ونسائم منعشة قصيدة عنوانها "جزمة ألله".. وقوافٍ مثل:
"بالآخر 
برجع صرصور
خايف 
من جزمة ألله".
   وهذا الشاعر نفسه ينشد بلاده قائلاً:
صوتي مبحوح 
وحنجرتي
نشفت من هبّات غبارك
والغنيّه الكانت إنتي
اندبحت 
وانشلحت ع حجارك
   ونترك للقارىء ان يكتشف الجوانب الأخرى من هذا الانتاج الجديد، متفائلين بفتح جديد للشعر والأدب في هذه الديار.
مقدمة ديوان الغربة الطويلة 1985
**
قصيدة أحمد شوقي
.. وكان مسك الختام، قصيدة الشاعر شربل بعيني، باللغة الفصحى، وجاءت تتناسب مع الأمسية الهامة.
   وأعطى شربل بعيني، كعادته، تألقات، وومضات شعرية وهاجة، وانتقادية مرتبطة بالواقع العربي الهزيل.
مقتطفات من مقال لبطرس عنداري حول ندوة رابطة احياء التراث العربي عن أمير الشعراء أحمد شوقي، نشره في النهار، العدد 547، 9 تموز 1987
**
كي لا ننسى في ذمة التاريخ
   عندما بدأت هذه الزاوية تظهر على "قفا" النهار، لم نفكّر بأنها كانت ستعلّق على "قفا" أحد، بل أخذناها عنواناً تنطلق منه نكتة تتطرّق الى بعض الشوائب التي نشكو منها في أوساطنا، وتصويراً لمشـاهدات مثيرة، أو شاذة، أو مفرحة.
   ولم نفكّر يوماً بأن "قفا" النهار سيزاحم وجهها وصدرها. كما لم يدر بخلدنا على الاطلاق بأن "كي لا ننسى" ستدخل التاريخ بعد سبع سنوات وخمسة أشهر من ظهور هذه الزاوية في الاسبوع الأول من عام 1981.
   منذ عدّة أشهر استلمت "النهار" موضوعاً للمشاركة في مسابقة عيد المئتين الذي تبنته الصحيفة، وأعلنت عنه، ويدور الموضوع كما فهمت من عنوانه حول زاوية "كي لا ننسى".. هذا في الوقت الذي كان فيه شاعرنا العزيز شربل بعيني يعد العدّة لنشر مختارات من "كي لا ننسى"، ونحرص على عدم ذكر اسم المشترك بالمسابقة قبل أن تنتهي اللجنة من تقييمها.
   يبدو أن القارىء الحقيقي لا تهمه السياسة، بل يهمّه الاطلاع على الخبر أولاً، ثم ينتقل الى القضايا المتعلقة بشؤون الحياة والاتصالات بين أفراد المجتمع، وهذا ما حمل عزيزنا شربل بعيني ان يهتم بإصدار كتاب خاص عن "كي لا ننسى" يتوّجه بمقدمة فيها ما حوى صدره من محبة واخلاص وتهذيب الى درجة يعتبر فيها "الزائد أخ الناقص".
   وشربل بعيني يزيدها دائماً: اذا نظم شعراً يمطرنا بالقصائد، واذا نشر يشغل أجواء الأدب بكتبه، ويراشق أربع خمس صحف بانتاج قريحته، واذا ألقى شعراً وراء المذياع أو ضحك تظن أن قمة "ضهر القضيب" تتداعى، وإذا أحب غمر أصدقاءه.
   والذي نحمد الله عليه، هو أن شربل لم يتعرّف بعد على الحقد، والشر، واطلاق السهام، ليبرع في هذه المجالات ويحلّق كما حلّق في مجالات الفضائل.
   المهم في الموضوع، هو ان ساحتنا تضم مجموعة تقدّر الكلمة، والجهود الأدبية، وتشجّع المحاولات، وهذا ما يقوّي العزائم، ويبعث على النخوة لاعطاء المزيد.
   واعترف انني لم افكر طيلة خمس سنوات بزاوية "كي لا ننسى"، ولم أعتبرها قيمة أدبية حتى بدأ القراء، وخاصة المثقفون منهم، بإعطائها أهمية خاصة، وبدأ البعض يطلبون جمعها، ونشرها بكتاب خاص.
   وقد يكون شربل بعيني الذي هدر "فلوسه" على "كي لا ننسى" أمدّني بتجربة مجانية، اذا نجحت تجربته ولاقى الكتاب ترحيباً واهتماماً، سنعيد الكرة، ونقدم بعد فترة مجموعة جديدة أكبر من الأولى، وعلى حسابنا.
   واذا وجدنا ان التجربة فاشلة، وقوبلت بالبرودة، وعدم الاهتمام، نهمل الموضوع، حتى يمنّ الله علينا بشربل آخر ينقل "كي لا ننسى" من "قفا" النهار الى واجهة التاريخ.
   يبقى ان نعود الى الجد، ونقدّر تضحيات شربل الأدبية والمادية، واهتمامه بدفع الأدب الى الامام، حتى ولو كان ذلك على حسابه الخاص.
النهار، العدد 592، 26 ايار 1988
**
ماتت أم الجميع
   انتقلت الى رحمة الله، المأسوف عليها بترونلّة بعيني (أم أنطوان)، والدة الشاعر شربل بعيني، إثر نوبة قلبية مفاجئة، وكان لوفاة الفقيدة الوقع الأليم في نفوس أبنائها الستّة، وزوجاتهم، وأحفادها، وجميع الذين عرفوها مثال الأم الفاضلة، التي أحبّت الجميع، ورهنت حياتها لخدمة الله، وعمل الخير بسخاء وصمت.
   أسرة "الشرق" التي آلمها غياب أم الجميع (أم أنطوان)، تتقدم بأحر التعازي من أبنائها: أنطوان، جورج، جوزيف، شربل، ميشال ومرسال وعائلاتهم، ومن جميع أقاربها، والذين فجعوا بغيابها المفاجىء.
جريدة الشرق، العدد 13، 7 تموز 1999
**
مشّي معي: ديوان آخر لشربل بعيني
   أصدر الشاعر المهجري اللبناني شربل بعيني ديواناً جديداً عنوانه "مشّي معي"، بعد ديوانه "الهي جديد عليكم" الذي صدر قبل أشهر قليلة في سيدني.
   يتضمّن الديوان قصائد غزلية ووجدانية باللغة العامية اللبنانية، ضمّت لقطات شعرية ممتازة، خاصة عندما يشبّه شعر حبيبته "بـ جدايل غيم معلّقه بالريح"، أو غيرها من الصور الناجحة.
   لكن شربل كان ينحدر في بعض صوره الشعرية الى مستوى عادي جداً، ومتداول يومياً على ألسنة الناس، وهو بذلك يبتعد عن الابداع الشعري، كعنصر أساسي في بناء القصيدة الناجحة. مثال على ذلك مقطع من قصيدة "عيونك" يقول فيها:
عيونك شمس يا ريت بعرف شو فيا
من حب نحوي ومن عطف
تا إشكرك ع هاللطف
وانكان ما فيها حنان وحب
بركع بصلّي وبطلب من الربّ
يودّي صواعق ع العيون ويفقيا
   ان استعمال الشاعر عبارات مثل "تا إشكرك ع هاللطف" أو "يودي صواعق ع العيون ويفقيا" ليست من الشعر في شيء. بل انه من المستهجن استخدام عبارة "فقي العيون" لأنها قاسية وفجّة، ولا تفي بالغرض الشعري بشيء، بل تسيء الى الشعر كفن، والى جمال المعنى في القصيدة.
النهار، العدد 295، 30 تموز 1982
**
مناجاة علي: كتاب جديد لشربل بعيني
   صدر للشاعر شربل بعيني كتاب جديد بعنوان "مناجاة علي"، يحتوي على عشرين مزموراً، في 136 صفحة. الاهداء "الى الأديب العربي الكبير جورج جرداق الذي غنّى عليا بن ابي طالب صوت العدالة الانسانية، كما لم يغنّه أحد من قبل". الغلاف والرسوم الداخلية للفنان جورج الحداد. ومن الكتاب:
صوتك حقل، وكتبك غيم   
بيسقوا مواسمنا ع طول
تا نشبع بليالي الضيم    
تا نقوى ونلم فصول
يا مكمل حالك بحالك      
يا سر.. وحافظ أسرار
من فلسفتك، من أقوالك    
شعّت شمس، وطلع نهار.
النهار 1992
**
ندوة
   أقامت رابطة إحياء التراث العربي أمسية أدبية مساء الاحد الماضي 26/1/1992، في قاعة بلدية غرانفيل، حول ديوان الشاعر شربل بعيني "مناجاة علي"، وحول كتاب السيدة نجاة مرسي "رحلة مع القلم".
   عرّف الأمسية الاستاذ فؤاد نمّور، فقدّم الفنانة وفاء صدقي التي لحنت وغنّت مقاطع خاصة من "مناجاة علي" على العود، لاقت استحساناً وترحيباً.
   ثم ألقى رئيس رابطة احياء التراث الاستاذ كامل المر كلمة الرابطة، متحدثاً عن نشاطاتها، وأهدافها الأدبية. تلاه الاستاذ عصمت الأيوبي بمطالعة نقدية لديوان "مناجاة علي" تطرّق فيها الى مسيرة شربل بعيني الشعرية، وتطور شعره منذ ظهور ديوانه الأول عام 1968.
مقطع من تغطية اعلامية كتبها بطرس عنداري للندوة، ونشرها في النهار عام 1992
**
ورقة غزل
   ان اسعد أوقات الكتّاب الصحفيين هي عندما يتلقّون التعليقات على ما يكتبون من القراء.  وربما تكون زاوية "كي لا ننسى" من الزوايا التي اقامت علاقات حميمة بين عدد كبير من القراء وهذه الصحيفة.
   تأتي التعليقات متلاحقة، ومختلفة، منذ سنوات، ولكن أحد التعليقات حمله صوت ناعم عبر الهاتف، هزّ المشاعر، واضطرني ان ألقي نظرة شاملة على حياتي العاطفية والوجدانية.
    قال الصوت الناعم ان الزاوية التي تطل على القارىء منذ سنوات لم تحمل يوماً الى القارىء سطراً واحداً يحمل العاطفة للحبيب او للحبيبة، أو يعبّر عن الهيام بجمال المرأة، التي كانت وما زالت ملهمة الشعراء والادباء عبر التاريخ.
   وأضاف الصوت الناعم يقول: لقد قرأت مؤخراً تحليلاً لناقد عربي يقول فيه إن جميع أدباء وشعراء المهجر لم يكتبوا عن المرأة والغزل باستثناء جبران خليل جبران.
   انتهت المكالمة، وجلست أفكر بما قاله الصوت الناعم، وفيه الكثير من الواقع، وتخيلت الفجوة الشاسعة التي تفصل كامل المر عن كتابة الغزل والتغزل بالقد الفارع والعيون الحالمة، وكيف ان شربل بعيني ابتعد رويداً عن شعر المرأة الاباحي منه والمحتشم منذ هجرته.
   هل الهجرة تجفف العاطفة، وتغرق صاحبها بالعالم الصناعي التجاري الجديد؟ أم انها تؤجج هذه العاطفة وتشعلها، فيتحوّل الكاتب ـ المهاجر الى امور أكثر أهمية من الغزل والهيام والبكاء على فراق الحبيب؟
   نحن مع الرأي الثاني القائل بأن المهاجر يصبح أكثر عاطفة، وأكثر جديّة، ويتجّه نحو قضايا أكثر أهمية من الغزل، ولاسيما عندما تفتح أمامه الهجرة آفاقاً جديدة يرى من خلالها تخلّف مجتمعه، والأمراض التي يعاني منها أهله في وطنه الأم.
   فيا أيها الصوت الناعم..
   اننا نرفض وجهة نظرك، ونعتبرها تحدياً للرجولة وللعاطفة التي تدفقت عبر الهاتف بسبب نعومة الصوت، وقد تكون صاحبته غير ناعمة، وأؤكد لك ان الاحتراق كان يهدد أسلاك الهاتف لو أعطينا القلب مداه في الاسترسال العاطفي وعبارات الغزل.
   فمع كل رفـّة جناح، وزقزقة عصفور، واخضرار حديقة على ضفاف بحيرة، يخفق القلب لوجه جميل، وثغر طموح، وتتدفق كلمات الشعر تبحث عن الحبيبة، وتنثر على هامها أزهار اللوز، ولمسات الهيام، وتضمها ضم الغريق للشراع في بحر بعيد.
   وعند ابتعاد الحبيبة وتنائيها، تضيق البحار، وتصغر الأجواء، وتتحوّل فاكهة الموسم، وأثمارها الشهية، الى نكهة لا تضاهي شفاه الحبيبة، ويعجز دفء الشمس عن مجاراة لمسات حنانها، وتتحوّل الموسيقى الكلاسيكية الى نشاز اذا ما قورنت بصوت الحبيبة البعيدة، ونداءات صوتها العذب.
   وبعد هذا يا صاحبة الصوت الناعم، والوجه المجهول، هل تتجرئين على اتهامنا بجفاف العاطفة، وتتهمين الذين حملوا نزار قبّاني، وعلّقوا أشعاره على كل جدار معبد أو منزل أو صحيفة بالعجز عن التغزل بالمرأة والجمال؟
   سامحك الله، وأبقى صوتك ناعماً ووجهك مجهولاً، لئلا نصدم اذا سعدنا يوماً بالطلعة البهية.
النهار، العدد 522، 15/1/1987
**